تسديد القواعد في حاشية الفرائد

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري

تسديد القواعد في حاشية الفرائد

المؤلف:

الشيخ محمّد الإمامي النجفي الخوانساري


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧١٩

بحكم فى موضوع نفس هذا الحكم للزوم الدّور ولا فى موضوع مثل هذا الحكم او ضدّه للزوم اجتماع المثلين والضّدين امّا لزوم الدّور فلتوقّف شخص هذا الحكم واقعا على القطع به ضرورة توقّف الحكم على موضوعه وتوقّف تحقّق القطع به على تحقّقه ضرورة انّه لو لا ذلك كيف يتعلّق القطع به ومنع توقّف تحقّق القطع به على تحقّقه قياسا له بما اذا أخطأ توهّم محض ودفعه أنّ فى مورد الخطأ يكون المتعلّق مثل الحكم لا نفسه والدّور انّما هو فى اخذه فى موضوع شخص المتعلّق به فتدبّر وامّا لزوم احد الاجتماعين فهو وان لم يكن بلازم عند الحاكم الّا انّ عند القاطع لا محيص من ذلك فانّه حين القطع لا يمكنه تصوير اجتماع حكمين مثلين او ضدّين فى موضوع واحد فكيف يحكم بالمثل او الضدّ عليه نعم يمكن انشاء حكم المماثل او المضادّ فيما لو تعلّق القطع بالحكم فى مرتبة الانشاء كالاحكام المخزونة فى زمان الغيبة عند امامنا صاحب العصر عجّل الله تعالى فرجه لعدم المقتضى لاظهارها ولو من جهة عدم استعداد العباد فيصحّ أخذ القطع بهذه المرتبة من الحكم فى مرتبة أخرى منه او من مثله او ضدّه لعدم لزوم محذور لا عند الحاكم ولا عند القاطع وامّا الظّن فيشارك القطع فى انّه لا يجوز ان يؤخذ فى موضوع نفس الحكم المظنون للزوم الدّور ويفارقه فى جواز اخذه فى موضوع مثل متعلّقه او ضدّه فانّ مرتبة الحكم الظّاهرى محفوظة للظنّ فلا يلزم اجتماع المثلين او الضدّين بخلاف القطع فانّه يوصل الحكم الى مرتبة لا يبقى معها مجال للحكم الظّاهرى فيفترق القطع عن الظّن ايضا بامكان جعل الشارع حكم الشّىء واقعا وحكمه مظنونا مختلفين لاختلاف الموضوع فيهما بخلاف القطع لانّ المقطوع والواقع شيء واحد ولو فى نظر القاطع ولا يمكن ان يجعل للشّيء الواحد حكمان مختلفان للزوم التّناقض وبينهما فرق من وجهين آخرين ايضا الاوّل انّ القطع الطريقى مطلق ولا تعليق فيه اصلا بخلاف الظّن فانّ اعتباره معلّق على انتفاء القطع وعدم امارة خاصّة من قبل الشّارع تكون مقدّمة عليه فى المرتبة خلافا لصاحب الفصول حيث حكى عنه انّه يجوز للشّارع ان يقول للمكلّف فى صورة امكان العلم لا تعمل به بل اعمل بالأمارة الفلانيّة فيعتبر فى حجيّة القطع انتفاء امارة مجعولة من الشّارع وقد مرّ امتناع التصرّف فيه نفيا وإثباتا الثّاني قد عرفت انّ القطع الطريقى لا يصير وسطا اصلا بخلاف الظّن فانّه يصير وسطا مطلقا ثمّ إنّ احكام الظّن بقسميه كاحكام القطع كذلك ولكن فى الجملة بيانه أنّ القطع الطّريقى طريق صرف وكاشف عن متعلّقه ويكون تمام الموضوع لحكم العقل بوجوب الاتّباع والجرى على طبقه وكذلك الظّن الطريقى المجعول والقطع الطريقى لا يعقل الفرق بين أسبابه وأما الظّن الطريقى فان كان دليل اعتباره هو العقل كما هو المفروض فى دليل الانسداد على فرض تماميّة مقدّماته وكون النّتيجة حكومة العقل باعتباره فلا اشكال ح فى عدم الفرق بين أسبابه وان كان هو الشّرع فلا اشكال ايضا فى امكان الفرق بين اسبابه وخصوصيّاته بل هو واقع فى الشّرعيات فى الجملة وان كان هو بناء العقلاء

٤١

كما فى الظّن الاستصحابى او خبر الثّقة المفيد للاطمئنان بالصّدور فقد يستشكل فيه بانّ بنائهم على العمل بالظنّ فى اىّ مورد فرض ليس الّا من حيث الانكشاف الظنّى ولا يعقل ان يختلف هذا المعنى باختلاف الأسباب والإنصاف عدم الاشكال فى امكان الفرق عندهم بين اسبابه وخصوصيّاته كما نرى ذلك منهم فى خصوص المثالين فانّ بنائهم على العمل بخصوص الظّن الحاصل من الحالة السّابقة او خبر الثّقة ولا يعملون بغيرهما وان افاد ظنّا اقوى مرتبة من الظّن الحاصل منهما والقطع الطريقى يقوم مقامه الامارات والاستصحاب وامّا الظّن الطريقى فكذلك يقوم مقامه الطرق الشرعيّة والاستصحاب بنفس دليل اعتبارهما حيث انّ الظّاهر من دليلهما هو ترتيب آثار الواقع على مؤدّى الطّرق والقاء احتمال الخلاف فى الاستصحاب فالطّرق والاستصحاب يفيدان فائدته فى الكشف عن الواقع ولكن هذا فى الطّريق الّذى يكون مرتبته بحسب الجعل متأخّرة عن الظّن الّذى يمكن ان يقوم مقامه عند فقده والّا فمع فرض طريقين معتبرين وظنّين خاصّين وتساوى مرتبتهما لا ترجيح لاحدهما على الآخر حتّى يكون أصلا والأخر فرعا وأمّا الظّن الموضوعى باقسامه فهو مشارك مع القطع كذلك بما ذكر له من الاحكام ثمّ إنّ طريقيّة الظّن انّما هى بالنّسبة الى الحكم الواقعى المجعول للشّيء بما هو هو فى الواقع ويسمّى حكما ظاهريّا من جهة ما عرفت من كون طريقيّة ناقصة ولا بدّ فى اعتباره من دليل فالظّن الّذى هو طريق بدليل اعتباره الى حكم متعلّقه يكون موضوعا دائما بالنّسبة الى الحكم الظّاهرى وموضوعيّته الّتى قسيم لطريقيّة انّما هى كموضوعيّة العلم ايضا تكون بالنّسبة الى الحكم الواقعى لكن بمعنى كون الحكم الواقعى مجعول للشّيء المظنون هذا كلّه فى القطع والظّن وامّا الشّك فهل يمكن اعتبار الطريقيّة فيه قيل لا وانّه يمتنع جريانها فيه فهو على عكس القطع حيث لا يمكن ان يحكم بعدم اعتباره طريقا لخلو الشّك عن جهة الكشف وان امكن حكم الشّارع تعبّدا بالبناء على احد الاحتمالين كما هو الواقع فى جميع موارد الأصول لكنّه ليس من طريقيّة الشّك فى شيء ومن ذلك يظهر عدم جريان القسم الاوّل من الموضوعى وهو اخذه فى الموضوع على وجه الطريقيّة ايضا ولكنّ الصّواب هو وجود جهة الكشف والطريقيّة فيه ايضا لما نرى من انّه لو انسدّ باب العلم والظّن والعياذ بالله وبقى الاحكام مشكوكة كان الشّك عند ذلك طريقا بمعنى لزوم الأخذ باحد طرفى الشّك على وجه التّخيير ولا يجوز الرّجوع الى غيرهما ضرورة انّ الموافقة الاحتماليّة اولى من المخالفة القطعيّة وقد صرّح المصنّف ره بهذا فى موارد منها فى ذيل الوجه الثّانى من الوجوه المذكورة لاثبات المقدّمة الثّانية من مقدّمات دليل الانسداد حيث يقول بل الأنصاف انّه لو فرض والعياذ بالله فقد الظّن المطلق فى معظم الاحكام كان الواجب الرّجوع الى الامتثال الاحتمالى بالتزام ما لا يقطع معه بطرح الاحكام الواقعيّة انتهى والبناء على احد الاحتمالين قاعدة عقليّة يجرى فى جميع مسائل الشّكوك الّا اذ اقام دليل على خلافه كما عيّن الشّارع فى بعض

٤٢

شكوك الركعات بالبناء على خصوص الاكثر وحكم فى باب الاستصحاب بالبناء على الاقلّ وذلك لحكمة وهى بقاء الصّلاة مصونة عن تطرّق الخلل اليها من جهة الزّيادة والنّقصان فانّه كما حكم بالبناء على الاكثر حكم بصلاة الاحتياط ايضا فالبناء على الاكثر لصون الصّلاة عن الزيادة والجبر بصلاة الاحتياط لصونها عن النّقيصة إلّا ان يقال انّ الشّك لو امكن اعتباره لزم التّرجيح من غير مرجّح اذ لا نعنى باعتباره الّا انّ الشّىء بمجرّد كونه مشكوكا يحكم فيه باحد طرفى الشّك وهو المراد من اللّازم كما لا يخفى الّا انّ المكلّف فى حالة الشّك لا يخفى عن احد الاصول الأربعة من البراءة والاشتغال والاستصحاب والتّخيير بحسب اختلاف احواله من الشّك فى التّكليف او المكلّف به او وجود الحالة السّابقة وليس ذلك من جهة اعتبار الشّك بل هو موضوع لتلك الأحكام والله تعالى هو العام وأمّا أخذ الشّك فى الموضوع من حيث كونه صفة من الصّفات من غير ان يلاحظ فيه جهة الطريقيّة فلا اشكال فى جوازه ضرورة كون الشّك كالعلم والظّن من حيث كونه وصفا من اوصاف المكلّف إلّا انّ ذلك مجرّد فرض ولم نجد ثبوت حكم واقعىّ معلّق على الشّك بان يكون الحكم واقعا تابعا للشكّ ومع عدمه لا يكون حكم فى الواقع وامّا الأصول والقواعد الّتى يكون الشّك مأخوذا فى موضوعاتها فهى احكام ظاهريّة وليست من الحكم الواقعى الاوّلى نعم قد وقع فى الشّرع ما تعلّق الحكم الواقعى بعنوان ينطبق على الشّك كالإفطار فى الصوم المعلّق على الخوف وكعدم العلم بكون الشّىء من الدين الماخوذ فى موضوع التشريع المحرّم قوله (والظّن المعتبر طريق بجعل الشّارع) قد علمت انّ حجيّة الظّن واعتباره قد يكون من دليل عقلىّ وذلك على تقدير تماميّة دليل الانسداد وكون النّتيجة حكومة العقل بحجيّته الّا ان يقال انّ معنى حجيّة الظّن فى نتيجة دليل الانسداد على تقدير الحكومة هو حكم العقل بكفاية الامتثال الظنّى فى تفريغ الذّمة عن التّكاليف المعلومة بالإجمال والخروج عن عهدتها لا حجيّته فى طريق احرازها واثباتها فالحكم العقلى واقع فى مقام الامتثال لا فى طريق الأثبات فتامّل او يقال انّ المصنّف ره أراد من الشّارع الاعمّ من الشّارع الظاهرىّ والباطنى فيعمّ العقل ايضا الّا انّه خلاف الظّاهر أو يقال انّه اورد الكلام على مختاره من عدم تماميّة دليل الانسداد وعدم حجيّة مطلق الظّن قوله (الّا انّ الظّن ايضا قد يؤخذ طريقا مجعولا الى متعلّقه الخ) لا يخلو العبارة من تشويش وما يمكن ان يقال فى المراد منها انّه قد عرفت كون الظّن الطريقى جامعا لاعتبارين فانّه لا بدّ وان يؤخذ فى موضوع الحكم الظّاهرى ويكون وسطا لاثبات حكم متعلّقه فهو من حيث انّه طريق الى حكم متعلّقه يكون طريقيّا ومن حيث انّه مأخوذ فى الحكم الظاهرى يكون موضوعا له فالظنّ امّا طريقى وامّا موضوعى والاوّل على قسمين لانّ المأخوذ طريقا مجعولا الى متعلّقه اذا طابق المواقع كان موضوعا للحكم الظاهرى على وجه الطريقيّة لحكم متعلّقه واذا خالفه كان موضوعا للحكم الظّاهرى على وجه الطريقيّة لحكم آخر يخالف لحكم متعلّقه والموضوعى هو ما يؤخذ موضوعا للحكم الواقعى بحيث يكون الحكم الواقعى منوطا به وقد اخذ لا على

٤٣

وجه الطريقيّة لحكم متعلّقه او لحكم آخر ولا يطلق عليه الحجّة باصطلاح الأصولى كما يمكن ان يقال فى المراد منها إنّ الظّن قد يؤخذ طريقا مجعولا الى متعلّقه فهو حجّة شرعيّة لاثبات متعلّقه وواقع فى طريق احرازه وكشفه سواء أخذ موضوعا على وجه الطريقيّة لحكم متعلّقه ايضا أو اخذ هذا الظّن موضوعا على وجه الطريقيّة لحكم آخر بشرط ان لا يكون مضادّ الحكم متعلّقه ولا مماثلا له والمقصود هو اخذه طريقا صرفا بالنّسبة الى متعلّقه فى الصّورتين وعلى المعنى الثّانى يجيء الأشكال المتقدّم فى اخذ القطع موضوعا على وجه الطريقيّة وقد يؤخذ موضوعا صرفا لا على وجه الطريقيّة لحكم متعلّقه او لحكم آخر وهذا كما مثّلنا بما اذا قيل ان ظننت بوجوب شيء يجب عليك التصدّق بكذا ويمكن ان يؤخذ الظّن موضوعا لحكم مماثل لحكم متعلّقه من دون ان يكون طريقا الى متعلّقه وحجّة لاثباته فمع مصادفة الظّن للواقع يتاكّد الحكمان وليس من باب اجتماع المثلين لانّ الموضوعين متغايران ويكون من قبيل تعلّق النّذر بالواجب ومع عدمها فلا اشكال ايضا لما عرفت سابقا من امكان كون حكم الشّىء واقعا وحكمه مظنونا مختلفين ومن هنا يعلم انّه لا اشكال فيما لا يكون طريقا الى متعلّقه ان يؤخذ موضوعا لحكم يضادّ حكم متعلّقه لانّ الموضوعين متغايران ومرتبة الحكم الظاهرى محفوظة للظنّ وامّا اذا اخذ الظّن طريقا مجعولا الى متعلّقه فلا يمكن ان يؤخذ موضوعا لحكم يماثل حكم المتعلّق او يضادّه لاجتماع المثلين او الضّدين فتدبّر وراجع ما اسلفناه قوله (لكنّ الكلام فى انّ قطعه هذا هل هو حجّة عليه من الشّارع وان كان مخالفا للواقع) ينبغى تقديم أمور الأوّل انّ ظاهر هذه العبارة يخالف ما تقدّم منه ره فإنّه ذكر انّ القطع حجّة وحجيّة ذاتيّة بحيث لا يمكن للشّارع التصرّف فيها نفيا واثباتا وظاهر التّعبير هنا جواز تصرّف الشارع فى حجيّة وما قيل فى توجيه العبارة وجوه الأوّل انّ الكلام فى السابق يكون فى القطع المطابق للواقع وهنا فيما خالفه وفيه انّ من الواضح كون الكلام فى السّابق اعمّ من المطابق والمخالف مع انّ القاطع لا يراه الّا مطابقا فلا يمكن للشّارع التصرّف فيه نفيا وإثباتا الثاني انّ الكلام فى السّابق يكون فى الوجوب العقلى وهنا فى الوجوب الشرعىّ وفيه انّه قد صرّح فى السّابق بانّه لا يجوز للشارع ان ينهى عن العمل به فكلامه فى السّابق كان من حيث الوجوب الشرعى ايضا الثالث أنّ الكلام هناك كان فى وجوب العمل بالقطع وهنا يكون فى الحسن والقبح بحيث يكون مقطوع الخمريّة قبيحا وان لم يكن خمرا فى الواقع وفيه انّ وقوع الكلام فى التجرّى من حيث الحسن والقبح والمدح والذّم والثّواب والعقاب على ما ستطّلع على تفصيله لا مساس له بهذا الاشكال فانّ الاشكال هو تنافى ظاهر العبارة حيث يقول لكنّ الكلام فى انّ قطعه هذا إلخ وكذا ما سيجيء فى المتن حيث يقول لكن لا يجدى فى كون الفعل محرّما شرعا مع ما تقدّم من كون القطع حجّة ذاتيّة وانّه طريق الى متعلّقه فيترتّب عليه احكام متعلّقه ولا يجوز للشّارع ان ينهى عن العمل به وبالجملة لا اشكال فى وقوع النّزاع

٤٤

فى صيرورة ما لم يكن حراما او واجبا بسبب تعلّق القطع به حراما وواجبا واقعا وعدمها وكذا فى استحقاق العقوبة وعدمه على فعل ما قطع باستحقاقه وكيف يتصوّر هذا النّزاع مع قطعه بكون الفعل واجبا او حراما واستحقاق العقوبة على المخالفة والحال انّ قطعه حجّة الرّابع وهو الصّواب فى توجيه العبارة انّ النّزاع ليس فى تكليف القاطع بحسب اعتقاده فانّه يرى نفسه مستحقّا للعقاب ولا يحتمل عدمه ولا يمكن للشّارع التصرّف فى قطعه بل النّزاع فيما هو الثّابت واقعا فمعنى العبارة انّ المقطوع به هل يصير كاحد المحرّمات بحيث يكون مقطوع الخمريّة حراما واقعا كالخمر الواقعى أم لا وبعبارة اخرى النّزاع انّما هو فى مؤاخذة الشّارع المكلّف على مقتضى قطعه وعدمها الثّاني انّ الكلام فى التجرّى وتعلّق القطع بايجاب ما ليس بواجب فى الواقع او تحريم ما ليس بحرام كذلك ان وقع فى انّه هل يوجب ذلك استحقاق العقوبة على المخالفة واستحقاق المثوبة على الموافقة كما انّه كذلك فى صورة تعلّقه بالايجاب والتّحريم الواقعيّين أم لا فالمسألة كلاميّة وان وقع فى انّه هل يوجب ذلك اتّصاف فعل ما قطع بوجوبه او بحرمته بالتّحسين والتقبيح العقليّين لكى يستتبع ذلك الاتّصاف بالوجوب والحرمة الشرعيّين أم لا فالمسألة اصوليّة عقليّة وان وقع فى انّه هل يحكم بالوجوب شرعا والحرمة كذلك ام لا فالمسألة فقهيّة وظاهر المصنّف تقرير النّزاع على هذا الوجه وقد صرّح به فى مقام الردّ على كون الذّم على الفعل المتجرّى به بقوله والحاصل انّ الكلام فى كون هذا الفعل الغير المنهىّ عنه واقعا الخ الثّالث أنّ النّزاع انّما هو فى القطع الطريقى وما هو جزء للموضوع بحيث يكون الحكم محمولا على الواقع بشرط اتّصافه بالقطع وامّا القطع الموضوعى الصّرف اى الّذى يكون تمام الموضوع فليس محلّا للكلام اذ لا واقع ح غير قطعه حتّى يكون القطع مخالفا له او موافقا قوله (ظاهر كلماتهم فى بعض المقامات الاتّفاق الخ) الأقوال او الوجوه فى هذه المسألة خمسة الاوّل هو الحرمة ونسب هذا الى المشهور الثاني عدم الحرمة واستقرب هذا سيّد مشايخنا فى المفاتيح الثالث التفصيل الآتى عن صاحب الفصول الرّابع التوقّف بناء على انّه قول فى المسألة وحكى هذا القول عن العلّامة فى النّهاية وشيخنا البهائى عليهما الرّحمة الخامس التفصيل بين ما اذا استمرّ القطع او الظّن ولم ينكشف مخالفتهما للواقع وما لو انكشف مخالفتهما فيستحقّ العقاب فى الاوّل دون الثانى ونسب هذا القول الى العلّامة فى التّذكرة والحقّ عدم الحرمة مط لعدم الدّليل عليها بل الدّليل على عدمها فهنا مقامان الأوّل فى بطلان ادلّة القائلين بالحرمة والثّانى فى بيان الأدلّة على عدمها وأدلّة القائلين بالحرمة وجوه الاوّل دعوى الإجماع فى مسئلة ظانّ ضيق الوقت على العصيان وان انكشف بقاء الوقت والتّعبير بالظّن من باب ادنى فردى الرجحان وكذا دعوى عدم الخلاف فى انّ سلوك الطريق المظنون الخطر او مقطوعه معصيته يجب اتمام الصّلاة فيه ولو بعد انكشاف عدم الضّرر فيه الثانى بناء العقلاء على استحقاق العقاب والمؤاخذة الثالث حكم العقل بقبح التجرّى الرّابع

٤٥

حكمه ايضا من حيث الترديد والدّوران كما فى المتن بانّا اذا فرضنا شخصين قاطعين بان قطع احدهما بكون مائع معيّن خمرا وقطع الأخر بكون مائع آخر خمرا الخ ما فى المتن والجواب امّا عن الاجماع فبأنّ المحصّل منه غير حاصل وكيف يتحقّق الحدس والكشف مع مخالفة جمع من الاعلام والمنقول منه غير حجّة وعلى فرض تحقّق الاجماع لا يثمر لأنّ المسألة عقليّة والاتّفاق فيها لا يستلزم الحدس والكشف على رأى المعصوم ع كما هو المقرّر فى محلّه وان علم فى صورة اتّفاق جميع العقلاء على امر بحكم المعصوم ايضا الّا انّ استكشاف ذلك ح من حيث كونه رئيسهم لا من حيث كونه شارعا ومبيّنا فالحجّة ح هى حكم العقل وعلى اىّ حال فحيث انّ المسألة عقليّة يكون الاستكشاف مع اتّفاق الكلّ حاصلا من دون ريب ولكن اين هذا من الاجماع فى المسألة الفرعيّة الّذى يكتفى فيه باتّفاق الجلّ ويستكشف منه حكم الشّرع وامّا عن بناء العقلاء فبأنّه لو سلّم فانّما هو على مذمّة الشّخص من حيث انّ هذا الفعل يكشف عن وجود صفة الشّقاوة فيه لا عن نفس فعله ومن هنا يظهر الجواب عن حكم العقل فانّ حكمه لكشف ما تجرّى به عن خبث الفاعل وامّا عن حكم العقل بطريق الدّوران فنلتزم باستحقاق من صادف قطعه الواقع لانّه عصى اختيارا دون من لم يصادف لا من حيث المصادفة وعدمها وذلك لا يستلزم اناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار فانّ المسلّم من حكم العقل ومن اتّفاق الكلّ هو عدم ايجاب الفعل الغير الاختيارى للعقاب لكن ايجابه لدفع استحقاق العقاب ممّا لا يمنعه العقل ويشهد به النّقل كالاخبار الواردة فى سنّ السنّة الحسنة والسّيئة فإن قلت إنّ هذه الأخبار لا تشهد لما ذكرتم بل كثرة العامل بالسنّة السّيئة لا تكون اختياريّة وهى تدلّ على انّها سبب لكثرة عقاب من سنّها وهذه الاخبار مخالفة ايضا لكتاب الله عزوجل حيث يقول (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) فلا بدّ من طرحه وكذا ما ذكره المصنّف ره من انّه قد اشتهر انّ للمصيب أجرين وللمخطئ اجر واحد ليس فيها شهادة على ما افاده بل لعلّه يشهد على خلاف ما ذكره بالتّلازم فانّه يدلّ على استحقاق المنقاد للأجر والثّواب وان كان مخطئا ومن الواضح انّ الأجر حينئذ ليس الّا للانقياد ويدلّ بالملازمة على استحقاق المتجرّى للعقاب واسناد الجملة الى الشّهرة يشعر بعدم ثبوت نصّ فى ذلك قلت ثبوت العقاب على المعصية قد يكون لايجادها بالمباشرة وقد يكون لايجادها بالتّسبيب وامّا ما ذكر من الملازمة بين الثّواب والعقاب فممنوع جدّا لانّ الثّواب قد يكون بالتّفضّل والعقاب لا يكون الّا بالاستحقاق فثبوت الثّواب للانقياد لا يستلزم العقاب للتّجرى ثمّ انّه يمكن ان يقال فى الجواب عن حكم العقل بالدوران بعد فرض عدم اناطة استحقاق العقاب وعدمه بامر غير اختيارى انّ عقاب من صادف قطعه الواقع لا يكون الّا بالاختيار لانّه شرب الخمر مع القصد والاعتقاد بانّه خمر بخلاف من شرب الماء مثلا باعتقاد انّه خمر فانّه لم يفعل فعلا اختياريّا امّا

٤٦

شرب الماء فلعدم ارادته وقصده وامّا شرب الخمر فلعدم كونه خمرا فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد فلو كان مع ذلك مستحقّا للعقاب لكان امّا لأمر غير اختيارى وامّا لنيّة المعصية والاوّل باطل وسيجيء الكلام فى الثّانى فان قلت كيف يمكنكم القول بانّ عقاب من صادف قطعه الواقع لا يكون الّا بالاختيار مع انّ المصادفة للواقع لا يكون بالاختيار ولعلّ هذا هو مراد المستدلّ حيث يقول مستلزم لاناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار قلت إن اريد ذلك بالنّسبة الى فعل الفاعل فهو غير صحيح لوضوح انّ من شرب شيئا باعتقاد انّه خمر وكان خمرا فهو مختار فى فعله ومتعلّق التّكليف هو الفعل الصّادر عن ارادة وان اريد بالنّسبة الى مصادفة الواقع بمعنى انّ موافقة قطعه واعتقاده للواقع امر خارج عن اختيار الفاعل فهو مسلّم الّا انّ العقاب لا يتوقّف على كون جميع مقدّمات الفعل اختياريّا فانّ صدور فعل كذلك غير مقدور الّا لله سبحانه لوضوح انّ وجود الفاعل من المقدّمات وهو غير مختار فى وجوده وقد يستدلّ لحرمة التجرّى او لاستحقاق العقاب بوجوه أخر منها انّ الاحكام الصّادرة من الشّارع والخطابات الاوّلية متوجّهة الى من صادف قطعه الواقع ومن أخطأ وخالف الواقع وذلك لانّ التّكليف لا بدّ وان يتعلّق بما هو مقدور للمكلّف والمقدور هو الاختيار وحركة الارادة والانبعاث نحو الفعل فالتّكليف وان تعلّق فى ظاهر الدليل بشرب الخمر مثلا والمفروض انّه بنفسه متعلّق للتّكليف من دون اخذ العلم او الجهل به قيدا فيه الّا انّه بوجوده الواقعى ليس متعلّقا قطعا بل المتعلّق هو الانبعاث وحركة الارادة نحو شرب الخمر وهذا الانبعاث لا يحصل الّا بعد العلم بالموضوع الواقعى فالعلم وان كان طريقا بالنّسبة الى ذلك الموضوع الواقعى الّا انّه يكون موضوعا بالنّسبة الى الاختيار والانبعاث فمتعلّق التّكليف هو الانبعاث الصّادر عن العلم بالموضوع وهذا حاصل فى صورتى المصادفة وعدمها لما عرفت من انّ التّكليف فى لا تشرب الخمر مثلا فى الحقيقة ليس الّا تكليفا بالامر المقدور وهو الانبعاث والاختيار الجامع للصّورتين فمرجع القضيّة الى انّه لا تنبعث ولا تشرب ما تعتقد انّه خمر ولعلّ مراد المستدلّ بالدليل العقلى على وجه الترديد الّذى قد تقدّم هو ذلك وعلى هذا التقرير يكون المتجرّى عاصيا حقيقة والجواب انّ هذا مبنىّ على دعويين الاولى اخذ الاختيار ونفس الارادة نحو ما علم انّه خمر متعلّقا للتّكليف والثّانية اخذ العلم الّذى هو طريق الى الموضوع الواقعى على وجه الصّفتيّة بالنّسبة الى الإرادة ومنعهما بمكان من الوضوح امّا الاولى فلانّ اشتراط القدرة فى متعلّق التّكليف امر معلوم ولكن لا يلزم منه صرف التّكليف الى الارادة بل المتعلّق كما هو ظاهر القضيّة المفروضة هو نفس الفعل وشرب الخمر المقيّد بكونه صادرا عن اختيار وارادة وامّا الثانية فلانّ بعد فرض كون العلم طريقا الى الموضوع الواقعى وانّ الحكم محمول عليه من دون اخذ العلم او الجهل به قيدا فيه يمتنع اخذه على وجه الصفتيّة فى الإرادة وهل هذا الّا

٤٧

تناقض بيّن وما ذكره من انّ الانبعاث لا يحصل الّا بعد العلم بالموضوع الواقعى لا اشكال فيه لوضوح انّ العلم بالموضوع واقع فى سلسلة مقدّمات الإرادة واختيار الفعل الّا انّ هذا لا يخرجه عن الطريقيّة للواقع ولا يصيّره موضوعا على وجه الصفتيّة فى الإرادة وهذا واضح جدّا وبالجملة فبطلان احدى الدعويين كاف فى دفع هذا الوجه فكيف وبطلانهما معا فى غاية الوضوح ومنها انّ حسن الفعل وقبحه الموجب لتشريع الحكم كما يلحقان الفعل لجهات لا حقة به مقتضية لهما بشرط العلم كذلك قد يلحقان الفعل بمجرّد العلم فانّ القبيح قد يحسن لعلم الفاعل بحسنه والحسن قد يقبح لعلم الفاعل بقبحه فصفة تعلّق العلم بشيء تكون من الصّفات والعناوين الطّارية على ذلك الشّىء والمغيّرة لجهة حسنه وقبحه فالقطع بخمريّة ماء مثلا موجب لحدوث مفسدة فى شربه تقتضى قبحه فيكون الفعل قبيحا وكذلك القطع بوجوب شيء موجب لحدوث مصلحة فيه تقتضى حسنه فيكون الفعل حسنا ويستتبع بقاعدة التّلازم الحكم الشّرعى بوجوب الفعل او حرمته بلحاظ القطع به وجوبا او تحريما والدّليل على ذلك هو الرّجوع الى الوجدان فانّ الإنسان يرى نفسه اذا كان عبد المولى او كان له عبد مستحقّا للذّم والمؤاخذة من المولى او من عبده فيما تجرّى به على سيّده او تجرّى به عبده ويرى هذا الاستحقاق كالاستحقاق فى المخالفة القطعيّة ويتّضح ذلك ايضا من ملاحظة القاطع المنقاد فانّا نرى انّ مقابلته بالاحسان والمدح ليست كالإحسان والمدح بالنّسبة الى من لم يفعل شيئا حتّى يكون لمجرّد التّفضّل ففى المتجرّى مثله وعلى هذا التّقرير ايضا يكون المتجرّى عاصيا حقيقة والجواب اوّلا انّ الفعل الّذى حصل التجرّى والانقياد به لا يكاد يتفاوت حاله حسنا وقبحا عمّا هو عليه واقعا والعلم الطريقى المتعلّق بالفعل لا يؤثّر فيه بان يوجب حرمة ما ليس بحرام او وجوب ما ليس بواجب فى الواقع ولا يغيّر صفة الفعل وان قلنا انّ الحسن والقبح يعرضان له بالوجوه والاعتبارات لبداهة ان ليس كلّ وجه واعتبار يغيّر صفة الفعل والتّامّل الصادق شاهد بما قلنا وحال العلم الطريقى بالنّسبة الى الفعل كحال البصر فى المبصرات فكما انّه لا يؤثّر فيها فكذلك العلم لا يؤثّر فى المعلوم ولا يغيّره عمّا هو عليه من المصلحة والمفسدة وليس من قبيل الضّرر والنفع العارضين على الصّدق والكذب والمغيّرين لجهة الحسن والقبح والعلم بخمريّة ماء لا يوجب انقلابه عمّا هو عليه وصيرورته قبيحا فالحسن والقبح الملاكان للحكم العقلى لا يكاد يوجدان فى الشّىء بسبب تعلّق القطع به وكذا المحبوبيّة والمبغوضيّة للمولى فكلّ فعل هو محبوب للمولى لا يصيّره العلم بمبغوضيّة مبغوضا وما هو مبغوض له لا يصيّره العلم بمحبوبيّة محبوبا أترى انّ القطع بكون ابن المولى عدوّه يوجب محبوبيّة قتله او كون عدوّه ابنا له يوجب مبغوضيّة قتله وثانيا لو سلّمنا انّ العلم بخمريّة الماء يوجب انقلابه عمّا هو عليه نقول انّ الفعل كيف يحرم او يجب شرعا بلحاظ القطع به وجوبا او تحريما وكيف يصحّ توجيه الخطاب بهذا العنوان وذلك لا لمكان انّ العلم لا

٤٨

يكون ملتفتا اليه غالبا والفاعل لا يشرب الخمر بعنوان انّه معلوم الخمريّة بل بعنوان انّه خمر حتّى يمنع بانّ الالتفات الى العلم من اتمّ الالتفاتات بل هو عين الالتفات ولا يحتاج الى التفات آخر فهذا لا يصلح ان يكون مانعا عن توجيه الخطاب بل لأنّ هذا الخطاب لا يكون داعيا للمكلّف بالامتثال فيكون لغوا حيث انّ داعيه يحصل بنفس القطع فيكون حاله حال اوامر الإطاعة وثالثا انّ الخطاب المتوجّه باعتبار العلم ان كان نفس الخطاب الثّابت للمتعلّق فهو خلف وان كان حكما آخر مماثلا لذلك الحكم لزم اجتماع المثلين فى نظر القاطع دائما لانّ موضوع الحكمين بنظره امر واحد وليس من قبيل عنوانين واجبين او محرّمين يكون النّسبة بينهما عموم من وجه وكلّ منهما يصلح للبعث فى مادّة الافتراق من جانبه وقد طريا على موضوع واحد فلو كان للخمر حكم ولمعلوم الخمريّة ايضا حكم وعلم بخمريّة شيء قطع بثبوت الحكم والحرمة الثابتة لذات المتعلّق ويكون الحكم الأخر الثابت لمعلوم الخمريّة لغوا عنده اذ ليس له مورد افتراق يصحّ بلحاظه طروّ الحكم وهذا واضح ومنها انّه لا اشكال ولا خلاف فى باب التجرّى فى مذمّة الفاعل من حيث كشف فعله واتيانه بما يعتقد كونه مبغوضا للمولى عن وجود صفة الشّقاوة فيه وهذا ممّا يحكم به العقل الصّريح بل نرى بناء العقلاء على مذمّتهم للعبد الّذى علموا من حاله انّه لا يأبى عن معصية المولى وان لم يصدر منه فعل فى الخارج ويتّضح هذا من ظهور مذمّتهم وتقبيحهم لمن عرفوا من حاله انّه بحيث لو قدر على قتل سيّده لقتله وح فنقول انّ مذمّة الفاعل وتقبيحه انّما هى من حيث تجرّيه الكاشف عن سوء سريرته فالتجرّى قبيح ولو من تلك الحيثيّة المذكورة لانّه يصدق على الفعل فالفعل يتّصف بالحرمة والمبغوضيّة من جهة اتّحاده مع العنوان القبيح والمبغوض وبالجملة لا نقول باتّصاف الفعل بالقبح والحرمة من جهة تعلّق العلم به حتّى يمنع من كون العلم بالحرمة مؤثّرا فيها بل نقول بعد تسليم انّ الحسن والقبح يعرضان الفعل بالوجوه والاعتبارات انّ التّجرى وان كان قبيحا من جهة كشفه عن خبث باطن صاحبه فهو من الحالات والأوصاف الّا انّه يكون من مقولة الفعل ايضا فانّه من العناوين الّتى تصدق على الفعل الصّادر وينطبق عليه فالفعل المتجرّى به حرام ومبغوض لا من حيث هو هو بل من حيث انطباق التجرّى عليه نعم لو كان من الحالات والاوصاف الصّرفة ولم يكن من العناوين الصّادقة على الفعل ايضا لم يكن وجه لايجاب قبحه تحريم الفعل ولكنّ الإنصاف يشهد بخلافه وبصدقه عليه وان كان يظهر من المصنّف ره كما ستسمعه بعد هذا التّرديد فى ذلك حيث يقول لا اشكال فى استحقاقه الذّم من جهة انكشاف خبث باطنه وسوء سريرته بذلك وامّا استحقاقه للذّم من حيث الفعل المتجرّى فى ضمنه ففيه اشكال هو على هذا التّقرير ايضا يكون المتجرّى عاصيا حقيقة والجواب اوّلا المنع عن تأثير التجرّى الّذى هو من الصّفات والحالات وكاشف عن خبث الفاعل وسوء سريرته فى الفعل شيئا من المذمّة والقبح فهو من الصّفات الصرفة والوجدان اقوى شاهد بذلك

٤٩

وثانيا لو سلّمنا كونه من مقولة الفعل وانّه قبيح ايضا فنمنع من كونه مستلزما لتوجيه الخطاب الى المكلّف وحرمته شرعا وذلك لوضوح انّ الفعل ومتعلّق التّكليف فعلا او تركا بما له من الجهة والعنوان لا بدّ ان يكون اختياريّا للمكلّف ويكون قادرا على الاطاعة والعصيان والعنوان الحاصل هنا ليس من هذا القبيل لانّ الشّخص المتجرّى انّما يقصد نفس الفعل لا الفعل بعنوان التجرّى فالمأتىّ به اختيارا انّما هو ذات الفعل الّذى لم يكن متعلّقا للخطاب لا الفعل بهذا العنوان فالفعل المأتيّ به من شخص المتجرّى وما هو المتجرّى به اختيارىّ له بذاته لا بما هو حرام وما يكون حراما غير اختيارىّ له وليس بمأتىّ به اختيارا وثالثا يمتنع توجيه الخطاب الى الآتي بقصد الحرام الغير المطابق للواقع بعنوان التجرّى او القاطع المخالف قطعه للواقع لانّه غير ملتفت الى هذا العنوان فانّه لا يحتمل خلاف ما قطع به ليشعر بالحكم بما له من العنوان وبالالتفات يخرج عن كونه متجرّيا ورابعا انّ قبح الفعل من حيث كشفه عن شقاوة الفاعل ليس مختصّا بمن خالف قطعه الواقع بل يعمّ صورتى المصادفة وعدمها وعليه فاللّازم توجيه الخطاب على نحو يعمّ كلتا الصّورتين فان كان هو الخطاب الواقعى المتعلّق بذات الخمر لزم شموله لغيره ايضا وهو محال وان كان خطابا آخر لزم اجتماع حكمين متماثلين فى نظر القاطع على ما عرفت ومنها انّ القطع كما يكون علّة تامّة لاستحقاق الثّواب والعقاب فى صورة الموافقة يكون كذلك فى صورة المخالفة فلو قطع بحرمة الخمر وشرب ما اعتقده خمرا كان مستحقّا للذّم والعقوبة فنفس مخالفة القطع وموافقته علّة لاستحقاق العقوبة والمثوبة وصحّتهما ولو لم يطابق الواقع فالمناط فى حكم العقل باستحقاق العاصى للعقاب موجود فى المتجرّى وذلك من جهة انّ للعلم فى باب الاحكام العقليّة جهة موضوعيّة بل هو تمام الموضوع فى المستقلّات العقليّة من غير فرق بين الحكم العقلى الواقع فى سلسلة علل الاحكام ومناطاتها الرّاجع الى باب التّحسين والتقبيح وعليه يبتنى قاعدة الملازمة والحكم العقلى الواقع فى سلسلة معلولات الاحكام الرّاجع الى باب الاطاعة والمعصية وما يتفرّع عليهما من الثّواب والعقاب ومن ذلك حكمه بقبح المعصية فانّه لا يحكم بذلك الّا بعد العلم بالحكم الشّرعى ولا يمكن اعتبار خصوص العلم المصادف للواقع فانّ المصادفة وعدمها ليست من الامور الاختياريّة وان شئت قلت إنّ المناط فى حكم العقل باستحقاق العقاب هو جهة المبغوضيّة الفاعليّة الناشية عن علم المكلّف بالمعصية واتيانه بالفعل الّذى يعلم بكونه مبغوضا للمولى من دون مدخليّة للواقع فى ذلك أصلا وعلى هذا التقرير يكون المتجرّى فى حكم العاصى من حيث استحقاق العقاب من دون حرمة للفعل الصّادر والجواب انّ مدخليّة العلم فى المستقلّات العقليّة ممّا لا ينكر الّا انّ المسلّم من ذلك فى باب الثّواب والعقاب فى التّكاليف الشرعيّة هو خصوص العلم المصادف للواقع لا العلم مطلقا وهذا الاختصاص ليس من باب التخصيص فى موضوع الحكم العقلى بل هو من باب التخصّص فانّ غير المصادف جهل وليس

٥٠

بعلم لانّ العلم عبارة عمّا يكون كاشفا حقيقة واطلاقه على غير المصادف لمكان اعتقاده كشف الواقع عنده والّا فليس اعتقاده الّا جهلا مركّبا وبعبارة أخرى ليس حكم العقل باستحقاق العقاب محمولا على الاعتقاد فقط حتّى يكون تمام الموضوع لذلك بل معلّق على الواقع والعلم به ويكون كلّ منهما جزء للموضوع فانّ الواقع بما هو غير قابل لتنجّزه على المكلّف وتحريكه على الاطاعة ما لم ينكشف ولم يصل اليه وحاشا بالعقل ان يحكم باستحقاق العقاب بمجرّد تخيّل الكشف من دون ان يخالف حكما فى الواقع وبعبارة ثالثة حكم العقل بالاطاعة والعصيان وما يتبعهما من الثّواب والعقاب فى الأوامر الشرعيّة ونواهيها لا يكون الّا ارشاديّا من غير فرق بين القطع بالحكم والظّن والشّك حتّى فى القطع المطابق للواقع بيان ذلك انّ حكم العقل وادراكه انّما يتصوّر على وجهين الاوّل ان يدرك الحسن او القبح فى ذات الشّىء ويحكم بعد ذلك حكما انشائيّا امّا تكليفيّا على وجه الموضوعيّة بوجوب الاجتناب عن شيء او وجوب الاشتغال به كإدراكه حسن ردّ الوديعة وحفظ النّفس المحترمة وحسن مطلق الاحسان وحرمة الظّلم وقتل النّفس ونحوهما او تكليفيّا على وجه الطريقيّة كايجابه الاحتياط فى باب الدماء والفروج او غير تكليفىّ كحكمه بقبح العقاب بلا بيان فانّ العقل بعد ادراكه حسن هذه الأفعال او قبحها ينشأ حكما محمولا على هذه الأفعال مثل حكم الشّارع والزامه ويحكم ايضا باستحقاق الثواب والعقاب وفى هذا القسم يقال كلّما حكم به العقل حكم به الشرع الثّانى ان يحكم بشيء من الوجوب والحرمة او غيرهما ارشادا وتبعا لأجل أدراك مصلحة او عدم الوقوع فى مهلكة بمعنى انّه لا يدرك حسنا او قبحا فى الاشتغال بنفس الفعل ولا إنشاء ولا خطاب له بالنّسبة اليه اصلا وانّما يرشد الفاعل الى مطلوب واقعىّ وثمرات مترتّبة على الفعل والتّرك فليس فى حكم العقل الّا هداية اليها واخبار عن انّ غاية هذا الفعل منفعة او مضرّة واقعيّة مترتّبة عليه وهذا ليس حكما انشائيّا بل ليس حكما اصلا فانّ الحكم عبارة عن الانشاء والالزام والمفروض عدمهما فى هذا القسم بل هو مجرّد ارشاد وهداية للوصول الى مطلوب واقعىّ والاجتناب عن مبغوض كذلك نظير حكم العقل وأمر الطّبيب بوجوب شرب الدّواء الّذى يأمر الطّبيب بشربه فانّهما لا يحكمان بذلك من جهة الحسن الثّابت فى نفس الفعل بل ربما يكون الفعل بنفسه قبيحا مذموما ككون الدّواء متعفّنا ومتهوّعا وانّما يخبران عن انّ غاية هذا الفعل الوصول الى مصلحة الصّحة ومن أمثلة هذا القسم حكم العقل بوجوب مقدّمة الواجب وحرمة مقدّمة الحرام وبوجوب ترك ضدّ المأمور به لاجل الوصول الى فعل الواجب وحكمه بوجوب الاحتياط عند تنجّز التّكليف وامكان الاحتياط كالصّلاة الى اربع جهات عند اشتباه القبلة وحكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية فانّ العقل فى جميع ذلك يقول انّ ترك المقدّمة وعدم ترك الضدّ وترك الاحتياط وترك الاطاعة مفضية الى ترك الواجب الموجب للعقاب فيجب للاجتناب عنه حذرا عن الوقوع فى الضّرر الأخروى وهو العقاب على ترك اصل الواجب ولا اشكال فى انّ

٥١

مدخليّة العلم فى موضوع حكم العقل باستحقاق العقاب من القسم الثّانى فيما كان العقاب من تبعات الخطابات الشرعيّة فلا عبرة بالعلم المخالف للواقع فى استحقاق العقاب فى نظر العقل ولذلك يحكم بوجوب الاطاعة الظنيّة على تقدير انسداد باب العلم والعياذ بالله لو قلنا بانّ الظّن بالحكم مستلزم للظنّ بالعقاب وبعدم الاكتفاء بالاطاعة الظنّية عند التمكّن من الاطاعة العلميّة وليس من القسم الاوّل الواقع فى سلسلة علل الاحكام حتّى يمكن ان يقال بانّ العلم تمام الموضوع لحكمه وممّا ذكرنا يظهر ايضا انّ فى صورة مخالفة القطع للواقع ليس وراء كشف الفعل عن سوء سريرة الفاعل جهة مبغوضيّة فاعليّة توجب عند العقل استحقاق العقاب وأمّا حديث انّ المصادفة وعدمها ليست اختياريّة فقد مرّ الكلام فيه وعرفت الجواب عنه وامّا الادلّة القائمة على عدم الحرمة فامور منها انّ القول بحرمة التجرّى مستلزم للتّسلسل او ترجيح المرجوح على الرّاجح وكلاهما باطلان بيان ذلك انّ مع حرمة الفعل المتجرّى به امّا ان يكون التجرّى ايضا حراما فيلزم التسلسل لانّ التجرّى بهذا التجرّى ايضا يكون حراما ومنهيّا عنه وهلمّ جرّا نظير اوامر الإطاعة اذا كانت مولويّة وامّا ان لا يكون حراما فيلزم ترجيح المرجوح على الرّاجح لانّ نفس التجرّى من حيث كونه جرأة على المولى وهتكا لحرمته اولى بالحرمة من الفعل المتجرّى به فلو كان الفعل حراما دون التجرّى لزم ما ذكرنا فتأمّل ومنها ما تقدّم من انّ الحكم بالحرمة او ثبوت العقاب لما اقدم عليه بعنوان غير عنوانه الواقعى عقاب على امر غير اختيارى ومنها ما تقدّم من لزوم اجتماع المثلين بنظر القاطع بل يمكن ان يقال انّه يمتنع جعل حكم اصلا للفعل المتجرّى به وراء الحكم الواقعى لانّ الخمر اذا كان فى الواقع حراما فان كان مقطوع الحرمة ايضا حراما لزم اجتماع المثلين بنظر القاطع لعدم الفرق عنده بين مقطوع الخمريّة والخمر الواقعى وان كان لمقطوع الخمريّة حكم غير الحرمة لزم اجتماع الضدّين فى نظره فليس للفعل المتجرّى به بهذا العنوان حكم اصلا بل حكمه حكم الواقع ومنها ما تقدّم ايضا من انّ تعلّق النّهى وتوجيه الخطاب الى القاطع امّا غير ممكن او قبيح لانّه لو نهاه الشارع بهذا العنوان وقال ايّها القاطع الّذى يخالف قطعك للواقع لا ترتكب ما قطعت به فهذا غير ممكن لانّ القاطع ما دام قاطعا لا يحتمل الخلاف حتّى يرى نفسه مشمولا لهذا الخطاب وان احتمل الخلاف خرج عن موضوع الخطاب الّذى هو القاطع ولمثل هذا يحكم ببطلان عبادة النّاسى للجزء فى العبادة فانّه اذا غفل عنه فى اثنائها لم يتغيّر الامر المتوجّه اليه قبل الغفلة وان سقط عنه فعلا لاستحالة تكليف الغافل ولم يحدث بالنّسبة اليه امر آخر من الشّارع حين الغفلة بعنوانه لانّه غافل عن غفلته ومع الالتفات يخرج عن موضوع الغافل ولو نهاه بغير هذا العنوان وقال ايّها القاطع لا تخالف قطعك كان هذا النّهى لغوا فيقبح صدوره عن الشارع الحكيم لانّ هذا النّهى لا يزيد شيئا على القاطع ويحصل الدّاعى بنفس قطعه ولا يكون هذا الخطاب داعيا

٥٢

للمكلّف بالامتثال فيكون لغوا فانّه مع ارادة الامتثال يكفيه القطع بالحكم ومع عدم ارادة الامتثال لا يؤثّر فيه هذا النّهى هذا مضافا الى ما مرّ من عدم امكان تصرّف الشّارع فى القطع الطريقى نفيا وإثباتا ومنها ما ذكره المصنّف ره من انّا نجد من انفسنا الفرق فى مرتبة الذّم بين من صادف قطعه الواقع ومن لم يصادف فانّ بناء على حرمة التجرّى لا وجه للفرق وانكار الفرق مكابرة محضة ثمّ انّه قد ظهر ممّا ذكرنا بطلان التوقّف ايضا وأمّا تفصيل التذكرة فيمكن ارجاعه الى ما ذكرنا وان يكون مراده لو ظنّ ضيق الوقت عصى بنظر القاطع لو اخّر ان استمرّ الظّن فانّه مع مخالفته لقطعه يعلم بالعصيان وباستحقاق العقاب وان انكشف خلافه ظهر عدمهما قوله (ولو بعد انكشاف عدم الضّرر فيه فتامّل) هذه ثمرة المسألة فبناء على كونه معصيته يقصد حدّ المسافة من حين الانكشاف والّا فمن الابتداء ولبيان الثّمرة تتمّة سيأتيك إن شاء الله الله تعالى ثم إنّه مضافا الى ما سبق من المناقشة فى دعوى الاجماع على حرمة التجرّى يحتمل جدّا تضعيف كون الاتّفاق فى المسألتين دليلا على المقام وحرمة التجرّى واليه يشير بالامر بالتامّل امّا الاولى فلقوّة احتمال كون خوف الضيق تمام الموضوع لوجوب المسارعة الى الصّلاة لا ان يكون على وجه الطريقيّة الى الوقت وقد يتخيّل انّ حرمة التّأخير مع ظنّ ضيق الوقت ليس من باب التجرّى وان لم يكن تمام الموضوع وكان طريقيّا ارشاديّا وذلك لانّ استحقاق العقاب على مخالفة الظّن المعتبر شرعا وان انكشف خلافه لا يستلزم استحقاقه على مخالفة القطع اذا انكشف خلافه فانّ حجيّة القطع ليست شرعيّة مجعولة والحكم باستحقاق العقاب على مخالفته لا يكون الّا بناء على حرمة التجرّى بخلاف الظّن فانّ حجيّته مجعولة واعتبار الشّارع ايّاه يرجع الى جعل حكم ظاهرىّ للمظنون فالحكم الظاهرى كالحكم الواقعى فى انّ مخالفتها موجبة لاستحقاق العقوبة وعلى هذا فالحكم بالعصيان فى صورة الظّن وكشف الخلاف لا يدلّ على حكم التجرّى فى صورة القطع بالفحوى او تنقيح المناط ويؤيّد ذلك ما حكم به جماعة من الاجزاء فى العمل بالامر الظّاهرى الشّرعى بخلاف العمل بمقتضى القطع والامر التّخيلى العقلى وبالجملة ليس استحقاق العقاب فى مخالفة الظّن المعتبر دون القطع من آثار نفس الظّن او من آثار المظنون حتّى يلزم زيادة الفرع على الاصل بل من آثار حجيّة الظّن بالدّليل الشّرعى هذا ويدفعه انّ مع فرض كون الظّن القائم طريقيّا يكون الحكم دائرا مدار الواقع والأمر المتعلّق بالظنّ على فرض انشاء حكم على طبقه لا يكون الّا بملاحظة الواقع ويكون الظّن اعتباره بملاحظة كشفه عنه فلا معنى لترتّب استحقاق العقوبة على مخالفة نفس الظّن وليس الامر به الّا كالامر المقدّمى المتعلّق بالمقدّمة للوصول الى ذى المقدّمة فليس التامّل والاشكال الّا من جهة ما ذكرنا وامّا الثانية فلأنّ الظّاهر كون الظّن بالضّرر فى المسألة تمام الموضوع وليس طريقا ارشاديّا وذلك لانّ الضّرر الأخروى هو العقاب وحكم العقل بلزوم دفعه يكون ارشاديّا لا يستتبع حكما مولويّا وامّا الضّرر الدّنيوى

٥٣

فالعقل يحكم بلزوم دفعه علما او ظنّا او احتمالا عقلائيّا بمناط واحد وهو قبح الاقدام على ما لا يؤمن معه من الوقوع فى الضّرر ويكون عدم الامان منه تمام الموضوع لحكمه قوله (المستحيل فى حقّ الحكيم تعالى فتامّل) الظّاهر انّ الامر بالتامّل اشارة الى منع كون زيادة الذّم من المولى وغيره لاجل التشفّى ويحتمل ان يكون اشارة الى انّ المقصود ثبوت الفرق بينهما فى نفسهما ولا ينافى هذه الدّعوى ثبوت الفرق بينهما لاجل التشفّى ايضا وقد يتوهّم فى وجه التامّل انّ هذا التّاييد يكون تاييدا ودليلا للقائل بحرمة التجرّى للاعتراف فيه بثبوت الذّم فيمن لم يصادف قطعه الواقع وان كان الذّم فيه اقلّ بالنّسبة الى من صادف قطعه الواقع وكان الكلام فيما سبق منع الاستحقاق والذّم بالنّسبة الى من لم يصادف رأسا ولكنّه فاسد لأنّ هذا المتوهّم قد تخيّل انّ المذمّة الّتى ادّعى المصنّف ثبوتها فى الحالتين هى المذمّة على الفعل فدعاه هذا التوهّم الى الكلام المذكور مع انّ من الواضح ان غرضه هو المذمّة من حيث الفاعل قوله (وقد يظهر من بعض المعاصرين التّفصيل الخ) هو صاحب الفصول ذكر ذلك فى بحث معذوريّة الجاهل فى باب الاجتهاد والتقليد وحاصله التّفصيل بين ما اذا لم يكن لاصل الفعل مصلحة محسّنة كما اذا اعتقد الخلّ خمرا فتجرّى وشرب وما اذا كان لاصل الفعل مصلحة واقعيّة محسنة كما اذا اعتقد الواجب حراما او الحرام واجبا ففى الاوّل يترتّب الذّم والعقاب على الفعل لسلامة القبح العارض على الفعل عن المعارض وعلى الثّانى لا بدّ من ملاحظة التّرجيح بين الجهتين وذلك لانّ قبح التجرّى ليس ذاتيّا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات ويحتمل ان يكون غرضه انّ التجرّى ليس علّة تامّة للقبح بل هو من باب المقتضى واذا كان كذلك فيشترط فى اقتضائه للقبح فقدان المانع كسائر المقتضيات وعلى هذا فيحكم باستحقاق الذّم والعقاب فيما اذا لم يكن لاصل الفعل مصلحة لأجل بعض الوجوه المتقدّمة للقائلين بقبح التجرّى وثبوت العقاب وقد عرفت الجواب عن جميعها وامّا فى غيره فلا بدّ من مراعات التّرجيح بين الجهات الواقعيّة وجهات التجرّى ويرد عليه أن اراد البيان الاوّل أوّلا بعد تسليم كون الحسن والقبح فى بعض الافعال يكون بالوجوه والاعتبارات انّه لا اشكال فى انّهما فى بعض الافعال يكونان ذاتيّا وعلّة تامّة للحكم عند العقل وهو معترف بذلك كما ستطّلع عليه انشاء الله تعالى فى الامر الثّالث عند توضيح كلامه فى توجيه كلام القائل بانّ قطع القطّاع لا اعتبار به وانّ منه التجرّى على المولى فانّه قبيح ذاتا كالتكبّر على الله والظّلم وغير ذلك من العناوين الّتى لا تتغيّر عمّا هى عليها بل هو من اشدّ اقسام الظّلم لانّه ظلم على المولى وفى مقابله الانقياد له سبحانه فكما انّ الانقياد يمتنع ان يعرض له جهة مقبّحة كذلك التجرّى يمتنع ان يعرض له جهة محسّنة فكلّ من يلتزم بصدق المخالفة على الفعل لا بدّ

٥٤

من ان يلتزم بحرمته من غير تعليق لانّ عنوان المخالفة ممّا لا يمكن ان يعارضه جهة اخرى توجب ارتفاع القبح عنه وثانيا أنّ القول باستقلال حكم العقل فى ادراك الحسن والقبح لا يجتمع مع القول بانّهما قد يكونان بالوجوه والاعتبارات فانّ لكلّ فعل جهات شتّى لا يحيط بها الّا ربّ العالمين وثالثا انّه لو سلّمنا عدم كون التجرّى علّة تامّة للقبح والحرمة كالظلم فمن الواضح انّه ليس ممّا لا يعرض له فى نفسه حسن ولا قبح الّا بملاحظة ما يتحقّق فى ضمنه فلا شكّ فى كونه مقتضيا للقبح كالكذب يكون حراما ما لم يعرضه جهة محسّنة والجهة المحسّنة الواقعيّة لا تمنع عن اقتضائه ما لم تكن مستندة الى الاختيار بل الفعل ما لم يكن اختياريّا لا يتّصف بصفة الحسن والقبح لانّهما لا يقتضيان التّكليف الّا مع قصد عنوانهما وظاهر انّ شخص المتجرّى غير عالم بالجهة الواقعيّة ومع جهله لا يمكنه قصد العنوان حتّى يتّصف الفعل بالحسن والقبح الموجبين للتّكليف وبالجملة باب الحسن والقبح والمدح والذّم والثّواب والعقاب غير باب المصلحة والمفسدة والخواصّ والآثار الّتى لا دخل للعلم بها كتأثير شرب الخمر مثلا فى القساوة وتدنّس القلب ومجرّد كون الفعل المتجرّى به ذا مصلحة واقعيّة لا يوجب تغيير قبح التجرّى اذا لم تكن المصلحة معلومة ولم يكن المكلّف ملتفتا الى وجوبه والكذب الّذى يتوقّف عليه انجاء النّبى قبيح اذا لم يلتفت الى التوقّف والصّدق الموجب لهلاكه حسن اذا لم يلتفت الى ذلك فالجهة الظاهريّة الّتى يتعلّق بها القصد توجب التّكليف بخلاف الجهة الواقعيّة فانّها غير صالحة لذلك فلا تعارض الجهة الظّاهريّة من حيث الحسن والقبح وما يتبعهما قوله (وهو محلّ نظر بل منع) وذلك بدعوى ادراكنا مدح الشّىء وذمّه بما لا يكون اختياريّا وعليه يمكن ابتناء منع الدليل العقلى السّابق من انّ عدم العقاب لامر لا يرجع بالأخرة الى الاختيار قبحه غير معلوم ومبنى هذا المنع هو امكان مدخليّة الامور الخارجة عن القدرة فى استحقاق المدح والذّم قوله (كما لا يخفى على المتأمّل) فانّ مبنى منع الدّليل العقلى السّابق قد كان هو عدم جواز تأثير الامر الغير الاختيارى فى الذّم والقبح حيث كان مفاده انّ ثبوت العقاب فى صورة المصادفة لاجل ارتكاب الفعل المحرّم عن عمد واختيار وامّا عدم العقاب فى صورة الخطاء فلعدم ارتكاب الفعل المحرّم ولو لم يكن عن اختيار والقبيح هو العقاب على الامر الغير الاختياري وهذا بخلاف كلام المفصّل فانّه مبنىّ على انّ الامر الغير الاختياري وهو الجهة الواقعيّة المجهولة عند القاطع يؤثّر فى رفع القبح الثابت بزعمه وبينهما بون بعيد مضافا الى انّ المنع السّابق للدّليل العقلى قد كان مفاده عدم ثبوت العقاب للتجرّى وعدم اقتضائه له وهذا مقام الدّفع وامّا الكلام هنا فمفاده ثبوت المقتضى للعقاب لو لا الرافع فالكلام هنا فى مقام الرّفع قوله (لا وجه للتّداخل ان اريد وحدة العقاب) بل التجرّى بالمعنى المصطلح وهو الاعتقاد المخالف للواقع فى طرف النّقيض للمعصية ويمتنع اجتماعهما فى مورد واحد حتّى يتداخل العقابان الّا اذا قلنا بحرمة

٥٥

التجرّى بالنّية ومجرّد القصد الى المعصية وان لم يكن معصية قوله (من حيث الفعل المتجرّى فى ضمنه ففيه اشكال) ظاهر كلامه قدس‌سره فيما تقدّم المنع عن استحقاق المتجرّى للذّم من حيث الفعل المتجرّى فى ضمنه واختصاص الذّم من حيث القبح الفاعلى ويظهر من كلامه هنا الشّك والتّرديد فى ذلك قوله (وامّا التجرّى على المعصية بسبب القصد الى المعصية) لمّا كانت النّصوص فى نيّة المعصية على ضربين فبعضها يدلّ على المؤاخذة والحرمة وبعضها على العفو عنها لزم التّعرض لبيان حكمها بالخصوص لوضوح عدم الملازمة ح بين حكمها وحكم التجرّى على الفعل فانّ من الممكن للقائل بحرمة الثّانى واستحقاق العقاب عليه القول بعدمهما فى النيّة المجرّدة لترجيحه اخبار العفو على ما دلّ على المؤاخذة فيها وللقائل بعدمهما فى الثانى نظرا الى ما تقدّم القول بثبوتهما فى الاوّل نظرا الى ما دلّ على ثبوت المؤاخذة فيها وبالجملة بملاحظة ما ورد فى خصوص نيّة المعصية لزم البحث عن حكمها مستقلّا واكتفى المصنّف ره بذكر ما دلّ على المؤاخذة من جهة انّ اخبار العفو مشهورة ونحن نذكر بعضا من ذلك فمنها ما رواه زرارة عن احدهما عليهما‌السلام انّه قال انّ الله جعل لآدم فى ذرّيّته انّ من همّ بحسنة فلم يعملها كتب له مثلها ومن همّ بحسنة يعملها كتبت له عشرة ومن همّ بسيّئة لم تكتب عليه ومن همّ بها وعملها كتبت عليه سيّئة ومنها ما روى عن الباقر ع انّه قال لو كانت النيّات من اهل الفسوق يؤخذ بها اهلها لأخذ كلّ من نوى الزّنا بالزّنا وكلّ من نوى السرقة بالسّرقة وكلّ من نوى القتل بالقتل ولكن الله عدل كريم ليس الجور من شأنه ولكنّه يثيب على نيّات الخير اهلها ولا يؤخذ اهل الفسوق حتّى يفعلوها ومنها ما روى عن أبي عبد الله ع قال انّ المؤمن ليهمّ بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة وان هو عملها كتبت له عشر حسنات وانّ المؤمن ليهمّ بالسيّئة ان يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه ومنها ما رواه جميل بن درّاج عن الصّادق ع انّه قال اذا همّ العبد بالمعصية لم تكتب عليه الحديث ومنها المروىّ عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن ابى جعفر عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم‌السلام فى حديث قال ع انّ الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النيّة والسّريرة الصّالحة الجنّةَ ووجه دلالة هذا الخبر انّه دليل على دخول من كان صادقا فى نيّته الجنّة بكرمه وفضله لا بالاستحقاق وبقرينة المقابلة يدلّ على انّ نيّة المعصية لا يؤثّر شيئا فى استحقاق العقاب وانّ مجرّد النّية لا يؤثّر فى استحقاق الثّواب والعقاب والأخبار الدّالة على هذا المعنى كثيرة بل فى جملة منها انّ العفو عن نيّة السوء من خواصّ هذه الأمّة وما يمكن ان يستدلّ به لحرمة نيّة المعصية أمّا من الكتاب فآيات منها قوله تعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كان عَنْهُ مَسْؤُلاً) على ما فى تفسير البرهان عن تفسير العيّاشى عن الصّادق ع قال انّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ اولئك كان

٥٦

عنه مسئولا السّمع وما وعى والبصر وما وعى والفؤاد وما عقد عليه وعنه ع ايضا فى قول الله انّ السّمع الخ قال يسأل السمع عمّا يسمع والبصر عمّا يطرف والفؤاد عمّا يعقد عليه ومنها قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ومنها قوله تعالى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وجه الدّلالة نسبة الإثم الى القلب ومنها قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ومنها قوله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) الخ ومنها قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الخ وجه الدّلالة فى هذه الآيات الثلاثة ثبوت الثّواب والعقاب بالإرادة والمحبّة وبما بطن وهى النيّة ومنها قوله تعالى (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) مع ما ورد فى تفسيرها من انّ نسبة القتل الى المخاطبين مع تاخّرهم عن القاتلين بكثير لرضاهم بقتلهم ولا يخفى انّ الرّضا من فعل القلب وهو المراد من النيّة وامّا من السنّة فطوائف منها الاخبار الّتى دلّت على العفو فانّ العفو يدلّ على ثبوت الحرمة ومنها الأخبار الّتى دلّت على ثبوت العقاب بفعل بعض المقدّمات بقصد ترتّب الحرام كغارس الخمر والماشى لسعاية المؤمن وحرمة تلك المقدّمات لا تكون الّا لاقترانها بنيّة المعصية ومنها الاخبار الّتى دلّت على انّ نيّة المعصية معصية مثل قول النّبى ص وسلّم نيّة الكافر شرّ من عمله وقوله ص إنّما يحشر النّاس على نيّاتهم وما ورد في تعليل خلود اهل النّار فى النّار وما ورد من انّه اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النّار ومنها فحوى ما ورد من انّ الرّاضى بفعل قوم كالدّاخل فيه معهم وما ورد في تفسير قوله تعالى (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ) كما سبق وما ورد من انّ من رضى بفعل فقد لزمه وان لم يفعل ويجاب أمّا عن الآيتين الأوليتين فبأنّ الظّاهر منهما ومن الرّوايتين المذكورتين فى ذيل الآية الأولى هو اصول الاعتقادات ويشهد لذلك روايتان فى تفسير البرهان عن تفسير العيّاشى ايضا فى ذيل الآية الثانية فالاولى عن أبي عبد الله ع فى قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) الخ قال عليه‌السلام حقيق على الله ان لا يدخل الجنّة من كان فى قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما والثانية عنه ع قال انّ الله فرض الايمان على جوارح بنى آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها فليس من جوارحه جارحة الّا وقد وكّلت من الأيمان بغير ما وكّلت به اختها فمنها قلبه الّذى به يعقل ويفقه ويفهم وهو امير بدنه الّذى لا ترد الجوارح ولا تصدر الّا عن رأيه وامره وامّا ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والعقد والرّضا والتّسليم بان لا إله الّا هو وحده لا شريك له الها واحدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا وانّ محمّدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله من نبىّ او كتاب فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو قول الله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ولكن من شرح بالكفر صدرا وقال الا بذكر الله تطمئنّ القلوب وقال الّذين قالوا آمنّا بافواههم ولم

٥٧

تؤمن قلوبهم وقال ان تبدوا ما فى انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء فذلك ما فرض الله على القلب من الاقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الايمان وامّا عن الآية الثالثة فبأنّ كتمان الشّهادة بنفسه من المعاصى وهو معصية قلبيّة وليس له دخل بنيّة المعصية مجرّدة عن الفعل وكذا الآية الرّابعة لا دخل لها بالمقام فانّ ما قيل فى معناها قولان الأوّل ما عن ابن عبّاس والضّحاك والسدى كانوا لا يرون بالزنا بأسا سرّا ويمنعون منه علانية فنهى الله عنه فى الحالين الثانى لئلّا يظنّ ويتوهّم انّ الاستبطان جائز وقيل معناه ما علن وما خفى من جميع انواع الفواحش وهى القبائح وهو الاعمّ فائدة وفى البرهان عن تفسير العيّاشى عن علىّ بن الحسين ع قال الفواحش ما ظهر منها وما بطن قال ما ظهر من نكاح امرأة الأب وما بطن منها الزّنا وامّا الآية الخامسة فغير خفىّ انّ المراد من ارادة العلوّ نفس العلوّ وكذا الفساد ولمّا كانت الإرادة لازمة لهما نسب اليها والعلوّ والفساد معصية حقيقيّة وامّا الآية السّادسة فهى تدلّ على انّ نفس حبّ اشاعة الفاحشة من المؤمنين معصية كالرياء لا ان يكون حبّ الاشاعة بمعنى نيّتها فانّ الجوارح كما يكون لها معصية فللقلب ايضا كذلك معصية بنفسها وحبّ الاشاعة منها وامّا عن الاخبار فعن الطائفة الاولى المستدلّ بها على العفو وانّه لازم للمعصية فبمنع ورود لفظ العفو فيها نعم فى بعضها عدم الكتب وهو ليس بلازم للمعصية فانّه اعمّ من عدم المقتضى ووجود المانع وقد يتوهّم كون عدم الكتب كلفظ العفو لازما لها بدعوى صحّة اطلاقه فى خصوص المحرّمات دون الواجبات والمستحبّات والمباحات والمكروهات وهو فى غير محلّه لانّ عدم الصّحة فيها انّما هو اذا لم يكن فى مقام دفع التوهّم والّا صحّ اطلاقه كما فى المقام فانّ من قوله ع انّ من همّ بحسنة فلم يعملها كتب له مثلها عسى ان يتوهّم انّه واذا همّ احد بمعصية وفعل محرّم يكتب عليه فقال دفعا لهذا التوهّم ومن همّ بسيّئة لم تكتب عليه وعن الطّائفة الثّانية انّه لم يعلم كون ثبوت العقاب على تلك المقدّمات من حيث اقترانها بنيّة المعصية ام لكونها مقدّمة للحرام ومن المحتمل ان يكون حرمتها من حيث انطباقها على عنوان محرّم وان كان العنوان مجهولا ولو سلّم ظهور تلك الاخبار فى حرمة هذه الاشياء من حيث المقدميّة فلا بدّ من الاقتصار على موردها ولا يتعدّى الى غيرها وامّا الطائفة الثالثة وان امكن الجواب عن بعضها الّا انّ الأنصاف يقتضى حصول القطع من مجموعها بحرمة نيّة المعصية واستحقاق المؤاخذة عليها فالجواب منحصر بمعارضتها مع الاخبار المتقدّمة الدّالة على العفو وكذا الكلام في الطّائفة الرّابعة فانّها وان كانت تدلّ على حرمة الرّضا بفعل القبيح وانّه من المعاصى الّتى تكون من فعل القلب كالعجب والنّفاق وليس من باب النيّة المجرّدة

٥٨

الّا انّ الانصاف انّ دعوى دلالتها على الحرمة فى المقام قريبة جدّا واذا عرفت ذلك كلّه ظهر لك انّ ما استدلّ به على حرمة قصد المعصية وان كان لا يخلو عن مناقشات الّا انّ الانصاف ظهور جملة منها فى الحرمة وتعارضها الاخبار الدّالة على العفو ولا يجوز الرّجوع فيهما الى المرجّحات السّندية لانّ كلّا من الطائفتين كثيرة جدّا بحيث يمكن دعوى بلوغه الى حدّ التواتر ولا اشكال فى انعقاد الاجماع فى الجملة على عدم حرمة القصد المجرّد كما هو صريح الاخبار الدّالة على العفو فالمتيقّن هو العلاج والتصرّف فى مقام الدّلالة والجمع بينهما وقد جمع بينهما فى المتن بوجهين الاوّل حمل ما دلّ على العفو على من ارتدع عن قصده بنفسه وحمل الاخبار الأخيرة على من بنى قصده حتّى عجز عن الفعل لا باختياره ولو لم يفعل بعض مقدّمات الفعل ايضا وفيه انّه ان اريد من الارتداع بنفسه الرجوع عن قصده بالتّوبة فهذا عين الالتزام بحرمة قصد الحرام وليس تقييدا او تخصيصا فى الحقيقة بالاضافة الى اطلاقات المؤاخذة لوضوح تقييد العقاب فى جميع المعاصى بما اذا لم يتب الفاعل فليس اخبار العفو اوجب من التقييد شيئا وان أريد مجرّد ارتداعه باىّ داع كان من دون ان يردعه رادع فهذا جمع لا شاهد له أصلا والثّانى حمل الأوّل على من اكتفى بمجرّد القصد وحمل الاخبار الاخيرة على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدّمات واستشهد له بحرمة الإعانة على المحرّم وسيأتيك الكلام على الإعانة إن شاء الله الله تعالى وهنا جمع آخر يختلج ببالى ويتقوّى فى نظرى وهو انّ العاصين لله سبحانه فريقان فرقة منهم يعصونه ويخالفونه تحقيرا له تعالى شأنه ولاوامره ولرسله المبلّغين وهم اصحاب الطّاغوت الّذين لو انكشف الأغشية عن سرائرهم لما ظهر منها الّا العناد والتّضليل وهم الّذين اتّخذوا إلههم هواهم وفرقة منهم المتوسّطون الّذين آمنوا بالله ورسله واوليائه بقلوبهم بل ويختارونهم على أنفسهم واموالهم لغاية محبّتهم لهم فى مواقع الامتحان ويستسلمون لهم ولكنّهم بسبب ركونهم الى الدّنيا واشتغالهم بها وضعفهم عن مقاومة الشّيطان وغلبة الهوى عليهم قد يغفلون عن ربّهم وعن اوامره ومواعيده واليوم الأخر فيميلون الى المعصية ويقصدونها فى حين غفلة من تبعاتها فان اكتفوا هؤلاء بمجرّد القصد او التلبّس ببعض المقدّمات ولم يرتكبوا الفعل المحرّم يعفو عنه ربّهم فانّه بهم غفور رحيم والى ما يقرب من هذين الفريقين يشير مولانا سيّد السّاجدين ع فى دعاء ابى حمزة الهى لم اعصك حين عصيتك وانا بربوبيّتك جاحد ولا بامرك مستخفّ ولا لعقوبتك متعرّض ولا لوعيدك متهاون ولكن خطيئة عرضت وسوّلت لى نفسى وغلبنى هواى واعاننى عليها شقوتى فالآيات والاخبار الدّالة على المؤاخذة بالنيّة تحمل على الاوّل وما دلّ على العفو على الثانى فان قلت كيف يجوز الاعتماد على اخبار العفو ودعوى الاجماع على العمل بها فى

٥٩

الجملة والجمع بينها وبين ما ينافيها من الآيات والاخبار باحد الوجوه المذكورة مع استفادة الاجماع على حرمة القصد والمؤاخذة عليه من كلمات اصحابنا فى مقامين الاوّل اجماعهم على وجوب التّوبة فاذا كانت التّوبة واجبة كان تركها حراما والظّاهر من دون ريب انّه يعتبر فيها امران النّدم على ما مضى من المعصية والعزم على عدم الارتكاب ثانيا لعدم انفكاك النّدم على العزم فالعزم على عدم الاتيان واجب والعزم على الاتيان حرام وليس هذا الّا نيّة المعصية وذلك لوضوح انّ المراد من العزم فى المقام ليس هو القصد الّذى لا يتحقّق الّا بعد الوثوق بحصول ما عزم عليه فانّه يستلزم امتناع التّوبة ممّن لا يثق من نفسه بترك المعصية عند الابتلاء بها وقد صرّح المصنّف ره بهذا فى رسالته المعمولة فى العدالة كالجبان الّذى لا يأمن من وقوعه فى الفرار عن الزّحف ونحو ذلك بل المراد هو تحقّق ارادته بعدم عوده الى المعصية وان لم يثق بحصول مراده وهذا لا ينفكّ عن النّدم الثّانى اجماعهم على صيرورة الصغيرة بالاصرار كبيرة بمقتضى اخبار كثيرة منها قوله ص وسلّم لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار وقد صرّحوا بأنّ الاصرار قد يحصل بالفعل وقد يحصل بالنّية والعزم على الفعل وان لم يفعل فكلامهم في المقامين ظاهر فى انّ نيّة المعصية محرّمة عندهم قلت امّا الاوّل وهو وجوب العزم على التّرك فى التّوبة فهو مسلّم الّا انّ وجوب التّوبة المشتملة على الامرين ليس من الاوامر التّعبدية بحيث تكون من الواجبات المستقلّة ليترتّب على موافقة امرها ثواب الاطاعة زائدا عمّا يقتضيه نفس ترك المامور به ويترتّب على تركها عقاب آخر غير العقاب الّذى لم يتخلّص منه بل وجوبها عقلىّ ارشادىّ لرفع مفسدة المعصية السّابقة وان امر بها الشّارع ايضا فى الكتاب والسنّة فهى من قبيل معالجة المريض الّذى يأمر بها الطّبيب والامر الارشادى لا يترتّب على مخالفته سوى ما يقتضيه نفس ترك المامور به مع قطع النّظر عن تعلّق الامر ولا على موافقته الّا ما يقتضيه فعله كذلك وعلى هذا فلا يدلّ على حرمة نيّة المعصية وامّا الثانى وهو صيرورة الصغيرة بالاصرار كبيرة فمسلّم ايضا الّا انّ قيام الإجماع على حصول الاصرار مع العزم على العود وان لم يعد اليها فلا ولذا ادّعى المصنّف ره فى الرّسالة المشار اليها بان الظّاهر صدق الاصرار عليه عرفا ولم يدّع قيام الاجماع حيث قال ثمّ انّه امّا ان يعزم على غيره مع فعله او لا معه وامّا ان لا يعزم عليه وعلى الثانى امّا ان يفعل الغير وامّا ان لا يفعله وحكم الجميع انّه ان كان عازما على العود فالظّاهر صدق الاصرار عرفا وان لم يعد اليها ويؤيّده مفهوم قوله ع ما اصرّ من استغفر وقوله ع فى تفسير قوله تعالى ولم يصرّوا الاصرار ان يحدث الذّنب فلا يستغفر الخ وغير خفىّ انّ منع الظّهور العرفى ايضا بمكان من الامكان

٦٠