قولى كما قال أبوك على إبراهيم : تدمع العين وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبيا ـ ثم قال ـ : يا علي ادن منّي فدنا منه فقال ادخل أذنك في فمي» ففعل فقال : «يا أخي ألم تسمع قول الله عزوجل في كتابه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
قال : «بلى يا رسول الله» قال : «هم أنت وشيعتك تجيئون غرا محجلين شباعا مرويين ألم تسمع قول الله عزوجل في كتابه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) قال : «بلى يا رسول الله».
قال : «هم أعداؤك وشيعتهم يجيئون يوم القيامة مسودة وجوههم ظماء مظمئين أشقياء معذبين كفارا منافقين ذلك لك ولشيعتك وهذا لعدوك وشيعتهم» (١).
الحديث الرابع : محمد بن العباس عن جعفر بن محمد الحسيني ومحمد بن أحمد الكاتب قال: حدّثنا محمد بن علي بن خلف عن أحمد بن عبد الله عن معاوية بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع أن عليا عليهالسلام قال لأهل الشورى : «انشدكم بالله هل تعلمون يوم أتيتكم وأنتم جلوس مع رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : هذا أخي قد أتاكم ثم التفت إلى الكعبة وقال : ورب الكعبة المبنية إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم أقبل عليكم وقال أما إنه أولهم إيمانا ، واقومكم بأمر الله وأوفاكم بعهد الله وأقضاكم بحكم الله وأعدلكم في الرعية واقسمكم بالسوية وأعظمكم عند الله مزية فأنزل الله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فكبر رسول الله صلىاللهعليهوآله وكبرتم وهنأتموني بأجمعكم فهل تعلمون أن ذلك كذلك»؟ قالوا : اللهم نعم (٢).
الحديث الخامس : الشيخ الطوسي في أماليه قال : قرئ عليّ أبي القاسم بن شبل بن أسد الوكيل وأنا اسمع في منزله ببغداد في الربض بباب المحول في صفر سنة عشر وأربعمائة حدّثنا ظفر بن حمدون بن أحمد بن شداد البادرائي أبو منصور ببادرايا في شهر ربيع الآخر من سبع وأربعين وثلاثمائة قال : حدّثنا إبراهيم بن إسحاق النهاوندي الأحمري في منزله بفارسفان من رستاق الاسفيدهان من كورة نهاوند في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائتين قال : حدّثنا عبد الله ابن حماد الأنصاري عن عمرو بن شمر عن يعقوب بن ميثم الثمار مولى علي بن الحسين قال : دخلت على أبي جعفر عليهالسلام فقلت له : جعلت فداك يا ابن رسول الله إني وجدت في كتب أبي أن عليا قال : لأبي ميثم : «أحبب حبيب آل محمد وإن كان فاسقا زانيا ، وابغض مبغض آل محمد وإن كان
__________________
(١) بحار الأنوار : ٢٤ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ح ٢٢.
(٢) بحار الأنوار : ٣١ / ٣٤٦ ح ٢١.
صواما قواما فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يقول (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ثم التفت إليّ وقال : «هم والله أنت وشيعتك يا علي وميعادهم الحوض غدا غرا محجلين متوجين» فقال أبو جعفر : «هكذا هو عيانا في كتاب علي» (١).
الحديث السادس : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن سعيد بن عقدة قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن الحسن القطواني قال : حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري قال : حدثني إبراهيم بن جعفر بن عبد الله ابن محمد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : كنّا عند النبيصلىاللهعليهوآله فاقبل علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال النبي صلىاللهعليهوآله : «قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده» ثم قال : «والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة» ثم قال : «إنه أولكم إيمانا معي وأوفاكم بعهد الله وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعية واقسمكم بالسوية واعظمكم عند الله مزية قال : فنزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال : فكان أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله إذا أقبل علي صلىاللهعليهوآله قالوا : قد جاء خير البرية(٢).
الحديث السابع : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبدون المعروف ب (ابن الحاشر) قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي قال : أخبرنا علي بن الحسن بن فضال قال : أخبرنا العباس بن عامر قال : حدّثنا أحمد بن رزق عن يحيى بن العلاء الرازي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : دخل علي على رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو في بيت أم سلمة فلما راه قال : «كيف أنت يا علي إذا جمعت الأمم ووضعت الموازين وبرز لعرض خلقه ودعى الناس إلى ما لا بد منه؟ قال فدمعت عين أمير المؤمنين عليهالسلام فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «ما يبكيك يا علي؟ تدعى والله أنت وشيعتك غرا محجلين رواء مرويين مبيضة وجوههم ويدعى بعدوك مسودة وجوههم أشقياء معذبين أما سمعت إلى قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أنت وشيعتك «والذين كفروا بآياتنا (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) عدوك يا علي» (٣).
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٤٩٥ / مجلس ١٤ / ح ٥٧.
(٢) أمالي الطوسي : ٢٥١ / مجلس ٩ / ح ٤٠.
(٣) أمالي الطوسي : ٦٧١ / مجلس ٣٦ / ح ٢١.
الباب التاسع والعشرون
في قوله تعالى (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ)
من طريق العامة وفيه حديث واحد
أبو المؤيد موفق بن أحمد من اعيان علماء العامة قال : انبأني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار ابن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلى من همدان قال : أخبرنا عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني من كتابه حدّثنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز ببغداد حدّثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون بن محمد الضبي حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ أن محمد بن أحمد القطواني حدثهم قال : حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري حدّثنا إبراهيم بن جعفر ابن عبد الله بن محمد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال : كنا عند النبي صلىاللهعليهوآله فاقبل علي أبي طالب رضي الله عنه فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فقد أتاكم أخي ، ثم التفت الى الكعبة فضربها بيده ثم قال : «والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة».
الباب الثلاثون
في قوله تعالى (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (١)
من طريق الخاصة وفيه خمسة أحاديث
الحديث الأول : ابن بابويه قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة قال : حدّثنا إسماعيل بن علي بن رزين بن أخي دعبل بن علي الخزاعي عن أبيه قال : حدّثنا الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهالسلام قال : حدثني أبي عن آبائه عن علي بن أبي طالب قال : «إن رسول الله صلىاللهعليهوآله تلا هذه الآية (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) فقال صلىاللهعليهوآله أصحاب الجنة من أطاعني وسلم لعلي بن أبي طالب بعدي وأقر بولايته وأصحاب النار من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي» (٢).
الحديث الثاني : الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن أمير المؤمنين عليهالسلام أن رسول اللهصلىاللهعليهوآله تلا هذه الآية (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) فقال : «أصحاب الجنة من اطاعني وسلم لعلي بن أبي طالب بعدي ، واقر بولايته» فقيل : وأصحاب النار قال : «من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي» (٣).
الحديث الثالث : الطوسي في أماليه قال : أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال : حدّثنا محمد بن جعفر الرزاز قال : حدّثنا جدي محمد بن عيسى القيسى قال : حدّثنا إسحاق بن يزيد الطائي قال : حدّثنا سعد بن ظريف الحنظلي عن عطية بن سعد العوفي عن محدوج بن زيد الذهلي فكان في وفد قومه إلى النبي صلىاللهعليهوآله تلا هذه الآية (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) قال : فقلنا : يا رسول الله من أصحاب الجنة؟ قال : «من أطاعني وسلم لهذا من بعدي» قال : وأخذ رسول الله بكف علي وهو يومئذ إلى جنبه فرفعها فقال : «ألا إن عليا مني وأنا منه فمن حاده فقد حادني ومن حادني أسخط الله عزوجل» ثم قال : «يا علي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت العلم بيني وبين أمتي» قال عطية : فدخلت على زيد بن أرقم منزله فذكرت له حديث
__________________
(١) الحشر : ٢٠.
(٢) عيون أخبار الرضا : ٢ / ٢٥٣ ح ٢٢ باب ٢٧.
(٣) أمالي الطوسي : ٣٦٣ / مجلس ١٣ / ح ١٣.
محدوج بن زيد قال : ما ظننت أن بقي ممن سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول هذه غيري شهد لقد حدثني به رسول الله ثم قال : لقد حاده رجال سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله هذا وقد ردوا (١).
الحديث الرابع : صاحب الأربعين الحديث في الحديث التاسع والعشرين قال : أخبرنا أبا علي ابن محمد بن محمد المقري رضي الله عنه بقراءتي عليه قال : حدّثنا السيد أبو طالب يحيى بن الحسين هارون العلوي الحسني املاء قال : حدّثنا أبو أحمد أبو محمد بن علي رضي الله عنه قال : حدّثنا محمد بن جعفر القمي قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال : حدّثنا الحسن بن محبوب عن صفوان ابن يحيى قال : قال جعفر بن محمد عليهالسلام : «من اعتصم بالله تبارك وتعالى هدي ومن توكل على الله عزوجل كفي ، ومن قنع بما رزقه الله اغنى ومن اتقى الله نجا ، فاتقوا الله عباد الله ما استطعتم وأطيعوا الله وسلموا الأمر لأهله تفلحوا ، واصبروا إن الله مع الصابرين (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) الآية (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) وهم شيعة علي عليهالسلام حدثني بذلك أبي عن أبيه عن أمّ سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوآله أنها قالت قرأني رسول الله صلىاللهعليهوآله (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) فقلت : يا رسول الله من أصحاب النار؟ قال : مبغض علي وذريته ومنقصوهم ، فقلت : يا رسول الله فمن الفائزون؟ قال شيعة علي هم الفائزون» (٢).
الحديث الخامس : صاحب كتاب الأربعين قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن الحسن الصفار بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو عمران مهدي قال : أخبرنا أبو العباس ابن عقدة قال: حدثنا محمد بن أحمد القطواني قال : حدّثنا [إبراهيم بن أنس حدثنا] إبراهيم بن جعفر عن عبد الله بن محمد بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي فاقبل علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال النبي صلىاللهعليهوآله : «قد أتاكم أخي» ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده فقال : «والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة» ثم قال «إنه أولكم إيمانا معي وأوفاكم بعهد الله وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعية وأقسمكم في السوية وأعظمكم عند الله مزية قال ونزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)» (٣).
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٤٨٥ / مجلس ١٧ / ح ٣٢.
(٢) البحار : ٦٦ / ٣٩٩ ح ٩٢ ، وبشارة المصطفى عن الأربعين : ١٥٥ / ح ١١٥.
(٣) بشارة المصطفى عن الأربعين : ١٤٩ ح ١٠٤.
الباب الحادي والثلاثون
في قوله تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١)
من طريق العامة وفيه خمسة أحاديث
الحديث الأول : إبراهيم بن محمد الجويني في كتاب (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين) وهو من علماء العامة قال : أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الفامي ، أنبأنا القاضي أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ببغداد نبأنا أبو بكر محمد بن الحسين البيهقي السبيعي بحلب حدثني الحسين بن إبراهيم الجصاص ابن حسين بن الحكم بن إسماعيل ابن أبان عن فضيل بن الزبير عن أبي داود السبيعي عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على علي ابن أبي طالب عليهالسلام فقال : «يا أبا عبد الله ألا ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاءها أكبّه الله في النار ولم يقبل معها عملا؟» قلت : بلى قال : «الحسنة حبنا والسيئة بغضنا (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أي من هذه الحسنة أي فله من هذه الحسنة خير يوم القيامة ، وهو الثواب والأمن» قال ابن عباس : (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أي يصل إليه الخير ، وعن ابن عباس أيضا (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) يعني الثواب لأن الطاعة فعل العبد ، والثواب فعل الله تعالى وقيل : هو أن الله تعالى يقبل إيمانه وحسناته وقبول الله سبحانه خير من عمل العبد وقيل : (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أي رضوان الله تعالى قال الله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) وقال محمد بن كعب وعبد الرّحمن بن زيد (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أي الأضعاف أعطاه الله تعالى بالواحدة عشرا فصاعدا فهذا خير منها ولقد أحسن ابن كعب وابن زيد في تأويلهما ، لأن للأضعاف خصائص ، منها : أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف ، ومنها أن للشيطان سبيلا إلى عمله ولا سبيل إلى الأضعاف ؛ ولأنه لا يطمح للخصوم في الأضعاف ، ولأن دار الحسنة دار الدنيا ودار الأضعاف الجنة ؛ ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب سبحانه (٢).
الحديث الثاني : الحمويني هذا أخبرني أحمد بن إبراهيم بن عمر إجازة عن عبد الرّحمن بن
__________________
(١) النمل : ٨٩ ـ ٩٠.
(٢) فرائد السمطين : ٢ / ٢٩٧ / باب ٦١ / ح ٥٥٤.
عبد السميع اجازه عن شاذان بن جبرئيل قرأه عليه ، أنبأنا محمد بن عبد العزيز القمي أنبأنا حاكم الدين محمد بن أحمد بن علي أبو عبد الله قال : نبأنا أبو علي الحداد قال : نبأنا أبو نعيم قال : نبأنا بن سهيل قال : نبأنا أحمد بن محمد بن شيبة أبو العباس قال : نبأنا محمد بن الحسين الخثعمي قال : نبأنا أرطاة بن حبيب قال : نبأنا فضيل ابن الزبير الرسان عن عبد الملك عن زادان وأبي داود عن أبي عبد الله الجدلي قال : قال لي علي صلوات الله عليه وآله : «يا أبا عبد الله ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة وبالسيئة التي من جاء بها كبت وجوههم في النار فلم يقبل منها عمل ثم قرأ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ثم قال : «يا أبا عبد الله الحسنة حبنا والسيئة بغضنا» (١).
الحديث الثالث : الحمويني هذا أخبرني شيخنا الإمام مجد الدين محمد بن يحيى بن الحسين أبو الحسن الكرخي إجازة أن لم يكن سماعا بقراءتي عليه قال : أنبأنا الرضي المؤيد بن محمد بن علي إجازة أنبأنا جدي لأمي محمد بن العباس العصاري أبو العباس سماعا عليه ، أنبأنا القاضي أبو سعيد محمد بن سعيد الفرخزادي قال : أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال في تفسير قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) قوله : (مَنْ جاءَ) أي : من وافى الله تعالى (٢).
الحديث الرابع : والحبري يرفعه إلى أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على علي عليهالسلام فقال: «يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة وفعل به والسيئة التي من جاء بها أدخله الله النار ولم يقبل له معها عمل» قال : قلت : بلى يا أمير المؤمنين فقال : «الحسنة حبنا والسيئة بغضنا» (٣).
الحديث الخامس : أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن أبي عبد الله الجدلي قال : قال عليعليهالسلام : «ما السيئة التي من جاء بها كبت وجوههم في النار فلم يقبل معها عمل ثم قرأ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟ قال : يا عبد الله الحسنة حبنا والسيئة بغضنا» (٤).
__________________
(١) فرائد السمطين : ٢ / ٢٩٩ / باب ٦١ / ح ٥٥٥.
(٢) فرائد السمطين : ٢ / ٢٩٧ / باب ٦١ / ح ٥٥٤.
(٣) ينابيع المودة : ١ / ٢٩١ ، وتفسير الحبري : ٦٨.
(٤) بحار الأنوار : ٢٤ / ٤٢ ذيل ح ٣ ، وشواهد التنزيل : ١ / ٥٥٢.
الباب الثاني والثلاثون
في قوله تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
من طريق الخاصة وفيه أربعة عشر حديثا
الحديث الأول : محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلي بن محمد عن محمد بن وارمة ومحمد بن عبد الله عن علي بن حسان عن عبد الرّحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : «دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عزوجل : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك فقال : الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت والسيئة انكار الولاية وبغضنا أهل البيت» (١).
الحديث الثاني : ابن يعقوب عن علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) قال : «من تولى الأوصياء من آل محمد واتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم عليهالسلام وهو قول الله عزوجل : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ...) يدخله الجنة وهو قول الله عزوجل : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) يقول أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة» (٢).
الحديث الثالث : علي بن إبراهيم قال : حدّثنا محمد بن مسلمة قال : حدّثنا يحيى بن زكريا اللؤلؤي عن علي بن حسان عن عبد الرّحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليهالسلام قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) قال : «هي للمسلمين عامة والحسنة الولاية فمن عمل من حسنة كتبت له عشر فأن لم تكن ولاية رفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق» (٣).
الحديث الرابع : الشيخ الطوسي في أماليه قال : أخبرنا جماعة عن أبي الفضل قال : أخبرنا أبو عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر الحراني إجازة قال : حدّثنا إسماعيل بن موسى بن بنت
__________________
(١) الكافي : ١ / ١٨٥ ح ١٤.
(٢) الكافي : ٨ / ٣٨٩ ح ٥٧٤.
(٣) تفسير القمي : ٢ / ١٣١.
السدي الفزاري الكوفي قال : حدّثنا عاصم بن حميد الحناط عن فضيل الرسان عن نفيع أبي داود السبيعي قال : حدثني أبو عبد الله الجدلي قال : قال لي علي بن أبي طالب عليهالسلام : «ألا أحدثك يا أبا عبد الله بالحسنة التي من جاء بها أمن فزع يوم القيامة ، والسيئة التي جاء بها أكب الله وجهه في النار؟
قلت : بلى يا أمير المؤمنين.
قال : «الحسنة حبنا والسيئة بغضنا» (١).
الحديث الخامس : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا محمد بن محمد ـ يعني المفيد ـ قال : أخبرني أبو غالب أحمد بن محمد الزراري قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار بن موسى الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن أبا أمية يوسف بن ثابت حدث عنك أنك قلت : «لا يضر مع الإيمان عمل ولا ينفع من الكفر عمل» فقال : «إنه لم يسألني أبو أمية عن تفسيرها إنما عنيت بهذا أنه من عرف الإمام عليهالسلام من آل محمد وتولاه ثم عمل لنفسه بما شاء من عمل الخير قبل منه ذلك وضوعف له أضعافا كثيرة ، فانتفع باعمال الخير مع المعرفة فهذا ما عنيت بذلك وكذلك لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها إذا تولوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى» فقال له عبد الله ابن أبي يعفور أليس الله تعالى قال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فكيف لا ينفع العمل الصالح من تولى أئمة الجور؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «وهل تدري ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية هي والله معرفة الإمام وطاعته وقد قال الله عزوجل : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وإنما أراد السيئة انكار الإمام هو الذي من الله تعالى» ثم قال أبو عبد اللهعليهالسلام : «من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله وجاء منكرا لحقنا جاحدا لولايتنا أكبه الله تعالى يوم القيامة في النار» (٢).
الحديث السادس : محمد بن العباس قال : حدّثنا المنذر بن محمد عن أبيه عن الحسين بن سعيد عن أبيه عن أبان بن تغلب عن فضيل بن الذمي عن أبي الجارود عن أبي داود السبيعي عن أبي عبد الله الجدلي قال : قال لي أمير المؤمنين عليهالسلام : «يا أبا عبد الله هل تدري ما الحسنة التي من جاء بها فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار»؟ قلت : لا قال : «الحسنة مودتنا أهل البيت والسيئة عداوتنا أهل البيت» (٣).
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٤٩٣ / مجلس ١٧ / ح ٤٩.
(٢) أمالي الطوسي : ٤١٧ / مجلس ١٤ / ح ٨٧.
(٣) بحار الأنوار : ٢٤ / ٤١ ح ٢.
الحديث السابع : محمد بن العباس قال : حدّثنا علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن ابن جبلة الكناني عن سلام بن أبي حمزة الخراساني عن أبي الجارود عن أبي عبد الله الجدلي قال : قال لي أمير المؤمنين عليهالسلام : «ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة والسيئة التي من جاء بها كبّ على وجهه في نار جهنم؟» قلت نعم يا أمير المؤمنين قال : «الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا أهل البيت» (١).
الحديث الثامن : محمد بن العباس قال : حدّثنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي قال : كنت عند أبي عبد اللهعليهالسلام فسأله عبد الله بن أبي يعفور عن قول الله عزوجل : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فقال : «وهل تدري ما الحسنة؟ إنما الحسنة معرفة الإمام وطاعته وطاعته من طاعة الله» (٢).
الحديث التاسع : محمد بن العباس بالاسناد المذكور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الحسنة ولاية أمير المؤمنين» محمد بن العباس قال : حدّثنا علي بن عبد الله عن إبراهيم بن محمد عن إسماعيل ابن بشار عن علي جعفر الحضري عن جابر الجعفي أنه سأل أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) قال : «الحسنة ولاية علي والسيئة عداوته وبغضه» (٣).
الحديث العاشر : أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب (المحاسن) عن ابن فضال عن عاصم بن حميد عن فضيل الرسان عن أبي داود عن أبي عبد الله قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «يا أبا عبد الله ألا أحدثك بالحسنة التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة وبالسيئة التي من جاء بها أكبه الله على وجهه في النار؟ قلت : بلى قال : «الحسنة حبنا والسيئة بغضنا» (٤).
الحديث الحادي عشر : أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال : حدّثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني قال : حدّثنا الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد قال : حدّثنا عبد العزيز بن أحمد بن يحيى بن أحمد قال : حدثني عبد الرّحمن بن الفضل قال : حدثني جعفر بن الحسين قال : حدثني محمد بن زيد بن علي عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام : يقول «دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : يا أبا عبد الله ألا أخبرك بقول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) ... إلى
__________________
(١) بحار الأنوار : ٢٤ / ٤٢ ح ٣.
(٢) بحار الأنوار : ٢٤ / ٤٢ ح ٤.
(٣) بحار الأنوار : ٢٤ / ٤٢ ح ٥.
(٤) المحاسن : ١ / ١٥٠ ح ٦٩.
قوله (تَعْمَلُونَ)؟ قال : بلى جعلت فداك قال : الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا»(١).
الحديث الثاني عشر : الطبرسي أيضا قال : حدّثنا السيد أبو الحمد قال : حدّثنا السيد أبو الحمد قال : حدّثنا الحاكم أبو القاسم قال : خبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحميري قال حدثنا جدي أحمد بن إسحاق الحميري قال : حدّثنا جعفر بن سهل قال : حدّثنا أبو زرعة عثمان بن عبد الله القرشي قال : حدّثنا أبو لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : «يا علي لو أن أمتي صاموا حتى صاروا كالأوتار ، وصلوا حتى صاروا كالحنايا ثم أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار» (٢).
الحديث الثالث عشر : علي بن إبراهيم قال : حدثني أبي عن بن أبي عمير عن منصور بن يونس عن عمرو بن أبي شيبة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سمعته يقول : «ابتداء منه إن الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بد منه أمر منادي ينادي فتجتمع الإنس والجن في اسرع من طرفة عين ثم اذن لسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس واذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها ، فإذا رآها أهل سماء الدنيا قالوا : جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعني أمره حتى تنزل كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الأخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل أمر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ثم يأمر الله مناديا (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ)» قال : وبكى عليهالسلام حتى إذا سكت قال : قلت : جعلني الله فداك يا أبا جعفر وأين رسول اللهصلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام وشيعته قال أبو جعفر عليهالسلام : «رسول الله وعلي عليهماالسلام وشيعته على كثبان (٣) من المسك الأذفر على منابر من نور يحزن الناس ولا يحزنون ويفزع الناس ولا يفزعون ثم تلا هذه الآية : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فالحسنة ولاية علي عليهالسلام ثم قال : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)» (٤).
الحديث الرابع عشر : علي بن إبراهيم في تفسيره في معنى الحسنة : قال : «والله ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام» (٥).
__________________
(١) مجمع البيان : ٧ / ٤١٠.
(٢) مجمع البيان : ٧ / ٤١٠.
(٣) وهو التلّ من الرمل.
(٤) تفسير القمي : ٢ / ٧٧.
(٥) تفسير القمي : ٢ / ١٣١.
الباب الثالث والثلاثون
في قوله تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (١)
من طريق العامة وفيه حديثان
الحديث الأول : علي بن الجعد عن شعبة عن حماد بن سلمة عن أنس قال النبي صلىاللهعليهوآله : «إن الله خلق آدم من طين كيف يشاء» ثم قال (وَيَخْتارُ) أن اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي» ثم قال : «ما كان لهم الخيرة يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكني اختار من اشاء فأنا وأهل بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه ثم قال : (سُبْحانَ اللهِ) يعني تنزيها لله عما يشركون به كفار مكة» (٢).
الحديث الثاني : الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المستخرج من تفاسير الاثني عشر وهو من مشايخ أهل السنّة في تفسير قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) يرفعه إلى أنس بن مالك قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله عن هذه الآية فقال : «إن الله خلق آدم من الطين كيف يشاء ويختار وإن الله تعالى اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي ، ثم قال (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكني اختار من اشاء فأنا وأهل بيتي صفوته وخيرته من خلقه ثم قال سبحان الله يعني تنزها لله عما يشركون به كفار مكة ثم قال : (وَرَبُّكَ) يعني يا محمد (لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من بغض المنافقين لك ولأهل بيتك وما يعلنون بألسنتهم من الحب لك ولأهل بيتك» (٣).
__________________
(١) القصص : ٦٨.
(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٢٠.
(٣) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٢٠ ، وبحار الأنوار : ٣٢ / ٤٧ ذيل ح ١٥٢.
الباب الرابع والثلاثون
في قوله تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)
من طريق الخاصة وفيه حديث واحد
محمد بن يعقوب عن أبي القاسم رضي الله عنه رفعه عن عبد العزيز بن مسلم وروى ابن بابويه في كتاب (معاني الأخبار) قال أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : حدّثنا أبو أحمد القاسم بن أحمد بن محمد بن علي الهاروني قال : حدّثنا أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الزمام قال : حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم واللفظ لمحمد بن يعقوب قال كنا مع الرضا عليهالسلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فاداروا أمر الإمامة. وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيديعليهالسلام فاعلمته خوض الناس في ذلك فتبسم عليهالسلام ثم قال : «يا عبد العزيز جهلوا القوم وخدعوا عن أديانهم إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلىاللهعليهوآله حتى أكمل لهم الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج الناس إليه كملا وقالعزوجل : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمرهصلىاللهعليهوآله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى بيّن لأمته معالم دينهم واوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق واقام لهم عليا عليهالسلام علما وإماما وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلّا بيّنة فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله فهو كافر.
هل تعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليهالسلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فقال الخليل عليهالسلام سرورا بها : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؟ قال الله تبارك وتعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة فصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها الله في ذريته أهل
الصفوة والطهارة فقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ).
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله عزوجل النبي صلىاللهعليهوآله فقال جل وتعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) فكانت له خاصة فقلدها رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام بأمر الله عزوجل على رسم ما فرضها الله فصارت في ذريته الأوصياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله جل وعلا : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) فهي في ولد علي عليهالسلام خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد صلىاللهعليهوآله فمن أين يختار هؤلاء الجهال الإمامة.
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء إن الإمامة خلافة الله وخلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله ومقام أمير المؤمنين عليهالسلام وميراث الحسن والحسين عليهماالسلام ، لقوله عزوجل (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين ، إن الإمامة أسّ الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وامضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف والإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة بالحجة البالغة والإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الافق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار ، والإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى ، والبلدان القفار ولجج البحار ، والإمام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى المنجي من الردى ، الإمام النار على اليفاع (١) الحار لمن اصطلى والدليل في المهالك من فارقه فهالك.
الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والأم البرّة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداعية الناد ، الإمام أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حرم الله ، والإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار
__________________
(١) في الحديث : «الإمام النار كلما اليفاع» أي يضيء القريب والبعيد «للحار لمن اصطلى» أي لمن أراد الانتفاع ، واليفاع ما ارتفع من الأرض ، واليفاع ما ارتفع من كل شيء مجمع البحرين (هامش المخطوط).
الكافرين ، والإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم لا يوجد عنه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب ، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟ هيها هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتيحرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعيبت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه.
لا وكيف واني وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟! وأين العقول عن هذا؟! وأين يوجد مثل هذا اظنوا أن ذلك يوجد في غير آل محمدصلىاللهعليهوآله كذبتهم والله انفسهم ومنتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلّا بعدا قاتلهم الله أنى يؤفكون ولقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) ورغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وقال عزوجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وقال (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ).
وقال عزوجل : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) أم (طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) أم (قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أم (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل وداع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والنزاهة والعلم والعبادة مخصوص بدعوة الرسول صلىاللهعليهوآله ونسل الطاهرة البتول لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب في النسب من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول صلىاللهعليهوآله والرضا من الله جلّ وعزّ شرف الأشراف والفرع من عبد مناف نامي العلم كامل
الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عزوجل ناصح لعباد الله عزوجل حافظ لدين الله ، إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ليكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله جل وتعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وقوله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وقوله في طالوت : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) وقال لنبيه صلىاللهعليهوآله (أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته صلوات الله عليهم : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً).
وإن العبد إذا اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح لذلك صدره وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم الهاما ، فلم يع بعده بجواب ولا يحير فيه عن صواب فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن الخطأ والزلل والعثار ، ويخصه بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهل يقدرون على مثل هذا؟ فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه بعدوا وبيت الله من الحق (نَبَذَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا اهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأنفسهم فقال جل وتعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال : (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) وقال : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليما كثيرا» (١).
__________________
(١) الكافي : ١ / ١٩٨ ح ١ ، معاني الأخبار : ٩٦ ـ ١٠١ / ٢.
الباب الخامس والثلاثون
في قوله تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (١)
من طريق العامة وفيه حديث واحد
أبو نعيم الأصفهاني صاحب (حلية الأبرار) بإسناده إلى عون بن أبي جحيفة عن أبيه في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) عن علي بن أبي طالبعليهالسلام قال : «إلى ولايتنا» (٢).
الباب السادس والثلاثون
في قوله تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)
من طريق الخاصة وفيه اثنى عشر حديثا
الحديث الأول : محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال جميعا عن أبي جميلة عن خالد بن عمار عن سدير قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام وهو داخل وأنا خارج وأخذ بيدي ثم استقبل البيت فقال : «يا سدير إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ثم أومأ بيده إلى صدره إلى ولايتنا» ثم قال : «يا سدير فأريك الصادين عن دين الله» ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد فقال : «هؤلاء الصادون عن دين الله تعالى بلا هدى من الله ولا كتاب مبين إن هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله» (٣).
الحديث الثاني : محمد بن الحسن الصفار في كتاب (بصائر الدرجات) عن محمد بن عيسى عن
__________________
(١) طه : ٨٢.
(٢) بحار الأنوار : ٣٢ / ١٦٦ ح ١٥١.
(٣) الكافي : ١ / ٣٩٣ ح ٣.
صفوان عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال : «ومن تاب من ظلم وآمن من كفر وعمل صالحا ثم اهتدى إلى ولايتنا» ثم أومأ بيده إلى صدره (١).
الحديث الثالث : ابن بابويه قال : حدّثنا محمد بن أحمد بن عبد الله عن أبيه عن محمد بن خالد قال : حدّثنا سهل بن زياد الفارسي قال : حدّثنا محمد بن منصور عن عبد الله بن جعفر عن محمد ابن الفيض بن المختار عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جدهعليهالسلام قال : «خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم وهو راكب ، وخرج علي عليهالسلام وهو يمشي ، فقال له : يا أبا الحسن أما أن تركب وإما أن تنصرف» وذكر الحديث إلى أن قال فيه : «والله يا علي ما خلقت إلا لتعبد ربك وليشرف بك معالم الدين ويصلح بك دارس السبيل ولقد ضل من ضل عنك ولن يهتدي الى الله عزوجل من لم يهتد إليك وإلى ولايتك وهو قول ربي عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) يعني إلى ولايتك» (٢).
الحديث الرابع : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : حدّثنا أحمد بن علي بن محمد قال : حدّثنا الحسن بن عبيد الله عن السندي بن محمد عن أبان عن الحارث بن يحيى عن أبي جعفرعليهالسلام في قوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) «ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى والله لو جهد أن يعمل بعمل ما قبل منه حتى يهتدي» قال : قلت : إلى من جعلني الله فداك؟
قال : «إلينا» (٣).
الحديث الخامس : محمد بن العباس قال : حدّثنا علي بن عباس البلخي قال : حدّثنا عباد بن يعقوب عن علي بن هاشم عن جابر بن الحر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال : «إلى ولايتنا» (٤).
الحديث السادس : محمد بن العباس قال : حدّثنا الحسين بن عامر عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن المنخل عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال : «إلى ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام» (٥).
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٧٨ / ٦.
(٢) أمالي الصدوق : ٥٨٣ / ٨٠٣.
(٣) تفسير القمي : ٢ / ٦١.
(٤) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٤٨ ح ٢٦.
(٥) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٤٨ ح ٢٧.
الحديث السابع : الشيخ في أماليه قال : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي قال : أخبرنا ـ أحمد يعني ابن عقدة ـ قال : أخبرنا الحسن بن علي بن بزيع قال : حدّثنا القاسم بن الضحاك قال : حدّثنا شهر بن خوشب أخو العوام عن أبي سعيد الهمداني عن أبي جعفر عليهالسلام (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) قال : «والله لو أنه تاب وآمن وعمل صالحا ولم يهتد إلى ولايتنا ومودتنا ومعرفة فضلنا ما اغنى عنه ذلك شيئا» (١).
الحديث الثامن : محمد بن العباس قال : حدّثنا محمد بن همام عن محمد بن إسماعيل العلوي عن عيسى بن داود النجار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال : «إلى ولايتنا» (٢).
الحديث التاسع : أحمد بن محمد بن خالد البرقي في (المحاسن) عن أبيه عن حماد بن عيسى فيما أعلم عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) ثم اهتدى قال : «إلى ولايتنا والله أما ترى كيف اشترط الله عزوجل» (٣).
الحديث العاشر : أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) قال أبو جعفر الباقر عليهالسلام : «(ثُمَّ اهْتَدى) إلى ولايتنا [أهل البيت فو الله] لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام ثم مات ولم يجيء بولايتنا إلّا أكبه (٤) الله في النار على وجهه» (٥).
الحديث الحادي عشر : الطبرسي قال : روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده وأورده العياشي في تفسيره من عدة طرق (٦).
وعن محمد بن سليمان بإسناد عن داود بن كثير البرقي قال : دخلت على أبي عبد اللهعليهالسلام فقلت له : جعلت فداك قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) فما هذا الاهتداء بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح؟ فقال : «معرفة الأئمة والله إمام بعد إمام» (٧).
الحديث الثاني عشر : علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الفضيل عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالى (ثُمَّ اهْتَدى) قال : «اهتدى إلينا» (٨).
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٢٥٩ / ٤٦٨.
(٢) بحار الأنوار : ٢٤ / ١٥٠ ح ٣٤.
(٣) المحاسن : ١ / ١٤٢ ح ٣٥.
(٤) في المصدر : لأكبه.
(٥) مجمع البيان : ٧ / ٤٥.
(٦) مجمع البيان : ٧ / ٤٥.
(٧) فضائل الشيعة : ٢٦ / ح ٢٢ ، تأويل الآيات : ١ / ٣١٦ ح ٩.
(٨) تفسير القمي : ٢ / ٦١.
الباب السابع والثلاثون
في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١)
من طريق العامة وفيه تسعة أحاديث
الحديث الأول : الثعالبي في تفسير هذه الآية قال : قال أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام : «معناه (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في فضل علي بن أبي طالب عليهالسلام» وفي نسخة أخرى أنه عليهالسلام قال : «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي» وقال : هكذا نزلت» رواه جعفر بن محمد : «فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد علي وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه» (٢).
الحديث الثاني : الثعالبي قال : أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد القاضي حدّثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسين عن حسان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية نزلت في علي بن أبي طالب أمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد علي عليهالسلام وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» (٣).
الحديث الثالث : (كشف الغمة) عن زر عن عبد الله قال : كنا نقرأ على عهد رسول اللهصلىاللهعليهوآله «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليا مولى المؤمنين فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس» (٤).
الحديث الرابع : إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة في كتاب (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين) قال : أخبرني السيد النسيب الحسيب برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن عمر بن محمد الحسني المدني أبوه اذنا في سنه لما قدم علينا ببحر أباد قال : أنبأنا الإمام جمال الدين محمد بن أسعد البخاري حيلوله وأخبرني الشيخ الإمام مجد الدين عبد الله ابن محمود بن مردود الموصلي وبدر الدين محمد بن محمد بن أسعد البخاري إجازة بروايتهم عن أبي
__________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) العمدة : ٩٩ / ١٣٢ عن الثعلبي.
(٣) العمدة : ١٠٠ / ١٣٤ عن الثعلبي.
(٤) كشف الغمة : ١ / ٣٢٦.