الدكتور محمد حسين علي الصّغير
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩١
رقم السورة |
|
اسم السورة |
|
عدد آياتها |
|
مكان النزول |
|
تأريخ النزول |
٧٣ |
المزمل |
٢٠ |
مكية |
نزلت بعد القلم (١) |
||||
٧٤ |
المدثر |
٥٦ |
مكية |
نزلت بعد المزمل |
||||
٧٥ |
القيامة |
٤٠ |
مكية |
نزلت بعد القارعة |
||||
٧٦ |
الدهر |
٣١ |
مدنية |
نزلت بعد الرحمن |
||||
٧٧ |
المرسلات |
٥٠ |
مكية |
نزلت بعد الهمزة (٢) |
||||
٧٨ |
النبأ |
٤٠ |
مكية |
نزلت بعد المعارج |
||||
٧٩ |
النازعات |
٤٦ |
مكية |
نزلت بعد النبأ |
||||
٨٠ |
عبس |
٤٢ |
مكية |
نزلت بعد النجم |
||||
٨١ |
التكوير |
٢٩ |
مكية |
نزلت بعد المسد |
||||
٨٢ |
الانفطار |
١٩ |
مكية |
نزلت بعد النازعات |
||||
٨٣ |
المطففين |
٣٦ |
مكية |
نزلتبعدالعنكبوت(٣) |
||||
٨٤ |
الانشقاق |
٢٥ |
مكية |
نزلت بعد الانفطار |
||||
٨٥ |
البروج |
٢٢ |
مكية |
نزلت بعد الشمس |
||||
٨٦ |
الطارق |
١٧ |
مكية |
نزلت بعد البلد |
||||
٨٧ |
الاعلى |
١٩ |
مكية |
نزلت بعد التكوير |
||||
٨٨ |
الغاشية |
٢٦ |
مكية |
نزلت بعد الذاريات |
||||
٨٩ |
الفجر |
٣٠ |
مكية |
نزلت بعد الليل |
||||
٩٠ |
البلد |
٢٠ |
مكية |
نزلت بعد ق |
||||
٩١ |
الشمس |
١٥ |
مكية |
نزلت بعد القدر |
||||
٩٢ |
الليل |
٢١ |
مكية |
نزلت بعد الأعلى |
||||
٩٣ |
الضحى |
١١ |
مكية |
نزلت بعد الفجر |
||||
٩٤ |
الانشراح |
٨ |
مكية |
نزلت بعد الضحى |
__________________
(١) إلا الآيات : ١٠ ، ١١ ، ٢٠ ، فإنها مدنية.
(٢) ما عدا الآية : ٤٨ ، فإنها مدنية.
(٣) هي آخر سورة نزلت بمكة.
رقم السورة |
|
اسم السورة |
|
عدد آياتها |
|
مكان النزول |
|
تأريخ النزول |
٩٥ |
التين |
٨ |
مكية |
نزلت بعد البروج |
||||
٩٦ |
العلق |
١٩ |
مكية |
أول مانزلمنالقرآن |
||||
٩٧ |
القدر |
٥ |
مكية |
نزلت بعد عبس |
||||
٩٨ |
البينة |
٨ |
مدنية |
نزلت بعد الطلاق |
||||
٩٩ |
الزلزال |
٨ |
مدنية |
نزلت بعد النساء |
||||
١٠٠ |
العاديات |
١١ |
مكية |
نزلت بعد العصر |
||||
١٠١ |
القارعة |
١١ |
مكية |
نزلت بعد قريش |
||||
١٠٢ |
التكاثر |
٨ |
مكية |
نزلت بعد الكوثر |
||||
١٠٣ |
العصر |
٣ |
مكية |
نزلت بعد ألم نشرح |
||||
١٠٤ |
الهمزة |
٩ |
مكية |
نزلت بعد القيامة |
||||
١٠٥ |
الفيل |
٥ |
مكية |
نزلت بعد الكافرون |
||||
١٠٦ |
قريش |
٤ |
مكية |
نزلت بعد التين |
||||
١٠٧ |
الماعون |
٧ |
مكية |
نزلت بعد التكاثر(١) |
||||
١٠٨ |
الكوثر |
٣ |
مكية |
نزلت بعد العاديات |
||||
١٠٩ |
الكافرون |
٦ |
مكية |
نزلت بعد الماعون |
||||
١١٠ |
النصر |
٣ |
مدنية |
آخر ما نزل من سور القرآن (٢) |
||||
١١١ |
المسد |
٥ |
مكية |
نزلت بعد الفاتحة |
||||
١١٢ |
الإخلاص |
٤ |
مكية |
نزلت بعد الناس |
||||
١١٣ |
الفلق |
٥ |
مكية |
نزلت بعد الفيل |
||||
١١٤ |
الناس |
٦ |
مكية |
نزلت بعد الفلق |
__________________
(١) الآيات الثلاث الأولى مكيات ، والبقية مدنية.
(٢) وقد نزلت بمنى في حجة الوداع.
الفصل الثالث
جمع القرآن
لجمع القرآن في الروايات تأريخ متناقض عجيب ، ألقى بتبعته على القرآن الكريم ، والقرآن أسمى من أن يقدح فيه تعارض الروايات ، وتداخل الأهواء ، فهو محفوظ كما نزل ، وسالم كما أوحي :
هذه الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض الآخر تسفر عن هذه النتائج المتضاربة.
أ ـ مات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقرآن كله على العسب واللخاف والرقاع والأكتاف ، ولكنه لم يجمع في مصحف ، وقد راع أبا بكر ( رض ) كثرة القتل في القراء بعد وقعة اليمامة في السنة الثانية عشرة للهجرة ، فاستشار عمر في الأمر ، فأقرا معا جمع القرآن من الصحف إلى المصحف ، أو من العسب واللخاف والأقتاب إلى الصحف ، وكلفا بالمهمة زيد بن ثابت.
ب ـ أن عمر بن الخطاب كان أول من جمع القرآن بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد أن سأل عن آية فلم يجب إليها ، ونهض بالمهمة زيد بن ثابت.
ج ـ أن أبا بكر مات ، وعمر قد قتل ، ولم يجمع القرآن بعد ، أي أن المسلمين في حالة فوضى من شرائع دينهم ، وكتاب ربهم.
د ـ أن عثمان كان أول من جمع المصحف تارة ، وأول من وحد المصحف تارة أخرى.
ه ـ أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن جامعيه كانوا من الكثرة بحيث يعدون تارة ، ويخصصون تارة أخرى ، ولا يحاط بهم سواهما.
ولقد وقفت من هذه الروايات موقف المندهش تارة ، وموقف المتحير تارة أخرى ، وقررت في النهاية دراستها في موضوعية خالصة ، أخلص منها إلى نتائج سليمة ، قد تقارب الواقع وتتجه نحو الصواب بإذن الله.
وهذه الدراسة تعنى بالاستنباط القائم على أساس الاجتهاد الفكري ، والاجتهاد معرض للخطأ والصواب ، وهي لا تمس القرآن ولا الحديث ، وإنما تسير بينهما هامشياً ، فالقرآن هو القرآن أنى كانت طرقه ، وليس في جميع روايات الجمع ما هو مرفوع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
من خلال ما تقدم نظفر بحصيلتين متعارضتين :
الأولى : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مات والقرآن بعد لم يجمع في مصحف.
الثانية : أن القرآن كان مجموعاً في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مصحف.
يدل على الحصيلة الأولى طائفة الروايات المتناثرة لإثبات الفقرات أ ، ب ، ج ، د.
ويدل على الحصيلة الثانية طائفة الروايات والدلائل والبراهين لإثبات الفقرة ه.
ولسنا نحاول تفنيد روايات الحصيلة الأولى بقدر ما يهمنا إثبات حقيقة الحصيلة الثانية. لقد تتبع السيد الخوئي ـ فكفانا مؤنة الخوض في ذلك ـ روايات الجمع بناء على الحصيلة الأولى في كل من صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وكنز العمال ، ومنتخب كنز العمال ، والاتقان للسيوطي ، وكان أهم هذه الروايات من خلال تعقيبه عليها ـ غثها وسمينها ـ إثنتان وعشرون رواية (١).
وقد خلص إلى تناقضها في تعيين العهد الذي جمع فيه القرآن مترددا بين عهود أبي بكر ، عمر ، عثمان ، ومن هو المتصدي لذلك ؟ هل هو أبو بكر ، أو عمر ، أو زيد بن ثابت ؟ وهل بقي من الآيات ما لم يدون إلى زمن عثمان ؟ ومن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن ؟ ومتى
__________________
(١) الخوئي ، البيان : ٢٤٠ ـ ٢٤٦.
ألحقت بعض الآيات في القرآن ، وبماذا ثبت ذلك ، وهل يكفي ذلك لتواتر القرآن (١).
وقد عارض الخوئي هذه الروايات بروايات أخر تدل على جمع القرآن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مستندا فيها إلى منتخب كنز العمال ، وصحيح البخاري ، وإتقان السيوطي ، وقد اعتبر التمحل بأن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين ، دعوى لا شاهد عليها ، لأن الحفاظ أكثر من أن يعدوا (٢).
وقد ثبت لديه جمع القرآن بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واعتبر ما سوى هذا معارضاً لكتاب الله ، ومخالفا لحكم العقل ، ومناهضة صريحة للإجماع الذي عليه المسلمون كافة بأن القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر ، فلا بد من طرح هذه الروايات لأنها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين (٣).
واعتبر القول بروايات الجمع على أساس الحصيلة الأولى يستلزم فتح القول بالتحريف ، باعتبار الجمع على تلك الطرق يكون قابلاً للزيادة والنقصان (٤).
وقد أيد جمع عثمان للقرآن ، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة أمام واحد : « وهذا العمل من عثمان لم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لأن الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضاً ، وقد مر أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منع عن الاختلاف في القرآن » (٥).
والحق أن الخوئي قد تتبع هذه القضية بكل جزئياتها وتفصيلاتها ،
__________________
(١) المصدر نفسه : ٢٤٧ ـ ٢٤٩.
(٢) المصدر نفسه : ٢٤٩ ـ ٢٥١.
(٣) المصدر نفسه : ٢٥٢ ـ ٢٥٦.
(٤) المصدر نفسه : ٢٥٧.
(٥) المصدر نفسه : ٢٥٨.
وانقض عليها يفندها ويجرحها ، مثبتا أن القرآن قد دون في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا ما نذهب إليه من خلال اضطلاعنا بأدلة جمة تستقطب جملة من الروايات ، وطائفة من الأدلة الخارجية والداخلية حول الكتاب وضمن الكتاب وعلى هامش الكتاب ، تثبت دون ريب تكامل الجمع التدويني للقرآن في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولا نريد أن ندخل في متاهة من هذا الموضوع بقدر ما نريد إثبات الحقيقة والوصول إليها بكل الطرق المختصرة.
ففي جملة من الروايات المعتبرة نجد جزءاً لا يستهان به من هذه الحقيقة :
١ ـ في البخاري ، أن من جمعوا القرآن على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعة ، فعن قتادة ، قال سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ قال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد (١).
٢ ـ ما ت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ ابن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد (٢).
٣ ـ أورد البيهقي عن ابن سيرين ، جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعة لا يختلف فيهم : معاذ بن جبل ، وأبيّ بن كعب ، وزيد ، وأبو زيد. واختلفوا في رجلين من ثلاثة : أبو الدرداء ، وعثمان ، وقيل : عثمان وتميم الداري (٣).
٤ ـ عن الشعبي ، جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ستة : أبي ، وزيد ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، ومجمع بن جارية وقد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة. قال : ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد غير عثمان (٤).
٥ ـ وجمع على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعض من الصحابة القرآن كله ، وبعض منهم جمع القرآن ، ثم كمله بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذكر محمد بن إسحاق في الفهرست : « إن الجمّاع للقرآن على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هم : علي بي أبي طالب
__________________
(١) ، (٢) ، (٣) ، (٤) ظ : الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٤١.
عليهالسلام ، وسعد بن عبيد بن النعمان ، وأبو الدرداء ، عويمر بن زيد ، ومعاذ بن جبل بن أوس ، وأبو زيد ثابت بن زيد ، وأبي بن كعب ، وعبيد ابن معاوية ، وزيد بن ثابت » (١).
٦ ـ وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي ، أن الأعداد المتقدمة هم الذين عرضوه على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه منهم ، ولم يتصل بنا فكثير. وأما الذين عرضوا القرآن على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسبعة : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء.
وقد أكد الحافظ الذهبي نفسه الجمع في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة ، كمعاذ بن جبل ، وأبي زيد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، وعقبة بن عامر (٢).
٧ ـ روى الخوارزمي في مناقبه عن علي بن رياح ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وأبي بن كعب (٣).
٨ ـ أخرج بن أبي داود عن محمد بن كعب القرظي ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وأبو أيوب الأنصاري (٤).
٩ ـ قال الحارث المحاسبي ، فيما أكده الزركشي : « وأما أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل : فبغير شك جمعوا القرآن ، والدلائل عليه متظاهرة » (٥).
١٠ ـ أخرج البيهقي ، وأبو داود ، عن الشعبي ، قال : جمع القرآن على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ستة : أبي ، وزيد ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وسعد بن
__________________
(١) ظ : الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٤٦ وانظر مصدره.
(٢) الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٤٢ وما بعدها.
(٣) الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٤٧.
(٤) السيوطي ، الاتقان : ١ / ٢٠٢.
(٥) الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٣٩.
عبيد ، وأبو زيد. ومجمع بن جارية قد أخذه إلاّ سورتين أو ثلاثة (١).
١١ ـ ذكر بن أبي داود فيمن جمع القرآن : قيس بن أبي صعصعة ، وهو خزرجي يكنّى : أبا زيد (٢).
١٢ ـ قال أبو أحمد العسكري : لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد. وقال ابن حبيب في المحبر : سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
١٣ ـ قال السيوطي : ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن ، ولم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك ، فأخرج ابن سعد في الطبقات : أنبأنا الفضل بن دكين ، قال حدثنا : الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ـ وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يزورها ، ويسميها الشهيدة ـ وكانت قد جمعت القرآن ... ثم ساق الحديث (٤).
وهذه الجملة من الروايات بضم بعضها إلى البعض الآخر تبرز لنا طائفة كبيرة من أعلام المهاجرين والأنصار قد جمعت القرآن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس من المرجح أن يكون هؤلاء الرواة جميعاً مع اختلاف عصورهم قد تواطئوا على الكذب ، فأوردوا ذكر هذه الجمهرة من الصحابة ممن جمعوا القرآن ، ولا منازع لهم في ذلك ، بل ولا مناقش من الأعلام.
وأنت ترى أن هذه الروايات تدل دلالة قاطعة على الجمع المتعارف ، وهو التدوين في مجموع ما ، وقد يحلو للبعض أن يفسر الجمع بالحفظ في الصدور ، ولا دلالة لغوية عليه ، إذ أنه انتقال باللفظ عن الأصل إلى سواه دون قرينة تعرف عن المعنى الأول ، ولأنه معارض بجمهور الحفظة الذين لا يعدون في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كثرة وتواترا وشيوعاً ، من النساء والرجال
__________________
(١) السيوطي ، الاتقان : ١ / ٢٠٢.
(٢) المصدر نفسه : ١ / ٢٠٢.
(٣) المصدر نفسه : ١ / ٢٠٣.
(٤) المصدر نفسه : ١ / ٢٠٣.
وفيهم الخلفاء الأربعة وأمهات المؤمنين وذرية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عدا آلاف المسلمين في طول البلاد وعرضها.
لقد عقب الماوردي على الرواية القائلة ، بأنه لم يجمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أربعة ، واستقل ذلك بل استنكره ، فقال :
« وكيف يمكن الإحاطة بأنه لم يكمله سوى أربعة ، والصحابة متفرقون في البلاد ؟ وإن لم يكمله سوى أربعة ، فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون » (١).
فالماوردي هنا يفرق بين الجمع والحفظ ، وهو من علماء القرن الخامس الهجري ، ممن يعرف فحوى الخطاب ، ومنطوق العبارة ، ودلالة الألفاظ.
والفرق بين الجمع والقراءة والحفظ جلي لا يحتاج معه إلى بيان ، قد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات : القراء من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فعد الخلفاء الأربعة ، وطلحة ، وسعداً ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وسالما ، وأبا هريرة ، وعبد الله بن السائب ، والعبادلة (٢) ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة.
ومن الأنصار : عبادة بن الصامت ، ومعاذ الذي يكنى أبا حليمة ، ومجمع بن جارية ، وفضالة بن عبيد ، ومسلم بن مخلد (٣).
وهذا العدد يقتضي أن يكون على سبيل النموذج والمثال ، لا على سبيل الحصر والاستقصاء ، أو أن هؤلاء ممن اشتهر بالحفظ والقراءة أكثر من غيرهم.
ومما يؤيد صدق الروايات المتقدمة في إرادة الجمع المتعارف هو تداول جمع القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما روي عن زيد بن ثابت فإنه يقول
__________________
(١) الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٤٢.
(٢) العبادلة ؛ عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ظ : ابن منظور ، لسان العرب : ٤ / ٢٦٩.
(٣) السيوطي ، الاتقان : ١ / ٢٠٢.
« كنا حول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نؤلف القرآن من الرقاع » (١). ودلالة التأليف ، تعني الجمع والتدوين ، وضم شيء إلى شيء ، ليصح أن يطلق عليه اسم التأليف.
ولا دليل على ادعاء الزركشي : بأن بعض القرآن جمع بحضرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢). فلم لا يكون كل القرآن جمع في حضرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علما بأنه قد سبقه من صرح بجمع القرآن كله لا بعضه في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما نصه : « أنه لم يكن يجمع القرآن كله إلا نفر يسير من أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٣).
ولا ريب ـ بعد هذا كله ـ أن هناك بعض المصاحف المتداولة عند بعض الصحابة في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأخبار مجمعة على صحة وجودها ، وعلى تعدد مصاحف الصحابة أيضا ، إذ لو لم يكن هناك جمع بالمعنى المتبادر إليه ، لما كانت تلك المصاحف أصلاً ، إن وجودها نفسه هو دليل الجمع ، إذ لم يصدر منع من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن جمعه ، بل هناك رواية عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم تقول : « لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن ، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه » (٤).
وجمع هؤلاء الصحابة للقرآن هو الجمع الذي نقول به ، لا الحفظ ، وإلا فما معنى تسميتها بالمصاحف ؟ وما معنى اختلاف هذه المصاحف فيما تدعي الروايات.
لقد أورد ابن أبي داود قائمة طويلة بأسماء مصاحف الصحابة ، وعقب عليها بما فيها من الاختلاف ، هذا الاختلاف الذي قد يعود في نظرنا إلى التأويل لا إلى التنزيل ، أو إلى عدم الضبط في أسوأ الاحتمالات ، وقد عقد لذلك بابا سماه « باب اختلاف مصاحف الصحابة » (٥).
__________________
(١) أبو شامة ، المرشد الوجيز : ٤٤.
(٢) ظ : الزركشي ، البرهان : ١ / ٢٣٧.
(٣) مقدمتان في علوم القرآن : ٢٥.
(٤) الخطيب البغدادي ، تقييد العلم : ٢٩.
(٥) ابن أبي داود ، كتاب المصاحف : ٥٠ ـ ٨٨.
وقد عدد ابن أبي داود منها : مصحف عمر بن الخطاب ، مصحف علي بن أبي طالب ، مصحف أُبَيّ بن أبي كعب ، مصحف عبد الله بن مسعود ، مصحف عبد الله بن عباس ، مصحف عبد الله بن الزبير ، مصحف عبد الله بن عمرو بن العاص ، مصحف عائشة زوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مصحف حفصة زوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مصحف أم سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
قال الآمدي ( ت : ٦١٧ ه ) في كتابه ( الأفكار الأبكار ) : « إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه ومعروضة » (٢).
فالآمدي يجيبنا على سؤال دقيق هو : متى كتبت هذه المصاحف ؟ ومتى جمعت ؟ وكيف أقرت ؟ والجواب أنها كتبت في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقرئت عليه ، بل هي معروضة عليه للضبط والدقة والاتقان.
وهناك دليل جوهري ، آخر وهو أن الروايات في قراءة القرآن كله ، وختمه ، في عهد رسول الله تنطق بوجود جمعي له ، إذ كيف يقرأ فيه من لم يحصل عليه.
١ ـ « عن عبد الله بن عمرو ، قال : قلت : يا رسول الله ، في كم أقرأ القرآن ؟ قال اختمه في شهر ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في عشرين ، قلت إني اطيق أفضل من ذلك ، قال : إختمه في خمس عشرة ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : إختمه في عشر. قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : إختمه في خمس ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك فما رخص لي » (٣).
وقد روي في غير هذا الحديث ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له أول مرة ، إقرأ القرآن في أربعين (٤).
٢ ـ وروي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث » (٥). فأي قرآن يشير إليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إن لم يكن مجموعاً ، ومتداولا بما تتيسر قراءته عند المسلمين.
__________________
(١) المصدر نفسه : والصفحات.
(٢) الزنجاني ، تأريخ القرآن : ٣٩.
(٣) ، (٤) ، (٥) مقدمتان في علوم القرآن : ٢٧ ـ ٢٨.
٣ ـ ومن المشهور الذي لا يجهل أن عمر بن الخطاب (رض) أقام من صلى التراويح بالناس في ليالي رمضان ، وأمره أن يقرأ في الركعة الواحدة نحوا من عشرين آية ، فكان يحيى القرآن في الشهر مرتين. ومعلوم أن ذلك لم يكن من المصحف الذي كتبه زيد ، لأن المصاحف لم تنسخ منه (١).
وهذا تصريح بوجود المصاحف المغايرة لما استنسخه زيد ، وأن سيرة المسلمين عليها إذ لم يعمم مصحف زيد.
وصاحب الرأي السابق يذهب صراحة أن القرآن كان منظوماً ومجموعاً على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
* * *
وقد يقال بأن الكتابة كانت محدودة في عصر الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد يحول هذا دون تدوين القرآن ، فيقال إن عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعصر أبي بكر واحد ، فما يقال هناك يقال هنا. على أن موضوع الكتابة لا يخلو من مبالغة ، فهي وإن كانت محدودة النطاق ، ومقتصرة على طبقة من الناس ، فإننا نشكك كثيراً في تحديد الأرقام التي أوردها المؤرخون ، ولنا عليها مؤاخذات ليس هذا موطن بحثها ، ويزداد شكنا حينما نلمح البلاذري يقول : « دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً يكتب » (٣).
أو ما أورده ابن عبد ربه الأندلسي « لم يكن أحد يكتب بالعربية حين جاء الإسلام ، إلا بضعة عشر رجلاً » (٤).
لا ريب أن العرب كانت أمة أمية ، إلا أن هذه الأرقام لا تتناسب مع ذكر القرآن للكتابة وأدواتها ومشتقاتها بهذه الكثرة. على أن للأمية دلالات أخرى لعل من أفضلها تعليلا ما رواه ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى ( هوَ الذي بعثَ
__________________
(١) ، (٢) المصدر نفسه : ٣١.
(٣) البلاذري ، فتوح البلدان : ٤٧٧.
(٤) ابن عبد ربه ، العقد الفريد : ٤ / ٢٤٢.
في الأميينَ رسولاً ... (٢) ) (١).
قال الصادق : « كانوا يكتبون ، ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بُعث إليهم رسول فنسبهم الله إلى الأميين » (٢).
ومهما يكن من أمر فأمية من أسلم ، وقلة الكتبة ، وتضاؤل وسائل الكتابة ، لم تكن موانع تحول دون تدوين القرآن.
فلقد اتخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عددا من الكتاب للقرآن الكريم في كل من مكة والمدينة في طليعتهم الخلفاء الأربعة ، وزيد ، وأبي (٣).
قال القاضي أبو بكر الباقلاني : « وما على جديد الأرض أجهل ممن يظن بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه أهمل في القرآن أو ضيعه ، مع أن له كتاباً أفاضل معروفين بالانتصاب لذلك من المهاجرين والأنصار ، فممن كتب له من قريش من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد بن أرقم ، وخالد بن سعيد ، وذكر أهل التفسير أنه كان يملي على خالد بن سعيد ثم يأمره بطي ما كتب وختمه.. ومنهم الزبير بن العوام ، وحنظلة ، وخالد بن أسد ، وجهم بن الصلت ، وغير هؤلاء .. » (٤).
ولا شك أن الكتابة كانت تخضع للإشراف المباشر من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالذات ، ليكون النص مطابقاً للوحي ، كما مر في حديث خالد بن سعيد ، وكما روى زيد بن ثابت : « كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يملي عليّ ، فإذا فرغت ، قال : إقرأه ، فأقرأه ، فإن كان فيه سقط أقامه ، ثم أخرج به إلى الناس » (٥).
ولقد كان العرب في جاهليتهم يهتمون اهتماما كبيرا في تقييد المأثور الديني ، ففي حديث سويد بن الصامت :
__________________
(١) الجمعة : ٢.
(٢) ظ : الطباطبائي ، الميزان : وانظر مصدره.
(٣) ظ : الجهشياري ، الوزراء والكتاب : ١٤.
(٤) الباقلاني ، نكت الانتصار : ١٠٠.
(٥) الصولي ، أدب الكتاب : ١٦٥.
أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعل الذي معك مثل الذي معي ، فقال : وما الذي معك ؟ قال سويد : مجلة لقمان ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إعرضها عليّ فعرضها عليه ، فقال له : إن هذا الكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى ، هو هدى ونور (١).
وإذا كان اهتمام العرب في الجاهلية ، بمثل هذا المستوى من الجمع والتدوين للموروث الثقافي أو الديني ، فكيف يكون اهتمامها بالقرآن الكريم ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيهم يدعوهم إلى حفظه ومدارسته والقيام به. لكأنني بالآية حينما يتلوها الرسول الأعظم تتلاقفها الصدور لتدونها في السطور ، ولقد كان من سيرته متى ما أسلم أحد من العرب دفعه إلى الذين معه ، فعلموه القرآن. وإذا هاجر له أحد من أصحابه أوكله إلى من يعلمه القرآن : « فكان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى رجل من الصحابة يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا » (٢).
إذن ، كيف كان يتم تعليم القرآن ؟ وكيف كانت تلاوته ؟ لا أشك أن ذلك كان في مدون ما ، ولا يمنع ذلك من الحفظ في الصدور.
يقول محمد عبد الله دراز : « إن النص المنزل لم يقتصر على كونه ( قرآناً ) أو مجموعة من الآيات تتلى أو تقرأ ، وتحفظ في الصدور ، وإنما كان أيضا ( كتاباً ) مدوناً بأعداد. فهاتان الصورتان تتضافران وتصحح كل منهما الأخرى. ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي » (٣).
ومما يدل على تدوينه وكتابته مجموعاً في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مضافاً إلى ما سبق بيانه ـ ما يلي :
١ ـ كان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا نزلت عليه الآية من السورة دعا من يكتب له فيقول : ضعها في موضع كذا وكذا من السورة. وهذا من أوضح الأدلة على أن
__________________
(١) ظ : ابن هشام ، السيرة النبوية : ٢ / ٦٨ + الزمخشري ، الفائق : ١ / ٢٠٦.
(٢) الزرقاني ، مناهل العرفان : ١ / ٢٣٤.
(٣) محمد عبد الله دراز ، مدخل إلى القرآن : الكريم : ٣٤.
هذا الترتيب الذي رتبه الله عليه. ولأجله كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يدلهم على موضع السور من القرآن ، والآية من السورة ، ليكتب ويحفظ على نظمه وترتيبه (١).
٢ ـ لقد ورد لفظ الكتاب في القرآن والسنة النبوية القطعية الصدور ، للدلالة على ماله كيان جمعي محفوظ ، والإشارة بل التصريح في ذلك الكتاب إلى القرآن الكريم ، فقد استعمل لفظ الكتاب في القرآن بهذا الملحظ في أكثر من مائة موضع ، ونضرب لذلك بعض النماذج :
أ ـ ( ذلكَ الكتابُ لا ريبَ فيهِ هدىً للمتقينَ ... (٢) ) ـ البقرة / ٢.
ب ـ ( نزَّلَ عليكَ الكتابَ بالحقِّ ... (٣) ) ـ آل عمران / ٣.
ج ـ ( هوَ الذي أنزلَ عليكَ الكتابَ ... ) ـ آل عمران / ٧.
د ـ ( إنّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ ... ) ـ النساء / ١٠٥.
ه ـ ( وأنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ ... (١٠٥) ) ـ المائدة / ٤٨.
و ـ ( وهذا كتابٌ أنزلناهُ مباركٌ ... (٩٢) ) ـ الأنعام / ٩٢.
ز ـ ( كتابٌ أنزِلَ إليكَ ... (٢) ) ـ الأعراف / ٢.
ح ـ ( الر تلكَ آياتُ أحكمَتْ ءاياتُهُ ... (١) ) ـ يونس / ١.
ط ـ ( الر كتابٌ أحكمَتْ ءاياتُهُ ... ) ـ هود / ١.
ي ـ ( الر كتابٌ أنزلناهُ إليكَ ... (١) ) إبراهيم / ١.
أفلا يدل هذا الحشد الهائل إلى أن القرآن كان كتاباً مجموعاً يشار إليه. ومما يعضده ما ورد في السنة الشريفة من التصريح بالكتاب في عدة مواضع أبرزها :
أ ـ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله
__________________
(١) مقدمتان في علوم القرآن : ٤١.
وعترتي أهل بيتي » (١).
ب ـ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (٢).
فهل يعني استخلاف الكتاب أن يترك بين عسب ورقاع وألواح تارة ، أو بين أقتاب وأكتاف ولخاف تارة أخرى ، أم أن استخلافه له ينبغي أن يكون مجموعاً منظماً صالحا لمعنى الخلافة.
٣ ـ مما لا شك فيه أن الاسم البارز والأمثل لسورة الحمد هو ( فاتحة الكتاب ) ، ولو لم يكن القرآن مدوناً من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بوحي من جبرئيل عليهالسلام : « لما كان لتسميته هذه السورة فاتحة الكتاب معنى ، إذ قد ثبت بالإجماع أن هذه السورة ليست بفاتحة سور القرآن نزولاً ، فثبت أنها فاتحته نظما وترتيباً وتكلماً » (٣).
٤ ـ قد يقال بأن جمع القرآن في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو حفظه في الصدور ، وهذا وإن كان دعوى لا دليل عليها ، فإن من أبسط لوازمها أن الحفظ في الصدور مما يستدعي توافر النص بين الأيدي وتداوله للمعارضة بين ما يحفظ وبين ما هو مثبت ، ولا دليل أنهم كانوا يحفظونه مباشرة عند تلاوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم له ، إذ هذه الميزة من مميزات الرسول الأعظم فبمعارضة جبرئيل عليهالسلام له يحفظ النص القرآني ويستظهره وبتعهد من الله له كما دل على ذلك قوله تعالى :
( لا تحرِّكْ بِهِ لسانكَ لتجعلَ بِهِ (١٦) إنَّ علينَا جمعَهُ وقرءانَهُ (١٧) ) (٤).
والكثرة الكاثرة كانت تحفظ القرآن بمدارسته وتكرار تلاوته ، وأقل ما في ذلك أن تقارن الحفظ والإستظهار بما لديها من نصوص قرآنية ، وهذا هو المتعين من قبل المسلمين نظراً لورعهم واحتياطهم من جهة ، وتعبيراً
__________________
(١) ابن الأثير ، جامع الأصول : ١ / ١٨٧.
(٢) الطوسي ، التبيان : ١ / ٣.
(٣) مقدمتان في علوم القرآن : ٤١ وما بعدها.
(٤) القيامة : ١٦ ـ ١٧.
عن شغفهم بالقرآن وحبهم لمتابعته من جهة أخرى ، فقد يظهر من كثير من الروايات كونهم يتحلقون لتلاوته ليلاً ، فقد رفع إليه :
« إني لأعرف أصوات الرفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار » (١).
٥ ـ « ومن المعلوم الذي لا خفاء به أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد كان يؤم أصحابه في الصلوات الخمس لا يخل بذلك في سفر ولا حضر ، فقرأ في الركعتين من كل صلاة بسورة مع فاتحة الكتاب ، ويسمعهم ذلك في الغداة والعشي. فماذا كان يسمعهم ليت شعري ، إن كانت آيات القرآن متفرقة ولم تنظم السور حتى أنها نظمت في أيام أبي بكر وعثمان ، فبماذا كان يقرع العرب حيث يقول الله تعالى : ( فأتوا بعشرِ سورٍ مثلِهِ مفترياتٍ ... ) (٢). وذلك مما نزل بمكة ، ثم قال تعالى : ( فأتوا بسورةٍ من مثلِهِ ... ) (٣). ونزل ذلك بالمدينة ، ولو كان على ما خيلوا لم يكن العباس ابن عبد المطلب يهرب يوم حنين حيث انهزم القول فيقول : يا أصحاب سورة البقرة ، وسورة آل عمران ، هذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. يستدعيهم بذلك إليه » (٤).
٦ ـ أورد ابن حجر ما أخرجه أحمد وأبو داود عن أوس بن أبي أوس ، وكان في الوفد الذين أسلموا على يد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : فسألنا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قلنا : كيف تحزبون القرآن ؟ قالوا : نُحزّبه ثلاث سور ، وخمس سور ، وسبع سور ، وتسع سور ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل من ( ق ) حتى نختم ( يعني القرآن ).
قال ابن حجر : ( فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو عليه في المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ) (٥).
__________________
(١) الزرقاني ، مناهل العرفان : ١ / ٣١٣.
(٢) هود : ١٣.
(٣) البقرة : ٢٣.
(٤) مقدمتان في علوم القرآن : ٢٧.
(٥) ابن حجر ، فتح الباري : ٩ / ٤٢.
٧ ـ أورد السيوطي في مسألة القراءة في المصحف أفضل من القراءة من حفظه ، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة ، أورد عدة روايات مرفوعة إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها ذكر المصحف ، مما يعني أن لفظ « المصحف » المجموع فيه القرآن ، كان شائعاً ومعروفاً ، وذا دلالة معينة منذ عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما رفع إليه على سبيل المثال (١) :
أ ـ ما أخرجه الطبراني ، والبيهقي في الشعب من حديث أوس الثقفي مرفوعاً :
« قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة ، وقراءته في المصحف تضاعف ألفي درجة ».
ب ـ ما أخرجه البيهقي عن ابن مسعود مرفوعاً : « من سره أن يحب الله ورسوله ، فليقرأ في المصحف ».
ج ـ وأخرج بسند حسن مرفوعاً : « أديموا النظر في المصحف ».
د ـ وأخرج غير السيوطي ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : الغرباء في الدنيا أربعة ، وعد منها مصحفاً لا يقرأ فيه (٢).
ه ـ وروى ابن ماجة ، وغيره ، عن أنس مرفوعاً : « سبع يجري للعبد أجرهن بعد موته ، وهو في قبره ، وعدّ منهن : من ورث مصحفاً » (٣).
و ـ وعن ابن عمر ، قال نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يسافر بالمصاحف إلى أرض العدو ، مخافة أن ينالوها ، وفي لفظ آخر : نهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو (٤).
فهذه الأحاديث وأمثالها ـ إن صحت ـ دليل صريح على وجود جمعي وكيان تأليفي للقرآن في مصحف ، بل في المصحف نفسه.
__________________
(١) الأحاديث أ ، ب ، ج ، في السيوطي : الاتقان : ١ / ٣٤ وما بعدها.
(٢) المناوي ، فيض القدير.
(٣) ظ : السيوطي ، الاتقان : ٤ / ١٦٦.
(٤) ابن أبي داود ، كتاب المصاحف : ١٨٠ ـ ١٨١.