القواعد الفقهيّة - ج ٥

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

ورود التخصيص عليها.

الجهة الثالثة

في موارد تطبيق هذه القاعدة‌

وهي كثيرة منتشرة في أبواب الفقه.

فمنها : إهانة الكعبة المعظّمة زادها الله شرفا بتلويثها ـ العياذ بالله ـ بإحدى النجاسات العينيّة عمدا عن اختيار بلا كره ولا إجبار ولا مرض ولا اضطرار ، ولا يبعد أن يكون هذا العمل كفرا وإنكارا لله الواحد القهّار.

وقد ورد عنهم عليهم‌السلام أنّه يقتل كما في رواية أبي الصباح الكناني قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيّهما أفضل الإيمان أو الإسلام؟ إلى أن قال : فقال : « الإيمان ». قال : قلت : فأوجدني ذلك ، قال : « ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمّدا؟ » قال : قلت : يضرب ضربا شديدا ، قال : « أصبت » قال عليه‌السلام : « فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمّدا؟ » قلت : يقتل. قال : أصبت ألا ترى أنّ الكعبة أفضل من المسجد » الحديث. (١)

ومنها : إهانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو القرآن ، كما ورد أنّ من شتم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتل فيما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن شتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليه‌السلام : « يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام » (٢).

ومنها : قوله بما لا يليق وسوء الأدب مع الله تعالى جلّ جلاله ، وأن يسأل بوجه الله. ففي رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٢ ، ص ٢٦ ، باب ان الايمان يشرك الإسلام ... ، ح ٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٥٧٩ ، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، باب ٦ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٥٩ ، باب حدّ المرتد ، ح ٢١ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ١٤١ ، ح ٥٦٠ ، باب حدّ المرتد والمرتدّة ، ح ٢١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٥٥٤ ، أبواب حدّ المرتدّ ، باب ٧ ، ح ١.

٣٠١

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّي سألت رجلا بوجه الله فضربني خمسة أسواط ، فضربه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أسواط أخرى وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سل بوجهك اللئيم » (١).

ومنها : إهانة المسجد بأن يجعله القاصّ محلاّ لبيان قصّته ، ففي رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام رأى قاصّا في المسجد ، فضربه بالدّرة وطرده » (٢).

ومنها : الإهانة بأموات المؤمنين ، ففي رواية صفوان. قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أبي الله أن يظنّ بالمؤمن إلاّ خيرا ، وكسرك عظامه حيّا وميّتا سواء » (٣).

وأيضا عنه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن رجل كسر عظم ميّت ، فقال : « حرمته ميّتا أعظم من حرمته وهو حيّ » (٤).

وروايات أخر ذكرها في الوسائل التي بهذا المضمون في نفس هذا الباب الذي عقده لاحترام ميّت المؤمن ، وأنّ حرمة حيّه وميّته سواء.

ومنها : إهانة مكّة المكرّمة قولا أو فعلا. وروى الكليني قدس‌سره رواية مفصّلة قال : وروي أنّ معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه ، وكان أوّل من وضعها ثمَّ غلبت جرهم على ولاية البيت ، فكان يلي منهم كابر عن كابر حتّى بغت‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٦٣ ، باب النوادر من كتاب الحدود ، ح ١٨ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ١٤٩ ، ح ٥٩٤ ، باب من الزيادات ، ح ٢٥ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٥٧٧ ، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، باب ٢ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٧ ، ص ٢٦٣ ، باب النوادر من كتاب الحدود ، ح ٢٠ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ٥٧٨ ، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ، باب ٤ ، ح ١.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ٢٧٢ ، ح ١٠٦٧ ، باب دية الأعور ولسان الأخرس ... ، ح ١٢ ؛ « الاستبصار » ج ٤ ، ص ٢٩٧ ، ح ١١١٥ ، باب دية من قطع رأس الميّت ، ح ٣ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٩ ، ص ٢٥١ ، أبواب ديات الأعضاء ، باب ٢٥ ، ح ٤.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ٢٧٢ ، ح ١٠٦٨ ، باب دية الأعور ولسان الأخرس ... ، ح ١٣ ؛ « الاستبصار » ج ٤ ، ص ٢٩٧ ، ح ١١١٦ ، باب دية من قطع رأس الميّت ، ح ٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٩ ، ص ٢٥١ ، أبواب ديات الأعضاء ، باب ٢٥ ، ح ٥.

٣٠٢

جرهم بمكّة واستحلّوا حرمتها ، وأكلوا مال الكعبة ، وظلموا من دخل مكّة وعتوا وبغوا ، وكانت مكّة في الجاهليّة لا يظلم ولا يبقى فيها ولا يستحلّ حرمتها ملك إلاّ هلك مكانه ، الحديث. (١)

وخلاصة الكلام : أنّ من راجع الأخبار الواردة في حرمة إهانة المؤمن والاستخفاف به وكذلك الأخبار الواردة في عدم جواز الاستخفاف بالقرآن والكعبة والمسجد الحرام ومسجد النبيّ وضريحه المقدس وذاته الأقدس والمشاعر العظام المذكورة في كتاب الحجّ ، والأخبار الواردة في التربة الحسينيّة وغيرها من المحترمات ، يقطع بأنّ إهانة ما هو محترم وله مرتبة وشرف في الدين حرام ، بل تعظيمها بمعنى حفظ مرتبتها واجب.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

__________________

(١) « الكافي » ج ٤ ، ص ٢١١ ، باب حجّ إبراهيم وإسماعيل وبنائهما البيت ، ح ١٨.

٣٠٣
٣٠٤

٥٤ ـ قاعدة

كلّ مسكر مائع

بالأصالة فهو نجس‌

٣٠٥
٣٠٦

قاعدة كلّ مسكر مائع بالأصالة فهو نجس *

ومن القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « كلّ مسكر مائع بالأصالة نجس وحرام شربه ».

وفيها جهات من البحث :

الجهة الأولى

في بيان المراد منها‌

فنقول : أما « المسكر » فقد اختلف كلمات الفقهاء واللغويّين في شرح مفهومه ، فقال في القاموس : سكر كفرح ، ثمَّ يذكر مصادر هذا الفعل ، ثمَّ يفسّره بأنّه نقيض صحى (١) ، ثمَّ يأتي في مادة الصحو ويقول الصحو : ذهاب الغيم والسكر (٢) ، وهو عجيب ؛ لأنّه يحيل معرفة كلّ واحد منهما إلى معرفة الآخر ، وهذا دور إن كان مراده من هذا التفسير لهما تعريفهما ، ومثل هذا الأمر في كلام اللغويين كثير.

وقال في لسان العرب : السكران خلاف الصاحي ، والسكر نقيض الصحو ، والسكر ثلاثة : سكر الشاب ، وسكر المال ، وسكر السلطان (٣).

وفي قوله تعالى : ( وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ

__________________

* « مستقصى مدارك القواعد » ص ١٠٠.

(١) « القاموس المحيط » ج ٢ ، ص ٤٥ ( سكر )

(٢) « القاموس المحيط » ٤ ، ص ٥٠٧ ( صحر )

(٣) « لسان العرب » ج ٤ ، ص ٣٧٢ ( سكر )

٣٠٧

شَدِيدٌ ) (١) سكارى بالضمّ جمع سكران ، فإنّ فعلان يجمع على فعالي بالضم ، وسكرهم عبارة عن دهشهم من هول العذاب ، فعقولهم ذاهبة من خوف العذاب ، فعرض عليهم حالة كحالة السكران واضطرابه.

وقال بعض الفقهاء : هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السّر المكتوم ، وقيل : هو ما يغيّر العقل ويحصل معه نشو النفس.

وقيل في الفرق بينه وبين الإغماء : إنّ السكر حالة توجب اختلالا في العقل بالاستقلال ، والإغماء يوجبه بالتبع لضعف القلب واليد وقيل : إنّ السكر حالة توجب ضعف العقل وقوة القلب ، والإغماء حالة توجب ضعفهما.

هذا ما ذكروه ، والذي يظهر من مجموع المعاني الذي ذكروه أنّ السكر هو وجود حالة في النفس توجب اضطرابا في الفكر ، وزوال مرتبة من العقل بحيث لو كانت هذه الحالة فيه دائمة من غير شرب المسكر لكانت فيه مرتبة من الجنون ؛ وذلك لأنّ تلك الحالة ربما توجب ارتكاب بعض القبائح والجرائم التي لا يصدر من العاقل.

نعم لا شكّ في أنّ هذه الحالة المذكورة تختلف بالنسبة إلى أشخاص شاربي المسكرات ، وأنواع نفس المسكرات ، وبالنسبة إلى القلّة وكثرة ما يشرب ، وبعض الجهات الأخر شدّة وضعفا.

والظاهر : أنّ مفهوم السكر مثل مفهوم الجنون والعقل من المفاهيم الواضحة عند كلّ أحد ، فلا يحتاج إلى التعريف ، بل هو أجلى من التعاريف التي ذكروها.

وإذا تبيّن معنى السكر ، فالمسكر هو الذي يكون شربه أو أكله سببا لوجود السكر ، فالمسكر من المشتقّات التي يكون مبدء الاشتقاق قائما بموضوعه قياما صدوريّا ، لا حلوليّا كالكاتب مثلا.

__________________

(١) الحجّ (٢٢) : ٢.

٣٠٨

وأمّا المراد من المائع بالأصالة ، فهو أنّ الشي‌ء الذي يوجب وجود هذه الحالة على اختلاف مراتبها على قسمين : مائع ، وجامد ، فالمائع كأقسام الخمور والفقّاع وما يسمّونه العرق ، وغير ذلك ممّا ينطبق عليه هذا التعريف ، وكان في أصله مائعا ، لا أنّه صار مائعا بواسطة مزجه بالماء ، والجامد كالحشيش أو شي‌ء آخر إذا كان هناك شي‌ء آخر جامد بالأصل يوجب وجود هذه الحالة.

وإنّما خصّصنا الموضوع في هذه القاعدة وقيّدناه بكونه مائعا بالأصالة لأنّ ما ليس من المسكرات كذلك وإن صار مائعا بواسطة مزجه بالماء كالحشيش ليس بنجس إجماعا ، وأدلّة نجاسة المسكرات أيضا منصرفة عن المسكر الجامد بالأصالة ، كما سننبّه على هذا فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية

في بيان الدليل على هذه القاعدة‌

وقبل ذلك نذكر الأقوال فيها ، فنقول :

المشهور عند الفقهاء قديما وحديثا هو نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة ، وخالف المشهور جماعة من القدماء والمتأخّرين من أصحابنا الإماميّة وغيرهم.

أمّا من الإماميّة : حكى عن العمّاني حسن وهو المشهور بابن أبي عقيل (١) وعن الصدوقين عليّ بن بابويه وابنه محمّد بن على ابن بابويه (٢) ـ قدس سرّهما ـ ، ومن متأخّريهم المقدّس الأردبيلي (٣) ، وصاحب المدارك (٤) ، وصاحب الذخيرة السبزواريّ ، (٥)

__________________

(١) نقله عنه في « المعتبر » ج ١ ، ص ٤٢٢.

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٧٤ ، باب ما ينجّس الثوب والجسد ، ذيل ح ١٦٧ ؛ « علل الشرائع » ص ٣٥٧.

(٣) « مجمع الفائدة والبرهان » ج ١ ، ص ٣٠٩.

(٤) « مدارك الأحكام » ج ٢ ، ص ٢٩٢.

(٥) « ذخيرة المعاد » ص ١٥٣.

٣٠٩

ومشارق الشموس في شرح الدروس الخوانساري قدس‌سره (١).

وأمّا من غير الإماميّة : فظاهر عبارة الفقه على المذاهب الأربعة (٢) نجاسة المسكر المائع بالأصالة من غير نقل خلاف ، ويستدلّ على ذلك بأنّ كلّ مسكر خمر ، وكل خمر نجس.

أمّا إنّ كلّ مسكر خمر ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما رواه في صحيح مسلم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كل مسكر خمر ، وكلّ خمر حرام » (٣).

وأمّا إنّ كلّ خمر نجس ؛ لقوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) (٤) فحمل الرجس على الخمر ، والمراد من الرجس هو النجس ؛ لأنّه معناه عند العرف.

وحكي القول بطهارة الخمر من ربيعة الرأي ، (٥) وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ فتوى أكثر فقهاء الإسلام على النجاسة ، بل المخالف أي القائل بالطهارة منّا ومن غيرنا في غاية القلّة ، على كلام في النسبة إلى بعضهم.

ثمَّ بعد ما ظهر لك من الأقوال في المسألة ،

الأوّل : الإجماع‌ نقلا وتحصيلا ، فهذا صاحب الجواهر الفقيه المتتبّع يقول : المشهور نقلا وتحصيلا ، قديما وحديثا ، بيننا وبين غيرنا شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي‌

__________________

(١) « مشارق الشموس » ص ٣٢٦.

(٢) « الفقه على المذاهب الأربعة » ج ١ ، ص ١٥.

(٣) « صحيح مسلم » ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، باب بيان أنّ كلّ مسكر خمر ... ، ح ٢٠٠٣.

(٤) « المائدة (٥) : ٩٠.

(٥) « انظر : « المجموع » ج ٢ ، ص ٥٦٣ ؛ « فتح العزيز » ج ١ ، ص ١٥٦ ؛ « تفسير القرطبي » ج ٦ ، ص ٢٨٨ ؛ « مغني المحتاج » ج ١ ، ص ٧٧ ؛ « الميزان » ج ١ ، ص ١٠٥.

٣١٠

كذلك النجاسة (١).

وعن البهائي في حبل المتين : أطبق علماء الخاصّة والعامّة على نجاسة الخمر ، إلاّ شر ذمّة منّا ومنهم لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم. (٢)

وفي السرائر بعد أن نفى الخلاف عن نجاسة الخمر حكى عن ابن بابويه في كتاب له أنّ الصلاة تجوز في ثبوت أصابته الخمر ، قال : وهو مخالف لإجماع المسلمين. (٣)

وقال الشهيد في الذكرى : إنّ الصدوق وابن أبي عقيل والجعفيّ ـ أي القائلين بالطهارة ـ تمسّكوا بأحاديث لا تعارض القطعيّ. (٤)

وقال الشيخ في المبسوط : والخمر نجسة بلا خلاف ، وكلّ مسكر عندنا حكمه حكم الخمر ، وألحق أصحابنا الفقّاع بذلك. (٥)

وقال ابن زهرة في الغنية : والخمر نجسة بلا خلاف ممّن يعتد به ، وقوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) يدلّ على نجاستها ، وكلّ شراب مسكر نجس ، والفقّاع نجس بالإجماع ، (٦) انتهى.

ثمَّ إنّ دعوانا الإجماع تحصيلا مبنيّ على عدم الاعتداد بهؤلاء المخالفين للقول بنجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة القائلين بالطهارة ، مع أنّ في أصل النسبة إليهم إشكالا كما ذكره في الجواهر. (٧)

والسرّ في عدم الاعتناء بمخالفة هؤلاء ـ إن صحّت المخالفة ـ أنّنا نقول بحجّيّة‌

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٦ ، ص ٢.

(٢) « الحبل المتين » ص ١٠٢.

(٣) « السرائر » ج ١ ، ص ١٧٨.

(٤) « ذكري الشيعة » ص ١٤.

(٥) « المبسوط » ج ١ ، ص ٣٦.

(٦) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص ٥٥٠.

(٧) « جواهر الكلام » ج ٦ ، ص ٣.

٣١١

الإجماع من باب أنّ اتّفاق هذا العدد الكثير من الفقهاء على حكم مع اختلاف أعصارهم وبلدانهم وسلائقهم ، وتعبّد جمع كثير منهم بالعمل بالأخبار المرويّة عن المعصومين وعدم اعتنائهم بالاستحسانات والظنون وعمل جمع آخر على طبق تلك الأمور ، وعدم مدرك من آية أو رواية يدلّ على ثبوت هذا الحكم الذي اتّفقوا عليه.

فيستكشف من مثل هذا الاتّفاق تلقّيهم هذا الحكم من المعصوم عليه‌السلام ، أو وجود دليل معتبر عند الكلّ كخبر قطعيّ الصدور وقطعيّ الدلالة ولكن نحن لم نجده لضياعه بطول الزمان.

وأنت خبير بأنّ مثل هذا المعنى لا يضرّ به مخالفة عدّة قليلة ، خصوصا إذا علمنا بأنّ اعتمادهم على أخبار ضعيفة معرضة عنها.

نعم هاهنا إشكال آخر على هذا الإجماع ذكرناه مرارا في هذا الكتاب في أمثال المقام ، وهو أنّ الاتّفاق الذي من المحتمل القريب أن يكون اعتمادهم على الآية الموجودة في المقام ، أو الروايات الموجودة كذلك ، بل صرّح بعضهم بذلك كما أنّ ما نقلناه عن ابن زهرة في الغنية من استدلاله بالآية على نجاسة الخمر بعد ادّعائه عدم الخلاف ممّن يعتدّ به ، فمثل هذه الإجماعات لا اعتبار لها ، ولا بدّ من مراجعة مداركها.

الثاني : قوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ). (١)

ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الآية على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة على تقدير دلالتها على نجاسة الخمر منوط بأحد هذه الأمور :

إمّا أن يكون كلّ مسكر خمرا حقيقة وموضوعا ، كما حكينا عن صحيح مسلم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ « كلّ مسكر خمر ». (٢)

__________________

(١) المائدة (٥) : ٩٠.

(٢) « صحيح مسلم » ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، باب بيان أنّ كلّ مسكر خمر ... ، ح ٢٠٠٣.

٣١٢

وإمّا يكون خمرا تنزيلا بلحاظ جميع الآثار من الحرمة والنجاسة وغيرهما ، أو بلحاظ خصوص هذا الأثر.

ولا يبعد احتمال الأوّل ؛ لأنّ الخمر بمعنى الستر ، ومنه خمار المرأة ، لأنّه يسترها ، ولا شكّ في أنّ كلّ مسكر يستر العقل على اختلاف مراتب الستر شدّة وضعفا ، حتّى أن في بعض أقسامها ربما يتخيّل من يراه ـ من ارتكاب القبائح ـ بأنّه مجنون ، ولا فرق في هذا المعنى بين ما يسمّونه خمرا حقيقة وبين سائر أقسام المسكرات على تقدير أنّ لا تكون خمرا في لغتهم ومحاوراتهم.

وأيضا على فرض أن لا تكون خمرا حقيقة لا شكّ في أنّ ظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كلّ مسكر خمر » عموم المنزلة أي في جميع الآثار ، وعلى فرض أن لا يكون ظاهرا في عموم المنزلة وكان التنزيل بلحاظ الأثر الظاهر ، لا شكّ في أنّ الأثر الظاهر للخمر عند المسلمين ليس خصوص الحرمة ، بل يكون هي الحرمة والنجاسة كلتاهما.

وإمّا أن يكون دليل على إلحاقه بالخمر حكما من إجماع أو غيره كعموم التعليل مثلا لو كان في رواية أنّ الخمر نجسة لأنّه مسكر ، فهذا يكون بمنزلة كبرى كلّية تدلّ على نجاسة كلّ مسكر ، فحينئذ لا بدّ وأن نقول بأنّ خروج المسكرات الجامدة بالأصل عن تحت هذا العموم بالإجماع أو بالانصراف.

وخلاصة الكلام : أنّ الآية أو الروايات على تقدير دلالتها على نجاسة الخمر تدلّ على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة بأحد الوجوه المذكورة ، والمسكر الجامد بالأصالة خارج بما ذكرنا.

وأمّا الأخبار الواردة من طريق أهل البيت عليهم‌السلام بأنّ كلّ مسكر خمر ، فكثيرة.

فمنها : رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر » (١).

__________________

(١) « الكافي » ج ٦ ، ص ٤٠٨ ، باب أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ حرّم كلّ مسكر. ح ٣ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١١١ ، ح ٤٨٢ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ٢١٧ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٢٦٠ ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب ١٥ ، ح ٥.

٣١٣

ومنها : ما عن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ) إلى آخره قال : يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر (١).

ومنها : ما عن تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسير الآية المذكورة عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام » (٢).

ومنها : خبر عليّ بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال : « إنّ الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (٣).

ولكن ظاهر هذه الرواية هو التنزيل في الحرمة ، لا أنّه خمر حقيقة.

وبعد ما ظهر لك ما قلناه فتقريب دلالة الآية على نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة هو أنّ الرجس بمعنى النجس فتدلّ الآية على أنّ الخمر نجس ، وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ كلّ مسكر إمّا خمر حقيقة كما أنّه لم نستبعده ، أو حكما ، فيكون بمنزلة الخمر ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كلّ مسكر خمر » أو لأنّ علّة نجاسة الخمر إسكارها ، وهذه العلة موجودة في كلّ مسكر.

فالعمدة إثبات أنّ الرجس بمعنى النجاسة العينيّة في متفاهم العرف ، وإثبات هذا الأمر خصوصا في هذه الآية مشكل ، أمّا أوّلا فلانّ الرجس كما يطلق على النجس كذلك يطلق على معان أخر :

__________________

(١) « مجمع البيان » ج ٢ ، ص ٢٣٩.

(٢) « تفسير القمّي » ج ١ ، ص ١٨٠ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٢٢٢ ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب ١ ، ح ٥.

(٣) « الكافي » ج ٦ ، ص ٤١٢ ، باب أنّ الخمر انما حرمت لفعلها ... ، ح ٢ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١١٢ ، ح ٤٨٦ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ٢٢١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٢٧٣ ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب ١٩ ، ح ١.

٣١٤

قال في النهاية : الرجس القدر ، وقد يعبّر به عن الحرام ، والفعل القبيح ، والعذاب ، واللعنة ، والكفر.

وقال في القاموس : والرجس ـ بالكسر ـ القذر ، والمأثم ، وكلّ ما استقذر من العمل المؤدّي إلى العذاب ، والشكّ والعقاب والغضب. (١)

فاستظهار هذا المعنى ـ أي كونه بمعنى النجاسة العينيّة ـ يحتاج إلى قرينة معيّنة لها من بين المعاني المذكورة ، وليس شي‌ء في البين ، بل القرينة على خلافه ، وهي وحدة السياق.

وذلك لأنّ ظاهر الآية هو أنّ الرجس خبر إنّما في جميع الفقرات ، لا أنّه خبر لخصوص الخمر ، ولا شكّ في أنّ الميسر والأنصاب والأزلام لا يمكن أن يكون رجسا بهذا المعنى ، فلا بد وأن يكون بمعنى قابلا للحمل على الجميع ، وهذا هو المراد بوحدة السياق. والظاهر أنّ ذلك المعنى الذي هو قابل للحمل على الجميع هو المأثم الذي ذكره في القاموس ، أو الحرام الذي ذكره في النهاية ، والظاهر أنّهما واحد ، وعلى كلّ حال فلا تكون الآية مربوطة بمحلّ الكلام.

وأيضا قوله تعالى ( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) لا يناسب هذا المعنى ، لأنّ نجاسة الخمر كنجاسة سائر النجاسات العينيّة من الأحكام الشرعيّة وليست عملا للشيطان ، نعم شربه رجس ، أي حرام ومن عمل الشيطان.

فالإنصاف : أنّ الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الخمر لا مجال له ، وإن استدلّ بها بعض القدماء كابن زهرة في الغنية ، (٢) وقد تقدّم عبارته.

الثالث : الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليه‌السلام: وهي العمدة في المقام ، وهي على طائفتين :

__________________

(١) « القاموس المحيط » ج ٢ ، ص ٢٢٧ ( رجس ).

(٢) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص ٥٥٠.

٣١٥

إحداهما تدلّ على النجاسة.

والأخرى على الطهارة.

أمّا الطائفة الأولى :

فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل لحم الجري أو يشرب الخمر فيردّه أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟

قال عليه‌السلام : « لا يصلّى فيه حتّى يغسله » (١).

ومنها : ما رواه خيران الخادم قال : كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه ، أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم :

صلّ فيه فإنّ الله إنما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه؟ فكتب عليه‌السلام : « لا تصل فيه فإنّه رجس » (٢).

ومنها : ما عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض من رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك » (٣).

ومنها : رواية هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفقّاع؟ فقال :

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٤٠٥ ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح ٢ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٢٠ ، ص ٣٦١ ، ح ١٤٩٤ ، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان ، ح ٢٦ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٩٣ ، ح ١٤٩٨ ، باب الصلاة في الثوب الذي يعار لمن يشرب الخمر ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٤ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٤٠٥ ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح ٥ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٧٩ ، ح ٨١٩ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١٠٦ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٥ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٤.

(٣) « الكافي » ج ٣ ، ص ٤٠٥ ، باب الرجل يصلّي في الثوب ... ، ح ٤ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٧٨ ، ح ٨١٨ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١٠٥ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٨٩ ، ح ٦٦١ ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح ٢ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٥ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٣.

٣١٦

« لا تشربه فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله » (١).

ومنها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث النبيذ قال : « ما يبل الميل ينجس حبّا من ماء يقولها ثلاثا » (٢).

ومنها : رواية عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تصلّ في بيت فيه خمر ولا مسكر لأنّ الملائكة لا تدخله ، ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله » (٣).

وهذه الرواية صريحة في أنّ النجاسة ليست مختصّة بالخمر على فرض أن يكون الخمر اسما لمسكر خاصّ ، ولا يشمل سائر المسكرات ، وذلك لعطفه عليه‌السلام كلمة مسكر على الخمر بأو.

ولا شكّ في أنّ الأمر بالغسل في جميع هذه الروايات ظاهر في الوجوب ، وأيضا لا شكّ في أنّ وجوب الغسل من اللوازم الشرعيّة للنجاسة ، فيكون دليلا على نجاسة الخمر.

فهذه الروايات كلّها تدلّ على نجاسة الخمر ، بل على نجاسة كلّ مسكر ، خصوصا رواية عمّار كما عرفت.

ومنها : رواية زكريّا بن آدم ، فقال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير؟ قال عليه‌السلام : « يهراق المرق أو يطعمه‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٦ ، ص ٤٢٣ ، باب الفقاع ، ح ٧ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٦ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٥.

(٢) « الكافي » ج ٦ ، ص ٤١٣ ، باب اضطر إلى الخمر للدواء ... ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٦ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٦.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٧٨ ، ح ٨١٧ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١٠٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٦ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٧.

٣١٧

أهل الذمّة أو الكلب واللحم اغسله وكله » إلى آخر الحديث (١).

والروايات التي تدلّ على نجاسة الخمر وكلّ مسكر كثير ، وعدّها بعضهم وأنهاها عشرين ، ولو كانت هذه الروايات هي وحدها لم يكن شكّ في نجاسة الخمر بل كلّ مسكر بالأصالة.

ولكن هناك روايات أخر أيضا كثيرة تدلّ على طهارتها :

منها : رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصاب ثوبي نبيذ أصلّي فيه؟ قال : « نعم ». قلت : قطرة من نبيذ قطر في حب أشرب منه؟ قال : « نعم ، إنّ أصل النبيذ حلال وإنّ أصل الخمر حرام » (٢).

قال في الوسائل : حمله الشيخ رحمه‌الله على النبيذ الذي لا يسكر. أقول : الإنصاف أنّه حسن لا بأس به. (٣)

ومنها : صحيحة ابن أبي سارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أصاب ثوبي شي‌ء من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله؟ قال عليه‌السلام : « لا بأس ، إنّ الثوب لا يسكر » (٤).

ومنها : موثّقة ابن بكير ، قال : سأل رجل أبا عبد الله وأنا عنده عن المسكر‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٧٩ ، ح ٨٢٠ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١٠٧ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٦ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٨.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٧٩ ، ح ٨٢١ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١٠٨ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٨٩ ، ح ٦٦٣ ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح ٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٦ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ٩.

(٣) « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٧ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ذيل ح ٩.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٨٢٢ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١٠٩ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٨٩ ، ح ٦٦٤ ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح ٥ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٧ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ١٠.

٣١٨

والنبيذ يصيب الثوب؟ قال : « لا بأس » (١).

ومنها : صحيحة عليّ بن رئاب المرويّة عن قرب الإسناد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلّي فيه؟ قال عليه‌السلام :

« صلّ فيه ، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ، إنّ الله تبارك وتعالى إنّما حرّم شربها » (٢).

ومنها : رواية الحسين بن موسى الحنّاط قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشرب الخمر ثمَّ يمجّه من فيه فيصيب ثوبي؟ قال عليه‌السلام : « لا بأس ». (٣)

ومنها : رواية حسن بن أبي سارة قال : قلت لأبي عبد الله : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون ، فيمرّ ساقيهم ويصبّ على ثيابي الخمر؟ فقال : « لا بأس به ، إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره » (٤).

ومنها : رواية حفص الأعور قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الدنّ يكون فيه الخمر ثمَّ يجفّف ويجعل فيه الخلّ؟ قال : « نعم » (٥).

ومنها : مرسلة الصدوق ، قال : سئل أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام فقيل لهما : إنّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها ، أفنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٨٢٣ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١١٠ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٩٠ ، ح ٦٦٥ ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح ٦ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٧ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ١١.

(٢) « قرب الإسناد » ص ٧٦ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٨ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ١٤.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٨٢٥ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١١٢ ؛ « الاستبصار » ج ١ ، ص ١٩٠ ، ح ٦٦٧ ، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر ، ح ٨ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٩ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٩ ، ح ٢.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٨٢٤ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ١١١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٧ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ١٢.

(٥) « الكافي » ج ٦ ، ص ٤٢٨ ، باب الخمر تجعل خلاّ ، ح ٢ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١١٧ ، ح ٥٠٣ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ٢٣٨ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٧٤ ، أبواب النجاسات ، باب ٥١ ، ح ٢.

٣١٩

فقالا : « نعم لا بأس ، إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرم لبسه ولمسه والصلاة فيه » (١).

ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام أنّه سئل عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسل ثوبه؟ قال :

« لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ولا بأس ». (٢)

ومنها : رواية عليّ الواسطي قال : دخلت الجويرية ـ وكانت تحت موسى بن عيسى ـ على أبي عبد الله عليه‌السلام وكانت صالحة ، فقالت : إنّي أتطيّب لزوجي فنجعل في المشطة التي أتمشط بها الخمر وأجعله في رأسي ، قال : « لا بأس » (٣).

ولا شكّ في أنّ بين هاتين الطائفتين من الروايات تعارض مستقرّ مستحكم ، ولا يمكن الجمع بينهما عرفا ، وإن كان من الممكن الخدشة في دلالة بعض روايات هذه الطائفة الأخيرة الدالّة على الطهارة تركنا ذكرها لعدم خفائها على المتضلّع الخبير ، ولأنّه ذكر أغلبها الآخرون.

ولكن مع ذلك كلّه لا يمكن إنكار دلالة مجموعها على الطهارة ، ولا إنكار حجيتها ، فلا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات باب التعارض.

ورجّح البعض أخبار النجاسة ؛ لمخالفتها مع فتوى ربيعة الرأي (٤) الذي كان في زمان الصادق عليه‌السلام وذلك لحمل أخبار الطهارة على التقيّة لموافقتها مع فتوى ربيعة الذي كان يؤيّده سلطان الوقت ، وذلك لأنّ الفتوى المخالف لفتوى ربيعة من الإمام‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٢٤٨ ، باب ما يصلّى فيه وما لا يصلّى فيه من الثياب ، ح ٧٥١ ؛ « علل الشرائع » ص ٣٥٧ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٢ ، ص ١٠٥٧ ، أبواب النجاسات ، باب ٣٨ ، ح ١٣.

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٨ ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ح ٧ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ١ ، ص ٤١٨ ، ح ١٣٢١ ، باب المياه وأحكامها ، ح ٤٠ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ١٠٨ ، أبواب الماء المطلق ، باب ٦ ، ح ٢.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٩ ، ص ١٢٣ ، ح ٥٣٠ ، باب الذبائح والأطعمة ، ح ٢٦٥ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٧ ، ص ٣٠٤ ، أبواب الأشربة المحرّمة ، باب ٣٧ ، ح ٢.

(٤) انظر : « المجموع » ج ٢ ، ص ٥٦٣ ؛ « فتح العزيز » ج ١ ، ص ١٥٦ ؛ « تفسير القرطبي » ج ٦ ، ص ٢٨٨ ؛ « مغني المحتاج » ج ١ ، ص ٧٧.

٣٢٠