القواعد الفقهيّة - ج ٤

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٤٢٣

الأولى ، وهو قوله عليه‌السلام : « من حاز شيئا من المباحات فقد ملكه » وكذلك الأمر في سائر الأمثلة. والمقصود من ذكر هذه الجهة بيان مفهوم هذه القاعدة.

[ الجهة ] الثالثة

في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة‌

فنقول :

منها : حصول الجنابة لغير البالغ بغيبوبة الحشفة في أحد فرجيه ، سواء أكان مع إنزال الواطي البالغ أو مع عدمه ، بل وكذلك تحصل الجنابة له مع غيبوبة حشفته في فرج الآخر ، سواء أكان الموطوء بالغا أو لم يكن.

ومنها : حدوث الحدث الأصغر لمن خرج عنه البول أو الغائط أو الريح أو نام ، سواء أكان بالغا أو لم يكن.

ومنها : حصول الضمان واشتغال ذمّة من أتلف مال الغير ، سواء أكان المتلف بالغا أو لم يكن ، ودليله هو عموم « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » ـ وقد تقدّم شرح هذه القاعدة في بعض مجلّدات هذا الكتاب (١) ـ من غير مخصّص لذلك العموم.

ومنها : حصول الضمان لمن تلف ماله في يده غير المأذونة ، سواء أكان صاحب تلك اليد بالغا أو لم يكن. ودليله عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » (٢) من دون وجود مخصّص لهذا العموم. وقد شرحنا هذا الحديث الشريف دلالة وسندا في قاعدة « وعلى اليد ».

ومنها : ما لو فوّت على الحرّ منافعه ، بأن حبسه عن شغله ، ففاتت تلك المنافع التي‌

__________________

(١) راجع ج ٢ ، ص ٢٥.

(٢) تقدم راجع ص ٥٤.

١٨١

كان يحصلها لو لم يحبسه فهو له ضامن ، سواء أكان هذا الذي فوّت منافعه بالغا أو لم تكن.

ودليله إمّا قاعدة الإتلاف بناء على صدق الإتلاف عليه عرفا ، ولا شكّ في أنّه لو حبس مالك الأغنام والأغنام في برية فأكلها الذئب ، يصدق على الحابس عرفا أنّه أتلف الغنم.

وكذلك لو حبس مالك البستان ، ففسدت ثمراته لعدم من يصلحها ، أو يبست أشجارها لعدم من يسقيها ، فيصدق على الحابس أنّه أتلفها.

فكذلك لو حبس ذا صنعة أو منعه عن الاشتغال بشغله ، كما لو منع البنّاء من أن يبنى ، أو الصائغ من الصياغة ، يصدق عليه عرفا أنّه أتلف منافعه من عمله.

وفيه : الإتلاف إعدام شي‌ء موجود ، لا المنع عن إيجاده.

وإمّا قاعدة احترام مال المسلم وأنّ احترامه كاحترام دمه ، فإذا حبس ذا صنعة فوت عليه منافع إشغاله وأعماله التي كان يعملها لو لا منع الحابس عن الاشتغال بها.

ولا شكّ في أنّ تلك المنافع مال ، وماله محترم ، فمن فوّته يجب عليه تدركه وغرمه.

وفيه : أنّ المنافع وإن كانت مالا ولكن بعد وجوده لا قبل ، والحابس لم يتلف مالا موجودا ولا فوّته على صاحبه ، بل إنّما منع عن أن يوجد ، فلم يفوت مالا على صاحبه كي يكون ضامنا له بقاعدة الاحترام ولكنّه حيث يصحّ أن يواجر نفسه ـ والإجارة تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم عند أكثر الفقهاء قدس‌سره وإن عرف بتعاريف أخر ، ولا يمكن تمليك ما ليس بمالك له ـ فلا بدّ وأن يقال بأنّ أعماله قبل وجودها مال ، ولذلك تبادل بالمال ، فإذا فوّتها على المالك فقد فوّت مالا محترما عليه ، فيضمن بقاعدة الاحترام.

١٨٢

وإمّا قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (١) ولا شكّ أنّ من حبسه ومنعه عن عمله واستيفاء منافعه فقد اعتدى عليه ، فله أن يعتدى عليه بمقدار الضرر الذي أورده عليه ويغرمه.

والتحقيق في مسألة تفويت المنافع غير المستوفاة ، هو أنّه إن كانت تفويت المنافع بواسطة وقوع ذي المنفعة تحت يده ، كما لو حبس عبده أو دابّته ومنعهما عن إيجاد منافعهما ، فهذا يرجع إلى ضمان اليد.

والدليل عليه : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » وذلك من جهة أنّ اليد على الشي‌ء يد على منافعه ، فكما أنّه يجب إرجاع العين وردّه إلى صاحبه يجب عليه إرجاع المنافع غير المستوفاة أيضا ، لأنّها وقعت تحت يده بتبع وقوع العين تحت يده.

وهذا المعنى لا يمكن في حبس الحرّ ، لعدم إمكان وقوع الحرّ تحت يده ، وعدم صدق الموصول عليه في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أخذت » لأنّ الحرّ ليس شيئا مأخوذا بحيث يكون الأخذ سلطانا عليه ، ويكون له التصرّف فيه بالبيع والهبة وغير ذلك من التصرّفات ، فلا بدّ لإثبات الضمان فيه إلى التماس دليل آخر غير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعلى اليد ».

وقد ذكرنا ما قالوا من اندراجه تحت قاعدة الإتلاف ، وقاعدة الاحترام أو الاعتداء في الآية المباركة ، وقد عرفت ما فيها.

والمسألة من حيث الأقوال أيضا فيها اختلاف كثير ، ذكرها شيخنا الأعظم قدس‌سره في مكاسبه ، وهو بنفسه له كرّ وفرّ. ونسب إلى المشهور القول بالضمان (٢).

__________________

(١) البقرة (٢) : ١٩٤.

(٢) « كتاب المكاسب » ص ١٠٥.

١٨٣

ولكن عرفت أنّ هذا فيما يقع تحت اليد لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام فيما لا يقع تحتها ، كما قلنا في صورة حبس الحرّ وهو الذي يقال أنّه مورد لقاعدة التفويت. وقد ذكرنا ما يمكن أن يكون مدركا لقاعدة التفويت ، مع ما فيها من الخلل.

وأمّا ما يقال : إنّ مدركها الروايات ، فالروايات التي نحن اطّلعنا عليها ترجع إلى قاعدة الإتلاف ، وقد ذكرنا عدّة منها في مقام بيان مدرك قاعدة الإتلاف (١) ، وعلى كلّ حال كون قاعدة التفويت في قبال قاعدة الإتلاف ـ وقاعدة الاحترام وقاعدة على اليد قاعدة أخرى ويكون لها مدرك مختصّ بها ـ في غاية الإشكال.

نعم لو قلنا بأنّ منع الحرّ عن استيفاء منافعه بواسطة منعه عن العمل ، أو بواسطة منعه عن استثمار أملاكه موجب للضمان مع عدم كونه مندرجا تحت قاعدة الإتلاف ، ولا تحت قاعدة الاحترام ، ولا تحت قاعدة على اليد ، كما هو المفروض ، فلا بدّ وأن نقول إنّ هناك قاعدة أخرى ، وهي قاعدة التفويت.

فضمان المنافع غير المستوفاة ، ـ بدون وقوعها تحت اليد ولو بتبع العين ، مدركه قاعدة التفويت ، ومدرك قاعدة التفويت ـ بعد الفراغ عن عدم كون المذكورات مدركا له ـ هو بناء العقلاء على ذلك ، مع عدم صدور ردع عن قبل الشارع ، وتقريبه : أنّ في أبواب الضمانات غالبا أمضى الشارع الطرق العرفيّة.

ولا شكّ في أنّ العرف والعقلاء يرون من حبس شخصا حرّا ومنعه عن الاشتغال باشغاله ـ خصوصا إذا كان إشغاله ذات فائدة كثيرة وقيمة كبيرة ـ ضامنا ، ويحكمون بتغريمه وأخذ ما خسره المحبوس عنه.

وهذا دليل قطعيّ على أنّ تفويت المنافع على شخص موجب للضمان ، وإن كانت تلك المنافع غير مستوفاة ، وحيث أنّ الشارع لم يردع عن هذه الطريقة العقلائيّة فعدم‌

__________________

(١) راجع ج ٢ ، ص ٢٥.

١٨٤

الردع دليل على إمضائها.

ومنها : حيازة المباحات ، فإنّه لا فرق بين أن يكون من حاز بالغا أو غير بالغ في حصول الملكيّة له بالحيازة. ودليله على عموم الحكم قولهم : « من حاز شيئا من المباحات ملكه » (١) من دون مخصّص لهذا العموم.

ومنها : عموم حكم الشارع بتعلّق الدية بذمّة من أوجد سببها ، سواء أكان بالغا أو غير بالغ ، من دون مخصّص في البين.

ودليله الأخبار الكثيرة الواردة في موارد الديات ، كرواية أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من أضرّ بشي‌ء من طريق المسلمين فهو له ضامن » (٢).

وكرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أخرج ميزابا أو كنيفا ، أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابّة ، أو حفر شيئا في طريق المسلمين ، فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن ». (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في أبواب الديات والجنايات.

ومعلوم أنّ الموصول عامّ يشمل غير البالغين كما يشمل البالغين ، ولا مخصّص في البين ، عدا ما توهّموه. وقد عرفت عدم صحّة ما ذكروه.

ومنها : عموم حصول ملكيّة كلّ من أحيا أرضا ميتة ، سواء أكان بالغا أو لم يكن.

__________________

(١) « جواهر الكلام » ج ٢٦ ، ص ٢٩١.

(٢) « الكافي » ج ٧ ، ص ٣٥٠ ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح ٣ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٥٥ ، ح ٥٣٤٦ ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا. ، ح ٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ٢٣٠ ، ح ٩٠٥ ، (١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ، ح ٣٨ ، « وسائل الشيعة » ج ١٩ ، ص ١٨٠ ، أبواب موجبات الضمان ، باب ٨ ، ح ٢.

(٣) « الكافي » ج ٧ ، ص ٣٥٠ ، باب ما يلزم من يحفر البئر فيقع فيها المار ، ح ٨ ، « الفقيه » ج ٤ ، ص ١٥٤ ، ح ٥٣٤٣ ، باب ما جاء فيمن أحدث بئرا. ، ح ٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ١٠ ، ص ٢٣٠ ، ح ٩٠٨ ، (١٨) باب ضمان النفوس وغيرها ، ح ٤١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٩ ، ص ١٨٢ ، أبواب موجبات الضمان ، باب ١١ ، ح ١.

١٨٥

والدليل عليه قوله عليه‌السلام : « من أحيا أرضا مواتا فهي له » (١).

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.

__________________

(١) تقدم راجع ص ١٥٨ ، هامش رقم (١).

١٨٦

٤٣ ـ قاعدة

الشرط الفاسد

ليس بمفسد للعقد‌

١٨٧
١٨٨

قاعدة الشرط الفاسد ليس بمفسد للعقد (*)

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة هي أنّ الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد أم لا؟

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في بيان الأقوال فيها‌

فنقول :

ذهب الشيخ (١) والقاضي (٢) وابن سعيد قدس‌سرهم (٣) وجماعة أخرى إلى عدم كونه مفسدا مطلقا. وذهب جمع من المحقّقين كالعلاّمة (٤) والمحقّق الثاني (٥) ، والشهيدين (٦) وغيرهم قدس‌سرهم بل‌

__________________

(*) « القواعد والفوائد » ج ٢ ، ص ٢٤١ ، « الحق المبين » ص ٧٤ ، « عناوين الأصول » عنوان ٥٠ ، « قواعد فقه » ص ٦٨ ، « مستقصى مدارك القواعد » ص ٩ و ٣٩ ، « قواعد فقهيّة » ص ١١٩ ، « سه قاعدة فقهي ( الشرط الفاسد ليس بمفسد. ) » سيد محمد موسوي بجنوردى ، فصليّة « حق » ، دفتر ١١ و ١٢ ، العام ١٣٦٦.

(١) « المبسوط » ج ٢ ، ص ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) نقل قوله العلاّمة في « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢١ ، ولم نعثر عليه في « المهذب » ولعلّه في « الكامل » من كتب القاضي « مخطوط ».

(٣) « الجامع للشرائع » ص ٢٥١.

(٤) « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ١٥٢ ، « مختلف الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٢١ ، الفصل (١٨) في الشروط ، مسألة : ٢٩٥.

(٥) « جامع المقاصد » ج ٤ ، ص ٤١٥ و ٤٣١.

(٦) الشهيدين « اللمعة ـ الروضة البهية » ج ٣ ، ص ٥٠٥ ، خيار الاشتراط.

١٨٩

قيل جلّ المتأخّرين إلى أنّه مفسد مطلقا. وفصّل ابن زهرة (١) بين ما إذا كان سبب فساد الشرط كونه غير مقدور فقال بالإفساد ، وبين ما إذا كان سببه كونه مخالفا لمقتضى العقد ، أو كونه مخالفا للسنّة فقال بعدم الإفساد وادّعى الإجماع في كلا الموردين.

وهناك تفصيل آخر نسب إلى ابن المتوج البحراني (٢) ، وهو الإفساد إن كان سبب فساد الشرط كونه غير عقلائي ، وإلاّ فلا.

والحقّ : هو القول الأوّل ، وسيأتي بيانه وبرهانه إن شاء الله تعالى.

[ الجهة ] الثانية‌

في أنّه بعد الفراغ من أنّ الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به لفساده وبطلانه ـ والشارع لم يعتن بهذا الالتزام والإلزام ـ فهل يستحبّ الوفاء به ، من حيث أنّه وعد ابتدائي ، لا من حيث أنّه إلزام أو التزام في ضمن العقد اللازم ، كي تقول بأنّه من هذه الجهة فاسد وباطل ولم يمضه الشارع.

أقول : أمّا فيما إذا كان منشأ بطلان الشرط وفساده كونه ممّا أحلّ حراما ، فلا وجه لإتيان هذا الاحتمال ، وهذا واضح.

وأمّا فيما عداه ممّا ليس مخالفا للمشروع ، فقد أفاد شيخنا الأعظم قدس‌سره أنّه لا تأمّل فيه ، لكونه من الوفاء بالوعد الذي لا شبهة في حسنه عقلا واستحبابه شرعا (٣).

واستشكل عليه شيخنا الأستاذ قدس‌سره بأنّ الوعد إخبار ، فلا ربط له بباب الشروط التي تكون من مقولة الإنشاءات ، لما قلنا إنّها إلزامات والتزامات في ضمن العقود اللازمة ، فلا يشملها دليل استحباب الوفاء بالوعد ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان يؤمن بالله‌

__________________

(١) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهية » ص ٥٢٤ ـ ٥٢٥.

(٢) حكى عنه الشيخ الأنصاري في « كتاب المكاسب » ص ٢٨٧.

(٣) « كتاب المكاسب » ص ٢٨٧.

١٩٠

واليوم الآخر فليف إذا وعد » (١) وكقوله عليه‌السلام : « عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة له ، فمن أخلف فيخلف الله بذا ولمقته تعرّض ، وذلك قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢). (٣)

ولا دليل لزوم الوفاء بالشرط ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المؤمنون عند شروطهم » (٤) لأنّ المراد من الشروط هي الشروط الصحيحة. ولكن يمكن أن يقال : إنّ الواعد أيضا نحو التزام بإيجاد أمر في المستقبل ، فيكون من قبيل الإنشاءات.

ولذلك يقال : إنّه وفي بوعده ، ولو كان صرف الإخبار عن أمر فيما سيأتي لما كان للوفاء به معنى.

وأمّا اتّصافه بالكذب والصدق في الكتاب العزيز في موارد كثيرة ، فلا دلالة فيه على أنّه ليس من الإنشاءات ، لأنّ الإنشاء لا يتّصف بالصدق والكذب.

وذلك من جهة أنّ الإنشاء وإن لم يتّصف بهما باعتبار نفس الإنشاء ، لأنّه لا حكاية في الإنشاء كي تكون مطابقة للمحكي أو غير مطابقة له ، ولكن ربما يتّصف بهما باعتبار قصد الحقيقي وعدمه بالنسبة إلى وقوع المنشأ وعدمه ، فيكون اتّصاف الوعد بهما من باب الوصف بحال متعلّق الموصوف.

هذا ، مضافا إلى أنّ العمل بالالتزام بأمر لا شكّ في حسنه عقلا وشرعا وإن لم يكن ذلك الالتزام مشمولا لدليل وجوب الوفاء بالشروط ، إذا لم يكن ممّا ندب‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٢ ، ص ٢٧٠ ، باب خلف الوعد ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٨ ، ص ٥١٥ ، أبواب أحكام العشرة ، باب ١٠٩ ، ح ٢.

(٢) الصف (٦١) : ٢ و ٣.

(٣) « الكافي » ج ٢ ، ص ٢٧٠ ، باب خلف الوعد ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٨ ، ص ٥١٥ ، أبواب أحكام العشرة ، باب ١٠٩ ، ح ٣.

(٤) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٧١ ، ح ١٥٠٣ ، باب (٣١) في المهور والأجور. ، ح ٦٦ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٢٣٢ ، ح ٨٣٥ ، باب (١٤٢) من عقد على امرأة وشرط لها أن لا يتزوّج عليها ولا تيسر ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ١٥ ، ص ٣٠ ، أحكام المهور ، باب ٢٠ ، ح ٤.

١٩١

الشارع إلى تركه‌.

[ الجهة ] الثالثة

في تعيين ما هو محلّ النزاع ، وبيان مورد ما وقع فيه الخلاف‌

فنقول :

الحقّ في مقام تحرير محلّ الخلاف هو أن يقال : كلّ شرط كان وجوده ـ أي الالتزام به أو إلزام الطرف به ـ موجبا لاختلال العقد أو العوضين أو غيرهما من أركان المعاملة ، فهو خارج عن محلّ النزاع ، ولا شكّ في أنّ مثل هذه الشروط فاسدة ومفسدة للعقد ، فلو باعه شيئا بشرط أن لا يملكه ، أو زوّجه بشرط عدم جميع الاستمتاعات منها ، فمثل هذا الشرط فاسد ومفسد يقينا ، لأنّه مناقض للعقد ، غاية الأمر أنّه في المثال الأوّل تكون المناقضة بين الالتزامين ـ أي بين الالتزام العقدي والشرطي ـ صريحة ، لأنّ مفاد الأوّل تمليك ، ومفاد الثاني نفي التمليك.

وفي المثال الثاني تكون بالدلالة الالتزامية ، لأنّ الزوجيّة المنشأة بالعقد وإن كانت غير جواز الاستمتاعات منها ، إلاّ أنّ جواز الاستمتاع منها بطور الموجبة الجزئيّة من لوازمها ، وإلاّ يكون اعتبارها لغوا وباطلا ، فمفاد الشرط يكون نفي الزوجيّة من باب نفي الملزوم بنفي اللازم ، فيتناقضان.

وها هنا ربما يتوهّم أنّ التناقض يكون فيما إذا أمضى الشارع هذا الشرط ورتّب عليه الأثر ، فصحّة العقد ـ بمعنى ترتيب الأثر عليه ـ مع صحّة الشرط ـ أي ترتيب الأثر عليه ـ متناقضان ، ولا تناقض بين العقد وصرف وجود هذا الشرط ، فلو قلنا بفساد الشرط وعدم لزوم ترتيب الأثر عليه فلا تناقض في البين ، في كلا المثالين ـ أي لا صريحا ولا بالدلالة الالتزاميّة ـ لأنّ الشرط بناء على هذا يكون صرف لقلقة لسان ، ووجوده كعدمه.

١٩٢

ولكن أنت خبير بأنّ مثل هذا الكلام متناقض من حيث المتفاهم العرفي ، سواء أمضى الشارع مثل هذا الشرط أو لم يمضه ، ولا يصحّ إنشاء النقل والانتقال أو الزوجيّة بمثل هذا الكلام المتناقض الذي ليس له مفهوم عرفي صحيح.

نعم هذا الإشكال يأتي ـ وله مجال ـ فيما إذا لم يكن الشرط بوجوده موجبا لاختلال العقد أو أحد أركانه ، بل يكون موجبا للاختلال على تقدير صحّته وإمضائه من قبل الشارع ، كما إذا باع العنب بشرط أن يعمله خمرا ، أو الخشب على أن يعمله صليبا أو صنما ، فحصر المنفعة في هذه المنفعة المحرّمة موجب لسقوط ماليّته وبطلان البيع وفساده لذلك ، لصيرورة المبيع بلا منفعة بناء على هذا ، فيخرج عن الماليّة ويختلّ أحد أركان العقد وهو ماليّة أحد العوضين ، ولكن هذا الخروج عن الماليّة حيث أنّه ليس خروجا تكوينيّا ، بل يكون خروجا تشريعيا ، فيحتاج إلى إمضاء الشارع لهذا الشرط ، وإلاّ فبصرف وجوده لا يوجب سقوط الماليّة.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حصر المالك منفعة المبيع في هذا المحرّم موجب لسلب سائر المنافع عن ذلك المال ، سواء أكان هذا الشرط صحيحا أم لا ، فلا يبقى للمشتري إلاّ هذه المنفعة وهي محرّمة ، سواء أكان الشرط صحيحا أم فاسدا ، فيكون الشرط من ذلك القسم الذي بوجوده يوجب الاختلال ، لا باعتباره وإمضائه من طرف الشارع.

إذا تدبّرت فيما ذكرنا تعرف أنّ بعض التفاصيل في هذه القاعدة ليس قولا بالتفصيل ، بل خارج عمّا هو محلّ الخلاف.

وذلك كما إذا كان فساد الشرط موجبا لعدم القدرة على تسليم المبيع مثلا ، أو صيرورة البيع غرريّا ، أو التناقض بين مفاد الشرط ومفاد العقد ، فهذه الصور وأمثالها خارجة عن محلّ الكلام.

وحاصل الكلام : أنّ النزاع في هذه القاعدة ـ وأنّ الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد الذي وقع هذا الشرط في ضمنه أم لا ـ يكون فيما إذا كان وجه كونه مفسدا‌

١٩٣

تقييد المعاملة ، أو إناطة الرضا بالنقل والانتقال ، أو بأيّ شي‌ء كان مضمون العقد ومفاده بذلك الشرط؟ فيقال : إنّ الشرط إذا كان فاسدا ولا يجب الوفاء به ، بل لا يجوز فيما إذا كان محرّما ، فهل ذلك العقد وتلك المعاملة تكون فاسدة ـ من جهة عدم الرضا بمضمونها ، أو من جهة انتفاء المقيّد بانتفاء قيده ـ أم لا ، إذ لا يلزم محذور؟

وأمّا لو كان الشرط سببا لاختلال أحد أركان العقد ـ أو أحد شرائط العوضين أو المتعاملين ، فهذا لا ربط له بهذه القاعدة.

إذا عرفت هذه الأمور ، فنقول :

الدليل على القول المختار ـ وهو عدم الإفساد مطلقا ـ من وجوه :

الأوّل : إطلاقات أدلّة المعاملات والعقود ، كقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وغيره من العمومات والإطلاقات الواردة في أبواب المعاملات من العقود والإيقاعات ، ولا يجوز الخروج عنها إلاّ بمخصّص أو مقيّد ، وليس في البين ما يكون صالحا لأن يكون مخصّصا ، أو يكون مقيّدا عدا ما توهّم من إناطة الرضا في العقد المشروط بذلك الشرط المذكور فيه ، ومن بعض الروايات التي ذكروها في مقام إثبات الإفساد ، (٢) ومن أنّ للشرط قسطا من الثمن ، فإذا كان الشرط فاسدا يكون العوض في العقد مجهولا ، لأنّه لا يعلم أيّ مقدار منه بإزاء نفس المبيع مثلا ، وأيّ مقدار بإزاء الشرط.

وسنتكلّم إن شاء الله تعالى عن هذه الأمور الثلاثة مفصّلا في مقام الجواب عن أدلّة القول بالإفساد.

الثاني : الإجماع الذي ادّعاه السيّد أبو المكارم ابن زهرة (٣) قدس‌سره ولكن فيه على فرض تسليم وجوده لا وجه لحجّيته مع وجود المدارك التي ذكرناها من العمومات‌

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٥٩ ، ح ٢٥٣ ، باب البيع بالنقد والنسيئة ، ح ٥٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٠٩ ، أبواب أحكام العقود ، باب ٣٥ ، ح ١.

(٣) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص ٥٢٤.

١٩٤

والإطلاقات ، وما سنذكرها من الروايات.

الثالث : الأخبار :

منها : النبويّ المشهور بين الفريقين المرويّة في كتب العامّة والخاصّة في قصة بريرة التي اشتراها أمّ المؤمنين عائشة ، وهو ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنّه ذكر أنّ بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة. فاشترتها عائشة فأعتقتها ، فخيّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « إن شاءت قعدت عند زوجها وإن شاءت فارقته » ، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أنّ لهم ولاؤها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولاء لمن أعتق » (١).

ودلالة هذا الحديث الشريف المشهور بيننا وبين الجمهور على عدم إفساد الشرط الفاسد للعقد ممّا لا ريب فيه وواضحة جدّا ، وذلك لحكمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفساد الشرط وصحّة العقد جميعا.

أمّا حكمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفساد الشرط وأنّه خلاف السنّة فلقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ شرط الله قبل شرطكم » (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولاء لمن أعتق ».

وأمّا حكمه بصحة العقد المشتمل على هذا الشرط الفاسد ، فلقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن شاءت قعدت عند زوجها ، وإن شاءت فارقتها » فإنّ تخييرها بين العقود عند زوجها وبين مفارقتها له موقوف على صحّة عتقها ، وهي موقوفة على صحّة بيعها كي يكون‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٦ ، ص ١٩٨ ، باب الولاء لمن أعتق ، ح ٤ ، « الفقيه » ج ٣ ، ص ١٣٤ ، ح ٣٤٩٧ ، باب ولاء المعتق ، ح ٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٨ ، ص ٢٥٠ ، ح ٩٠٧ ، باب العتق وأحكامه ، ح ١٤٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٦ ، ص ٤٧ ، أبواب العتق ، باب ٣٧ ، ح ٢ ، « صحيح البخاري » ج ٧ ، ص ٦٢ ، باب ١٦ ، « سنن الترمذي » ج ٤ ، ص ٤٣٦ ، ح ٢١٢٤ ، باب ما جاء في الرجل يتصدّق أو يعتق عند الموت ، « سنن ابن ماجه » ج ١ ، ص ٦٧١ ، ح ٢٠٧٦ ، باب خيار الأمة إذا أعتقت.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٧٠ ، ح ١٥٠٠ ، باب المهور والأجور. ، ح ٦٣ ، « الاستبصار » ج ٣ ، ص ٢٣١ ، ح ٨٣٢ ، باب من عقد على امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٥ ، ص ٤٦ ، أبواب المهور ، باب ٣٨ ، ح ١.

١٩٥

العتق في ملك المعتق ، وإلاّ فلا يصحّ العتق ، فلا يكون لها التخيير.

ومنها : مرسلة جميل وصحيحة الحلبي :

فالأوّل : عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما في رجل اشترى جارية وشرط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب؟ قال : « يفي بذلك إذا شرط لهم ». وفي طريق آخر زاد « إلاّ الميراث » (١).

والثاني : عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا تورث ولا توهب؟ فقال : « يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث ، وكلّ شرط خالف كتاب الله فهو ردّ » (٢).

وظاهر هذه الصحيحة والمرسلة هو أنّ البائع لو شرط على الذي اشترى جاريته أن لا يبيعها ولا يوهبها ولا تورث ، فيجب على المشتري أن يفي بالشرطين ـ أي عدم بيعها وعدم هبتها ـ وشرط عدم الإرث لا ينفذ ، لأنّه خلاف كتاب الله تعالى ، فهو مردود.

ومعلوم أنّ وجوب الوفاء بذينك الشرطين موقوف على صحّة البيع الذي وقعا في ضمنه ، مع أنّ ذلك البيع مشروط بشرط فاسد ، أي : شرط أنّها لا تورث ، لأنّه خلاف الكتاب. فهذه الرواية تدلّ على أنّ الشرط الفاسد لا يكون مفسدا للعقد.

ولكن يشكل الاستدلال بهذه الرواية على عدم كون الشرط الفاسد مفسدا بأنّه مبنيّ على صحّة اشتراط بيع الجارية بعدم بيعها وعدم هبتها كي يكون الوفاء بهما واجب ، والمشهور يقولون بفساد هذين الشرطين وأنّهما خلاف السنة ، فلا يجب الوفاء بهما ، فتكون الرواية قد أعرض عنها المشهور ، بل ربما ادّعى الإجماع على خلافه ، إذ‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٧٣ ، ح ١٥٠٩ ، باب المهور والأجور. ، ح ٧٢ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٤ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ١٥ ، ح ٢.

(٢) « الكافي » ج ٥ ، ص ٢١٢ ، باب شراء الرقيق ، ح ١٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٦٧ ، ح ٢٨٩ ، باب ابتياع الحيوان ، ح ٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٣ ، ص ٤٣ ، أبواب بيع الحيوان ، باب ١٥ ، ح ١.

١٩٦

حكى عن كاشف الرموز أنّه قال : لم أجد عاملا بهذه الرواية (١).

وأجاب شيخنا الأعظم قدس‌سره عن هذا الإشكال بحمل الأمر بالوفاء بالشرطين على الاستحباب (٢) ، إذ المشهور لا ينكرون استحباب الوفاء ، بل يقولون بعدم وجوب الوفاء بالشرطين ، لعدم صحّتهما ، ولا ينافي عدم صحّة الشرط مع استحباب الوفاء به ، كما نبّهنا عليه في صدر القاعدة.

ولكن أنت خبير بأنّ ظاهر الرواية هو وجوب الوفاء بالشرطين ، وقلنا في الأصول إنّ الجملة الخبريّة إذا وقعت موقع الطلب تكون آكد في الوجوب من صيغة « افعل » فالرواية بظاهرها أعرض عنها الأصحاب ، فلا تكون صالحة للاستدلال بها على المطلوب ، وهو عدم كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد.

ومنها : رواية عبد الملك بن عتبة قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل ابتاع منه طعاما ، أو ابتاع منه متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم هذا؟

وكيف يستقيم وجه ذلك؟ قال عليه‌السلام : « لا ينبغي ». وفي بعض النسخ : وما حدّ ذلك؟ قال عليه‌السلام : « لا ينبغي » (٣).

وظاهر هذه الرواية أنّ المشتري لو شرط أن تكون الوضيعة عن الثمن الذي اشترى به لو باع يكون على البائع الأوّل ، بمعنى : أنّه لو خسر المشتري في بيعه هذا المتاع لغيره تكون الخسارة على البائع الذي اشتراه منه ، لا على نفسه ، وهذا شرط فاسد ، لأنّه خلاف الكتاب والسنّة ، ومع ذلك لم يحكم الإمام عليه‌السلام بفساد البيع الأوّل ، بل قال : « لا ينبغي » وفيه احتمالان :

أحدهما : أنّه لا ينبغي أن يشرط على البائع مثل هذا الشرط ، فيكون نفس‌

__________________

(١) « كشف الرموز » ج ١ ، ص ٤٧٥.

(٢) « كتاب المكاسب » ص ٢٨١.

(٣) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٥٩ ، ح ٢٥٣ ، باب البيع بالنقد والنسيئة ، ح ٥٣ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٠٩ ، أبواب أحكام العقود ، باب ٣٥ ، ح ١.

١٩٧

الاشتراط مكروها. ومعلوم أنّ هذا فيما إذا كان أصل المعاملة صحيحة ، وإلاّ فلا معنى لكراهة هذا الشرط.

ثانيهما : أنّ مثل هذه المعاملة لا ينبغي وقوعها وصدورها منهما. وهذا أيضا لا يدلّ على فساد هذه المعاملة ، بل معنى كراهيّتها أنّها تقع ولكن مع كونها مكروهة وفيها حزازة ، كما في سائر المعاملات المكروهة كالحياكة وبيع الأكفان وغيرهما ، فهذه الرواية أيضا تدلّ على القول المختار ، وهو عدم إفساد الشرط الفاسد للعقد الواقع هذا الشرط في ضمنه.

وأمّا احتمال أن يكون هذا الشرط في خارج العقد ـ فتكون الرواية أجنبيّة عن محلّ الكلام ، لأنّ محلّ كلامنا هو الشرط الفاسد الواقع في ضمن العقد ، لا الواقع في خارجه ـ فخلاف ظاهرها ، لأنّ الظاهر من قوله : « على أنّه ليس منه على وضيعة » أنّه ـ أي الظرف ـ متعلّق بابتاع ، فيكون المعنى أنّ الابتياع مبنيّ على هذا الشرط ، فلا وجه لاحتمال أن يكون هذا الشرط في خارج العقد.

هذا ، مضافا إلى أنّه لا وجه لكراهة مثل هذا الشرط في خارج العقد ، بل يكون وعدا ابتدائيّا يستحبّ الوفاء به.

وأمّا احتمال أن يكون « لا ينبغي » للإرشاد إلى عدم وقوع هذه المعاملة المشروطة بمثل هذا الشرط ، فبعيد إلى أقصى الغاية.

نعم يمكن أن يكون إرشادا إلى عدم صحّة هذا الشرط ، فيكون مفاده لغويّة هذا الاشتراط. ولكنّه أيضا خلاف الظاهر ، بل ظاهره هو أنّ المعاملة المشتملة على هذا الشرط مكروهة كسائر المعاملات المكروهة ، فلا قصور في دلالة هذه الرواية على المطلوب.

ومنها : رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق قال عليه‌السلام : « خالفت السنّة‌

١٩٨

وولّيت حقّا ليس بأهله ، فقضى أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق ، وذلك السنّة » (١).

وهذه الرواية صريحة في فساد الشرط وبطلانه ، وصحة العقد.

والإشكال في سنده من جهة اشتراك محمّد بن قيس بين من هو ثقة ومن هو ضعيف ، لا وجه له بعد عمل الأصحاب بها ، وبعد أن ذكرها المشايخ الثلاثة في كتبهم.

هذا ، مضافا إلى ورود روايات كثيرة صحيحة ـ في كتاب النكاح في أبواب المهور ـ صريحة في صحّة عقد النكاح وبطلان الشروط الواقعة في ضمنه.

وذلك كما إذا شرط في ضمن عقد النكاح لزوجته إن تزوّج عليها ، أو تسرى ، أو هجرها فهي طالق ، أو شرط عليها الإتيان وقتا خاصّا ، أو شرط ترك القسم وأمثال ذلك.

وأمّا التفصيل بين عقد النكاح وسائر العقود بعدم الإفساد في الأوّل والإفساد في سائر العقود لأجل هذه الأخبار ، فكان من الممكن لو كان مدرك الإفساد وعدمه هو الأخبار ، فيقال : إنّ الأخبار الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث المفاد ، فالواردة منها في باب النكاح مفادها فساد الشرط وصحّة العقد. وأمّا الواردة في غيره فمفادها فساد الشرط والعقد جميعا. وربما ينسب هذا التفصيل إلى صاحب المدارك قدس‌سره (٢) وقبله إلى العلاّمة قدس‌سره. (٣)

ولكن أنت خبير بأنّ عمدة مدرك القائلين بالإفساد ونظرهم إلى إناطة الرضا بمضمون العقد بوجود الشرط ، ففي مورد الشرط الفاسد الذي لا يجب العمل به ـ بل‌

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٤٢٥ ، ح ٤٤٧٥ ، باب ما أحل الله عزّ وجلّ من النكاح وما حرّم منه ، ح ٦٠ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٣٦٩ ، ح ١٤٩٧ ، باب المهور والأجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ، ح ٦٠ ، وفيه : قضى عليّ عليه‌السلام. ، « وسائل الشيعة » ج ١٥ ، ص ٤١ ، أبواب المهور ، باب ٢٩ ، ح ١.

(٢) صاحب المدارك في « نهاية المرام » ج ١ ، ص ٤٢٠.

(٣) العلاّمة في « قواعد الأحكام » ج ١ ، ص ١٥٢.

١٩٩

لا يجوز إن كان حراما ـ لا رضاء في البين ، وفي هذا المعنى لا فرق بين النكاح وسائر العقود.

فقد ظهر ممّا ذكرنا قيام الدليل على أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد من الروايات.

الرابع : من أدلّة القائلين بعدم الإفساد وصحة العقد مع فساد الشرط هو أنّه لو كان صحّة العقد متوقّفة على صحّة الشرط يلزم منه الدور.

وفيه : أنّ صحّة العقد ليست متوقّفة على صحّة الشرط ، لأنّ العقد صحيح وإن لم يكن فيه شرط أصلا.

نعم العقد الذي وقع في ضمنه شرط صحّته موقوفة على أن لا يكون ذلك الشرط فاسدا ، وعدم كون الشرط المذكور في ضمن العقد فاسدا ليس متوقّفا على صحّة العقد ، كي يكون دورا ، بل موقوف على عدم علّته ـ أي عدم جعل الشرط الفاسد في ضمن ذلك العقد ـ فلا دور ، لأنّه من الممكن أن يكون الشرط الفاسد مفسدا بدون أن يكون دور في البين ، والأمر واضح جدّا ، فلا يحتاج إلى تطويل الكلام.

وإن شئت قلت : ليست صحّة الشرط من مقدّمات وجود العقد الصحيح ، إذ من الممكن وجود العقد الصحيح بدون أن يكون شرط في ضمنه ، لا الشرط الصحيح ولا الشرط الفاسد ، نعم الشرط الفاسد مانع عن صحّة العقد ، فيسري فساده إلى العقد ، فيكون وجود العقد الصحيح موقوفا على عدم وجود الشرط الفاسد في ضمنه ، توقّف وجود الشي‌ء على عدم مانعه.

ولكن عدم وجود الشرط الفاسد ليس موقوفا على صحّة العقد كي يكون دورا ، بل موقوف على عدم علّته ، أي عدم اشتراط مثل ذلك الشرط.

وبعد ما عرفت أنّ الشرط الفاسد لا يوجب فساد العقد ، فهل يوجب الخيار أم لا؟

٢٠٠