القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

وأمّا إتيان صلاة الاحتياط جماعة أيضا فمبني على جواز الاقتداء والجماعة فيها ، ولا يستبعد خصوصا بناء على أنّها ليست صلاة مستقلّة بل جزء للصلاة التي وقع فيها الشكّ.

وإن كان بعضهم موافقا دون بعض فيبقى القدوة مع بعض الموافق ، وأمّا البعض المخالف فينفرد ويعمل عمل الشكّ كالمنفرد ، وإن كانوا كلهم مخالفين في الشكّ مع الإمام والمفروض أنّه لا رابطة أيضا بين شكهم وشكّ الإمام ، فالجماعة تنحلّ من حين الشكّ قهرا ، لعدم التوافق بينهم وكلهم يعملون عمل الشكّ من البناء وصلاة الاحتياط. أو سجدتا السهو ، كلّ في محلّه المقرّر له.

وخلاصة مجموع ما ذكرنا في هذا الأمر الحادي عشر هو أنّه إذا شكّ كلّ واحد من الإمام والمأموم ، فإذا كان بين شكيهما رابطة ـ أي قدر مشترك ـ فكل واحد منهما يرجع إلى ذلك القدر المشترك ، كما إذا كان ذلك القدر المشترك هو الأقل في أحد الشكين ، والأكثر في الشك الآخر ، وتبقى القدوة ويتمون الصلاة جماعة.

وأما إذا لم يكن قدر مشترك بين الشكين إلا لبعض المأمومين دون جميعهم فالإمام يرجع إلى ذلك البعض ، وبعد رجوعه إلى ذلك البعض وصيرورته حافظا بواسطة الرجوع إلى ذلك البعض يرجع إليه البعض الآخر ويتمون الصلاة ، لكن مع إشكال قوى في رجوع الإمام إلى ذلك البعض ورجوع البعض الآخر إليه.

وأما إن لم يكن بين شكوك المأمومين وشك الإمام قدر مشترك ورابطة فحينئذ إما أن تكون شكوكهم كلهم موافقة للإمام من دون أن يكون قدر مشترك في البين ، فكل واحد منهم من الإمام والمأموم يعمل عمل الشك مع بقاء القدوة حتى في صلاة الاحتياط على الأصح.

وإما أن تكون مخالفة معه كلهم ، ففي هذه الصورة ينفردون كلهم ويعملون عمل الشك.

٣٠١

وإما أن يكون شك بعضهم مخالفا معه دون بعضهم الآخر ، فبالنسبة إلى الموافقين تبقى الجماعة ، وأما المخالفون فينفردون ، ولكن كلهم الإمام والمأمومون ، جميعهم الموافق في شكه مع الإمام والمخالف له يعملون عمل الشاك.

واعلم أنه لا فرق فيما ذكرنا من أحكام شك الإمام والمأموم بين أن يكونا من الشكوك المبطلة أو كانا من الصحيحة أو كانا مختلفين. مثلا كان شك الإمام من الشكوك الصحيحة وشك المأموم من الشكوك المبطلة ، أو كان بالعكس ، والوجه واضح.

تذييل‌

هذا الذي ذكرنا من أول القاعدة إلى هنا كان حكم شك الإمام والمأموم.

وأما سهوه ، أو سهو المأموم ـ بمعنى النسيان لا بمعنى الشك ـ فيه صور ثلاث :

سهو الإمام وحده دون المأموم ، مثل أن ينسى الإمام القراءة أو الركوع أو السجود مثلا والمأموم أتى بها.

وسهو المأموم وحده من دون الإمام ، كما إذا نسي المأموم أن يأتي بالمذكورات أو ببعضها وقد أتى الإمام بها.

وسهوهما معا ، كما إذا نسيا معا بعض المذكورات مثلا.

أما الصورة الأولى : أي فيما إذا كان السهو مخصوصا بالإمام‌ فعليه أن يعمل بما هو وظيفة الناسي لو كان منفردا ، لأنه لا فرق في شمول حكم الناسي للمصلي بين أن يكون إماما أو منفردا.

وأما قوله عليه‌السلام : « لا سهو للإمام مع حفظ المأموم » تقدم أن المراد من السهو هو الشك لا النسيان ، فأن مورد الجواب بهذه العبارة هو السؤال عن حكم الشك وأن‌

٣٠٢

الإمام مائل مع إحدى الطائفتين من المأمومين المختلفين في أن الركعة التي بيدهم هي الثالثة أو الرابعة ، أو يكون معتدل الوهم.

مضافا إلى أن تقييد النفي بحفظ من خلفه عليه يلائم مع كون المراد من السهو هو الشك لا النسيان.

فالأدلة التي مفادها لزوم إتيان الناسي بعد تذكره الجزء أو الشرط المنسيان لو لم يتجاوز المحل ـ أي لم يدخل في الركن الذي بعد ذلك الجزء أو ذلك الشرط ، وإن كان تجاوز محل التدارك ، فإن كان له القضاء كالتشهد يقضيه ، وإن لم يكن له القضاء وكان له سجدة السهو يسجد سجدتي السهو ـ تشمله.

والحاصل : أنه بعد ما عرفت أن هذه الجملة التي صدرت عن الإمام عليه‌السلام أي : « لا سهو للإمام مع حفظ من خلفه عليه » (١) لا ربط لها بالنسيان ، بل المراد منها حكم شك الإمام ، فلا فرق بين أن يكون الناسي إماما أو منفردا ، وتشمل العمومات كلاهما على نسق واحد ، وقد عرفت أن حكم الناسي هو الإتيان بالمنسي إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ، وأما بعده فإن كان له قضاء أو سجدتا السهو فيجب عليه أن يأتي بهما ، وإلا فلا شي‌ء عليه ، لصحيحة : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة » (٢).

ثمَّ إن المأموم الذي لم يسه هو بنفسه ، هل يجب عليه متابعة الإمام الناسي حين ما يريد أن يتدارك المنسي ، أو يأتي بقضاء المنسي ، أو يأتي بسجدتي السهو أم لا؟

فنقول : أما تدارك المنسي أو قضائه فلا موضوع لهما في حق المأموم الغير الناسي ، ولم يقل به أحد. وأما الإتيان بسجدتي السهو فربما يتوهم لزوم متابعة الإمام في مقام‌

__________________

(١) تقدم تخريجه في ص ٢٧٩ ، رقم (١). وفيه : « ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه ».

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٢٧٩ ، باب القبلة ، ح ٨٥٧ ، وص ٣٣٩ ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح ٩٩١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٥٢ ، ح ٥٩٧ ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة ، ح ٥٥ ، « وسائل الشيعة » ج ١ ، ص ٢٦٠ ، أبواب الوضوء ، باب ٣ ، ح ٨.

٣٠٣

الإتيان بهما ، لقوله عليه‌السلام : « وعلى المأموم أن يتبع الإمام في الركوع والسجود » (١).

ولكن أنت خبير بأن المراد من هذا الكلام وما هو الظاهر منه هو أنه يجب على المأموم متابعته فيما يجب على نفس المأموم من ركوعه وسجوده ، بمعنى أنه لا يأتي بما يجب عليه مستقلا ومن دون تبعيته للإمام ، وذلك من جهة أن هذا مقتضى طبع الاقتداء والائتمام ، لأن معنى الائتمام والاقتداء به في صلاته هو الإتيان بصلاته حال كونه تابعا في أفعاله التي من هذه الصلاة للإمام لا مستقلا ومن دون تبعية ، وليس معناه أنه يجب عليه أن يأتي بكل ما يأتي به الإمام ، ألا ترى لو أنه اقتدى في صلاته المغرب بصلاة العشاء لا يجب عليه أن يأتي بالرابعة تبعا للإمام ، بل لو أتى بها كانت صلاته باطلة يقينا.

لا يقال : إن أمثال هذا المورد يكون من باب التخصيص بدليل خاص ، وإلا فمقتضى دليل تبعية المأموم للإمام أن يأتي بكل ما يأتي به الإمام.

وذلك لما ذكرنا من أن المتفاهم العرفي من دليل التبعية وعنوان الائتمام والاقتداء هو أن ما يجب عليه من أفعال صلاته ـ أي أجزائها ـ يأتي بها تبعا للإمام ، لا مستقلا ومن دون تبعيته للإمام.

وبعبارة أخرى : لا يفهم العرف من دليل التبعية إلا كونه تابعا فيما يجب على نفسه ، لا فيما يجب على الإمام. ولعمري أن هذا في كمال الوضوح ، بل ينبغي أن يعد القول بمتابعة المأموم للإمام في الموارد الثلاثة ـ أي إعادة المنسي إذا كان تذكر الإمام في المحل ، وقضاء المنسي إذا كان المنسي مما له القضاء ، وسجدتا السهو فيما يجب فيه ذلك مع عدم نسيان للمأموم ـ من المضحكات أو يذكر بعنوان المزاح.

وإلا فكيف يمكن أن يقال : إنه وجب عليه قضاء ما لم يفت منه ، أو إعادة ما لم ينسه وأتي به بعنوان أنه المنسي ، أو بوجوب سجدتا السهو عليه مع أنه لم يسه ما يوجبهما.

__________________

(١) لم نجدها في الكتب الأربعة ووسائل الشيعة وبحار الأنوار ومستدرك الوسائل.

٣٠٤

نعم لا مانع من وجوب هذه الأمور تعبدا لا بعنوان المنسي والمسهو ، ولكن يحتاج إلى دليل في مقام الإثبات ، وليس شي‌ء في البين.

وأما التمسك لوجوبهما على المأموم بسبب سهو الإمام بموثق عمار عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر ، فسهى الإمام كيف يصنع؟ فقال عليه‌السلام : « إذا سلم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو » إلى آخره (١).

وتقريب الاستدلال به واضح ، فإنه بظاهره يدل على وجوب سجدتي السهو على الرجل بسبب سهو الإمام ، ولكن يمكن حمله على ما إذا كان الرجل أيضا سها تبعا لسهو الإمام ، وإن أبيت عن حمله على اشتراك المأموم مع الإمام في السهو وقلت إن ظاهر نسبة السهو إلى الإمام اختصاصه به ، فلا بد من طرحه ، لإعراض المشهور عنه وعدم أخذهم بمضمونه.

هذا كله فيما إذا كان السهو مختصا بالإمام دون المأموم ، وقد عرفت أنه لا يجب على المأموم متابعة الإمام الساهي في إتيانه المنسي بعد تذكره في المحل ، ولا في قضائه للمنسي إذا كان مما فيه القضاء ، ولا في سجوده للسهو إذا كان مما فيه سجود السهو.

أما الصورة الثانية : أي فيما إذا كان السهو مختصا بالمأموم ، فتارة نتكلم في وجوب سجدتي السهو عليه أم لا وأخرى في وجوب تدارك الأجزاء المنسية إذا تذكرها قبل تجاوز محلها ، وثالثة في قضائها إن تذكرها بعد تجاوز محلها إن كانت مما لها القضاء.

أما الأول : أي وجوب سجدتي السهو عليه فيما يوجبهما عليه لو كان منفردا ، ففيه قولان :

الأول عدم الوجوب. وبه قال جمع من أعاظم الفقهاء ، والشيخ ادعى الإجماع‌

__________________

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٥٤ ، ح ١٤٦٦ ، باب أحكام السهو ، ح ٥٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٤ ، ح ٧.

٣٠٥

عليه (١).

وتدل عليه عدة من الأخبار :

منها : موثقة عمار عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة ، فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم؟ فقال عليه‌السلام : « قد جازت صلاته وليس عليه شي‌ء إذا سها خلف الإمام ولا سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (٢).

ومنها : موثقته الأخرى ، عنه عليه‌السلام أيضا عن الرجل ينسي وهو خلف الإمام أن يسبح في السجود أو في الركوع ، أو نسي أن يقول شيئا بين السجدتين؟ فقال عليه‌السلام : « ليس عليه شي‌ء » (٣).

ومنها : خبر محمد بن سهل عن الرضا عليه‌السلام : « الإمام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الإحرام » (٤).

وفي رواية الكليني بدل تكبيرة الإحرام « تكبيرة الافتتاح » (٥).

هذا هو مستند القائلين بعدم الوجوب.

وأما القائلون بالوجوب فأيضا مستندهم أخبار كثيرة :

__________________

(١) « الخلاف » ج ١ ، ص ٤٦٣ ، مسألة ٢٠٦.

(٢) « الفقيه » ج ١ ، ص ٢٠٦ ، باب صلاة الجماعة ، ح ١٢٠٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٧٨ ، ح ٨١٧ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح ١٣٧ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٤٣٩ ، ح ١٦٩٣ ، باب الإمام إذا سلم ينبغي له أن لا يبرح من مكانه ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٤ ، ح ٥.

(٣) « الفقيه » ج ١ ، ص ٤٠٥ ، باب صلاة الجماعة ، ص ١٢٠٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٧٨ ، ح ٨١٦ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح ١٣٦ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٤ ، ح ٤.

(٤) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٤٧ ، باب السهو في افتتاح الصلاة ، ح ٣ ، « الفقيه » ج ١ ، ص ٤٠٦ ، باب الصلاة الجماعة ، ح ١٢٠٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٤٤ ، ح ٥٦٣ ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة ، ح ٢١ ، « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ٧١٦ ، أبواب تكبيرة الإحرام ، ح ٦.

(٥) « الكافي » ج ٣ ، ص ٢٤٧ ، باب السهو في افتتاح الصلاة ، ح ٣.

٣٠٦

منها : صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام في السؤال عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال عليه‌السلام : « لا » (١).

ومنها : صحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما‌السلام وفيها : « ليس على الإمام ضمان » (٢).

ومنها : صحيح أبى بصير عن الصادق عليه‌السلام في السؤال عن ضمان الإمام الصلاة؟ قال عليه‌السلام : « لا ليس بضامن » (٣).

ومنها : ما رواه في التهذيب والفقيه عن الصادق عليه‌السلام في السؤال عن القراءة خلف الإمام؟ قال عليه‌السلام : « لا ، إن الإمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة من خلفه ، إنما يضمن القراءة » (٤).

ومنها : صحيح معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له عليه‌السلام : يضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن فقال عليه‌السلام : « لا يضمن ، أي شي‌ء يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر » (٥).

ومنها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٧٧ ، باب الصلاة خلف من يقتدى به ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٦٩ ، ح ٧٦٩ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح ٨٩ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٤٢١ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ٣٠ ، ح ٤.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٧٨ ، باب الرجل يصلى بالقوم ، ح ٣ ، « الفقيه » ج ١ ، ص ٤٠٦ ، باب صلاة الجماعة ، ح ١٢٠٨ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٦٩ ، ح ٧٧٢ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح ٩٢ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٤٤٠ ، ح ١٦٩٥ ، باب الإمام إذا سلم ينبغي له ... ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٤٣٣ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ٣٦ ، ح ٢.

(٣) « الفقيه » ج ١ ، ص ٤٠٦ ، باب صلاة الجماعة ، ح ١٢٠٧ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٧٩ ، ح ٨١٩ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح ١٣٩ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٤٢١ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ٣٠ ، ح ٢.

(٤) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٧٨ ، باب صلاة الجماعة ، ح ١١٠٣ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٧٩ ، ح ٨٢٠ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح ١٤٠.

(٥) « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٧٧ ، ح ٨١٣ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ... ، ح ١٣٣ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٤٣٤ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ٣٦ ، ح ٦.

٣٠٧

في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم؟ قال عليه‌السلام : « يتمّ صلاته ثمَّ يسجد سجدتين » (١).

ومنها : خبر منهال القصّاب عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له عليه‌السلام : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام. فقال عليه‌السلام : « إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب » (٢).

والظاهر أنّ قوله عليه‌السلام « ولا تهب » أي لا تخف لأنّ إتيانهما مخالف لما هو المشهور عند المخالفين.

هذا بناء على أن يكون من هابه أي خافه واتّقاه ، ويحتمل أن يكون من « هب » ، فيكون معناه : لا تسرع بالحركة والقيام عن مكانك.

ثمَّ إنّه لا ينبغي أن يشكّ في أنّ الأقوى هو وجوب الإتيان بسجدتي السهو على المأموم إذا سهما فيما إذا كان سهوه ممّا كان موجبا لإتيانهما لو كان منفردا ، أمّا أوّلا لقوّة مستند هذا القول من الروايات الصحيحة ، لأنّ خمسة من الروايات التي ذكرنا في مستند هذا القول من الصحاح ، وهي : صحيحتا زرارة ، وصحيح أبي بصير ، وصحيح معاوية بن وهب ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج.

وثانيا : من جهة موافقتها للمشهور. وثالثا : من جهة مخالفتها للعامّة.

وقد عرفت ممّا ظهر من هذه الروايات حال تدارك أجزاء المنسيّة إذا تذكر قبل تجاوز المحل ، وهكذا حال قضائها بعد السلام إذا كان المنسي مما له القضاء ، وذلك من جهة أن عمدة مدرك القائلين بعدم التدارك ـ إذا كان التذكر قبل التجاوز عن المحل ، أو عدم وجوب القضاء فيما له القضاء إذا كان التذكر بعد التجاوز عن المحل ـ هو أن الإمام ضامن لما لم يأت بها المأموم ، فلا يبقى موضوع للتدارك ولا القضاء ، بل ولا‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٦ ، باب من تكلم في صلاته أو انصراف ... ، ح ٤ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ١٩١ ، ح ٧٥٥ ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح ٥٦ ، « الاستبصار » ج ١ ، ص ٣٧٨ ، ح ١٤٣٣ ، باب من تكلم في الصلاة ساهيا أو عامدا ، ح ١ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣١٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٤ ، ح ١.

(٢) « تهذيب الأحكام » ح ٢ ، ص ٣٥٣ ، ح ١٤٦٤ ، باب أحكام السهو ، ح ٥٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣٩ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٤ ، ح ٦.

٣٠٨

لسجدتي السهو.

ولكن كان مفاد هذه الروايات الصحيحة عدم ضمان الإمام ، فانظر إلى صحيحتي زرارة وصحيح أبي بصير فإنها تصرح بعدم ضمان الإمام ، فلا بد وأن تحمل الطائفة الأولى من الروايات ـ التي كان مفادها ضمان الإمام أو أن الإمام يحمل أوهام المأموم ، أو أن المأموم ليس عليه شي‌ء ـ على التقية.

كما هو صريح صحيح معاوية بن وهب : أنه سأل عن الصادق عليه‌السلام وقال : إن هؤلاء يزعمون أنه يضمن ـ أي الإمام ، ومعلوم أن المراد من « إن هؤلاء يزعمون » هم المخالفون ـ فقال عليه‌السلام : « لا يضمن » الى آخره.

فإذا قدمنا هذه الروايات للجهات التي تقدمت لا يبقى وجه للقول بعدم وجوب هذه الأمور الثلاثة ، أي : التدارك إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ، والقضاء فيما له القضاء إذا كان التذكر بعد التجاوز عن المحل ، وسجدتا السهو في نسيان ما يوجب نسيانه سجدتي السهو.

وأما الإجماع الذي ادعاه الشيخ قدس‌سره على عدم وجوب هذه الأمور الثلاثة على المأموم فموهون بذهاب المشهور إلى خلافه.

أما الصورة الثالثة : أي فيما إذا كان السهو مشتركا بينهما ، بمعنى أنهما معا سهوا عن جزء من أجزاء الصلاة.

والكلام فيما في مقامين : أحدهما : في وظيفة كل واحد منهما بالنسبة إلى سهوه.

والثاني : بقاء القدوة وعدمه.

وأما الأول : أي وظيفة كل واحد منهما بالنسبة إلى سهوه ، فيجب على كل واحد منهما أن يعمل بوظيفة الساهي لو كان منفردا ، من التدارك في المحل ، والقضاء فيما إذا كان تذكره بعد تجاوز المحل فيما له القضاء ، وسجود السهو فيما له سجدتا السهو.

٣٠٩

ولا وجه لتوهم عدم وجوب الأمور الثلاثة على المأموم في هذه الصورة ، لأنه على فرض كون الإمام ضامنا لما يفوت من المأموم من الأجزاء ـ وكان لا يجب عليه التدارك إذا كان تذكره قبل تجاوز المحل ، ولا القضاء إذا كان بعد تجاوز المحل ، ولا سجدتا السهو إذا كان المنسي مما له سجدتا السهو ـ يكون مورد ضمانه فيما إذا أتى الإمام بذلك المسني ، وأما إذا لم يأت به كما هو المفروض في المقام فالقول بكونه ضامنا مع أنه يجب عليه نفسه هذه الأمور الثلاثة كل في محله ، لا يخلو من غرابة.

وأما الثاني : أي بقاء الجماعة والقدوة ، فإن كان بالنسبة إلى الأجزاء المنسية قبل تجاوز محل تداركها فيرجعان ويأتيان بها جماعة. ولا وجه لتوهم بطلان الجماعة وعدم بقائها ، لعدم وجود شي‌ء يكون مضرا بهذه الجماعة في هذه الصلاة ، مثلا إذا نسيا آية من آيات فاتحة الكتاب فيرجعان ويقرءان تلك الآية وما بعدها لحصول الترتيب.

وأما إن كان بعد تجاوز المحل ففيما له القضاء إذا أرادا قضاءه بعد الصلاة ، أو فيما إذا أرادا سجدتي السهو إذا كان المنسي مما له سجدتا السهو فهل يجوز فيهما ـ أي في القضاء وفي سجدتي السهو ـ أن يأتيا بهما جماعة أم لا؟ كما أن هذا الكلام جار في صلاة الاحتياط أيضا في مورد اشتراك شكهما ، أي : هل يجوز أن يأتيا بها جماعة أم لا؟

فنقول : في جواز الإتيان بهذه الثلاثة جماعة وعدمه ، وفي التفصيل بين صلاة الاحتياط وبين الأجزاء المنسية وسجدتي السهو ، فالجواز في الأول والعدم في الآخرين أو بالعكس ، أو التفصيل بين الأجزاء المنسية ، فيقال فيها بالجواز والعدم بالنسبة إلى سجدتي السهو وصلاة الاحتياط ، أو التفصيل بين صلاة الاحتياط فيقال فيها بالجواز والآخرين فيقال فيها بالعدم وجوه وأقوال.

فلنذكر كل واحد من هذه الثلاثة منفردا ، فنقول‌ :

٣١٠

أما قضاء الأجزاء المنسية من هذه الصلاة التي صلاها جماعة ، واشتراك هو في السهو في هذه الصلاة مع هذا الإمام فالأقوى هو جواز إتيانها جماعة مع هذا الإمام ، لأنه في الحقيقة من تتمة هذه الصلاة وهذه الجماعة ، لا أنه واجب آخر وجماعة أخرى.

غاية الأمر بواسطة السهو تبدل مكان الجزء المنسي ويجب الإتيان به خارج الصلاة ، وبهذه الجهة سمي إتيانه بعد السلام بالقضاء ، فكما أن في فوت الوقت وإتيان الواجب في خارج وقته يسمى بالقضاء ففي فوت محله الذي عين له الشارع وإتيانه في خارج محله ومكانه أيضا سمي بالقضاء.

نعم لو كان قضاء هذا الجزء من صلاة أخرى صلاها منفردا أو جماعة مع إمام آخر ، أو مع هذا الإمام في جماعة أخرى لا يبعد عدم جواز إتيانه جماعة في هذه الجماعة.

وأما سجدتا السهو فالظاهر عدم جواز إتيانهما جماعة مطلقا ، سواء كان في هذه الجماعة مع هذا الإمام أو في جماعة أخرى مع هذا الإمام ، أو مع إمام آخر ، وسواء كان سببهما سهو في هذه الصلاة أو في صلاة أخرى.

وذلك من جهة أن سجدتي السهو ليستا من أجزاء هذه الصلاة كي تعد الجماعة فيهما من تبعات الجماعة في هذه الصلاة.

والقول بأنهما من لواحق هذه الصلاة أشبه بالخطابة ، وليس لأدلة الجماعة إطلاق يدل على تشريعها في كل ما هو من لواحق الصلاة وتبعاتها ، بل الأدلة قامت على استحباب الجماعة في الصلوات الواجبة.

وأما صلاة الاحتياط فالإتيان بها جماعة ابتدأ ـ بمعنى أن عليه ركعتين مثلا لأنه شك بين الاثنتين والأربع بعد إكمال السجدتين ، ففي مقام أداء صلاة الاحتياط يقتدي بإمام يصلي فريضة ـ لا يخلو عن إشكال ، لعدم إطلاق في أدلة الجماعة يتمسك به لجوازه.

٣١١

وأما ما يقال : من أن قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة والفضيل : « الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنها سنة » (١) وأمثاله يدل على استحباب في جميع الصلوات كلها إلا ما خرج بالدليل وهي النافلة.

ففيه أولا : أن هذه الصحيحة المراد من الصلوات فيها خصوص الفرائض اليومية ، وإن كانت في حد نفسها من ألفاظ العموم ، لأنه جمع معرف بالألف واللام لقوله عليه‌السلام في صدر الحديث « الصلوات فريضة ».

ومعلوم أن المراد بها فرائض اليومية ، لأن جميع الصلوات ليست بفريضة قطعا ، فالمراد بها في قوله عليه‌السلام : « وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها » أيضا هي اليومية.

ومعلوم أن الاستدراك بكلمة « ولكنه سنة » بعد نفي الوجوب عن الاجتماع في اليومية إثبات كونه سنة فيما نفى عنه الوجوب ، وقد عرفت أنها اليومية.

وثانيا : أن الإطلاقات ، سواء أكانت في هذه الرواية أو في غيرها ـ كما في صحيحة ابن سنان : « الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة » (٢). مسوقة لبيان تشريع الجماعة وفضلها وكثرة ثوابها ، وليس في مقام بيان أنها في أي نوع من الصلاة مشروعة.

وثالثا : لا شك في ورود روايات معتبرة مستفيضة على عدم مشروعية الجماعة في النافلة ، وصلاة الاحتياط ـ على تقدير عدم النقص في الصلاة الأصلية ـ نافلة ، ووجوب الإتيان بها ليس لأنها واجبة على كل حال ، بل لتحصيل اليقين بامتثال ذلك الواجب الأصلي ، ولذلك عبر عنها في الأخبار بالبناء على اليقين.

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٧٢ ، باب فضل الصلاة في الجماعة ، ح ٦ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٤ ، ح ٨٣ ، باب فضل الجماعة ، ح ٢ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٧١ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ١ ، ح ٢.

(٢) « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٢٥ ، ح ٨٥ ، باب فضل الجماعة ، ح ٤ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٧٠ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ١ ، ح ١.

٣١٢

والحاصل : أنه لا شك في أنه مقتضى الأصل عدم جواز ترتيب آثار الجماعة على صلاة إلا بعد إحراز تشريع الجماعة فيها ، وإحراز تشريع الجماعة في صلاة الاحتياط مشكل ، فمقتضى الأصل عدم جواز ترتيب آثار الجماعة.

ثمَّ إنه لا يخفى أنه بناء على ما رجحنا من عدم مشروعية الجماعة في صلاة الاحتياط لا فرق بين ائتمام الاحتياط بالفريضة أو بالاحتياط.

وأما اقتداء الفريضة اليومية كاقتداء صلاة الصبح بصلاة الاحتياط فيما إذا كانت صلاة الاحتياط أيضا مثل صلاة الصبح ركعتين فهل يجوز أم لا؟

يمكن أن يقال بالجواز ، وذلك لتشريع الجماعة في فريضة اليومية يقينا.

ولكن وفيه : أن ظاهر أدلة تشريع الجماعة في الفريضة بعد انصرافها إلى اليومية لما ذكرنا في بيان المراد من الصلوات في صحيحة زرارة وفضيل ، أن يكون كلاهما من اليومية أي صلاة الإمام وصلاة المأموم ومع الشك تجري أصالة عدم التشريع.

ولا فرق فيما ذكرنا من عدم جواز الجماعة في صلاة الاحتياط بين أن نقول بأنها صلاة مستقلة يتدارك بها نقصان ملاك صلاة الأصلية على تقدير النقصان أو أصل الملاك بضميمة صلاة الاحتياط إلى الأصلية ، أو نقول بأنها جزء للصلاة الأصلية على تقدير النقصان ، وذلك من جهة عدم إحراز النقصان وكونها جزء منها واحتمال كونها زائدة ونافلة.

هذا كله في الاقتداء ابتداء ، أما لو كان مقتديا وكان شكه مطابقا لشك الإمام فبنى الاثنان على الأكثر وأراد الإمام أن يأتي بصلاة الاحتياط ، فلا يبعد الجواز في هذه الصورة ، على إشكال أيضا.

٣١٣

الجهة الثالثة

في موارد تطبيقها‌

وقد عرفت جميعها مما تقدم ، فلا نعيد.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

٣١٤

٢٤ ـ قاعدة

لا شك في النافلة‌

٣١٥
٣١٦

قاعدة لا شك في النافلة

ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة هو أنه « لا شك في النافلة ».

وفيها جهات من البحث :

الجهة الأولى

في مدركها‌

وهو أمران :

الأول : الروايات :

فمنها : قوله عليه‌السلام في حسنة البختري : « لا سهو في نافلة » (١) بعد الفراغ عن أن المراد من السهو بقرينة سائر الفقرات هو الشك.

ومعلوم أن المراد من نفي الشك في النافلة هو نفيه تشريعا لا تكوينا ، والنفي التشريعي للأمور التكوينية لا بد وأن يكون بلحاظ الآثار التشريعية لذلك الشي‌ء ، وإلا فالشي‌ء التكويني لا يمكن رفعه حقيقة في عالم الاعتبار ، كما أنه لا يمكن أن يوجد في عالم الاعتبار والتشريع وإلا ينقلب الاعتبار تكوينا ، وهو خلف محال.

والأثر المجعول للشك في عدد الركعات في عالم التشريع هو البطلان في الثنائية‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٨ ، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر ... ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٣ ، ص ٥٤ ، ح ١٨٧ ، باب أحكام الجماعة ... ، ح ٩٩ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٤٠ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ٢٤ ، ح ٨.

٣١٧

والثلاثية ، والبناء على الأكثر في الرباعية ، فإذا كانت صلاة النافلة أربع ركعات ـ كما في صلاة الأعرابي وبعض الموارد الأخر المنصوصة ـ فمعنى نفي الشك فيها هو عدم وجوب البناء على الأكثر ، بل إما البناء على الأقل بحكم الاستصحاب بعد سقوط حكم الشك ـ أي البناء على الأكثر ـ بواسطة هذه الروايات وغيرها من الأدلة ، وإما التخيير بين الأقل والأكثر بعد البناء على عدم حجية الاستصحاب في عدد ركعات الصلاة إجماعا.

وإذا كانت أقل من أربع ركعات فحكم الشك هو البطلان ، للروايات المستفيضة الواردة في هذا الباب ، فإذا ارتفع البطلان فالحكم إما البناء على الأقل لو قلنا بحجية الاستصحاب في عدد الركعات ، أو التخيير بناء على عدم حجيته.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن السهو في النافلة؟ فقال عليه‌السلام : « ليس عليك شي‌ء ـ وفي بعض النسخ ـ سهو » (١) وعلى كلتا النسختين ، النتيجة واحدة وهي صحة الصلاة وعدم وجوب البناء على الأكثر.

ومنها : ما رواه في الكافي مرسلة وقال : وروى : « إذا سها في النافلة بنى على الأقل » (٢).

وظاهر هذه المرسلة هو تعين البناء على الأقل ، وبناء على ما قلنا ـ من عدم دلالة الصحيحة على وجوب البناء على الأكثر بل لها دلالة على عدم البناء على الأكثر ، كما أنه يجب ذلك أي البناء على الأكثر ، في الرباعيات من الفريضة فإنه حكم الشك فيها ومرفوع في النافلة ـ فلا تعارض بينها وبين المرسلة التي رواها الكليني ، فتكون النتيجة هو البناء على الأقل.

__________________

(١) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٥٩ ، باب من شك في صلاته كلها ... ، ح ١ ، « تهذيب الأحكام » ج ٢ ، ص ٣٤٣ ، ح ١٤٢٢ ، باب أحكام السهو ، ح ١٠ ، « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٣٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب ١٨ ، ح ١.

(٢) « الكافي » ج ٣ ، ص ٣٩٥ ، باب من شك في صلاته كلها ... ، ح ٦.

٣١٨

ولكن لما تحقق الإجماع على التخير ، بل قال في الأمالي : إنه من دين الإمامية ، فلا يمكن الالتزام بالبناء على الأقل.

وبعبارة أخرى : مقتضى الصحيحة هو المضي في الصلاة التي كانت نافلة وعدم الاعتناء بالشك ، فيلاحظ المصلي ما هو صرفته فيبني عليه ، سواء كان هو الأقل أو الأكثر ، فربما يكون صرفته في البناء على الأكثر ، فله أن يبني عليه ، كما أنه إذا كان صرفته في البناء على الأقل له أن يبني عليه.

وهذا المعنى خلاف التخيير ، بل معناه لزوم البناء على الأقل في صورة ، ولزوم البناء على الأكثر في صورة أخرى ، وظاهر المرسلة هو تعين البناء على الأقل مطلقا.

ولكن بواسطة هذا الإجماع المحقق لا بد وأن يرفع اليد عن ظهور كل واحد في تعين خصوص الأقل أو الأكثر ، أي يجمع بين الصحيحة والمرسلة هكذا.

وربما يقال : بأن ظاهر الصحيحة هو التخيير ، لأن ظاهر قوله عليه‌السلام « ليس عليك شي‌ء » هو أنك لست ملزما بشي‌ء ، فلو كان الواجب هو البناء على الأقل أو كان هو البناء على الأكثر فيلزم أن يكون عليه شي‌ء ، وهو وجوب البناء على خصوص الأقل أو خصوص الأكثر ، فمقتضى نفي الشي‌ء عليه هو التخيير.

هذا ، ولكن الظاهر من نفي الشي‌ء هو صلاة الاحتياط ، أو سجود السهو ، إن كان المراد من السهو خصوص النسيان ، أو الأعم منه ومن الشك.

والتحقيق : هو أنه لو لم يكن هذا الإجماع لكان مقتضى قوله عليه‌السلام : « لا سهو في النافلة » بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشك ـ نفي حكم الشك الذي هو البطلان في الثنائية والثلاثية ، والبناء على الأكثر في الرباعية ، وبعد نفي هذين الاثنين ، فإما التخيير لو قلنا بعدم حجية الاستصحاب في الركعات كما أنه قيل ، أو البناء على الأقل بناء على حجيته.

وأما خصوص البناء على الأكثر فلا يستفاد من هذه الرواية أصلا ، وأما الصحيحة‌

٣١٩

فقد عرفت أن ظاهرها هو البناء على الصرفة. وأما المرسلة فقد عرفت أن ظاهرها تعين البناء على الأقل ، وأما تعين البناء على الأكثر فليس له أثر في الأخبار إلا إذا كان فيه الصرفة.

والإنصاف : أنه لو لم يكن هذا الإجماع على التخيير كان المتعين هو الأخذ بالصرفة الذي هو مفاد الصحيحة ، لأن المرسلة وإن كان لا ينكر ظهورها في تعين البناء على الأقل ، إلا أن مخالفتها للشهرة بل الإجماع المحقق توجبها ضعفا على ضعف ، فلا يمكن الالتزام بمؤداها.

وأما قوله عليه‌السلام في حسنة البختري « لا سهو في النافلة » فلا تعارض له مع مفاد الصحيحة ، أي الأخذ بالصرفة ، لأنه في مقام نفي حكم الشك لا البناء على خصوص الأقل أو الأكثر. ولكن هذا الإجماع المحقق على التخيير يمنع عن تعين الأخذ بالأقل أو الأكثر وإن كان فيه الصرفة.

وربما يقال : إن المراد من « لا سهو في النافلة » أو قوله عليه‌السلام « ليس عليه شي‌ء » أي ليس عليه الإعادة ـ من جهة الحكم بالبطلان ، كما هو كذلك في جملة من موارد الشك في الفريضة التي حكم فيها ، ببطلان ما وقع الشك فيها كفريضة الصبح والمغرب ، أو الذي لا يدري أنه كم صلى ـ أو أنه ليس عليه جبر مع البناء على الأكثر ، أي يبني على الأكثر وليس عليه صلاة الاحتياط ، مثلا لو شك بين الواحد والاثنين فيبني على الاثنين بدون تدارك ما احتمل فوته ، أي الركعة الثانية بالركعة المنفصلة احتياطا ، كما أنه كان يجب الاحتياط في الفريضة.

واحتمل أن الكليني قدس‌سره فهم ـ من صحيحة محمد بن مسلم ـ عن أحدهما قال : سألته عن السهو في النافلة؟ قال عليه‌السلام : « ليس عليه شي‌ء أو في نسخة أخرى : ليس عليه سهو » هذا المعنى ، أي ليس عليه الجبر بصلاة الاحتياط ويجب البناء على الأكثر فقط ، بخلاف الفريضة ، لأن فيها الجبر ويجب فيها البناء على الأكثر أيضا.

٣٢٠