القواعد الفقهيّة - ج ٢

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٩٢

أمّا الثاني ـ أي غير المعوضة ـ فمن أوضح وأجلى مصاديق الكليّة السلبية أي « ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده » لإقدام المالك على المجّانية ، وكون الإعطاء بلا قصد تعويض ، فيد القابض يد مأذونة فلا ضمان.

وأمّا الأوّل ـ أي المعوّضة ـ فإن كان العوض بإزاء الموهوب ففي الصحيح والفاسد في كليهما الضمان ، لأنّ المالك لم يقدم على الإعطاء مجّانا ، فلا مخصّص لعموم « على اليد ».

وإن كان العوض بإزاء هبة الآخر الشي‌ء الفلاني ، بمعنى أنّه هبة بإزاء هبة ، لا الموهوب بإزاء الموهوب فلا ضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد ، لأنّه لم يقصد بإعطائه المال الموهوب المبادلة والتعويض ، فهو في الحقيقة يرجع إلى أنّه أعطاه مجّانا وبلا عوض ، غاية الأمر اشترط عليه أن يهبه الشي‌ء الفلاني ، فإن لم يفعل يكون للواهب خيار تخلّف الشرط.

ومنها : الصلح ، وهو أيضا على قسمين : بلا عوض ، ومع العوض.

فالأوّل حاله حال الهبة غير المعوّضة ، أي لا ضمان فيه لا في الصحيح منه ولا في الفاسد.

وأمّا الثاني ـ أي الصلح مع العوض ـ فحكمه حكم البيع فيكون مشمولا لكلتا القاعدتين ، أي الأصل والعكس.

أمّا الأصل : فلأنّ المفروض أنّ صلح المال الفلاني بعوض مسمّى معناه تضمينه بذلك المسمّى وتبديله به ، ولذلك ربما يقال إنّ الصلح الواقع على الأعيان المتموّلة بعوض مالي هو عين البيع وإن كان هذا غير صحيح ، لأنّ المنشأ بعقد الصلح هو عنوان التسالم ابتداء ، غاية الأمر التسالم على مثل هذه المبادلة ، وأمّا المنشأ بعقد البيع ابتداء هو نفس المبادلة ، فالنتيجة أنّ إقدام المالك في مثل هذا الصلح ليس مجانا وبلا عوض ، ففي صحيحة وفاسده الضمان.

١٢١

ومنها : الرهن ، فإنّ صحيحه لا يوجب الضمان ، لأنّ الراهن يسلم المال المرهون إلى المرتهن ليكون وثيقة لدينه ، ولا يقصد بذلك الإعطاء والتسليم المعاوضة والمبادلة فتكون أمانة مالكية عند المرتهن ، فيد المرتهن على ذلك المال يد مأذونة ولا يوجب الضمان ، وتكون خارجة عن مفاد « على اليد » تخصّصا أو تخصيصا.

فكذلك فاسده أيضا لا يوجب الضمان ، وذلك لوحدة السبب فيهما ، وهي إقدامه في إعطائه وتسليمه إلى المرتهن على عدم الضمان في كلتا الصورتين.

ومنها : عقد السبق‌ ففي الصحيح منه يستحقّ السابق السبق ، فالعمل الذي يصدر من السابق فيه ضمان المسمّى أي السبق المعيّن. وهذا ممّا لا شكّ فيه إذ ليس المراد من الصحّة إلاّ هذا المعنى ، فمقتضى هذه القاعدة أي قاعدة كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أن يكون في فاسده أيضا ضمان ، غاية الأمر ليس الضمان ضمان المسمّى لأنّه منوط بالصحّة ، فلا بدّ وأن يكون أجرة مثل عمله ، لأنّ عمله محترم ولم يقدم على إيجاده بدون عوض ، بل كان إقدامه على هذا العمل بعنوان أخذ السبق.

إن قلت : في هذا المورد ليست يد في البين كي تكون سببا للضمان.

قلنا : إنّ سبب الضمان هنا قاعدة احترام عمل المسلم ، حيث أنّ هذا العمل صدر منه بسبب التزام الطرف بإعطاء السبق له لو كان سابقا ، فعمله محترم وإن كان من جهة فساد هذا العقد لا يستحقّ مال الذي عيّن للسابق أي المسمّى ، ولكن عمله لا يكون هدرا ولغوا ، إلاّ أن يكون من الأعمال المحرّمة التي ألغى الشارع ماليّتها ، أو من أعمال السفهاء الذي لا اعتبار لها عند العقلاء كبعض ألاعيب السفهاء والصبيان.

وخلاصة الكلام هو أنّه في كلّ عقد أو إيقاع كان في صحيحه الضمان ـ سواء كان ضمان المسمّى بدل المال الذي يسلمه إليه الطرف ، أو العمل الذي يعمله كعمل الأجير في عقد الإجارة ، أو عمل العامل في الجعالة ، أو عمله في عقد السبق والرماية ـ ففي فاسده الضمان أيضا ، إمّا من جهة اليد على مال الغير مع عدم الإقدام على المجّانية من‌

١٢٢

قبل صاحب المال ، حتّى تكون يده يد مأذونة ولا تكون سببا للضمان بل تكون خارجة عن عموم على اليد تخصيصا أو تخصّصا كما تقدّم ، وإمّا من جهة احترام عمل المؤمن مع عدم إقدام العامل مجّانا.

وأمّا لو لم يكن في صحيحه الضمان من جهة عدم قصد المبادلة والمعاوضة في إعطاء ماله ، أو عدم قصد التعويض في عمله ففي فاسده لا ضمان أيضا ، لعدم تحقّق سبب الضمان لا قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّه » ولا قاعدة « الاحترام ». وقد تقدّم شرحهما مفصّلا.

ثمَّ إنّ هاهنا نقوض أوردوها على الكلّية السلبيّة والإيجابية ، ولذلك قالوا بعدم اطّراد هاتين الكلّيتين في موارد :

منها : فيما إذا استعار المحرم صيدا من المحلّ ، فقالوا : إنّه يجب على المحرم المستعير إرساله فورا ويكون ضامنا لصاحب الصيد بالقيمة.

وهذا النقض مبني على فساد هذه العارية ووجوب إرساله ، لا وجوب ردّه إليه ، فحينئذ يقال إنّ العارية لا يضمن بصحيحها في غير المضمونة وغير الذهب والفضة ، ومع ذلك حكموا هاهنا في فاسدها بالضمان.

وأجيب عن هذا النقض بأنّ الضمان ليس هاهنا مستندا إلى العقد ، بل من جهة الإتلاف ، والإتلاف في العارية الصحيحة أيضا موجب للضمان. وأمّا كون الضمان من جهة الإتلاف لا التلف السماوي فلما قالوا بخروج الصيد عن ملك مالكه بمحض قبض المحرم وأخذه إيّاه من يد المالك ، فيكون بناء على هذا نفس الأخذ والقبض إتلافا ، ويكون خارجا عن مورد القاعدة.

وفي هذه المسألة وجوه واحتمالات أخر ليس هاهنا محلّ ذكرها والنقض والإبرام فيها.

ومنها : النقض على الكليّة الإيجابيّة ـ أي الأصل لا العكس ـ وهي « كلّ ما يضمن‌

١٢٣

بصحيحه يضمن بفاسده » بالنسبة إلى المنافع غير المستوفاة ، فإنّها غير مضمونة في البيع الصحيح ومضمونة في الفاسد.

وفيه : أنّ الضمان في الصحيح عبارة عن المسمّى ، والمسمّى في الصحيح موجود بدل العين ، فبعوض ملكيّة العين يشتغل ذمّته بالمسمّى ، والمنافع مطلقا سواء كانت مستوفاة أو غير مستوفاة من توابع العين ، فإذا كانت العين مضمونة فالمنافع أيضا مضمونة ، كما هو الظاهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخراج بالضمان » (١) أي المنافع التي للعين تكون لمن انتقل إليه العين بواسطة ضمان المسمى ، فكان المسمّى في البيع الصحيح عوض العين ومنافعه ، فلا نقض.

ومنها : تلف الأوصاف ، فليس في العقد الصحيح لها ضمان ، لأنه الضمان فيه بإزاء العين ، ولم يجعل شي‌ء من الثمن المسمّى مقابل الأوصاف. وأمّا في الفاسد لو تلف جميعها أو بعضها يكون القابض ضامنا لقاعدة « على اليد » بضميمة عدم كونه مأذونا فتكون اليد يد ضمان.

ويمكن أن يقال هاهنا أيضا مثل ما قلنا في المنافع غير المستوفاة من أنّها تابعة للعين ، فكان ضمان العين ضمانها أيضا ، فهكذا صفات العين في الضمان تابعة للعين ، ولو أنّه ليس لها ضمان مستقلّ مقابل ضمان العين لكن ضمان العين ضمانها أيضا. فبناء على هذا في الصحيح أيضا لها ضمان ، فلا ينخرم القاعدة.

ومنها : فيما إذا كان المبيع حاملا فتلف الحمل في يد المشتري ففي الصحيح لا ضمان ، لأنّ ضمان المسمّى وقع مقابل نفس المبيع ، والحمل مملوك بالتبع بناء على كونه مملوكا للمشتري ، وإلاّ فبناء على بقائه على ملك البائع كما هو المشهور إلاّ مع شرط الدخول فهو خارج عن محلّ كلامنا. وأمّا في الفاسد فللحمل ضمان غير ضمان نفس الحاصل.

وفيه : أنّه إن قلنا بأنّ الحمل ليس داخلا في المبيع وباق على ملك البائع فهو‌

__________________

(١) « مستدرك الوسائل » ج ١٣ ، ص ٣٠٢ ، أبواب الخيار ، باب ٧ ، ح ١٥٤٢٨‌

١٢٤

خارج عن مصبّ العقد وأجنبي عن المعاملة ، ولا ضمان له في الصحيح ولا في الفاسد.

أمّا في الصحيح لانّه كما قلنا أجنبي عن المعاملة ، فلا ربط له بالعقد حتّى يشمله ضمان المسمّى. وأمّا في الفاسد فلا ضمان له ، لأنّه أمانة مالكيّة عنده لا يضمنه إلاّ بالتعدّي والتفريط.

وهذا كما لو اشترى البستان مع أشجاره المثمرة التي ثمرتها موجودة عليها ، فلو قلنا بأنّ الثمرة الموجودة ليست داخلة في المبيع وخارجة عنه انصرافا أو بواسطة تقييد البائع ففي الصحيح والفاسد من هذه المعاملة لا ضمان للثمرة الموجودة على الشجرة ، أمّا الصحيح لأنّها خارجة عن المعاملة ومصبّ العقد فلا يكون شي‌ء من المسمّى بإزائها ، وأمّا الفاسد لأنّها أمانة مالكيّة وقد تلفت بدون تعدّ وتفريط على الفرض.

وأمّا إن قلنا بأنّ الحمل وكذلك الثمرة الموجودة على الشجرة داخل في المبيع ففي الصحيح والفاسد كلاهما ضمان ، أمّا في الصحيح فلأنّ المسمّى وقع بإزاء المجموع من الحامل وحمله ، وأيضا في المثال الثاني بإزاء مجموع الشجرة وثمرتها. وأمّا في الفاسد فلوقوع اليد على كليهما أي الحامل والحمل وكذلك على الشجرة والثمرة ، والمفروض أنّ اليد ليست مأذونة ويد ضمان ، لأنّ الكلام بعد الفراغ عن ضمان أصل الحامل ، فكذلك الشجرة في المقبوض بالعقد الفاسد ، فلا نقض على اطّراد القاعدتين أي الكلّية الإيجابيّة والسلبيّة.

وهذا الحكم الذي ذكرنا إشكالا وجوابا جار في مطلق توابع المبيع كالحليب وغيره ، فإن قلنا بدخولها في المبيع فحالها حال نفس المبيع بالنسبة إلى الضمان في الصحيح والفاسد ، وإن قلنا بخروجها فلا ضمان لا في الصحيح ولا في الفاسد إلاّ بسبب آخر. وأمّا تحقيق أنّ أيّا منها داخل في المبيع وأنّ أيّا منها خارج فله محلّ آخر ، وهو كتاب البيع في فصل ما يدخل في المبيع وما لا يدخل.

١٢٥

ثمَّ إنّ شيخنا الأعظم قدس سرّه ذكر في هذا المقام أنه يمكن النقض أيضا بالشركة (١). والظاهر أنّ مراده شركة الأموال بعقد الشركة ، فيكون النقض عبارة عن أنّ أحد الشريكين مثلا في الشركة الصحيحة لو تصرّف في المشترك وصار تحت يده ـ كما هو المتعارف عند الشركاء ـ فتلف ذلك المال من دون تعدّ وتفريط لا يكون ذلك الشريك ضامنا لحصّة شريكه الآخر ، وهذا مقتضى صحّة عقد الشركة. وأمّا لو لم يكن العقد صحيحا وكانت الشركة فاسدة فيكون ذلك الشريك ضامنا ، لقاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ولا بدّ من فرض التلف في صورة عدم إذن ذلك الشريك الآخر في التصرّف ، فلا إذن من طرف المالك ، ولا أنّ جواز التصرّف مقتضى عقد الشركة ، فلا يكون المال لا أمانة مالكيّة ولا أمانة شرعيّة ، فتكون اليد يد ضمان.

وهذا بخلاف الصحيح فإنّه وإن لم يكن إذن من طرف الشريك حتّى يكون المال عنده أمانة مالكيّة ولكن الإذن من طرف الشارع بمقتضى صحّة عقد الشركة ، فيكون من قبيل الأمانة الشرعيّة ، فلا ضمان ، فلا تكون القاعدة مطّردة.

وفيه : أنّ هذا مبني على جواز التصرّف بصرف حصول الشركة الصحيحة وإن كان بدون إذن الشريك الآخر ، وهو لا يخلو من إشكال.

وممّا يمكن أن يكون نقضا على الكلّية الإيجابيّة التي نسمّيها بالأصل مقابل الكلّية السلبيّة التي نسميها بالعكس هو النكاح الدائم أو المتعة الفاسدين إذا كان الزوج جاهلا بالفساد من جهة الموضوع وكانت المرأة عالمة به ، فقالوا إنّ الزوج في مثل المفروض لا يضمن المهر ، مع أنّه لو كان العقد صحيحا كان يضمن قطعا.

وقد يجاب أوّلا : عن هذا النقض بأنّ هذا المفروض خارج عن محلّ البحث ومورد القاعدة ، لأنّ موردها العقود المعاوضيّة التي يقع العوض فيها تحت اليد ، وما نحن فيه من مورد النقض ليس كذلك وليس من العقود المعاوضيّة أوّلا ، وعلى‌

__________________

(١) « المكاسب » ص ١٠٣.

١٢٦

الفرض لا تقع المرأة تحت اليد ثانيا.

وفيه : أنّ ظاهر هذه القاعدة عامّ يشمل كلّ عقد سواء كان ممّا ذكر أو لم يكن.

وثانيا : بأنّ عدم الضمان لدليل خارجي ولكونها بغيا لا ينافي اقتضاء العقد للضمان في حدّ ذاته ونفسه ، ولذلك لو كانت المرأة أيضا جاهلة بالفساد فلها حق على الزوج.

وفيه : أنّ ظاهر الكلّية أنّ كلّ عقد صحيح يكون فيه الضمان ففي فاسده بالفعل ضمان ، لا أنّ في فاسده اقتضاء الضمان إلاّ أن يمنع مانع عنه ، أو يأتي دليل على عدمه ، فلا يمكن الموافقة مع شيخنا الأستاذ قدس‌سره في كلا الجوابين (١).

ومما يتوهم أن يكون نقضا على الكلّية الإيجابيّة بيع الغاصب مال الغير ، فلو تلف المبيع عند البائع الغاصب قالوا بعدم ضمان الغاصب الثمن للمشتري لو تلف الثمن عنده ، لأنّه أي المشتري سلّط البائع الغاصب على الثمن مجّانا إن كان عالما بأن البائع غاصب مع أنّه في البيع الصحيح لو تلف الثمن عند البائع بعد تلف المبيع عنده يكون ضامنا للمشتري بالثمن.

وفيه أوّلا : أنّ مثل هذه المعاملة ليست فاسدة ، بل فضولي موقوف على إجازة المالك أي المغصوب منه ، فإذا أجاز تعدّ من المعاملات الصحيحة ، يترتّب عليها جميع آثار البيع الصحيح.

وثانيا : طرف المعاملة أي البائع في هذه المعاملة ليس هو الغاصب ، بل هو أجنبي ، والثمن الذي أعطاه المشتري ليس ثمنا للمبيع مع علمه بأنّه غاصب ، بل يكون مال له أعطاه للغاصب مجّانا وبلا عوض ، فلا يترتّب على تلفه آثار تلف الثمن ، فلا يكون نقضا على هذه الكلّية أصلا.

وممّا توهّم أنّه نقض على هذه الكلّية بيع الشخص ماله من سفيه محجور عليه فتلف المبيع عند السفيه ، فقالوا بعدم ضمان السفيه للمبيع ، مع أنّ تلف المبيع عند‌

__________________

(١). « منية الطالب » ج ١ ، ص ١٢٩.

١٢٧

المشتري بعد قبضه ، وعدم خيار للمشتري فقط دون البائع يوجب ضمانه للبائع في البيع الصحيح.

وفيه : أنّه بعد ما علم البائع أنّ المشتري محجور عليه ليس له التصرف في أمواله مطلقا ولو بناقل شرعي فإعطاؤه المبيع لمثل هذا الشخص يكون إقداما منه على تلف ماله وهتك احترامه ، فيكون إعطاؤه للسفيه ، وإن كان بعنوان البيع ، من قبيل إلقائه في البحر وإتلافه ، فلو كان عين ماله ـ أي المبيع ـ موجودا يمكن أن يقال بجواز استرداده ، وأمّا مع تلفه فلا ضمان في البين.

ومن جميع ما ذكرنا من أوّل هاتين القاعدتين ـ أي الكلّيتين الإيجابيّة والسلبيّة ـ يظهر صحة كلتيهما ، واطّرادهما ، وعدم ورود النقوض التي ذكروها في هذا المقام.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

١٢٨

١٩ ـ قاعدة

التلف في زمن الخيار‌

١٢٩
١٣٠

قاعدة التلف في زمن الخيار (*)

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة المسلّمة عند الأصحاب قاعدة « التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مستندها‌

وهو أمور :

الأوّل : الأخبار :

منها : صحيحة ابن سنان عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ويشترط إلى يوم أو يومين ، فيموت العبد أو الدابّة أو يحدث فيه حديث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : « على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري ، شرط له أم لم يشترط. وإن كان بينهما شرط أيّاما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع » (*).

ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري مولى بنى شيبان قال : سألت‌

__________________

(*) « الحق المبين » ص ٨٠ ، « القواعد » ص ١٠١ و ١٠٥ ، « قواعد فقه » ص ٢٧٨ ، « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج ٤ ، ص ٣٩١ ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص ٢٦٨.

(١) « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٤ ، ح ١٠٣ ، باب عقود البيع ، ج ٢٠ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٢ ، أبواب الخيار ، باب ٥ ، ح ٢.

١٣١

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل اشترى أمة يشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت عنده ، وقد قطع الثمن ، على من يكون ضمان ذلك؟ قال : « ليس على الذي اشترى ضمان حتّى يمضي بشرطه » (١).

ومنها : النبوي المروي في الوسائل عن محمد بن الحسن بإسناده عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيّام فمات العبد في الشرط؟ قال : يستحلف بالله ما رضيه ثمَّ هو برئ من الضمان » (٢).

ومنها : ما عن الوسائل عن الصدوق بإسناده عن ابن فضّال ، عن الحسن بن رباط ، عن من رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع » (٣).

وظاهر هذه الأخبار ـ كما هو واضح ـ أنّ تلف المبيع في يد المشتري ـ وهي عبارة أخرى عن قبضه للمبيع إذا كان الخيار للمشتري فقط دون البائع ـ يكون من كيس البائع أي : ممن ليس له الخيار ، وهذا هو مفاد القاعدة أي : التلف في زمن الخيار من مال من ليس له الخيار الذي هاهنا هو البائع.

نعم لا يدلّ على هذه القاعدة بطور الكلّية ، بل فيما إذا كان من له الخيار هو المشتري دون البائع ، ولا يدلّ فيما إذا كان بالعكس أي : كان الخيار للبائع دون المشتري.

هذا أوّلا : وثانيا : لا يدلّ فيما إذا كان الخيار غير خيار الشرط والحيوان إلاّ بتنقيح المناط وإلقاء خصوصيّة خياري الحيوان والشرط.

وهو في غاية الإشكال ، لأنّ هذا حكم مخالف للقواعد ورد التعبد به ، فيجب الوقوف على مورده ، ومورده خصوص هذين الخيارين وبالنسبة إلى المشتري فقط ،

__________________

(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٧١ ، باب الشرط والخيار في البيع ، ح ٩ ، « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٢٤ ، ح ١٠٤ ، باب عقود البيع ، ح ٢١ ، « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥١ ، أبواب الخيار ، باب ٥ ، ح ١.

(٢) « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٢ ، أبواب الخيار ، باب ٥ ، ح ٤. وفيه : « عن عبد الله بن الحسن ... ».

(٣) « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٣٥٢ ، أبواب الخيار ، باب ٥ ، ح ٥.

١٣٢

فلا يشمل غيرهما ، وكذلك لا يشمل فيما إذا كان ذو الخيار غير المشتري.

الثاني : الإجماع‌ ـ وقد ادّعاه غير واحد كصاحب الرياض (١) ومفتاح الكرامة (٢) ـ قدس‌سرهما ـ ونفى الخلاف في الأخير في هذه القاعدة.

ولكن أنت خبير أنّه على فرض تسليم وجود الاتّفاق وتحقّقه على هذا الحكم ـ أي كون التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له ـ لا اعتبار بهذا الاتّفاق ، لاستناد كثير منهم إلى هذه الروايات ، فلا يكون من الإجماع المصطلح الذي يكون مسبّبا عن تلقّيه من المعصوم عليه‌السلام ، أو يكون مسبّبا عن وجود دليل معتبر عند الكلّ وقد ضاع عندنا ، مع أنّ هذا الأخير لا يخلو عن إشكال.

فالعمدة في مستند هذه القاعدة هو هذه الروايات التي ذكرناها ، فلا بدّ من ملاحظتها ومقدار دلالتها.

الثالث : كون هذا الحكم مقتضى القواعد الأوّليّة ، إذ من له الخيار فقط من المتعاملين وليس للآخر يكون خروج العوض عن ملكه ودخول المقابل متزلزلا ، إذ له أن يفسخ ويرجع ما خرج إليه بسبب فسخه ، فكان التلف يقوم مقام الفسخ فيرجع ما خرج عن ملكه إليه ثانيا ، فالتلف يذهب من كيس من ليس له الخيار ، وهو مفاد هذا القاعدة.

وأمّا كون التلف بمنزلة الفسخ فمن جهة أنّ العقلاء يرون في موارد ثبوت الخيار ـ خصوصا في خيار الشرط وخيار الحيوان ـ أنّ ذا الخيار يتأمّل وينظر في أنّه هل إبقاء هذه المعاملة من صلاحه ، أو لا بل صلاحه حلّه وفسخه؟ فإذا تلف أحد العوضين فيما إذا كان التالف ما انتقل إلى ذي الخيار كما إذا كان الشرط للمشتري فقط وتلف المبيع ، وكما في خيار الحيوان إذا كان المبيع حيوانا ووقع التلف عليه عند‌

__________________

(١) « رياض المسائل » ج ١ ، ص ٥٢٨.

(٢) « مفتاح الكرامة » ج ٤ ، ص ٥٩٩.

١٣٣

المشتري كما هو مورد الروايات بناء على اختصاص خيار الحيوان بالمشتري فيما إذا كان المبيع حيوانا كما هو المشهور فلا يبقى مجال للتأمّل والنظر وقهرا تنفسخ المعاملة ، ويرجع الثمن إلى ملك من له الخيار أي المشتري ، ويذهب الثمن من كيس من ليس له الخيار أي البائع.

وحاصل ما ذكرنا : أنّ ملكيّة ذي الخيار لما دخل في ملكه بسبب المعاملة متزلزل ، وكذلك خروج ما خرج متزلزل متوقّف على بقاء ما دخل في ملكه ، فإذا وقع عليه التلف فقهرا تنفسخ المعاملة ، ولا يبقى مورد للتأمّل والنظر حتّى يختار الفسخ أو الإبرام ، فحكمة جعل الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام ، أو جعل الخيار والشرط من نفس المتعاقدين تقتضي أن يكون الضمان ـ أي المسمّى ـ ينتقل ثانيا ممّن ليس له الخيار إلى الذي له الخيار.

وفيه : أنّ هذا صرف استحسان لا يمكن أن يكون منشأ للحكم الشرعي. ومقتضى القواعد الأوّليّة ـ حيث أنّ المعاملة بالقبض تمّت وصار المبيع ملكا تامّا للمشتري وتلف في يده ـ أن لا يكون ضمان في البين أصلا ، ولا يكون المشتري ولا غيره ضامنا ، أمّا المشتري فلأنّ ماله تلف في يده على الفرض ، والإنسان لا معنى لأن يكون ضامنا لنفسه بواسطة تلف ماله عنده. وأمّا غيره ـ أي البائع ـ لأنّ غيره أجنبي هاهنا فمن جهة أنّ المعاملة والمعاوضة تمّت ومال كلّ واحد منهما انتقل إلى الآخر بعوض مال الآخر وما انتقل إلى المشتري تلف في يده فالبائع أجنبي عنه ، فلا وجه لأن يكون ضامنا لتلف مال شخص آخر في يد نفس ذلك الشخص.

نعم كان لذلك الشخص الآخر ـ أي المشتري مثلا وفي المفروض ـ خيار الفسخ لو كان يعمله وكان يفسخ لكان الثمن يرجع إليه ، وأين هذا من ضمان البائع بصرف التلف ومن دون الفسخ.

١٣٤

الجهة الثانية

في مفاد هذه القاعدة ومقدار دلالتها من حيث العموم والخصوص‌

فنقول : لو كانت هذه الجملة والكليّة أي جملة « التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له » بهذه الألفاظ واردة ومنصوصة ، أو كانت معقد إجماع لكانت شاملة للثمن والمبيع ، وأيضا كانت تشمل ذا الخيار مطلقا سواء كان خيار الحيوان أو الشرط أو غيرهما ، وذلك من جهة أنّ لفظ « الخيار » يشمل جميع الخيارات ، ولفظ « من لا خيار له » يشمل البائع والمشتري ، ولفظ « التلف في زمن الخيار » يشمل المبيع والثمن.

ولكن الأمر ليس كذلك ، أي هذه الجملة بهذه الألفاظ ليست مرويّة في خبر أو حديث ولا ممّا انعقد الإجماع على هذا العنوان بحيث يكون معقد الإجماع هذه الجملة بألفاظها حتّى يمكن التمسّك بإطلاق تلك الألفاظ ، بل المدرك لهذه القاعدة ليس إلاّ تلك الأخبار التي تقدّمت ، فلا بدّ من النظر والتأمّل في ظهورها وتشخيص ما هو المراد منها حتّى يعرف مقدار سعة دلالتها وشمولها.

فالبحث فيها من جهات :

الأولى : في أنّه هل مفادها ثبوت هذا الحكم مطلقا وفي أيّ خيار كان ، أو في خصوص خيار الحيوان وخيار الشرط؟

أقول : أمّا صحيحة ابن سنان فقوله عليه‌السلام في صدرها « على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ، ويصير المبيع للمشتري ، شرط له أم لم يشترط » ظاهر في خيار الحيوان فقط. وأمّا ذيلها ، أي قوله عليه‌السلام « وإن كان بينهما شرط أيّام معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع » ظاهر في خيار الشرط ، فالصحيحة صدرا وذيلا لا تدلّ على ثبوت هذا الحكم إلاّ في خيار الحيوان وخيار الشرط. وكذلك الأمر في سائر الروايات الواردة في هذا الباب لا تدلّ على ثبوت هذا الحكم إلاّ في خيار الشرط أو خيار الحيوان ، فإثباته في غيرهما من الخيارات يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

١٣٥

وأمّا تسرية الحكم منهما إلى غيرهما من الخيارات بتنقيح المناط فأشبه بالقياس ، فالحقّ أنّ هذا الحكم مختصّ بخياري الحيوان والشرط لا يشمل غيرهما ، وذلك من جهة ما قلنا إنّ هذا الحكم تعبّدي ومخالف للقواعد الأوّلية ، ولا بدّ من الوقوف على مورد النص وما هو الظاهر منه ، وقد عرفت أنّ ظاهر الروايات هو ثبوت هذا الحكم في خياري الشرط والحيوان دون سائر الخيارات ، وأيضا فيما إذا كان التلف عند المشتري والخيار له ، فيضمن البائع الذي ليس له الخيار.

وبعبارة أخرى : هذا الحكم في تلف المبيع عند المشتري لا تلف الثمن عند البائع ، كلّ ذلك من أجل ظهور الروايات التي وردت في هذا المقام فيما ذكرنا من حصر مورد القاعدة في خصوص خيار الحيوان أو الشرط بالنسبة إلى تلف المبيع عند المشتري لا تلف الثمن عند البائع.

والحاصل : أنّ الخيار إمّا خيار شرط وحيوان وإمّا سائر الخيارات ، وهذه القاعدة تجري فيهما دون سائر الخيارات ، وفي تلف المبيع عند المشتري دون تلف الثمن عند البائع ، كلّ ذلك لأجل ظهور الروايات فيما ذكرنا بعد الفراغ عن عدم كون هذا الحكم على مقتضى القواعد الأوّلية.

نعم ربما يقال بثبوت هذا الحكم ، أي شمول هذا القاعدة لخيار المجلس خصوصا إذا كان للمشتري دون البائع ، كما إذا أسقط البائع خياره ، لأنّه لو كان الخيار لكلاهما ـ أي البيّعان ـ فلا موضوع لهذه القاعدة ، لأنه ليس هناك من ليس له الخيار حتّى يكون ضمان التالف عليه ، فإتيان هذه القاعدة وشمولها لخيار المجلس ـ مع أنّه مجعول في أصل الشرع لكلا المتعاقدين ـ منوط بسقوط خيار أحدهما ، وهذا واضح معلوم.

فإذا فرضنا سقوط خيار البائع في خيار المجلس وبقاء خيار المشتري فقط فلو قبض المشتري المبيع في المجلس وتلف في يده في نفس المجلس فلو قلنا بشمول هذه القاعدة لخيار المجلس يكون الضمان على البائع ، لأنّه ليس له الخيار على الفرض‌

١٣٦

فيرجع الثمن إلى المشتري بدون رجوع شي‌ء إلى البائع.

واستظهر شيخنا الأعظم الأنصاري قدس‌سره من قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة ابن سنان « حتى ينقضي شرطه ويصير المبيع للمشتري » شمولها لخيار المجلس إذا كان للمشتري فقط دون البائع (١).

وتقريب استظهاره من هذه الفقرة هو أن ظاهر لفظ « الشرط » في الأخبار هو خيار المجلس ، فيكون مفاد الصحيحة أنّ ضمان المبيع على البائع حقّ ينقضي الشرط ، أي خيار المجلس الذي للمشتري ، فحينئذ أي بعد انقضاء خيار المجلس يخرج البائع عن الضمان ، أمّا قبله فيكون الضمان عليه وإن قبض المشتري المبيع في المجلس.

فالمناط في خروج البائع عن الضمان هو انقضاء خيار المشتري لا القبض ، بل قوله عليه‌السلام بعد ذلك « ويصير المبيع للمشتري » يظهر منه أنّ المناط في سقوط ضمان البائع هو صيرورة المبيع ملكا مستقرّا للمشتري بحيث لا يمكن له الفسخ ، ولو كان هذا هو مناط سقوط ضمان البائع وخروجه عنه فتشتمل القاعدة جميع الخيارات إذا كان للمشتري ، ولا اختصاص لهذا الحكم بخياري الحيوان والشرط وخيار المجلس ، لأنّ العلّة سارية في الجميع.

بل يمكن أن يقال بعدم الفرق بين البائع والمشتري في شمول هذا الحكم للبائع أيضا بواسطة هذا التعليل والمناط ، وهو صيرورته ملكا مستقرّا للمشتري بحيث لا يمكن سلبه عن نفسه بفسخ المعاملة ، نعم لا بدّ وأن يلغى خصوصيّة المشتري وكون التالف هو المثمن ، بل لو كان التالف هو الثمن بعد قبض البائع ولكن كان الخيار للبائع فقط فالضمان أيضا على من ليس له الخيار أي المشتري لأجل هذا التعليل أي عدم استقرار ملكيّة الثمن للبائع بحيث لا يمكن سلبه عن نفسه بواسطة فسخ المعاملة ، إذ المفروض أنّ خيار البائع موجود وله أن يفسخ ، فذلك الملاك والمناط ـ الذي كان في‌

__________________

(١) « المكاسب » ص ٣٠٠.

١٣٧

صورة خيار المشتري فقط مع تلف المبيع عنده وفي يده موجودا في هذه الصورة أي فيما إذا كان الخيار للبائع فقط مع تلف الثمن في يده موجود أيضا ، لأنّ الثمن التالف في يده وإن كان قبضه ولكن حيث أنّ خياره باق يمكن له الفسخ وسلبه عن نفسه ، فذلك التعليل آت هنا أيضا.

وبعبارة أخرى : سقوط ضمان البائع في تلك الصورة كان منوطا بانقضاء الخيار وصيرورة المبيع ملكا مستقرّا للمشتري بحيث لا يمكن أن يسلب عن نفسه بالفسخ ، وهذا المعنى متوقّف على انقضاء الخيار ، فقبل انقضائه لا يسقط ضمان البائع للمثمن ولو تلف في يد المشتري ، بل يكون في ضمانه ، فليكن سقوط ضمان المشتري أيضا إذا تلف الثمن في يد البائع منوطا بانقضاء خيار البائع ، ويكون قبل انقضاء زمان خياره في ضمان المشتري.

ولكن أنت خبير بأنّ هذا قياس محض.

واستشكل شيخنا الأستاذ قدس سرّه على هذا الوجه لتعميم هذه القاعدة وشمولها لجميع الخيارات ، سواء أكان أحد هذه الثلاثة ـ أي خيار الحيوان ، أو خيار الشرط ، أو خيار المجلس ـ أو كان غيرها من الخيارات ، بأنّ كلمة « حتّى » قلّما تستعمل في العلّية ، بل يكون معناها غالبا هي الغاية ، فلا تكون ظاهرة في العلّية لكي تكون القاعدة شاملة لجميع الخيارات ، بل وللثمن والمثمن (١).

ولكنّك خبير بأنّ معنى « حتّى » وإن كان غالبا هو انتهاء الغاية ـ كما صرّح بذلك ابن هشام في المغني (٢) ـ ولكن هاهنا قرينة التعليل موجودة ، وهو قوله عليه‌السلام « ويصير المبيع للمشتري » ، وفي الحقيقة جملة « حتّى تنقضي الشرط » توطئة لذكر العلّة التي هي في الحقيقة قوله عليه‌السلام « ويصير المبيع للمشتري » المترتب على انقضاء الخيار ، ولمّا كان‌

__________________

(١) « منية الطالب » ج ٢ ، ص ١٧٧.

(٢) « مغني اللبيب » ج ٢ ، ص ١٦٦.

١٣٨

صيرورة المبيع ملكا للمشتري ليس متوقّفا على انقضاء الخيار أيّ خيار كان فلا بدّ وأن يحمل على الملك المستقرّ الذي لا يمكنه أن يسلبه عن نفسه بأن يفسخ المعاملة.

ومعلوم أنّ مثل هذا الملك موقوف ومترتّب على انقضاء الخيار ، ففي الواقع علّل عليه‌السلام سقوط الضمان عن البائع بصيرورة المبيع ملكا مستقرا للمشتري.

والشيخ الأعظم الأنصاري قدس سرّه أيضا يشير إلى هذا المعنى بأن يقول ـ بعد قوله : بناء على أنّ المناط انقضاء الشرط الذي تقدّم أنّه يطلق على خيار المجلس ـ بل ظاهره أنّ المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري واختصاصه به ، بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه (١).

ثمَّ إنّه قدس سرّه يستشهد بكلام السرائر بما يؤيّد ما ذكرنا ، من أنّ العلّة استقرار الملك لا انقضاء الشرط ، وإنّما ذكر هو توطئة لذكر العلّة ، فافهم.

ثمَّ إنّ شيخنا الأستاذ قدس سرّه استشكل بإشكالين آخرين على تعميم هذه القاعدة بالنسبة إلى جميع الخيارات بواسطة هذا التعليل :

أولا : بأنّ هذه الجملة على فرض كونها علّة لهذا الحكم تقيّد التعميم لو كان علّة للمجعول لا للجعل والتشريع.

وثانيا : أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام « وإن كان الشرط أيّاما معدودة » أن يكون الشرط محدودا مضبوطا ، ففي هذه الصورة يأتي هذا الحكم. ومعلوم أنّ هذا المعنى لا ينطبق على غير خياري الحيوان والشرط ، إذ فيهما فقط الشرط يكون محدودا مضبوطا ، فخيار الحيوان محدود بثلاثة أيّام من طرف الشارع ، وخيار الشرط محدود من طرف المشروط له والمشروط عليه ، وما عداهما حتّى خيار المجلس ليس محدودا ، لأنّ أمد المجلس غير معيّن ، والمجالس تختلف قصرا وطولا ، فلا تشمل القاعدة خيار المجلس‌

__________________

(١) « المكاسب » ص ٣٠٠.

١٣٩

فضلا عن سائر الخيارات (١).

ولكنّك خبير بما فيهما :

أمّا في إشكاله الأوّل بأنّه لا شكّ في أنّ عدم صيرورة المبيع ملكا مستقرّا للمشتري وإمكان سلبه عن نفسه علّة للمجعول ، أي كون الضمان على البائع وإن كان تلف عند المشتري ، كما أنّ صيرورته كذلك علّة لسقوط الضمان ورفعه عن البائع ، ولا ينبغي التوهّم لكونها علّة لجعل الشارع هذا الحكم ، بل لم نفهم معنى محصلا لكونها علّة للجعل.

وأما في إشكاله الثاني : فإنّ قوله عليه‌السلام « وإن كان الشرط أيّاما معدودة » في مقام بيان ثبوت هذا الحكم في خيار الشرط ، ولا شكّ في أنّ خيار الشرط محدود مضبوط ، ولا ينافي كونه بصدد بيان خيار الشرط مع تسرية هذا الحكم إلى سائر الخيارات بواسطة عموم التعليل والمناط.

ثمَّ إنّ شيخنا الأعظم الأنصاري قدس سرّه استشكل على هذا الوجه الذي استظهره من ذيل صحيحة ابن سنان على التعميم لجميع الخيارات بقوله : وفي الاعتماد على هذا الاستظهار تأمّل في مقابلة القواعد ، مع أنّه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه ، لأنّ ظاهر الصحيحة الاختصاص بما إذا كان التزلزل وعدم كون المبيع لازما على المشتري ثابتا من أوّل الأمر ، كما يظهر من لفظة « حتّى » الظاهرة في الابتداء (٢).

ومراده من هذا الكلام :

أوّلا أنّ هذا الاستظهار من جهة مقابلته للقواعد الأوّلية المستفادة من أدلّة الأحكام ـ مع أنّه مخالف لها ـ لا يمكن الركون إليه ، إذ مقتضى القواعد الأوّلية أنّ مال شخص لو تلف في يده وعند نفسه لا يكون ضمانه على غيره ، ففي ما نحن فيه مثلا إذا‌

__________________

(١) « منية الطالب » ج ٢ ، ص ١٧٧.

(٢) « المكاسب » ص ٣٠١.

١٤٠