القواعد الفقهيّة - ج ١

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي

القواعد الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد حسن البجنوردي


المحقق: مهدي المهريزي
الموضوع : الفقه
الناشر: نشر الهادي
المطبعة: مؤسسة الهادي
الطبعة: ١
ISBN: 964-400-030-7
ISBN الدورة:
964-400-030-7

الصفحات: ٣٨٤

الشارع جعل الصفات أمارة على الحيضيّة ولو لم يكن في أيّام العادة. وكذلك في غير أيّام العادة لو كان بصفات الاستحاضة من كونه أصفرا باردا رقيقا فلا تجري القاعدة ؛ لأنّ الشارع جعل هذه الصفات في غير أيّام العادة أمارة الاستحاضة ، وكذلك فيما زاد على العشرة حكم الشارع بعدم حيضيّة ما زاد على العشرة ؛ لأنّ أكثر الحيض عشرة ، وكذلك ما زاد على العادة بشرط تجاوز الدم عن العشرة لحكم الشارع بأنّ ما زاد على العادة إن لم ينقطع على العشرة ليس بحيض.

وكذا لو كان التطويق أمارة كون الدم دم العذرة عند اشتباه دم الحيض بدم العذرة فلا تجري القاعدة إذا كان الدم مطوقة في القطنة. وكذلك إذا كان الخروج من جانب الأيمن كان أمارة على كونه دم القرحة ، أو خروجه من جانب الأيسر كان أمارة الحيضيّة ، ففي كلا الموردين لا مجال لجريان القاعدة ، وكذا في كلّ مورد كان الشكّ من جهة احتمال اعتبار قيد وجودي مفقود في الدم ، أو احتمال اعتبار قيد عدمي موجود فيه.

وبعبارة أخرى : في الشبهات الحكميّة لا تجري القاعدة ، وكذلك في مستدامة الدم بناء على رجوعها إلى الروايات بأن تأخذ في شهر ثلاثة وفي شهر سبعة ، أو ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها أو ترجع إلى التميّز بالصفات إن كانت ولم يكن الدم لونا واحدا ، ففي جميع ذلك لا مجال لجريان القاعدة : وبناء على كون القاعدة أصلا غير تنزيلي في كلّ مورد كان استصحاب الحيضية واستصحاب عدمها أيضا لا مجال لجريان القاعدة ؛ كلّ ذلك لأجل حكومة الأمارات والروايات على الأصول مطلقا ، والأصول التنزيلية على غير التنزيلية.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ موارد جريان القاعدة في خصوص الشبهات الموضوعيّة فيما إذا لم يكن أمارة أو أصل تنزيلي ، إذا قلنا بأنّها أصل غير تنزيلي ، سواء أكانت موافقة للقاعدة أو كانت مخالفة لها.

٤١

تذييل :

ربما يقال : بأنّه بعد القطع في دم يخرج من النساء بأنّه ليس بحيض ـ إمّا من جهة عدم فصل أقلّ الطهر بين هذا الدم والحيض السابق عليه ، أو من جهة تجاوزه عن العشرة ، أو من جهة كونه أقلّ من الثلاثة ، أو لأيّ جهة من الجهات المذكورة في محلّها ممّا لا يمكن أن يكون حيضا حسب القواعد المقرّرة في الشرع ـ إذا دار أمره بين أن يكون استحاضة أو دم آخر غير الحيض فيحكم بأنه استحاضة.

وكأنّهم بناءهم على أنّ الأصل في الدم الخارج عن فرج المرأة بعد القطع بعدم كونه حيضا أنّه استحاضة ، فهذا أصل ثانوي بعد عدم جريان قاعدة الإمكان وعدم أمارة كونه دم عذرة من تطويقه في القطنة التي تستدخلها في مخرج الدم.

وما قالوا في مقام الاستدلال على هذا الأصل الثانوي والقاعدة الطولية لتلك القاعدة أمور :

منها : أنّ الاستحاضة دم طبيعي بالنسبة إلى سائر الدماء بعد عدم كونه حيضا يقينا لخروجه عن العرق العاذل وتكوّنه في أغلب الأمزجة.

وفيه : أنّ كلّ حادث لا بدّ وأن يكون حدوثه من أجل وجود علّة ، وخروجه من العرق العاذل إن كان صحيحا لا بدّ وأن يكون لحدوث علّة قد توجد فتنعدم ، وإلاّ فلا بدّ وأن يدوم الخروج وتكون المرأة مستدام الدم ، فإذا شككنا في وجود تلك العلّة كيف يمكن الحكم بأنّ معلولها موجود؟

إلاّ أن يأتي دليل تعبّدي على أن المحتمل استحاضة ، وهذا أوّل الكلام.

وأمّا تكونه في أغلب الأمزجة لا يوجب إلاّ الظنّ بكونه استحاضة من باب الحمل على الأكثر ، ولا دليل على حجيّة مثل هذا الظنّ.

٤٢

منها : أنّ دم الاستحاضة أغلب من سائر الدماء.

وفيه : أنّه على فرض تسليم الصغرى يأتي فيه ما ذكرنا في جواب الوجه الأوّل ، من عدم الدليل على حجيّة مثل هذا الظنّ.

ومنها : أصالة عدم حدوث علة أخرى غير علّة الاستحاضة من الدماء الآخر.

وفيه : أوّلا معارضتها بأصالة عدم حدوث علّة الاستحاضة. ولا يمكن أن يقال في مقام دفع المعارضة بأنّ علّة الاستحاضة دائما موجودة فلا مجرى لأصالة عدمها ، وذلك من جهة أنّه لو كان الأمر كذلك لكان دم الاستحاضة دائميّا ، لعدم إمكان تخلّف المعلول عن علّته التامّة.

وإن قيل : بأنّ ما هو موجود دائما من قبيل المقتضى لا العلّة التامّة ، ولذلك قد يتخلّف ولا يجري دم الاستحاضة لعدم وجود سائر أجزاء العلّة التامّة من الشرائط وإعدام الموانع.

فنقول : تعود المعارضة وتجري أصالة العدم بالنسبة إلى تلك الشرائط وإعدام الموانع. هذا ، مضافا إلى أنّ إثبات كون الدم بأنّه دم استحاضة باستصحاب عدم حدوث علّة سائر الدماء عجيب كما هو واضح ، إلاّ على القول بصحّة الأصول المثبتة.

ثمَّ إنّه لا يخفى على فرض صحّة هذه القاعدة وأن يكون لها أصل فعند الشكّ يرتّب آثار الاستحاضة ، إمّا الكثرة أو القليلة أو المتوسّطة في موارد كثيرة من موارد الاشتباه ، كلّ واحدة من هذه الأقسام الثلاثة بالعلامات المعيّنة لها.

٤٣
٤٤

٣ ـ قاعدة

الإسلام يجبّ ما قبله‌

٤٥
٤٦

قاعدة الإسلام يجبّ ما قبله (*)

والكلام فيها تارة : في سندها ، وأخرى : في دلالتها وموارد جريانها.

أما الأوّل : فالأصل فيه الخبر المشهور المعروف المروي عند العامّة والخاصّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قوله : « الإسلام يجبّ ما قبله » (١).

وفي مجمع البحرين بزيادة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب » (٢) وفي المحكى عن أبي الفرج الأصبهاني ، وأيضا في المحكي عن سيرة ابن هشام ـ في حكاية إسلام مغيرة بن شعبة ـ أنّه وفد مع جماعة من بني مالك على مقوقس ملك مصر ، فلمّا رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق وفرّ إلى المدينة مسلما ، وعرض خمس أموالهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقبله ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا خير في غدر ». فخاف المغيرة على نفسه ، وصار يحتمل ما قرب وما بعد فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الإسلام يجبّ ما قبله » (٣).

وأيضا ذكر ابن سعد في كتابه « الطبقات الكبير » قصة إسلام مغيرة بن شعبة وغدره برفقائه من بني مالك ، وقتلهم وسلبهم أموالهم وفراره إلى المدينة وعرضه‌

__________________

(*) « الحق المبين » ص ٩٣ ؛ « عناوين الأصول » عنوان ٦٧ ؛ « خزائن الاحكام » العدد ٣٤ ؛ « مجموعه رسائل » ص ٤٨ ؛ « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة » ص ١٢٣ ؛ « القواعد » ص ٣٧ ؛ « القواعد فقهي » ص ٢٢٥ ؛ « القواعد الفقهية » ص ٢١٥ ؛ « القواعد الفقهية » ( فاضل اللنكرانى ) ج ١ ، ص ٢٥٧ ؛ « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج ٤ ، ص ١٧١ ؛ « قواعد الفقهية » العدد ٤٠ ، ص ١١٤.

(١) ٢ « عوالي اللئالي » ج ٢ ، ص ٥٤ ، ح ١٤٥ ؛ وص ٢٢٤ ، ح ٣٨ ؛ « مستند احمد بن حنبل » ج ٤ ، ص ١٩٩ و ٢٠٤ و ٢٠٥ ؛ « جامع الصغير للسيوطي » ج ١ ، ص ١٢٣.

(٢) « مجمع البحرين » ج ١ ، ص ٣٣٦ « جبّ ».

(٣) « الأغاني » ج ١٦ ، ص ٨٢ ، « السيرة النبويّة » ، ج ٣ ، ص ٣٢٨.

٤٧

أموالهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه عن أخذه ، وقال : « لا خير في غدر » ولكن قبل إسلامه ، وقال : « الإسلام يجبّ ما قبله ». (١)

وروى في البحار في ذكر قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إنّي طلّقت امرأتي في الشرك تطليقة ، وفي الإسلام تطليقتين فما ترى؟ فسكت عمر ، فقال له الرجل : ما تقول؟ قال : كما أنت حتّى يجي‌ء علي بن أبي طالب ، فجاء عليّ عليه‌السلام فقال : قصّ عليه قصّتك ، فقصّ عليه القصة فقال علي عليه‌السلام : « هدم الإسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة » (٢).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي قدس‌سره في تفسير قوله تعالى ( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى آخره (٣) ، فإنّها نزلت في عبد الله بن أبي أميّة أخي أمّ سلمة ـ رحمة الله عليها ـ وذلك أنّه قال هذا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة قبل الهجرة ، فلمّا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى فتح مكّة استقبله عبد الله بن أبي أميّة ، فسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يرد عليه‌السلام ، فأعرض عنه ولم يجبه بشي‌ء ، وكانت أخته أمّ سلمة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل إليها وقال : يا أختي إنّ رسول الله قبل إسلام الناس كلّهم وردّ عليّ إسلامي وليس يقبلني كما قبل غيري. فلمّا دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمّ سلمة قالت : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله سعد بك جميع الناس إلاّ أخي من بين قريش والعرب رددت إسلامه وقبلت الناس كلّهم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أمّ سلمة ، إنّ أخاك كذّبني تكذيبا لم يكذّبني أحد من الناس ، هو الذي قال لي ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ ) ـ إلى آخر الآيات ـ قالت أمّ سلمة : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألم تقل : إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « نعم » فقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إسلامه (٤).

__________________

(١) « الطبقات الكبرى » ج ٤ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٢) « بحار الأنوار » ج ٤٠ ، ص ٢٣٠ ، باب قضاياه صلوات الله عليه. ، ذيل ح ٩.

(٣) الاسراء (١٧) : ٩٠.

(٤) « تفسير القمّي » ج ٢ ، ص ٢٦.

٤٨

وفي السيرة الحلبيّة في المجلّد الثالث صفحة مائة وخمسة : أنّ عثمان لمّا شفّع في أخيه ابن أبي سرح قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أما بايعته وآمنته؟ » قال : بلى ولكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح ويستحي ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الإسلام يجبّ ما قبله » (١).

وأيضا فيها في صفحة مائة وستّة ، في المجلّد المذكور ، في إسلام هبار : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الإسلام يجبّ ما قبله » (٢).

وعن الطبراني : « الإسلام يجبّ ما قبله والهجرة تجبّ ما قبلها » (٣).

وممّا ذكرنا ، ومن شهرة هذا الحديث بين الفريقين ، يثق الإنسان بصدوره عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو موضوع الحجيّة ، فلا إشكال فيه من ناحية السند.

وأمّا الكلام فيه من ناحية الدلالة‌ ، فما هو الظاهر المتفاهم العرفي من هذه الجملة هو أنّ ما صدر عن الكافر في حال كفره من قول أو فعل بل ما كان له من اعتقاد يترتّب على ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ضرر أو عقوبة عليه ، بحيث يكون ذلك الضرر من آثار ما ذكر في الإسلام لا في حال الكفر ، فالإسلام يقطع بقاء ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ، ويجعله كالعدم وبلا أثر.

فباب الضمانات والديون في حال الكفر خارج عن مفاد الحديث : لأنّ تلك الأمور ثابتة في حال الكفر ، وليست من الآثار التي تثبت في حال الإسلام لتلك الأمور دون حال الكفر.

وبعبارة أخرى : هذا الكلام صدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقام الامتنان على من يسلم ، وأيضا لترغيبه في قبول الإسلام ، وأن لا يخاف من الأقوال أو الأفعال التي صدرت عنه في حال كفره ، كما يشهد بذلك وروده خوف هبار بن أسود ، ومغيرة بن شعبة ممّا‌

__________________

(١) « السيرة الحلبيّة » ج ٣ ، ص ١٠٥.

(٢) المصدر ، ص ١٠٦.

(٣) نقله عن الطبراني في « جامع الصغير » ص ٣٦.

٤٩

فعلاه في حال الكفر. وأيضا من قضية شفاعة عثمان لأخيه من الرضاعة ابن أبي السرح. وأيضا من استدلال أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ لأخيها عبد الله بن أبي أميّة بقولها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا قلت إنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

وحاصل الكلام : أنّ الأفعال أو الأقوال التي تصدر من الكافر في حال كفره إن كانت يترتّب على ذلك الفعل أو القول الصادر عنه في حال كفره أثر في الإسلام يكون ضررا عليه ، بمعنى أنّه ذلك الفعل أو ذلك القول لو كان يصدر عنه في حال الإسلام لكان يعاقب ، كما أنه لو زنى أو شرب الخمر أو قتل مسلما وكذا في غير ما ذكر من الأفعال المحرمة شرعا التي على من يرتكبها عقاب من تعزير أو حدّ أو قصاص أو دية فالإسلام يقطع ما قبله ويجعله كالعدم ، بمعنى رفع آثاره.

فلو سرق في حال الكفر لا يقطع يده ، أو قتل مسلما لا يقاد ، أو زنى محصنا لا يرجم ، أو سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الله جلّ جلاله لا يقتل ؛ كلّ ذلك لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

وحيث أنّ الحديث في مقام الامتنان لا بدّ وأن يكون الرفع وجعل الفعل والقول كالعدم بالنسبة إلى الآثار التي في رفعها امتنان.

وما ذكرنا جار بالنسبة إلى التروك أيضا ، أي مفاد الحديث أنّ ترك الفعل الذي له أثر في الإسلام لا في حال الكفر ، بمعنى أنّه لو كان على تركه أمرا في حال الكفر يترتّب أثر عليه في الإسلام ، أي لو كان هذا الترك منه في حال الإسلام كان عليه كذا فالإسلام أيضا يرفع أثر ذلك الترك إذا كان في رفعه امتنان. مثلا بناء على أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع ـ كما هو الصحيح ـ فتركهم للعبادات كالصلاة والصوم والزكاة لو كان في حال الإسلام كان يجب عليه قضاء ما فات ، وبالنسبة إلى الصوم كان يجب عليه الكفّارات أيضا ؛ لأنّه تعمد الإفطار في نهار شهر رمضان من غير عذر ، ولكن حيث صدرت هذه التروك عنه في حال الكفر فهذه الآثار التي في رفعها امتنان‌

٥٠

مرفوعة.

ومن أوضح الواضحات أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكلّف أحدا من أصحابه الذين تركوها بقضاء عبادات التي فاتت عنهم أيّام كفرهم ، وكذلك الزكاة مع أنّ العين الزكويّة كانت موجودة عندهم لم يطلب من أحد منهم من الذين آمنوا بعد تشريع الزكاة زكاة السنين التي كانوا على الكفر بعد تشريع الزكاة.

نعم لو كان حلول الحول بعد إسلامه فلا يسقط ويجب عليه ، لأنّ توجيه الخطاب بإيتاء الزكاة إليه في حال الإسلام ، فلا وجه لسقوطها. وأما لو كان زمان التعلّق قبل أن يسلم فالإسلام يجعل هذا التعلّق وثبوت هذا الحقّ للفقراء كالعدم.

وبعبارة أخرى : سقوط هذا الحقّ بأحد أمرين : إمّا بالأداء ، أو بالإسلام.

وأمّا الإشكال على ما ذكرنا في معنى الحديث بأنّه يلزم منه تخصيص الأكثر ، إذ لا ريب في بقاء عقوده وإيقاعاته.

ففيه : أنّ هذه الأمور خارجة عن مجرى الحديث ومصبّه بالتخصّص ، لا بالتخصيص حتّى يلزم تخصيص الأكثر ؛ وذلك من جهة ما ذكرنا أنّ هذا الحديث حيث أنّه في مقام الامتنان وترغيب الناس إلى الإسلام فالظاهر من مفاده هو أنّ كلّ فعل أو قول أو اعتقاد يكون من آثاره في الإسلام ضرر عليه فالإسلام يجعله كالعدم ، وكذلك لو ترك أمرا وكان من آثار تركه ذلك الأمر في الإسلام لزوم تداركه بقضائه أو أدائه فالإسلام يرفع لزوم تداركه قضاء أو أداء ، كقضاء العبادات الفائتة عنه ، وأيضا كأداء زكاة ماله مع بقاء عينه ولكن بشرط توجّه الخطاب إليه حال الكفر ، لا حال الإسلام. بمعنى كون زمان تعلّق الزكاة وحصول شرائطها بتمامها حال الكفر ، بحيث لو كان مكلّفا الآن في حال الإسلام يكون منشأ تكليفه ذلك الخطاب المتوجّه إليه حال كفره.

وأنت خبير بأنّ مثل هذا المعنى للحديث إمّا لم يرد عليه تخصيص أصلا ـ فضلا‌

٥١

عن أن يكون تخصيص الأكثر ـ وإمّا أن يكون في غاية القلّة.

وأمّا مسألة عقوده وإيقاعاته وديونه وجميع ضماناته في حال كفره لو كان فيها ضرر أو حرج أو ضيق أو مؤاخذة فليس من ناحية الإسلام ، بل تلك الآثار كانت ثابتة عليه مع قطع النظر عن الإسلام ، فهي خارجة عن مفاد الحديث بالتخصّص.

وعلى هذا يدلّ أيضا ما ذكره في البحار في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل طلّق امرأته في الكفر مرّة واحدة ، وفي الإسلام تطليقتين ، فقال عليه‌السلام في جوابه : « إنّك على واحدة هدم الإسلام ما قبله » (١) وذلك من جهة أنّ حرمة المطلّقة ثلاثا حكم ثابت في الإسلام ، فإن أوجد السبب في الإسلام يترتّب هذا الحكم عليه ، وأمّا إن أوجد تمام السبب أو بعضه في حال الشرك فلا يترتّب عليه ، بل لا بدّ من إيجاد تمام السبب في حال الإسلام ، فإن أوجد بعض السبب في حال الشرك وبعضه في حال الإسلام فلا بدّ من إتمام ذلك البعض في حال الإسلام كي يترتّب عليه الأثر ؛ ولذا قال عليه‌السلام : « هي عندك على واحدة » لأنّ التطليقة الواقعة في حال الشرك لا أثر لها بالنسبة إلى هذا الحكم الثابت في الإسلام.

وخلاصة الكلام في المقام : أنّ مفاد الحديث بحسب المتفاهم العرفي مؤيّدا بحكم أمير المؤمنين عليه‌السلام في المورد المذكور ـ أي في تطليقة حال الشرك وتطليقتين في حال الإسلام ـ بعدم ترتّب الأثر على الطلاق الواقع في حال الكفر بالنسبة إلى هذا الأثر الذي له في الإسلام أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ممّا لو كان مسلما لكان هذا الأثر يترتّب على فعله أو قوله أو عقيدته ، فينتج أنّ الكافر لو أسلم وكانت ذمّته مشغولة بشي‌ء ـ من طرف ما ارتكبه في حال الكفر ، وكان اشتغال ذمّته من ناحية الإسلام لا من ناحية كفره ـ فإسلامه موجب لسقوط ما في ذمّته.

وبناء على هذا جميع العبادات التي فاتت منه في حال كفره وشركه من الصلاة‌

__________________

(١) « بحار الأنوار » ج ٤٠ ، ص ٢٣٠ ، باب قضاياه صلوات الله عليه. ، ذيل ح ٩.

٥٢

والزكاة والخمس والصيام حتّى الحجّ فيما إذا كان مستطيعا حال كفره واستقرّ عليه ولم يؤدّه فصار غير مستطيع وبعد ذلك أسلم فإذا أسلم يسقط جميع ذلك عنه بسبب جبّ الإسلام ما قبله.

فظهر أنّه بناء على ما ذكرنا في معنى الحديث أنّ ما هو من حقوق الله تعالى مطلقا ـ سواء أكان بدنيّا فقط ، أو ماليا فقط ، أو كان مركّبا منهما ، فالأوّل كالصلاة ، والثاني كالزكاة ، والثالث كالحجّ وليس للمخلوقين مدخل وحقّ فيه إذا لم يكن معتقدا به في حال الكفر بل اعتقاده به يكون من ناحية إسلامه وبعده ـ فكلّها تسقط بالإسلام ، ولا يكون عليه شي‌ء ، ولا قضاء فيما فيه القضاء لو كان الفوت في حال الإسلام لجبّ الإسلام ما قبله.

هذا فيما إذا لم يكن هذا الحكم من معتقداتهم في دينهم قبل أن يسلموا.

وأمّا لو كان كذلك ، أي كانوا معتقدين به حال كفرهم لكونه من دينهم أيضا ، فيكون ذلك الحكم مشتركا بين دينهم والإسلام ، وذلك قد يكون في العبادات ، وقد يكون في غيرها. أمّا في العبادات كما لو كان في حال كفره نذر أن يصوم يوما ، أو يتصدّق بكذا قربة إلى الله ، فخالف ولم يفعل ، وفرضنا أنّ الوفاء بالنذر واجب في دينه أيضا ، وكذا يجب القضاء في دينهم لو لم يأت بالنذر المعيّن الموقّت ، فهل الإسلام يجبّ وجوب القضاء أو الأداء عليه أم لا؟

فبناء على ما استظهرنا وذكرنا في معنى الحديث من أنّ المراد منه أنّ ما كانت ذمّته مشغولة حال كفره بحكم الإسلام لا بحكم دينه فالإسلام يجبّ ذلك الاشتغال ، وأمّا لو كان اشتغال ذمّته من ناحية دينه ـ وإن كان الإسلام أيضا في هذا الحكم موافقا مع دينه ـ فلا يشمله الحديث ، فلا يجبّ الإسلام مثل ذلك الحكم.

اللهمّ إلاّ أن يقال :

إنّ لزوم إتيانه الآن بعد أن أسلم قضاء أو أداء مستند إلى ثبوت وجوب الأداء

٥٣

أو القضاء عليه من ناحية الإسلام ، وإلاّ فهو بعد أن أسلم يرى ذلك الحكم باطلا لو لا أنّ الإسلام يقرّه ويمضيه ، فيكون الآن اشتغال ذمّته به حتّى في ذلك الوقت بحكم الإسلام في نظره واعتقاده ، لا من جهة دينه السابق ؛ لأنّه الآن يرى أنّ ذلك الدين كان باطلا من أصل أو كان منسوخا.

وأمّا في غير العبادات ـ كما لو كان دية قتل الخطأ ، أو الجرح والجناية على أعضاء الغير ولو كان عن عمد ، فيما إذا رضي المجني عليه بالدية ثابتا في دينه السابق قبل أن يسلم ـ فشمول الحديث لمثل هذا المورد مشكل جدّا.

أمّا أوّلا : لما ذكرنا في استظهار المراد من الحديث أنّه عبارة عن أنّ ما صدر عنه من قول أو فعل أو كان له عقيدة كلّ ذلك إن كان قبل أن يسلم وكان من أحكام الإسلام ـ ترتّب ضرر أو مشقة أو عقوبة على ذلك القول أو على ذلك الفعل أو على تلك العقيدة ـ فالإسلام يرفع ذلك الأثر والضرر.

والمفروض أنّ في المفروض والمورد ليس من هذا القبيل ، بل كان هذا الأثر والضرر يترتّب على قوله أو فعله حتّى في دينه ، وما احتملناه ووجّهنا به الجبّ في نظيره في العبادات لا يخلو من نظر وإشكال ، كما هو غير خفيّ على الناقد البصير.

وثانيا : قلنا إنّ هذا الحديث في مقام الامتنان ، والجبّ في المفروض وإن كان امتنانا على الفاعل لكنّه خلاف الامتنان في حقّ المجني عليه.

ولكن ورد أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّ كلّ دم كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين » (١) مع أنّهم كانوا معتقدين بالقصاص والدية في الجاهليّة. غاية الأمر كان دية الأشخاص مختلفة عندهم ، حتّى أنّ دية بعض الطبقات كان ألف بعير ؛ فمع أنّهم كانوا معتقدين بها أسقطها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الإسلام وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تحت قدمي هاتين ».

وأيضا يظهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمغيرة بن شعبة ـ بعد أن غدر بأصحابه وقتلهم وأخذ‌

__________________

(١) « الكافي » ج ٨ ، ص ٢٤٦ ، ح ٣٤٢ ؛ « سنن ابن ماجه » ج ٢ ، ص ١٠٢٣ ، كتاب المناسك ، باب ٨٤ ، ح ٣٠٧٤.

٥٤

أموالهم : « إنّ الإسلام يجبّ ما قبله » فخاف فاطمأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الكلام ـ أنّ الإسلام يجبّ ما قبله من آثار فعله الذي صدر عنه حال الكفر ، ولو كانوا معتقدين بترتّب ذلك الأثر حال الكفر (١).

وهذا المعنى أيضا يناسب ما قيل في وجه صدور هذا الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن مع ذلك كلّه لا يمكن الالتزام بهذا المعنى في جميع التزاماتهم ، من عقودهم وإيقاعاتهم وسائر معاملاتهم ولو كان موافقا للامتنان.

فالأولى أن يقال في أمثال هذه الموارد التي ذكرناها أنّ عدم القصاص والدية لدليل خاصّ ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « كلّ دم كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين ».

والحاصل : أنّ مقتضى ما ذكرنا واستظهرناه في معنى الحديث أنّه لو وطأ امرأة ذات بعل في حال الكفر ، أو وطأها في عدتها في تلك الحال أنّه ترفع حرمة نكاحها للواطئ بإسلامه. وكذا لو زنى بامرأة فحرمة بنتها وأمّها ترتفع بإسلامه لو كان وقوع الزنا في حال الكفر. وكذا لو أوقب غلاما في حال الكفر ترتفع حرمة نكاح أمّه وأخته وبنته بإسلامه ؛ كلّ ذلك لأنّ « الإسلام يجبّ ما قبله ». وكذلك كلّ ما هو موجب لحدّ أو تعزير إذا صدر عنه في حال الكفر فالإسلام يجبّ ذلك الفعل أو القول الذي كان موجبا للحدّ لو لم يسلم ، كما إذا زنى أو لاط أو سرق أو غير ذلك من الجرائم التي توجب الحدّ أو التعزير.

وأمّا مسألة الأحداث الموجبة للحدث الأكبر كالجماع ، أو الحيض ، أو النفاس فحيث أنّ الشارع جعل الطهارة شرطا لأشياء كالصلاة والطواف ومس المصحف مثلا ، فتلك الأحداث التي صارت سببا لصيرورته محدثا حيث أنّ آثارها لا ترتفع إلا بالغسل أو الوضوء أو التيمم كلّ في محلّه ومع شرائطه ، فبعد إسلامه ـ إذا أراد إيجاد ما هو مشروط بالطهارة ـ لا بدّ وأن يتطهّر من ذلك الحدث بأحد الطهارات الثلاث ، أي‌

__________________

(١) « الطبقات الكبرى » ج ٤ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

٥٥

الغسل والوضوء والتيمم كلّ في محلّه ومع شرائطه ؛ وذلك لعدم إمكان امتثال ما هو مشروط بالطهارة بدونها ، ولا وجه لإجراء قاعدة « الإسلام يجبّ ما قبله » في هذا المقام أصلا ، ولا أثر لها لإثبات الشرط ووجوده ، كما أنّ الرضاع الحاصل في حال الكفر يوجب حصول أحد العناوين المحرّمة كالأمومة والبنتيّة والأختيّة وغير ذلك من العناوين المذكورة في الآية الشريفة ، وإذا حصل أحد هذه العناوين فأسلم فإسلامه لا يمكن أن يرفع الحرمة عن أخته الرضاعي أو أمّه كذلك ، وكذلك في سائر العناوين المحرّمة المذكورة في الآية.

كما أنّه لم يتوهّم أحد أنّ هذه العناوين إذا حصلت في حال الكفر عن النسب فأسلم لا يوجب رفع التحريم ، فكذلك الأمر فيما إذا حصل من الرضاع.

والسرّ في ذلك أنّ هذه العناوين إضافات تكوينيّة قد تحصل بواسطة الولادة ، وقد تحصل بواسطة الرضاع ، وقد جعلها الشارع موضوعا لحرمة نكاحهنّ على من اتّصف بأنّهنّ أمّا أمّه أو أخته أو بنته أو عمّته أو خالته إلى غير ذلك ، وإذا وجد الموضوع وأحرز وجوده وجدانا أو تعبّدا فيترتّب عليه الحكم قهرا.

نعم لو كان معنى الحديث أنّ الفعل الصادر في حال الكفر بمنزلة العدم حتّى بالنسبة إلى آثاره التكوينيّة ، فحينئذ كان من الممكن أن يقال إنّ الرضاع الواقع في حال الكفر أو الولادة أو أسبابها الواقعة في تلك الحال لا أثر لها ، كما أنّه قيل في الولادة من الزنا كذلك.

وخلاصة الكلام في المقام أنّه بعد ما ثبت صدور هذا الحديث بواسطة الوثوق الحاصل من نقل هؤلاء يجب الأخذ بما هو مفاده ، أي ما هو الظاهر منه بحسب المتفاهم العرفي ، إلاّ أن يأتي دليل من إجماع أو رواية معمول بها يكون مخصّصا له في مورد ، أو يكون حاكما عليه في ذلك المورد.

وقد عرفت ما هو الظاهر من الحديث بحسب المتفاهم العرفي وذكرناه ، فلا نعيد.

٥٦

٤ ـ قاعدة

القرعة‌

٥٧
٥٨

قاعدة القرعة (*)

ومن جملة القواعد الفقهيّة هي قاعدة « القرعة » ، فلا بدّ وأن نبحث فيها من جهات حتّى يتبيّن الحال.

الجهة الأولى

في بيان أدلة القرعة من الكتاب والإجماع والسنة‌

أمّا الكتاب :

فمنها : قوله تعالى في قضيّة النبي يونس عليه‌السلام ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (١).

ومنها : قوله تعالى في قصّة مخاصمتهم في تكفّل مريم واقتراعهم لذلك ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (٢). والقصّتان وشرحهما مذكورتان في التفاسير فراجعها.

فالأوّل المراد من المساهمة هو الاقتراع ، أعني أنّ النبي يونس عليه‌السلام اقترع معهم فكان من المغلوبين.

__________________

(*) « القواعد والفوائد » ج ٢ ، ص ٢٢ و ١٨٤ ؛ « الحق المبين » ص ١٠٢ ؛ « عوائد الأيام » ص ٢٢٤ ؛ « عناوين الأصول » عنوان ١١ ؛ « خزائن الأحكام » العدد ٥ ؛ « مجموعه رسائل » ش ٢٠ ، ص ٤٨١ ؛ « اصطلاحات الأصول » ص ١٩٤ ؛ « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنة » ص ١٠٦ ؛ « القواعد » ص ١٩٥ ؛ « قواعد فقهي » ص ٩٧ ؛ « قواعد فقهية » ص ١٨٧ ؛ « القواعد الفقهية » ( فاضل اللنكرانى ) ج ١ ، ص ٤٢١ ، « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج ١ ، ص ٣٢٤ ؛ « قواعد الفقيه » العدد ٣٩ ، ص ١١٠.

(١) الصافات (٣٧) : ١٤١.

(٢) آل عمران (٣) : ٤٤.

٥٩

والثاني في بيان كيفية اقتراعهم ـ في أنّه من هو أحقّ بأن يتكفّل مريم ، وذلك أنّ زكريّا عليه‌السلام قال لهم : أنا أحقّ بها ، عندي خالتها فقالوا : لا حتّى نقرع عليها ، فانطلقوا إلى نهر الأردن فألقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي على أنّ من ارتفع قلمه فوق الماء فهو أحقّ بها. وقيل : إنّ أقلامهم كانت من الحديد ، فألقوا أقلامهم ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرة يرتفع قلم زكريّا عليه‌السلام وترسب أقلامهم.

وأمّا الأخبار الواردة في هذه القاعدة عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام‌، فادّعى تواترها ، ولا يبعد أن يكون التواتر المعنوي ثابتة فيها ؛ لكثرة ما ورد فيها من الأخبار العامّة التي لا اختصاص لها بمورد خاصّ ، بل مطلق تشمل جميع الموارد المجهولة أو المشتبهة أو المشكلة على اختلاف ألسنتها ، من الأخبار الخاصّة الواردة في موارد خاصّة.

ونذكر جملة من الطائفتين :

فمن الطائفة الأولى : رواية محمد بن حكيم المروي في الفقيه والتهذيب ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القرعة في أي شي‌ء؟ فقال لي : « كلّ مجهول ففيه القرعة ». قلت له : إنّ القرعة تخطئ وتصيب ، قال : « كلّ ما حكم الله به فليس بمخطئ » (١).

ومنها : أيضا المرسل في الفقيه : « ما تقارع قوم فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج بهم المحقّق » ، وقال عليه‌السلام : « أيّ قضيّة أعدل من القرعة ، إذا فوّض الأمر إلى الله أليس الله تعالى يقول ( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) » (٢).

منها : ما في دعائم الإسلام ، عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام أنّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل.

__________________

(١) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٩٢ ، باب الحكم بالقرعة ، ح ٣٣٨٩ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢٤٠ ، ح ٥٩٣ ، باب البينتين يتقابلان أو. ح ٢٤ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٨٩ ، أبواب كيفية الحكم الدعاوي ، باب ١٣ ، ح ١١.

(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٩٢ ، باب الحكم بالقرعة ، ح ٣٣٩١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٩٠ ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي ، باب ١٣ ، ح ١٣.

٦٠