نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٤٠

باشا لحلب شهرين. وفي سنة ١٠٤٧ كان والي حلب بويني أكري محمد باشا صاحب الوقف المشهور به في حلب. وفي سنة ١٠٤٨ في حادي عشر ربيعها الأول وصل إلى حلب السلطان مراد خان وبقي فيها ستة عشر يوما ثم رحل عنها إلى استانبول. وكان قدومه إلى حلب من بغداد. وفيها قتل في حلب عشرون شخصا أحس بهم الحاكم أنهم يشربون الدخان سرا.

وفي سنة ١٠٥٠ ولي حلب حسين باشا نصوح باشا زاده. وفي سنة ١٠٥٣ عزل عن حلب حسين باشا المذكور ، وسبب عزله أنه صار ذا ثروة عظيمة فحسده بعض أقرانه وأشاع لدى الحضرة السلطانية بأنه عازم على العصيان فعزله عن حلب وجرى له بعد عزله مصافّ في قرب «أسكدار» مع العساكر السلطانية. انكسر عسكره وقتل. وولي حلب بعده سبارش باشا. فبقي في حلب أياما وأساء السيرة جدا حتى جهز الحلبيون وفدا إلى استانبول للشكاية عليه ، فعزل عن حلب في رمضان هذه السنة ، ووليها جعته لرلي عثمان باشا. وفي سنة (١٠٥٤ ه‍) قدم السلطان إبراهيم خان إلى أدرنة وولي حلب إبراهيم باشا سلحدار الخاصة.

فساد العرب والإيقاع بهم :

وفيها كثر فساد العرب في نواحي حلب وانقطعت السابلة ، وكان أمير هؤلاء العرب المتمردة الأمير عساف ، وكان له من قبل الدولة راتب معلوم. ولما زاد طغيانهم أراد إبراهيم باشا والي حلب أن يعمل الحيلة في القبض على عسّاف المذكور ، وكان يريد أن يعزله عن إمرة العرب إلا أنه رأى ذلك لا يجديه نفعا فإن عسافا لا يعترف بالعزل في ذلك الحين. ثم إن إبراهيم باشا خطر له أن يرسل إلى عساف رسولا يدعوه إلى ضيافة يصنعها له في حلب ، فقال له الرسول : إن عرب البادية لا تأوي المدن بل ولا ما قاربها. فأمر إبراهيم باشا أن تصنع وليمة حافلة في قرب حلب على بعد خمس ساعات منها تقريبا. ثم سار الباشا إلى محل الضيافة بالمهمات والعساكر ومعه الهدايا ، وأشاع أن هذه الوليمة مصنوعة إلى سلطان البر يعني به عسافا.

وكان الرسول قد سبق إلى الأمير عسّاف ودعاه إلى هذه الضيافة فأجابه إليها بعد أن استوثق منه على عدم الغدر ، وعاد الرسول إلى ابراهيم باشا وأخبره وحذّره من الغدر بالأمير

٢٢١

عساف في خصوص هذه الضيافة. وكان الأمير عساف قد تجهز للقدوم على هذه الضيافة ومعه جمّ غفير من العربان خوفا من أن يغدر به الباشا. ولما وصل إلى محل الضيافة غدر به الباشا وأراد أن يقتله ، فاستدرك الفرط (١) وانفلت من قبضته وعاد إلى أشد ما كان عليه من الإفساد وقطع الطريق. ولما سمعت الدولة بغدر إبراهيم باشا وعدم وفائه وسوء تدبيره عزلته عن حلب وولّت مكانه درويش باشا المعزول عن ولاية بغداد. فقدم حلب وتلافى خطر العربان الذي كان من أهم الأمور في ذلك الزمان ، وأرسل من قبله رسولا يدعو عسافا بالرفق واللين إلى طاعة السلطان ، وجهز معه هدايا ثمينة لعساف. وكان الرسول في ذلك علي آغا كجك ، جدّ مصطفى نعيما الحلبي صاحب تاريخ الروضتين (وجدّ الأسرة الشهيرة في حلب باسم راغب زاده القاطنة في محلة السفاحية).

فوصل الرسول المذكور إلى عساف وبسط له الكلام وتلطف به ووبخه على عصيانه وعظّم من أمره وأمر هذه العشيرة المعروفة بعشيرة أبي ريش ، وقال له : لا ينبغي ولا يليق بأدنى فرد من أفراد هذه العشيرة أن يشهر على السلطان العصيان. فأجابه عساف بقوله : يا علي والله ما لي ذنب في هذا العمل وإنما الذنب فيه لإبراهيم باشا. ثم إن عسافا استدعى بثلاثة دروع كان لبسها في يوم الضيافة وصار يري علي آغا الثقوب التي حصلت من إطلاق الرصاص ، وكانت إحدى الرصاصات قد ثقبت الدرع ووصلت إلى بدنه ، فحلف له الأمير عساف أن جرح هذه الرصاصة بقي يبصق منه الدم شهرين. فسلّاه علي آغا وذكر له أن الدولة لم تعزل إبراهيم باشا إلا لما أجراه معك من الغدر. فرضي حينئذ عساف وتعهد لعلي آغا بالأمن والأمان ، وأهداه مقدار عشرة خيول وجهز معه إلى الدولة عدة خيول وأعطاه حوالة على حلب بألفي ذهب للدولة.

وفي سنة ١٠٥٦ ولي حلب ملك أحمد باشا كما يفهم من حديقة الوزراء. وفي شعبان سنة ١٠٥٧ ولي حلب أحمد باشا الدباغ كتخدا موسى باشا. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب أبشير باشا ، نقل إليها من دمشق فبقي بها أشهرا ، ثم صرف عنها في أوائل سنة ١٠٥٨ وولي مكانه موستاري مصطفى باشا. وفي ذي الحجة سنة ١٠٦٠ ولي حلب أبشير باشا وهذه هي الولاية الثانية ، ولم يتيسر له أن يتناول منشور الولاية إلا في أوائل سنة ١٠٦١

__________________

(١) أي بادر مسرعا.

٢٢٢

وعند ما أخذه كان في استانبول فتوجه إلى حلب ودخلها في ربيع الأول من السنة المذكورة. قال نعيما في وقائع سنة ١٠٦٢ ما معناه : إن أبشير باشا كان في مبدأ أمره على جانب عظيم من الصلاح حتى كان يظن فيهه أنه ولي من أولياء الله تعالى ، ومع هذا فقد كانت أتباعه غاية في الظلم والجور ولاقى الناس في زمانه من الجور والعسف ما لم تلقه في زمن غيره. ثم إن أبشير باشا سرى مسرى أتباعه وشغب في جمع المال وصادر الناس ، وساءت سيرته واشتهر ظلمه وانعكست أفكاره وصار يظهر منه حمق عجيب ، وفشا الظلم في أيام ولايته الصدارة العظمى ، وجارت الولاة ولاقت حلب من طيار باشا ظلما عريضا.

وفي سنة ١٠٦٥ قتل أبشير باشا بعد أن ولي الصدارة ، وكان على جانب عظيم من الغنى والثروة بحيث لم يكن له مثيل في عصره. ومع هذا فلم يبق له أثرا غير الوقف الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الشمالي من الجزء الثاني. ولم يزل أبشير باشا واليا بحلب حتى اجتمعت رجال الدولة على أن يكون صدرا أعظم وذلك في أواخر سنة ١٠٦٤ ووافق السلطان على ذلك وأرسل إليه الختم مع أمنائه ، فوصلوا إلى حلب في غرة محرم سنة ١٠٦٥ وفي أواخر محرّم توجه إلى دار السعادة وتقلد منصب الصدارة ، وعندما رحل من حلب ولي عليها مكانه مصطفى باشا طيار زاده بدراهم أخذها منه لنفسه ولغيره.

حصار السيد أحمد باشا حلب :

وفي سنة ١٠٦٦ ولي الصدر الجديد حلب السيد أحمد باشا ، وكان من المشهورين بالجور والظلم. فسمع به الحلبيون ولم يقبلوه وزادهم فيه بغضا مصطفى باشا والي حلب الذي لم يبرح منها ، فإنه لما سمع بقدوم السيد أحمد باشا إلى حلب جمع إليه أعيان البلدة ورؤساءها وكبارها وصغارها وحذرهم من السيد أحمد باشا وخوّفهم من ظلمه وجوره ومصادرته الناس ، وذكر لهم غير ذلك مما انطوى عليه من الأمور المنفّرة للقلوب. فنفروا من السيد أحمد باشا ووعدوه بالمساعدة والمعاضدة عليه. أما أحمد باشا فإنه أرسل متسلّما من طرفه إلى حلب فطرده الحلبيون عنها وشحنوا القلعة بالمهمات والعدّة والعدد واستعدوا لمدافعته أو تذهب أرواحهم. وكان أحمد باشا قد وصل إلى حلب فأخبره متسلّمه عن جميع ما فعله الحلبيون فغضب غضبا شديدا وحاصر حلب وقطع القناة وضايقها مضايقة شديدة وخرب أكثر مباني البلدة الخارجة عن السور وأحرق شيئا كثيرا من البساتين وكان

٢٢٣

يقاتل حلب قتال مكتف مؤنة الأكل والشرب وغيرهما ، والحلبيون يقاتلونه قتال مضطر إلى شربة ماء فضلا عن الطعام.

وامتدت المحاصرة شهرين كاملين فاضطرب الحلبيون اضطرابا عظيما وقد أصبحت الأمور قوضى في حلب ، وقام الدعّار ينهبون الدكاكين ويتعرضون لبعض البيوت ، وكان رؤساء البلدة قد كتبوا إلى الدولة يلتمسون منها غير هذا الوالي ويشتكون من فعله معهم ، فكتبت الدولة إليه تردعه عن هذا الفعل القبيح فلم يرتدع وزاد في طغيانه ، فكتب الحلبيون إلى الدولة ثانيا يتضجرون منه ويرجون غيره. فكنت إليه الدولة بالانصراف عن حلب وولّته سيواس وولت حلب مرتضى باشا المنفصل عن بغداد. وفي نصف ربيع الآخر من سنة ١٠٦٧ نقل مرتضى باشا إلى دمشق فامتنع أهلها من تسليمها إليه ، فولّي ديار بكر وولّي حلب مكانه جلالي أبازه حسن باشا ، وهو من أولاد السباهية ، وكان ظالما غاشما وكان حاكم التركمان قبل أن يولى حلب.

وفي سنة ١٠٦٨ خرج على الدولة أبازه حسن باشا ووافقه عدة ولاة. ثم اجتمعوا في صحراء قونيه وحشدوا إليهم عسكرا ضخما من مشاة وفرسان وعاثوا وأفسدوا وصادروا الغني والفقير ، فتداركت الدولة ردعهم وولّت حلب أدرنه لى سوخته محمود باشا في السنة المذكورة ، وطرد الحلبيون متسلم أبازه ومن معه من العساكر إلى خارج المدينة وتلقوا محمود باشا بالترحاب. ثم سيرت الدولة لردع أبازه وحزبه مرتضى باشا السردار وكان أبازه ومن معه في بلاد قونيه فقصدهم مرتضى باشا بعسكره ولما سمعوا بقدومه رجعوا نحو حلب وخيموا في عينتاب فوصل السردار إلى حلب وتوسط الصلح بين أبازه وجماعته وبين مرتضى ، مفتي عينتاب ، فحضر أبازه بمن معه إلى حلب لإتمام الصلح وعقد شروطه ، فتمكن منهم السردار وقتلهم عن آخرهم داخل حمام في السراي وقطع رؤوسهم وحشاها تبنا وأرسلها إلى استانبول ورمى جثثهم أمام قسطل السلطان خارج باب الفرج. وممن قتل في هذه الوقعة أبازه حسن باشا وأحمد باشا ابن الطيار وأخوه مصطفى باشا ، وصاري كنعان باشا وكتخدا مصطفى باشا وعبد الوهاب قاضي معسكر أبازه ، وغيرهم ما ينوف عن ثلاثين رجلا. وكان قتلهم في سنة ١٠٦٩ وكان معه السردار مرتضى باشا قوناقجي علي باشا ، صحبه معه من الأناضول ، وبعد قتل المذكورين ولاه حلب وعزل عنها سوخته محمود باشا المتقدم ذكره.

٢٢٤

وفي سنة ١٠٧٠ ولي حلب خصكى محمد باشا وذلك بعد أن حصّلت الدولة منه سبعمائة كيس من الدراهم كانت في ذمته من مال بغداد ومصر ، وكان ولي عليهما. وفي هذه السنة طغى نهر قويق وهطلت السماء بالمطر الغزير حتى طافت أكثر المحلات المجاورة للنهر وغرقت البساتين وتهدمت عدة بيوت داخل البلد وخارجها. وفي سنة ١٠٧١ عزل عن حلب خاصكى محمد باشا وأشخص إلى استانبول. وسبب عزله أنه غش سكة النقود التي كان يضربها بحلب وسعى في رواجها بين الناس ، فتداولتها الأيدي وفشا الفساد وتعطلت التجارة واختل نظامها. فعرض الصدر الأعظم ذلك على مسامع السلطان فأمر بعزل الوالي المذكور وإحضاره إلى استانبول فعزل وأحضر. وفي عشرين شوال منها ضربت عنقه وعنق كتخدا كاتب ديوانه وصرّافه أمام قصر الموكب في استانبول. وفيها حصل غلاء كبير في حلب بيع فيه رطل الخبز بست بارات.

ذكر في سالنامة الولاية أن والي حلب في هذه السنة : أبو النور محمد باشا. ورأيت في بعض المجامع أن واليها في هذه السنة ميراخور يوسف باشا ، وفي سنة ١٠٧٥ صاري حسين باشا ، وكان في هذه السنة مع المحاصرين قلعة قندية على ما حكاه راشد في تاريخه. وفي سنة ١٠٨٠ كان بحلب طاعون كبير ، أحصى بعضهم الجنائز التي خرجت من باب المقام في أحد أيامه فقط فكانت ألف جنازة إلا واحدة ، فعلق بعض الناس على باب المقام كلبا ليكون تمام الألف. وفيها ولي حلب إبراهيم باشا وكان يعرف بإبراهيم آغا وعين سلفه حسين باشا سر عسكر ، وكان إبراهيم باشا مع المحاصرين قلعة قندية فأرسل إلى حلب متسلما كسلفه. ثم في أواخر هذه السنة ولي حلب حسين باشا سلحدار السلطان وولي سلفه مصر.

وفي أوائل ذي الحجة سنة ١٠٨٢ ولي حلب قبلان مصطفى باشا وكان مع العساكر في محاربة القرم فعين متسلما من طرفه كأسلافه. وفي سنة ١٠٨٣ عين سردارا أكرم علاوة على ولاية حلب. وفي سنة ١٠٨٥ ولي حلب إبراهيم باشا نقل إليها من دمشق ، وولى سلفه قبلان مصطفى باشا ديار بكر ولا أعرف متى عزل إبراهيم باشا المذكور عن حلب غير أن واليها في ابتداء سنة ١٠٨٩ كان حسين باشا وكان ظالما غاشما. وفيها حررت بيوت الأشراف واليكجرية ولم أحقق عددهما. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب قره محمد باشا وكان يعرف بقره محمد بك.

٢٢٥

فساد العربان والتنكيل بهم :

وفي سنة ١٠٩٣ كثر فساد العرب في برية دمشق وحلب ، وعظم ضررهم وأفحشوا بالسلب والإغارة على القوافل حتى ضجت منهم الولايات ، وصدرت أوامر الدولة إلى وإلى حلب ودمشق وبغداد وطرابلس أن يبذلوا جهدهم بالقبض على أميرهم ملحم. فعندها عزم قره محمد باشا والي حلب على أن يأخذ ملحما بالحيلة ، فوسّط حاكم المعرة أخا شريف مكة بينه وبين ملحم ، فاجتهد المذكور في إحضار ملحم إلى حلب وحلف له على أنه يطلب له العفو من السلطان ويجعله أميرا على العربان. وكان حاكم المعرة داهية وكان متهما بأنه يقاسم الأمير ملحما بالغنائم ويسعى له في بيع ما يلزمه منها ، فأراد أن ينفي الظنة عن نفسه بمكيدة ملحم وسعى في إحضاره واجتهد غاية الجهد ، إلى أن رضي معه ملحم للحضور بعد أن استوثق منه بالأيمان المغلظة. فحضر معه إلى قرية جبرين ، وكان قد أرسل إلى الوالي يخبره بذلك ، فأنفذ له الوالي خلعة وخيلا ليغريه بالدخول إلى حلب على أنه يحلف له فيها على ما تقدم.

فركب ملحم إلى حلب ، ولحقه من عشيرته خمسون فارسا ينهونه عن الدخول إلى حلب وألحوا عليه بالرجوع ، فقبل منهم ورجع إلى مخيمه ، وقال لأخي الشريف المتقدم ذكره : لا سبيل إلى دخولي المدينة فإني آليت على نفسي ألّا أدخل بين الجدران وتحت السقوف لأنها تضيق صدري ، فاذهب وقل للوالي إن كان يريد محالفتي فليأت إلى هنا. ولما لم ينجح سعي أخي الشريف في إقناع ملحم رجع إلى الوالي وأخبره بما جرى ، وحين رجوعه أصحبه ملحم باثنين من بني عمه وبمستشاره ـ وهو أعرابي طاعن في السن ـ فلما تمثلوا بين يدي الوالي قابلهم بالبشاشة وخلع عليهم وأحسن مثواهم ، ثم أرسلهم إلى بيت أخي الشريف وركب في الليل سرا ومعه خمسمائة عسكري بالعدّة الكاملة وقصد مخيّم ملحم في جبرين وكان ملحم قد رحل من مخيمه وأبقى فيه خمسين من قومه ، فحاربهم الوالي وبعد أن دافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال قتل بعضهم وأسر منهم ثمانية عشر وفر الباقون.

ثم استدل الوالي من الفلاحين على الأمير ملحم وتبع أثره إلى أن دهمه بغتة عند الصبح في واد بين جبلين بحيث لم يره الأمير إلا عند ما وصل إليه ، وكان مع الأمير عدد يسير

٢٢٦

من جماعته ، فأركن إلى الفرار وأراد أن يجتاز من نهر هناك فتوحلت به فرسه فتوكأ على رمحه لانتشالها من الوحل فانكسر الرمح. وكان الوالي قد أدركه والبندقية في يده وأحاطت به العسكر وقبضوا عليه وساقوه أسيرا إلى حلب ، فكبلوه بالحديد ومن أسروا معه من قومه. ثم قتلوا الجميع صبرا سوى الأمير. وكانوا عندما يقتلون أحدهم يخرقون أكتافه ويغرسون فيها فتائل مشعلة مصنوعة من المرخ (١) والشمع ويطوفون به البلد ثم يقطعون رأسه ويرمون جثته في مستنقع الخندق. واتفق أن واحدا من هؤلاء الأسراء كان شاعرا عند الأمير ملحم لم يغمس يده في دم ولم يشنّ غارة قط ، فبينما كانوا يطوفون به على تلك الحالة إذ لمح ضابطا سبقت له يد عنده فذكّره بها وقال له : إنني لم أكن لصا ولا قاطع طريق ، إنما كنت شاعرا عند الأمير ، فتضرع له الضابط عند الوالي وخلّصه من العقاب والقتل. ثم إن الوالي أرسل ملحما إلى أدرنة حيث كان السلطان إذا ذاك ، فبعد أن نظر السلطان إلى ملحم مليا أمر بقتله وقد صعب ذلك على رجال الدولة لأنهم كانوا يرجون خلاصه والعفو عنه ليكون كافلا قمع غارات العرب حسب شجاعته المفرطة.

وفي هذه السنة أعني سنة ١٠٩٣ كملت عمارة خان الوزير. وفيها نقل قره محمد باشا إلى ديار بكر ومحمود باشا والي ديار بكر إلى حلب. ثم في هذه السنة نفسها ورد الأمر إلى محمود باشا بالحضور إلى استانبول ليكون قائم مقام الصدارة في استانبول ، وولي حلب قره بكر باشا. وفي سنة ١٠٩٤ كان قره بكر باشا مع المجاهدين في بلاد بلغراد وله متسلم في حلب. وفي سنة ١٠٩٦ ولي حلب مع السردارية مصطفى باشا قره حسين باشا وكان في حرب بلغراد فجعل متسلما في حلب. وفي سنة ١٠٩٦ ولي حلب مع الوزارة إبراهيم باشا محافظ إيالة بدون ، وكان مع المجاهدين في بلغراد فجعل متسلما في حلب.

غلاء ، وقتل ابن حجازي :

وفي هذه السنة حصل غلاء بحلب وارتفع سعر اردبّ الحنطة إلى خمسة وعشرين قرشا. فنادى المتسلم أن يباع الإردبّ (٢) بخمسة قروش. وكان عبد الله بن محمد حجازي ـ نقيب الأشراف ـ قد ارتشى من المحتكرين بألف قرش على أن يباع الإردبّ بخمسة

__________________

(١) المرخ : شجر سريع الاشتعال.

(٢) الإردبّ : مكيال ضخم يعادل وزنه ١٥٠ كغ.

٢٢٧

وعشرين قرشا. فلما نادى المتسلّم بما ذكر أسرّها له في نفسه. وبعد أيام قلائل دعا المتسلم إلى منزله وسقاه شرابا مسموما مات منه المتسلم بعد ثمانية أيام. فخرج ابن حجازي في جنازته إلى مقبرة الصالحين ، وكان الناس قد سئموا من ابن حجازي لظلمه وجوره ، فبينما هو منصرف من الجنازة إذ صاحت امرأة : هذا قاتل المتسلم. فتبعها رجل من العوام واتصل الصوت بالرجال والصبيان والنساء ، وضربه رجل بحجر أصاب رأسه وعثرت به فرسه فانكب على وجهه ، فهجم الناس عليه وقتلوه رجما بالحجارة في قرب المكان المعروف بقبّة الصوت شمالي مقبرة الصالحين ، وذهب دمه هدرا وذلك في يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة.

وفي سنة ١٠٩٧ ولي حلب عبدي باشا. وفيها حصل في حلب طاعون خفيف لم تطل مدته. وفيها شبّت النار بسوق بانقوسا ، وامتد الحريق من باب بانقوسا إلى المكان المعروف بالورشة حتى أصبحت هذه المسافة من الجانبين رمادا. وفي سنة ١٠٩٨ ولي حلب الوزير سباوش باشا وكان في محاربة القرم وله متسلم في حلب. وفيها صار الوزير سباوش باشا صدرا أعظم ، وولي حلب عثمان باشا. وفي سنة ١١٠٠ احترق روشن القلعة (١) وكانت ساعة مفزعة جدا. ولا أعرف متى عزل عثمان باشا غير أن والي حلب سنة ١١٠١ كان خليل باشا وكان مع العسكر في حصار قلعة شهر كوي وله متسلم في حلب. وفي سنة ١١٠٢ حصل بحلب طاعون عظيم بلغت فيه الوفيات اليومية نحو سبعمائة نسمة. وفي سنة ١١٠٤ ولي حلب جعفر باشا محافظ بغداد وله بحلب متسلم. ثم في هذه السنة وليها مكانه طورسون محمد باشا فعيّن له متسلما في حلب.

وضع حدّ لقرى المقاطعات :

وفي هذه السنة صدرت أوامر الدولة إلى ولاتها ـ في حلب ودمشق وديار بكر وماردين وأذنة وملطية وعينتاب وغير هذه الولايات من بقية الممالك العثمانية ـ أن تكون قرى المقاطعات الأميرية كالملك لذويها مدة حياتهم. ويجوز لمن أراد منهم بيع قرية من قراه ممن شاء فتوجه على المشتري بمنشور سلطاني ، وإذا مات أحد منهم يقع ما يملكه منحلّا

__________________

(١) الروشن : النافذة. ويطلق أيضا على الشرفة والمشربيّة.

٢٢٨

فيعرض للمزايدة العلنية وتقدم أولاد الميت على غيرهم إذا تساويا بالقيمة. وقد جعلت الدولة على كل قرية من القرى المذكورة مالا مقطوعا سنويا يأخذه صاحبها من أهل القرية على ثلاثة أقساط وكان هذا العمل من الدولة مساعدة عظيمة للفلاحين واستنفاذا لهم من الظلم والجور لأن أرباب المقاطعات كانوا يدفعون مقاطعاتهم في كل سنة التزاما لمن رغب ذلك منهم فيخرج الملتزم إلى القرية ويتسلط على أموال أهلها فلا يبقي ولا يذر.

وفي سنة ١١٠٧ ولي حلب ثانية جعفر باشا محافظ بلغراد ، وعيّن سلفه طورسون محمد باشا إلى سيواس. وفي سنة ١١٠٨ ولي جعفر باشا محافظة طمشوار وولي حلب مكانه عثمان باشا قائم مقام استانبول. ثم في هذه السنة نفسها ولي حلب عثمان باشا والي دمشق وهو غير عثمان باشا القائم مقام.

غلاء عظيم :

وفيها كان الغلاء العظيم بحلب ، وقلّت الأقوات ، وصار الناس يزدحمون على الأفران لأخذ الخبز ازدحاما عظيما بحيث يؤذون بعضهم. فأمر الوالي بسدّ أبواب الأفران وأن يبقى فيها طاقة صغيرة يتناول الناس منها الخبز على قدر سدّ الرمق ، فسمي «غلاء الطاقة» ، وامتد أربعة أشهر. وفي سنة ١١٠٩ عين عثمان باشا والي حلب لمحافظة قلعة الروملّي وولي حلب مكانه حسن باشا السلحدار قائم مقام أدرنة. وفي سنة ١١١٠ في غرة شعبان منها أبطل قاضي حلب محمد بن عبد الغني بدعة قديمة ، وهي أن مشايخ قرى جبل سمعان كانوا يجمعون بأمر نائب محكمة جبل سمعان من القرى في كل ثلاثة أشهر مبلغا من الدراهم يشترون به دجاجا يقدمونها إلى مطبخ قاضي حلب. وفي هذه السنة ولي حلب حسن باشا والي قرمان. ثم في سنة ١١١١ وليها علي باشا.

وفي سنة ١١١٢ عين علي باشا لمحافظة البصرة وكان وقع فيها اختلال عظيم فسار إليها لإصلاح الخلل ، وولي حلب يوسف باشا قائم مقام وفي جمادى الأولى سنة ١١١٥ ولي حلب جور ليلى علي باشا السلحدار ـ وكان في أدرنة ـ فسافر إلى استانبول ليتناول منشور الولاية فولاه السلطان على عمل خاص به ، وولى حلب مكانه محمد باشا الجركس متصرف لواء القدس الشريف وفي سنة ١١١٦ ولي حلب الحاج قيران حسن باشا المعزول عن حانية وولي سلفه محمد باشا الجركس الرقة. ثم في هذه السنة ولي حلب أبازه سليمان

٢٢٩

باشا السلحدار وكان يعرف بسليمان آغا. وفي سنة ١١١٧ ولي حلب إبراهيم باشا والي شهر زور وولي سلفه أبازه سليمان باشا أغربيوز. وفي سنة ١١١٩ ولي حلب عبدي باشا والي سيواس وولي سلفه إبراهيم باشا أرضروم. وفي سنة ١١٢٠ ولي حلب تبراد محمد باشا الصدر السابق وولي سلفه عبدي باشا الأناطول. وفيها جدد مرقد نبي الله زكريا في أموي حلب. وفي شعبان سنة ١١٢٢ ولي حلب ثانية إبراهيم باشا السلحدار والي شهر زور.

وفي سنة ١١٢٥ ولي حلب والرقة معا طوبال يوسف باشا ، وولّته الدولة عليهما ليتمكن من تنكيل نصوح باشا أمير الحاج لأنه كان عازما على مشاققة الدولة والخروج عليها. وفي أوائل سنة ١١٢٧ ولي حلب ثانية محمد باشا الجركس ، ثم فيها طلب إلى استانبول وعين قائم مقام ، وولي حلب علي باشا مقتول زاده وكان في استانبول فعين متسلما إلى حلب ، وسافر هو للمحاربة في المورة بعد أن عين سردارا ، وكان من معه في المحاربة عبد الرحمن آغا الحلبي باش جاويش ، فأبلى هذا الرجل في العدو بلاء حسنا. وسمعت الدولة خبره فعينته واليا على حلب وولت سلفه علي باشا على الأناطول. وفي هذه السنة زحف على حلب من الشرق جراد عظيم أتلف الزروع وغلت الأسعار وعز القوت. وفي سنة ١١٢٨ ولي حلب مصطفى باشا وكان في محاربة المجر ، فعين متسلما في حلب. ثم وليها في هذه السنة سليمان باشا السلحدار وهو الصدر الأسبق.

وفي سنة ١١٣٠ وليها عثمان باشا فسافر إلى أدرنة ومنها إلى موقع المحاربة في جهات صوفية وترك متسلما في حلب ، وهو غير عثمان باشا صاحب المدرسة الرضائية المنسوبة إليه. وفي أوائل سنة ١١٣١ ولي حلب موره لى علي باشا. وفيها وقع في حلب طاعون جارف أهلك خلقا كثيرا واستمر مدة على حذو واحد ، واختبأ الوالي وحاشيته. وفي أواخر هذه السنة حوّل الوالي المذكور إلى محافظة قندية ، وولي حلب رجب باشا وكان في دمشق أميرا على الحاج ، وقد ضجر الدمشقيون من ظلمه وجوره ، وهو صاحب السراي في محلة بحسيتا ، والبستان الكائن في شرقي الميدان الأخضر المشهور ببستان الباشا ، وحوض الماء الذي بجانب البستان من غربيه.

وفي سنة ١١٣٣ زاد طغيان العرب المعروفين بالعباسيين في صحراء حلب وكثر ضررهم

٢٣٠

على السابلة وعسر على الولاة ردعهم فعيّن الباب العالي حسن باشا والي بغداد رئيس عسكر إلى شهر زور والموصل وديار ، وعيّن علي باشا مقتول زاده والي الرقة رئيس عسكر إلى حلب وقرمان. ثم أنفذت إلى هؤلاء الولاة الأوامر المؤكدة بشن الغارات ومتابعتها على العربان المذكورين ، فتناوشتهم العساكر من كل جانب وأذاقوهم أنواع المعاطب والمصائب فكفّ ضررهم ومنع خطرهم. وفي هذه السنة وقع في حلب طاعون كبير لم تذكر وفياته. وفيها ولي رجب باشا مصر القاهرة فسافر إليها وبقي بها أشهرا ولم يستقم أمره فأعيد إلى ولاية حلب وولي في غيبته عارف أحمد باشا رئيس الكتاب. وفي سنة ١١٣٥ أصيبت حلب بزلزلة مهولة دمرت أكثر بيوتها وقتلت كثيرين من أهلها.

وفي سنة ١١٣٦ ولي رجب باشا تفليس وولي حلب مكانه كورد إبراهيم باشا نقل إليها من طرابلس الشام. وفي سنة ١١٣٧ ولي حلب علي باشا بن نوح أفندي رئيس الحكماء متصرف أدرنة ، وشرطت عليه الدولة في توليتها إياه حلب أن يسافر مع العسكر إلى الجهة الشرقية أي ناحية تبريز في بلاد العجم. وولي سلفه إبراهيم باشا لواء «خوى» على هذا الشرط أيضا. وفي سنة ١١٣٨ رأت الدولة من علي باشا ما سرّها في سفره إلى جهة العجم وفتح تبريز ، فأنعمت عليه بالوزارة وولته إيالة الأناطول ، وولت على حلب مكانه محمد باشا سلحدار ، سلفه في إيالة الأناطول. وفي ثامن جمادى الأولى من هذه السنة ولي حلب ثانية عارفي أحمد باشا ، نقل إليها من ولاية سيواس ، وشرطت عليه الدولة أن يبذل الجهد في تنظيم حالة الموالي العربان في ضواحي حلب ويتكفل في محافظة ما حول الرقة والقدس الشريف ، وعينت سلفه محمد باشا السلحدار سر عسكرا.

وفي سنة ١١٤٠ وفد على حلب من الشرق جراد كثير أتلف الزروع وغلت الأقوات وعزّت البقول والخضر. وفي أواسط محرم سنة ١١٤١ ولي حلب علي باشا صهر الحضرة السلطانية. وفي سنة ١١٤٢ ولي حلب الوزير كوجك مصطفى باشا. وفي ربيع الآخر سنة ١١٤٣ وليها إبراهيم باشا والي أرزن الروم سابقا. وولي سلفه كوجك مصطفى باشا لواء إيج إيل. ولما ولي إبراهيم باشا المذكور ولاية حلب كان في استانبول ، فاستثقل من بقائه بها الصدر الأعظم محمد باشا ، واستحثّه على السفر إلى محله فعزم على ذلك وخرج من استانبول إلى اسكيدار بنيّة التوجه نحو حلب فاجتمع أكابر الدولة وأهل الديوان على أن يسند إليه منصب الصدارة وأجابهم السلطان على ذلك ، وأرسل له ختم الصدارة وعين

٢٣١

سلفه الصدر السابق محمد باشا واليا لحلب. وكان ذلك في اليوم الثالث عشر من رجب الفرد من السنة المذكورة. وفي هذه السنة تمت عمارة جامع الرضائية المعروف بالعثمانية وصار لذلك يوم مشهود. وفي شعبان سنة ١١٤٥ ولي محمد باشا ولاية ديار بكر. ولم أحقق من جاء بعده. وفيها وقع في حلب طاعون عظيم أقفل دورا كثيرة. وفي سنة ١١٤٦ نزلت صاعقة في بستان القبار وقتلت ثلاثة أشخاص.

غلاء شديد وقتل شيخ المداراتية :

وفي سنة ١١٤٧ كان الغلاء بحلب شديدا وهاج الناس وقاموا لنهب ما يرونه من الخبز في الأفران ، وصادفوا خليلا المرادي شيخ المداراتية يقبض ثمن الطحين من الخبازين ومعه صرة دراهم ، فطمعوا به ولحقوه لأخذها فأحس بمرادهم وحرّك دابته للهرب منهم ، فلحقوه وأدركوه عند جامع قسطل الحرامي. ولما ضايقوه أراد الدخول للجامع ليحتمي به منهم ، فمنعه قوّامه خوفا من أن يقتل فيسألوا عن دمه. فهرب إلى البرية فتبعوه وقتلوه رجما بالحجارة ولم يعلم قاتله. ثم في هذه السنة قدم إلى حلب واليا عليها أحمد باشا بولاد فاشتكى إليه أولاد خليل المقتول فأخذ بالفحص عن قاتليه ولم يظفر بهم ، وآل أمره إلى أن أخذ جريمة وافرة من المحلة المذكورة. وفي سنة ١١٥٠ ولي حلب عثمان باشا المعروف بوقته بمحصّل حلب صاحب المدرسة الرضائية بحلب.

وصول سفير العجم إلى حلب :

وفي أوائل سنة ١١٣٥ ولي حلب يعقوب باشا وولي عثمان باشا أذنة. وفي شوال هذه السنة وصل إلى حلب سفير طهماس قولي المدعو بنادر شاه من مملكة إيران مجتازا منها إلى استانبول ، واحتفلت له الدولة العثمانية إظهارا لأبهة السلطنة ، ومعه تسعة أفيال على ظهورهم التخوت ، فدخلوا من باب النيرب وشربوا من قسطل علي بك ، وهم أمام السفير المذكور ، كل هنيّة يقفون لسلامه ، ويأمرهم الفيال فيطأطئون خراطيمهم حين السلام. وكان يوم قدم سفير آخر من طهماس المذكور واجتاز بحلب عاشر شوال سنة ١١٤٥ لجمع الأسارى إلا أنه لم يكن بهذه الأبهة ، وخرجت إليه نساء الأعاجم اللاتي أسرتهن الدولة العثمانية قبلا واستولدن في حلب وغيرها من الممالك المحروسة ، فمنهن من أبى اتباعه ومنهن من تبعه لارتكاب القبائح علنا.

٢٣٢

النّزالة الإنكليزية في حلب :

وفي هذه السنة أعني سنة ١١٥٣ كانت النّزالة من الإنكليز في حلب. فكان لهم فيها قنصل وعشرة تجار وقسيس وكاتب أسرار وطبيب. وفي سنة ١١٥٥ ولي حلب حسين باشا. وفي هذه السنة كثر ظلم القاضي وتظاهر بالفسوق والرشوة فتألب عليه العامة وهجموا عليه وهو في المحكمة ورجموه ونهبوا المحكمة. وفي سنة ١١٥٦ وقع بحلب طاعون عظيم أهلك خلقا كثيرا ، واشتد فساد العربان في البر. وفي ذي القعدة سنة ١١٥٧ ولي حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق السر عسكر. وفي أوائل سنة ١١٥٨ قتل الباشا من اليكجرية (١) مقتلة عظيمة بسبب ظلمهم وفسقهم ، وتحصن البهلوان في القلعة وبقي بها إلى أن ولي حلب علي باشا حكيم باشي زاده الصدر الأسبق ، وهذه الولاية الثانية نقل إليها من بوسنة. وولى سلفه الحاج أحمد باشا إيالة الأناطول ، فكان ذلك في هذه السنة أعني سنة ١١٥٨ ثم فيها أعيد لولاية حلب الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق لما ظهر للدولة من لزوم وجوده فيها لقمع العربان وتحرك العجم في ممالك إيران.

وفي شهر ذي الحجة سنة ١١٥٩ ولي حلب أحمد باشا كوبريلي زاده متصرف قندية ، وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق قندية. وقبل أن ينتقل أحدهما لمحله الجديد صدرت إرادة سلطانية بإبقاء كل منهما في محله الأول ، فبقي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق في حلب ، وبقي أحمد باشا كوبريلي زاده في قندية. وفي جمادى الآخرة سنة ١١٦٠ ولي حلب حسين باشا والي «وان» وولي سلفه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق ديار بكر.

وفي هذه السنة أمرت الدولة أن يجلب من أذنة إلى قلعة حلب ستون مدفعا. وفيها جاء إلى حلب «كور وزير» وقتل جمعا كثيرا من اليكجرية. ولم أحقق هل جاء كور وزير لقمع اليكجرية خاصة ، أم جاء واليا في حلب بعد عزل واليها حسن باشا؟

وفي سنة ١١٦١ كسفت الشمس بين الصلاتين إلى وقت الغروب وظهرت عدة نجوم. وفي سنة ١١٦١ ولي حلب إسماعيل باشا عثمان باشا زاده. وفي محرم سنة ١١٦٤ ولي حلب سعد الدين باشا ابن العظم ، ونقل إليها من طرابلس الشام وولي سلفه إسماعيل باشا ولاية طرابلس المذكورة. وفي هذه السنة كان الغلاء بحلب شديدا حتى ثار الناس في يوم

__________________

(١) يعني الإنكشارية.

٢٣٣

الجمعة وتعطلت الصلاة والأذان وطلعت النسوة إلى المآذن. وفي محرم سنة ١١٦٥ نقل سعد الدين باشا إلى صيدا ووليها على وجه المالكانه (١) ، وولي حلب مكانه السيد أحمد باشا والي صيدا وآغاة اليكجرية سابقا. ولما استقر بحلب أخذ بالظلم والجور وصادر كثيرين بلا حقّ ، ونفى عددا وافرا من أعيان حلب إلى بيان لمعارضتهم إياه لظلمه ، فاضطرب الحلبيون وحرروا به محضرا عاما إلى الدولة ذكروا فيه ظلمه وجوره والتمسوا تبديله ومجازاته ، فأجابتهم الدولة إلى ما طلبوا وعزلته عن حلب وولته «القارص» تبعيدا له ، وولّت حلب صاري عبد الرحمن باشا مير ميران ، وذلك في شعبان السنة المذكورة. ثم في شوالها توفي عبد الرحمن باشا بحلب وعينت الدولة لتحرير تركته علي بك ميراخور مصطفى باشا زاده ، وولّت حلب مكانه الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق ، نقل إليها من آذنة وهذه الولاية الرابعة.

وفي ثاني عشر شوال سنة ١١٦٦ توفي أحمد باشا بحلب وولي مكانه عبد الله باشا الصدر الأسبق. وفي أواخر سنة ١١٦٨ وليها راغب باشا العالم الكبير صاحب سفينة الراغب كما يفهم ذلك من تاريخ واصف. ثم في ربيع الأول سنة ١١٦٩ عين راغب باشا لمنصب الصدارة وجاءه ختمها إلى حلب ، فسافر إلى استانبول. وولي حلب بعده أمير الحاج : الحاج أسعد باشا ابن إسماعيل باشا عظم زاده. ثم في سنة ١١٧٠ وليها عبدي باشا فراري. ثم في اليوم الثاني عشر رجب ولي حلب علي باشا قائم مقام الصدارة.

برد وغلاء :

وفي هذه السنة وقع في حلب برد شديد وجمد الماء واستقام الجليد من أول كانون الثاني إلى آخر آذار. وفيها كان الغلاء شديدا. وبيع شنبل (٢) الحنطة فيه بعشرة قروش ، والشعير بسبعة ، والحمّص والعدس بستة ، ورطل الدّبس بنصف القرش ، والعسل بقرش وربع ، والسمن بقرش وثلاثة أرباع ، والخبز باثنتي عشرة بارة.

قال في السالنامة : إن والي حلب سنة ١١٧١ حسين باشا عبد الجليل زاده. وهكذا

__________________

(١) المالكانة : لفظة تركية تعني التمليك ، أو الملكيّة.

(٢) الشنبل : مكيال عرف في بلاد الشام لكيل القمح والشعير ونحوهما. ويختلف تقديره من بلد إلى آخر ، ومن عصر إلى آخر. وكان يعادل في حلب عصرئذ ٥ ، ٦١ كغ تقريبا.

٢٣٤

رأيت في بعض المجاميع ، لكن ذكر في حديقة الوزراء وفي تاريخ واصف أن واليها في السنة المذكورة محمد باشا محسن زاده ، فلعله بدل واليان في هذه السنة.

وفي هذه السنة وقع في حلب كساد عظيم حتى لم يبق في المدينة سوى أربعة آلاف نول مشتغلا ، وتعطل قدرها أضعافا مضاعفة. قال واصف : وفي شوال هذه السنة سافر محمد باشا والي حلب إلى استانبول ليكون زفافه على بنت السلطان. وفي عشرين من الشهر المذكور حول محمد باشا إلى ولاية ديار بكر وولي مكانه عبد الله باشا جتجي الصدر الأسبق ابن إبراهيم الحسيني الجرمكي ، نسبة إلى جرمك ، بليدة من أعمال ديار بكر ، فوصل إلى حلب في محرم سنة ١١٧٢ ونزل بالميدان الأخضر ثم سافر إلى عينتاب وكلّز وعاد إلى حلب فعزل عنها إلى دمشق ، وولي مكانه عبدي باشا فراري وهي الولاية الثانية.

غلاء عظيم :

وفيها اشتد الغلاء في ديار بكر وعم تلك الديار بل سرى إلى جميع البلاد ، وبيع شنبل الحنطة بحلب بأحد عشر قرشا. وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم. وثبت ذلك لدى الحاكم حتى إن قسطنطين الخوري الحلبي الطرابلسي ذكر في مجموع له أن جملة من مات جوعا في حلب (٨٧) ألف إنسان منهم ١٢ ألفا نصارى و ٥ آلاف يهودي والباقي مسلمون ، سوى من ترك البلاد ونزح إلى غيرها. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب مصطفى باشا الوزير محصل التوقيع في موره سابقا. ثم في رجب سنة ١١٧٣ ولي حلب عبد الله باشا فراري وهي الولاية الثالثة.

زلزال مهول :

وفي فجر يوم الثلاثاء من ربيع الأول من هذه السنة ، المصادف لابتداء كانون الأول ، حصل زلزلة عمّت جميع البلاد الشامية بحلب ودمشق وحمص وحماة وأنطاكية وشيزر وحصن الأكراد ، وجميع بلاد الساحل كصيدا وصفد وغزة والقدس ، فخربت البلاد وتدحرجت الصخور من أعالي الجبال ، وانفتحت في الأرض الأخاديد ، ونضبت عيون وانفتح أخرى ، واضطربت السفن في مياه عكا حتى زحف بعضها إلى البر وخرجت الأسماك إلى الرمل ونقل منه الناس ما لا يحصى ، وكان هذا الزلزال أخف ما يكون في

٢٣٥

حلب. وقد اتصلت الزلازل في كل أسبوع مرتين وثلاثة إلى ليلة الاثنين سادس ربيع الثاني فزلزلت بعد العشاء المحالّ المذكورة بأسرها واستقامت بدمشق ثلاث درج ، وخرب غالب دمشق وأنطاكية وصيدا وقلعة البريج.

ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة. ثم أعقبها بدمشق وقراها ـ وما والاها ـ طاعون جارف غمرت غالب مساجد دمشق التي هدمتها الزلزلة من وصايا الأموات في هذا الطاعون (١) وفي سنة ١١٧٤ توفي عبد الله باشا فراري في حلب ودفن بتكية الشيخ أبي بكر ، ووليها مكانه بكر باشا وكان يعرف ببكر أفندي أمين المطبخ. وفي سنة ١١٧٥ ولي حلب مصطفى باشا الصدر الأسبق وكان مقيما في مصر بلا منصب ، وولي مصر بكر باشا والي حلب قبله ، وفيها وقع بحلب طاعون شديد بلغت وفياته اليومية مائة وتسعين نسمة. وفي الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ١١٧٧ أسند لمصطفى باشا منصب الصدارة فسافر إلى استانبول.

ولاية محمد باشا العظم حلب وإبطاله بدعة الدومان وغيرها :

وفي هذه السنة ولي حلب محمد باشا بن مصطفى باشا بن فارس بن إبراهيم ، الشهير بعظم زاده ، نقل إليها من ولاية طرابلس الشام ودخلها في رابع عشر شعبان. وكانت مجدبة فحصل بقدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ورفع عن أهلها من البدع ما كان ثلما في الإسلام. فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور ، منها منكر كان حدث بها سنة ١١٧١ وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلا ويجتمع بها أوباش الناس إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء ، مع ما انضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد ، فحانت منه التفاتة إلى ذلك فقصده متخفيا وأزاله في ثاني يوم ، حيث نبه على الحانات ألّا تفتح ليلا.

ومن جملة ما رفع من المظالم بحلب أيضا بدعة الدومان عن حرفة الجزارين وكان حدوثه بحلب سنة ١١٦١ والدومان اسم لمال يجمع من ظلامات متنوعة ، يستدان من بعض الناس بأضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة. وطريقتهم

__________________

(١) العبارة الأخيرة مضطربة ، وقد وردت كذلك في الأصل. ويبدو أن فيها نقصا بعد قوله : «طاعون جارف».

٢٣٦

في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرءوس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبرا وقهرا. كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلّبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلا عن الفقراء وأعضل الداء. واتفق أنه في سنة ست وسبعين كان قاضيا بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار ، فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها ، وكتب عليهم صكوكا ووثائق وسجلها في قلعة حلب ، فلما عزل عاد كل شيء إلى ما كان عليه. فلما كان أواخر محرم سنة ١١٧٨ قبض الوالي المذكور على رئيسهم المعروف بكاور حجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والإحسان وامتدحه شعراؤها بعدة قصائد ذكر المرادي بعضها.

وفي جمادى الأولى سنة ١١٧٧ ولدت امرأة من عشيرة الموالي طفلين ملتصقين ببعضهما ، شاهده ألوف من الناس ، ثم مات أحدهما وعاش الآخر ساعتين ومات. وفي السنة المذكورة أعني سنة ١١٧٨ اجتمع أكابر أهل حلب وقدموا للدولة محضرا في سوء حال قاضيهم مصطفى أفندي ابن أحمد أفندي داماد ، غير المذكور آنفا ، وبينوا فيه ظلمه وحرصه وارتكابه ، وبرهنوا على ذلك ، فعزلته الدولة عن حلب ونفته إلى قونية. وفي شوال هذه السنة ولي حلب أحمد باشا مير ميران وسماه في تاريخ ابن ميرو «محمد باشا» وقال إنه حاز رتبة الوزارة في حلب لظفره بعصاة من أهل بياس. وقد ولي سلفه عظم زاده ولاية الرقة. وفي خامس ذي القعدة منها هجم خنزير بري على المدينة نهارا ولما دخلها اشتد عدوه ولم يزل هكذا حتى دخل الجامع الكبير والناس والكلاب يركضون وراءه فأغلقوا أبواب الجامع وعاجلوه برجم الحجارة حتى قتلوه.

وفي جمادى الآخرة سنة ١١٧٩ أنعم حضرة السلطان برتبة الوزارة على أحمد باشا والي حلب. وفيها كان الغلاء شديدا بحلب ، بيع فيه رطل الخبز باثنتي عشرة بارة. وفي شوال سنة ١١٨٠ ولي حلب علي باشا كور أحمد باشا زاده.

نفي نقيب الأشراف محمد أفندي طه زاده :

وفي محرّم هذه السنة صدر الأمر السلطاني بنفي السيد محمد طه زاده نقيب أشراف حلب. وسبب ذلك أنه بقي زمنا طويلا في نقابة حلب واكتسب شهرة عظيمة واتسعت

٢٣٧

دنياه ، وصار نافذ الكلمة مسموع الأمر رئيسا بين أقرانه ، فاعتصب عليه عدة من رجال حلب وأعيانها ورؤسائها ، وزعموا أنه طغى وبغى وجار وظلم وعاقب وعذّب وسلب الأموال بغير حق ، وفعل ما لم يكن جائزا في الشرع المطهّر. وقدموا في هذه المثالب محضرا إلى الدولة يلتمسون فيه من عدلها عزله ومجازاته على فعله. فصادف هذا المحضر قبولا وعزلته الدولة ومحت اسمه من جريدة الموالي ـ وكان حائزا باية (١) إزمير ـ ونفته إلى أدرنة. ولما صدر الأمر بنفيه كان والده أحمد أفندي في استانبول فأخذ يدافع عن ولده حسب الشفقة الأبوية ، ويقيم الحجة على أخصامه في دحض ما زعموه في ولده حتى خيف من وقوع فساد بينه وبينهم ، فأمرت الدولة أن يلحق بولده وينفى إلى أدرنة. وقد رأيت في بعض المجاميع أنه استقام في المنفى ستة أعوام ونقل فيه إلى عدة بلدان كقبرص وغيرها.

وفي ذي القعدة من هذه السنة ولي حلب حمزة باشا السلحدار وفوضت إليه التحصيلات فكان بحلب واليا ومحصّلا ، وولي سلفه علي باشا محافظة القارص. وفي شوال سنة ١١٨١ ولي حلب باغلقجي زاده محمد أمين باشا. ثم في سنة ١١٨٢ ولي الصدارة وولي حلب مكانه رجب باشا. وفيها حصل وقعة عظيمة بين اليكجرية والدالاتية وخرب عدة محلات بهذه الوقعة. وفي سنة ١١٨٣ محت الدولة اسم رجب باشا من دفتر الوزارة ونفي إلى ديمتوقة. وسبب ذلك أنه لما دخل حلب استأجر دارا فسيحة وأسكنها خمسا وعشرين جارية واشتغل بهن ليله ونهاره ، وأهمل أمر الحكومة وبقي الناس فوضى. وقد ولي حلب بعده محمد باشا أحمد باشا زاده متصرّف سلانيك سابقا. ثم بعد مدة قليلة نقل إلى محافظة ودين وولي حلب مكانه محمد باشا ، نقل إليها من ولاية روملي.

فتنة بين الأشراف والإنكشارية :

وفيها حصل بين الأشراف واليكجرية وقعة عظيمة واشتد القتال والنهب ، ونهبت قيسرية العرب تحت القلعة ونفيت عدة أشراف. وفي رمضانها المصادف لتموز وقع مطر غزير أخرب أماكن عديدة ، من جملتها مكتب في محلة باحسيتا انهدم على عشرة أولاد من اليهود وحاخام وامرأة. وفي محرم سنة ١١٨٤ عين محمد باشا والي حلب سر عسكرا ووليها مكانه عبد الرحمن باشا فوصل إليها في رجب.

__________________

(١) رتبة عالية أو لقب رفيع تمنحه الدولة. والكلمة فارسية أخذها عنهم الأتراك العثمانيون.

٢٣٨

فتنة بين الأشراف والدالاتية :

وفيها كانت الفتنة قائمة بين الأشراف والدالاتية ، والأشراف هم الغالبون ، فحاصر الوالي حلب وقطع القوافل عنها ثم دخلها وقت الفجر من باب قنّسرين ، وهاج الأشراف وأطلقوا عليه الرصاص. وعظمت الفتنة بينهم وبين الدالاتية واستمر الحرب أربعا وعشرين ساعة ثم هرب الأشراف ، وهجم الدالاتية على سوق الجمعة ونهبوا البيوت والدكاكين وقيسرية العرب وأحرقوا جملة من بيوتها. وقبض الوالي على نقيب الأشراف وحبسه ثم نفاه. وفي جمادى الآخرة منها اجتمع جم غفير من العلماء والعوامّ ودخلوا المحكمة الشرعية وطلبوا رفع بعض بدع وأمور منحرفة عن الدين ، فأجيبوا إلى ما طلبوا. وفي سنة ١١٨٥ ولي حلب محمد باشا عظم زاده ، وكان الأشراف في قيام وثورة فأغلقوا دونه أبواب حلب ومنعوه من الدخول إليها ، واشتعلت نار الحرب بينهم نحوا من أربعين يوما. ثم في غرة ربيع الثاني منها وصل إليه المدد فغلبهم ودخل حلب وجازى المفسدين.

وفيها ولي حلب حسين باشا الداماد ، ثم وليها في سنة ١١٨٦ الحاج عثمان باشا ، وسنة ١١٨٨ محمد باشا. وفي سنة ١١٨٩ ولي حلب محمد باشا بن محمد عثمان بك زاده ، وكان سكيرا فبقي بها أياما قلائل وحول عنها إلى ولاية الرقة ، وولي حلب مكانه جتالجه لي علي باشا ، وكان ظالما غاشما أضر بالناس ضررا فاحشا فتشكى منه الحلبيون إلى الدولة فأجابتهم بعزله عنهم وولّت حلب عزت باشا محافظ القارص. وفي ذي الحجة سنة ١٩٩١ تحول عزت باشا إلى متصرفية القدس ، وإبراهيم باشا المير ميران متصرف القدس إلى حلب.

وفي محرم سنة ١١٩٣ المصادف كانون الأول وقع في حلب ثلج عظيم ، واشتد البرد حتى تلف كثير من شجر الرمان والزيتون والتين. وفيها كان والي حلب مراد باشا ثم عزت باشا ثانية. وفيها اشتد الغلاء بحلب وبيع رطل الخبز بزلطه وهي ثلاثون بارة. وفي جمادى الأولى منها المصادف أيار وقع برد كثير ، الواحدة منه في حجم الجوزة ، فأتلف ثمر الشجر وبعض المزروعات.

وفي سنة ١١٩٤ ولي حلب عبدي باشا الكبير كما يستفاد من تاريخ جودت. وفي السالنامة أنه وليها في السنة الماضية. وسنة ١١٩٥ وليها يوسف باشا أكبر أولاد محمد باشا عظم زاده. وفي سنة ١١٩٦ وليها إبراهيم باشا ثم صرف عنها إلى القارص ووليها مكانه

٢٣٩

خزينه دار شاهين علي باشا. ثم في سنة ١١٩٧ وليها مصطفى باشا والي قرمان. وفي سنة ١١٩٨ وليها أحمد باشا متصرف لواء أوخري. وفي ثاني يوم من ربيع الأول سنة ١١٩٩ ولي حلب ثانية شاهين علي باشا ثم عبدي باشا. ثم في شوالها وليها أرحاجي مصطفى باشا. وفي اليوم الرابع من شعبان هذه السنة ، المصادف شهر تموز ، في الساعة الثالثة منه كسفت الشمس وظهرت عدة نجوم وامتد كسوفها نحو ساعتين. وفي شوال سنة ١٢٠٠ ولي حلب بطال حسين باشا ابن الحاج علي باشا والي إيالة أرضروم ، وولي أرحاجي مصطفى باشا إيالة أرضروم.

غلاء عظيم :

وفي هذه السنة ابتدأ الغلاء في حلب لانقطاع المطر ، ويبس نهر قويق ودام يبسه إلى الأربعينية ، وغلت أسعار القوت أولا ثم فقدت من البلدة بالمرة ، فاضطر الناس لأكل حب الخرّوب وحب القطن وعجو المشمش المرّ ، يحلّونه ويأكلونه. ومن الناس من أكل الدفل الذي يخرج من النشاء المعروف بالدوسة. ومنهم من أكل أمعاء الحيوانات وأحشاءها. وبيع شنبل الحنطة بخمسة وعشرين قرشا ، ورطل الخبز بثلاث عشرة بارة إلى القرش ، والزبيب بقرش ، واللحم بقرش ونصف ، والسمن بربع القرش.

وفي محرم سنة ١٢٠١ ولي حلب عثمان باشا محافظ أبرائيل وولي سلفه بطال حسين باشا دمشق الشام. وفيها وقع في حلب طاعون جارف هلك فيه خلق كثير. وفي سنة ١٢٠٢ ولي حلب مير عبد الله باشا. وفي السالنامة أنه وليها في السنة قبلها وهو غلط.

وفي سنة ١٢٠٤ ولي حلب كوسه مصطفى باشا. وفي رابع ذي القعدة سنة ١٢٠٥ قام الحلبيون على الوالي وحاصروه في قصره أربعة أيام ثم في ثامن هذا الشهر أخرجوه من باب الفرج فأقام في ظاهر حلب ، وكانت الدولة عينت مكانه سليمان باشا ترنج زاده.

فتن في عينتاب وكلّز :

وفي سنة ١٢٠٦ كتبت الدولة إلى كوسه مصطفى باشا ـ المقيم في ظاهر حلب ـ أن يسيّر على نوري باشا بطال آغا زاده ، وكان عاصيا على الدولة في عينتاب. وذلك أن نوري باشا كان من وجهاء عينتاب وبيده مقاطعتها فظلم وبغى ، حتى اضطر أهل عينتاب إلى أن يستعينوا عليه بمحمد علي باشا طبان زاده متصرف كلّز ، فدعوه إليهم وسلموه قيادتهم

٢٤٠