نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٣

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٤٠

الآخر كأنه كوكب. وإذا انتهى الجيش إلى عقبة ترك السير عليها وذهب في الجبل صعدا وتدلّى من موضع يعجز عنه الوعل (١) مع ما يبدو على محيّاه من النشاط والجد.

قال الجاحظ : والتركي يحب القتال طبعا وطلبا للغنم ثم لما دان بالإسلام صار يحب القتال طبعا وطلبا للغنيمة وتدينا ودفاعا عن الوطن فصار لا يباريه في الحرب أحد ولا يدانيه في الصبر على الحر والبرد وقشف المعيشة مدان.

حكى ثمامة بن الأبرش (٢) قال : خرجت من بغداد فرأيت فصيلة من الفرسان الخراسانيين والأعراب وغيرهم قد عجزوا عن إمساك فرس ندّ (٣) منهم فمر بهم فارس تركي راكب على فرس هزال ضعيف فلما رآهم عجزوا عن إمساكه تصدى هو له فشرعوا يضحكون عليه ويسخرون به قائلين : إن الأمر الذي قد عجز عنه هؤلاء الأسود كيف يقدر عليه هذا المسكين؟ فلم يمض غير قليل حتى أمسك الفرس مع قصر قامته وهزال فرسه وأسلمه إليهم ، ومضى لسبيله غير ملتفت إلى دعائهم ولا إلى حسن ثنائهم ومكافأتهم ، ولا متفاخرا إزاء احتقارهم إياه ، كأنه لم يصدر منه شيء قط.

قلت : إن الجندي التركي الآن غير الجندي التركي في تلك الأزمان ، غير أنه مع ذلك لم تزل له ميزة على سائر أجناس العساكر ، فهو ما برح معروفا بالصبر على الحر والبرد وقشف العيشة ومعاناة مشاقّ السفر ، والطاعة لقواده والجرأة على أعدائه ، والقناعة بالزهيد من الأكل والشرب وقلة الهجوع. وحسبك شاهدا على تفوق الجندي التركي بمزاياه الجندية قول نابليون بنابرته : أعطوني الجندي التركي أفتح لكم الدنيا.

كنا نسمع من الجندي العربي في أثناء الحرب العامة تذمرا كثيرا وشكوى مرة من قلة الأكل والشرب ورداءة الطعام وظلم القادة ورداءة الكسوة وغير ذلك من المشقات التي يبديها لنا في صورة ينبو تحملها عن طوق البشر لأنها من المهلكات التي يحرم على الإنسان أن يلقي إليها بنفسه ، وإن ذلك من أعظم الأعذار التي تبيح الهرب من الجندية.

أما الجندي التركي فإننا كنا نراه في تلك الحرب الضّروس في حالة مألوفة له غير مخالفة

__________________

(١) الوعل : تيس الجبل ، وله قرنان قويان منحنيان كسيفين أحدبين.

(٢) كذا ، والصواب كما سبق : ثمامة بن أشرس.

(٣) أي شرد ونفر.

١٢١

لعادته فلا يتذمر منها ولا يدعي ما يدعيه الجندي العربي من سوء الحالة ، ولا يراها صالحة أن تكون عذرا يبيح له الهرب من الجندية.

تراه يهجم على عدوه الذي يمطره وابلا من الرصاص والقنابل وهو جائع عريان غير هيّاب ولا وجل ، لا يحدث نفسه بمخالفة أمر قائده ولا بالهرب من الجندية مهما اقترب منه الخطر وحاق به الهلاك.

قيل : إن أول من مدح الترك وأثنى على شجاعتهم علي بن عباس الرومي في قوله :

إذا ثبتوا فحصن من حديد

تخال عيوننا منه تحار

وإن برزوا فنيران تلظّى

على الأعداء يضرمها استعار

وقال آخر في حق القفجق :

وفتية من كماة الترك ما تركت

للرعد كبّاتهم صوتا ولا صيتا

قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة

حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا

قال الجاحظ في آخر رسالته : وقد انتظمت للتركي جميع معدّات الحرب ففاق بها جميع الأمم ، ومن حاز هذه المحاسن فقد حاز مزايا ينطوي تحتها الكرم وبعد الهمة وأصالة الرأي والفطنة والحكم والعزم والحزم والكتمان والثقافة والبصر في الخيل والسلاح والخبرة بالرجال والبلاد ، إلى آخر ما يحتاج إليه المحارب من أساليب القيادة وتعبئة الجيوش والخدع الحربية.

معارف الأتراك

كل من كتب شيئا عن أحوال الأتراك أقرّ بشجاعتهم وشدة بأسهم ، حتى قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم : إن ملوك الترك يسمون ملوك السباع لما اتصفوا به من الشجاعة وشدة البأس. غير أن جميع من وصفهم بهذه الأوصاف وخصهم بتلك المزايا قد سكت عن بقية صفاتهم الحميدة ومنهم من عدّهم من الأمم التي لم تعن بالعلوم والفنون. وقد نشأ ذلك من عدم التدبر (١) والتبصر في أحوال هذه الأمة

__________________

(١) في الأصل : «التبدر» تحريف بالقلب.

١٢٢

العظيمة وقلة استقصاء أخبارها من منابعها الحقيقية.

إن عدم اطلاع المؤرخين على ما للأتراك من المعارف والفنون ناشئ عن كون هذه الأمة كانت في الأزمان الغابرة أميّة ، لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولا يوجد عندها كتاب مدوّن ولا كتابة ، وحسبنا دليلا على ذلك أن جنكز خان وضع لها كتابا في شريعة استنبطها وقلم اخترعه. ولو كان للأتراك قلم يكتبون به أو قانون يتعاملون بأحكامه لما احتاج جنكز خان إلى ما وضعه واخترعه من الكتاب والقلم اللذين ذكرناهما. ولا يستغرب ذلك فإن الأمة الجركسية التي قام منها عدة ملوك لم يكن لهم بلغتهم كتاب يقرءونه ، ولا قلم يكتبون به.

إن من نظر إلى عظمة الأمم التركية ، وما كان لها من الحكومات القاهرة في الصين والهند الفرس وبعض جهات أوربا ، يضطره العقل إلى أن يقول : إن هكذا أمة لا يمكن أن تبلغ سطوتها هذا المبلغ العظيم دون أن يكون لها قدم راسخ في العلوم والفنون.

كيف لا يكون ذلك وقد اشتهر من فلاسفة الأتراك في أوربا الفيلسوف أنخرسيس الأسكتي التاتاري ، المعاصر لسولون رئيس فلاسفة اليونان ، كما حكى ذلك صاحب كتاب تلفيق الأخبار ، قال : وسبب شهرة هذا الفيلسوف قدومه على أثينا واشتهاره بين أهلها دون غيره من فلاسفة الأتراك الذين لم يفارقوا أوطانهم ولا وضعوا في حكمهم وفلسفتهم كتابا ، بل كانوا يتلقون الحكمة من بعضهم شفاها ويتناقلونها فيما بينهم تلقينا. هذا كله قبل أن يدينوا بالإسلام ويستنيروا بنوره ويتعلموا الكتابة والقراءة بالقلم العربي ، فقد ظهر منهم بعد ذلك رجال أحرزوا القدح المعلّى والنصيب الأوفر في الفنون والعلوم من منطوق ومفهوم.

علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي

زعم بعض المتشيعين للأتراك ، المتشبعين من موالاتهم ومحبتهم ، أن طائفة عظيمة من علماء الإسلام وأئمة الدين السادة الأعلام هم من عرق تركي ، وأن الحامل الذي كان يحمل أولئك الأعلام على وضع مؤلفاتهم الدينية باللغة العربية ـ مع أن لغتهم الأصلية تركية ـ أمران : أحدهما كون الدين الذي يضعون فيه مؤلفاتهم مستمدا (١) من مصدر عربي

__________________

(١) في الأصل : «مستمد» خطأ ، والصواب النصب ، كما أثبتناه.

١٢٣

هو القرآن والحديث اللذان لا يمكن إدراك حقيقة مفاهيمها ولا يتسع البحث بهما لاستنباط الأحكام الشرعية منهما إلا بلغتهما التي ولدا فيها وسطّرا على مقتضى قواعدها وضوابطها. والأمر الآخر كون اللغة التركية الأصلية المعبّر عنها باسم جغطاي أو باسم قفجق لغة ضيقة مضطربة القواعد ، لا تصلح لأن تكون لغة علمية دينية وأدبية ، أما بعد أن لطّفها العثمانيون وأدخلوا إليها ألوفا من الألفاظ العربية والفارسية ، صارت حينئذ صالحة لأن يضع بها طائفة من العلماء العثمانيين مؤلفاتهم.

يقول أولئك المتشيعون : إن علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي ، وإن كانت مؤلفاتهم باللغة العربية أو الفارسية ، إلّا أن لغتهم التي كانوا يتفاهمون بها بين أهليهم وعوامّهم كانت هي اللغة التركية المعروفة باسم جغطاي ، حتى إن سكان تركستان ـ الذي من جملته بخارى ـ ما برح أهلها (١) حتى الآن يتفاهمون بين أهليهم وعوامّهم بلغة جغطاي ، وما زال أهل العلوم الدينية ـ الذين يقصدون بخارى من الأقطار التركية ـ يتلقون علومهم باللغة العربية ويتكلمون فيما بينهم بلغتهم التركية جغطاي أو قفجق.

وعليه فإن العلامة الزمخشري مثلا هو من عرق تركي بلا شك ، لأنه من زمخشر (٢) ـ إحدى قرى بخارى التي هي من أمهات تركستان ـ لكن أكثر مؤلفاته باللغة العربية. وله عدة مؤلفات باللغة الفارسية ، وليس له شيء من المؤلفات باللغة التركية للسبب الذي ذكرناه. وهكذا يقال في العلماء الذين هم من عرق تركي ومؤلفاتهم باللغة العربية. وهاك أسماء بعض المشتهرين منهم على رأي المتشيعين المذكورين :

الرئيس ـ ولا أزيده مدحا على هذه اللفظة التي صارت علما عليه حيث أطلقت ـ وهو أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا. وتلميذ الرئيس بهمانيار. والإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، الذي قيل في كتابه «أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى». والإمامان الحجّتان مسلم والترمذي صاحبا الصحيحين المنسوبين إليهما. والإمام الحجّة العلامة محمود الزمخشري جار الله ، صاحب الكشاف وغيره من المصنفات

__________________

(١) اضطرب نسق الضمائر ، وما تعود إليه ، في عبارة المؤلف هنا. على أن المعنى واضح.

(٢) في الأصل : «زمخشرى» خطأ.

١٢٤

الشهيرة. والعلامة الأستاذ يوسف السكاك (١) صاحب مفتاح العلوم. وقد قيل فيه وفي الزمخشري : لو لا الكوسج والأعرج لعرج القرآن كما نزل. يراد بالكوسج : السكاك (٢) وبالأعرج : الزمخشري. والإمام المطرّزي صاحب كتاب المغرب وغيره ، وهو أحد تلامذة الزمخشري (٣). وناشر العلوم العربية الشيخ عبد القاهر (٤) الجرجاني. وصدر الافاضل رشيد الدين الوطواطي (٥). وعبد الجبار التفتازاني. والإمام حجة الإسلام محمد الغزالي ، الذي قيل في حق كتابه الإحياء : إذا فقدت كتب الشريعة أغنت (٦) عنها الإحياء. والعلامة صاحب التصانيف الكثيرة أبو حاتم محمد بن حبّان البخاري المعروف بغنجار البستي. والشيخ أبو الوليد أحمد بن أبي الرجا الأزداني ، شيخ البخاري صاحب الصحيح. وأبو محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير» و «التاريخ» المشهورين. وأبو بكر محمد ابن عبد الله الأوداني إمام أصحاب الشافعي في عصره. وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري صاحب كتاب الصحاح في اللغة. وأبو معشر البلخي ـ جعفر ـ من مهرة المنجمين ، المشهور بالفلكي المتوفى سنة ٢٧٢ وأبو نصر محمد بن محمد الفارابي الحكيم الفيلسوف صاحب التصانيف. في فنون الفلسفة والموسيقى. ونصر بن محمد الختلي شارح القدوري.

ومن أدبائهم المبرزين إبراهيم بن العباس الصولي ، والصولي الشطرنجي ، وغيرهم من العلماء الأعلام والأئمة الفضلاء الفخام الذين يضيق المقام عن ذكر أسمائهم. هذا كله عدا العلماء والفضلاء الذين نشؤوا في أحضان الدولة العثمانية وتخرجوا في مدارسها ومعاهدها العلمية كشمس الدين المعروف بابن كمال باشا ، المشهور بمفتي الثّقلين المنسوب لأدرنة ، وبها كانت وفاته سنة ٩٤٠ وأبي السعود صاحب التفسير وناظم القصيدة المشهورة التي نوّه بذكرها الشهاب الخفاجي في كتابه «ريحانة الألبّاء» وأثبتها برمتها ومطلعها : «أبعد سليمى بغية ومرام؟» وعلي أفندي الزنبيلي والأنقروي صاحب الفتاوي ، وعلي أفندي صاحب الفتاوي الأخرى ، والحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي صاحب كتاب

__________________

(١) الصواب : «السكاكي» بالياء في آخرها ، وهي الشهرة التي عرف بها.

(٢) الصواب : «السكاكي» بالياء في آخرها ، وهي الشهرة التي عرف بها.

(٣) لم يكن المطرزي تلميذا للزمخشري بل كان متأثرا به جدا ، وقد ولد المطرزي في السنة التي مات فيها الزمخشري ٥٣٨ ه‍. انظر مقدمة كتاب المغرب ، تحقيق محمود فاخوري وعبد الحميد مختار ، طبع حلب ١٩٧٩ م.

(٤) في الأصل : «عبد القادر» ، فصوبناه كما ترى.

(٥) كذا ، والصواب «الوطواط» بحذف الياء.

(٦) الصواب : أغنى.

١٢٥

كشف الظنون وغيره من المؤلفات الجليلة. وغيرهم ممن لا يساعدنا المقام على استقصاء أسمائهم.

على أن صاحب كتاب الشقائق النعمانية ، وصاحب تاج التواريخ ، وصاحب كتاب (أسامي) ، وصاحب كتاب قاموس الأعلام ، وغيرهم من أدباء الأتراك وعلمائهم الذين ألفوا بالتاريخ ، قد ذكروا في كتبهم طائفة صالحة من علماء الأتراك وأدبائهم الخريجين في مدارس الدولة العثمانية. فليراجع هذه الكتب من أحب الاطلاع على أولئك الفضلاء.

أقول : ما ذكره المتشيعون للأتراك من العلماء المتخرجين في مدارس الدولة العثمانية بأنهم أتراك فأمر مسلم به ، وأما من ذكروه قبلهم من العلماء والفضلاء بأنهم من عرق تركي فليس يصح ذلك في جميعهم ، ولنا فيه كلام في غير هذا الكتاب نورده حين الاقتضاء.

هذا آخر الإجمال الذي أوردناه استطرادا في الكلام على الأتراك.

ولنرجع إلى سرد الحوادث التي لها علاقة في حلب وملحقاتها فنقول :

١٢٦

سنة ٦٣٧ وفاة شيركوه

فيها توفي الملك المجاهد شيركوه صاحب حمص وقد استقام ملكا عليها ٥٦ سنة واستقر بالملك بعده ابنه الملك المنصور إبراهيم.

سنة ٦٣٨ وصول الخوارزمية إلى حلب

وما جرى من الحوادث إلى سنة ٦٤١

الخوارزمية طائفة من المسلمين الساكنين في بلاد خوارزم ، هربوا من بلادهم حينما استولى عليها جنكز خان وجاؤوا إلى هذه البلاد وقويت شوكتهم وملكوا بعض مدن وقصبات ، وظاهرهم بعض ملوكها للاستعانة بهم على نواياه. وفي هذه السنة أعني سنة ٦٣٨ سار الخوارزميون إلى حلب فخرج إليهم عسكرها مع الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين ، ووقع بينهم القتال فانهزم الحلبيون وقتل منهم خلق كثير ، منهم الملك الصالح ابن الملك الأفضل بن صلاح الدين ، وأسر مقدّم الجيش الملك المعظم توران شاه المذكور. واستولى الخوارزميون على أثقال الحلبيين وأسروا منهم عدّة وكانوا يقتلون الأسير ليشتري غيره نفسه منهم.

ثم نزل الخوارزميون على حيلان وكثر عيثهم (١) في بلاد حلب ، وجفل أهل الحواضر والبلاد ودخلوا مدينة حلب واستعدوا للحصار ، وارتكب الخوارزميون من الزنى والفواحش والقتل ما ارتكبه التتر في بلادهم. ثم ساروا إلى منبج وفعلوا فيها من القتل والنهب مثلما تقدم ذكره. ثم رجعوا إلى بلادهم وهي حرّان وما معها ، بعد أن خربوا بلد حلب. ثم رحلوا من حرّان وقطعوا الفرات إلى الجبّول ثم إلى تل عزاز ، ثم إلى سرمين ثم إلى المعرة ، وهم ينهبون ما يجدونه.

__________________

(١) أي فسادهم. ويقال في الفعل : عاثوا فسادا.

١٢٧

وكان قد وصل الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه ـ صاحب حمص ـ ومعه عسكر من عساكر الملك الصالح إسماعيل المستولي على دمشق نجدة للحلبيين ، فاجتمع الحلبيون مع صاحب حمص وقصدوا الخوارزمية. واستمرت الخوارزمية على ما هم عليه من النهب حتى نزلوا على شيزر ، ونزل عسكر حلب على تل السلطان. ثم رحلت الخوارزمية إلى جهة حماة ولم يتعرضوا إلى نهبها ، لانتماء صاحبها الملك المظفر إلى الملك الصالح أيوب محالفهم. ثم سار الخوارزمية إلى سلمية ثم إلى الرصافة طالبين الرقة. وسار عسكر حلب من تل السلطان إليهم ولحقتهم العرب فأرمت الخوارزمية ما كان معهم من المكاسب وسيّبوا الأسارى.

ووصلت الخوارزمية إلى الفرات في أواخر شعبان هذه السنة ، ولحقهم عسكر حلب وصاحب حمص قاطع صفين ، فعمل لهم الخوارزمية ستائر ووقع القتال بينهم إلى الليل ، فقطع الخوارزمية الفرات وساروا إلى حرّان وسار عسكر حلب إلى البيرة وقطعوا الفرات منها. وقصدها الخوارزمية والتقوا قريب الرها لتسع بقين من رمضان هذه السنة ، فولى الخوارزمية منهزمين ، وركب صاحب حمص وعسكر حلب أقفيتهم يقتلون ويأسرون إلى أن حال الليل بينهم. ثم سار عسكر حلب إلى حرّان فاستولى عليها وهربت الخوارزمية إلى بلد عانة ، وبادر بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى نصيبين ودارا ـ وكانتا للخوارزمية ـ فاستولى عليهما وخلّص من كان بهما من الأسرى ، وكان منهم الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين ، أسر في كسرة حلب. ثم استولى عسكر حلب على الرقة والرها وسروج ورأس العين وما مع ذلك.

ثم سار عسكر حلب ومعه نجدة وصلت إليه من الروم وحاصروا الملك المعظم بن الملك الصالح أيوب بآمد وتسلموها منه. وفي سنة ٦٣٩ توفي الملك الحافظ بن الملك العادل بعزاز ، وهي التي تعوّضها عن قلعة جعبر ونقل إلى حلب ودفن في الفردوس. وتسلم نواب الملك الناصر صاحب حلب قلعة عزاز وأعمالها. وفي سنة ٦٤٠ كان بين الخوارزمية ، ومعهم الملك المظفر غازي صاحب ميافارقين ، وبين عسكر حلب ومعهم الملك المنصور صاحب حمص ، مصافّ قرب الخابور عند المجدل في يوم الخميس لثلاث بقين من صفر. فولى الملك المظفر والخوارزمية منهزمين أقبح هزيمة ، ونهب منهم عسكر حلب شيئا كثيرا

١٢٨

ونهبت وطاقات (١) الخوارزمية ونساؤهم أيضا. ونزل الملك المنصور في خيمة الملك المظفر ، واحتوى على خزانته ووطاقه. ووصل عسكر حلب وصاحب حمص إلى حلب في مستهل جمادى الأولى مؤيدين منصورين.

وفيها توفيت ضيفه خاتون بنت الملك العادل ودفنت بقلعة حلب ، وهي محل مولدها سنة ٥٨١ ولما توفيت كان عمر ولدها الناصر بن الملك العزيز نحو ثلاث عشرة سنة ، فأشهد عليه أنه بلغ ، واستلم زمام المملكة الحلبية ، والمرجع في الأمور جمال الدين إقبال ، الأسود الخصي الخاتوني.

وفي سنة ٦٤١ تحرك طائفة من التتر نحو بلاد حلب. ففي مختصر الدول لابن العبري أنه في هذه السنة غزا يساور نوين الشام ووصل إلى موضع يسمى حيلان على باب حلب وعاد عنها لحفى (٢) أصاب خيول التتر ، وأنه بعد ذلك اجتاز بملطية وخرب بلادها ورعى غلّاتها وبساتينها وكرومها وأخذ منها أموالا عظيمة حتى خشل النساء وصلبان البيع (٣) ووجوه الأناجيل وآنية القدّاس المصنوعة من الذهب والفضة. ثم رحل عنها وطلب طبيبا يداويه في سحج (٤) عرض له ، فأخرج إليه والده وسار معه إلى خرتبرد فدبّره حتى برىء ، ثم جاء ولم يطل المقام بملطية ورحل بأهله إلى أنطاكية فسكنوها ، وأقحطت البلاد بعد ترحال التتر ووبئت الأرض فهلك عالم ، وباع الناس أولادهم بأقراص الخبز. اه.

سرد الحوادث من سنة ٦٤١ إلى آخر سنة ٦٥٦

في هذه السنة وهي سنة ٦٤١ سارت نجدة من حلب مع ناصح الدين الفارسي إلى صاحب الروم غياث الدين كيخسرو ، واجتمعوا معه وقاتلوا التتر فلم ينجحوا. وفي سنة ٦٤٤ كان الخوارزمية يحاصرون دمشق فسار إليهم الحلبيون ومعهم الملك المنصور ، فانكسر الخوارزمية وقتل مقدّمهم بركه خان وحمل رأسه إلى حلب ، وجاء الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك مستجيرا بصاحب حلب الملك الناصر لأنه كان معتضدا مع الخوارزمية.

__________________

(١) الوطاقات : مفردها «وطاق» وهي كلمة دخيلة معناها : الخيمة.

(٢) الحفى : رقة تصيب حوافر الخيل من كثرة السير.

(٣) أي أهانها ولم يراع حرمتها. والبيعة : الكنيسة.

(٤) السحج : مرض يتقشر منه الجلد.

١٢٩

وفي سنة ٦٤٦ أرسل الملك الناصر صاحب حلب ، وحاصر حمص وأخذها من الأشرف موسى وعوّضه عنها تل باشر مضافا لما بيده من الرحبة وتدمر. وفي سنة ٦٤٧ وقع الحرب بين بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وبين عسكر الملك الناصر صاحب حلب بظاهر نصيبين وانهزمت المواصلة أقبح هزيمة ، واستولى الحلبيون على أثقالهم وتسلموا نصيبين ، ثم ساروا إلى دارا وتسلموها بعد حصار ثلاثة أشهر ، ثم تسلموا قرقيسيا ثم عادوا إلى حلب.

وفي سنة ٦٤٨ كاتب أمراء دمشق القيمرية بها الملك الناصر صاحب حلب ليسلموه دمشق ، وذلك لأنهم أنفوا من أن يتسلطن عليهم امرأة وهي شجرة الدر زوجة الملك الصالح بعد وفاته بمصر. وكان صاحب مصر ـ وهو آخر الأيوبية ـ بها ، فسار الناصر إلى دمشق وملكها لثمان بقين من ربيع الأول وعصت عليه بعلبكّ وعجلون وشميس ، مدّة ، ثم سلمت إليه. وبلغ ذلك أهل مصر فقبضوا على من بها من القيمرية وكلّ من اتّهم بالميل إلى الحلبيين. وفي منتصف رمضان منها سار الناصر صاحب حلب ودمشق إلى مصر ومعه من بني أيوب أهل بيته نحو العشرة وسائر عساكرهم ، وخرج إليهم المصريون والتقوا بالعباسية وانكسر المصريون وخطب للناصر في تلك الجمعة بمصر وقلعة الجبل ، ثم انعكس المقدور وكسر الشاميون وقتل عدة أمراء منهم.

وفي سنة ٦٤٩ جهز الملك الناصر صاحب الشام عسكرا إلى غزة وخرج المصريون إلى السبائخ وأقاموا كذلك حتى خرجت السنة. وفي سنة ٦٥١ استقر الصلح بين الملك الناصر وبين البحرية بمصر ، على أن يكون للمصريين إلى نهر الأردنّ ، وللملك الناصر ما وراء ذلك. وكان واسطة الصلح بينهما نجم الدين الباذراني رسول الخليفة. وفي سنة ٦٥٢ قدمت ملكة خاتون بنت كقباد ملك الروم إلى زوجها الملك الناصر صاحب الشام. وفي سنة ٦٥٣ مشى نجم الدين الباذراني في الصلح بين المصريين والشاميين ، واتفق الحال أن يكون للملك الناصر الشام جميعه إلى العريش ، ويكون الحد بئر القاضي ـ وهو بين الواردة والعريش ـ وبيد المعزّ أيبك الديار المصرية ، ورجع كل لمحله.

وفي سنة ٦٥٤ توجه كمال الدين بن العديم الحلبي رسولا من قبل الملك الناصر صاحب الشام إلى الخليفة المستعصم بتقدمة جليلة ، وطلب الخدمة لمخدومه. ووصل شمس الدين

١٣٠

سنقر الأقرع من مماليك المظفر غازي صاحب ميّافارقين من جهة المعزّ أيبك صاحب مصر إلى بغداد بتقدمة جليلة ، وسعى بتعطيل خلعة الناصر. فتحيّر الخليفة برهة أيام ، ثم أحضر سكينا من اليشم (١) كبيرة ، وقال للوزير : أعط هذه السكين رسول صاحب الشام علامة على أن له خلعة عندي في غير هذا الوقت ، أما الآن فلا يمكنني. فعاد كمال الدين بالسكّين بلا خلعة.

وفي سنة ٦٥٥ وصل من الخليفة المستعصم الخلعة والطوق والتقليد إلى الملك الناصر صاحب الشام. وفي سنة ٦٥٦ اشتد الوباء بالشام وخصوصا بدمشق حتى قلّ مغسّلو الموتى.

وصول التتر إلى حلب وما جرى عليها منهم

في سنة ٦٥٧ تقدم هولاكو بن تولي بن جنكز خان إلى البلاد الشرقية ونازل الجزيرة وحرّان واستولى عليهما. ثم أرسل إلى الملك الناصر رسالة مسهبة يتهدده بها ، أثبتها ابن العبرى في كتابه «مختصر الدول» وأجابه عليها الملك الناصر بجواب يظهر فيه القوة وعدم المبالاة ، قرأته في رقعة مخطوطة عند صديقنا السيد محمد أسعد أفندي العينتابي. ولما اطلع عليه هولاكو أخذ منه الغيظ كل مأخذ وأمر ولده «أشموط» بالإغارة على الشام ، فقطع الفرات في جمع كثيف ونزل على نهر الجوز وتل باشر ووصل خبره إلى حلب من البيرة ، ونائب الملك الناصر في حلب الملك المعظم فخر الدين توران شاه ، فجفل الناس من التتر إلى جهة دمشق ، وعظم الخطب واحترز نواب حلب وجمعوا أهل الأطراف والحواضر في داخل البلد وكانت حلب في غاية الحصانة والقوة.

فلما كان العشر الأخير من ذي الحجة قصد التتر حلب ونزلوا على قرية يقال لها المسلميّة وامتدوا إلى حيلان ، وسيّروا جماعة من عسكرهم أشرفوا على المدينة ، فخرج عسكر حلب ومعهم جماعة من العوامّ والسوقة فأشرفوا على التتر وهم نازلون على هذه الأماكن وقد ركبوا جميعهم إرهابا للمسلمين. ولما تحقق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة وتقدم الملك الأعظم بأن لا يخرج أحد بعد ذلك من المدينة. وفي الغد رحل التتر من منزلتهم

__________________

(١) اليشم : حجر كريم قريب من الزبرجد ، لكنه أكثر صفاء منه.

١٣١

يطلبون المدينة واجتمع عسكر المسلمين بالبواسير وميدان الحصى وأجالوا الرأي فيما يعتمدونه ، فأشار عليهم الملك المعظم ألّا يخرجوا أصلا لكثرة التتر وقوتهم وضعف المسلمين عن لقائهم ، فأبوا إلا الخروج إلى ظاهر البلد لئلا يطمع العدوّ فيهم.

فخرج العسكر إلى ظاهر البلد وخرج معهم العوام والسوقة واجتمعوا كلهم بجبل بانقوسا ووصل جمع التتر إلى أسفل الجبل وأوكبوا على القرية (١) المعروفة ببابليّ. فنزل جماعة من العسكر إليهم ليقاتلوهم فلما رآهم التتر اندفعوا بين أيديهم مكرا وخداعا فتبعوهم ساعة من النهار ثم كرّ التتر عليهم فولوا منهزمين إلى جهة البلد والتتر في إثرهم. فلما جاؤوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلهم طالبين البلد ، فاختنق من المسلمين خلق كثير في أبواب البلد والتتر في أعقابهم فقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ونازلوا المدينة في ذلك اليوم إلى آخره. ثم رحلوا طالبين عزاز فتسلموها بالأمان.

ولما بلغ الملك الناصر خبرهم وهو بدمشق أشخص كمال الدين بن العديم رسولا إلى الملك المنصور صاحب مصر يستنجده عليهم فرجع بالخيبة. وأما الملك الناصر فإنه خرج من دمشق إلى برزة في أواخر هذه السنة وجفل الناس بين يدي التتر ، وسار من حماة إلى دمشق الملك المنصور صاحب حماة ، ونزل مع الناصر ببرزة. وكان ببرزة بيبرس البندقداري صاحب الكرك ، فاجتمع عند الملك الناصر ببرزة أمم عظيمة من العساكر والجفّال (٢) ، غير أن الملك الناصر بلغه أن جماعة من مماليكه قاصدون اغتياله ، فهرب إلى قلعة دمشق وخافه مماليكه فهربوا إلى جهة غزّة ، وسار البندقداري معهم.

وأما التتر فإنهم في صفر سنة ٦٥٨ عادوا إلى حلب ، لأن هولاكو بن تولي بن جنكز خان كان قد عبر الفرات بجموعه ونازل حلب ، وأرسل إلى الملك المعظم نائب حلب يقول له : إنكم تضعفون عن لقاء المغل ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة (٣) وبالقلعة شحنة ونتوجه نحن إلى العساكر ، فإن كانت الكسرة على عسكر المسلمين كانت البلاد لنا وتكونوا قد حقنتم دماء المسلمين ، وإن كانت الكسرة علينا كنتم

__________________

(١) أي أقاموا عندها ولازموها.

(٢) الجفّال : جمع جافل. يريد بهم الذين هاجروا من أوطانهم خوفا وطلبا للأمن.

(٣) الشحنة : العسكر الذين يرابطون في البلد لضبط أمور أهله.

١٣٢

مخيّرين في الشحنتين إن شئتم طردتموهما وإن شئتم قتلتموهما. فلم يجب الملك المعظم إلى ذلك وقال : ليس لكم عندنا إلا السيف. وكان رسول هولاكو في ذلك صاحب أرزن الروم ، فتعجب هولاكو من هذا الجواب وتألم لما علم من هلاك أهل حلب بسبب ذلك. ثم سار هولاكو وأحاط بحلب ثاني يوم من صفر وفي الغد هجم التتر على حلب وقتلوا من المسلمين جماعة كثيرة منهم أسد الدين بن الملك الزاهر بن صلاح الدين.

واشتدت مضايقة التتر للبلد وهجموا من عند حمّام حمدان في ذيل قلعة الشريف في يوم الأحد تاسع صفر وبذلوا السيف في المسلمين ، وصعد خلق كثير إلى القلعة ودام القتل والنهب من نهار الأحد إلى يوم الجمعة ، رابع عشر صفر ، فأمر هولاكو برفع السيف ونودي بالأمان ، ولم يسلم من أهالي حلب إلا من التجأ إلى دار شهاب الدين بن عمرون ، ودار نجم الدين ـ أخي مردكين ـ ودار البازيار ، ودار علم الدين قيصر الموصلي ، والخانكاه (١) التي فيها زين الدين الصوفي ، وكنيسة اليهود ، وذلك لفرمانات كانت بأيدي المذكورين. وقيل إنه سلم بهذه الأماكن خمسون ألف نسمة.

ثم إن التتر نازلوا القلعة وحصروها وكان بها الملك المعظم ومن التجأ إليها من العسكر.

وفي أثناء محاصرتها وثب جماعة من أهلها على صفي الدين بن طرزة ـ رئيس حلب ـ وعلى نجم الدين بن عصرون ، فقتلوهما لأنهم اتهموهما في المواطأة (٢) مع التتر واستمر الحصار على القلعة واشتدت مضايقة التتر نحو شهرين ثم سلّمت بالأمان يوم الاثنين حادي عشر ربيع الأول. ولما نزل أهلها ـ وكان بها جماعة من البحرية الذين حبسهم الملك الناصر ـ سلّمهم هولاكو وباقي الترك إلى رجل من التتر يقال له سلطان جق ، وهو رجل من أكابر القفجاق ، هرب من التتر لما غلبوا على القفجاق وقدم إلى حلب فأحسن إليه الملك الناصر فلم تطب له تلك البلاد فعاد إلى التتر. وأما العوام والغرباء فإنهم نزلوا إلى أماكن الحمى المذكورة. وأمر هولاكو أن يمضي كل من سلم إلى داره وملكه وأن لا يعارض ، وجعل النائب بحلب عماد الدين القزويني.

ووصل إلى هولاكو ـ وهو على حلب ـ صاحب حمص الملك الأشرف موسى بن

__________________

(١) الخانكاه «أو الخانقاه» : رباط الصوفية ، ويسمى أيضا : التكيّة ، والزاوية.

(٢) في الأصل : «الموطأة» ولا معنى لها.

١٣٣

إبراهيم بن شيركوه فأكرمه هولاكو وأعاد عليه حمص ، وكان أخذها منه الملك الناصر وعوضه عنه تل باشر كما تقدم. وقدم عليه أيضا محيي الدين التركي نائب دمشق ، فالتفت إليه وخلع عليه وولاه قضاء الشام. وقدم عليه أيضا جماعة من أكابر حماة وسلموه مفاتيح بلدهم فأمّنهم. ثم رحل هولاكو عن حلب إلى حارم وطلب تسليمها من أهلها فامتنعوا أن يسلموها لغير فخر الدين والي قلعة حلب ، فأحضره هولاكو وسلموها إليه ، فغضب هولاكو وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم وسبى النساء. ثم رحل عنها إلى الشرق وأمر عماد الدين القزويني بالرحيل إلى بغداد وجعل مكانه بحلب رجلا أعجميا ، وأمر هولاكو بخراب أسوار قلعة حلب وأسوار المدينة فخربت عن آخرها. وألقى السيسيون المنضمون إلى التتر النار في الجامع الكبير ثم في كنائس النصارى وقتلوا في الجامع خلقا كثيرا دفنوا في جباب كانت بالجامع ، للغلّة ، في شماليّه.

أما الملك الناصر فإنه لما بلغه أخذ حلب ـ وهو بدمشق هاربا من مماليكه كما تقدم ـ رحل من دمشق بمن معه من العساكر إلى جهة الديار المصرية ومعه الملك المنصور صاحب حماة ، فأقام بنابلس أياما ورحل عنها إلى غزة فاصطلح مع مماليكه الذين كانوا أرادوا قتله ومع أخيه الملك الظاهر ، ثم رحل غزّة إلى العريش لما بلغه أن التتر استولوا على نابلس أيضا. وسيّر رسولا إلى الملك المظفر صاحب مصر يطلب منه المعاضدة على التتر. ثم سار الملك الناصر ومن معه إلى قطبة وبقي بها أياما خوفا من أن يدخل مصر فيقع القبض عليه ، ففارقته العساكر والملك المنصور صاحب حماة إلى مصر وبقي معه جماعة يسيرة منهم أخوه الملك الظاهر والملك الصالح صاحب حمص وغيرهما ، فسار بهم إلى جهة تيه بني إسرائيل.

وكان التتر في هذه المدة قد استولوا على دمشق وجميع الشام عدا غزّة فبقي الملك الناصر في التيه متحيرا إلى أن عزم على التوجه إلى الحجاز ، وكان معه طبردار (١) له اسمه حسين الكردي فحسّن له المسير إلى التتر وقصد هولاكو ، فاغتر بقوله ونزل ببركة زبر وسار حسين الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الملك الناصر ، فأرسل كتبغا إليه وقبض عليه وأحضره إلى عجلون ، وكانت عاصية فأمرهم الملك الناصر بتسليمها فسلمت للتتر وهدمت. ثم إن كتبغا بعث بالملك الناصر إلى هولاكو فوصل إلى دمشق ثم إلى حماة ثم إلى حلب فلما عاينها الملك الناصر وما حل بها وبأهلها تضاعفت حسراته وأنشد :

__________________

(١) الصبر : الفأس ، أو سلاح يشبهه. ويسمى حامله : الطبردار.

١٣٤

يعزّ علينا أن نرى ربعكم يبلى

وكانت به آيات حسنكم تتلى

ثم سار إلى الأوردو ـ وكان بها هولاكو ـ فأقبل على الملك الناصر ووعده بردّ مملكته إلى ما كان عليه.

دخول حلب في حوزة دولة

الأتراك المماليك وحوادثهم فيها

ثم إن الملك المظفر ـ مملوك المعز أيبك صاحب مصر ـ جهز جيشا كثيفا لإخراج التتر من الشام وقصدهم والتقى معهم في الغور عند عين جالوت التي هي بليدة بين بيسان ونابلس من فلسطين ـ وكانت وصلت إليهم الأخبار بانكسار جيوش هولاكو وهلاك معظمها بحرب ضروس دارت بينه وبين ابن عمه بركة خان ، ففتّ ذلك في أعضادهم وهالههم الأمر فانهزموا من أمام جيش الملك المظفر أقبح هزيمة ، وقتل منهم خلق كثير وهرب من سلم منهم لرؤوس الجبال ، فتبعهم المسلمون وأفنوا أكثرهم وبعد أن دخل الملك المظفر دمشق ورتب أمورها جهز عسكرا إلى حلب لحفظها وفوّض نيابتها إلى الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، وهو أول نائب بحلب من قبل دولة الأتراك والمفهوم من تاريخ أبي ذرّ أن أول نائب بحلب من قبل الدولة المذكورة هو الملك الناصر صاحب الشام أولا.

وعلى كل فإن الملك السعيد لما جاء حلب نائبا سار سيرة رديئة وكان دأبه التحيل على أخذ المال من الرعية ، فأبغضه العسكر لسوء فعله. وكان بلغه أن التتر ساروا إلى البيرة فجرد إليهم جماعة قليلة من جهة العسكر وقدم عليهم سابق الدين ـ أمير مجلس الناصر ـ فأشار كبراء العزيزية والناصرية بأن هذا غير موافق للمصلحة وأن هؤلاء الجماعة قليلون فيحصل الطمع بسببهم في البلاد. فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم ، فسار سابق الدين المذكور بمن معه حتى قارب البيرة فوقع عليهم التتر فهرب سابق الدين منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه. فازداد غيظ الأمراء على الملك السعيد ، فاجتمعوا وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه ، وكان قد برز إلى بابلّي. ولما استولوا على خزانته لم يجدوا فيها طائلا فهددوه بالعذاب إن لم يقرّ لهم بالمال. فأقر لهم ونبش من تحت أشجار

١٣٥

حائط في قرية بابلّي جملة من المال قيل كانت خمسين ألف دينار مصرية ففرّقت بالأمراء ، وحمل الملك السعيد إلى الشّغر وبكاس معتقلا.

ثم اتفق الأمراء العزيزية والناصرية وقدّموا عليهم حسام الدين الجو كندار. ولما شاع بحلب أن التتر معاودون إليها خام (١) عنهم حسام الدين المذكور بمن معه من العساكر إلى جهة حماة. أما التتر فإنهم ساروا إلى حلب وعاودوها في أواخر هذه السنة أعني سنة ٦٥٨ وكان مقدّم عسكر التتر بيدرا. فأجفل أهل حلب إلى البلاد القبلية وأخرج التتر من بقي من أهلها بعيالهم وأولادهم حافين مجرّدين إلى المحلّ المعروف بمقر الأنبياء ، وبذلوا فيهم السيف فأفنوا أكثرهم وسلم القليل منهم. ثم تراجع من أفلت بأسوإ حال. ولما عاد كمال الدين عمر بن أحمد بن عبد العزيز إلى حلب بعد أن خربها التتر ـ وكان جافلا منهم ـ رأى أحوال حلب فقال في ذلك قصيدة ، منها :

هو الدهر ما تبنيه كفّاك يهدم

وإن رمت إنصافا لديه فتظلم

أباد ملوك الفرس جمعا وقيصرا

وأصمت لدى فرسانها منه أسهم (٢)

وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم

وما منهم إلا مليك معظّم

وملك بنى العباس زال ولم يدع

لهم أثرا من بعدهم وهم هم

وأعتابهم أضحت تداس ، وعهدها

تباس بأفواه الملوك وتلثم

وعن حلب ما شئت قل من عجائب

أحلّ بها يا صاح ، إن كنت تعلم

ومنها :

فيا لك من يوم شديد لغامه (٣)

وقد أصبحت فيه المساجد تهدم

وقد درست تلك المدارس وارتمت

مصاحفها فوق الثرى وهي ضخّم

ولكنما لله في ذا مشيئة

فيفعل فينا ما يشاء ويحكم

ولعمر [بن] إبراهيم الرّسعني (٤) مقامة في هذه الحادثة أثبت بعضها ابن الوردي في كتابه

__________________

(١) نكص وتراجع.

(٢) أصمى السهم الهدف : لم يخطئه. وأصمى الصيد : رماه فقتله مكانه.

(٣) اللغام ، زبد أفواه الإبل. وهو في الشعر على المجاز.

(٤) في الأصل : «ولعمر إبراهيم الرسعني» فصوّبناه من «تتمة المختصر» ٢ / ٣٠٨ والرّسعني ، بالعين المهملة : نسبة إلى «رأس العين» بالجزيرة الفراتية.

١٣٦

تتمة المختصر المطبوع ، فاستغنينا بذلك عن ذكرها هنا للاختصار.

وفي محرّم سنة ٦٥٨ انكسر جيش التتر على حمص وحماة فأتى فلّهم إلى حلب وأخرجوا من فيها من الرجال والنساء ولم يبق إلا من اختفى ، ثم قتلوا من كان في حلب من الغرباء فقتل منهم جماعة من أهلها ثم عدّوا من بقي من الحلبيين وأعادوهم إلى حلب وأحاطوا بها ومنعوا الخروج والدخول إليها. فغلت أسعار الأقوات غلوا فاحشا حتى بيعت التفاحة بخمسة دراهم ، والبطّيخة بأربعين درهما ، وأكل الناس الميتة سنة ٦٥٩.

وذكر ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني أن أهل بعلبكّ خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية ، وكان هو مطرانها في هذه السنة وهي سنة (٦٥٩) فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوّه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم. اه.

وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته أنه في أواسط القرن الثالث عشر لم يرد من الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال : ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. اه. قلت : قدمنا ذكر هذه العبارة في الكلام على النصارى بعد الفتح الإسلامي فليراجع.

وفي هذه السنة وصل البرنلي إلى حلب وكان التتر قد رحلوا عنها. وحين قدوم البرنلي إليها كان بها فخر الدين الحمصي ، جهزه إليها علاء الدين إيدكين البندقداري نائب السلطنة بدمشق للكشف على البيرة ، فإن التتر كانوا قد نازلوها. فلما قدم البرنلي إلى حلب قال لفخر الدين : نحن في طاعة الملك الظاهر صاحب مصر فامض إليه واسأله أن يتركني ومن معي في هذا الطرف. فلما سار فخر الدين ليؤدي هذه الرسالة تمكن البرنلي واحتال على ما في حلب من الحواصل (١) واستبد بالأمر وجمع العربان والتركمان واستعد لقتال عسكر مصر ، فالتقى الحمصي في الرمل مع جمال الدين المحمدي الصالحي متوجها لقتال البرنلي المذكور ، فانضم إليه ولحق بهما علم الدين سنجر الحلبي ثم عز الدين الدمياطي ، وساروا جميعا بمن معهم من العسكر إلى حلب وطردوا البرنلي عنها.

__________________

(١) الحواصل : مخازن الماء. وقد تطلق على المخازن عامة. والمفرد : حاصل.

١٣٧

وفيها قتل الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين الأيوبي ، قتله ـ وأخاه وعدة أمراء ـ هولاكو في بلاد العجم لما بلغه خبر كسر عسكره بالشام وكانوا معتقلين معه.

وفي سنة ٦٦٠ جهز الملك الظاهر عسكرا إلى حلب ومقدّمهم شمس الدين سنقر الرومي ، فأمنت بلاد حلب وعادت إلى الصلاح. ثم تقدم الملك الظاهر إلى شمس الدين المذكور ، وإلى الملك المنصور صاحب حماة وإلى الملك الأشرف صاحب حمص ، أن يسيروا إلى أنطاكية وبلادها للإغارة عليها وإقلاق صاحبها البرنس بيمد ، فساروا إليها ونهبوا بلادها وضايقوها. ثم عادوا فتوجهت العساكر صحبة شمس الدين سنقر الرومي إلى مصر ومعهم ما ينوف عن ثلاثمائة أسير.

مبايعة الخليفة في حلب :

وفي هذه السنة وهي سنة ٦٦٠ قدم حلب أبو العباس أحمد بن علي الذي لقب الحاكم بأمر الله الأول ـ وكان غائبا وقت الفتنة ببغداد ـ فقدم حلب وبايعه بالخلافة كثير من الناس. ثم كاتب الملك الظاهر بيبرس فاستقدمه إلى مصر وبايعه ، واستمر بها خليفة إلى أن توفي سنة ٧٠٦ وفي سنة ٦٦٣ أو التي بعدها أمسك الملك الظاهر زامل بن علي أمير العرب بمكاتبة عيسى بن المهنا.

استيلاء الملك الظاهر على يافا وأنطاكية وغيرها من البلاد الشامية :

في سنة ٦٦٦ في مستهل جمادى الآخرة منها توجه الملك الظاهر من مصر إلى الشام وفتح يافا ـ في العشر الأوسط من الشهر ـ من الفرنج الصليبيين. ثم سار ونازل أنطاكية في مستهل رمضان وزحف إليها وملكها بالسيف يوم السبت رابع رمضان ، وقتل وسبى وغنم وأسر منها شيئا عظيما ، كانت للبرنس بيمند ، وله معها طرابلس الشام ، وكان بطرابلس لما فتحت أنطاكية. وفي ثالث عشر هذا الرمضان استولى الملك الظاهر على بغراس ، وكانت خالية لانهزام أهلها منها عندما فتحت أنطاكية ، فاستولى عليها وشحنها بالرجال والعدة.

وفي سنة ٦٧٠ أغار التتر على عينتاب والرّوج وقميطون إلى قرب أفامية ، ثم عادوا

١٣٨

وقد وصل الملك الظاهر مع معسكره إلى حلب. وفي هذه السنة ملك التتر البيرة فقصدهم السلطان وأوقع بهم فقتل وأسر منهم عدد كبير. وفيها أوقع السلطان بطائفة من التتر كانوا على شاطىء الفرات. وفي سنة ٦٧٣ قصد السلطان ابن هيثوم الأرمنيّ ملك سيس والمصيصة وفتك بالأرمن فتكا ذريعا وأحرق وسبى وهدم وكان فتحا عظيما ، ثم عاد إلى الديار المصرية. وفي سنة ٦٧٤ نازل التتر البيرة ـ واسم مقدّمهم أقطاي ـ فتوجه إليهم الملك الظاهر من دمشق فرحلوا عنها ، وبلغه خبر رحيلهم وهو بالقطيفة فأتم السير إلى حلب ثم عاد إلى مصر.

وفي سنة ٦٧٥ قدم أمراء الروم وفودا على الملك الظاهر وهم بيجار الرومي وولده بهادر وأحمد بن بهادر وغيرهم ، فاجتمع بهم الملك الظاهر بحلب وأكرمهم وعاد إلى مصر. وفي يوم الخميس العشرين من رمضان وصل الملك الظاهر لحلب وسار منها إلى النهر الأزرق ثم إلى أبلستين والتقى بجمع من التتر فانهزموا وقتل مقدمهم وغالب كبرائهم ، وأسر منهم جماعة كثيرة من أمرائهم ومن جملتهم سيف الدين قلجق وسيف الدين أرسلان. ثم سار الملك الظاهر إلى قيسارية واستولى عليها وخطب له في منابرها ثم رحل عنها وحصل للعسكر شدة عظيمة من نفاذ (١) القوت والعلف حتى وصلوا إلى العمق ، فأقاموا شهرا ورحلوا إلى دمشق. وفي سنة ٦٧٨ عزل عن نيابة دمشق أيدمر أقوش الشمسي وولي نيابة السلطنة بحلب. وفي سنة ٦٧٩ توفي أيدمر أقوش الشمسي نائب السلطنة بحلب ، وولي مكانه علم الدين سنجر الباشغردي.

عود التتر إلى حلب :

وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وصل من عساكر التتر طائفة عظيمة إلى حلب ، وقتلوا من كان بها ظاهرا وسبوا وأحرقوا الجوامع المعتبرة ودار السلطان ودور الأمراء الكبار وأبدوا فسادا كبيرا. وكان أكثر من تخلف بحلب قد استتر في المغاير وغيرها. وأقاموا بحلب يومين على هذه الصورة. وفي يوم الثلاثاء ثالث وعشرين منه رحلوا عن حلب إلى بلادهم ، وكان السلطان الملك المنصور سار إليهم من مصر ووصل إلى غزّة فلما سمع برجوعهم عاد إلى مصر. وفي سنة ٦٨١ ولّى السلطان مملوكه شمس

__________________

(١) كذا ، وهو خطأ شائع ، والصواب «نفاد» بالدال المهملة.

١٣٩

الدين قراسنقر نيابة حلب ، فسار إليها واستقر بها.

وفي سنة ٦٨٢ كاتب الحكام بقلعة الكحنا قراسنقر نائب حلب وسلموها لعسكره وصارت من أعظم الثغور الإسلامية. وفي سنة ٦٨٨ جمع تنقرا نائب التتر بملطية جمعا كثيرا وأغار على بلد كركور فجهز إليهم قراسنقر نائب حلب عسكرا وأمراء إلى بلاد الروم فوصلوا قلعة قراسار ـ وهي من أحصن القلاع ـ فحاولوها فيسّر الله فتحها عليهم ، وأخذ النائب بها غرس الدين أسيرا وهو من أعيان أمراء المغل. ثم قصد العسكر قلعة زمطر ففتحوها عنوة وقتلوا من فيها من المقاتلة. ومن العجائب أن من سلم من هذه الوقعة من أعيان المغل وهرب التجأ إلى ملطية فنزلوا بدار كبيرة فسقطت عليهم فماتوا تحت الردم. وفي سنة ٦٩٠ كملت عمارة القلعة وكان قد شرع قراسنقر بعمارتها في أيام السلطان الملك المنصور فتمت في أيام الملك الأشرف فكتب اسمه عليها ، وكان خربها هولاكو سنة ٦٥٨ فلبثت خرابا نحو ثلاث وثلاثين سنة.

انقراض دولة الصليبيين من سوريا وفلسطين :

وفي هذه السنة أعني سنة ٦٩٠ فتح الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور قلاوون مدينة عكا وأخذها من الصليبيين. وغنم منها ما لا يكاد يحصى. وقد ضعف أمر الصليبيين الذين هم بساحل سوريا فأخلوا صيدا وبيروت وصور وغيرها مما كان باقيا في أيديهم. وبذلك انتهت دولتهم من سوريا وسواحلها بعد أن كادوا يستولون على مصر.

وصول الملك الأشرف إلى حلب وفتحه قلعة الروم :

وفي سنة ٦٩١ وصل إلى حلب الملك الأشرف صاحب مصر ومعه جيش كبير من العساكر قاصدا فتح قلعة الروم من الأرمن. فسار إليها ونازلها ونصب عليها المجانيق ودام الحصار عليها حتى فتحت بالسيف يوم السبت حادي عشر رجب ، وقتل من أهلها وسبى من ذراريها عدة كثيرة ، واعتصم كتاغيكوس خليفة الأرمن فيها وغيره في القلعة ، ثم طلبوا الأمان فأمنهم على أرواحهم خاصة وأن يكونوا أسرى عن آخرهم ، ورتب السلطان علم الدين سنجر لتحصينها وإصلاحها وعاد إلى دمشق. وفي مرور السلطان من حلب عزل نائبها قراسنقر المنصوري وولّى مكانه سيف الدين بلبان المعروف بالطباخ ، وكان نائب الفتوحات ومقامه بحصن الأكراد ، فولّى مكانه عز الدين أيبك الخزندار المنصوري. وفي

١٤٠