نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٨

حارة الصليبة (خ)

عدد بيوتها ١٣٩

وعدد سكانها

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

١٩٩

٢٢١

٤٢٠

روم كاثوليك

٨٩

١٠٥

١٩١

أرمن كاثوليك

٤

٨

١٢

روم

٩٣

٣٧

١٣٠

أرمن

٣

١٥

١٨

لاتين

٧٠

٦٣

١٣٣

سريان كاثوليك

١٠٠

١٣٣

٢٣٣

موارنة

٥٥٥

٥٨٢

١١٣٧

المجموع

هذه المحلة في شمالي البلدة إلى الغرب يحدها قبلة جادة بوابة القصب التي في غربيها مزار السهروردي (١) الذي عمر واتخذ محلا لإدارة البرق والبريد ، وشرقا حارة الشمالي ، وشمالا حارة التومايات ، وغربا شارع التلل التابع حارة الصليبة الصغرى. كان يطلق على هذه المحلة وحدها اسم الجديدة بالتصغير ثم صار الناس يطلقون هذا الاسم على محلة الشمالي وبالي برغل والتومايات ويسمون الجديده الحقيقية (الصليبة).

__________________

(١) السّهروردي هو شهاب الدين يحيى بن حنيش الصوفي وفد إلى حلب من سهرورد في إيران ، ناقش علماء حلب بحكمة الإشراق المتأثرة بالأفلاطونية الجديدة فأفتوا بإباحة دمه وسجن بقلعة حلب وهناك خنق ودفن بظاهر المدينة أمام باب الفرج.

٣٨١

هذه المحلة حادثة في حلب ليس لها ذكر في تواريخها وهي خاصة بسكنى المسيحيين على أننا لم نظفر بقول صريح يعين السنة التي أسست فيها. وغاية ما أمكننا استقصاؤه في هذا الباب ما استدللنا منه على أن هذه المحلة كان تأسيسها في أثناء القرن الخامس عشر م أي في القرن التاسع ه أواخر أيام الدولة الجركسية المصرية بعد حادثة تيمور لنك فقد نقل صاحب كتاب عناية الرحمن حاشية من كتاب ديني محفوظ في مكتبة الموارنة تدل صراحة على أن كنيسة الموارنة كانت موجودة في هذه المحلة سنة ٨٩٥ ه‍ ١٤٨٩ م وحاشية أخرى محررة على كتاب عربي محفوظ في خزانة الواتكان (١) في رومية العظمى تحت عدد (١٤١) يفهم منه صراحة أن هذه المحلة كانت موجودة في سنة ٩١١ ه‍ ١٥٠٥ م.

في هذه المحلة عدة دور عظام ذات بهاء وجمال يدلان على ثروة أهلها وعلى ما كانت عليه تجار حلب من النجاح والرباح والغبطة ورخاء المعيشة في ذلك العهد. وهي محلة جيدة الهواء لنظافتها وجفافها لخلوها من مياه جارية فإن الماء الذي يشربه أهلها هو ماء الصهاريج المحرز من المطر والماء الذي يستعملونه في باقي شؤونهم هو ماء الآبار المعينة فإن كل دار من دورها لا تخلو على الغالب من صهريج وبئر ماء معين. ومما كادت تنفرد به هذه المحلة هو أنه في كل دار من دورها على الأكثر مغارة محفورة في الحوار لا يكاد يستغنى عنها في تبريد الفاكهة وحفظ المؤونات التي يفسدها الحر. وقد عهدنا أن هذه المحلة هي المحلة الوحيدة التي يسكنها أعيان المسيحيين ووجهاؤهم ثم لما أسست محلة العزيزية ومحلة الصليبة الصغرى أخذ أولئك الأعيان والوجهاء يتحولون منها إلى المحلتين المذكورتين أسرة بعد أسرة حتى لم يبق منهم الآن في هذه المحلة غير القليل وأصبح معظم سكانها الآن من الأغراب ومهاجري الأرمن وغيرهم. ومن الأسر القديمة المسيحية الحلبية الشهيرة الباقية في هذه المحلة أسرة بني سابا عائدة وأسرة بني جنيدر وأسرة بني الضاهر.

آثارها

لا يوجد في هذه المحلة أثر إسلامي البتة. فأما آثار المسيحيين فيها فكثيرة بعضها قديم بقدم المحلة وبعضها وهو الأقل حديث ، بعد ذلك فلم يذكر في تاريخ قبل هذا وهو كنيسة الروم الكاثوليك وكنيسة الأرمن الكاثوليك. والآثار القديمة التي لها ذكر في التاريخ خمس

__________________

(١) المقصود الفاتيكان عاصمة دولة الفاتيكان البابويه بروما.

٣٨٢

كنائس : كنيسة الروم الأرثوذكس وكنيسة الموارنة وكنيستا الأرمن وكنيسة السريان. بنيت هذه الكنائس الخمس بعد ما اختطت المحلة في هذه البقعة بقليل يؤيد ذلك ما حكاه صاحب كتاب عناية الرحمن عن السائح الروماني بطرس دي لافالي الذي دخل إلى حلب سنة ١٠٣٥ ه‍ ١٦٥٢ م حيث قال. زرت محلة المسيحيين بحلب فإذا هي في بقعة خارج سور المدينة قيل لها الجديدة لاستحداثها وكنائسها قريبة منها ، وهي أربع كنائس متجاورة في بقعة واحدة ولجميعها فناء واحد ومدخل واحد عام فللأرمن كنيستان إحداهما على اسم الأربعين شهيدا والأخرى على اسم العذراء. وللروم كنيسة على اسم نقولا وللموارنة كنيسة واحدة على اسم مار الياس النبي. أما كنيسة السريان ويسميها العامة كنيسة ستنا مريم فمنفردة وقد ألفيتها أجمل وأوسع من سواها وفيها يقيم بطريركهم (بطرس هدايا). اه.

كنيسة الروم الأرثوذكس

محل هذه الكنيسة في شرقي جنوب الرحبة التي هي مدخل مشاع بين الكنائس الأربع المتقدم ذكرها في عبارة السائح المذكور. على أن هذه الكنيسة بنيت حينما أتى الملكيون حلب في أواخر القرن الخامس عشر وقد دثرت بعد ذلك وأقيم في محلها على أطلالها كنيسة جديدة سعى بعمارتها المطران كيرللس القبرصي المتوفي سنة ١٨٦١ م ١٢٧٨ ه‍ بناها على اسم انتقال السيدة العذراء. طولها ٣٥ وعرضها نحو ٢٢ وارتفاعها ٥ أمتار تقريبا وهيكلها يرتفع عن الأرض قليلا قد حمل على أربعة أعمدة من الحجر الأصفر البعاديني الذي انفردت به مقالع حجارة حلب مطوقة هذه العمد من أعلاها بأطواق من النحاس الأصفر على طرز جميل. أوقاف هذه الكنيسة إحدى وثلاثون دارا متفرقة في أنحاء شتى من البلد وعشرون دكانا في جوار دار المطران الكائنة في سوق جادة الياسمين من هذه المحلة وخارجها يبلغ ريع هذه الأوقاف في السنة نحو ألفي ذهب عثماني.

هذه الطائفة لم تزل على المذهب الأرثوذكسي حتى قام مطرانا عليها أفتيميوس الرابع الساقزي في حدود سنة ١٠٤٢ ه‍ ١٦٣٢ م فاستدعى الرهبان البابويين إلى دمشق وفتح لهم مدرسة وقيل إن الذي فعل ذلك هو البطريرك نيوفيطوس الساقزي صحب معه أولئك الرهبان من وطنه وجعلهم أساتذة معلمين في مدارس دمشق ثم انتشروا في حلب وصيدا

٣٨٣

ومركز ولاية سوريا في ذلك التاريخ وغيرهما من مدن سوريا وشرعوا يدعون إلى الكثلكة في هذه البلاد سرا وعلنا حتى كثرت أتباعهم واستفحل أمرهم ونجم عن ذلك النزاع والشقاق بين أشياعهم وبين أبناء الطائفة الأرثوذكسية وكان يساعدهم قناصل دولة النمسا ثم قناصل دولة فرنسة في حلب وسفيرهما في إستانبول ويبذلون لهم أنواع المعونات وكانت الحكومة العثمانية تساعد الأرتودكسيين لأسباب لا تخفى واستمر ذلك زمنا طويلا حتى آل الأمر إلى ما أثبتناه في حوادث سنة ١٢٣٤ ه‍ ١٨١٥ م.

يلحق بهذه الكنيسة مدرستان نهاريتان إحداهما للذكور والأخرى للإناث كل واحدة منهما تضم إليها نحو ٢٠٠ تلميذ والدخول إليهما مجانا وأبوابهما مفتوحة للعموم إلا أنه لا يوجد فيهما سوى أبناء الطائفة وكل واحدة منهما يشتمل على قسم من الحضانة ، والعلوم التي تلقى فيهما مبادئ العلوم الدينية المسيحية واللغة العربية والفرنسية واليونانية ولهذه الكنيسة مكتبة تضم إليها نحو ٥٠٠ مجلد في علوم شتى أكثرها مطبوع باللغة اليونانية وباقيها باللغة الفرنسية وفيها عدة كتب مخطوطة باللغة العربية. منها نسخة إنجيل طبعت في مطبعة هذه الطائفة في حلب سنة ١١٢٦ ه‍ ١٧٠٦ م وفي المطبعة التي تكلمنا عليها في المقدمة في الفصل الذي عقدناه في الكلام على مكتبات حلب وللطائفة أيضا ميتم يضم إليه نحو ثلاثين يتيما. و (قلايتها) (١) وهي دار المطران في سوق هذه المحلة تجاه قلاية السريان بميلة إلى الغرب مستحدثة بنيت بسعى المطران كيرللس سنة ١٢٦٧ ه‍ ١٨٥٩ م على أثر قلاية أصيبت بحريق. من أدباء هذه الطائفة الأحياء الأرشمندريت إيليا إسطفان والخوري كيرللس وغيرهما.

كنيسة الأرمن

للأرمن كنيستان يدخل إليهما من الرحبة المذكورة في عبارة السائح المتقدم ذكرها. فالكنيسة الأولى حادثة بحدوث هذه المحلة بناها على اسم العذراء رجل من أغنياء الأرمن اسمه قوجه مقصود سنة ٨٦٠ ه‍ ١٤٥٥ م مدخل هذه الكنيسة كما قلنا من الرحبة السالف بيانها وبابها متجه إلى جهة الغرب بين باب كنيسة الروم وباب كنيسة الموارنة الآتي ذكرها

__________________

(١) بناء كالدير وقد تعني حجرة الناسك وسكن الأسقف والصومعه تجمع على القلالي والقلايات.

٣٨٤

والكنيسة الثانية يدخل إليها من الرحبة السالفة الذكر بابها متجه إلى الجنوب وهي كنيسة واسعة بنيت علاوة على معبد قديم مبني على اسم الأربعين شهيدا وسيأتي الكلام عليه. محل جرن المعمودية في هذه العلاوة محمول سقفه على عمودين من الحجر الأصفر البعاديني قاعدتهما من هذا الحجر أيضا إلا أن فيها من النقوش ما يشهد ببراعة صانعهما.

وفي الجدار المتجه إلى الجنوب من هذه الكنيسة المضافة لوح مفتوح من القماش الكثيف الملون طوله نحو أربعة أمتار في عرض مثلها قد مثل فيها صاحبها الموقف للمناقشة بالحساب يوم الآخرة فرسم عليها صور أشخاص منضمين إلى بعضهم زرافات ووحدانا كأنهم يتسارون ويتحدثون في أمور هامة وفي أسفل القطعة صف من صور أشخاص منضمين إلى بعضهم مثنى وثلاث قد وقف على رؤوس بعضهم الشيطان والتف على بعضهم الآخر أفاع عظيمة تنهش لحومهم وقد كتب تحت كل زمرة منهم عبارة تفصح عن نوع معصيتهم التي يعاقبون من أجلها فكتب تحت صورة زمرة منها (هؤلاء الظلمة) وتحت أخرى (هؤلاء المتكلمون في أعراض الناس) وتحت أخرى (هؤلاء القتلة) وتحت أخرى (هؤلاء السراق) وتحت أخرى (هؤلاء المتكبرون) إلخ ثم كتب في أسفل اللوح هذه العبارة (وكان المجتهد بعمل هذه الدينونة المكرمة المقدسي كركور الشماع ابن المقدسي كرابيد بالمقام الكهنة المسيحيين إلى كنيسة الأربعين شاهد المعظمين في مدينة حلب المحروسة ، فيسأل كل من نظرها يترحم علي والديه ويطلب له المغفرة من الله تعالى وذلك بتاريخ سنة ١٧٠٨ المسيحية صورها بيده الخاطئة قسيس نعمة الله ابن خوري يوسف المصور وابنه حانينا فيسأل كل من نظرها يدعي لهما بالغفران وذلك في تاريخ ٧٢١٦ لأبينا آدم عليه أفضل التحية والسلام).

ومن الصور الموجودة في هذه الكنيسة صورة العذراء جالسة في حجرها طفلها المسيح عليه السلام يرضع وابن خالته يحيى يقبله وهي تنظر إليهما وهذه الصورة تعد من العاديات العظيمة القيمة لإحكام صنعها الذي يتنافس فيه المشتغلون بصنعة التصوير ويقال إنها لولا طمس في طرفها لكانت قيمتها لا تقل عن ١٥٠٠ ذهب. أما المعبد القديم الذي تقدم ذكره ووعدنا بالكلام عليه فهو عبارة عن غرفة في الشرق الجنوبي من هذه الكنيسة طولها عشرة أذرع في عرض سبعة تقريبا في صدرها الشرقي شبه هيكل يصعد إليه بدرجة في أطراف هذه الغرفة عدة قبور كتب على نصبة أحدها بالأرمنية ما معناه أن صاحب هذا

٣٨٥

القبر كاتوغكس بدروس القلقلي (نسبة إلى أبي قلقل (١) ناحية في شرقي منبج) المتوفي سنة ١٠١٧ ه‍ ١٦٠٨ م وعلى نصبة أخرى أنه قبر المطران سركيس المتوفي سنة ٩٨٦ ه‍ ١٥٧٨ م : يقول كهنة الأرمن أن هذه الغرفة هي معبد قديم للأرمن مضى على إنشائه نحو من ٧٠٠ سنة مستدلين على صحة دعواهم هذه بما ورد عندهم في كتبهم التاريخية في أخبار حروب الصليبيين من أن بعض كهنة الصليبيين يقول في كتاب له أنه حينما كان الصليبيون يحاصرون مدينة حلب كان هو وجماعة معه يؤدون واجباتهم الدينية في معبد للأرمن يبعد عن مدينة حلب مسافة نصف ساعة يكون قبالة باب النصر على خط مستقيم. مكتوب على حجر بين بابي هذه الكنيسة ما معناه أنها جددت للمرة الثانية سنة ٨٥٦ ه‍ ١٤٥٢ م في أيام كاتوغكس الكلزي.

ويقول كهنة هذه الطائفة أن هذا المعبد وسع وجعل على ما هو عليه الآن في سنة ١٠٤٩ ه‍ ١٦٣٩ م عن يد رجل من وجهاء الأرمن اسمه بدروس العجمي أحد موظفي دائرة الجمرك في حلب بعد أن أخذ إذنا بذلك من السلطان مراد خان العثماني حينما مر من حلب في السنة المذكورة متوجها إلى العراق لغزو العجم وذلك أنه عمل للسلطان ضيافة حافلة تليق به وأنه قدم إلى مائدته التي جلس عليها جميع أنواع الأطعمة في صحون من الخزف الصيني الذي يندر وجوده في غير بيته وإنه بعد أن انتهى السلطان من طعامه أو عز بدروس إلى خدمه بأن يكسروا جميع هذه الآنية الصينية الثمينة فلما أمعنوا بكسرها اغتاظ السلطان من عملهم هذا وسأل بدروس عن سبب كسرها فأجابه بقوله إنها لم يبق لها من لزوم عندي إذ لا يوجد لديّ انسان مثل سيدي يستحق أن يتناول فيها الطعام وقد أعددتها لسيدي خاصة فنالت بذلك غاية الشرف فسر السلطان من كلامه وقال له ما ذا تحب أكافئك به على الإخلاص أجابه أحب أن تأذن لي يا مولاي ببناء علاوة (٢) أضيفها إلى معبد الأرمن القديم لأن كنيستهم صغيرة لا تكفيهم لإقامة شعائرهم فأذن له بذلك وعمر هذا المحل وأضافه إلى المعبد المذكور. يؤخذ مما كتب على الحجر السالف الذكر أن هذه العلاوة جددت للمرة الثالثة سنة ١٢٦٨ ه‍ ١٨٦٩ م في أيام المطران مكرديج وعهد كاتوغكوس كيراكوس الثاني.

__________________

(١) أبو قلقل أو كلكل وهي قرية تتبع منطقة منبج بها عين ماء وفيها بستان مشهور من أملاك الدولة وهي اليوم بلدة عامرة.

(٢) وهي الملحق فوق البناء.

٣٨٦

لهذه الكنيسة مكتبة مشحونة بالكتب التاريخية والدينية باللغة الأرمنية بينها نسخة إنجيل مخطوطة تحت عدد (١٥) حررت في حلب فيها صور مرسومة باليد بمداد ذهبي غاية بالجمال مما يبدل على أن صنعة التصوير كانت راقية في حلب تاريخها سنة ٦٨٠ ه‍ ١٢٨١ م. لهذه الطائفة في حلب سبع مدارس نهاريات تضم إليها في هذه الأوقات نحو ١٢٠٠ تلميذا ما بين ذكر وأنثى ولهم ميتم فيه نحو ١٢٠٠ يتيم ينفق عليهم من صدقات الطائفة ولكنيستهم المذكورة وقف كان يبلغ ريعه سنويا نحو ٤٠٠ ذهب عثماني وفي سنة ١٣٢٠ ه‍ ١٩٠٢ م تعين الخوري أروتين ياسايان وكيل مطران على طائفة الأرمن في حلب فاجتهد في إعمار وقف الطائفة وبنى لها في أرض المشنقة أبنية عظيمة فصار ريع الوقف يبلغ في السنة نحو ٧٠٠ ذهب ومما يلحق بهذه الكنيسة مكان في شرقيها شبيه بخان متوهن له مدخل على شارع التلل يسمونه بلغتهم (هيكدون) وهو مركز للمقادسة منهم أنشئ سنة ٩٤٧ ه‍ ١٥٤٠ م.

كنيسة طائفة الروم الكاثوليك

هي كنيسة حادثة كاتدرائية كبرى أنشأتها الطائفة في أيام المطران غريغوريوس شاهيات الحلبي على اسم سيدة النياح سنة ١٢٦٠ ه‍ ١٨٤٩ م ثم رممت في أيام المطران ديمتريوس الأنطاكي الحلبي قيل وكان الناظر على ترميمها جبرائيل حنا صائغ أحد وجهاء الطائفة : مكتوب على جدار الكنيسة فوق باب معبدها (قد رممت هذه الكنيسة بعد حريقها بأمر مليكنا المعظم السلطان عبد الحميد خان حفظه الله في رياسة المطران دي متريوس سنة ١٢٩٦ ه‍ ١٨٥٢ م. طول معبدها ٥٢ وعرضه ٣٣ ع والايقونسطاس (١) المصنوع من المرمر البديع أنشئ بسعي المطران بولس حاتم الحلبي وهو عبارة عن جبهة الهيكل مصورة بالنقوش المعمارية الحلبية الجميلة التي يندر وجودها مثلها في سوريا : هذه الطائفة أكبر الطوائف الكاثوليكية في حلب وتسمى أيضا الطائفة الرومية الملكية ويقال أن أصلها في سوريا من الغسانيين الذين تمسكوا بمسيحيتهم في بلاد حوران ثم انتشرت فروعهم في بلاد سوريا وقد خرج منها بطاركة كثيرون منهم غبطة البطريرك كيرلس جحى الحلبي والبطريرك ديمتريوس قاضي الدمشقي الذي كان مطرانا على حلب.

__________________

(١) الايقونسطاس هو جدار أو حاجب مرتفع داخل الكنيسة توضع عليه الايقونات. يمكن أن يصنع من الخشب أو الحجر ويقع بين الهيكل ومكان المرتلين.

٣٨٧

استمرت أبناء هذه الطائفة في حلب ناعمة البال على أحسن حال إلى أواسط القرن الثامن عشر مسيحية ثم عرض لها من الكوائن والشؤون ما كانت عقباه حادثة سنة ١٢٣٤ ه‍ ١٨١٨ م وحينئذ اضطرتها الحالة إلى العزلة ومغادرة الكنيسة والقلاية القديمتين مع أوقافها وصارت أساقفتها تقطن جبل لبنان في أكثر الأوقات ويقيمون عنهم في حلب أفراد فيها لكل طائفة مطرانا وكنيسة كما حكينا ذلك في حوادث السنة المذكورة فنالت هذه الطائفة قسطها من الاستقلال القديم بسعي البطريرك مكسيموس مظلوم الحلبي على ما هو مستفاض معلوم. وكان تمام هذا الأمر لها ولغيرها من الطوائف المسيحية القاطنة في الممالك العثمانية في أيام السلطان عبد المجيد خان العثماني وحظيت منه الطائفة ببراءة عالية تؤيد لها حق الاستقلال. ومن ذلك الوقت بدأت تقوم بشعائر دينها بكل حرية وصارت أساقفتها تقطن في حلب وكان أولهم المطران غريغوريوس شاهيات السابق الذكر.

أما أوقاف هذه الكنيسة فيسيرة بالنسبة إلى عدد نفوسها وهي لا تكاد تقوم بنفقاتها ولذلك أسباب تاريخية لا محل لذكرها هنا. وللطائفة مدرستان ناجحتان إحداهما في هذه المحلة في شمالي بوابة القصب أسسها المطران كيرللس جحى سنة ١٣٠٤ ه‍ ١٨٨٦ م على اسم مارنقولا وهي تجهيزية مختصة بالذكور داخلية ونصف داخلية ذات دارين عظيمتين جميلتين تضم إليها نحو ٤٠٠ تلميذ قد فتحت أبوابها للعموم فيها نحو ٧٠ تلميذا من المسلمين تتلقى فيها اللغة العربية بفروعها والفرنسية والإنكليزية والحساب والجغرافيا والموسيقى وغير ذلك من العلوم والفنون التي تؤهل الطالب إلى الدخول في المدارس العالية. والمدرسة الأخرى في محلة الشرعسوس قرب كنيسة القديس جاورجيوس وهي قديمة يرتقي تاريخ وجودها إلى عهد وجود كنيسة الشرعسوس وكان يناؤها على اسم مارجرجس وهي مختصة بالذكور مفتوحة الأبواب للعموم تضم إليها نحو ٢٥٠ تلميذا يتلقون فيها اللغة العربية والفرنسية والحساب والدخول إليها مجانا. ولهذه الطائفة مدرسة ثالثة في محلة الصليبة الكبرى مختصة بالإناث أسسها المطران بولس حاتم الحلبي السالف الذكر سنة ١٢٨٢ ه‍ ١٨٦٥ م ثم إن غبطة المطران ديمتريوس القاضي الدمشقي البطريرك الحالي فوض أمر التعليم في هذه المدرسة إلى راهبات القديس يوسف وألحقها بمدرسة الذكور الكبرى ثم إن نيافة المطران الحالي مكاريوس سابا عائدة أفردها ووسع نطاقها ووضعها تحت إدارة راهبات بيزانسون اللواتي سعى حضرته بمجيئهن إلى حلب وهي مدرسة ناحجة.

٣٨٨

وللطائفة ميتم على اسم سيدة لورد يضم نحو ٦٥ يتيما يتعلمون فيه اللغة العربية والفرنسية والحساب وبعض الصنائع اليدوية. وهو مما أسسه نيافة المطران مكاريوس المومى إليه. أما دار مطران هذه الطائفة فهي عبارة عن دارين جميلتين وقفهما أبناء الطائفة لسكنى المطران في أواسط القرن الثامن عشر وكان المطران في ذلك الوقت لا يأتي إلى حلب إلا إذا ساعدته الفرصة. ومما يضاف إلى رعاية مطران هذه الطائفة النادي الكاثوليكي المشاع بين جميع طوائف الكاثوليك أسسه حضرة المطران الحالي مع نخبة من الشبيبة الكاثوليكية سنة ١٣٣٨ ه‍ ١٩١٩ م والغرض منه السعي في نشر العلوم والآداب بين الشبيبة المسيحية وهو على غاية ما يرام من التقدم والنجاح. في هذه الطائفة نبغاء في العلوم والأدب نوهنا بذكرهم في باب التراجم.

كنيسة الطائفة المارونية

ومن الآثار القديمة المسيحية في هذه المحلة كنيسة الطائفة المارونية وكانت قبلا في المكان المستعمل الآن محلا لمطبعة هذه الطائفة يدخل إليها من الرحبة التي ورد ذكرها في عبارة السائح الروماني المتقدم ذكرها وهو مكان فسيح جميل بقي كنيسة للطائفة إلى سنة ١٢٩٠ ه‍ ١٨٧٣ م وفيها اهتم بتأسيس الكنيسة الكاتدرائية على اسم القديس إلياس الحي (الخضر) المطران يوسف مطر الحلبي وحذا حذوه لإتمام هذا المشروع المطران بولس حكيم الحلبي وحضرة القس جرجس منش الوكيل الأسقفي وقد قام هذا بحفلة افتتاحها سنة ١٣١٠ ه‍ ١٨٩٢ م وشاد المطران يوسف دياب هيكلها الكبير وشرع بتبليطها يوسف أندريا أحد وجهاء الطائفة وجدد قبتها حضرة المطران ميخائيل الحلبي مطران الطائفة الحالي سنة ١٣٣٣ ه‍ ١٩١٤ م. وهي مبنية على الطرز الروماني شبيهة بكنيسة مريم الكبرى في مدينة رومية العظمى : طول معبدها ٢ ١ / ٤١ وعرضه ٢ ١ / ١٩ وارتفاعه ١٥ وطول ساحتها بما فيه الأدراج ٢ ١ / ١٧ وعرضها ١٨ مترا. وهذه الكنيسة بالحقيقة تعد في مقدمة كنائس الطوائف المسيحية في حلب لسعتها وضخامة أبنيتها وإتقان عمارتها على أن العمل في بنائها لم ينقطع منذ تاريخ تأسيسها حتى الآن وهي تابعة محلة التومايات على إننا رأينا عدها من آثار هذه المحلة أقرب للصواب.

٣٨٩

أما دار المطران وهي قرب كنيسة الطائفة القديمة التي هي الآن دار طباعة فقد أنشأها المطران (جرمانوس فرحات) وهو أول أساقفة الطائفة الحلبيين وذلك في حدود سنة ١١٣٨ ه‍ ١٧٢٥ م وهي دار جميلة عامرة. ولهذه الطائفة مدرسة مختصة بالذكور قديمة العهد عني بإنشائها أسطفان الدويهي اللبناني سنة ١٠٧٧ ه‍ ١٦٦٦ م كانت تلقى فيها اللغة السريانية والعربية والإيطالية واللاتينية وتخرج فيها الجم الغفير من نوابغ المسيحيين ثم انحطت عن مقامها في أواخر القرن الثامن عشر حتى اهتم بشأنها المطران يوسف مطر فعادت إلى نجاحها مدة قليلة ثم أقفلت إلى أن سعى بافتتاحها نيافة المطران ميخائيل أخرس مطران الطائفة الحالي وجعلها مجانية لتدريس أولاد الطائفة الفقراء يدرسون فيها اللغة العربية والفرنسية والسريانية : وللطائفة أيضا مدرسة إناث سعى باقتتاحها حضرة المطران الحالي وفي سنة ١٣٣٣ ه‍ ١٩١٤ م اهتم بشأنها واستحضر إليها معلمات ماهرات يعلمن فيها اللغة الإنكليزية والفرنسية والتصوير والبيانو وتدبير المنزل وإدارة مدرسة للصنائع فأقبلت عليها الطالبات إقبالا زائدا غير إنها لم تلبث غير قليل حتى حدثت الحرب العالمية فأقفلت الحكومة المدرسة.

ومما هو جار تحت رعاية مطران هذه الطائفة مطبعة قديمة العهد أسسها المطران يوسف مطر سنة ١٢٧٤ ه‍ ١٨٥٧ م وهي ثاني مطبعة وجدت في حلب بعد مطبعة طائفة الروم الأرتودكس السالفة الذكر اهتم بشأنها المطران يوسف دياب فأحضر إليها مطبعة كبيرة من معمل مارينوني ثم خلفه حضرة مطران الطائفة الحالي فبذل عنايته في تنظيم شؤونها حتى أصبحت الآن من أهم مطابع حلب وأغناها حروفا وأدوات وقد تولى إدارتها عدة رجال يجتهدون بتقدمها ونجاحها آخرهم مديرها الحالي الخواجه سليم مطر الذي لا يألو جهدا في تنظيم أحوالها وتفوقها على غيرها من بقية مطابع حلب وهو ابن أخي المطران يوسف السابق الذكر. وقد طبع فيها عدد كبير من الكتب الدينية المسيحية والعلوم العربية وغيرها من الكتب الأدبية والسالنامات والرزنامات ودفاتر دوائر الحكومة ونشراتها السنوية والشهرية والسجلات والرسائل التي يطول الكلام عليها ، محل هذه المطبعة في هذه المحلة كنيسة الطائفة القديمة التي ألمعنا بذكرها في مقدمة الكلام على هذه الطائفة. يوجد في قاعة دار المطران مكتبة حافلة تعد في المرتبة الأولى من مكتبات المسيحيين في حلب وهي قديمة العهد أنشأها المطران جرمانوس فرحات وخدمها خلفاؤه من بعده وهي تشتمل على

٣٩٠

نحو ألف مجلد في لغات مختلفة وعلوم شتى بينها كتب مخطوطة عربية أهمها شرح المقامات للشريشي وشرح الألفية للمطرزي وشرح ألفية ابن مالك لابن المنصف ودمية القصر للباخرزي ومناهج العبر للوطواطي ودمى القصر لابن طالو الدمشقي وواقعات المفتين لعبد القادر بن يوسف ودعوة الأطباء لابن بطلان البغدادي وغير ذلك يلحق برعاية مطران هذه الطائفة كنيسة سيدة مونليجون في محلة الحميدية على طريق المستشفى العسكري أنشأها نيافة المطران الحالي سنة ١٣٢٦ ه‍ ١٩٠٨ م حينما كان كاهنا وجعلها وقفا على الملة المارونية مساحتها ألف ذراع مربع. وكنيسة مار أنطونيوس الكبير كان اشتراها المطران بولس حكيم وتبرع بقسم كبير من قيمتها آل غنطوزي دي كوبا وحولت في وقت الحرب العالمية إلى مأوى للفقراء لشدة احتياجهم إليها.

تنبيه : مما يدل على أن الطائفة المارونية كانت في سنة ١٠٧ ه‍ ٧٢٥ م ظاهرة في عالم الوجود ما ذكره التلمحري البعقوبي من الخلاف بين الموارنة والملكية على الكنيسة الكاتدرائية الكبرى في هذه السنة. وعلى وجودها في كورة حلب في أواخر القرن ٤٩٤ ه‍ ١١ م ما رواه توما الكفرطابي في كتابه الذي عنوانه (المقالات العشر) من أنه كان أسقف كورة حلب في ذلك التاريخ. وعلى وجودها في مدينة حلب في سنة ٨٩٥ ه‍ ١٤٨٩ م ما ذكر في حاشية على كتاب ديني مسيحي محفوظ في المكتبة السالفة الذكر تحت عدد ٧٠٥ من أن طائفة الموارنة دخلت حلب في السنة المذكورة على أن هذه الطائفة في حلب ورد عليها في القرن السادس عشر عدد عظيم من قرى جبل لبنان فزاد عدد أبنائها وكان يتولاها في ذلك التاريخ أساقفة لبنانيون يتعهدونها حين الحاجة. وكانت في التاريخ المعروف بالقرون المتأخرة هي الطائفة الكاثوليكية الوحيدة المساعدة على انتشار الكثلكة الأمر الذي احتملت من أجله مشقات لا تحصى.

كنيسة السريان الكاثوليك

هذه الكنيسة هي إحدى الكنائس الخمس القديمة التي جاء ذكرها في عبارة السائح الروماني وهي لم تزل في محلها منفردة عن بقية الكنائس الأربع التي تجمعها رحبة واحدة. على أن انفرادها وحدها في محلها وتفوقها بجمالها وسعتها في ذلك العصر على بقية الكنائس لابد وأن يكون لحكمة اكتسبها هذا الامتياز ولعل السبب في ذلك هو أن السريان أتوا

٣٩١

حلب قيل غيرهم فأفرد لهم محل خصوصي أنشأوا فيه كنيستهم وقد قدموا من دمشق وحمص وحماه وتوابعها ومن ماردين وبقية الجزيرة بين النهرين والعراق : محل هذه الكنيسة في أواسط سوق محلة الجديدة المعروق بسوق بوابة الياسمين الذي تباع فيه بضائع النساء الكائن مدخله تجاه قسطل بشير باشا في الصف الموجه إلى الجنوب تجاه كنيسة الروم الأرتودكس بميلة إلى الشرق. وهي كنيسة عامرة جميلة طولها ٣٢ وعرضها ١٦ مترا بنيت في هذه المحلة على اسم السيدة العذراء في حدود سنة ٩١٦ ه‍ ١٥١٠ م ثم جددت في سنة ١٢٦٩ ه‍ ١٨٥٢ م على أثر حريق أصابها. ودار مطران هذه الطائفة متصلة بالكنيسة من غربيها وهي دار جميلة ذات إيوان جميل.

ومما هو داخل في رعاية مطرانها مدرسة كبرى تجهيزية للذكور تأخذ على التعليم أجرة زهيدة تضم إليها ١٦٠ تلميذا هي في صدر حارة الحصرم من هذه المحلة وكانت تعرف بدار بني صادر وهي من أشهر الدور اشترتها من ريع أوقافها سوى ثلاثة أسهم منها كانت في ملك الحصيف المحامي الشهير (جرجي بن سمعان خياط) الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ فإنه تبرع بها على الطائفة ثم وقفت الدار واتخذت مدرسة. ومدرسة أخرى للذكور مجانية تضم إليها ١٢٠ تلميذا ومدرسة للإناث تضم إليها ١٥٠ تلميذة يجمع ٣٦ يتيما أما أوقاف هذه الكنيسة فهي وافية غير عقاراته مبعثرة في أنحاء البلدة قد وهن أكثرها وانحط شرف مواقعها فانتبه إلى هذا الأمر نيافة المطران جبرائيل تبوني الموصلي مطرانها الحالي وشرع يبيع العقارات المذكورة بمسوغ شرعي ويصرف أثمانها على إحداث أبنية جديدة ذات ريع وافر في أجمل بقعة من محلة العزيزية في حلب وبعد أن يتم له بناء ما أراد في هذه البقعة يزداد ريع هذا الوقف زيادة عظيمة يثبت له فيها الفضل على هذه الطائفة. يلحق بهذه المحلة مكان البرق والبريد بني في فسحة قديمة خربة في طرفها الجنوبي مزار يحيى السهروردي المقتول سنة ٥٧٨ وقد وضعت إدارة المعارف يدها على هذه الخربة وعمرتها مكانا للإستغلال وأبقت الغرفة التي فيها مزار السهروردي وعملت فوقها مسجدا ثم أجرت ذلك إلى إدارة البرق والبريد وكان انتهاء العمل منها في حدود سنة ١٣٢٥.

٣٩٢

حارة الصليبة الصغرى (خ)

عدد بيوتها ٢٦٦

وعدد سكانها

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

٤٤

٦٣

١١٥

مسلمون

٢١٥

٢١٧

٢

روم كاثوليك

١١٤

١٣١

٢٤٥

أرمن كاثوليك

٧٥

٦٦

١٤١

سريان كاثوليك

٣١

٣٢

٦٣

روم

١١٢

١١٧

٢٢٩

أرمن

٢٣

٢٧

٥٠

سريان

٩٧

١٠٢

١٩٩

موارنة

٤٥

٥٢

٩٧

كلدان

٤٠

٤٨

٨٨

لاتين

١١

١٥

٢٥

برتستان

٢٠٠

٣٠٠

٥٠٠

يهود

١٠١٧

١١٦٩

٢١٨٦

المجموع

شرع الناس يبنون في هذه المحلة في حدود سنة ١٣٠٠ ه‍ ١٨٨٢ م وعرفت أولا بمحلة التلل لأن محلها كان تلالا تعرف بمناشر الزبل وهي وقف المدرسة الحلوية كما ألمعنا إلى ذلك في الكلام على هذه المدرسة وكانت الحكومة العثمانية تلحقها في سجلاتها بحارة الصليبة ثم أفردتها عنها وسمتها باسم كوجك صليبه أي الصليبة الصغرى. والذي اسلفت

٣٩٣

أنظار الناس إلى البناء في موضعها قربه إلى المحلة العزيزية حتى كأنهما بعد أن اتصلا ببعضها محلة واحدة. حد هذه المحلة جادة الناعورة الأخذ إلى جسر الناعورة الكائن في جنوبي بستان الشاهبندر وغربا زقاق الصفي المار في شرقي البستان المذكور والفاصل بينه وبني بستان كل آب وشمالا حارة العزيزية وجادة الجسر الجديد الآخذة إلى محطة الشام وشرقا الجادة الفاصلة بينها وبين الصليبية الآخذة إلى برج الساعة في حضرة باب الفرج. والأراضي التي قامت فيها هذه المحلة هي أراضي بستان كل آب المعروف ببستان الكلاب وأراضي التلال المتقدم ذكرها وبعض أراض تجاور هذا البستان.

أهم المباني في هذه المحلة دار (جرجي بن سمعان خياط (١)) السالف الذكر وهي دار عظيمة غرف ومقاصير عليا وسفلى جميلة المناظر فخمة المباني اتخذت في إبان الحرب العامة مركزا للضباط العثمانيين ثم منزلا للضباط الإنكليز ثم ميتما للفرنسيين ثم محلا لإقامة بعض رجالهم ولها مدخلان قبلي نافذ إلى جادة الناعورة المتقدم ذكره وشمالي نافذ إلى جادة آخذة إلى أوتيل بارون (٢) الشهير. ومن الأبنية العظيمة في هذه المحلة أيضا عمارة نصري البلدي وهي عبارة عن قصر ذي خمس طبقات ومنها أوتيل عبد الله صلاحية وشريكه صائم الدهر ويعرف بأوتيل روض الفرج وأوتيل السيد حسني السباعي ويعرف بأوتيل إمريكا ويوجد في جهة بستان كل آب منها غير ذلك من الفنادق والمطاعم والخانات المستعملة لربط الدواب وحفظ العربات والسيارات وبيوت القهاوي والحانات والملاهي ومراسح التمثيل والخيالات المتحركة والمراقص وحوانيت الحدادين والنجارين الذين يعنون بصنع العربات ويصلحون السيارات وغير ذلك من الأماكن العامة التي لا توجد في غير هذه المحلة.

تنبيه : من الأسر المسيحية القديمة الشهيرة القاطنة في هذه المحلة أسرة بني سالم وهو الجد الأعلى لهذه الأسرة يقال إنه عرف في زمانه بهذه الاسم لأنه وحده سلم من فتك التتار الذين استأصلوا المسيحيين في حلب. ومن الأسر المسيحية في هذه المحلة أيضا أسرة يوسف وحنا أندريا وأسرة بني المراش وبني الحجاز وبني الكداني وبني الحكيم وإليهم ينسب الخان الكائن في هذه المحلة. اه.

__________________

(١) كان صاحيه محاميا مشهورا وهو مندثر الآن ربما يقوم في مكانه اليوم سينما وقسم من فندق الرضوان بباب الفرج.

(٢) لا يزال هذا الفندق يحمل نفس الاسم ، اعتبر بناؤه مؤخرا معلما تاريخيا.

٣٩٤

حارة بالي برغل (خ)

عدد بيوتها ٣٢

وعدد سكانها

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

١

٢

٣

مسلمون

٢٩

٤٩

٧٨

روم كاثوليك

٣١

٤١

٧٢

أرمن كاثوليك

١٧

١٣

٣٠

روم

١

٣

٤

أرمن

٤

١١

١٥

لاتين

 ـ

١

١

كلدان

٢٢

١٦

٣٨

سريان

١٠

٤

١٤

موارنة

١١٥

١٤٠

٢٥٥

المجموع

يحدها ، قبلة ابن محب ، وشرقا عبد الرحيم ، وشمالا عبد الحي ، وغربا الشمالي وبالي برغل كلمة تركية معناها برغل بعسل.

٣٩٥

محلة العزيزية (خ)

عدد بيوتها ٠٥ ٢

هذه المحلة في الشمال الغربي من حلب حدها قبلة الجادة العامة الآخذة إلى محطة الشام شرقا مقبرة اللاتين ومقابر المسيحيين ومحلة الصليبة الصغرى وشمالا بستان القبار وبستان الريحاوي وغربا بستان الحجازي وبستان كور مصري وبستان العويجة.

كانت هذه المحلة صحراء واسعة عهدنا أن في موضع منها يعرف بأرض المشنقة كان يجري سباق الخيل في فصل الربيع وكان الجبل الواقع في الشمال منها المطل على نهر قويق الراكب عليه طاحون الطبقة الجاري في وقف المدرسة العثمانية موضعا يتفسح فيه النساء في فصل الربيع وكان الانسان لا يجسر على المرور في تلك الجهات بعد غروب الشمس خوفا من اللصوص وقطاع الطريق ثم في حدود سنة ١٢٨٥ ه‍ ١٨٦٨ م فتحت الحكومة في مدينة حلب مكتبا لتعليم الناشئة بعض صنائع يدوية كالخياطة والحياكة سمته (إصلاحخانه) فأرادت أن ترصد له جهة دخل يقوم بما تصرفه على إنشائه ولوازمه فأعلنت بأنها تبيع الجبل المطل على النهر وكان يعرف بجبل النهر وهو في ذلك الوقت من الأراضي الأميرية الموات التي لا يتصرف بها أحد فأقبل على شرائه جماعة من تجار المسيحيين واشتروه بقيمة زهيدة إذ لا يرغب بشرائه غيرهم ثم اقتسموه فيما بينهم فكانت قيمة الذراع المربع منه لا تزيد على القرش والقرشين.

ثم بدأ فيه بناء الدور والمنازل وتتابع العمران وأصبحت السكنى في هذه المحلة عند المسيحيين عادة متبعة فلم يمض غير قليل من الزمن حتى ازدحمت المباني في تلك العرصات الفسيحة ولم يبق شيء من أرض جبل النهر فمال الناس إلى البناء والغراس في أراض من البساتين المجاورة كبستان الحجازي وبستان مصري وبستان القبار وغيرها وامتد العمار إلى أرض المشنقة الجاري نصفها في أوقاف الحلوية وإلى بعض عرصات من أوقاف الجامع الكبير واتصلت هذه المحلة من بعض جهاتها بالحارات القديمة من حلب وأصبحت كأنها بلدة

٣٩٦

مستقلة تعتبر من أعظم محلات حلب وأوسعها شوارع وأفخمها منازل قد اشتملت على دور عظام تجمع بين الطرز القديم وبين الطراز الجديد فترى الدار فيها ذات قصور فخمة مطلة على الشوارع الواسعة والجواد الفسيحة وعلى حوش خاص بها ذي حديقة ومرافق وكثير من دورها ذو طبقات ثلاث يسكن في كل واحدة منها عائلة كبيرة وهي الآن خاصة بسكنى المسيحيين من أعيان وتجار وفيها بعض أسر من أعيان المسلمين.

وعدد سكانها الآن

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

١٨

٢٥

٤٣

إسلام

١٤٥

١٦٧

٣١٢

روم كاثوليك

٨٣

٧٤

١٥٧

أرمن كاثوليك

٩٠

٨٨

١٧٨

سريان كاثوليك

٢٣

٩

٣٢

أرمن

٣٤

٤٤

٧٨

روم

٣

٢

٥

سريان

٧٣

٩٨

١٧١

موارنة

٣٠

٣٨

٦٨

كلدان

١٨

١٨

٣٦

لاتين

٩

٦

١٥

برتستان

٥٢٦

٥٦٩

١٠٩٥

المجموع

آثارها

كنيسة الطائفة الكلدانية

أنشئت في سنة ١٢٩٣ ه‍ ١٨٨٦ م على اسم القديسين الرسولين بطرس وبولس في أيام الخوري بطرس رسام وكان معظم النفقات عليها من قبل البطريركية وباقي النفقة مما

٣٩٧

تبرع به أبناء الطائفة ورخم أرضها رزق الله دالاتي. مساحتها ستمائة ذراع معماري. وهي الآن كنيسة عامرة يعتني بشأنها حضرة الخوري ميخائيل شعيا نائب بطريرك الطائفة.

مدرسة الراهبات مار يوسف

هي من رهبنة (دي لا باريسيون) حضرت إلى حلب سنة ١٢٧٢ ه‍ ١٨٥٥ م وهي التي أسست المكتب الكائن في شمالي جامع العدلية الذي أشرنا إليه في الكلام على محلة الجلوم الكبرى وهو ليس له علاقة بكنيسة الرهبنة الفرنسيسكانية خلاف ما توهمناه هناك بل هو تابع هذه الرهبنة المستقلة. وقد أسست رهبنة ما يوسف هذه عدة مكاتب في محلة الصليبة وغيرها. ثم في سنة ١٣٢٧ ه‍ ١٩٠٧ م أسست مدرستها الكبرى في محلة العزيزية على اسم (جاندارك). ولما حدثت الحرب العامة رحلت راهباتها مع من رحل من الأجانب ووضعت العسكرية التركية يدها عليها واستعملتها مستشفى ثم لما وقفت رحى الحرب عادت إليها الراهبات واستعملتها فيما أسست من أجله. وهي مدرسة فسيحة جميلة كثيرة الغرف والمقاصير وكانت قبل دارا ذات حديقة فاشترتها الرهبنة من ذويها وأضافت إليها بناية عظيمة فأصبحت من أجمل مباني هذه المحلة. تضم إليها نحو ٣٠٠ تلميذة ما بين نهارية وليلية بأجرة معلومة يتلقين فيها اللغة العربية والفرنسية والإنكليزية والتاريخ والجغرافية والبيانو والموسيقى.

تنبيه : مؤسس هذه الرهبنة مير (الأم) (إيميلي دي يالار) في مدينة مرسيليا وأول رئيسة منها حضرت إلى حلب مير (روزالي إستفانلى) في حدود سنة ١٢٧٢ ه‍ ١٨٥٥ م والتي سعت بتأسيس هذه المدرسة وتوسيعها مير (بلاسيت كوله) وهي رئيستها الحالية.

مدرسة الرهبنة البيضاء

هذه الرهبنة تعرف بالرهبنة البيضاء لاستعمالها الثياب البيضاء وهي تعرف أيضا باسم الرهبنة الفرنسيسكانية ميسيونير دوماري : أسستها هيلانة دوشابوته دونوفل المولودة في بلدة باط من بريطانيا سنة ١٢٥٥ ه‍ ١٨٣٩ م ولما صارت راهبة دعيت باسم مير (ماري دولابسيون) : محل هذه المدرسة في هذه الحارة عبارة عن دار عظيمة تتصرف بها هذه

٣٩٨

الرهبنة بطريق الإجارة أسستها مدرسة سنة ١٣٣٨ ه‍ ١٩١٩ م على اسم (قلب يسوع الأقدس) وهي نهارية وليلية تأخذ من التلمذة أجرة معلومة تتلقى التلميذات فيها فيها ما يتلقين في المدرسة التي ذكرت قبلها ومدة التعليم فيها إحدى عشرة سنة.

تنبيه : أكبر محلات هذه الرهبنة في مدينة باريس ولها نحو مائتي محل في الشرق والغرب ويبلغ عدد راهباتها نحوا من أربعة آلاف.

كنيسة اللاتين (١)

محل الكنيسة في مقبرة المسيحيين وهي مما له علاقة بالرهبنة الفرنسيسكانية وكان تأسيسها عن يد هذه الرهبنة وهي كنيسة صغيرة غاية ما يقصد منها الصلاة على أموات اللاتين وغيرهم من المسيحيين.

بقية آثار هذه المحلة

مستشفى الطبيب أنطونيان الذي أنشأه المذكور على عرصة اشتراها من وقف الجامع الكبير وهو مستشفى عظيم ربما لا يكون له نظير في مدينة حلب من جهة متانة بنائه وكثرة غرفه وحسن هندامه وتوفر أدواته وهو خاص بالمتطببين عند هذا الطبيب الذي له الشهرة الأولى بين أطباء حلب وجراحيها. ومن آثار هذه المحلة المنتزه العام المعروف بالمنشية المشتمل على أزهار بديعة وأشجار جبلية متنوعة وعلى حوض صناعي على مثال حوض طبيعي مثل به مضيق الدردنيل قام في جهة منه شبه جبل صغير ينبع منه الماء بطريقة صناعية كأنه يتفجر من عين طبيعية أنشئ في سنة ١٣١٨ ه‍ ١٩٠٠ م بسعى (جرجي بن سمعان خياط) الموصلي الأصل الحلبي المولد والمنشأ وهو الذي سعى بجمع النفقة عليه من أهل هذه المحلة وتبرع من ماله بثلاثمائة ذهب عثماني صرفت عليه أيضا وقد أقيم بجانبه مخفر جميل بنى على نفقة أهل المحلة وتبرعت بمفروشاته الست كليلية حرم جرجي المومى إليه وهي من أسرة بني الخوري فكافأتها الحكومة على ذلك بوسام الشفقة. وكان زعيم إنشاء المنتزه والمخفر علي محسن باشا الذي نوهنا بذكره في حوادث ١٣١٩.

__________________

(١) تقع في محلة العزيزية ، أعيد بناؤها عام ١٩٥٠ عند ما تحولت أرض المقابر إلى دكاكين وهي من أكبر كنائس حلب اليوم.

٣٩٩

ويلحق بهذه المحلة منتزه السبيل ومخفر عسكري تجاهه في شرقيه والرباط العسكري على قمة جبل البختي تجاه السبيل ومحطة سكة حديد بغداد في أرض الخناقية. أما منتزه السبيل فقد بدأت البلدية بتعميره في باحة السقاية القديمة المعروفة باسم سبيل الدراويش سنة ١٣١٤ ه‍ وكان القسم الأعظم من عرصته جاريا في تصرف جرجي السالف الذكر فتبرع بما هو متصرف به من هذه العرصة وبنت البلدية عليها سياجا عظيما وعمرت على ظهر السبيل في رأسي دكته غرفتين جميلتين وملأت باحته بالغراس المتنوع من أشجار وأزهار وعملت في أواسطه حوضا صناعيا يمثل حوضا طبيعيا يجري إليه الماء من بئر في قربه يرفع منه الماء بواسطة دولاب أمير كاني يدور بالهواء وصرفت على بقية شؤونه زهاء عشرة آلاف ذهب عثماني وهي لم تزل تصرف عليه المبالغ الباهظة التي تزيد على ريعه أضعافا مضاعفة. وهو بالحقيقة منتزه جميل لا يكاد يوجد له نظير في غير حلب ولكن بعده عن المدينة قلل فيه رغبة الناس. وقد اتخذ الآن محل للعب بصيد الحمام والناس يقبلون عليه في فصل الصيف مساء ويسهرون في فسحاته الجميلة مع أسرهم.

وأما المخفر فقد كان تأسيسه سنة ١٣١٦ ه‍ لحراسة هذا المنتزه وأما الرباط فقد بدىء بتأسيسه سنة ١٣٣٠ ه‍ وهو رباط حافل عديم النظير إلا أنه قبل أن يتم حدثت الحرب العامة ثم حين إنجلاء الأتراك عن حلب هجم عليه الغوغاء والأوباش فاستلوا أخشابه وحديده وأصبح معدوم الفائدة ولما دخلت الحكومة المنتدبة إلى حلب أجرت عليه بعض التصليح واستعملته مركزا لجنودها وهو لم يزل غير تام ، وأما محطة سكة بغداد التي ذكرنا خبرها في حوادث سنة ١٣٣٠ فقد بدىء بتأسيسها سنة ١٣٢٨ وهي محطة عظيمة معدودة من نوع المحطات المعروفة باسم (غار). ولما كانت الحرب العامة هجم عليها في أثناء انسحاب الحرس منها الشطار والدعار فاستلوا ما فيها من الأخشاب وحطموا غالب زجاجها وأوهوا الكثير من مبانيها ثم لما دخلت الجنود الإنكليزية حلب عنوا بإصلاح شيء منها وتلتهم جنود الحكومة المنتدبة فأتموا إصلاحها وعادت إلى ما كانت عليه.

تنبيه : من الأسر المسيحية القديمة الشهيرة في هذه المحلة أسرة بني الحمصي وبني غزالة وبني العجوري وكان عمل العمائم العجورية مختصا بهم وبني العبه جي وبني الكورنلي وبني الخوري وبني الشعراوي وبني الخياط الذي ينتسب إليها جرجي بن سمعان السالف الذكر وبني الأخرس وبني شلحت وبني الأسود وإليهم ينسب خان هذه المحلة. والدور العظام فيها هي الدور المنسوبة إلى هذه الأسر.

٤٠٠