نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]

نهر الذّهب في تاريخ حلب - ج ٢

المؤلف:

كامل البالي الحلبي [ الغزي ]


المحقق: الدكتور شوقي شعث ومحمود فاخوري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
المطبعة: مطبعة الصباح
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥١٨

تأثير لذع الحيات ثم يمشي السور شرقا مستقيما حتى يصل إلى باب النصر وهو باب قديم مشتمل على ثلاثة أبواب كل باب منها له دركاه أولها مما يلي البلد وآخرها مما يلي ظاهرها وثالثها داخل البابين وقرب عضادة الباب الداخلي يوجد قطعة من الحجر كبيرة مبنية بالجدار على علو قامة فيها ثقوب يدخل الناس فيها أصابعهم لزوال ما فيها من عروق الملح على زعمهم ، ويقولون إن تحت هذه الحجرة قبر نبي مع أن الكتابة التي كتبت عليها تدل على أن هذه الحجرة كانت موضوعة على قبر دفن فيه عروسان اسم الرجل أرتميس واسم المرأة كاليكتي والظاهر أنها مأخوذة من مقبرة ومبنية في محلها. وهذا الحجر ذكره الهروي في إشاراته وقال : إن الملل الثلاث يعتقدونه ويصبون عليه ماء الورد والطيب. وفي سنة ١٣٠٣ ه‍ هدمت الحكومة الباب الأول ووسعت به الجادة فبقي فيه الباب المتوسط والذي يلي ظاهر البلد مكتوب على نجفته ما يفهم منه أنه من بناء الملك الظاهر غازي.

ثم يمشي السور من هناك منعطفا قليلا. ثم يستقيم ويسير حتى يصل إلى باب القناة المعروف بباب الحديد وعرف بباب بانقوسا أيضا غربي الجامع الكبير ببانقوسا على مرمى حجر منه وهو مؤلف من بابين بينهما دركاه وفوقهما حصن منيع مكتوب على يسرة الداخل إلى الباب ما صورته (أمر بعمارة هذا الحصن المنيع الباب مولانا السلطان الملك قانصوه الغوري عز نصره بولاية مملوكه أبرك مقدم الألوف بالديار المصرية وشادّ الشرابات والخانات الشريفة ونائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة أعز الله أنصاره سنة ٩١٥ ه‍).

ثم يمشي السور من هناك منعطفا جنوبا ويسير حتى يصل إلى باب بالوج ، وبالوج معمار رومي عمل فيه ، ويعرف أيضا بباب الأحمر تحريف الحمر قرية في صحراء حلب من شرقيها. وهذا الباب لم يبق له أثر بل انهدم إلى الأرض وأخذت حجارته إلى الرباط العسكري سنة ١٣٠٣ ه‍ وكان مكتوبا عليه (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك أبو النصر قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي أبرك وشادّ الشرابات والخانات الشريفة الحلبية عز نصره سنة ٩٢٠ ه‍) ، ثم يمشي السور إلى أن يكون وراء جامع ألتون بغا المعروف بجامع ساحة الملح فيكون فيه حجر مكتوب فيها(بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا السور مولانا السلطان الملك الناصر أبو السعادات محمد بن الملك

٢١

الأشرف قايتباي عز نصره المقر الكريم جان بلاط (١) كافل حلب المحروسة بتولي مصر باي (٢) السيفي نائب القلعة الحلبية بتاريخ جمادى الآخرة سنة ٩٠٣ ه‍).

وقبل أن يصل السور إلى وراء الجامع المذكور بقليل يكون فيه برج مكتوب على حجر منه ما يفهم منه أنه مرمم في أيام السلطان قانصوه الغوري ، ثم يسير السور من هناك حتى يصل إلى باب النيرب وهو باب واحد يلي ظاهر البلدة مكتوب في دائرة بأعلاه على الخارج منه «خلد الله ملكه عز لمولانا السلطان الملك الأشرف برسباي عز قانصوه» ، ومكتوب على جدار الباشورة الموجه شرقا «عز لمولانا الملك الأشرف برسباي عز نصره» ، ومكتوب على حجر فوق نجفته «بالسعد باب الملك حصنا شيدا في دولة السلطان محمود الأول ١١٥٨ ه‍» فالظاهر أن النجف فقط جدد في أيام السلطان محمود خان العثماني. ثم يمشي السور قليلا وينعطف إلى الغرب ويكون فيه باب المقام. مكتوب في دائرة بجانبه «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي عز نصره» وكان ابتداء عمارة هذا الباب في أيام بر سباي المذكور وكملت عمارته في أيام الملك الأشرف أبي النصر قايتباي. ومكتوب على سور هذا الباب الموجه جنوبا «أمر بتجديد هذا السور المبارك السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره سنة ٨٧٠ ه‍» ومكتوب في دائرة بجانبه «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قايتباي عز نصره» وهذا الباب وأسواره متوهنة جدا. ثم يمشي السور منه غربا حتى يتصل بقلعة الشريف من شرقيها فينعطف عليها من نصف جهتها الشرقية ويأخذ إلى شماليها حتى يتصل ببرج باب قنسرين فلا يحيط السور بهذه القلعة إلا بنصف جهتها الغربية ونصف جهتها الشرقية مما يلي المدينة وليس على النصف الباقي من الجهتين المذكورتين. ولا على جميع الجهة الجنوبية منها سور مطلقا لاستغناء الجهات المذكورة عنه بسبب ارتفاعها عن الخندق واستقامة جبلها.

إن جميع السور الدائر على مدينة حلب مبني فوقه دور يملكها الناس دثر منها جهات كثيرة وأعاد عمارتها أصحاب الدور بحجارة أصغر من الأولى وأكثر ما بقي فيه من الأبراج داخل في الدور المذكورة على أن معظمها قد تهدم ونقلت الحكومة حجارته إلى الرباط العسكري سنة ١٣٠٣.

__________________

(١) جان بلاط أو جانبلاط مملوك شركسي (جركسي) كان نائبا على حلب وتوفي عام ٩٠٦ ه‍.

(٢) هو «مصرباي» السيفي الناصري كان نائبا على القلعة في الفترة ما بين ٩٠١ و ٩٠٣ ه‍.

٢٢

خندق البلدة

أما الخندق فقد ارتدم (١) أكثره بالأتربة وبني في عدة بقاع منه عمائر ومبان وكان يوجد في بقاع أخرى منه بساتين تشرب من سرابات البلدة المنصبة إليه وذلك فيما بين برج الثعابين إلى باب النصر. وكان الخندق ينقطع عند هذا الباب بجدار ثم يعود بستانا إلى قرب بانقوسا ، فينقطع بخان يملكه بعض الناس ، ثم يكون جادة قليلا ، ويعود بستانا إلى وراء باب بالوج ، وهناك ينقطع بالجادة ، وبعدها يعود بورا مملوءا من الأتربة والأقذار المنصبة إليه من البلد ، يمر هكذا على باب المقام وباب قنسرين ثم يكون فيه بستان صغير. ثم يصير بورا ويمر من تجاه حارة الكلاسة ويصير جادة مارة على باب انطاكية وباب الجنان وباب الفرج وبعده يكون فيه عدة خانات وبيوت حتى يصل إلى برج الثعابين. وفي سنة ١٣١١ ه‍ عزمت الحكومة على أن تجعل الخندق جادة عامة فقطعت منه جميع الأشجار وأزالت الموانع وطمت (٢) المنخفضات من أرضه ومن ذلك الوقت بدأ الناس يبنون فيه العمائر الضخمة من بيوت وخانات وفنادق وغير ذلك حتى أصبحت المسافة الممتدة منه من عند السهروردي إلى باب القناة من أعمر جادات حلب.

ما قاله المتقدمون في قلعة حلب

قالوا كانت قلعة حلب عديمة النظير بالحصانة والمنعة. وأول من بناها ميخائيل وقيل سليكس نيكادور (٣) أحد الملوك الرومانيين (٤) سنة ٢١ من جلوسه قبل المسيح عليه السلام بثلاثمائة واثنتي عشرة سنة ، وهذا الرجل يسمى في التواريخ الحلبية سلوقوس وهو الذي جدد بناء المدينة بعد خرابها بزلزال دهمها. وموضع القلعة على جبل مشرف على المدينة وعليها سور ويقال إن في أساسها ثمانية آلاف عمود. قلت : وهذا من قبيل الخرافة إلا أن

__________________

(١) أي امتلأ بالبقايا والأتربة والنفايات.

(٢) طمّت أي ملأت الحفر بالتراب قصد التسوية.

(٣) المقصود هنا : سلوقوس نيكاتور أي المنتصر ، وهو الذي أسس الدولة السلوقية في سورية وقد اتخذت أنطاكية عاصمة لها ، واستمرت منذ تأسيسها عام ٣١٢ ق. م حتى عام ٦٤ ق. حين اغتصبت الرومان سورية.

(٤) الأصح القول : أحد الملوك اليونان ، حيث كان سلوقوس يونانيا وأحد قادة الإسكندر المكدوني. ويطلق على حضارة هذه الفترة الحضارة الهلنيسية أي الحضارة اليونانية الشرقية.

٢٣

يكون المراد بها الأعمدة المغروسة في سفحها المفروش بالرخام تقوية للتراب وسندا للرخام المفروش وعددها لا يزيد على خمسمائة. وكان للقلعة بابان أحدهما من حديد دون الآخر وفي وسطها بئر ينزل إليها بمائة وخمس وعشرين دركة (١) مهندمة تحت الأرض وقد جرفت جروفا وصيرت أزواجا ينفذ بعضها إلى بعض إلى الماء وكان فيها دير للنصارى وكان به امرأة قد سد عليها الباب منذ سبع عشرة سنة ثم ينحدر السور من جانبي هذه القلعة إلى البلد وقيل إنه لما فتح كسرى حلب وبنى سورها كما قدمناه بنى في القلعة مواضع ، ولما فتح أبو عبيدة حلب كانت قلعتها مرممة بعد زلزلة أصابتها قبل الفتح فأخربت أسوار البلدة وقلعتها ولم يكن ترميمها محكما فنقض ذلك وبناه ، وكذلك لبني أمية ولبني العباس فيها آثار (هي الآن غير معلومة).

ولما استولى نيقفور ملك الروم على حلب سنة ٣٥١ ه‍ كما قدمناه امتنعت القلعة عليه وكان قد اعتصم بها جماعة من العلويين والهاشميين فحمتهم ولم يكن لها يومئذ سور عامر إنما كانوا يتقون سهام العدو بالأكف والبراذع (٢).

ثم لما أقلع نيقفور اهتم الملوك بعمارتها وتحصينها فبنى سيف الدولة منها بعض أسوار ثم أكملها بعده ولده سعد الدولة وسكنها ، ثم عصي فيها فتح القلعي على مولاه ابن مرتضى الدولة لؤلؤ وسلمها إلى نواب الحاكم فعصي فيها عزيز الدولة فاتك على الحاكم وقتل بالمركز وكان قصره الذي ينسب إليه خانقاه القصر متصلا بالقلعة والحمام المعروف بحمام القصر إلى جانبه ، فخرب القصر بعد ذلك تحصينا للقلعة وصار الخندق موضعه وكان هذا الحمام ديرا في أيام الظاهر غازي فهدمه وجعله مطبخا. ولما قتل عزيز الدولة صار الظاهر وولده المستنصر يولّيان واليا بالقلعة وواليا بالمدينة. وكان بنو مرداس قد بنوا فيها دورا وجددوا أسوارا وسكنوها ومن ذلك اليوم صارت محلا لسكنى الملوك ، ولما وليها عماد الدين آق سنقر وولده عماد الدين زنكي حصنوها وأثروا بها آثارا حسنة وبنى فيها طعتكين برجا من قبليها ومخزنا للذخائر وكان اسمه مكتوبا عليه وبنى فيها نور الدين محمود زنكي أبنية كثيرة وعمل فيها ميدانا وخضّره بالحشيش فسمي الميدان الأخضر ، وكذلك بنى بها ولده

__________________

(١) المقصود هنا درجة من السلم.

(٢) البراذع : جمع برذعة وهي الحلس يوضع على ظهر الدابة وتستعمل أحيانا باسم بردعة.

٢٤

الملك الصالح باشورة (١) كانت قديمة فجددها وكتب اسمه عليها ولم تزل عمارته في ازدياد إلى أن ملكها الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وأعطاها أخاه الملك العادل سيف الدين أبا بكر فبنى فيها برجا ودارا لولده فلك الدين ، كانت تعرف به ، ولما ملك الظاهر غازي حصنها وحسنها وبنى فيها مصنعا كبيرا للماء ومخازن للغلات وهدم الباشورة التي كانت في سفح تلك القلعة وبناها بالحجر الهرقلي وأعلى بابها وكان قريبا من الأرض متصلا بالباشورة فوقع في سنة ٦٠٠ ه‍ وقتل تحته خلق كثير وعمل لهذا الباب جسرا ممتدا منه إلى البلد وبنى على الباب برجين لم يبن مثلهما قط وعمل للقلعة خمس در كاوات بأزج (٢) معقودة وحنايا منضودة وجعل لها ثلاثة أغلاق من الحديد وأقام لكل باب منها أسباسلار ونقيبا وبنى فيها أماكن لجلوس الجند ورجال الدولة ، وكان يعلق بها آلات الحرب.

وفتح في سور القلعة بابا يسمى باب الجبل شرقي باب القلعة ، وعمل له دركاه لا يفتح إلا له إذا نزل إلى دار العدل وهذا الباب وما قبله انتهت العمارة منهما سنة ٦١١ ه‍ وفي سنة ٦١٦ ه‍ في الرابع والعشرين من شهر رمضان مهدت أرض الخندق الملاصق للقلعة فوجدت فيه لبنة من الذهب الإبريز زنتها سبعة وتسعون رطلا حلبيا والرطل سبعمائة وعشرون درهما وبنى الظاهر غازي في القلعة ساتورة (٣) للماء بدرج إلى العين وبنى ممشى من شمالي القلعة إلى باب الأربعين وهو طريق بازج معقود لا تسلك إلا في الضرورة وكأنه باب السر وزاد في حفر الخندق وأجرى فيه الماء الكثير وخرق في شفيره مما يلي البلد مغاير أعدها لسكنى الأسارى في كل مغازة خمسون بيتا وأكثر وبنى في القلعة دارا تعرف بدار العز وكان في موضعها دار للملك العادل نور الدين تسمى دار الذهب ودارا تعرف بدار العواميد ودارا للملك رضوان حازت كل معنى غريب. وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن بن النابلسي من قصيدة مدحه بها سنة ٥٣٩ ه‍ :

دار حكت دارين في طيب ولا

عطر بساحتها ولا عطّار

رفعت سماء عمادها فكأنها

قطب على فلك السعود يدار

__________________

(١) الباشورة جمع بواشير وهي تصميم خاص بتحصين القلاع خاصة البوابات شاع استعمالها في العصرين الأتابكي الزنكي والأيوبي ببلاد الشام.

(٢) أزج جمعه آزج أو آزاج ويطلق على العقد والطاق والقبو والقوس.

(٣) الساتورة أو الصاطورة مخزن للماء وهو بقلعة حلب.

٢٥

وزهت رياض نقوشها فبنفسج

غضّ وورد يانع وبهار

وضحت محاسنها ففي غسق الدجى

يبدو لصبح جبينها إسفار

فتقر عين الشمس أن يضحي لها

بفنائها مستوطن وقرار

صور ترى ليث العرين تجاهه

فيها ولا يخشى سطاه صوار

وموسدين على وسائد ملكهم

سكرا ولا خمر ولا خمّار

لا يأتلي شدو القبان رواجعا

فيه ولا نغم ولا أوتار

هذا يعانق عوده طربا وذا

دأبا يقبل ثغره المزمار

وهي طويلة جدا فإنه خرج من هذا إلى ذكر البركة والفوارة والرخام ثم إلى مدح الملك الظاهر. قال ابن شداد : «فاقتصرت منها على هذا ليعلم حسن هذا الدار» وبنى حولها بيوتا وحجرا وحمامات وبستانا كبيرا في صدر إيوانها فيه أنواع الأزهار والأشجار وبنى على بابها أزجا يسلك فيه إلى الدر كاوات التي قدمنا ذكرها وبنى على بابها أماكن للكتاب وكتاب الجيش.

ولما تزوج سنة ٦٠٩ ه‍ بضيفة خاتون ابنة عمه الملك العادل التي حكمت في حلب بعد وفاته ، أسكنها الدار المذكورة فوقعت نار عقيب العرس فأحرقت جميع ما كان فيها من الفرش والمصاغ وذلك في حادي عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة ثم جدد عمارتها وسماها دار الشخوص لكثرة زخارفها وسعتها أربعون ذراعا في مثلها. وفي أيام الملك العزيز ابنه سنة ٦٢٢ ه‍ وقع من القلعة عشرة أبراج مع بدناتها وكان النوء باردا وقدر ما وقع خمسمائة ذراع وهو المكان المجاور لدار العدل ووقع بعض الجسر الذي بناه أبوه فاهتم الأتابك طغرلبك بعمارتها وجمع الصناع واستشارهم فأشاروا بأن يبنى من أسفل الخندق على الجبل ويصعد بالبناء ليبقى البناء محكما فإنه متى لم يبن هكذا وقع ما يبنى عاجلا وإن قصدها عدو لم يمنعه. فرأى الأتابك أن ذلك محتاج إلى مال كثير ومدة طويلة فعدل عن هذا الرأي وقطع الأشجار من الزيتون والتوت وجعلها الأساس على التراب وبنى عليها. ولهذا لما نازلها التتار لم يتمكنوا من أخذها إلا من هذه الجهة لتمكن النقابين منها.

وفي سنة ٦٢٨ ه‍ بنى فيها الملك العزيز دارا إلى جانب الزردخانه (١) يستغرق وصفها

__________________

(١) الزردخانه هو المكان المخصص لحفظ السلاح والعتاد الحربي ويطلق أحيانا على السلاح نفسه. وللكلمة معنى آخر وهو السجن المخصص للأمراء وأصحاب الرتب ، وهي لفظة فارسية.

٢٦

الإطناب ، مساحتها ثلاثون ذراعا في مثلها ، وفي سنة ٦٥٨ ه‍ استولى التتار على القلعة وخربوا أسوارها وجميع أبنيتها وأخذوا ما كان فيها من الذخائر والزرد والمجانيق. ولما هزمهم الملك المظفر قطن (١) على عين جالوت عادوا إلى حلب ثانية في محرم سنة ٦٥٩ ه‍ رأوا في القلعة برجا حادثا للحمام فخربوه وخربوا القلعة خرابا فاحشا وأحرقوا المقامين (٢) إحراقا لا يمكن جبره وذلك في الشهر المذكور ، فاستمرت القلعة خرابا إلى أن جددت في أيام سلطنة الملك الأشرف خليل بن قلاوون ثم خربها تمرلنك وبقيت خرابا إلى أن جاء الأمير سيف الدين جكم نائبا إليها من قبل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق وادعى السلطنة لنفسه وأمر ببناء القلعة وألزم الناس العمل بالخندق وتحرير التراب منه وجد في ذلك حتى عمل بنفسه واستعمل وجوه الناس بحيث كان كبار الأمراء يحملون الأحجار على متونهم وخرب السور المعروف بالغربي على كتف الخندق شرقي باب القلعة وخرب مكتب السلطان حسن تجاه باب القلعة وكان شمالي حمام الناصري قنطرة كبيرة مبنية بالحجارة الهرقلية وجانبها الشمالي على كتف الخندق يقال لها باب القوس البراني وقنطرة أخرى غربي القنطرة الأولى يقال لها القوس الجواني فبنى حجارتهما في البرجين الذين استجدهما وبنى أسوار القلعة كما كانت وبنى البرجين الذين على باب القلعة الفوقاني وأمر ببناء القصر على سطح البرجين المذكورين ولم يسقفه وذلك في سنة ٨٠٩ ه‍.

فلما تسلطن الملك المؤيد شيخ وجاء إلى حلب أمر بتسقيفه وأن تقطع له الأخشاب من بلاد دمشق فقطعت وجيء بها إلى حلب وهي غاية في الطول فسقف بعض القصر المذكور وصار قصرا عاليا مليحا جدا ويقال إنّ الأخشاب المذكورة أحضرها الأمير جكم من بلد بعلبك ولم يكن فيها كفاية (٣) ، فأحضر الملك المؤيد غيرها وبنى الأمير جكم البرجين الذين في سفح القلعة أحدهما مما يلي سوق الخيل قبلي القلعة والآخر تجاه باب الأربعين شمالي القلعة. وكان لباب القلعة سلسلة تمنع الراكب من الدخول إليها وكان فيها كنيستان (٤) إحداهما كانت قبل أن تبنى مذبحا للخليل إبراهيم عليه السلام وكان به صخرة يجلس عليها

__________________

(١) الصحيح والمشهور «قطز».

(٢) المقصود هنا بالمقامين : المسجد الصغير (السفلي) والمسجد الكبير (العلوي) بقلعة حلب.

(٣) أي إنها كانت قصيرة ولا يكفي طولها لسقف القصر.

(٤) لم يثبت هذا علميا بعد.

٢٧

لحلب المواشي (١) ، وهذه الكنيسة بنيت مسجدا جامعا في أيام بني مرداس كان يعرف بمقام إبراهيم وبه تقام خطبة وسيأتي الكلام عليه ، وفي سنة ٤٣٥ وقيل سنة ٤٣٣ ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا وكان من أمره ما حكيناه في الكلام على الحضرة النبوية في الجامع الأموي الكبير في حلب. وأما الكنيسة الأخرى فهي المقام الأسفل الذي كان يقيم به الخليل وبه صخرة لطيفة تزار ويقال إنه كان يجلس عليها. ولم يثبت من أنشأ هذا المقام من ملوك الإسلام سوى أن الملك العادل نور الدين محمود هو الذي جدده أيضا وزخرفه وكان كثير التعبد فيه وبنى فيه صهريجا مرصوصا يملأ في كل سنة ووقف عليه وقفا. وكان بهذه القلعة جرس كالتنور العظيم معلق على برج من أبراجها من غربيها كان يحرك ثلاث مرات في أول الليل لانقطاع الرجل عن السعي وفي منتصفه ووقت الفجر وكان تعليقه على القلعة سنة ٤٩٦ وسببه أن الفرنج الصليبيين لما ملكوا انطاكية طغوا في بلاد حلب وعاثوا وأفسدوا فخافهم رضوان بن تاج الدولة تتش لعجزه عن دفعهم واضطر إلى مصالحتهم فاقترحوا عليه أشياء كثيرة من جملتها أن يحمل إليهم في كل سنة قطيعة من مال وخيل وأن يعلق بقلعة حلب هذا الجرس ويضع صليبا على منارة الجامع الكبير فأجابهم إلى ذلك فأنكر عليه القاضي يحيى بن الخشاب وكان زمام البلد بيده ، فراجع الفرنج في أمر الصليب فأذنوا له في وضعه على كنيسة هيلانة وبقي بها إلى أن جعلت جامعا كما نذكره ، وأما الجرس فإنه لم يبرح معلقا على البرج المذكور إلى أن ورد حلب الشيخ الصالح أبو عبد الله ابن حسان المغربي فأنكره لما سمعه ووضع إصبعه في أذنه وقعد إلى الأرض وقال : الله أكبر ، وإذا بضجة عظيمة وقعت في البلدة وانجلت عن وقوع الجرس وكسره وذلك في سنة ٥٨٧ فجدد وعلق فانقطع لوقته وانكسر. وكان هذا الرجل زاهدا فاضلا مقريا محدثا من أولياء الله ، قدم حلب ونزل دار الضيافة بالقرب من القلعة وكان من المثريين ببلاد المغرب فتجرد وحج وقدم حلب ومنها دخل جبل لبنان ، قيل : وفيه كانت وفاته.

__________________

(١) معلومة منقولة ، وليس لها سند تاريخي.

٢٨

الكلام على تشخيص القلعة

وما آل إليه أمرها

اعلم أن موقع قلعة حلب في الحالة الحاضرة متوسط من البلد لكنها أقرب إلى الجهة الشرقية كثيرا والشمالية قليلا. وهذا باعتبار سور البلدة ، وأما باعتبار ما خرج عنه فميلها إلى الجهة الجنوبية أكثر ، أي أن عمران البلد في الجهة الشمالية من القلعة يبلغ ضعفي عمرانها في الجهة الجنوبية منها. وهكذا يكون ميلها إلى الجهة الشرقية أي أن العمران في الجهة الغربية يبلغ ضعفي عمران الجهة الشرقية. ثم إن شكل جبل (١) القلعة هرمي قد فرش سفحة بالبلاط (٢) من بعض الجهة الشرقية. ومعظم الجهة الغربية الشمالية. وقمته بسيطة قد دار عليها سور متشعث جدا محيطه ألف ذراع تقريبا فيه عدة أبراج وبدنات متقدمة عليه إلى سفح الجبل لم نذرعها في محيطه وارتقاع الجبل من أرض الخندق إلى أسفل السور الدائر على قمته المذكورة خمسة وسبعون ذراعا تقريبا. وعرض الخندق الدائر على الجبل يبلغ نحو ثلاثين ذراعا وينخفض عن أرض البلدة نحو عشرة أذرع وهو مردوم بالأتربة ولو لا ذلك لبلغ عمقه عشرين ذراعا وزيادة. وهذا الخندق يوجد في جهته التي تلي البلد عدة مغاير متهدمة وفي بعضها سراديب تبعد نهايتها وأظنها هي المغاير التي نحتها الملك الظاهر كما قدمنا ذكره. وقد عهدنا أرض الخندق غديرا عظيما يجتمع من سرابات المحلات المجاورة له وكان ينبعث عن ذلك عفونات تضر بمناخ تلك الجهة. وحكى دارفيو في تذكرته (٣) أن الحكومة في زمانه كانت تطرح في تلك الغدران جثث القتلى فكان يزداد بها مناخ تلك الجهة فسادا. لكن هذا لم نعهده في زماننا ، ولم تزل فيه الغدران المذكورة إلى حدود سنة ١٣٠٠ ه‍.

__________________

(١) المقصود هنا التل الذي تقوم فوقه القلعة.

(٢) وهي التي نعرفها بالتحصينات المائله المبنية بالحجارة الملساء.

(٣) المقصود هنا «الفارس دارفيو» الذي كتب مذكراته التي ضمت مشاهداته في البلاد التي زارها. عين قنصلا لفرنسا عام ١٦٧٩ وظل في وظيفته هذه حتى عام ١٦٨٦ أي نحو سبع سنوات ، وقد واجه صعوبات ومضايقات كثيرة من الجالية الإفرنسية بحلب.

٢٩

وفيها اهتمت الحكومة بإزالتها فردمتها بالتراب وصرفت القاذورات إلى سراب عظيم عملته في الخندق المذكور وأنفذته من جانب باب الأربعين مارا من تجاه قسطل العوينة (١) إلى خندق البلدة. ويوجد على سفح هذا الجبل برجان عظيمان على نقطة متقابلة بهما سميت قلعة حلب ذات الجناحين ، أحدهما في الجهة الشمالية تجاه باب الأربعين مكتوب عليه : جدّد هذا السور المبارك مولانا السلطان قانصوه الغوري عزّ نصره في أيام المقر الأشرفي الأمير السيفي عين مقدم الألوف بالديار المصرية سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة عز نصره سنة ٩١٥. وثانيهما في الجهة الجنوبية تجاه سوق الخيل وحمام الناصري مكتوب عليه : أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري في أيام المقر السيفي سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة سنة ٩١٤ وأظن أنهما مبنيان على أثر البرجين اللذين جددهما الأمير جكم مساحة كل منهما تقريبا عشرون ذراعا عرضا ومثلها طولا وخمسة وعشرون ذراعا ارتفاعا. وله مدخل من جهته العليا مما يلي سور القلعة قد اشتمل على أربع طبقات ، كل طبقة لها قبو معقود بالحجارة العظيمة له عدة كوات إلى جهة الخندق. والطبقة السفلى من الجنوبي يهبط منها في سرداب ينتهي إلى حفير منقور بالحوار فيه ماء راكد يميل طعمه إلى الملوحة ثم يكون في طرفه سرداب ينتهي إلى فوهة في الجبل غربي باب القلعة بقليل. وهذا البرج وإن كان متهدما إلا أنه أجد عمرانا من البرج الشمالي. والغالب على ظني أن مدخل كل واحد منهما كان متصلا بالقلعة بواسطة قبو خفي.

أما مدخل القلعة الآن فهو مؤلف من أربعة أبواب. أولها مما يلي البلد متوجه إلى الجنوب مرتفع عن سطح أرض البلد نحو عشرة أذرع يرقى إليه بدرج مسطح على قبو معقود بالحجارة على الخندق وحافته ، وفي انتهاء هذه المسافة ينقطع القبو المذكور فيكون فوقه جسر من خشب يؤدي إلى هذا الباب الذي هو الباب الأول. وله غلق من الحديد كبقية الأبواب بعده مكتوب على مصراعيه بالحديد النافر : (أمر بعمله مولانا الملك الظاهر غازي ابن يوسف سنة ٦٠٨ وهذا الباب من آثار قانصوه الغوري بني بتولي مقدم الألوف بالديار المصرية وشاد الشرابخانات (٢) الشريفة ونائب القلعة) ، وعلى هذا الباب برج عظيم لكنه

__________________

(١) القسطل مندثر الآن.

(٢) الشرابخانات مفردها الشراب خانه وهو بيت الشراب ، فيه شتى أنواع الأشربه التي يحتاجها السلطان ، وتوجد به الأواني المصنوعة من الصيني الفاخر.

٣٠

متوهن البناء. ثم تمر من هذا الباب صعدا وتمشي مسافة خمسين ذراعا على درج مكشوف مسطح في عرض عشرة أذرع محمول على قناطر معقودة فوق الخندق حتى تصل إلى الباب الثاني (١) الذي قد رسم في قنطرته صورة أفعى عظيمة ذات رأسين وهو يتجه إلى الغرب عرضه ثلاثة أذرع وقيراطان وارتفاعه ٥ ع و ١٠ ط ولهذا الباب نجفتان فوق بعضهما وعضادتاه من آثار الملك الظاهر غازي مكتوب على إحدى النجفتين المذكورتين : (أمر بعمارته بعد دثوره السلطان الأعظم الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين خليل محي الدولة الشريفة العباسية ناصر الملة المحمدية عز نصره) ومكتوب على النجفة الأخرى (جددت بعد إهمال عمارتها وإشرافها على الدثور في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق أيد الله أنصاره بحوذة سريدار (٢) دولته محمد ابن يوسف أرسلان نائب السلطان سنة ٧٨٦ ه‍) ومكتوب على جدار متجه إلى الجنوب في جانب الباب (بالإشارة العالية المولوية الأميرية الشمسية قراسنقر (٣) الجوكندار (٤) المنصوري الأشرفي كافل المملكة الحلبية أعز الله نصره). ثم تمر من هذا الباب إلى دركاه عظيم عرضه ١١ ع و ١٩ ط عدا كثافة جداري الجهتين اللذين تبلغ كثافة الجدار الشرقي منهما ٢ ع و ١٢ ط وكثافة الجدار الغربي الذي فيه الباب ٣ ع و ١٨ ط ويدخل في هذه المساحة عرض عضادتي الباب وطول الدركاه المذكور ٩ ع و ١٨ ط وهو يشتمل على أربعة أو اوين عرض كل واحد ٣ ع و ١٦ ط وطوله ٦ ع و ٤ ط ، وفي آخر هذه الدركاه الباب الثالث موجه شرقا في عرض الثاني وارتفاعه قد نقش على نجفته حفرا صورتا أسدين يتناطحان. وله غلق من حديد ثم تمر منه إلى دركاه فخم فيه عدة أو اوين ينعطف أربع عطفات في آخرها يكون مزار الخضر. ثم يكون الباب الرابع ويتجه إلى الجنوب وعرضه وارتفاعه كبقية الأبواب ، وعلى كل من عضادتيه صورة رأس ورقبة أسد مجسدة كأن أحدهما يضحك والآخر يبكي. ولهذا الباب غلق من الحديد قد كتب في أعلاه بالحديد النافر(أمر بعمله مولانا الملك الظاهر غازي ابن يوسف سنة ٦٠٦ ه‍) ثم تمر منه إلى دركاه آخر مستقيم ليس فيه عطفات

__________________

(١) يعرف اليوم بباب الحيّات.

(٢) سريدار أو السردار وهو القائد العام للجيش. والسردارية مركز القيادة العامة للجيش.

(٣) قرا سنقر الجوكندار.

(٤) الجوكندار هو حامل الجو كان للملك أو الأمير ليلعب بالكره ، والجو كان : عصا طويلة مدهونة طولها نحو أربعة أذرع توجد في رأسها خشبة مخروطة معكوفة (معقوفة) تضرب بها الكرة من فوق ظهر الفرس.

٣١

قد اشتمل على عدة أو اوين ومخادع عظيمة أحدها كان طاحونا يدور بالدواب وبقيتها كانت معدة لجلوس الجند وأصحاب الدولة. ثم تمر من هذا الدركاه إلى أن تخرج إلى سماوي القلعة فتمشي نحو خمسين ذراعا.

ويكون على يسارك باب المقام الأسفل (١) موجه شرقا. وهذا الباب مركب من ثلاث أحجار سود عضادتين ونجف مكتوب عليه (أمر بعمارته الملك الصالح نور الدين أبو الفتح إسماعيل بن محمود زنكي بن أقسنقر ناصر أمير المؤمنين بتولي العبد شاد بخت في سنة ٥٧٥) فتنزل إلى هذا الباب بثلاث دركات وتدخل منه إلى صحن الجامع السماوي الذي طوله ١٥ ع و ٢٠ ط وعرضه ١٣ ع و ٤ ط وهذه المساحة لم يدخل فيها كثافة الجدران وقد اشتمل هذا الصحن على دركة في الجهة الشمالية دخلت في ذرعه وفي وسطه بئر ماؤها من المطر أظنها هي البئر التي احتفرها الملك العادل نور الدين ، عمقها من فم خرزتها إلى قعرها ١٩ ع و ١٢ ط ، وفي غربي هذا الصحن ثلاث حجرات ، وهو مفروش بالحجارة السود والصفر وفيه أيضا من جانب جدار القبلية بئر مطبقة فوقها في جدار القبلية حجرة كانت البكرة تعلق بها مكتوب في صدرها قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ..) إلى آخر الآية. ومكتوب على جانبها : (وقف الفقير إلى رحمة الله شادبخت الملكي العادلي على المسجد المقام بالقلعة المنصورة القرية المعروفة ببنيابل (٢) وقفا محتسبا مؤبدا) ثم تدخل إلى القبلية وسقفها قبو في وسطه قبة عالية وفي وجهتها الموجهة شرقا حجرة صغيرة في جهتها الجنوبية خزانة في أسفلها جرن مربع عمقه تسعة قراريط في مثلها وثخانته قيراطان تقريبا يقولون إن إبراهيم صلوات الله عليه كان يحلب فيه بقره ، وأنه إذا بيت فيه شيء من المأكولات كاللوز والفستق ثم أكلته مرضع در لبنها وتشتمل هذه القبلية أيضا على سدة تجاه محرابها طرفها الشمالي محمول على الجدار الشمالي من القبلية فوق بابها وطرفاها الجنوبيان محمولان على عمودين من الحجر الغربي وهو مرمر معرق بسواد كأنه الحجر المعروف باليشم (٣) ومحراب هذه القبلية تجاه بابها وهو ملبس بخشب فيه بدائع

__________________

(١) المقصود هنا المسجد الصغير السفلي.

(٢) قد تكون قرية بنابل (بنيابل) وهي قرية من قرى محافظة إدلب اليوم ، بها شاهدة قبر على شكل عمود كتلك الموجودة في بلدة سرمدا.

(٣) اليشم نوع من الحجر يسمى في بعض الأحيان «حجر الغلبة» يكون أحيانا شفافا وأحيانا أخرى معتما.

٣٢

النقوش وقد كتب في حوافي هذا التخشيب بالقلم الكوفي المزهر البسملة وآية الكرسي (١) أما طول القبلية مع حجرة الجرن فهو ستة عشر ذراعا وتسعة قراريط عدا كثافة جدار الجهتين وعرضها من وسط المحراب إلى صفحة الباب مما يلي الصحن تسعة أذرع وثمانية قراريط ويدخل في هذه المساحة ثخانة جداري الجهتين ومكتوب في حجرة مربعة مرصوفة في جدار القبلية غربي بابها مما يلي الصحن (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذا المسجد المقام الملك العادل نور الدين الفقير إلى رحمة الله أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر غفر الله له ولوالديه وأحسن ختامه سنة ٥٦٢) ، ومكتوب على حجرة مربعة في جدار القبلية من شرقي بابها مما يلي الصحن أيضا(وقف العبد الفقير إلى الله تعالى شيخ الإسلام زين الدين محمد بن الشحنة الحنفي عامله الله بلطفه نصف فدان بقرية أورم الكبرى (٢) من جبل سمعان على فرش وتنوير ومصالح مقام الخليل بقلعة حلب في جمادى الأولى سنة ٨١١) وكان لهذا الجامع إمام راتبه الشهري مائة قرش يأخذها من إدارة الأوقاف بحلب ، ثم قطع الراتب وعطلت الشعائر وكان يقام فيه خطبة ثم نقل المنبر إلى رباط الشيخ براق وبطلت منه الخطبة والصلاة وأغلق بابه ، تخرج من هذا الجامع وتتوجه شمالا وتمشي حتى تصل إلى قرب حافة القلعة فيكون باب المقام الأعلى موجها إلى الشرق أيضا مكتوب على نجفته (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله مولانا السلطان الملك الظاهر العالم العادل المجاهد المؤيد المظفر المنصور غياث الدنيا والدين أبو المظفر الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب خلد الله ملكه سنة ٦١٠ ه‍) ، ومكتوب على جانب الباب من جنوب (أدام الله العز والبقاء لمولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد خوشقدم عن نصره برسم الأمير الكبير المخدومي العزيزي تغري بردي الظاهري نائب القلعة بحلب عز نصره بأن لا يسكن أحد بهذا الجامع ولا يستعمله لغير الصلاة ولا يجدد خلافه ويعين على مخالفته إلخ سنة ٨٧١).

وصحن هذا المقام مربع يبلغ نحو ثلاثين ذراعا في مثلها قد دار عليه ثلاثة أروقة من الجهات الثلاث في الشمالي منها أربع حجرات. وسعة قبليته يشاكل سعة قبلية المقام الأسفل

__________________

(١) لم يعد المحراب في مكانه وأغلب الظن أنه نقل إلى خارج البلاد عن طريق أحد ضباط سلطة الانتداب الإفرنسي ، أما صورته فمنشورة في كتاب هرتزفيلد حول النقوش.

(٢) أورم الكبرى قرية تبعد عن حلب نحو ٢٠ كم تقريبا ، وهناك قرية أخرى تحمل اسم أورم الصغرى تتبع محافظة حلب أيضا ، وثالثة تحمل اسم أورم الجوز بمحافظة إدلب تقع على الطريق العام بعد بلدة أريحا.

٣٣

وسقفها مثلها إلا أن القبة خربة وفيه محراب إلى جانبه الشرقي خزانة مستورة بقماش أخضر أظن أن فيها كان الجرن المشتمل على رأس يحيى عليه السلام أو الجرن الذي كانوا يقولون إن إبراهيم عليه السلام كان يحلب فيه مواشيه وفي آخر الجهة الشمالية من الجامع من جهة الشرق منارة مربعة الشكل محيطهامما يلي بابها ثلاثة وعشرون ذراعا وعشرون قيراطا وارتفاعها من سطح الجامع إلى موقف المؤذن ثمانية وعشرون ذراعا واثنا عشر قيراطا وعدد مراقيها ثمانون وهي متشعثة وليس فيها ما يدل على تعيين بانيها ويظهر أن ثلثها الأسفل أقدم من بقيتها ثم أن هذا الجامع مهجور الآن مشرف على الخراب (١).

وإذا خرجت من بابه وتوجهت شمالا إلى الشرق وجدت عمارة ممتدة من الغرب إلى الشرق في شمالي القلعة مطلة على البرج الشمالي الكائن تجاه باب الأربعين طولها ٧٦ ع و ١٠ ط وعرضها ١٨ ع و ١٢ ط وهذه العمارة تعرف باسم قاوش (٢) يسكنها الجند ، وكانت عمارتها سنة ١٢٦٧ وقد تهدم بعضها وفي شمالي هذه العمارة طنف واسع عهدنا أنه كان يقف فيه الجوق الموسيقي صباح مساء ويعزف بآلته الموسيقية ثم انقطع عمله ونقل إلى الثكنة العسكرية المعروفة بقشلة الشيخ براق وذلك في أيام الدولة العثمانية ، وفي هذا الطنف من جبهته المتجهة إلى الشمال كتابة كوفية بالرخام الأسود هي (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره سنة ٨٧٧) ، وفي الطرف الشرقي من العمارة المذكورة تكون الساتورة الحلوة المتجه باب بيتها إلى الجنوب يجري إليها الماء من قناة حلب من شمالي القلعة من قرب باب الأربعين تجاه المدرسة الإسماعيلية (٣) بكيزان تحت الأرض تمر من المحل المذكور إلى الخندق حتى تكون تحت البرج الشمالي فينصب الماء من الكيزان إلى مجرى واسع ينتهي بالساتورة وهي قد اشتملت على أواوين عظيمة ومخازن للماء ربما يبلغ عرض أحدها عشرين ذراعا وارتفاعه عشرة أذرع وطوله خمسين ذراعا أما عمقها من سطح أرض بيتها إلى وجه الماء فهو ٦٥ ع وعرض فمها ٢ ع و ٣ ط وطوله ٣ ع و ٤ قد عقد على بيتها قبو محكم سنة ١٠٦١ كان يستخرج منها الماء بواسطة

__________________

(١) قامت مديرية الآثار مؤخرا بترميم الجامع وإعادته إلى ما كان عليه سابقا إلا أن الصلاة لا تقام فيه الآن.

(٢) المقصود هنا البناء المعروف بالثكنة المصرية ، وقد قامت مديرية الآثار مؤخرا بترميمها ، وحولت قسما منها ليكون مقصفا ، أما القسم الآخر فحولته إلى متحف للقلعة يجري إعداده الآن.

(٣) تقع بمحلة الفرافرة بالقرب من دار البلدية القديمة وهي مدرسة لطيفة بناها إسماعيل بن محمد الانطرمه لي عام ١٢٥٥ ه‍ والي حلب من قبل إبراهيم باشا.

٣٤

دولاب يدور بدابة قد لف عليه حبل طويل له رأسان في كل واحد منهما دلو فإذا أدارته الدابة هبط دلو وصعد آخر. ولها وقف عظيم يصرف على ما تحتاجه. وفي شرقي بيتها دركاه يهبط منه إلى الماء بدرج حلزوني يدور على نفسه والمشهور أنها من آثار المرحوم السلطان سليم خان الأول وأنه كان لا يوجد قبلها في القلعة مستقى للماء سوى الساطورة المالحة الآتي ذكرها والذي أراه أن هذه الساطورة قديمة من آثار الملك الظاهر غازي وأن السلطان سليم رمها ووقف عليها. اه.

ثم إنك إذا خرجت من بيت هذه الساطورة وتوجهت شرقا إلى الشمال مقدار غلوة رأيت رحى تدور بالهواء لكنها معطلة وهي من آثار المرحوم إبراهيم باشا المصري ، تحت هذه الرحى دار صغيرة يسكنها بعض ضباط القلعة ، أما قصر الملك الظاهر فهو فوق الباب الثاني وما بعده من أبواب القلعة المتقدم ذكرها وفيه آثار لقايتباي وقانصوه الغوري وبعض غرف هذا القصر كان في أيام الدولة العثمانية يستعمل مخزنا للبارود والأسلحة القديمة وكان على جانبيه خشبتان طويلتان قدر ركزتا عموديا على رأس كل واحدة منهما حربة عريضة من الفولاذ حادة الرأس يقال لها جاذبة الصاعقة إذا سقطت في قربهما انجذبت إلى أحدهما ومشت منها على تيل بأسفل الحربة متصل بإطار حديدي مدفون في الأرض وبذلك يسلم مخزن البارود من خطر الصاعقة.

إن القصر المذكور مشرف الآن على الخراب (١) ليس له سقف والدخول إليه خطر قد كتب على بابه مما يلي سماويه شعر :

لصاحب هذا القصر عزّ ودولة

وكلّ الورى في حسنه يتعجب

بنى في زمان العدل بالجود والتقى

محاسنه فاقت جميع الغرائب

ولهذا القصر كوة عظيمة مطلة على جنوبي المدينة فيها مشبك من النحاس الأصفر طاقاته مسدسة الشكل بديعة الصنعة عديمة النظير وهو من آثار قايتباي أحدثه سنة ٨٨٠ ، وفي هذه الأيام اقتطع من أسفله قطعة فشاه منظره ولهذا القصر من ظاهره طراز مكتوب عليه بقلم عريض (أمر بعمارته بعد إهماله وإشرافه على الدثور في أيام مولانا السلطان الأعظم

__________________

(١) في هذا إشارة إلى «قاعة العرش» بالقلعة الحلبية الكبيرة. قامت مديرية الآثار بترميمها وكسوتها بالخشب المزخرف الجميل وهي مفتوحة اليوم للزيارة.

٣٥

الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين ناصر الإسلام والمسلمين عماد الدولة ركن الملة مجير الأمة ظهير الخلافة نصير الإمامة سيد الملوك والسلاطين سلطان جيوش الموحدين ناصر الحق بالبراهين محي العدل في العالمين) (١) ولم أتمكن من قراءة البقية وتحت هذا القصر أماكن وأبراج كثيرة يطول الكلام عليها. وفي جانبه من أعلاه آثار أبنية ذات طبقات متعددة.

ومما يوجد في القلعة من الآثار القديمة باب صغير مغلق لا يفتح أبدا في سورها الدائر عليها من شمالها وراء البرج الشمالي أمام باب الأربعين. وأظنه هو الباب الذي كان يعرف قديما بباب السر. ويتصل به سرداب تبعد نهايته ويوجد أيضا بها بئر تعرف الآن بالساتورة المالحة قرب المقام الأسفل في جنوبه وعمقها من وجه الأرض إلى سطح الماء ٦٠ ع و ١٢ ط ومن سطح الماء إلى قعرها ٣٩ ع وعرض فمها وطوله كعرض فم الساتورة الحلوة وطوله وهي الآن معطلة وماؤها ملح ويقال إن لها دركا شبيها بدرك الساتورة الحلوة المتقدم ذكرها.

ويوجد في وسط القلعة بميلة إلى الشرق والشمال مكان ينزل إليه بسرداب عظيم له درج منهدم تحت الأرض يبلغ ٥٠ درجة سعة هذا المكان يبلغ ٣٠ ع في مثلها وسقفه قبو محمول على أربع عضادات كل واحدة منها تضاهي منارة ويذكر أنه كان كنيسة (٢).

ويوجد في القلعة أيضا أثر حمّام وآثار عدة مساجد فقد كان فيها عشرة مساجد منها مسجد النور أظن أن موقعه كان على سورها من جهة الجنوب على يمين الداخل إليها من بابها الحالي ويوجد فيها أثر فرن وآثار نحو مائة دار ، وكان أسلافنا يحكون لنا أنها كانت مزدحمة بالمباني التي يسكنها الموظفون بها وبمحافظة البلد واستمرت هكذا دهرا طويلا إلى أن كانت زلزلة سنة ١٢٣٧ فهدمت أكثر ما فيها من الدور ونزل أكثر سكانها إلى البلدة ثم لما انقرض وجاق اليكيجرية (٣) سنة ١٢٤١ نزل منها من بقي من أهلها إلى البلد وعوض عنهم جنود نظامية ولم يبق من سكانها القدماء سوى جماعة من الأسرة المتولية على وقف الساتورة الحلوة

__________________

(١) لا تزال هذه الكتابة محفوظة وهي موجودة حول البرج الرئيس من الخارج.

(٢) أكبر الظن أنه كان مستودعا للغلال وقد قامت مديرية الآثار والمتاحف بترميم سلمه.

(٣) فرقة عسكرية تعرف بالإنكشارية ، أسدت للدولة العثمانية خدمات عسكرية جليلة إلا أنها ما لبثت أن أصبحت عبئا عليها فعمدت إلى حلها.

٣٦

المعروفة بأسرة دوزدار ، لهم دار تجاهها يستخرجون منها الماء لسقاية عساكر المدفعية الذين هم بضعة أشخاص ثم إن إدارة الأوقاف قطعت معاش هذه الأسرة فنزلوا من القلعة وخرب دولاب الساتورة وفي أيام النفير العام هدمت دار تلك الأسرة وأخذت أخشابها وزال الانتفاع منها.

وكان يوجد في القلعة عدة مدافع تستعمل في الأعياد والاحتفالات السلطانية يطلق منها واحد وعشرون مدفعا في إثبات شهر رمضان والعيدين وفي ظهر اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول وفي كل وقت من الأوقات الخمسة في العيدين. ويطلق فيها أكثر من ذلك أو أقل في استقبال كبار الموظفين والحفلات الرسمية.

وفي سنة ١٣٠٧ قام أهل المحلات التي تجاور القلعة والتمسوا من الحكومة إبطال إطلاق المدافع عنها لأنها وهنت أبنيتهم برجيجها فأجابتهم الحكومة إلى ذلك وصارت تطلق المدافع في رباط الشيخ براق لكن ما زال يوجد في القلعة عدة مدافع قديمة (١) ومقدار عظيم من الكرات والبارود وأسلحة الدول الماضية وأحيانا تطلق منها مدافع رمضان وغيرها. وما زالت الحالة على ذلك حتى الآن.

بعض ما مدحت به هذه القلعة

قال ابن بطوطة في رحلته تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار في أثناء كلامه على حلب :

«وقلعة حلب وبداخلها جبان ينبع منهما الماء فلا تخاف الظمأ ويطيف بها سور. وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء وسورها متداني الأبراج قد انتظمت بها المعالي العجيبة المفتحة الطيقان وكل برج منها مسكون والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد وبها مشهد يقصده بعض الناس يقال إن الخليل كان يتعبد به وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك ابن طوق (٢) التي على الفرات بين الشام والعراق ولما قصد قازان طاغية التتار مدينة حلب حاصر هذه القلعة أياما ثم نكص عنها خائبا».

__________________

(١) لم يبق منها اليوم أي أثر.

(٢) لا تزال قلعة رحبة مالك بن طوق قائمة بالقرب من بلدة الميادين بمحافظة دير الزور ، وقد قامت مؤخرا مديرية الآثار بترميم بعض أجزاء هذه القلعة ، كما قامت مشاركة مع المعهد الإفرنسي للدراسات العربية بدمشق بإجراء بعض التنقيبات الأثرية.

٣٧

قال ابن جزي وفي هذه القلعة يقول الخالدي شاعر سيف الدولة :

وخرقاء قد قامت على من يرومها

بمرقبها العالي وجانبها الصعب

يجرّ عليها الجوّ جيب غمامه

ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب

إذا ما سرى برق بدت من خلاله

كما لاحت العذراء من خلل السّحب

فكم من جنود قد أماتت بغصّة

وذي سطوات قد أبانت على عقب

وفيها يقول أيضا وهو من بديع النظام :

وقلعة عانق العنقاء سافلها

وجاز منطقة الجوزاء عاليها

لا تعرف القطر إذ كان الغمام لها

أرضا وتوطىء قطريه مواشيها

إذا الغمامة راحت غاص ساكنها

حياضها قبل أن تهمي عواليها

يعدّ من أنجم الأفلاك مرقبها

لو أنه كان يجري في مجاريها

ردّت مكائد أقوام مكائدها

ونفرت لدواهيهم دواهيها

وفيها يقول جمال الدين علي بن أبي المنصور :

كادت لبون سموّها وعلوها

تستوقف الفلك المحيط الدائرا

وردت قواطنها المجرة منهلا

ورعت سوابقها النجوم زواهرا

ويظلّ صرف الدهر منها خائفا

وجلا فما يمسي لديها حاضرا

تنبيه : الحارة هي المحلة التي دنت منازلها من بعضها. والخطّة بالكسر : الأرض تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك ويقال خطّ بدون هاء. وتطلق أيضا على الطريق وعلى الحارات التي هي داخل المدينة. اه.

٣٨

حارة الجلوم الكبرى (د)

عدد بيوتها ٤٧٧ (١)

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

١٤٤٥

١٥١١

٢٩٥٦

المسلمون

٦

١٠

١٦

الروم الكاثوليك

٢١

١٤

٣٥

الأرمن الكاثوليك

٤٥

٢٠

٦٥

الأرمن

١٥

٢٦

٤١

اللاتين

٧

٢

٩

الكلدان

٢٠

١٧

٣٧

السريان

١٩

١٥

٣٤

الموارنة

٢٥٠

١٠٠

٣٥٠

الأجانب

١٨٢٨

١٧١٥

٣٥٤٣

الجمع

حارة الجلوم الصغرى (د)

عدد بيوتها ١٦٤

الذكور

الإناث

المجموع

الأقوام

٦٣١

٦٩٦

١٣٢٧

المسلمون

__________________

(١) تغيرت هذه الإحصاءات كثيرا في عدد البيوت وتوزع السكان حسب الدين أو المذهب ولم تعد مفيدة إلا للدلالة على الزمن التي أجريت فيه.

٣٩

وقد يطلق على الأولى الجلوم البرانية وعلى الثانية الجلوم الجوانية ، قيل إن لفظ جلوم محرفة عن سلوم ، حدهما جنوبا الخندق وتمامه حارة باب قنسرين وغربا الخندق المعروف باسم بوابة مالطة وشمالا العقبة إلى خان أبرك المعروف بخان القصابية ، ثم سوق القطن القديم ، ثم الجامع الأموي الكبير ، ثم سوق الصاغة المعروف أيضا بسوق العقادين شرقي الجامع الكبير الجاري بأوقافه ثم بسوق الحراج المعروف أيضا بالبالستان ثم بخان الجوره وراء سوق الدهشة وشرقا خان خيري بك وسوق الضرب وسوق الفرايين وجامع محمد باشا توقه كين المعروف بجامع العادلية والجلوم الصغرى هي التي تلي سور البلدة تقريبا ثم إن هاتين المحلتين مشهورتان بجودة المناخ ولا سيما البرانية منهما وماؤهما النبع في عمق سبعة باعات (١) إلى عشرة تقريبا وماء القناة يصعد فيهما إلى نحو أربعة أذرع على وجه الأرض تبعا لتمديد كيزانها وفي الإمكان أن يصعد فيهما نحو رمحين لانخفاضهما عن أرض القناة الأصلية.

آثار الجلوم الصغرى

جامع أبي يحيى الكواكبي ، يظهر أنه جامع قديم وأنه اشتهر باسمه الحالي نسبة إلى (محمد بن إبراهيم بن يحيى الكواكبي) لأنه وسعه وأقام فيه أذكاره فلما مات دفن فيه وبنى عليه (سيباي بن عبد الله الجركسي) قبة من ماله. وهو جامع فسيح له قبلية متوسط تقام فيه الصلوات والجمعة وله منارة فوق بابه وفي غربيه قبة أبي يحيى المذكور مكتوب في الجدار الكائن فوق رأس الضريح :

وليس عجيبا أن تيسّر أمرنا

بحضرة هذا القطب حاوي المناقب

وليّ تولاه الإله بلطفه

ووليّ فأولاه صنوف المواهب

وما مات حتى صار قطبا مقرّبا

ونال من الغفران أعلى المراتب

هدينا إلى هذا المقام بطيبه

كما يهتدي الحادي بنور الكواكب

وفي صحن المسجد في جهته الغربية عدة قبور لبني الكواكبي وفي شرقيه حوض يجري

__________________

(١) باعات مفردها باع وهي وحدة قياس طولي ، وهي عربية مأخوذة عن الفارسية وهي قدر مد اليدين ، وحبال الجب (البئر) في حلب تباع بالباعات.

٤٠