التفسير المنير - ج ٢٢

الدكتور وهبة الزحيلي

١٠ ـ الذّكر الكثير لله تعالى : وهو استحضار عظمة الله تعالى في القلب ، وتنزيهه باللسان عن كل نقص ، ووصفه بكل كمال في جميع الأحوال ، بنية صادقة لله. ويلاحظ أن الله تعالى في أكثر المواضع حيث ذكر «الذّكر» قرنه بالكثرة ، ليرشدنا إلى أنه لا يصير الإنسان ذاكرا حتى يداوم على الذكر قائما وقاعدا ومضطجعا ، وهذا مروي عن مجاهد. وقد يصبح ذاكرا بصلاة التهجد ليلا ، كما أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل ، فصليا ركعتين ، كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات».

ويكون الذكر أيضا بالصلاة وفي الأكل والشرب والمشي والبيع والشراء والركوب والهبوط ، وغير ذلك من الأحوال في غير أماكن القاذورات ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران ٣ / ١٩١].

وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب ٣٣ / ٤١ ـ ٤٢].

وقد ختمت هذه الآداب بالذكر ؛ لأن صحة جميع الأعمال الدينية من إسلام وإيمان وقنوت وصدق وصبر وخشوع وصدقة وصوم بذكر الله تعالى وهي النية.

أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «سبق المفردون ، قالوا : وما المفردون؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات». وأخرج أحمد أيضا عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن رجلا سأله ، فقال : أيّ المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكثرهم لله تعالى ذكرا ، قال : فأيّ الصائمين أكثر أجرا؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكثرهم لله عزوجل ذكرا ، ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة ، كل ذلك يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

٢١

أكثرهم لله ذكرا» فقال أبو بكر لعمر رضي‌الله‌عنهما : ذهب الذاكرون بكل خير ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أجل».

ثم ذكر الله تعالى جزاء هؤلاء جميعا فقال :

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) أي إن الله تعالى هيّأ لهم مغفرة تمحو ذنوبهم وأجرا عظيما وهو الجنة.

فقه الحياة أو الأحكام :

تضمنت الآية كما وضح في تفسيرها عشرة آداب أمر الله تعالى بها ، وهي تجمع أصول الإسلام في الاعتقاد والعبادة والأخلاق والسلوك والعمل الاجتماعي البناء في إطار من النية الصادقة والإخلاص لله عزوجل وهو المراد بذكر الله كثيرا.

وقد بدأ تعالى في هذه الآية بذكر الإسلام الذي يعم الإيمان وعمل الجوارح ، ثم ذكر الإيمان تخصيصا له وتنبيها على أنه دعامة الإسلام ، وأتبعه بالقانت : العابد المطيع ، ثم الصادق : الذي يفي بما عوهد عليه ، والصابر عن الشهوات وعلى الطاعات وقت الرخاء والشدة (أو المنشط والمكره) والخاشع : الخائف لله ، والمتصدق بالفرض والنفل ، والصائم فرضا ونفلا ، وحافظ الفرج عما لا يحلّ من الزنى وغيره ، وذاكر الله كثيرا في أدبار الصلوات وغدوّا وعشيا ، وفي المضاجع وعند الانتباه من النوم ، وفي الذكر فوائد كثيرة محورها ربط المؤمن بالله تعالى في جميع الأحوال. قال مجاهد : لا يكون ذاكرا لله تعالى كثيرا حتى يذكره قائما وجالسا ومضطجعا. وقال أبو سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه : من أيقظ أهله بالليل ، وصلّيا أربع ركعات ، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.

٢٢

قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش رضي‌الله‌عنهما

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٣٩) ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠))

الإعراب :

(أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ..) تذكير الفعل على أن الخيرة بمعنى التخيير ، فهي مصدر بمعنى الاختيار ، ومن قرأ بالتاء ؛ لأن اللفظ مؤنث.

(وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ وَاللهُ) : مبتدأ ، و (أَحَقُ) : خبر المبتدأ ، و (أَنْ تَخْشاهُ): إما منصوب بتقدير حذف حرف الجر ، وإما مرفوع على أنه مبتدأ ، و (أَحَقُ) خبره ، والجملة من المبتدأ أو الخبر في موضع رفع ؛ لأنه خبر المبتدأ الأول وهو الله تعالى ، أو مرفوع على أنه بدل من الله تعالى.

٢٣

(سُنَّةَ اللهِ) منصوب مصدر لفعل دل عليه ما قبله وهو (فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي سنّ له سنة ، أو منصوب بنزع الخافض ، أي كسنة الله.

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) صفة للذين خلوا أو مدح لهم منصوب أو مرفوع.

(وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ رَسُولَ) خبر (كانَ) مقدرة ، أي ولكن كان محمد رسول الله. ومن قرأه بالرفع جعله خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هو رسول الله.

البلاغة :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) التنكير لإفادة العموم ؛ لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، أي ليس لمؤمن ولا لمؤمنة أن يريد غير ما أراده الله ورسوله.

(تُخْفِي) و (مُبْدِيهِ) بينهما طباق.

(قَدَراً مَقْدُوراً) بينهما جناس اشتقاق.

(وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) فيهما طباق السلب.

المفردات اللغوية :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) أي ما يصح له أو ما ينبغي له (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) أي قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر الله لتعظيم أمره ، والإشعار بأن قضاءه قضاء الله. والسبب أنه نزل في زينب بنت جحش بنت عمته : أميمة بنت عبد المطلب ، خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد بن حارثة فأبت هي وأخوها عبد الله (الْخِيَرَةُ) الاختيار ، فليس لهم أن يختاروا من أمرهم شيئا ، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله (ضَلالاً مُبِيناً) أي ظاهرا بيّن الانحراف عن الصواب.

(وَإِذْ تَقُولُ) أي اذكر حين تقول (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق والتحرير ، وهو زيد بن حارثة ، كان من سبي الجاهلية اشتراه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل البعثة ، والأصح أن السيدة خديجة وهبته له ، ثم أعتقه وتبناه ، وقد تقدمت قصته (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) زينب (وَاتَّقِ اللهَ) في أمر طلاقها ، ولا تطلقها ضرارا (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي تخفي في نفسك ما الله مظهره وهو الأمر من الله بزواجها بعد طلاقها من زوجها (١)(وَتَخْشَى النَّاسَ) أي

__________________

(١) الإخفاء هو لزواجها المأمور به من الله لإبطال عادة التبني وآثاره في الجاهلية ، وليس المراد كما جاء في تفسير الجلالين وغيره إخفاء حبها حين وقع بصره عليها بعد حين من زواجها ، فهذا الكلام باطل لا أصل له ، ويتنافى مع منصب النبوة ، فهي ابنة عمته يعرفها من قديم ، وكان بإمكانه أن يتزوجها قبل تزويجه إياها من زيد.

٢٤

تستحييهم وتخاف تعييرهم إياك وقولهم : تزوج زوجة ابنه الذي تبناه (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) في كل شيء ، والواو للحال ، فتزوجها ولا تأبه لقول الناس ، قال البيضاوي : وليست المعاتبة على الإخفاء وحده ، فإنه وحده حسن ، بل على الإخفاء مخافة قالة الناس وإظهار ما ينافي إضماره ، فإن الأولى في أمثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه.

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) حاجة ، أي لم يبق له بها حاجة الزوجية فطلقها (زَوَّجْناكَها) جعلناها لك زوجة وأمرناك بزواجها ، فدخل عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير إذن بشر ، بعد إذن الله تعالى ، وأشبع المسلمين خبزا ولحما ، فكانت بلا واسطة عقد بشري ، بدليل أنها كانت تقول لسائر نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تولى إنكاحي ، وأنتن زوّجكن أولياؤكن. (حَرَجٌ) مشقة وضيق دائم (أَدْعِيائِهِمْ) جمع دعي وهو الابن المتبنى (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) أي مقضيه (مَفْعُولاً) نافذا حاصلا لا محالة ، كما كان تزويج زينب. وجملة (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ ..) علة للتزويج ، وهو دليل على أن حكم النبي وحكم الأمة واحد إلا ما خصه الدليل.

(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي قسم له وقدر وأجل ، مأخوذ من قولهم : فرض له في الديوان كذا ، وفرض للعسكر أو الجند كذا ، أي قدر لهم أرزاقهم (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) مضوا من الأنبياء ألا حرج عليهم في ذلك ، وفيما أباح لهم (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) فعله قضاء مقضيا وحكما مبتوتا كائنا لا بد منه (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) أي لا يخشون مقالة الناس فيما أحل الله لهم ، وهو تعريض بعد تصريح (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) حافظا لأعمال خلقه ومحاسبتهم ، فينبغي ألا يخشى إلا منه.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) على الحقيقة ، فيثبت ما يترتب على البنوة من حرمة المصاهرة وغيرها ، فليس أبا زيد ، أي والده ، فلا يحرم عليه التزوج بزوجته زينب (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) أي ولكن كان رسول الله ، وكل رسول أبو أمته ، لا مطلقا ، بل من حيث إنه رؤف بهم ، ناصح لهم ، واجب التوقير والطاعة عليهم ، و (زَيْدٌ) منهم كبقية المؤمنين (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) بكسر التاء ، فاعل الختم ، أي فلا يكون له ابن رجل بعده يكون نبيا ، وبفتح التاء بمعنى الطابع كآلة الختم ، أي وآخرهم الذي ختمهم ، أو به ختموا (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) يعلم من يليق بأن يختم به النبوة ، فلا نبي بعده ، وكيف ينبغي شأنه.

وكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا للطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم لا ينافي الآية ، فإن هؤلاء قد أخرجوا من حكم النفي بقوله : (مِنْ رِجالِكُمْ) لأن هؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال ، ولأنه قد أضاف الرجال إليهم ، وهؤلاء رجاله ، لا رجالهم.

وأما كون عيسى ينزل في آخر الزمان ، فلا يتناقض مع قوله تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) لأن

٢٥

المعنى : لا يكون هناك بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبوة مبتدأة جديدة ، فلا ينبأ أحد بعده ، وعيسى ممن نبّئ قبله ، وحين ينزل يحكم بشريعة محمد ، ويصلي إلى قبلته ، كأنه بعض أمته.

سبب النزول :

نزول الآية (٣٦):

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) الآيات ، أخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال : خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ، يريدها لزيد ، فظنت أنه يريدها لنفسه ، فلما علمت أنه يريدها لزيد ، أبت ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) الآية ، فرضيت وسلّمت.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ، فاستنكفت منه ، وقالت : أنا خير منه حسبا ، فأنزل الله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) الآية كلها.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت أول امرأة هاجرت من النساء ، فوهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزوجها زيد بن حارثة ، فسخطت هي وأخوها ، قالا : إنما أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزوجنا عبده. وهذا قول أضعف مما سبق ، فيكون الراجح ما ذكره قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الآية : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب زينب بنت جحش ، وكانت بنت عمته ، فظنت أن الخطبة لنفسه ، فلما تبيّن أنه يريدها لزيد ، كرهت وأبت وامتنعت ، فنزلت الآية.

نزول الآية (٣٧):

(وَإِذْ تَقُولُ) : أخرج البخاري عن أنس أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش وزيد بن حارثة. وأخرج الحاكم عن أنس قال : جاء زيد بن

٢٦

حارثة يشكو إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من زينب بنت جحش ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمسك عليك أهلك ، فنزلت : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ).

وأخرج مسلم وأحمد والنسائي قال : لما انقضت عدة زينب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد: اذهب ، فاذكرها علي ، فانطلق ، فأخبرها ، فقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر (١) ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخل عليها بغير إذن. قال : ولقد رأيتنا حين دخلنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أطعمنا عليها الخبز واللحم ، فخرج الناس ، وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتبعته ، فجعل يتبع حجر نسائه ، ثم أخبرته أن القوم قد خرجوا ، فانطلق حتى دخل البيت ، فذهبت أدخل معه ، فألقى الستر بيني وبينه ، ونزل الحجاب. قال : ووعظ القوم بما وعظوا به : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الآية.

نزول الآية (٤٠):

(ما كانَ مُحَمَّدٌ ..) : أخرج الترمذي عن عائشة قالت : لما تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب قالوا : تزوج حليلة ابنه ، فأنزل الله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) الآية.

المناسبة :

بعد أن أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتخيير زوجاته بين البقاء معه ، والتسريح الجميل ، حتى لا يظن أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد ضرر الغير ، ذكر هنا أن زمام الاختيار ليس بيد الإنسان في كل شيء ، كما في شأن الزوجات ، بل هناك أمور لا اختيار فيها لأحد ، وهي ما حكم الله فيه ، فما أمر به فهو المتّبع ، وما أراد النبي

__________________

(١) آمره في أمره ، ووامره واستأمره : شاوره.

٢٧

فهو الحق ، ومن خالفهما فقد ضل ضلالا مبينا ؛ لأن الله هو المقصد ، والنبي هو الهادي الموصل.

ثم ذكر الله تعالى قصة زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب ، تنفيذا لأمر الله ، وتقريرا لشرع محكم دائم مشتمل على فائدة ، خال من المفاسد ، وأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس بدعا بين الرسل فيما أباح الله له من الزوجات ، وأنه من أولئك الرسل الكرام الذين يبلّغون رسالات ربهم ، ولا يخشون أحدا غير الله ، وهو بهذا الزواج من زينب قد أبطل بالفعل بعد القول ما كان مقررا في الجاهلية من حرمة الزواج بحليلة الابن بالتبني ، كما قال تعالى في هذه الآيات : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ، وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) ثم أكد ذلك بقوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ..) الآية.

التفسير والبيان :

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي ليس لأي مؤمن أو مؤمنة إذا حكم الله ورسوله بأمر أن يختاروا أمرا آخر ، وإنما عليهم الامتثال لأمر الله ورسوله ، وتجنب معصيته. ومبلّغ الأمر هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر الله لتعظيم أمر رسوله ، فصار حكم الله ورسوله واحدا ، وقضاؤهما واحدا ، فإذا قضى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمر لم يكن لبشر اختيار غيره. وهذه الآية داخلة في ضمن قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب ٣٣ / ٦].

ثم حذر الله تعالى من عصيان الأمر فقال :

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) أي ومن يخالف أمر الله أو أمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو يعصي ما نهيا عنه ، فقد انحرف عن طريق الهدى والرشاد ، ووقع في متاهات الضلال المبين البعيد عن منهج الحق والخير ، المؤدي إلى ضياع

٢٨

المصالح والانغماس في المفاسد ، كما قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النور ٢٤ / ٦٣].

وإزاء هذا الحكم الإلهي القاطع والتحذير من العصيان ، فإن زينب بنت جحش التي نزلت الآية بسببها ، امتثلت أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبول زواجها من زيد بن حارثة مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعبده المعتق ، وهي من علية قريش وذؤابة القوم ، وبنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالت : «إذن لا أعصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد أنكحته نفسي» بعد أن استنكفت من زيد ، وقالت : أنا خير منه حسبا» لأنها كانت امرأة فيها حدّة.

وكان في زواجها بزيد حكمة بالغة هي إعلان المساواة بين الناس ، والقضاء على فوارق النسب والحسب ، ما دامت مظلة الإسلام واحدة يتساوى فيها الجميع ، وأن التفاضل فيه إنما هو بالتقوى والعمل الصالح.

ولكن بالرغم من الموافقة الظاهرية على هذا الزواج ، ظلت الكوامن النفسية والآلام قائمة ، وبقيت زينب كارهة لزيد ، متعالية عليه ، فاشتكى منها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرارا ، فكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينصحه قائلا : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) إلى أن نفذ حكم الله ، وحدث الطلاق ، وهو ما قررته الآيات التالية :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ، وَاتَّقِ اللهَ) أي واذكر يا محمد حين كنت تقول لزيد الذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق والحرية والتربية والتقريب منك : أبق على زواجك بزينب ، واصبر على طبعها وخلقها ، واتق الله في شأنها وفي طلاقها ، فلا تطلقها لتعاليها وشعورها بالرفعة والشرف ، فإن الطلاق مضرة. وهذا نهي تنزيه وتعليم وتربية ، لا نهي تحريم وحظر ؛ لأن الأولى على كل حال ألا يطلقها ، لأن الطلاق شائن لها.

٢٩

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أي وتخفي أيها الرسول في نفسك ما الله مظهره من الحكم ، وهو علمك بأن زيدا سيطلقها وستنكحها ؛ لأن الله قد أعلمه بذلك ، وتخاف من تعيير الناس ونقدهم واعتراضهم النابع من منطق الجاهلية ، والله بعد أن أنزل عليك وحيه وشرعه المصحح لأعراف الجاهلية وتقاليدها أو المبطل لها ، أجدر وحده أن تخاف منه ، وتلزم أمره ، وتمضي حكمه دون مبالاة بشرائع غيره. فقوله : (وَاتَّقِ اللهَ) أي في طلاقها ، فلا تطلّقها ، وأراد بذلك نهي تنزيه ، لا نهي تحريم ؛ لأن الأولى ألا يطلق.

عن عائشة رضي‌الله‌عنها : لو كتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا مما أوحي إليه ، لكتم هذه الآية.

والمراد من هذا التوجيه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن يصمت حين قال له زيد : أريد مفارقتها ، أو يقول له : أنت أعلم بشأنك ، حتى لا يتناقض سرّه مع علانيته ، وليتساوى ظاهر الأنبياء وباطنهم ، ولتبدو ظاهرة التصلب في الأمور الجادة التي نزل فيها وحي إلهي.

ثم أعلن الله تعالى حكم زواج زينب المطلقة بعد انتهاء عدتها من نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال :

(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً ، زَوَّجْناكَها ، لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً ، وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي لما طلقها زيد ، وانتهت حاجته منها ، وملّها ، وانقضت عدتها ، جعلناها لك زوجة ، ليرتفع الحرج والضيق من بين المؤمنين إذا أرادوا الزواج بمطلّقات أدعيائهم وهم الذين تبنوهم في الجاهلية ، ثم أبطل الإسلام حكم التبني وألغى جميع آثاره ، وصفّى كل نتائجه ، وكان قضاء الله وقدره نافذا وكائنا لا محالة ، وحكمه سائدا وشرعه دائما في كل زمان ، ومن أحكام الله في سابق علمه أن زينب ستصير زوجة

٣٠

للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والوطر : كل حاجة للمرء له فيها همّة ، والجمع : الأوطار ، قال ابن عباس : أي بلغ ما أراد من حاجته ، يعني الجماع. وفي التعبير إضمار ؛ أي لما قضى وطره منها ، وطلّقها زوجناكها ، وقراءة أهل البيت : زوجتكها.

وفي هذا إشارة إلى أن التزويج لزينب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن لقضاء شهوة ، بل لبيان الشريعة بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن الفعل أوكد ، والشرع يستفاد على نحو أقطع من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد أريد من هذا الزواج نفي الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهم بعد انتهاء رابطة الزوجية بينهم وبينهن.

روى البخاري والترمذي رحمهما‌الله عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : «إن زينب بنت جحش رضي‌الله‌عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتقول : زوّجكن أهاليكنّ ، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات».

وقال محمد بن عبد الله بن جحش : تفاخرت زينب وعائشة رضي‌الله‌عنهما فقالت زينب رضي‌الله‌عنها : أنا التي نزل تزويجي من السماء ، وقالت عائشة رضي‌الله‌عنها : أنا التي نزل عذري من السماء ، فاعترفت لها زينب رضي‌الله‌عنها.

وذكر ابن جرير عن الشعبي رضي‌الله‌عنها عن الشعبي قال : كانت زينب رضي‌الله‌عنها تقول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني لأدلّ عليك بثلاث ، ما من نسائك امرأة تدلّ بهن : إن جدّي وجدّك واحد ، وإن الله عزوجل أنكحك إياي من السماء ، وإن السفير في ذلك جبريل عليه‌السلام».

ثم أخبر الله تعالى عن سنته وحكمه في الرسل والأنبياء ، فقال :

(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ ، سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ، وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) أي لم يكن على النبي حرج أو عيب فيما أحل

٣١

له وأمره من زواج زينب مطلّقة دعيه ومتبناة سابقا زيد بن حارثة رضي‌الله‌عنه. وهذا حكم الله تعالى في الأنبياء قبله ، لم يكن ليأمرهم بشيء ، وعليهم في ذلك حرج وضيق ، وكان أمر الله الذي يقدره كائنا لا محالة ، وواقعا لا محيد عنه ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

وهذا رد على المنافقين الذين عابوا رسول الله في تزوجه امرأة زيد مولاه ودعيّه الذي كان قد تبناه ، ورد أيضا على اليهود الذين عابوه من كثرة الزوجات ، فقد كان لداود وسليمان عليهما‌السلام عدد كثير من النساء.

ثم مدح الله رسله الكرام ، فقال :

(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ ، وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي إن أولئك الرسل الذين رفع الله الحرج عنهم فيما أحل لهم ، وخاتمهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهمتهم تبليغ رسالات الله وشرائعه إلى الناس وأداؤها بأمانة ، وهم يخافون الله وحده في ترك تبليغ شيء من الوحي ، ولا يخافون أحدا سواه ، فلا تمنعهم سطوة أحد أو انتقاده عن إبلاغ رسالات الله تعالى ، وكفى بالله ناصرا ومعينا ، وحافظا لأعمال عباده ومحاسبهم عليها.

ثم رد الله تعالى على نقد من قالوا : إن محمدا تزوج حليلة ابنه ، فقال : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ، وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي إن التزوج بزوجة الابن النسبي بالفعل هو غير جائز ، أما التزوج بزوجة المتبنى بالتبني المصطنع فهو جائز ، خلافا لشرعة الجاهلية ، وإن زيدا لم يكن ابنا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقيقة وإن كان قد تبناه ، وليس هو أبا على الحقيقة لأحد من الرجال ، وإنما هو رسول الله لتبليغ رسالته وشرعه إلى الناس ، وهو الذي ختم به أنبياء الله ورسله ، وكان الله وما يزال عليما مطلعا على كل شيء ، يعلم من بدئت به النبوة ومن ختمت به ، ولا يفعل إلا ما هو الأصلح ، ولا يختار إلا من هو

٣٢

الأجدر ، كما قال تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام ٦ / ١٢٤].

فليس بين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أحد من الناس أبوة شرعية يترتب عليها حرمة المصاهرة ونحوها ، وإنما هو أب روحي لجميع المؤمنين ، شديد الإشفاق عليهم ، يستوجب التوقير والاحترام ، كما قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب ٣٣ / ٦] وهذا أمر أجمع وأعم ، وأما قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ ..) فهو خاص.

وأما أبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخاصة فهو أب لأربعة ذكور ، وأربع بنات ، فقد ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة رضي‌الله‌عنها ، ثم ماتوا صغارا ، وولد له إبراهيم من مارية القبطية ثم مات رضيعا ، وكان له أربع بنات من خديجة : زينب ورقيّة وأم كلثوم وفاطمة ، وقد ماتت الثلاث الأول في حياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ماتت فاطمة بعده لستة أشهر.

وهذه الآية نص في أنه لا نبي بعد نبي الله محمد ، ولا رسول بعده بالطريق الأولى ؛ لأن النبوة أعم من الرسالة ، والرسالة أخص من مقام النبوة ، فإن كل رسول نبي ولا عكس ، وإذا انتفى وجود النبي بصريح الآية ، انتفى وجود الرسول أيضا.

فقه الحياة أو الأحكام :

دلت الآية على ما يأتي :

١ ـ يحظر ويمنع على أي مؤمن أو مؤمنة إذا قضى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأمر أن يختار غيره ؛ لأن لفظة ما كان ، وما ينبغي معناها هنا الحظر والمنع ، فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون ، كما في هذه الآية. وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا ، كقوله تعالى : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها)

٣٣

[النمل ٢٧ / ٦٠]. وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) [آل عمران ٣ / ٧٩] وقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى ٤٢ / ٥١]. وربما كان في المندوبات ؛ كما تقول : «ما كان لك يا فلان أن تترك النوافل» ونحو هذا.

٢ ـ في هذه الآية دليل للمالكية على أن الكفاءة لا تعتبر في الأحساب وإنما تعتبر في الأديان ، خلافا للجمهور ؛ لأن الموالي تزوجت في قريش ، تزوج زيد زينب بنت جحش ، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير ، وزوّج أبو حذيفة سالما من فاطمة بنت الوليد بن عتبة ، وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف. وقد أراد الله امتحان زينب بزواج زيد لهدم مبدأ العصبية الجاهلية والامتياز الطبقي أو العنصري ، وجعل أساس التمايز هو الإسلام والتقوى.

٣ ـ يجب اتباع أمر الله ورسوله ؛ لأن الله أخبر أن من يعصي الله ورسوله فقد ضل طريق الهدى. قال القرطبي : وهذا أدل دليل على ما ذهب إليه الجمهور من فقهائنا ، وفقهاء أصحاب الإمام الشافعي وبعض الأصوليين ، من أن صيغة «افعل» للوجوب في أصل وضعها ؛ لأن الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلّف عند سماع أمره وأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الأمر اسم المعصية ، ثم علّق على المعصية بذلك الضلال ، فلزم حمل الأمر على الوجوب (١).

٤ ـ أراد الله تعالى من عتاب نبيه بآية : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ..) إظهار صلابة الأنبياء في بيان الأحكام الإلهية ، وأن يكون ظاهرهم

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ١٨٨

٣٤

وباطنهم سواء ؛ لأن الله تعالى أعلم نبيه بأن زيدا سيطلّق زينب وينكحها هو ، فما الداعي لوعظه وقوله له : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ)؟.

وقد أخفى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أخبره الله به من طلاق زينب وزواجه ، لا أنه أخفى استحسانها وحبّه لها والحرص على طلاق زيد إياها ، كما يقول قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين ، منهم الطبري وغيره ، فهذا لا يليق بمنصب النبوة ، ولا يتفق مع الواقع ، فإنه كان بإمكانه أن يتزوجها وهي بكر ، وهو يعرفها ؛ لأنها ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب ، وكانت هي ترغب بذلك ، بدليل أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خطبها لزيد ، ظنت أنه خطبها لنفسه ، والخلاصة : أن قائل ذلك ـ إن تعمد ـ جاهل بعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مثل هذا ، أو مستخف بحرمته.

وأشد قبحا ما قال مقاتل : زوّج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش من زيد ، فمكثت عنده حينا ، ثم إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى زيدا يوما يطلبه ، فأبصر زينب قائمة ، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش ، فهويها وقال : «سبحان مقلّب القلوب» فسمعت زينب بالتسبيحة ، فذكرتها لزيد ، ففطن زيد ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبرا ، تعظم علي وتؤذيني بلسانها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ).

وأحسن ما قيل في تأويل هذه الآية ، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين ، كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري الفقيه المالكي الذي ولي قضاء العراق ، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم : هو ما روي عن علي بن الحسين : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قد أوحى الله تعالى إليه أن زيدا يطلّق زينب ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها ، فلما تشكّى زيد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلق زينب ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه أنه يريد طلاقها ، قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جهة الأدب

٣٥

والوصية : «اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك» وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها ؛ وخشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من خشيته الناس في شيء قد أباحه الله له ، بأن قال : «أمسك» مع علمه بأنه يطلّق ، وأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي في كل حال.

ويدل تحرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذا الزواج على أن للأعراف والعادات تأثيرا كبيرا في المجتمعات والسلوك.

٥ ـ اقترنت واقعة زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزينب في السيرة بأحكام شرعية ، منها : استخارة الله في الأمور ، فعند ما جاء زيد يخطبها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرحت وقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن.

ومنها : ندب وليمة الزواج ، قال أنس بن مالك فيما يرويه مسلم : «ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب ، فإنه ذبح شاة.

ومنها : أن يقول الإنسان لصاحبه : اخطب علي فلانة ، وهو زوجها المطلقة منه ، ولا حرج في ذلك ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزيد في رواية : «اذكرها علي» أي اخطبها.

٦ ـ اختصاص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتزويج الله تعالى له ، فلما وكّلت زينب أمرها إلى الله ، وصح تفويضها إليه ، تولى الله إنكاحها ، ولما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن ، ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق ، ولا شيء مما يكون شرطا في عقود زواجنا ، ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقول : «زوجكن آباؤكن ، وزوّجني الله تعالى». أخرج النسائي عن أنس بن مالك قال : كانت

٣٦

زينب تفخر على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقول : إن الله عزوجل أنكحني من السماء ، وفيها نزلت آية الحجاب.

٧ ـ المنعم عليه في هذه الآية هو زيد بن حارثة ؛ إذ أعتقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ما اختار البقاء عنده ، مفضلا إياه على أبيه وعمه ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اشهدوا أني وارث وموروث» فلم يزل يقال : زيد بن محمد ، إلى أن نزل قوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) ونزل : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ).

٨ ـ قال الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السّهيلي رحمه‌الله تعالى : كان يقال : زيد بن محمد ، حتى نزل : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) فقال : أنا زيد بن حارثة ، وحرم عليه أن يقول : أنا زيد بن محمد. فلما نزع عنه هذا الشرف وهذا الفخر ، وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بخصيصة لم يكن يخصّ بها أحدا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي أنه سماه في القرآن ؛ فقال تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) يعني من زينب. ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم حتى صار اسمه قرآنا يتلى في المحاريب ، نوّه به غاية التنويه ، فكان في هذا تأنيس له وعوض من الفخر بأبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم له.

فهو لا يزال مترددا على ألسنة المؤمنين ، ومذكورا على الخصوص عند رب العالمين ؛ إذ القرآن كلام الله القديم ، وهو باق لا يبيد ؛ فاسم زيد هذا في الصحف المكرّمة المرفوعة المطهرة ، تذكره في التلاوة السّفرة الكرام البررة. وليس ذلك لاسم من أسماء المؤمنين إلا لنبي من الأنبياء ، ولزيد بن حارثة تعويضا من الله تعالى له مما نزع عنه.

وزاد في الآية أن قال : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) أي بالإيمان ؛ فدل على أنه من أهل الجنة ، علم ذلك قبل أن يموت ، وهذه فضيلة أخرى.

٩ ـ قوله تعالى : (زَوَّجْناكَها) دليل على ثبوت الولي في النكاح.

٣٧

١٠ ـ أعلم الله جميع الأمة أنه سنّ لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم التوسعة عليه في النكاح سنّة الأنبياء الماضية ، كداود وسليمان ، فكان لداود مائة امرأة ، وثلاث مائة سرّية ، ولسليمان ثلاث مائة امرأة وسبع مائة سرّية.

١١ ـ دلت آية (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) على أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس بأب شرعي لزيد ، وليس زيد ابنا له ، حتى تحرم عليه حليلته ، ولكنه أبو أمّته في التبجيل والتعظيم ، وأن نساءه عليهم حرام. فأذهب الله بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم ، واعتراضهم بقولهم : تزوج النبي امرأة ابنه ؛ وأعلم أن محمدا لم يكن أبا أحد من الرجال المعاصرين له في الحقيقة.

ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن له ولد ، فقد ولد له ذكور كما تقدم : إبراهيم ، والقاسم ، والطيب ، والمطهّر ، ولكن لم يعش له ابن حتى يصير رجلا. وأما الحسن والحسين فكانا طفلين ، ولم يكونا رجلين معاصرين له.

١٢ ـ الحقيقة أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان رسول الله ، وخاتم النبيين ، وقوله (خاتَمَ) بفتح التاء ، بمعنى أنهم به ختموا ، فهو كالخاتم والطابع لهم ، وبكسر التاء : بمعنى أنه ختمهم ، أي جاء آخرهم.

وهذا دليل قاطع على أنه لا نبي ولا رسول بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حديث جماعة من الصحابة رضي‌الله‌عنهم ، منها ما رواه أحمد ومسلم والترمذي عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلونها ، ويتعجبون منها ، ويقولون : لو لا موضع اللّبنة ، فأنا موضع اللّبنة حيث جئت ، فختمت الأنبياء» ونحوه عن أبي هريرة ، غير أنه قال : «فأنا اللّبنة وأنا خاتم النبيين». ومنها ما أخرجه الصحيحان عن جبير بن مطعم رضي‌الله‌عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن لي

٣٨

أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي».

ومنها ما رواه أحمد والترمذي عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ، فلا رسول بعدي ولا نبي» فشق ذلك على الناس ، فقال : «ولكن المبشّرات» قالوا : يا رسول الله ، وما المبشّرات؟ قال : «رؤيا الرجل المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة».

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا نبوة بعدي إلا ما شاء الله» قال ابن عبد البر : يعني الرؤيا ـ والله أعلم ـ التي هي جزء منها ؛ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة».

وإتمام النبوات مشابه لإتمام الأخلاق ، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحاكم عن أبي هريرة : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

وهذا كله رد قاطع على المتنبئين كالأسود العنسي باليمن ، ومسيلمة الكذّاب باليمامة ، وسجاح ، وغيرهم من أدعياء النبوة الأفاكين ، كما قال تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ، تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء ٢٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢].

تعظيم الله تعالى وإجلاله بالأذكار والتسابيح الكثيرة

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤))

٣٩

البلاغة :

(بُكْرَةً وَأَصِيلاً) بينهما طباق.

المفردات اللغوية :

(اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) أي في أغلب الأوقات ، ويشمل مختلف أنواع التقديس والتمجيد والتهليل والتحميد (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أول النهار وآخره ، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات ، لكونهما مشهودين بملائكة الليل والنهار (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) أي بالرحمة (وَمَلائِكَتُهُ) بالاستغفار لكم ، والاهتمام بما يصلحكم ، والمراد بالصلاة المشتركة بين الله وملائكته : هو العناية بصلاح أمركم ، وظهور شرفكم ورفعة شأنكم (لِيُخْرِجَكُمْ) ليديم إخراجه إياكم (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من ظلمات الكفر والمعصية إلى نور الإيمان والطاعة (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) أي كان الله وما يزال رحيما بعباده المؤمنين ، حتى اعتنى بصلاح أمرهم ورفع قدرهم وهو دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة (تَحِيَّتُهُمْ) أي تحية الله للمؤمنين بلسان الملائكة هي السلام ، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي يحيّون (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) يوم لقائه عند الموت أو الخروج من القبر ، أو دخول الجنة (سَلامٌ) إخبار بالسلامة من كل مكروه وآفة (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) هي الجنة.

سبب النزول : نزول الآية (٤٣):

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي ..) : أخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : لما نزلت : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب ٣٣ / ٥٦] قال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : يا رسول الله ، ما أنزل الله تعالى عليك خيرا إلا أشركنا فيه ، فنزلت : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ).

المناسبة :

بعد بيان ما ينبغي أن يكون عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الله وهو التقوى والإخلاص ، وما ينبغي أن يكون عليه مع أهله وأقاربه بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا

٤٠