وصف إفريقيا

ابن الوزّان الزيّاتي

وصف إفريقيا

المؤلف:

ابن الوزّان الزيّاتي


المترجم: د. عبدالرحمن حميدة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الأسرة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٥

١
٢

تصدير

كان الحسين بن الوزان الذي عاش في القرن العاشر الهجري ، جغرافيا ، رحالة ، معروفاً لدى الإفرنج باسم «ليون الإفريقي». ولد في غرناطة (٨٨٨ هـ) وتوفى(٦٥٧ هـ). ثم هاجر الى «فاس» وكان من أسرة وجيهة ، فانتدب أبوه لبعض السفارات والوساطة السياسية ، ثم انتدب هو نفسه لمثل ذلك ، فيسرب له الرحلة إلى أكثر بلدان أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط. في سنة ٩٢٦ هـ أخذوه إلى نابولي وقدموه هدية للبابا ليون العاشر ملك رومية والعبرية ، وترجم رحلته إلى الإيطالية اللاتينية والإيطالية وكان يحسن الإسبانية والعبرية ، وترجم رحلته إلى الإيطالية ، ودرس العربية في كلية بولونية وبعد وفاة البابا دخل تحت حماية الكردنال جيل ، وعلمه العربية. صنف في خلال ذلك «معجما طبياً» عربيا لاتينياً عبرياً ، وانجر ترجمة «وصف إفريقيا إلى الايطالية.

ويتسم أسلوب الوزان بالخصوبة ويحتوي على مصدر غزير بالمعلومات والوصف الدقيق لإفريقيا.

فهو يقسم أفرقيا إلى أربعة أقسا : هي بلاد البربر، نوميديا ـ ليبيا ـ وبلاد السودان. ثم قسم كل قسم من الأقسام الأربعة إلى ممالك ، الأولى : مملكة مراكش ، الثانية : مملكة فاس ، والثالثة : مملكة تلمسان ، والرابعة : مملكة تونس. ويذكر لنا أن النيل يمتد من الحبشة في أثيوبيا إلى الهند.

وتقسم الصحارى الواقعة بين نوميديا وبلاد السودان إلى خسمة أقسم أطلق على كل منها اسم القوم الذين يسكنون فيه ، ويجدون فيه وسائل معاشهم.

٣

وتقسم بلاد السودان إلى ممالك يكون بعضها مجهولاً مع ذلك بالنسبة لنا وتكون بعيدة عن مدى تجارتنا.

ويقدم لنا ننعريفاً عن كلمة «بربر» حيث إنها كانت خالية تماماً من السكان خلال العديد من القرون ، ومعنى كلمة بربر أي تمتم. ويرى البعض أن كلمة بربركلمة مزدوجة لأن «البر» في اللغة العربيه يعني الصحراء والبعض يؤكد ان الأفارقة يعودون أصلا لبلاد العرب السعيدة.

ويذهب كثيرإلى أن أصل الأفارقة هم الذين طردوا من بلادهم ، ويمتقد البعض إلى أن هؤلاء ينحدرون من قبائل فلسطينية فلجأوا إلى أفريقيا نظرا لخصوبة الأرض. وقسم الأفارقة البيض إلى خمسة أقوام تستعمل هذه القبائل الخمس. التي تبدو منقسمه إلى مئات الأنساب وإلى آلاف المساكن ـ لغة واحدة ، يطلق عليها العرب لغة البربر وهي لغة فريدة تختلف عن اللغات الأخرى حيث نجد بعض الكلمات باللغة العربية. والعرب الذين يسكنون أفريقيا قد تم تقسيمها إلى قبائل ـ منها قبيلة بني هلال ـ قبيلة معقل ـ دوي منصور ـ دوي عبدالله. ثم بداً في وصف عادات وأنماط معيشة الأفارقة الذين يعيشون في الصحراء وأنواع الدواب التي كانوا يستخدمونها في معيشتهم وأشار إلى سكان إفريقيا الذين يعيشون على تربية الأغنام والبقر. والديانات القديمة والطقوس التي كانوا يمارسونها. سواء عبدة الشمس أو النار. وظل سكان بلاد البربر وثنيين لفترة طويلة ، وأصحبوا نصارى ، ثم اعتتقوا الدين الإسلامي.

أما عن نوع الكتابة التي يستعملها الأفارقة فهي اللغة اللاتينية. ويشيرهنا إلى موقع إفريقيا الجغرافي وخاصة المناطق الموحشة الثلجية وأنواع الحبوب التي تزرع في هذه المناطق ، وانتشار الغابات الكثيفة وهي مليئة بالحيوانات منها النافع والضار. ثم يوضح حدود أفريقيا وميزات فصولها. وأشار إلى أمد الحياة وطوله عند الأفارقة. وماهي الأمراض الأكثر شيوعاً عندهم ثم يوصف المزايا والأشياء المحمودة لديهم وعيوبهم أيضاً.

وفي القسم الثاني من الكتاب يحدثنا عن مختلف الأقاليم ، والمدن والجبال

٤

والمواقع والشرائع والعادات، بدأ بالغرب وينتهي عند مصر، ويعالج في سبعة أقسام. أما القسم الآخر فهو خاص بالأنهارالرئيسية ومختلف الحيوانات والنباتات والثمار والبقول التي تمتاز بها أفريقيا.

ومن مؤلفات الوزان كتاب في «الجغرافية العامة» طبع في العديد من الدول. وهو أول كتاب فني جغرافي ظهر في أوروبا. وعاد الوزان إلى بلاده ومات مسلماً في تونس عام ١٥٥٢ م ومن كتبه أيضاً «مختصر تاريخ الإسلام» وتاريخ إفريقيا» و «مجموع شمرى في الوعظ والزهد» ، وله رسالة باللاتينة في «تراجم الأطباء والفلاسفة العرب» عام ١٦٦٤ م، وصنف كتاب في «العقائد والفقه الإسلامي وله أيضاً رسالة في «الأعياد الإسلامية» و «كتاب النحوه».

وكتاب وصف إفريقيا يعتبر القسم الثالث من كتابه» الجغرافيا العامة» وطبع عام ١٥٥٠ ، بإيطاليا وأعيد طبعه عدة مرات عام ١٥٥٤ ـ ١٥٨٨ ـ ١٦٠٦ ـ ١٦١٣ ـ ١٨٣٠ ثم ترجع إلى اللاتينية وطع بها ثم نقل إلى الفرنسية ١٥٥٠ ـ ١٥٥٤ وتكرر طبعه في إنمبرس ولابدن وباريس وهولندا ١٦٦٥ وانجلترا ١٦٠٠ ـ ١٨٩٦ ثم طبع بالألمانية عدة طبعات.

ترجم هذا الكتاب الدكتور عبد الرحمن حميدة ، وراجعه د. علي عبد الواحد.

مكتبة الأسرة

٥

٦

٧
٨

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرّحيم

بن دي الكتاب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد سيد الانبياء والمرسلين وبعد :

لم يكن الحسن بن محمد الوزان الزياتي ، الذي نضع كتابه لأول مرة باللغة العربية ، أقول لم يكن شخصية غير مرموقة في الأوساط العلمية الأوروبية ، وذلك منذ منتصف القرن العاشر الهجري (اواسط القرن السادس عشر الميلادي) بقدر ما ظلّ مجهولا ، بصورة تكاد تكون تامة في العالم العربي والاسلامي ، وهذا حتى اواخر القرن الثالث عشر الهجري (او التاسع عشر الميلادي).

فقد نشر راموزيو كتابه «وصف افريقيا» سنة ١٥٥٠ م (٩٥٧ ه‍) في مدينة البندقية ، أي قبل ٤٤١ عاما هجريا ، وبعد فترة لا تزيد عن اربعة وعشرين عاما من فراغ الحسن الوزان من تأليفه مصنفه المذكور باللغة الايطالية ، وذلك في جملة قصص رحلات جغرافية ، وأهداه لشخصية علمية وسياسية كبيرة ، هو جيروم فراكاستور.

وفي سنة ١٥٥٥ ظهرت الترجمة الفرنسية بجهود تامبورال ، وفي العام التالي تمت ترجمته الى اللاتينية بقلم جان فولريان ، اي في ٩٦٦ ه‍ ، في مدينة آنفرس البلجيكية ، وفي سنة ١٦٠٠ ظهرت الترجمة الانكليزية على يد جون بوري ، وتم نقل «الوصف» الى اللغة الهولندية في عام ١٦٦٥ ، وفي ١٨٠٥ تمت ترجمته الى الألمانية ، وفي ١٨٩٦ ظهرت طبعة ايطالية حديثة. وفي ١٨٩٦ اعاد براون نشر الكتاب بالانكليزية اعتمادا على طبعة بوري بينما كان يعمل ش. شيفر على نشره بالفرنسيية في باريس ، في عامي ١٨٩٦ و ١٨٩٨.

١١

هذا وقد خصصت له الاستاذة كودازي مقالة ممتازة في الموسوعة الايطالية للعلوم والآداب والفنون ، الصادرة في روما سنة ١٩٣٣ ، مجلد ٢٠ ، ص ٨٩٩ ، كما كان للمستشرق الايطالي آلدوميالي الفضل في إبراز عروبة «يوحنا الغرناطي» وإسلامه في كتابه «العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالي» ترجمة عبد الحليم النجار ومحمد يوسف موسى ، طبع الادارة الثقافية لجامعة الدول العربية ، ونشر دار القلم سنة ١٣٨١ ه‍ أو ١٩٦٢ م.

هذا وقد كرّس له المستشرق الفرنسي ماسينيون دراسة مستفيضة ضمن بحثه عن تاريخ المغرب المعنون «المملكة المغربية في اوائل سني القرن السادس عشر ، لوحة جغرافية استنادا الى ليون الافريقي». وفي عام ١٩٥٢ ظهرت في مدريد الترجمة الاسبانية ، وفي نفس الفترة أفرد له المستشرق الروسي اغناطيوس كراتشكوفسكي بحثا جيدا في مؤلفه الضخم «الأدب الجغرافي عند العرب» ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم.

وبعد نفاذ الطبعة الفرنسية التي نشرها شيفر ، قام الطبيب الفرنسي الجنرال ايبولار ، الذي سلخ شطرا كبيرا من حياته في اقطار المغرب العربي ، ولا سيما في المملكة المغربية ، قام بتحقيق كتاب الوزان مع شروح ضافية. ولكن المنية عاجلته سنة ١٩٤٩ وحالت دون نشر مخطوطه ، الى ان حصل اصدقاؤه العلماء الثلاثة : ت. مونو ، ه. لوت ، ور. موني ، على المخطوط من أرملته ، وعملوا على طباعته مع إضافات لا يستهان بها على الشروح والتعليق ، وظهر الكتاب في حلته الجديدة سنة ١٩٥٦ (١٣٧٥ ه‍) ، ضمن جزأين. وهذه النسخة هي التي اعتمدناها في الترجمة ، وذلك بمبادرة من كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية ، وبمناسبة انعقاد المؤتمر الجغرافي الاسلامي الأول العتيد ، في مطلع عام ١٣٩٩ ه‍ ، أو ١٩٧٩ م.

* * *

أما التعريف بالحسن الوزان في الاوساط العلمية العربية فقد جاء ـ ويا للأسف ـ متأخرا جدا. فقد ورد ذكره لأول مرة في مجلة المقتطف المصرية ضمن «بحث الجغرافية وجغرافيي الإسلام» ج ٧ ، ص ٥٩٣ ـ ٧١٣ ، ضمن خطبة ألقاها سليم ميخائيل شحادة الغزيري ، في المجمع العلمي الشرقي ، في جلسة آذار ١٨٨٣ م ، كما خصص له الباحث المغربي محمد المهدي الحجوي ، مقالة بالفرنسية نشرت في مجلة هسبيريس ، الصادرة عن دار كولان ، في باريس ، ج ٢ ، ص ٩٤ ـ ٩٨. هذا كما تعرض له الاستاذ

١٢

عزيز بنعبد الله في كتابه «الطب والأطباء في المغرب» المطبوع سنة ١٩٦٠. وذكره الاستاذ احمد ابو سعد بايجاز في كتابه «ادب الرحلات» المنشور في بيروت سنة ١٩٦١ في جملة منشورات دار الشرق الجديد وفي سنة ١٩٦٢ كتب الاستاذ محمد عبد الله عنان مقالة عن «الحسن الوزان أو ليون الإفريقي» في مجلة العربي الكويتية ، عدد ٤٣ ، وبعد عشرة أعوام عادت المجلة المذكورة فنشرت في عددها ١٦٣ نشر مقال ثان في نفس الموضوع تحت عنوان «الحسن بن محمد الوزان ، رحالة عربي ، ومصنف اجنبي» للدكتور جمال زكريا قاسم.

وفي سنة ١٩٧٠ كتب زميلي. الدكتور مصطفى مسعد بحثا يقع في ٢٥ صفحة ، في مجلة جامعة القاهرة بالخرطوم ، العدد الأول ، كتب بحثا معنونا «الحسن بن محمد الوزان (ليو الافريقي) ، أضواء على رحلته في بلاد السودان ومصر. وفي عام ١٩٧٢ كتب المرحوم الطبيب الاستاذ شوكت الشطي ، الذي توفي في صيف ١٣٩٨ ه‍ ، بحثا يحمل عنوان «نظرات الى ثقافة العرب الطبية في الحضاوة الاندلسية» خصصه للحسن الوزان. وقد اشرف الدكتور محمد السيد غلاب ، مدير معهد الدراسات الافريقية على رسالة ماجستير عن الحسن الوزان واهمية كتابه في جغرافية السودان الغربي ، والتي تمت مناقشتها سنة ١٣٩٨ ه‍ ، وقام بها السيد محمد أحمد زوام.

ويكفي أن نورد هنا بعض الشواهد من كتابات العلماء الاوروبيين للتدليل على قيمة كتاب الحسن الوزان على الصعيد العلمي» إذ ظل كتابه ـ حسب قول توماس ديكين ـ المرجع العمدة طيلة قرنين من الزمن في اوروبا ، في كل ما يختص بالأقطار العربية الإفريقية ودول شعوب اقطار الساحل ، اي الواقعة الى الجنوب من الصحراء الكبرى» ، ويقول هارتمان الألماني بعد قرابة قرنين من الزمن من ظهور كتاب الوصف «إن ما يتصف به مصنّفه من ميزات أمر معروف للجميع ، ولن أتردد في تكرار ما قاله البحاثة قبلي من أن كتابه كنز من الذهب ولولا وجوده بين يدي لخفيت عليّ أشياء كثيرة» ، ويقول شيفر في اواخر القرن الماضي «إن ما يورده ليون الإفريقي من تفاصيل في وصف المغرب تتميز بالدقة الشديدة ، بل لقد اثبتت الابحاث الاخيرة صدق قوله حتى في المواضيع التي اثارت الشك فيما مضى».

* * *

هذا ولا يزال الكثير من جوانب حياة الحسن الوزان غامضا ، ولا سيّما عن فترة إقامته

١٣

في ايطاليا ، وعلى الأخص بعد عودته الى تونس. فالمعروف ان ولادته كانت سنة ٨٩٤ ه‍ ، وأنه سقط بالأسر عام ١٥١٨ م (٩٢٦ ه‍) ، وكان عمره حينذاك في حدود الثلاثين سنة ، وأنه صنّف كتابه «وصف إفريقيا» لقرائه الطليان سنة ١٥٢٦ م ، أي بعد ثمانية أعوام من الإقامة في ايطاليا ، درس خلالها الايطالية واللاتينية ، وقرأ كتاب بلين المؤرخ الروماني الشهير ، وألمّ بالثقافة الاوروبية التي كانت تتمخض عن «عصر النهضة» ، ويبدو ان تعلّمه الايطاليه واللاتينية لم يكن عسيرا عليه ، إذ يرى كراتشكوفسكي أنه كان يعرف اللغة الاسبانية التي كانت بالنسبة له لغة مفهومة ، لأنه امضى طفولته في غرناطة التي نزح عنها بعد سقوطها بأيدي الملكين الكاثوليكيين سنة ١٤٩٢ م.

هذا وتشير أكثر المصادر التي أوردناها إلى أنه استطاع الإفلات من ايطاليا ، رغم عتقه ، بين عامي ١٥٢٨ و ١٥٣٠ قاصدا تونس ، بعد إقامة في الغربة لم تتجاوز عشرة أو اثني عشر عاما. ويدعم هذه الرواية كاتب معاصر أسمه فيد ما تشتات الذي يقول أن الوزان مات في تونس سنة ٩٤٤ ه‍ ، وعمره خمسون عاما. ويقول آلدوميالي : «إن إقامة الحسن الوزان بمعزل عن محيطه الأصلي كانت بلا ريب ثقيلة على نفسه ، والواقع انه عاد الى تونس سنة ١٥٥٠ م ليحظى بالوفاة في ارض الاسلام المقدسة وفي حمى دينه الحقيقي ، ونفتقد آثاره منذ ذلك الحين ، ويبدو أننا لن نعرف تاريخ وفاته» ترجمة الدوميالي ص ٥٣٣ ، مما يدل على أن إقامته في ايطاليا امتدت على فترة تناهز اثنين وثلاثين عاما ، أي عاد الى تونس وعمره ٦٤ سنة تقريبا.

ويقول كراتشكوفسكي ... وعقب فراغه ـ من تأليف كتابه ـ بقليل ، وربما كان ذلك في عام ١٥٢٨ ، تمكن بطريقة ما من الإفلات راجعا الى افريقية وما لبث ان اطرح المسيحية الى دينه القديم. وقد توفي الوزان ، على ما يبدو ، في تونس في عهد آخر ملوك بني حفص ، وذلك عام ١٥٥٢» عن عمر يناهز الستين عاما. ويرى البعض من الباحثين ان الكرادلة الطليان من اصدقائه أرسلوا وفدا لإقناعه بالعودة الى ايطاليا ولكن دونما طائل ، في حين يرى بعضهم انه لم يغادر ايطاليا وظل يدرّس اللغة العربية فيها حتى اواخر ايام حياته.

* * *

والواقع لقد كانت حياته العلمية في ايطاليا خصيبة للغاية. ففي عام ٩٣٠ ه‍ /

١٤

١٥٢٤ م نجده يؤلف معجما عبريا عربيا لاتينيا من أجل طبيب يهودي ، هو يعقوب بن سيمون ، لا تزال مخطوطته ، التي عثر عليها الحجوي ، محفوظة بمكتبة الاسكوريال ، مثلما عثرت الاستاذة كودازّي على رسالة في القياس المسطح ما يشهد على اتساع مروحة معارفه الموسوعية. وفي العاشر من آذار ١٥٢٦ أنجز تدبيج كتابه «وصف افريقيا» بالايطالية ، والذي يرجح اكثر الباحثين أنه وضعه أصلا بالعربية على شكل مذكرات على الأقل ، ويرى آخرون مثل ش. شيفر أن الكتاب كان بحوزته عند وقوعه بالاسر ، مثلما قيد فيما بعد «إن مخطوطته قد وجدت طريقها الى احد هواة الكتب الطليان ، وهو ف. بينللي ، ولكنها فقدت منه في الطريق الى نابولي عند هجوم القراصنة» ، اذ يقول شيفر «أن الوزان أنشأ كتابه بالعربية ثم باللغة التوسكانية ، ونقدمها الآن بالفرنسية».

وفي سنة ١٥٢٧ ألّف باللاتينية كتابا جامعا في سير ثلاثين من مشاهير العرب في مضمار الفلسفة والطب ، والذي نشره هو تينغر في عام ١٦٦٤ في زوريخ بسويسرا ثم اعيد نشره سنة ١٧٤٦ في هامبورغ ، وكان أول سفر يقدم معلومات ذات اهمية بالنسبة لأوروبا في تاريخ تطور العلوم عند العرب.

هذا كما تحوي مكتبة الاسكوريال نسخة في نحو اللغة العربية ربما يكون قد ألفها لفائدة تلاميذه الطليان اثناء تدريسه اللغة العربية في مدينة بولونية. ويذكر لنا في مناسبات عديدة كتابه «الوجيز في الشريعة الاسلامية» و «الوجيز في التواريخ الاسلامية» ولكن لم يصلنا شيء منهما ، مثلما يذكر لنا اعتزامه على اصدار ثلاثة مؤلفات ، احدها الكتاب الذي بين ايدينا ، والآخر عن اوروبا ، والأخير عن الاقطار التي زارها في جزيرة العرب وآسيا الصغرى وارمينيا وبلاد فارس والتتر والقسطنطينية.

والحسن الوزان الذي خاض في شبابه معارك عديدة ضد البرتغاليين ، يوردها في مناسبات عدة في تضاعيف كتابه ، مع جيوش بني مرين الوطّاسيين ، لا يخفي كرهه للبرتغاليين والاسبان القساة وسواهم من نصارى اوروبا الذين كانوا لا يكفون عن الإغارة على بلاد المسلمين والتنكيل بأهلها مدفوعين بنزعة صليبية مقيتة تجلت على الخصوص لدى فرسان القديس يوحنا ، مثلما كان يعبر عن مقته تجاه الأعراب الذين كانت بعض قبائلهم لا تتورع عن التطوع للمحاربة في صفوف البرتغاليين ، لا سيما وهم الذين نشروا الفوضى والتخريب واساءوا ايما اساءة للاقتصاد الغربي فقوضوا اركان الزراعة كما في

١٥

منطقة افريقية حتى جوار تونس ذاتها ، مما ادى بصورة مباشرة لرهن دول المغرب ، وبالتالي لتمهيد السبيل امام الاسبان والبرتغاليين لانتزاع بقاع عديدة من اقطار المغرب العربي مثل طرابلس وبجاية ودهران وآزمور وآسفي ، وحيث لا تزال بعض المواقع في ايديهم حتى كتابة هذه الاسطر ولا سيما مدينتي سبتة ومليلة ، ولولا ان قيض الله العثمانيين الذين تصدوا لهؤلاء النصارى وأبلوا البلاء الحسن لكان تاريخ المغرب غيره اليوم. ولكن الوزان لا يضمر ازدراءه للصوفيين ولأصحاب المذاهب المنشقة ، وما أدخلوه على الاسلام من ترهات وبدع كانت نتائجها اللااخلاقية وخيمة على المجتمع ، مثلما لو يضنى بسخريته اللاذعة على المشعوذين والعرافين والسحرة وكثيرا ما يعف قلمه عن فضح الكثير من تفاصيل حياتهم استحياء من ناحية وتحاشيا لسأم القارىء من جهة اخرى.

والخلاصة يتميز كتاب الوزان بروح نقدية وبأسلوب نستشف فيه تأثير التلاقح الثقافي الخصيب مما يضفي على مصنفه طابعا ذا اصالة يشد القارىء اليه مثلما يجد فيه الجغرافي والمؤرخ مصدرا غنيا بالمعلومات فضلا عن أن ترجمته عن الايطالية وشرحه والتعليق عليه تعتبر جميعا مدرسة قائمة بذاتها تشهد على بروز روح البحث العلمي وحب الاستقصاء.

د. عبد الرحمن حميدة

١٦

مقدّمة

لقد ظهر في البندقية ، عام ١٥٥٠ (١) مؤلف ذو قيمة فريدة. فقد عمد عالم ذو ثقافة عالية يدعى جان باتيست راموزيو ، وكان أمين سر لمجلس الأمناء العشرة ، إلى نشر عدة قصص رحلات باللغة الإيطالية لم يسبق نشرها تحت عنوان «في الملاحة والرحلات» ، وكانت أكثر هذه الرحلات أهمية هي «وصف إفريقيا» بقلم جان ليون ، الملقب بالإفريقي.

وقد كان لكتاب راموزيو النجاح الذي يستحق. فمنذ عام ١٥٥٦ (٢) ظهرت ترجمتان لهذا الكتاب. فقد نشر جان فلوريان في آنفرس في بلجيكا ، ترجمة لاتينية عن كتاب «وصف أفريقيا» ونشر جان تامبورال ، من ليون في فرنسا ترجمة فرنسية له. وتعتبر الترجمة اللاتينية عديمة القيمة وخالية من أية فائدة ، بينما تبدو الترجمة الفرنسية ممتازة بالنسبة لذلك العصر. فلغتها هي الفرنسية القديمة التي كانت مستخدمة في القرن السادس عشر. ولعل ذلك هو الذي أضفى عليها جاذبية خاصة. وجعل العلماء ـ حتى في عصرنا الحاضر ـ يؤثرون نقل نصوص كاملة من هذه الترجمة على الرجوع إلى الأصل الايطالي. وظلت ترجمة تامبورال هي المعتمدة في فرنسا. بيد أن هذه الترجمة تبدو عند بحثها بدقة منطوية على مآخذ جلية للعيان ، فلغتها القديمة صعبة الفهم ومتعبة للقارىء العادي ، والمحقق الذي يراجعها على نص راموزيو لا يلبث أن يعثر فيها على الكثير من الأخطاء والنقاط الغامضة. ومن ثم لم تعد قط أداة جيدة للبحث ، وأصبح من الضروري إعادة ترجمة كتاب راموزيو من جديد.

وها نحن أولاء نقدم اليوم ترجمة لكتاب «وصف إفريقيا» لصاحبه جان ليون ؛ وإذا كانت كل قصص الرحلات التي نشرها راموزيو في عام ١٥٥٠ ذات فائدة كبيرة من وجهة النظر التاريخية والجغرافية ، فإن «وصف» ليون يحوي من الفائدة ما يتجاوز

__________________

(١) ٩٥٧ ه‍.

(٢) ٩٦٤ ه‍.

١٧

ذلك. وسيظل الكثير من المعلومات التي قدمها ليون ، حتى عصر طويل قادم ، موضع ثقة ، وعلى الأخص من وجهة النظر التاريخية البحتة. ولهذا كان من الأهمية أن نقدم لكتاب ليون ترجمة عصرية دقيقة وأمينة قدر المستطاع.

ويوجه راموزيو ، في إهدائه كتابه إلى عالم كبير في زمانه ، هو جيروم فراكاستور ، يوجه انتباهنا إلى أن ليون كان مغربيا. ويذكر لنا بأنه ، بعد أسره في جزيرة جربه (٣) ، قدّم هدية للبابا الذي أحسن وفادته حتى أنه عمّده ومنحه اسميه جان ـ وليون ، وأنه تعلم الايطالية. وقد ألف ليون في هذه اللغة كتابا في الجغرافيا اعتمادا على مذكراته المكتوبة بالعربية. وهذا الكتاب المنسوخ بقلم المؤلف نفسه ، هو الذي وصل ليد راموزيو ، والذي أبان عن طريقة نقله له إذ يقول «لن ندخر وسعا في أن نجعله واضحا ممكنة قراءته ، وأن نلتزم بكل أمانة ممكنة».

وقد جرى البحث بدون طائل ـ وكان لا بد أن يحدث ذلك ـ عن المخطوط العربي. فقد رجح المستشرق لويس ما سينيون ، الذي نشر في عام ١٩٠٦ (٤) تحت عنوان «المملكة المغربية في السنوات الأولى من القرن السادس عشر» (٥) لوحة جغرافية عن ليون الافريقي ، ويعتبر كتاب لويس ماسينيون كبير القيمة ولا يزال وثيقة أساسية فيما يتعلق بمؤلف «وصف إفريقيا» ، اذ يرجح أن ليون كتب مؤلّفه مباشرة بالايطالية استنادا إلى مذكرات مسجلة بالعربية. فليس لهذا المخطوط أصل عربي نقل عنه ، وإنما اعتمد صاحبه فقط على مذكرات كانت لديه باللغة العربية. ولكن هل اختفى النص الإيطالي الأصلي الذي استعان به راموزيو؟

لقد أتيح للمكتبة الوطنية في روما ، عام ١٩٣١ (٦) أن تحصل بطريقة الصدفة في مناسبة بيع كتب ، على مخطوط يحمل عنوان هذا الكتاب «وصف إفريقيا» ووضع في ثبتها تحت رقم ٩٥٣ ، ولكن هذا النص يختلف كثيرا ، في شكله ، عن النص الذي طبعه راموزيو ، ومن المؤكد أن هذا الكتاب هو نسخة جيدة عن الأصل الذي استخدمه راموزيو.

__________________

(٣) جزيرة تقع تجاه الساحل الجنوبي التونسي قرب الحدود الليبية (المترجم).

(٤) ١٣٢٤ ه‍.

(٥) العاشر الهجري.

(٦) ١٣٥٠ ه‍.

١٨

ولكن هذا الكتاب مكتوب برطانة ، دفعت براموزيو إلى القول بأنه ، حتى بالنسبة لأبناء ذلك العصر ، من اللازم القيام بنقله إلى لغة سليمة. وقد بذل جهدا ، كما قال هو نفسه ، في جعله صالحا للقراءة وذلك مع كل الأمانة الممكنة.

وقد كان من الممكن نشر مخطوط المكتبة الإيطالية في روما منذ زمن طويل نوعا ما لولا أن الأحداث العالمية (٧) اعترضت سبيل ذلك. وقد عهدت وزارة التعليم العام بهذه المهمة لأكثر الأشخاص كفاءة في هذا المضمار ، وهي السيدة آنجيلا كودازّي ، أستاذة التاريخ والجغرافيا الشهيرة في جامعة ميلانو. وأفردت السيدة كودازي «لجان ليون» مقالة رائعة في الموسوعة الإيطالية للعلم والأدب والفن (روما ١٩٣٣ ، المجلد ٢٠ ص ٨٩٩). وتنوي هذه الأستاذة قريبا نشر هذا المخطوط ، مع شروح ستكون بالتأكيد جزيلة الفائدة ، سواء لسعة اطلاع المؤلفة أو بسبب الوثائق التي تستطيع الحصول عليها محليا ، لأن ليون كتب كتابه في روما لقرائه الطليان في عام ١٥٢٦ (م) (٨).

ولقد انتظرنا طويلا نشر المخطوط لتقديم ترجمته وليس ترجمة نص راموزيو. ولكننا لاحظنا أن النص الأخير مكتوب بلغة إيطالية سهلة جدا تتواءم مع نقل يكاد يكون حرفيا إلى الفرنسية. فإذا أخذنا فقرة من نص المخطوط وعملنا على تفسيرها بلغة فرنسية مفهومة ، فإننا نحصل بالضبط على نفس النتيجة التي نحصل عليها من ترجمة مباشرة لنفس الفقرة من نص راموزيو. إذن ليس هناك كبير فائدة من وراء استخدام نص المخطوط. غير أن راموزيو من طرف ، والناسخ من طرف آخر ، قد ارتكبا أخطاء في قراءة الأصل الذي استندا عليه ، وهي أخطاء تختلف في نوعها ، وتسمح الموازنة بين النسختين بتصحيح عدد لا بأس به من هذه الأخطاء. وقد استطعنا ، بفضل التلطف الكبير الذي أظهرته السيدة آنجيلا كودازّى ، أن نقابل بين نسختي المكتبة الوطنية في روما ، وأصبح في إمكاننا أن نقدم التصويبات على نسخة راموزيو ، والتي تبدو في أنظارنا جوهرية.

ونود أن نؤكد للسيدة كودازى كل عرفاننا. ونحن مقتنعون أن عملها لن يكون عبارة عن تكرار لعملنا هذا ، بل على العكس سيكمله بصورة مفيدة ، إذ سيقدم الأول التوثيق الإيطالي ، في حين يوفر الآخر التوثيق الإفريقي.

__________________

(٧) تقصد بذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية (المترجم).

(٨) ٩٢٤ ه‍.

١٩

ونظرا لهذا الواقع فإننا لن نتوقف كثيرا عند سيرة حياة جان ليون ، والتي لا نعرف عنها فعلا أكثر مما كتبه المستشرق الفرنسي ما سينيون في كتابه. وتتلخص هذه السيرة فيما يلي :

ولد الحسن بن محمد الوزان الزياتي في غرناطه في تاريخ غير معروف بدقة ، يتراوح بين عامي ١٤٨٩ ، ١٤٩٥ (م) (٩). والحسن هو اسمه ، ومحمد اسم والده ، والوزان لقب أسرته ، مما يدل على أن أحد أجداده شغل وظيفة في مصلحة الموازين العامة. والزياتي كلمة تدل على نسبه القبلي ، أي تدل على قبيلته الأصلية التي انحدر منها. ولم نستطع تحديد النسب المذكور ، غير أن كتاب نزهة الهادي ، ترجمة هوداس ص ٢٢٧ و ٣٢٢ يذكر أنه كان في القرن السادس عشر والسابع عشر (م) (١٠) شخصيتان مغربيتان تحملان هذا النسب ، هما الشارح الأديب الحسن الزياتي والإمام سيدي الحسن الزياتي.

وعلى أثر استيلاء الملكين الكاثوليكيين ، فرديناند الخامس وإيزابيلا في كانون الثاني (يناير) عام ١٤٩٢ م (١١) والذي أعقب طرد المسلمين المتمسكين بدينهم ، التجأت أسرة الحسن إلى فاس ، حيث شغلت وظيفة مرموقة ، وقد أتم هذا الولد تحصيله متبعا الأسلوب الذي لا يزال حتى اليوم أسلوب مثقفي أيامنا في مدارس فاس وفي جامعة القرويين الإسلامية. وعمل بعد ذلك مدة عامين أمينا عاما لمستشفى الأمراض العقلية في فاس ثم أصبح «طالبا» كالطلبة الذين نرى الكثير منهم حاليا في المغرب ، وتجول في سن مبكرة في البلاد ، وكان لديه شغف في استنساخ شواهد القبور لبعض مشاهير الرجال. وعمل من ذلك مجموعة قدّمها هدية لشقيق السلطان. وتعطينا هذه التفاصيل فكرة عن مستواه الاجتماعي. أما أبوه فقد كان موظفا حسبما تشير بعض الدلائل. ويروي لنا أيضا أن صاحب الترجمة قام برحلة ، وهو لا يزال شابا ، إلى القسطنطينية والمشرق العربي ، وصاحب أحد أعمامه ، وهو في سن السابعة عشر ، في رحلته إلى تومبكتو. وكان عمه هذا خطيبا مفوّها اختاره السلطان سفيرا له في تومبكتو ، لدى السلطان السوداني الكبير ، اسكيا محمد توره.

وقد ثابر على تجواله في بلاد المغرب لحساب السلطان ، وذلك قبل قيامه برحلة ثانية

__________________

(٩) أي بين ٨٧٨ ه‍ و ٨٨٤ ه‍.

(١٠) أي العاشر والحادى عشر الهجريين.

(١١) ٨٩٧ ه‍.

٢٠