المنازل المحاسنيّة في الرحلة الطرابلسيّة

يحيى بن أبي الصفا بن أحمد [ ابن محاسن ]

المنازل المحاسنيّة في الرحلة الطرابلسيّة

المؤلف:

يحيى بن أبي الصفا بن أحمد [ ابن محاسن ]


المحقق: الدكتور محمّد عدنان البخيت
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار الآفاق الجديدة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٨

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

يسعدني وقد قارب نص هذه الرحلة ان يرى النور ان اتوجه بالشكر الجزيل الى عموم الزملاء الذين ساهموا بمديد العون لي اثناء اعداده للنشر. ويسرني بشكل خاص ان اعبر عن شكري للآنسة حياة الأسمر وللزميل الدكتور هاني العمد وكذلك الى الزملاء نوفان رجا الحمود وسمير الدروبي ولآخرين غيرهم كانوا خير عون لي. وسيكون سرورهم برؤية هذا العمل يصل الى ايدي القراء والباحثين حافزا لي ولغيري من الزملاء المهتمين بتاريخ بلاد الشام لاستكمال نشر النصوص الجغرافية والرحلات المتعلقة بهذه البلاد وبمزيد من الغبطة والسرور اعبر عن كامل تقديري للسادة اصحاب دار الآفاق الجديدة ، وللاستاذ رحاب عكاوي الذي أشرف على تصحيح واخراج هذا الكتاب ، والاستاذ عبد الرحيم ابو حسين لما له من فضل في العمل على نشره.

ولله الحمد اولا وآخرا

محمد عدنان البخيت

الجامعة الاردنية ف

ي ٦ / ٩ / ١٩٨١

٣
٤

ترجمة حياة يحيى المحاسني

صاحب هذه الرحلة هو الأديب الدمشقي الأصل والنشأة والوفاة يحيى بن ابي الصفا بن احمد المعروف بابن محاسن الذي تذكره كتب التراجم بالمحاسني ، كان من أتباع المذهب الحنفي ولا يذكر الذين ترجموا له تاريخ ولادته وما يردنا عنه ضئيل. فيذكر محمد أمين بن فضل الله المحبي (ت ١١١١ ه‍ / ١٦٩٩ م) وعنه نقل المتأخرون ، ما يلي : «كان أحسن آل بيته فضلا وكمالا ، وأبرعهم استيلاء على المعارف واشتمالا» وانه تلقّى علومه من «منطوق ومفهوم» (١) على يد مجموعة من علماء دمشق ، من بينهم الشيخ الكبير عبد الرحمن بن محمد بن عماد الدين بن محمد العمادي (٢) الحنفي المفتي بالشام (ت ١٠٥١ ه‍ / ١٦٤١ م) ، وكذلك على يد الشيخ يوسف بن ابي الفتح بن منصور بن عبد الرحمن السقيفي الدمشقي الحنفي (ت ١٠٥٦ ه‍ / ١٦٤٦ م) (٣) الذي أصبح فيما بعد إماما للسلطان عثمان الثاني وللسلطان مراد الرابع (ت ١٠٤٩ ه‍ / ١٦٣٩ م) ، ولكن التصاق المحاسني الكبير كان مع الشيخ أحمد بن محمد المقّري

__________________

(١) محمد أمين بن فضل الله المحبي ، خلاصة الاثر في اعيان القرن الحادي عشر ، ٤ م ، تصوير دار صادر ، بيروت ، ١٩٧٠ ، م ٤ ، ص ٤٦٣.

(٢) حول حياته انظر المحبي ، المصدر ذاته ، م ٢ ، ص ٣٨٠ ـ ٣٨٩.

(٣) حول حياته ، راجع المحبي ، المصدر ذاته ، م ٤ ، ص ٤٩٣ ـ ٥٠٠.

٥

التلمساني (١) المالكي (ت ١٠٤١ ه‍ / ١٦٣٢ م) الذي ورد الى دمشق سنة ١٠٣٩ ه‍ / ١٦٢٩ م ونالت اعجابه ، فيذكر المحبي عنه ما يلي : «ولما دخل اليها (دمشق) أعجبته فنقل اسبابه اليها واستوطنها مدة اقامته وأملى صحيح البخاري بالجامع تحت قبة النسر بعد صلاة الصبح ولما كثر الناس بعد أيام خرج الى صحن الجامع تجاه القبة المعروفة بالباعونية وحضره غالب أعيان علماء دمشق. وأما الطلبة فلم يتخلف منهم أحد وكان يوم ختمه حافلا جدا ، اجتمع فيه الألوف من الناس وعلت الأصوات بالبكاء فنقلت حلقة الدرس الى وسط الصحن الى الباب الذي يوضع فيه العلم النبوي في الجمعات من رجب وشعبان ورمضان وأتي له بكرسي الوعظ فصعد عليه وتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره أبدا» (٢).

في مثل هذا الجو العلمي صحب المحاسني الشيخ المقّري وأخذ عنه ، وعند العودة الى كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، نجد ان المقّري كان قد أجاز المحاسني حيث يذكر ما يلي : «ومن الاجازات التي قلتها بدمشق الشام ما كتبته للأديب الحسيب سيدي يحيى المحاسني حفظه الله تعالى :

أحمد من زيّن بالمحاسن

دمشق ذات الماء غير الآسن

وانني عند دخول الشام

لقيت من بها من الأعلام

وان من جملتهم اوج الذكا

والنيّر المزري سناه بذكا

ابن المحاسن الذي قد طابقا

منه مسمى الاسم اذ تسابقا

__________________

(٤) حول حياته انظر المحبي ، المصدر ذاته ، م ١ ، ص ٣٠٢ ـ ٣١١ ، كذلك مقدمة احسان عباس لكتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، م ١ ، ص ٥ ـ ١٤ ، حول ملازمته للمقري انظر ملاحظة اغناطيوس كراتشكوفسكي عن ذلك في تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ٢ م ، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم ، م ٢ ، القاهرة ، ١٩٦٥ ، ص ٧٣٧.

(٥) المحبي ، المصدر والمكان ذاتهما.

٦

اللوذعي الألمعي يحيى

لا زال رسم المجد منه يحيا

وكان قارىء الحديث النبوي

لدي في الجامع أعني الأموي

بمحضر الجمع الغزير الوافر

ممن وجوه فضلهم سوافر

فليرو عني كل ما يصح لي

بشرطه الذي يزين كالحلي (١)

وعند سفر الشيخ المقّري الى مصر كان يتبادل الرسائل مع علماء دمشق وكذلك مع أفراد من البيت المحاسني. ويورد المقّري نفسه نص رسالة مؤرخة في الثاني من جمادى الثانية ١٠٣٨ ه‍ / ٢٨ كانون ثاني ١٦٢٩ م ، كان قد أرسلها يحيى لأستاذه يقول فيها : «ان الراقم لهذه الصحيفة المشرفة ببعض أوصافكم اللطيفة المرسلة لساحة فضائلكم المنيفة هو تلميذكم من تشرف بدرسكم وافتخر باجازتكم ... وعلم شيخي محيط بصدق محبتي واخلاصها» ويتضح من هذه الرسالة انها جاءت جوابا على رسالة سابقة من المقّري نفسه حيث يقول المحاسني : «ثم لما ورد على عبدكم مكتوبكم الكريم صحبة حضرة العم المحب القديم» ، وفي الرسالة ذاتها يعزّي المحاسني أستاذه بوفاة زوجته وابنته فيذكر : «غير انه ساءنا ما اتصل بمولانا من نفوذ قضاء الله تعالى الذي يعم في البنت والأم فجعل الله تعالى في عمر سيدي البركة». ولا يفوته ان يبعث بتحيات عدد من علماء وأعيان دمشق الى الشيخ المقّري الذي كان قد ارتحل الى القاهرة (٢) ، كما اننا نجد ان يحيى المحاسني يرسل الى استاذه رسالة ثانية بعد عدة أيام من ارسال الرسالة الأولى وتاريخها في يوم الاثنين ١١ جمادى الثانية ١٠٣٨ ه‍ / ٤ شباط ١٦٣٩ م يشير اليها المقّري بقوله : «ووردت علي مكاتبات لجماعة من أعيان دمشق حفظهم الله تعالى ، فمنها من الصديق الحميم الرافل في حلل المجد الصميم الخطيب الأديب

__________________

(٦) المقّري ، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، ٨ م تحقيق احسان عباس دار صادر ، بيروت ، ١٩٦٨ ، م ٢ ، ص ٤٣٠ ـ ٤٣٢.

(٧) المقّري ، المصدر ذاته ، م ٢ ، ص ٤٥١ ـ ٤٥٧.

٧

سيدي الشيخ المحاسني يحيى أسمى الله تعالى قدره في الدين والدنيا كتابان» يذكر في أولهما عن نفسه «ولم يزل يزين أفق المجالس بذكر كم ولا يقتطف عند المحاضرة الا من زهدكم ولم ينس حلاوة العيش في تلك الأوقات التي مضت في خدمتكم المحروسة بعناية الملك المتعال» (١) كما وان كتاب نفح الطيب يتضمن رسالة من تاج الدين المحاسني وبذيلها حاشية من محمد بن تاج الدين المحاسني (٢) (ت ١٠٧٢ ه‍ / ١٦٦١ م) تاريخها الرابع من جمادى الثانية سنة ١٠٣٨ ه‍ / ١ شباط ١٦٢٩ م يطمئنان فيها المقّري عن أحوال دمشق ، فجاء في تلك الرسالة : «وان سأل سيدي عن اخبار دمشق المحروسة دامت ربوعها المأنوسة ، فهي ولله الحمد منتظمة الأحوال أمنها الله من الشرور والأهوال ولم يتجدد من الأخبار ما نعلم به ذلكم الجناب لا زال ملحوظا بعين عناية رب الأرباب» (٣) ويفهم من رسالة أخرى ثانية بعث بها تاج الدين المحاسني ، ان المقّري كان جاره حيث يقول : «وقد كانت الحال هذه وليس بيني وبينه حاجز الا الجدار ، اذ كان حفظه الله تعالى جار الدار فكيف الان بالغرام وهو حفظه الله تعالى بمصر وانا بالشام» (٤) ولقد نظم المقّري قصيدة (٥) في مدح أسرة المحاسني فقال :

فبنو المحاسن بيتا

كبني المنجم في النجابة

فهم القرابة ان عدمت

من الأنام هوى القرابة

فيهم محاسن جمة

منها الخطابة والكتابة

بالاضافة الى تلك الرسائل التي أوردها المقّري ليحيى المحاسني ،

__________________

(٨) المقّري ، المصدر ذاته ، م ٢ ، ص ٤٤٩ ـ ٤٥١.

(٩) حول حياة محمد بن تاج الدين المحاسني ، راجع المحبي ، المصدر ذاته ، م ٣ ، ص ٤٠٨ ـ ٤١١.

(١٠) المقّري ، المصدر ذاته ، م ٢ ، ص ٤٥٩.

(١١) المقّري ، المصدر ذاته ، م ٢ ، ص ٤٦٠.

(١٢) المقّري ، المصدر ذاته ، م ٢ ، ص ٤٦٢.

٨

تبقى الرحلة هي الأثر الوحيد الذي وصلنا من مؤلفاته. ويشير المحبي الى مجموع للمحاسني ذكر فيه امالي شيخه المقّري لم نعثر له على وجود فلربما يعثر عليه يوما ما أحد الباحثين. وعن هذه الامالي يقول المحبي : «وكنت رأيت بخطه مجموعا ذكر فيه كثيرا من امالي شيخه المذكور وبدع فيه بتحف وصفه المحمود المشكور» (١).

كان يحيى المحاسني من جهة أمه سبطا لشيخ دمشق وعالمها ، في مطلع القرن السابع عشر ، الحسن بن محمد البوريني (ت ١٠٢٤ ه‍ / ١٦١٥ م) والمصادر المتوفرة لدينا لا تطنب كثيرا في اعطائنا معلومات كافية عنه وعن المناصب التي تولاها سوى انه ولي من المدارس المدرسة الغزالية (٢) ودرّس بها العلم ، الا ان أيامه لم تطل فوافته المنية في سنة ١٠٥٣ ه‍ / ١٦٤٣ م (٣). ورثاه أحمد بن شاهين القبرسي (ت ١٠٥٣ ه‍ / ١٦٤٣ م) أحد كبار أدباء دمشق بقصيدة أورد المحبي بعضا من أبياتها (٤).

التشكيلات الادراية كما تعكسها الرحلة :

تقدم هذه الرحلة معلومات كافية لتكوين صورة عن التشكيلات لادارية في ولاية طرابلس الشام بعد اخضاعها بشكل مباشر للاشراف

__________________

(١٣) المحبي ، خلاصة الاثر ، م ٤ ، ص ٤٦٣ ، كذلك خير الدين الزركلي ، الاعلام ، م ٩ ، ص ١٨٧ ، عمر رضا كحالة ، معجم المؤلفين ، م ١٣ ، ص ١٨٤.

(١٤) المدرسة الغزالية عبارة عن زاوية بالجامع الأموي عرفت بهذا الاسم نسبة للامام ابي حامد الغزالي عند استقراره بتلك الزاوية زمن قدومه الى دمشق ، ويذكر الشيخ عبد القادر بدران ان التدريس قد توقف فيها ، لمزيد من المعلومات حول هذه المدرسة وعن الذين درسوا فيها ، راجع نجم الدين الغزي الكواكب السائرة باعيان المئة العاشرة ، ٣ م ، تحقيق جبرائيل جبور ، دار الآفاق الجديدة ط ٢ ١٩٧٩ بيروت ، م ٢ ، ص ٤٧ ـ ٤٨ ، شمس الدين محمد بن طولون ، لقلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية ، ٢ م تحقيق محمد احمد دهمان ، دمشق ١٩٤٩ ، م ١ ، ص ١٠٥ ، ص ١٠٦ ، ص ١٠٧.

(١٥) المحبي ، المصدر ذاته ، م ٤ ، ص ٤٦٣.

(١٦) حول حياة أحمد بن شاهين ، راجع المحبي ، المصدر ذاته ، م ١ ، ص ٢١٠ ـ ٢١٧. وكذلك المصدر ذاته ، م ٤ ، ص ٤٦٣.

٩

العثماني اثر تصفية وجود أسرة آل سيفا (١) التركمانية الأصل السنية المذهب ، التي طالما نالت ثقة العثمانيين ونابت عنهم في ادارة تلك الولاية. ومن أبرز المناصب التي يأتي صاحب هذه الرحلة على ذكرها :

١ ـ منصب الوالي : كان شاهين باشا (ت ١٠٥٤ ه‍ / ١٦٤٤ م) (٢) يشغل هذا المنصب سنة ١٠٤٧ ه‍ / ١٦٣٧ م وهو الذي تولى تصفية آل سيفا حيث يذكر المؤرخ البطريرك اسطفان الدويهي (ت ١٧٠٤ م) ما يلي : «وعندما وافا شاهين باشا الى البقيعة تقدمت اليه شكاوات في بيت سيفا انهم خرّبوا بلاد السلطان» فألقى شاهين باشا ، عن طريق الحيلة ، القبض على الأمير عساف آل سيفا «فأمر برفعه الى قلعة الحصن وفي اليوم الثاني نهار الأربعة علّقوه على البوابة بثيابه ، ثم نادى شاهين باشا على رفاقه فقتلوا منهم مقتلة كبيرة واستباحوا خيلهم وأسبابهم» ثم تابع تصفية آل سيفا فألقى القبض على قاسم المجذوب ، أحد ابناء يوسف باشا سيفا «وعلى اولاد ونسوان ، وصار التفتيش في القرى والديورة على أرزاقهم وهرب الأمير علي (آل سيفا) الى عند علم الدين وتشتتوا السيفيلية وبادوا من أيالة طرابلس» (٣) ويذكر المحبي ان آخر بني سيفا كانت امرأة جاورت بدمشق وكانت تعرف الشعر ، سألها أحد الأدباء عن دولة آل سيفا وما كانوا فيه من النعمة فتنهدت وأنشدت :

__________________

(١٧) حول دور اسرة ال سيفا في تاريخ عكار وطرابلس وعن علاقتهم مع بقية القوى المحلية ، ومقدار ما تمتعت به من ثقة الدولة العثمانية راجع مقالة :

Kamal Salibi,» The Sayfas and the Eyalet of Tripoli ٩٧٥١ ـ ٠٤٦١ «Arabica Vol. XX,) ٣٧٩١ (pp. ٥٢ ـ ٢٥.

(١٨) حول حياة شاهين باشا ، أنظر الدويهي ، تاريخ الأزمنة ، ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧ كذلك انظر محمد ثريا ، سجل عثماني ، أعيد تصوير طبعة اسطنبول الصادرة سنة ١٣١١ في مؤسسةGregg International ,Hants ,١٧٩١ م ٣ ، ص ١٣٣.

(١٩) الدويهي ، المصدر ذاته ، ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

١٠

«كان الزمان بناغرا فما برحت

به الليالي الى ان فطنته بنا»

(١) والصورة التي يعطيها المحاسني عن شاهين باشا على لسان أهالي الهرمل أنه كان ظالما (٢).

بعد نقل شاهين باشا من طرابلس أنيطت ولايتها بشخص آخر يعرف باسم محمد درويش باشا (٣) ، الذي كما يذكر الدويهي انه في زمانه كان قد اقتطع «بلاد جبيل والبترون وجبة بشري تنقطع من طرابلس وتكون تبع الشام وحكامها» (٤) ، ولم يمكث درويش باشا طويلا في منصبه ذاك ، اذ انه في سنة ١٠٤٩ ه‍ / ١٦٣٩ م ، استبدل بوال جديد اسمه محمد الأرناؤوط (٥) الذي اسند اليه اضافة في سنة ١٠٥٢ ه‍ / ١٦٤٢ م ، بيروت وصيدا ، وتبوأ منزلة قوية أهلته ان يعمّر قصرا سبّب ضنكا للرعية عندما جبى منها ضرائب اضافية «ورمى شاشات وبوابيج على الرعايا وكانوا يتكلفون على حق الشاش أربعين قرشا وعشرين على البابوج ، وكانت سنة مريعة على الناس من زود المال ومن السخرة في العمارة ومن البلص في الرمايا ومن محل القز حتى كثير من المعالفين تركوا الخصاص وانهزموا» (٦) وبعد عزلة تولى المنصب شخص آخر اسمه حسن باشا (٧).

أثناء غياب الوالي عن مقر ولايته كان ينوب عنه موظف يلقب «بالمتسلم» والشخص الذي كان يشغل هذا المنصب عند

__________________

(٢٠) المحبي ، خلاصة الأثر ، م ٤ ، ص ٤٧ ـ ٤٩.

(٢١) مخطوط اسطنبول ، ٩ أ.

(٢٢) مخطوط اسطنبول ، ٢٤ أ.

(٢٣) الدويهي ، المصدر ذاته ، ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٢٤) المصدر ذاته ، ص ٣٣٨.

(٢٥) المصدر ذاته ، ص ٣٤١.

(٢٦) المصدر ذاته ، ص ٣٤٢.

١١

زيارة المحاسني لطرابلوس ، يدعى محمد اغا «افتخار الأماجد الكرام المتسلم يومئذ والمحافظ للبلدة من قبل شاهين باشا» (١)

أما القلعة فكانت تقيم فيها القوة العسكرية العثمانية والتي يشير اليها المحاسني باسم القبة قولي (٢) (أي عبيد الباب السلطاني) والاغا عليهم كان يعرف باسم قرط اغا ، وللقلعة أغا خاص بها اسمه الحاج احمد ووكيله (الكدخدا) ، كان اسمه الحاج ناصر الدين الحمصي (٣) ، كما يشير المحاسني الى حاكم لعكار اسمه احمد بلوكباشي ابن المغربي (٤).

٢ ـ الدفتردار (٥) : بعد الفتح العثماني لبلاد الشام وحدت ولايات حلب ودمشق وطرابلس في دفتردارية واحدة مقرها حلب. وكان يشار لمن يتولى هذا المنصب الذي كان مسؤولا عن جمع الضرائب المستحقة من تلك الولايات الشامية باسم «عربستان دفترداري» أو «ولاية عرب دفترداري» أو «عرب جانب دفترداري» ، وفي بعض الأحيان باسم «دفترداري ديار عرب». ولكن في سنة ٩٧٥ ه‍ / ١٥٦٧ م فصلت مالية دمشق عن حلب وأصبح لكل منهما دفتردار خاص بها. وكانت ولاية طرابلس الشام باستثناء متحصلات الميناء ومقاطعة الحرير من مسؤولية دفتردارية دمشق الشام. الا انه في سنة ٩٧٩ ه‍ / ١٥٧١ م ،

__________________

(٢٧) مخطوط اسطنبول ، ص ١٣ أ.

(٢٨) حول هذا المصطلح ودور تلك الفئة العسكرية في بلاد الشام ، انظر :

A. Rafeq, The Province of Damascus, ٣٢٧١ ـ ٣٨٧١,) Beirut, ٦٦٩١ (PP. ٠٣ ـ ٢٤.

(٢٩) مخطوط اسطنبول ، ٢١ ب.

(٣٠) مخطوط اسطنبول ، ١٠ أ.

(٣١) عن منصب الدفتردار ، انظرB.Lewis ـ» Daftardar «E.I.٢ Vol.II P.٣٨.

١٢

فصلت جبلة عن دمشق والحقت بحلب (١). ونلاحظ من نص الرحلة ان طرابلس الشام نفسها أصبح لها دفتردارها الخاص بها وهو مراد أفندي الذي كان قبل ذلك دفتردار دمشق الشام الذي بعد انفصاله عنها نقل الى طرابلس ليتولى دفترداريتها ، وان المحاسني قام بهذه الرحلة استجابة لدعوة وجهها له مراد أفندي هذا. وكان يساعده في العمل «محاسبجي» يعرف باسم محرم جلبي الديار بكري (٢) ، الذي كان قد قدم بصحبة شاهين باشا المذكور أعلاه ، وللمحاسبجي «خليفة» أي وكيل يعرف باسم سليمان جلبي الشهير بابن المذبوح (٣). أما منصب «المقاطعجي» فكان موكولا لشخص يعرف باسم محمد بن نوح بشه ، والجدير بالذكر ان والد نوح هذا كان من انكشارية دمشق (٤). ومن المناصب المالية التي يأتي المحاسني على ذكرها منصب «التذكرجي» ، الذي كان يدون ملاحظات ومطالعات الوالي على الالتماسات ، ومن جانب آخر يكون مسؤولا عن الاجازات المعطاة لأصحاب «التيمارات» أو «الاقطاعات» (٥). وكان رجب أفندي ابن ادريس الذي كان والده من بلوكباشية (٦) الشام ، يشغل هذا المنصب عند زيارة المحاسني لطرابلس ، وبجانب ذلك كان هناك منصب «الروزنامجي» وهو الموظف

__________________

(٣٢) انظر :

M. A. Bakhit, The Ottoman Province of Damascus in the ٦١ th Century) Ph. D.

١٨٥ ـ ١٦٠. ، (١٩٧٢

(٣٣) مخطوط اسطنبول ، ١٩ أ.

(٣٤) مخطوط اسطنبول ، ٢٠ أ.

(٣٥) مخطوط اسطنبول ، ٢٠ أ.

(٣٦) حول هذا المنصب ، انظر :

١٩٦٣ (Sir Hamilton Gibb and Harold Bowen, Islamic Society and the West,) OUP

. ١٣٦ ـ ١٣٥.Part I PP.

(٣٧) مخطوط اسطنبول ، ١٩ أ.

١٣

المسؤول عن تدوين النفقات اليومية. وشغل هذا المنصب شخص باسم محمد أفندي من مدينة آق شهر ، وخليفته ، كان يعرف باسم مصطفى جلبي بن زين العابدين أفندي (١). وأخيرا «المقابلجي» ، أي الذي يدقق في المعاملات ، كان من ضمن أصحاب المناصب القائمة في طرابلس ، وكان يشغل هذا المنصب شخص يسمى محمد أفندي (٢).

من خلال استقراء هذه المناصب وأسماء الذين شغلوها نلاحظ ان الجهاز المالي كان بيد موظفين من غير السكان المحليين. كما يلاحظ ان من بين الذين عملوا فيه أبناء لأفراد القوة العسكرية المقيمة في دمشق. ويلاحظ من جانب آخر ان الولاة كانوا يستخدمون عناصر مسيحية محلية. فمثلا نجد ان الوالي حسن باشا كان له «كاخيه» مسيحي اسمه الشيخ ابو رزق البشعلاني (٣).

٣ ـ الوظائف الدينية : لقد أعاد العثمانيون تنظيم الجهاز القضائي المملوكي ، فأعطيت المنزلة الأولى للقاضي الحنفي ، لأن المذهب الحنفي كان المذهب الرسمي للدولة العثمانية ولم يكن هذا يعني الغاء بقية المذاهب ، فقد كان يطلب من القضاة في المحاكم ان يعرضوا أحكامهم على القاضي الحنفي في المحكمة لاجازة مثل تلك الأحكام (٤). وفي السنة التي زار فيها المحاسني مدينة طرابلس الشام كان عبد الكريم أفندي الكنغري من قصبة

__________________

(٣٨) مخطوط اسطنبول ، ٢٠ أ.

(٣٩) مخطوط اسطنبول ، ١٩ ب.

(٤٠) الدويهي ، المصدر ذاته ، ص ٣٤٣.

(٤١) انظر :

M. A. Bakhit, Ibid, PP. ٢٣١ ـ ٧٤١.

١٤

بالقرب من أنكورية ، قاضي البلدة وكان قبل انتقاله الى طرابلس قاضيا بمدينة قاسارية «كبير في السن يحب الدنيا الدنية ممتحن تمر به غالب الأوقات وهو في الأمراض ... له نوع فضيلة واثار كتب كتبها بخطه جميلة ... وله تواضع كثير» (١) ، ويذكر المحبي انه حوالي سنة ١٠٤٨ ه‍ / ١٦٣٨ م وربما قبل زيارة المحاسني ان عبد اللطيف ، المعروف بانسي وهو أحد موالي الروم (ت ١٠٧٥ ه‍ / ١٦٦٤ م) كان قاضيا بطرابلس وانه كان على اتصال وله مراسلات مع علماء الشام (٢) ، وقبل ذلك وحوالي سنة ١٠٤٤ ه‍ / ١٦٣٤ م تولى قضاء طرابلس محمد بن جمال الدين بن أحمد الملقب بحافظ العجمي القدسي (٣). وعند استقراء اسماء الأشخاص الذين ذكرهم المحاسني ، نجد ان معظم العاملين في المحكمة كانوا من العناصر السكانية المحلية ، فرئيس الكتّاب في المحكمة كان اسمه القاضي محي الدين بن الحميدي وان شقيقا له باسم محمد كان أيضا يعمل كاتبا في المحكمة ذاتها ، هذا بجانب كاتب آخر اسمه محمد البتروني ، الذي يصفه المحاسني بأنه كان «في غاية العجز والعيّ والقصور» وكاتب ثالث يذكره باسم الشيخ صنع الله جلبي ابن الشيخ ابراهيم بن الجاموس (٤). ولا يكتم المحاسني نقده للأساليب المتبعة في المحاكم وأشار الى الفساد فيها ، فمثلا في حالات الزواج يقول .. «وقد رأيت لهم في محكمتهم اختراعات عجيبة وأحوالا غريبة ، منها ان الرجل اذا أراد أن

__________________

(٤٢) مخطوط اسطنبول ، ١٣ أ.

(٤٣) المحبي ، المصدر ذاته ، م ٣ ، ص ٢٣ ـ ٢٦ ، كما ان المحبي يذكر ايضا ان عبد اللطيف بن بهاء الدين بن عبد الباقي البعلي الحنفي (ت ١٠٨٢ ه‍ / ١٦٧١ م) كان قد تولى منصب القضاء في طرابلس الشام ، المصدر ذاته ، م ٣ ، ص ١٤ ـ ١٦.

(٤٤) المحبي ، المصدر ذاته ، م ٣ ، ص ٤١٢ ـ ٤١٤.

(٤٥) مخطوط اسطنبول ، ٢٠ أ.

١٥

يتزوج فيأتي اليهم فيكتبوا في صدر ورقة بياض اذن مولانا بعد أوصاف تحضرهم باردة وقيود غير لازمة زايدة ، القاضي بمدينة طرابلوس لفلان الفلاني ويسمون رجلا يعقد العقد اما من العلماء أو من الجهلا بأن يعقد عقد فلانة على فلان من غير مانع شرعي ويجعل القاضي امضاءه في اعلا الورقة ويدفعونها لمن يريد ان يعقد العقد ويقبض القاضي على ذلك ما صدر عليه الوعي من غير تسجيل لذلك ولا العلم بتفصيل ما هنالك ومنها ان غالب ما يصدر عندهم يكتبونه من غير تسجيل فيفضي ذلك الى ضياع حقوق الناس فحسبنا الله ونعم الوكيل» (١).

ويزودنا المحاسني بأسماء العديد من الأفراد الذين كانوا يتولون مناصب الخطابة والامامة والتدريس في مساجد طرابلس. فمثلا يذكر التالية اسماؤهم ووظائفهم :

١ ـ الشيخ محمد ابن الشيخ محمود بن عبد الحق الخلوتي ، امام جامع العطار وخطيبه ، وله فيه خلوة (٢).

٢ ـ محمد أفندي ابن هبة الله أفندي ابن الشيخ ابراهيم الشهير بالظني. ورث أباه في خطابة الجامع الكبير وفي نيابة المحكمة (٣).

٣ ـ الشيخ عبد القادر بن عبد الحي الشهير بابن الجاموس ، حنفي المذهب امام وخطيب البرطاسية (٤).

٤ ـ الشيخ صنع الله جلبي ابن الشيخ ابراهيم ابن الجاموس ، كاتب

__________________

(٤٦) مخطوط اسطنبول ، ٢٠ ب.

(٤٧) مخطوط اسطنبول ، ١٥ أ.

(٤٨) مخطوط اسطنبول ، ١٦ أ.

(٤٩) مخطوط اسطنبول ، ١٦ أ.

١٦

بالمحكمة وخطيب بجامع التوبة (١).

٥ ـ الشيخ مصطفى بن عبد الحي الشافعي ، خطيب الناس بالجامع الكبير (٢).

٦ ـ الشيخ أحمد المشهور بابن المالكي ، أحد خطباء جامع طينال (٣).

٧ ـ الشيخ محمد بن مرحبا ، أحد خطباء جامع طينال (٤).

٨ ـ الشيخ محمد بن الطابوش ، رئيس مؤذني الجامع الكبير (٥).

أما الافتاء فكان الشيخ مصطفى بن كرامة ، مفتي الأحناف (٦) بينما افتاء الشافعية كان بيد الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ مصطفى الحموي الذي كان صاحب خلوة وملازمة للتدريس (٧). من هذه الأسماء نلاحظ ان معظم مناصب الخطابة والامامة والتدريس والآذان كانت تشغل من قبل عناصر محلية ، وبالتالي فإن العلماء في طرابلس الشام كما في بقية الولايات العثمانية كانوا ملتصقين بالدولة من أجل الحصول على المناصب والوظائف ، حيث ان الدولة هي التي كانت تقرر من يتولى هذه المناصب. ويورد المحاسني ذكرا لنقابة الأشراف التي كان يتولاها آنذاك شخص باسم السيد حسين ابن السيد يحيى الطرابلوسي (٨). والجدير بالذكر ان مثل هذا المنصب كان موجودا منذ العهد المملوكي حيث يزودنا أحمد بن علي القلقشندي (ت ٨٢١ ه‍ / ١٤١٨ م) ، بنص «نسخة

__________________

(٥٠) مخطوط اسطنبول ، ١٦ ب.

(٥١) مخطوط اسطنبول ، ١٦ ب.

(٥٢) مخطوط اسطنبول ، ١٦ ب.

(٥٣) مخطوط اسطنبول ، ١٧ أ.

(٥٤) مخطوط اسطنبول ، ٢٠ ب.

(٥٥) مخطوط اسطنبول ١٩ ب ، انظر ايضا محمد عدنان البخيت ، «احداث بلاد طرابلس الشام ، ١٠١٥ ه‍ / ١٦٠٦ م ، ١٠١٦ ه‍ / ١٦٠٧ م ، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ، العدد الاول ، (١٩٧٨) ص ١٧١ ـ ٢٠٦.

(٥٦) مخطوط اسطنبول ، ١٣ ب ، ١٤ أ.

(٥٧) مخطوط اسطنبول ، ١٤ ب.

١٧

توقيع بنقابة الاشراف بطرابلس (١)» ويلمس القارىء لرحلة المحاسني ان الحركة الصوفية في طرابلس الشام كانت نشطة ولها عدد من الزوايا ، فابن طبيخ له زاوية بالجبل فيها فقراؤه ومساكينه. أما منلا مصطفى المشهور بفدائي دده العنتابي فقد كان من أفاضل الدراويش المولوية ، وكان للمولوية زاوية شيخها محمد أفندي الرومي. كما كان لآل سعد الدين الجباوي أتباع في طرابلس (٢). ومن مراجعة الأسماء التي يوردها نلاحظ بروز أسماء عثمانية مما قد يعكس اهتمام الدولة بالطرق الصوفية.

الخراب في ولايات الشام في القرن السابع عشر الميلادي :

اتصف الثلث الأول من القرن السابع عشر الميلادي في الدولة العثمانية بالقلق وبحركات العصيان ، وقد رافق هذه الحركات محاولات عديدة للتوسع على حساب الدولة العثمانية وبالتحرش بها وخلق المشاكل لها سواء على الجبهة النمساوية في الغرب أو عن طريق الدولة الصفوية في الشرق حيث ان الدول الأوروبية المتحالفة بعد قبول الدولة العثمانية التوقيع على معاهدةSitvatorok سنة ١٦٠٦ م (٣) ، قد تمكنت ، في نهاية المطاف ، من ان تتحول من دول مدافعة عن نفسها أمام العثمانيين ، الى دول تباشر بالتدريج التوسع على حساب الدولة العثمانية. كما نرى ان الدولة الصفوية الشيعية في بلاد فارس أخذت تجهد في شن الغارات على أراضى الدولة العثمانية ، وخاصة اثناء حكم الشاه عباس الكبير

__________________

(٥٨) صبح الأعشى في صناعة الانشا ، م ١٢ ، ص ٤٥٥.

(٥٩) مخطوط اسطنبول ، ١٧ ب ، ١٨ أ، ١٨ ب ، ٢٠ ب ، لمزيد من التفاصيل حول هؤلاء الأفراد راجع الهوامش عند مطالعة النص.

(٦٠) حول هذه المعاهدة انظر :

B. Lewis, The Emergence of Modern Turkey : ٢ nd edition) O. U. P (, ٨٦٩١, P. ٦٣.

١٨

(٩٩٦ ه‍ / ١٥٨٨ م ـ ١٠٣٨ ه‍ / ١٦٢٩ م). وقد أدى ذلك باعداد كبيرة من العناصر العسكرية العثمانية النظامية التي هربت من الخدمة العسكرية ، والتي اطلقت عليها المصادر التاريخية لقب «السكمان» الالتجاء الى الزعامات والقوى المحلية في بلاد الشام. والجدير بالذكر ان هذه القوى المحلية موزعة بين حلفين رئيسيين : الحلف القيسي بزعامة الأسرة المعنية والحلف اليمني بزعامة آل سيفا : الأسرة التركمانية السنية المتنفذة في بلاد عكار والضنية وطرابلس الشام (١) ، وكمظهر من مظاهر التفسخ والانحلال الذي أصاب القوة العسكرية العثمانية المقيمة في قلاع بلاد الشام ، فإنها انقسمت الى فئات متناحرة حاولت كل فئة منها ان تجد لها معينا اما لدى القيسية أو اليمنية ، وهذا أدى بالتالي الى اذكاء روح الصراع القبلي في بلاد الشام انذاك. وكانت الغلبة في معظم الاحيان للجناح القيسي الذي حظيت زعامته المعنية ، الدرزية المذهب ، بتأييد معظم قادة القوة العسكرية في دمشق. ولقد أدرك الأمير فخر الدين المعني بحسّه السياسي النفّاذ هذا الدعم له فنلاحظ انه شنّ عددا من الغارات على المناطق التي كانت خاضعة ليوسف باشا سيفا اما بتشجيع مباشر من رجال الدولة أو اغتناما للفرص من أجل توسيع دائرة نفوذه.

ففي عام ١٠٢٨ ه‍ / ١٦١٨ م وبتأييد من والي طرابلس العثماني ، عمر باشا المشهور بالكتانجي ، هاجم فخر الدين غريمه يوسف باشا سيفا فأحرق «جميع بيوت وسرايا عكار وعيّن المعلمين والقلّاعين لهدم حارات ابن سيفا وكانت حارات معتبرات ، أخرج عليها اموال عظام ، واستمر المعلمون في هذا الهدم أكثر من شهر حتى هدموا حارته وحارات توابعه

__________________

(٦١) انظر :

M. A. Bakhit, The Ottoman Province of Damascus, PP. ٩٨١ ـ ٠٠٢.

١٩

وأقاربه فحصل لهم قهر وأي قهر» (١).

كما هدم فخر الدين قلعة جبيل «وكانت قلعة عظيمة الشأن رفيعة البنيان من زمان الكفار» (٢) وبعد الانتصار الخاطف الذي أحرزه فخر الدين على منافسيه بما في ذلك والي دمشق العثماني مصطفى باشا ، في معركة عنجر سنة ١٠٣٣ ه‍ / ١٦٢٣ م ، نهب بعلبك ومواشيها (٣) ومن ثمّ حاصر قلعتها وبنى حولها المتاريس «وعيّن تحت الخشب معلمين ينقبون حايطها نقرا بالازاليم بالليل والنهار» (٤) «وكان مقيما عندهم بالليل والنهار بحيث ان غداه وعشاه يروح اليه الى المتاريس ولا يفارقهم مقدار شبر من الاشبار» (٥) واثناء مدة الحصار التي جاوزت شهرا ونصف (٦) امر بقطع الأشجار المحيطة بالقلعة كي لا يستفيد منها الجنود المحاصرون (٧). ويلاحظ انه عند استسلام اولئك الجنود «عين الأمير فخر الدين جميع من كان في المتاريس من الفعلة والمعلمين والقلّاعين وكانوا مقدار مئة وخمسين وامرهم ان يهدموا القلعة المذكورة فشرعوا في هدمها بالآلات وفي نقبها بالدبّورة وكانت قلعة عظيمة الشأن رفيعة البنيان» (٨) ثم تحول بعد ذلك ليحاصر قرية اللبوة (٩) القريبة

__________________

(٦٢) أحمد بن محمد الخالدي الصفدي (ت ١٠٣٤ ه‍ / ١٦٢٤ م) ، تاريخ الأمير فخر الدين المعني ، حققه الدكتور اسد رستم والدكتور فؤاد افرام البستاني ، منشورات الجامعة اللبنانية ، بيروت ، ١٩٦٩ ، ص ٧٨.

أنظر أيضا مقالة :

Kamal Salibi,» The Sayfas and the Eyalet of Tripoli ٩٧٥١ ـ ٠٤٦١ «Arabica, Vol. XX,) ٣٧٩١ (, PP. ٥٢ ـ ٢٥.

(٦٣) الخالدي الصفدي ، المصدر ذاته ، ص ٧٩.

(٦٤) المصدر ذاته ، ص ١٥٣ ـ ١٥٦ ، ١٥٧.

(٦٥) المصدر ذاته ، ص ١٦١.

(٦٦) المصدر والمكان ذاتهما.

(٦٧) المصدر ذاته ، ص ١٧٢.

(٦٨) المصدر والمكان ذاتهما.

(٦٩) المصدر ذاته ، ص ١٧٣.

(٧٠) المصدر ذاته ، ص ١٧٤.

٢٠