تاريخ صنعاء

إسحاق بن يحيى بن جرير الطبري الصنعاني

تاريخ صنعاء

المؤلف:

إسحاق بن يحيى بن جرير الطبري الصنعاني


المحقق: عبد الله محمّد الحبشي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة السنحاني
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٩

١

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

نلتقي صدفة وجها لوجه بأثر نفيس من آثار القرن الخامس الهجري التاريخية باليمن عندما وجدنا في المخطوط الذي يحمل رقم ٢٦٧٨ بمكتبة جامع صنعاء تاريخ صنعاء للمؤرخ إسحق بن جرير الصنعاني ، وهو تاريخ طالما تحسّر على فقدانه جمهور المؤرخين وظل مجهولا عندهم حتى لا يكاد يعلم بوجود نسخة مخطوطة منه سوى تلك النتف اليسيرة التي أوردها المؤرخ الجندي في كتابه السلوك.

ولا نغالي إذا قلنا انه أول كتاب وصلنا في تاريخ اليمن يعني بالتاريخ من حيث هو تاريخ أحداث وحوليات سنوية تؤرخ لليمن بتسلسل وانتظام ، وهو يحتل هذه الرّيادة إذا علمنا أن أوّل كتاب تاريخي عرفناه ووصل إلينا هو كتاب سيرة الهادي يحيى بن الحسين لعلي بن محمد بن عبيد الله العلوي المتوفى نحو سنة ٣١٠ ه‍ ليس فيه من التّاريخ إلّا ما كان يتعلّق بسيرة هذا الإمام وأخباره السياسية ، ثم جاءت كتب الهمداني لتعنى بالجغرافيا والأنساب وليس فيها من التاريخ إلّا ما جاء عرضا.

وحتى كتاب تاريخ مدينة صنعاء لأحمد بن عبد الله الرازي (على فرض انه سبق مؤلف كتابنا هذا والصحيح في ذلك العكس) نجد هذا التاريخ الذي نشره الدكتور حسين العمري يعنى بفضائل صنعاء والرّواية عنها على طريقة المحدثين ولا نظفر بشيء من التاريخ والحوادث اليومية التي شهدتها تلك المدينة الجليلة.

وقد أتى كتابنا هذا ليسد هذه الثغرة في كتاب معاصره العلامة الجليل أحمد بن عبد الله الرازي فجاء استيعابا كاملا لحوادث مدينة صنعاء التاريخية

٣

مبتدئا فيه بزمن الرسول صلّى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ثم يسلسل الحوادث حتى زمنه نحو سنة ٤٢٠ ه‍ وأنت تجده يتوسّع في الأخبار المعاصرة له حتى كأنك تكاد تحس انها مذكرات شخصية خاصة بالمؤلف. وهذا وحده فضلا عن غيره يعطينا دلالة أكيدة على صحة نسته وصلته بابن جرير الصّنعاني.

بين ابن جرير والرّازي

شهد القرن الرّابع وأوائل القرن الخامس عناية ملحوظة بتاريخ اليمن ففي هذه المرحلة نجد من أوائل المؤرخين اليمنيين الرازّي وابن جرير ثم معاصرهما مؤلف سيرة القاسم بن علي العيانى ولعل قبلهما كانت مجاميع في التاريخ اليمني لم تصلنا بعد فنحن نجد المؤرخ الرازي يكثر النقّل عن جماعة من العلماء لا ندري هل كان النقل عنهم شفهيا أم بواسطة صحف مكتوبة. ومن هؤلاء :

١ ـ علي بن الحسين بن عبد الوارث الصنعاء.

٢ ـ عبيد بن محمد بن إبراهيم الكشوري الأزدي

٣ ـ الحسين بن محمد بن عبد الأعلى الحذاقي.

وغيرهم فلعل لهؤلاء كتب في تاريخ اليمن لم تصل إلينا وكانت مادة لمن كتب من بعدهم.

وفي مجال المقارنة بين الرازي وابن جرير لم نجد أحدهما يرجع إلى الآخر أو يشير إليه إلّا أنك تجد هنالك بعض التطابق في جمل من تاريخ صنعاء لابن جرير هذا وبين مخطوطة التاريخ للمجهول الموجودة في مكتبة الامبروزبانا برقم G ٠١ والذي أرى أنه الصّورة الأولى لتاريخ صنعاء للرازي أو انه كتاب آخر مستقل في التاريخ لمدينة صنعاء لذلك المؤرخ وفيه من الإشارة بما لا يدع مجالا للشك في نسبة هذا الكتاب إلى الرازي حيث يشير فيه إلى اسمه صراحة (انظر لوحة ١٠٣).

ولعل سرّ تطابق بعض الجمل بين التاريخ المجهول وبين تاريخ صنعاء

٤

لابن جرير أن كليهما يرجعان إلى مصدر واحد.

على أن الرّازي في مجال الحديث عن عبد الرّحمن بن عوف رهط المؤلف نجده ينقل خبرا عن مؤلف كتابنا هذا ويكنّيه بأبي العباس الزّهري (انظر تاريخ مدينة صنعاء ص ٦٤) ومن هذا النّص تتّضح لنا معاصرة المؤلف للرّازي أو تقدّمه عنه بقليل حيث لم يعدّه من شيوخه ولم يكثر النّقل عنه كما عهدناه عند غيره من شيوخه السّابق ذكرهم.

ابن جرير الصّنعاني مؤلف الكتاب

لم تسعفنا المصادر اليمنية كثيرا بمعلومات عن مؤلف الكتاب وكل ما استطعنا الحصول عليه هو ما جاء في كتاب السلوك في طبقات العلماء والملوك للمؤرخ اليمني بهاء الدين محمد بن يوسف الجندي المتوفى سنة ٧٣٠ وفيه إشارة إلى اسمه ونسبته وتاريخه ، يقول في أثناء الحديث على مصادر تاريخه المسمى بالسلوك ١ : ٧٢ :

«ثم تاريخ صنعاء لابن جرير الصنعاني الزهري واسمه إسحق بن يحيى بن جرير ينتسب إلى الأسود بن عوف أخي عبد الرّحمن بن عوف وهو كتاب لطيف الحجم به فوائد جمّة».

وهذا كل ما نظفر به عند الجندي ولم نجد من أشار إليه غيره ولم يذكر في مصدر آخر حتى أن ما جاء عند الجندي نجد معلوماته عنه مأخوذة من كتاب ابن جرير نفسه مما يدل على أنه لا يوجد في عصره من أرّخ له ، بل لم يذكره ضمن علماء صنعاء كما فعل مع الآخرين.

قلت : ولا يشتبه علينا ما جاء في ميزان الاعتدال ولسان الميزان من ترجمة لرجل آخر هو إسحق بن إبراهيم الصنعاني الطبري فهو غير المعني هنا انظر «ميزان الاعتدال» ١ : ١٧٧ ولسان الميزان ١ : ٣٤٤).

على اننا نجد في كتاب تاريخ صنعاء لصاحب الترجمة بعض

٥

المعلومات اليسيرة فهو يذكر في آخر كتابه اسمه صراحة كما جاء عند الجندي.

ويظهر ان أسرة آل جرير كانت تحتل مكانة مرموقة في صنعاء خلال القرن الرابع فهو يذكر جماعة من أعيان أسرته كانت لهم بعض المشاركة في مجريات السياسة في زمنه.

منهم : إبراهيم بن جرير كان كاتب أسعد بن أبي الفتوح ، وكان صاحب نفوذ في عصره.

ومنهم : إسحق بن يحيى بن جرير له دار مقصودة بصنعاء وأغلب الظن أن المذكور هنا هو نفس المؤلف وقد أورد اسمه بصيغة المخبر عنه. فيكون المؤلف أحد أعيان المشار إليهم ويدلك على ذلك حديثه عن أعيان عصره حديث الندّ للند. وكذا اقتضاب عباراته وتعاليه عن صغائر الأمور.

أمّا عن حياة المؤلف فليس بين أيدينا ما يعرفنا بملمح سوى سرده للأحداث التي عاصرها وأغلب الظن انه ركز على الفترة التي أدركها فأوفاها نصيبها من الشرح والبحث وهي في الغالب تقع ما بين سنتي ٣٧٥ وسنة ٤٢٦ ، ونجد في تاريخه أيضا إفادة أخرى تعلمنا أنه عاش إلى سنة ٤٤٣ وذلك أثناء حديثه عن مساجد صنعاء ولا أظنه تجاوز النصف الأول من القرن الخامس فيكون بهذا أسبق من الرازي مؤلف تاريخ صنعاء في الزمن ، وهذا ما يفسر لنا عدم رجوع المؤلف إلى كتاب الرازي في تاريخ صنعاء والله أعلم.

تاريخ صنعاء لابن جرير

هذا الكتاب يعد أقدم كتب تاريخ صنعاء واليمن عامة كما أسلفنا. وهو أول كتاب يصلنا في الحوليات التاريخية التي عرفناها عند من أتى من بعده وهو أقدم من كتاب عمارة المسمى بالمفيد في تاريخ زبيد.

وعلى الرغم من قدمه لم نجد من أشار إليه سوى ذلك التنويه اليتيم

٦

الوارد في صدر كتاب السلوك للجندي ، وقد استفاد منه المؤرخ عماد الدين إدريس بن علي الحمزي المتوفى سنة ٧١٤ ه‍ ولخص كتابه في أوّل مؤلفه المعروف بكنز الأخبار ثم نقل عنه ما أورده صاحب بهجة الزّمن انظر طبعته الأخيرة بتحقيقنا. وأغلب الظّن أن رواية عماد الدين إدريس عن كتاب ابن جرير سرت عنه إلى سائر كلّ من أرّخ لليمن من بعده فوجدنا ما يشبهها في بهجة الزّمن لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني المتوفى سنة ٧٤٤ ه‍ ثم عند المؤرخ الجندي في السلوك ، ويبدو انه رجع إلى مخطوطة من كتاب تاريخ صنعاء لابن جرير إلا انه لم يستوف النقل واكتفى بما وجده عند عماد الدين إدريس ثم تلاه الخزرجي في العسجد المسبوك واستفاد من النقل الذي استوعبه تاريخ كنز الأخبار لعماد الدين إدريس ، ثم استفاض النقل عند سائر من أتى بعدهم من سائر المؤرخين ومن الغريب انك تجد المؤرخ يحيى بن الحسين (القرن الحادي عشر) في كتابه انباء الزمن (المخطوط) بذكر تاريخ صنعاء لابن جرير ضمن مراجعة ولكنها دعوى لا يؤيدها برهان بدليل انه ترك سنوات كاملة دون ذكر في حين أطنب في الحديث عنها صاحب تاريخ صنعاء.

وهنا تنبيه لا بد من الإشارة إليه وهو : ان نسخ كثيرة من تاريخ صنعاء للرازي الذي قام بنشره الدكتور حسين بن عبد الله العمري نسبت خطأ إلى ابن جرير الصنعاني فوقع اللبس عند كثير من المؤرخين وتوهّموا انهم ينقلون عن ابن جرير مباشرة وقد أثبت التحقيق ان الموجود مما نسب إلى ابن جرير الصنعاني من تاريخ صنعاء ليس إلّا تأليف معاصره الرازي.

ومن يدري ربما كان هناك شبه اتفاق بين المؤرخين ـ ابن جرير والرازي ـ وهو ان يضطلع أحدهما بالجانب التاريخي فقام به ابن جرير الصنعاني ويقوم الآخر بالجانب الحديثي وموضوع الفضائل فقام به الرازي ، ويؤيدنا في ذلك الزعم هو ان الرازي كان قد شرع بتتبع بعض الأخبار المتعلقة بحوادث صنعاء التاريخية ثم تركها بعد علمه بقيام ابن جرير الصنعاني وكأنه دفع إليه ما كتبه فجاء بعضه موافقا لما جاء في الجزء الموجود من التاريخ بمكتبة الأمبروزيانا المشار إليه سابقا ـ وهذا ـ والله

٧

أعلم ـ ما يفسر لنا قول الجندي في أثناء الحديث عن تاريخ صنعاء للرازي «وهو كتاب يوجد كثيرا بأيدي الناس يقول في ترجمة كل نسخة الجزء الثالث من تاريخ الرازي ثم يذكر في غالب نسخه ما لا يوجد في النسخ الأخرى وبحث جمع كثير من أعيان اليمن عن تحصيل النسخة بكمالها فلم يجدوا غير الجزء المذكور».

وعلى هذا يكون الجزء الأول من الكتاب هو الذي كتبه ابن جرير في التاريخ العام لصنعاء ، ثم جاء الرازي وكتب جزئيه الآخرين وهما ذلك الموجود بمكتبة الامبروزيانا وغالبه يشتمل على الوثائق والمعاهدات منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى زمنه الثالث وهو الأخير هذا الذي نشره الدكتور حسين العمري والله أعلم.

على ان ما ذكرناه مجرّد فرض يحتاج إلى كثير من التحقيق ، والحقيقة الماثلة بين أيدينا هو ان هذا الكتاب الذي بين يديك هو كتاب من تأليف المؤرخ إسحق بن جرير الصنعاني. على الرغم من أن المخطوط لا يحمل عنوانا يبيّن فيه اسم الكتاب ومؤلفه ، ولنا في التّدليل على صحة نسبته إلى ابن جرير عدة وجوه :

١ ـ نجد في تاريخ السلوك للجندي نقولات عن ابن جرير الصّنعاني توافق ما في تاريخنا (انظر السلوك ١ : ١٨٦ و ٢١٥ و ٢١٦ وغير ذلك).

٢ ـ الإشارة إلى اسم المؤلف في آخر الكتاب في أثناء الحديث عن مساكن صنعاء ومساجدها.

٣ ـ إحاطته التامة بالأحداث المعاصرة له في القرن الرابع وأوائل الخامس وهي الفترة التي عاصرها وفيها من التفصيل والدّقة ما يصحح كثيرا من أوهام المؤرخين اليمنيين كتحديده لسنة وفاة الحسين بن سلامة بسنة ٤٢٦ وليس بسنة ٤٠٢ ه‍ وهذا التحديد صحح الاضطراب الذي وقع فيه المؤرخون في أسماء من حكم تلك الفترة من تاريخ اليمن!.

٨

مخطوطة الكتاب

كنا نظن انه توجد مخطوطة من كتاب تاريخ صنعاء لابن جرير الصنعاني بمكتبة حيدر أباد (المكتبة الاصفية) فقد جاء ذكره ضمن فهرس المكتبة برقم ١٢ تاريخ (انظر كتابنا مصادر الفكر الإسلامي في اليمن ٤٥٠) ولكن تبين لنا فيما بعد انه نفس تاريخ صنعاء للرازي بعد أن رجع إلى نفس المخطوطة الدكتور حسين بن عبد الله العمري في تحقيقه لكتاب تاريخ صنعاء للرازي (انظر تاريخ صنعاء : ٣٧) ط ثالثة.

وكذا يقال عن مخطوطة مكتبة بلدية الاسكندرية فقد ذكرها بروكلمان على انها نفس تاريخ صنعاء لابن جرير ولكن بعد الرجوع إليها من قبل الدكتور العمري اتضح انها ليست سوى نسخة أخرى من تاريخ صنعاء للرازي فكفانا بذلك مشقة البحث والشك الذي سيظل يلازمنا ما دمنا لم نرجع إليها وقد تطرّق الشك في صحة نسبتها قبل ذلك إلى المستشرق الكبير فرانز روزنتال في تعاليقه القيّمة على كتاب الاعلان بالتّوبيخ للسّخاوي يقول ص : ٦٣٤ في أثناء الحديث على مخطوطة مكتبة الاسكندرية تلك «ان مخطوطة الاسكندرية ٧٢٢٥ التي يشير إليها برولكمان ناقصة من أوّلها وإن كان النّقص ربما لم يزد على ورقة واحدة وتاريخها صفر ٩٩٢ وعلى جلدها هامش مكتبة حديث يشير إلى أن المؤلف للكتاب إسحق بن جرير الصنعاني غير ان المخطوطة خالية من الإشارة إلى مؤلفها على قدر ما استطيع التثبت من الوقت القصير الذي توفر لدراسة المخطوطة ، والكتاب ينتهي إلى حدّ ما مع زمن الصحابة ولا يوجد فيها تاريخ متأخر والواقع انه يصعب ان تجد به معلومات تاريخية في المخطوطة غير انه تجدر الملاحظة ان الجندي في مقدمته لكتاب السلوك يصف كتاب إسحق بأنه كتاب لطيف فيه عدد من المعلومات المفيدة غير ان الجندي يلمح كما يلمح السخاوي إلى أن في كتاب إسحق معلومات تاريخية مرتبة على السنين وعلى كل فأنا أميل إلى الاعتقاد بأن نسبة المخطوطة إلى إسحق غير صحيحة اللهمّ إلّا إذا ثبت

٩

مقارنة مخطوطة الاسكندرية بكتاب الجندي إني على خطأ اما علاقته بتاريخ صنعاء للرازي فهي غير مدروسة».

انتهى ما جاء في هامش روزنتال وقد أثبتت المقارنة صحة ظن هذا المستشرق الكبير.

والآن وبعد أن صحّ لنا عدم وجود نسخة واحدة كاملة من أثر ابن جرير النّفيس عن تاريخ صنعاء حتى وقتنا هذا لم يبق أمامنا سوى الرجوع إلى مخطوطة جامع صنعاء. وهي نسخة للأسف الشديد يعتورها النّقص من عدة مواضع. ولكن يشفع لنا في نشرها على عيبها الواضح أهمية موضوعها وأسبقيّة صاحبها في تدوين التاريخ اليمني فضلا عن أنها أثر لا يقدر بثمن من آثار القرن الرابع الهجري النادرة. ومع ذلك فلا يجب أن نغالي في مقدار الضائع منها لأن المؤرخ الجندي وهو ممن اطلع على مخطوطة تاريخ صنعاء كاملة قال «وهو كتاب لطيف الحجم به فوائد جمّة» فأعطانا الجندي فكرة أوليّة عن مقدار حجم تاريخ صنعاء لابن جرير وانه عبارة عن مختصر لطيف الحجم وهذا القدر يتناسب مع ما وصلنا منه ، ولو لا أن فجوات نبهتنا عليها التعقبية في آخر كل ورقة لما شعرنا بذلك النّقص.

نعم في كتاب تاريخ صنعاء نقص بيّن بعد الحديث عن ولاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم حتى أول خلافة أبي بكر ونقص آخر من سنة ٣٤٤ إلى سنة ٣٤٩ ، وما عدى ذلك نتف يسيرة هنا وهناك.

وقد وجدت ان النسخة الموجودة في جامع صنعاء غير مرتّبة الصفحات وقد أخطأ المجلّد في وضع بعض الأوراق في أماكنها الصحيحة وسيتضح ذلك للقارىء بعد مراجعة أرقام اللوحات كما نبهنا عليها.

المخطوطة : تقع في ٦٨ ورقة وهي جيدة الخط لو لا ما يعتوره من بعض التّصحيف وعدم الفهم لعبارات النص ويبدو انه وقع في أيدي بعض

١٠

المؤرخين فنبّه على بعض الكلمات المشكلة بعلامة (*) ولعل هذه المخطوطة كانت ضمن مكتبة آل الوزير العامرة كما نبهت عليه الحاشية آخر الكتاب.

ويتخلّل المخطوطة تعاليق وكتابات لبعض العوام لا تتعلّق بالتاريخ وهي عبارة عن أدعية وفوائد طبية وفقهية.

اما المخطوط فقد كتب على ورق أصفر ولعله اصفرّ على أثر القدم وخطه يغلب على الظن انه من خطوط القرن العاشر ومسطرة الصفحة الواحدة ١٦ سطر ، وليس به ما يفيد تاريخ النسخ وإنما كتب في آخره قال في الأم وجد بخط جابر بن أسعد بن جعفر بن سلام بن علي بن محمد بن ميمون اليناعي المعروف بابي الخواص انتهى وهذه النهاية توهم مفهرسوا الكتاب انها اسم المؤلف فنسبوه إلى المذكور وليس الأمر كذلك وإنما هو أحد الرواة الذين ينقل عنهم المؤلف أو أن هذا المذكور كان ناسخ تاريخ صنعاء الذي نقل عنه ناسخ مخطوطنا هذا التاريخ والله أعلم.

وتتميما للفائدة رأينا أن نلحق بتاريخ صنعاء الفصل الخاص بمساجد صنعاء ودورها وأسواقها وسقاياتها أحد فصول كتاب تاريخ اليمن الموجود في مكتبة الأمبروزيانا بإيطاليا برقم G ٥١ من لوحة ١٠٣ إلى لوحة ١٢٠. وقد حوى هذا الفصل على معلومات قيمة تتعلق بخطط صنعاء في القرن الرابع لا نجدها في غيره من الكتب التي عنت بتاريخ صنعاء.

صنعاء ودورها وأسواقها وسقاياتها وهو أحد فصول كتاب تاريخ اليمن الموجود في مكتبة الأمبروزيانا بإيطاليا برقم G ٥١ من لوحة ٣٠١ إلى لوحة ١٢٠. وقد حوى هذا الفصل على معلومات قيمة تتعلق بخطط صنعاء في القرن الرابع لا نجدها في غيره من الكتب التي عنت بتاريخ صنعاء.

١١
١٢

١٣

١٤

١٥

١٦

بسم الله الرّحمن الرحيم وبه نستعين

روي ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بعث فروة بن مسيك المرادي (١) على مراد (٢) ومذحج (٣) واليمن كلها ، وبعث معه خالد بن سعيد بن أميّة بن عبد شمس (٤) على الصّدقة ، فكان في بلاده حتى توفي رسول الله صلى عليه وسلم.

وكان فروة قد قال للنّبيّ صلّى الله عليه (٥) : إني امرؤ شريف في

__________________

(١) فروة بن مسيك بن الحارث بن سلمة المرادي الغطيفي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مفارقا لملوك كندة وتعلم القرآن والفرائض وأجازه النبي صلى الله عليه وسلّم وأهداه حلة ثم استعمله على مراد وزبيد ومذحج. ومن شعره :

وما ان طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرين.

توفي نحو سنة ٣٠ ه‍ أنظر طبقات ابن سعد ١ : ٦٣ القسم الثاني. والإصابة ت ٦٩٨٣ وأسد الغابة ٤ : ١٨ والجرح والتعديل ٧ : ٨٢ والتهذيب لابن حجر ٧ : ٢٦٥ وتاريخ البخاري ٧ : ١٢٦ وطبقات فقهاء اليمن : ١٤ وتاريخ صنعاء : ٤ ونثر الدر المكنون : ٧٤ والاعلام ٥ : ١٤٣.

(٢) بطن من كهلان من القحطانية وهم بنو مراد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان (انظر نهاية الارب للقلقشندي : ٤١٧).

(٣) مذحج بن أدد بن زيد قبيلة من كهلان القحطانية أنظر (جمهرة أنساب العرب : ٣٨١ واللباب لابن الأثير ٣ : ١١٦ وطرفة الأصحاب : ٩).

(٤) صحابي من الولاة الغزاة أسلم والرسول في مكّة ثم هاجر إلى الحبشة. وعاد سنة ٧ فغزا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وحضر فتح مكة ثم بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاملا على اليمن فأقام إلى أن استخلف أبو بكر فعزله عن اليمن ودعاه إليه وخرج مجاهدا فشهد فتح أجنادين سنة ١٣ ثم شهد وقعة مرج الصفرا (قرب دمشق) فقتل فيها سنة ١٤. انظر طبقات ابن سعد ٤ : ٦٧ والإصابة ١ : ٤٠٦ والأعلام ٢ : ٢٩٦.

(٥) انظر تاريخ صنعاء للرازي : ١٤٢.

١٧

قومي. وعددهم كثير (١) فأقاتل بمن معي من أدبر عنّي فقال : نعم ، فخرج فروة ونزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم جبريل عليه السلام ، فلما سري عنه قال : ما فعل فروة المرادي قالوا : همس (٢) ، فبعث رسول الله صلّى الله عليه عمر بن الخطاب في طلبه فأدركه بعد ثالثة فقال : ارجع إلى رسول الله صلّى الله عليه فقال فروة : عائذ (٣) بالله من غضبه وغضب رسوله ، فرجع مع عمر فقال لرسول الله صلّى الله عليه مثل ذلك فقال له النّبيّ صلّى الله عليه : لا سخط عليك أنّك أتيتني فزعمت أنّك شريف قومك وان عددهم كثير (٤) ، وسألتني ان تقاتل بمن أقبل معك (٥) من أدبر عنك ، فأتاني جبريل عليه السلام فأمرني ونهاني ، فكان مما (٦) أمرني به الرأفة بأولاد سبأ واللّطف بهم والتّحنن عليهم ، فانه (٧) يحسن إسلامهم وان تدعو قومك إلى الإسلام فمن أسلم فأقبل منه ومن كفر فقاتله. فقال فروة : يا رسول الله ألا تخبرني عن سبأ (٨) أرجلا (٩) [١ ـ أ](١٠)

المائة التي اشترط الأشعث وقبل الباقين. ثم قال للأشعث : الحمد

__________________

(١) الرازي «إني امرؤ شريف واني في بيت قومي وعددهم أفأقاتل من أدبر عني».

(٢) همس : سار بالليل بلا فتور.

(٣) الرازي : أنا عائذ بالله من غضبه وغضب رسوله صلّى الله عليه وسلم.

(٤) الرازي : وزعمت انك شريف قومك وانك في بيت قومك وعددهم.

(٥) الرازي : وسألتني ان تقاتل بإجابة من معك من أدبر عنك.

(٦) الرازي : فيما.

(٧) الرازي : واعلمني.

(٨) الرازي : شيئا.

(٩) في رواية الرازي الأخرى عن أبي سبرة النخعي عن فروة بعد قوله ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك «قال : وانزل الله تعالى في سبأ ما أنزل فقال رجل : يا رسول الله وما سبأ أرض ام امرأة قال : ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة. واما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريّون وحمير وكندة فقال رجل : يا رسول الله وما انمار قال : الذين منهم خثعم وبجيلة» انظر تاريخ صنعاء للرازي : ١٤٣.

(١٠) هنا سقطت ورقة فيها تمام الحديث السابق قبل هذا.

١٨

لله الذي أمكن منك على غير عهد ، وأراد قتله فقال الأشعث : أنا سفير قومي والمستأمن لهم ، فقال زياد : لماذا استأمنت فأين اسمك فيهم ان كنت فيهم خليت سبيلك فقال الأشعث : بيني وبينك خليفة رسول رب العالمين صلّى الله عليه. فأوثقه رباطا فوجه به إلى أبي بكر وعرفة في كتابه بقضيته فلما قدم به على أبي بكر عرف به أبا قحافة (١) وكان لا يمضي أمرا دون مشاورته فقال له : لا تقتل الأشعث ولكن منّ عليه وأطلقه وزوجه اختك ففعل فولدت له محمد بن الأشعث.

وسار خالد بن سعيد بن العاص إلى خولان سخيم فقتلهم وسلبهم.

وروي ان أبا بكر رضي الله عنه بعث علي بن أبي طالب (٢) رضي الله عنه إلى أرض تهامة والمصانع (٣) وحضور (٤) وجبل الورس (٥) وأرض عك (٦)

__________________

(١) هو والد أبي بكر واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن معدان بن تيم انظر ابن سعد ٣ : ١٦٩ وطبقات خليفة بن خياط ١ : ٩٨.

(٢) علق في هامش المخطوطة على قوله هذا بما يلي : هذه رواية باطلة. ما علم ان أمير المؤمنين عليه السلام خرج من المدينة من بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلم إلا بعد توليه الخلافة ا ه. قلت وجدت في نثر الدر المكنون للاهدل ص ٧٧ «قال في تحفة الزمن للحافظ ابن الديبع (كذا) انه عليه السلام دخل اليمن حاكما ومفقها وأقام بصنعاء أربعين يوما ودخل عدن أبين من بلاد حجة وقد خربت من زمن طويل. ويقال انه دخل اليمن في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ودخل عدن أبين ثانية وخطب على منبرها» قلت انظر هذا الخبر في تحفة الزمن للأهدل بتحقيقنا ص ٤٢ والعسجد : ١٦.

(٣) المصانع : جبال مرتفعة بالشمال الغربي من صنعاء بمنطقة ثلا وترتفع عن سطح البحر ب ٣٢٠٠ مترا (انظر معجم البلدان للمقحفي : ٥٩٩).

(٤) حضور : بفتح الحاء جبل شامخ غربي صنعاء بمسافة ١٨ ك م (معجم البلدان : ١٨٠).

(٥) الورس : نبات يزرع في اليمن ونباته مثل نبات السمسم فإذا جف عند إدراكه تفتق فينتفض منه الورس وقيل انه يمكث في الأرض قدر عشر سنين يثمر كل سنة وأجوده حديثه ومنه صنف يسمى الحبشي لسواد فيه ويخرج صبغه أصفر خالص الصفرة وأقرب إلى الحمرة وقريب من صبغ الزعفران (انظر المعتمد للملك المظفر الرسولي : ٥٤٧).

(٦) عك : بفتح العين وتشديد الكاف. من قبائل الأزد من ولد عك بن عدنان بن عبد الله بن عبد الله بن الأزد بن الغوث بن النبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.

١٩

فعصوا فحرّق منهم بالنّار وأسلم منهم ناس.

ولما استخلف أبان بن سعيد (١) يعلى بن منيّة (٢) على صنعاء أقام عليها خلافة أبي بكر وعامة خلافة عمر ، فأشخصه عمر ، وذلك أن رجلا من أهل حفاش (٣) أتى إلى يعلى فقال : ان رجلا قتل ابني فكتب يعلى إلى سعيد بن عبد الله الكناني (٤) ، وكان عامله على حفاش وملحان (٥) أن يرفع (٦) إليه قاتل ابن ذلك الرجل ، فقدم به سعيد على يعلى فأقر بقتل ابن ذلك الرجل فأمر (٧) يعلى عدة من دينا (٨) أهل صنعاء فحضروا ودفع [١ ـ ب] إلى

__________________

ومن مدنهم في اليمن المهجم والكدراء والمراوعة وباجل واللحية (معجم البلدان : ٤٥٦).

(١) ابان بن سعيد بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي صحابي أسلم سنة ٧ قيل انه ولي بعض اليمن وبعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة ٩ عاملا على البحرين وأقام فيه إلى أن توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسافر ابان إلى المدينة ولقيه أبو بكر فلامه على قدومه فقال : آليت لا أكون عاملا لأحد بعد رسول الله. توفي سنة ١٣ ه‍ (انظر الإصابة ١ : ١٠ وتاريخ صنعاء : ٥٢٧ والاستيعاب ١ : ٦٣) وانظر قدومه إلى اليمن في تاريخ اليمن لمجهول لوحة ٦٠.

(٢) هو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث التميمي الحنظلي ويعرف بيعلى ابن منبه وهي أمه أخت عتبة بن غزوان المازني أسلم يوم الفتح وشهد الطائف وحنينا وتبوك ثم ولّاه عمر الجند واستعمله عثمان على صنعاء وكان مع عائشة يوم الجمل ودعم الزبير بالمال ثم كان مع علي في صفين وقتل بها (انظر تاريخ البخاري ٨ : ٤١٤ وأسد الغابة ٥ : ١٢٨ والإصابة ٣ : ٦٨٨ وتاريخ صنعاء : ٦١٢).

(٣) حفاش : بضم الحاء جبل مشهور بالغرب من صنعاء بمسافة ١٤١ ك م جوار جبل (ملحان) وهي ناحية من نواحي المحويت ويرتفع جبل حفاش عن سطح البحر بنحو ٢٤٩٠ متر (معجم البلدان : ١٨٢).

(٤) في تاريخ صنعاء للرازي : ١٦٢ «سعيد بن عبد الله الكندي» وفي السلوك ١ : ١٣١ بن عاقل الأعرج.

(٥) ملحان : بكسر الميم وسكون اللام. ناحية من نواحي المحويت وهو جبل حصين يشرف على المهجم من تهامة ويصاقب جبل حفاش من ناحية الغرب (معجم البلدان : ٦٢٨).

(٦) تاريخ صنعاء : ١٦٣ «يدفع».

(٧) في تاريخ صنعاء (فدعا).

(٨) دينا : جمع ديّن وهو صاحب الدين المتمسك به. وفي تاريخ صنعاء للرازي بدل هذه

٢٠