البلدان

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]

البلدان

المؤلف:

أحمد بن أبي يعقوب اسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح [ اليعقوبي ]


المحقق: محمّد أمين الضنّاوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-3419-1
الصفحات: ٢٢٤

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

إن من أمتع الكتب قراءة وفائدة تلك الكتب التي تحكي تاريخ البلدان ، والمدن ونشأتها ، وأسباب تسميتها ، وعادات أهلها ، وتقاليدهم ، ولا سيما أن كثيرا منها ما زال حتى أيامنا هذه.

إن كتاب «البلدان» للمؤرخ الرحالة أحمد بن أبي يعقوب الشهير باليعقوبي غني جدا بسعة آفاقه وإطلالته التاريخية على أسباب نشوء وتسمية البلدان ، والمدن ، والأمم وتاريخها.

والجدير ذكره أن اليعقوبي في هذا الكتاب يذكر مشاهداته في تلك البلدان والمدن ، ويذكر أيضا سؤاله أهلها عن بعض أمور فيها ، ثم يورد رأيه فيما سمعه منهم هل كان منطقيا مقنعا أم هو محض خرافة تناقلها أهل ذلك المصر.

وفي معرض حديثه يعلّق على ذلك مشيرا إلى بعد رواية أهل ذلك الزمان عن المنطق والعقل.

وذكر من فتح البلاد من الخلفاء والأمراء ومبلغ خراجها ، فلم يدع صغيرة ولا كبيرة وقف عليها إلا وأحصاها في الكتاب ، فجاء مصنفه «كتاب البلدان» أقدم مصدر جغرافي ، وأوثقه لما تحمّله في تأليفه من جهد وعناء وعناية وحسن بلاء.

ولكن مهما يكن الأمر فقد جاء كتاب «البلدان» كتابا ممتعا ، تاريخيا ، وجغرافيا على يد رحالة عالم بالأسفار وبأخبار الأمم السالفة.

محمد أمين الضناوي

٣
٤

ترجمة المؤلف (١)

هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب الأصبهاني الإخباري الشهير باليعقوبي ، وبابن الواضح ، وكان يقال له : مولى بني العباس ، ومولى بني هاشم ، لأنّ جده كان من موالي المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي ، وكان هو بحّاثة في التأريخ ، وأخبار البلدان ، ولقد أعطى التنقيب حقّه في سياحته في البلاد شرقا وغربا ، ودخل بلاد فارس وأطال المقام في بلاد أرمينية وكان فيها سنة ٢٦٠ [ه] ، ودخل الهند أيضا والأقطار العربية ، فالشام فالمغرب إلى الأندلس ، وأغرق نزعا في البحث فطفق يسائل أهل الأمصار عنها وعنهم ، وعن عاداتهم ، ونحلهم ، وحكوماتهم ، وعن المسافات بين البلاد ، فإذا وثق بنقلهم أثبته في كتابه.

وذكر من فتح البلاد من الخلفاء والأمراء ومبلغ خراجها ، فلم يدع صغيرة ولا كبيرة وقف عليها إلا وأحصاها في الكتاب ، فجاء مصنفه «كتاب البلدان» أقدم مصدر جغرافي ، وأوثقه لما تحمّله في تأليفه من جهد وعناء وعناية وحسن بلاء.

وكان نبوغه في القرن الثالث لأنه كان حيا سنة ٢٩٢ ه‍ ، ففي ليلة عيد الفطر منها تذكّر ما كان عليه بنو طولون في مثل هذه الليلة من بلهنية (٢) العيش ، والنعيم الرغيد ، والوفر السابغ ورثاهم بأبيات مطلعها : [الكامل]

إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم

فارتع وعج (٣) بمراتع الميدان

إذا فلا يكاد يصح ما في معجم الأدباء عن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب المصري في تأريخه من أن اليعقوبي توفي سنة ٢٨٤ [ه] ، ولا ما ذكره الزركلي في

__________________

(١) للاستزادة يراجع معجم الأدباء (٥ : ١٥٣). تاريخ اليعقوبي (مقدمة الجزء الأول). فتح العرب للمغرب (٣٠٤).

(٢) بلهنية : رخاء. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : تبلّه).

(٣) عجّ : صاح ورفع صوته. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : عجّ).

٥

الأعلام من أن وفاته كانت سنة ٢٧٨ [ه] ، وكأنّه تبع جرجي زيدان الذي صدّر ترجمته بهذا التأريخ ، لكنه يقول في أثنائها في تأريخ آداب اللغة العربية (١) : «ولكن يؤخذ من سياق كتبه أنه توفي بعد سنة ٢٧٨ [ه]».

والمترجم له من معاصري أبي حنيفة الدينوري (٢) المتوفى سنة ٢٨٢ [ه] ؛ كما وأنه صحبه سعيد الطبيب (٣) ، وأن حفيده محمد بن أحمد بن خليل التميمي المقدسي ابن سعيد المذكور يروي في كتابه «جيب العروس وريحان النفوس» عن اليعقوبي بواسطة أبيه أحمد وجده خليل.

آثاره

ذكر ياقوت الحموي (٤) في معجم الأدباء من آثار المترجم له التأريخ الكبير الذي

__________________

(١) تاريخ آداب اللغة العربيّة ، ج ٢ / ص ١٩٧.

(٢) أبو حنيفة الدينوري : هو أحمد بن داود بن ونند الدينوري ، أبو حنيفة ، مهندس ، مؤرّخ ، نباتي ، من نوابغ الدهر ، قال أبو حيّان التوحيدي ، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب.

له تصانيف نافعة منها : «الأخبار الطوال» ، وهو عبارة عن مختصر في التاريخ. و «الأنواء» ، وهو كتاب كبير. و «النبات» ، وقد طبع منه الجزء الثالث ونصف الخامس. و «تفسير القرآن» ، وهو ثلاثة عشر مجلّدا. و «ما تلحن فيه العامة». و «الشعر والشعراء». و «الفصاحة». و «البحث في حساب الهند». و «الجبر والمقابلة». و «البلدان». و «إصلاح المنطق». وللمؤرخين ثناء كبير عليه وعلى كتبه. للاستزادة يراجع : إرشاد الأريب (١ : ١٢٣). والجواهر المضية (١ : ٦٧). وإنباه الرواة (١ : ٤١). خزانة الأدب للبغدادي (١ : ٢٥).

(٣) سعيد الطبيب : هو سعيد بن البطريق ، طبيب مؤرخ ، من أهل مصر ، ولد بالفسطاط ، وأقيم بطريركا في الإسكندرية وسمّي أنتيشيوس سنة ٣٢١ ه‍ ، وهو أوّل من أطلق اسم «اليعاقبة» على السريان الذين اتبعوا تعاليم يعقوب البرادعي المتوفى سنة ٥٧٨ م. له «نظم الجوهر» كتاب في التاريخ. و «الجدل بين المخالف والنصراني». و «علم وعمل». للاستزادة يراجع : طبقات الأطباء (٢ : ٨٦). وآداب اللغة (٢ : ٢٠٠).

(٤) ياقوت الحموي : هو ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ، أبو عبد الله ، شهاب الدين ، مؤرخ ثقة ، من أئمة الجغرافيين ، ومن العلماء باللغة والأدب ، أصله من الروم ، أسر من بلاده صغيرا ، وابتاعه ببغداد تاجر اسمه عسكر بن إبراهيم الحموي ، فربّاه وعلّمه وشغّله بالأسفار في متاجره ، ثم أعتقه سنة ٥٩٦ ه‍ وأبعده ، فعاش من نسخ الكتب بالأجرة ، وعطف عليه مولاه بعد ذلك ، فأعطاه شيئا من المال واستخدمه في تجارته ، فاستمر إلى أن توفي مولاه ، فاستقل بعمله ، ورحل رحلة واسعة انتهى بها إلى مرو بخراسان ، وأقام بتجر ، ثم انتقل إلى خوارزم. وبينما هو فيها خرج التتر سنة ٦١٦ ه‍ فانهزم بنفسه تاركا ما يملك ، ونزل ـ

٦

نشره المستشرق هو تسما في ليدن سنة ١٨٨٣ [م] ، في مجلدين الأول : «في التأريخ القديم على العموم من آدم فما بعده إلى ظهور الإسلام» ، وتدخل فيه أخبار الإسرائيليين ، والسريان ، والهنود ، واليونان ، والرومان ، والفرس ، والنوبة ، والبجة ، والزنج ، والحميريين ، والغساسنة ، والمناذرة.

والثاني : «في تأريخ الإسلام وينتهي في زمن المعتمد على الله الخامس عشر من خلفاء بني العباس» أي إلى سنة ٢٥٩ [ه] ، وقد رتبه حسب الخلفاء ، ومن المزايا التي يمتاز بها عن سائر التواريخ العامة فضلا عن قدمه أن مؤلفه يأتي فيه بلباب التأريخ ، ويتحرّى القضايا الصادقة مما لا يلتزم به إلا المؤرخ المتصف ، فيملي عليك الوقايع والحوادث الصحيحة حتى كأنك شاهدتها بنفسك ورأيتها بعينك ببيان سلس وأسلوب جذّاب.

ومن آثاره أيضا «كتاب البلدان» في الجغرافية وهو هذا الكتاب الذي نزفه إلى القراء الكرام ، وكان قد طبع أولا في ليدن سنة ١٨٦١ [م] بعناية المستشرق «جونبول» ، وطبع أيضا في جملة المكتبة الجغرافية الذي طبع فيها ثمانية مجلدات من كتب الجغرافية العربية بعناية المستشرق «ديغويه» وقد أوقفناك على أهمية الكتاب وعناء صاحبه به ومقدار الثقة به.

ومن آثاره أيضا كتاب في «أخبار الأمم السالفة» صغير ، وكتاب «مشاكلة الناس لزمانهم» ، هذه الكتب الأربعة هي التي ذكرها ياقوت الحموي في المعجم ، ويظهر من آخر النسخة المطبوعة من «كتاب البلدان» أن له كتابا آخر أسماه بكتاب «الممالك والمسالك» ، وكان المترجم له شاعرا ونبوغه قبل الطبري ، والمسعودي ، ومن بديع شعره قوله يصف سمرقند (١) : [المنسرح]

__________________

ـ بالموصل وقد أعوزه القوت ، ثم رحل إلى حلب وأقام في خان بظاهرها إلى أن توفي سنة ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٩ م. أما نسبته فانتقلت إليه من مولاه عسكر الحموي. من كتبه : «معجم البلدان» ، و «إرشاد الأريب» ويعرف باسم «معجم الأدباء» ، و «المشترك وضعا والمفترق صقعا» ، و «المقتضب من كتاب جمهرة النسب» ، و «المبدأ والمآل» وهو كتاب في التاريخ ، وكتاب «الدول» ، و «أخبار المتنبي» ، و «معجم الشعراء». للاستزادة يراجع : وفيات الأعيان (٢ : ٢١٠). الإعلام لابن قاضي شهبة ص ١٢٣. آداب اللغة (٣ : ٨٨). الرحالة المسلمون (١٠٢). مرآة الجنان (٤ : ٥٩).

(١) سمرقند : يقال لها بالعربية سمران ، بلد معروف مشهور ، قيل : إنه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر ، وهو في الإقليم الرابع. وقيل بناها شمر أبو كرب ، فسميت شمر فأعربت فقيل : ـ

٧

علت سمرقند أن يقال لها

زين خراسان جنة الكور

أليس أبراجها معلقة

بحيث لا تستبين للنظر

ودون أبراجها خنادقها

عميقة ما ترام من ثغر

فكأنها وهي وسط حائطها

محفوفة بالظلال والشجر

فبدر وأنهارها المجرة وال

آطام مثل الكواكب الزهر

__________________

ـ سمرقند ، (معجم البلدان ج ٣ / ص ٢٧٩).

٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[خطبة الكتاب]

الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابه ، وجعل الحمد كفاء لنعمه ، وآخر دعاء أهل جنته ، خالق السماوات العلى والأرضين السفلى ، وما بينهما وما تحت الثرى ، العالم بما خلق قبل كونه ، والمدبر لما أحدث على غير مثال من غيره ، أحاط بكل شيء علما وأحصاه عددا ، له الملك والسلطان والعزة وهو على كل شيء قدير وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم.

قال أحمد بن أبي يعقوب : إني عنيت في عنفوان شبابي ، وعند احتيال سني ، وحدّة ذهني بعلم أخبار البلدان ، ومسافة ما بين كل بلد وبلد ، لأني سافرت حديث السن ، واتصلت أسفاري ، ودام تغربي ، فكنت متى لقيت رجلا من تلك البلدان سألته عن وطنه ومصره ، فإذا ذكر لي محل داره وموضع قراره ، سألته عن بلده ذلك في ... لدته (١) ما هي؟ وزرعه ما هو؟ وساكنيه من هم من عرب أو عجم؟ ... شرب أهله حتى أسأل عن لباسهم ... ودياناتهم ومقالاتهم والغالبين عليه والمنرا (٢) ... مسافة ذلك البلد ، وما يقرب منه من البلدان .. والرواحل ، ثم أثبتّ كل ما يخبرني به من أثق بصدقه ، وأستظهر بمسألة قوم بعد قوم ، حتى سألت خلقا كثيرا ، وعالما من الناس في الموسم وغير الموسم ، من أهل المشرق والمغرب ، وكتبت أخبارهم ، ورويت أحاديثهم ، وذكرت من فتح بلدا بلدا ، وجنّد مصرا مصرا (٣) من الخلفاء والأمراء ، ومبلغ خراجه وما يرتفع من أمواله ، فلم أزل أكتب هذه الأخبار وأؤلّف هذا الكتاب دهرا طويلا ، وأضيف كل خبر إلى بلده ، وكل ما أسمع به من ثقات أهل الأمصار إلى ما تقدمت عندي معرفته.

__________________

(١) لدته : لعلها ولادته.

(٢) هكذا في الأصل ولم أقف على معناها.

(٣) المصر : المدينة ، الصقع. (القاموس المحيط ، مادة : مصر).

٩

وعلمت أنه لا يحيط المخلوق بالغاية ، ولا يبلغ البشر النهاية ، وليست شريعة لا بد من تمامها ، ولا دين لا يكمل إلا بالإحاطة به ، وقد يقول أهل العلم في علم أهل الدين الذين هو الفقه مختصر كتاب فلان الفقيه ، ويقول أهل الآداب في كتب الآداب مثل اللغة ، والنحو ، والمغازي ، والأخبار ، والسير مختصر كتاب كذا ، فجعلنا هذا الكتاب مختصرا لأخبار البلدان ، فإن وقف أحد من أخبار بلد مما ذكرنا على ما لم نضمّنه كتابنا هذا ، فلم نقصد أن يحيط بكل شيء.

وقد قال الحكيم : ليس طلبي للعلم طمعا في بلوغ قاصيته ، واستيلاء على نهايته ، ولكن معرفة ما لا يسع جهله ، ولا يحسن بالعاقل خلافه ، وقد ذكرت أسماء الأمصار ، والأجناد ، والكور ، وما في كل مصر من المدن والأقاليم ، والطساسيج (١) ، ومن يسكنه ، ويغلب عليه ، ويترأس فيه من قبائل العرب ، وأجناس العجم ، ومسافة ما بين البلد والبلد ، والمصر والمصر ، ومن فتحه من قادة جيوش الإسلام ، وتأريخ ذلك في سنته ، وأوقاته ، ومبلغ خراجه ، وسهله ، وجبله ، وبرّه ، وبحره ، وهوائه في شدة حرّه ، وبرده ، ومياهه ، وشربه.

__________________

(١) الطساسيج : النواحي ، الربع. (القاموس المحيط ، مادة : الطسوج).

١٠

بغداد

وإنما ابتدأت بالعراق (١) لأنها وسط الدنيا ، وسرة الأرض ، وذكرت بغداد (٢) لأنها وسط العراق ، والمدينة العظمى ، التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة ، وكبرا ، وعمارة وكثرة مياه ، وصحة ، وهواء.

ولأنه سكنها من أصناف الناس ، وأهل الأمصار ، والكور (٣) ، [و](٤) انتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية ، وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم ، فليس من أهل البلد إلا ولهم فيها محلة ، ومتجر ، ومتصرّف ، فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا.

__________________

(١) العراق : بلد مشهور ، سمّيت بذلك من عراق القربة ، وهو الخرز المثنّي في أسفلها أي أنّها أسفل أرض العرب ، وقيل : سمّي عراقا لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر. وقيل : العراق شاطىء البحر. وقيل : إنما سمي عراقا لأنه دنا من البحر وفيه سباخ وشجر. (معجم البلدان ج ٤ / ص ١٠٥).

(٢) بغداد : أم الدنيا وسيدة البلاد ، وفيها أربع لغات : بغداد ، بدالين مهملتين ، وبغداذ معجمة الأخيرة (أي بذال) ، وبغدان ، وبالنون ، ومغدان ، بالميم بدلا من الباء ، تذكّر وتؤنّث. وقيل : أصل بغداد للأعاجم والعرب تختلف في لفظها إذا لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم ، قال بعض الأعاجم : تفسيره بستان رجل ، فباغ تعني بستان ، وداد اسم رجل ، وبعضهم يقول : بغ هو اسم لصنم ذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إيّاها ، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده ، فقال : بغ داد ، أي الصنم أعطاني ، وقيل : بغ هو البستان ، وداد معناها أعطى ، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصيّ هذا البستان ، فقال : بغ داد فسميت به ، وقيل : هي اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه لأنّ بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه ، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتلّ ، فقالوا : ما الذي يأمر الملك أن تسمّى به هذه المدينة؟ فقال : هلدوه وروزه ، أي خلّوها بسلام ، فحكي ذلك للمنصور ، فقال : سمّيتها مدينة السّلام. وقيل : سميت مدينة السّلام : لأن نهر دجلة يقال له : وادي السّلام. (معجم البلدان ج ١ / ص ٥٤١).

(٣) الكور : جمع كورة ، بالضم ، هي المدينة والصقع ، (القاموس المحيط ، مادة : الكور).

(٤) زيادة أثبتناها لسلامة المعنى واتّساق الكلام.

١١

ثم يجري في حافيتها النهران الأعظمان دجلة (١) والفرات (٢) فتأتيها التجارات والمير (٣) برا وبحرا بأيسر السعي حتى تكامل بها كل متجر يحمل من المشرق والمغرب من أرض الإسلام وغير أرض الإسلام فإنه يحمل إليها من الهند (٤) والسند (٥) والصين (٦) والتبت (٧)

__________________

(١) دجلة : نهر بغداد ، لا تدخله الألف واللام ، قيل : دجلة معرّبة على ديلد ، ولها اسمان آخران وهما : آرنك روز وكودك دريا أي البحر الصغير. وقيل : أول مخرج دجلة من موضوع يقال له عين دجلة على مسيرة يومين ونصف من آمد من موضع يعرف بهلورس من كهف مظلم.

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أوحى الله تعالى إلى دانيال عليه السّلام ، وهو دانيال الأكبر ، أن احفر لعبادي نهرين ، واجعل مفيضهما البحر فقد أمرت الأرض أن تطيعك ، فأخذ خشبة وجعل يجرّها في الأرض والماء يتبعه ، وكلما مرّ بأرض يتيم ، أو أرملة ، أو شيخ كبير ناشدوه الله فيحيد عنهم ، وقال في هذه الرواية : مبتدأ دجلة من أرمينية. (معجم البلدان ج ٢ / ص ٥٠٢).

(٢) الفرات : بالضم ثم التخفيف ، وآخره تاء مثناة من فوق ، قيل : الفرات معرّب عن لفظه وله اسم آخر ، وهو فالأذروذ لأنه بجانب دجلة كما بجانب الفرس الجنيبة ، والجنيبة تسمّى بالفارسية : فالاذ ، والفرات في أصل كلام العرب أعذب المياه ، قال الله تعالى في محكم تنزيله : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) [الفرقان : ٥٣]. وقد فرت الماء إذا عذب ، ومخرج الفرات فيما زعموا من أرمينية. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٢٧٤).

(٣) المير : الأطعمة التي يذّخرها الإنسان. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : مير).

(٤) الهند : تقع في آسيا على المحيط الهندي ، وخليج البنغال ، وبحر العرب بين باكستان ، والصين ، والتبت ، ونيبال ، وبوتان ، وبنغلادش ، وبورما. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٠٣).

(٥) السند : بكسر السين وسكون الثانية وآخره دال مهملة ، هي بلاد بين بلاد الهند وكرمان وسجستان. قالوا : السند والهند كانا أخوين من ولد بوقير بن يقطن بن حام بن نوح. فتحت أيام الحجّاج بن يوسف وأهلها على مذهب أبي حنيفة. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٣٠٣).

(٦) الصين : بالكسر ، وآخره نون ، بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك ، قيل : سميت الصين بصين ، وصين وبغرابنا بغبر بن كماد بن يافث ، ومنه المثل : ما يدري شغر من بغر. وهما بالمشرق وأهلهما بين الترك والهند ، قيل : سميت بهذا الاسم لأن صين بن بغبر بن كماد أول من حلّها وسكنها. هي بلاد شاسعة وهي بلاد تشبه بلاد الهند يجلب منها العود ، والكافور ، والسنبل ، والقرنفل ، والبسباسة ، والعقاقير. (معجم البلدان ج ٣ / ص ٥٠٠).

(٧) التبت : بلد بأرض الترك ، قيل : هي في الإقليم الرابع المتاخم لبلاد الهند. وقيل : هي مملكة متاخمة لمملكة الصين ، ومتاخمة من إحدى جهاتها لأرض الهند. ولها مدن وعمائر كثيرة ذوات سعة وقوة لأهلها بدو وحضر ، وهم في معظمهم من الترك. في بلاد التبت خواص في هوائها ، ومائها ، وسهلها ، وجبلها ، ولا يزال الإنسان ضاحكا مستبشرا ولا تعرض له الأحزان والأخطار والهموم والغموم ، يتساوى في ذلك شيوخهم ، وكهولهم وشبّانهم ، ولا تحصى ـ

١٢

والترك (١) والديلم (٢) والخزر (٣) والحبشة (٤) ، وسائر البلدان ، حتى يكون بها من

__________________

ـ عجاب ثمارها ، وزهرها ، ومروجها ، وأنهارها ، وفي أهله رقّة طبع وبشاشة وأريحيّة تبعث على كثرة استعمال الملاهي وأنواع الرقص ، حتى إن الميت إذا مات لا يداخل أهله كثير الحزن كما يلحق غيرهم ، ولهم تحنّن بعضهم على بعض ، والتبسّم فيهم عام. وإنما سميت تبّت ممن ثبّت فيها وربّت من رجال حمير ، ثم أبدلت الثاء تاء لأن التاء ليست في لغة العجم ، وكان من حديث ذلك أن تبّع الأقرن سار من اليمن حتى عبر نهر جيحون وطوى مدينة بخارى وأتى سمرقند ، وهي خراب ، فبناها وأقام عليها ، ثمّ سار نحو الصين في بلاد الترك شهرا حتى أتى بلادا واسعة كثيرة المياه والكلأ فابتنى هناك مدينة عظيمة وأسكن فيها ثلاثين ألفا من أصحابه ممن لم يستطع السير معه إلى الصين وسمّاها تبّت. وأهلها فيما زعم بعضهم على زيّ العرب ، ولهم فروسية ، وبأس شديد ، وقهروا من حولهم من أهل الترك.

وكانوا يسمون كلّ ملك من ملوكهم تبّعا اقتداء بأولهم. (معجم البلدان ج ١ / ص ١١).

(١) الترك : بضم التاء وسكون الراء المهملة وكاف في الآخر ، وهم من الأمم المشهورة الذين حكموا بلاد مصر ، وهم من بني ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليه السّلام ، وقيل : من بني طيراش بن يافث. ونسبهم ابن سعيد إلى ترك بن عابر بن شمويل بن يافث ، قال في العبر : ويدخل في جنس الترك القفجاق ، وهم الخفشاج ، والطغرغر وهم التتر. ويقال : التتار بزيادة ألف. والخطا ، والخزلخية والخزر وهم الغز الذين كان منهم ملوك السلاجقة ، والهياطلة وهم الصغدر ، والغور ، والعلان ، ويقال : اللان ، والشركس ، والأزكش ، والروس كلهم من جيل الترك ونسبهم داخل في نسبهم. وفي الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : «الترك أول من يسلب أمتي ما خوّلوا» ، وعن ابن عباس أنه قال : «ليكونن الملك أو الخلافة في ولدي حتى يغلب على عزّهم الحمر الوجوه الذين كأن وجوههم المجانّ المطرقة». (صبح الأعشى ج ١ / ص ٤٢٠ ، معجم البلدان ج ٢ / ص ٢٧).

(٢) الديلم : بفتح الدال وسكون الياء وفتح اللام وهم الذين كان منهم ملوك بني بويه الخارجين على خلفاء بني العباس ببغداد ، قال في العبر : هم من بني ماداي بن يافث بن نوح ، وقال ابن سعيد : من بني باسل بن أشور بن سام بن نوح. وقيل : هم من العرب ، ولعل هذا القول ضعيف. (صبح الأعشى ج ١ / ص ٤٢١).

(٣) الخزر : بفتح الخاء والزاي وهم التركمان. في الإسرائيليات أنهم من ولد توغربحا بن كومر بن يافث بن نوح ، وقيل : هم من بني طيراش بن يافث ، وقيل : نوع من الترك. (صبح لأعشى ج ١ / ص ٤٢١).

(٤) الحبشة : بفتح الحاء المهملة والباء المفتوحة والشين المفتوحة ، وهي مملكة عظيمة جليلة المقدار ، متّسعة الأرجاء ، فسيحة الجوانب. أرضها صعبة المسلك لكثرة جبالها الشامخة ، وعظم أشجارها ، واشتباك بعضها ببعض ، حتى إن ملكها إذا أراد الخروج إلى جبهة من جهاتها ، تقدّمه قوم مرصدون لإصلاح الطرق بآلات لقطع الأشجار وإحراقها بالنار. وهم قوم كثير عددهم ، لم يملك بلادهم غيرهم من النوع الإنساني ، لأنهم أجبر بني حام ، وأخبر بالتوغّل في القتال والاقتحام ، طول زمنهم في الأسفار وصيد الوحش ، وقتالهم إنما يكون ـ

١٣

تجارات البلدان أكثر مما في تلك البلدان التي خرجت التجارات منها ، ويكون مع ذلك أوجد وأمكن ، حتى كأنما سيقت إليها خيرات الأرض ، وجمعت فيها ذخائر الدنيا ، وتكاملت بها بركات العالم ، وهي مع هذا مدينة بني هاشم (١) ودار ملكهم ، ومحل سلطانهم ، لم يبتد بها أحد قبلهم ، ولم يسكنها ملوك سواهم.

ولأن سلفي كانوا القائمين بها ، واحدهم تولى أمرها ، ولها الاسم المشهور والذكر الذائع ، ثم هي وسط الدنيا ، لأنها على ما أجمع عليه قول الحساب وتضمّنته كتب الأوائل من الحكماء في الإقليم الرابع ، وهو الإقليم الأوسط الذي يعتدل فيه الهواء في جميع الأزمان والفصول.

فيكون الحرّ بها شديدا في أيام القيظ ، والبرد شديدا في أيام الشتاء ، ويعتدل الفصلان الخريف والربيع في أوقاتهما.

ويكون دخول الخريف إلى الشتاء غير متباين الهواء ، ودخول الربيع إلى الصيف غير متباين الهواء ، وكذلك كل فصل ينتقل من هواء إلى هواء ، ومن زمان إلى زمان ، فلذلك اعتدل الهواء ، وطاب الثوى (٢) ، وعذب الماء ، وزكت الأشجار ، وطابت الثمار ، وأخصبت الزروع ، وكثرت الخيرات ، وقرب مستنبط معينها (٣).

وباعتدال الهواء ، وطيب الثرى ، وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها ، ونضرت وجوههم ، وانفتقت أذهانهم حتى فضلوا الناس في العلم ، والفهم ، والأدب ، والنظر ، والتمييز ، والتجارات ، والصناعات ، والمكاسب ، والحذق (٤) بكل مناظرة ، وإحكام كل مهنة ، وإتقان كل صناعة ، فليس عالم أعلم من عالمهم ، ولا أروى من روايتهم ، ولا أجدل من متكلّمهم ، ولا أعرب (٥) من نحويهم (٦) ، ولا أصح من قارئهم ، ولا أمهر من متطبّبهم ، ولا أحذق من مغنّيهم ، ولا ألطف من صانعهم ، ولا أكتب من كاتبهم ، ولا

__________________

ـ عريا من غير لأمة تدفع عنهم ولا عن خيلهم. (صبح الأعشى ج ٥ / ص ٢٨٩).

(١) بنو هاشم : وهم العباسيّون خلفاء الدولة العباسية وأتباعهم.

(٢) الثوى : المكان. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : ثوي).

(٣) المعين : بفتح الميم ، هو الماء الجاري. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : معن).

(٤) الحذق : الذكاء. (القاموس المحيط ، مادة : حذق).

(٥) أعرب : أي أعرب كلامه حسّنه وأفصح ولم يلحن. (القاموس المحيط ، مادة : عرب).

(٦) نحويهم : النحوي وهو العالم بعلم النحو وهو إعراب الكلام وأصول استعمالاته. (القاموس المحيط ، مادة : النحو).

١٤

أبين من منطيقهم (١) ، ولا أعبد من عابدهم ، ولا أورع من زاهدهم ، ولا أفقه من حاكمهم ، ولا أخطب من خطيبهم ، ولا أشعر من شاعرهم ، ولا أفتك من ماجنهم.

ولم تكن بغداد مدينة (٢) في الأيام المتقدّمة ، أعني أيام الأكاسرة (٣) والأعاجم (٤) ، وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادوريا (٥).

وذلك أن مدينة الأكاسرة التي خاروها (٦) من مدن العراق المدائن (٧) ، وهي من

__________________

(١) المنطيق : البليغ. (القاموس المحيط ، مادة : نطق).

(٢) كان أوّل من مصرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء العباسيين ، وانتقل إليها من الهاشميّة. كان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم ، فانتقل عنهم يرتاد موضعا ، فرأى موضعا طيبا ، فقال لجماعة منهم سليمان بن مجالد ، وأيوب المرزباني ، وعبد الملك بن حميد الكاتب : ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا : طيب موافق ، فقال : صدقتم ، ولكن لا مرفق فيه للرعية ، وقد مررت في طريقي بموضع تجلب إليه الميرة (الأطعمة) والأمتعة في البر والبحر وأنا راجع إليه وبائت فيه فإن اجتمع لي ما أريد من طيب الليل فهو موافق لما أريده لي وللناس. فأتى بعد ذلك إلى الموضع وهو بغداد وعبر موضع قصر السّلام ، ثم صلى العصر ، وذلك في صيف وحرّ شديد ، فبات أطيب مبيت ، وأقام يومه فلم ير إلّا خيرا ، فقال : هذا موضع صالح للبناء ، فإنّ المادة تأتيه من الفرات ودجلة وجماعة الأنهار ، ولا يحمل الجند والرعية إلّا مثله ، فخطّ البناء وقدّر المدينة ووضع أوّل لبنة بيده ، فقال : بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، ثم قال : ابنوا على بركة الله. قيل : إنه أنفق على بنائها ثمانية عشر ألف ألف دينار ، وكان أوّل العمل فيها سنة ١٤٥ ه‍.(معجم البلدان ج ١ / ص ٥٤٣).

(٣) الأكاسرة : مفردها كسرى ، وهو اسم كلّ ملك من ملوك الفرس. (القاموس المحيط ، مادة : كسر).

(٤) الأعاجم : من ليس بعربي أو من كان جنسه من العجم الفرس أو الروم. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : عجم).

(٥) بادوريا : بالواو والراء ، ناحية من كورة الأستان بالجانب الغربي من بغداد. قيل : من استقلّ من الكتّاب ببادوريا استقل بديوان الخراج ، ومن استقلّ بديوان الخراج استقل بالوزارة ، وذاك لأن معاملاتها مختلفة وقصبتها الحضرة ، والمعاملة فيها مع الأمراء والوزراء والقوّاد والكتّاب والأشراف ووجوه الناس. (معجم البلدان ج ١ / ص ٣٧٧).

(٦) خاروها : اختاروها.

(٧) المدائن : قال يزدجرد : إن أنوشروان بن قباذ وكان أجلّ ملوك فارس حزما ، ورأيا ، وعقلا ، وأدبا فإنه بنى المدائن ، وأقام بها هو ومن كان بعده من ملوك بني ساسان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد ذكر في سير الفرس أن أوّل من اختطّ مدينة في هذا الموضع أردشير بن بابك ، قالوا : لما ملك البلاد سار حتى نزل في هذا الموضع فاستحسنه فاختطّ به مدينة ، ولم نجد أحدا ذكر لم سمّيت بالجمع ، لكن الثابت أنها مساكن ملوك الأكاسرة من ـ

١٥

بغداد على سبعة فراسخ وبها إيوان (١) كسرى أنوشروان (٢) ، ولم يكن ببغداد إلا دير على موضع مصبّ الصراة (٣) إلى دجلة الذي يقال له : قرن الصراة ، وهو الدير الذي يسمى الدير العتيق ، قائم بحاله إلى هذا الوقت ، نزله الجاثليق (٤) رئيس النصارى النسطورية (٥).

ولم تكن أيضا بغداد في أيام العرب لمّا جاء الإسلام لأن العرب اختطت البصرة ، والكوفة (٦) ، فاختط الكوفة سعد بن أبي وقاص الزهري (٧) في سنة سبع عشرة ، وهو عامل عمر بن الخطاب (٨).

__________________

ـ ملوك الساسان. (معجم البلدان ج ٥ / ص ٨٨).

(١) إيوان : جمعها إيوانات وأواوين ، وهو المكان المتّسع من البيت يحيط به ثلاثة حيطان ، أو القصر ومنه إيوان كسرى. (المنجد في اللغة والأعلام ، مادة : ايو).

(٢) أنو شروان : هو كسرى الأول أو خسرو أنوشروان ، ملك ساساني ، ٥٣١ ـ ٥٧٩ م ، هو ابن قباذ ، حارب يوستينيانوس واحتلّ أنطاكية. عقد هدنة مع البيزنطيين سنة ٥٥٥ م. استولى على اليمن سنة ٥٧٠ م ، واشتهر بعدله وإصلاحاته. (المنجد في اللغة والأعلام ٤٦٣).

(٣) الصّراة : بالفتح ، يقال للماء إذا كثر مكثه واستنقاعه ، وهو موضع ماء ببغداد قرب نهر دجلة.(معجم البلدان ج ٣ / ص ٤٥٣).

(٤) الجاثليق : أو الجثليق وجمعها جثالقة : هو متقدّم الأساقفة النصارى. لفظ يوناني الأصل.

(٥) النسطورية : أو الآشوريون طائفة من المسيحيين ينتسبون إلى نسطور بطريرك القسطنطينية.

سكنوا الموصل وأرمينيا ، نشروا المسيحية في إيران ، والهند ، والصين. انضم قسم منهم إلى الكثلكة في القرن السادس عشر وهم الكلدان ، تشتتوا بعد الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ م.

(٦) الكوفة : بالضم ، المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ويسمّيها قوم خدّ العذراء. قيل : سمّيت الكوفة لاستدارتها أخذا من قول العرب : رأيت كوفانا للرميلة المستديرة. وقيل : سمّيت الكوفة كوفة لاجتماع الناس بها من قولهم : قد تكوّف الرمل. وقيل : كوفة أي قطعة من الأرض. أما تمصيرها وأوليته فكانت في أيام عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في السنة التي مصرّت فيها البصرة وهي سنة ١٧ ه‍. وقيل : إنها مصرّت بعد البصرة بعامين في سنة ١٩ ه‍.

وكان عمر بن الخطاب قد أمر ببنائها والبصرة. قيل : لما فرغ سعد بن أبي وقاص من وقعة رستم بالقادسية. قال له ابن بقيلة : هل أدلّك على أرض انحدرت عن الفلاة وارتفعت عن المبقّة؟ قال : نعم ، فدلّه على موضع الكوفة اليوم ، وكان يقال له سورستان فأعجبه فولى السائب بن الأقرع وأبا الهيّاج الأسدي خطط الكوفة. (معجم البلدان ج ٤ / ص ٥٥٧).

(٧) سعد بن أبي وقاص. مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري ، من أخوال النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يعتزّ بهذه الخؤولة ، أبو إسحاق ، هو أحد العشرة المبشّرين بالجنة ، وأوّل من رمى بسهم في سبيل الله ، وأحد الستة الذين عيّنهم عمر بن الخطاب للخلافة ، ويقال له : فارس الإسلام.

(٨) عمر بن الخطّاب بن نفيل القرشي العدوي المولود سنة ٤٠ ق. ه / ٥٨٤ م ، أبو حفص ، ثاني ـ

١٦

واختط البصرة عتبة بن غزوان المازني (١) ـ مازن قيس ـ في سنة سبع عشرة وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب.

__________________

ـ الخلفاء الراشدين ، وأول من لقّب بأمير المؤمنين ، الصحابي الجليل ، الشجاع الحازم ، صاحب الفتوحات ، يضرب بعدله المثل. كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم ، وله السفارة فيهم ، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وهو أحد العمرين اللذين كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو ربه أن يعزّ الإسلام بأحدهما ، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ، وشهد الوقائع. قال ابن مسعود : ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر. وقال عكرمة : لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر ، وكانت له تجارة بين الشام والحجاز. بويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر سنة ١٣ ه‍ بعهد منه ، في أيامه تمّ فتح الشام والعراق ، وافتتحت القدس ، والمدائن ، ومصر ، والجزيرة ، حتى قيل : انتصب في مدته اثنا عشر ألف منبر في الإسلام.

وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري ، وكانوا يؤرّخون بالوقائع ، واتخذ بيت مال للمسلمين ، وأمر ببناء الكوفة ، والبصرة فبنيتا ، وأول من دوّن الدواوين في الإسلام ، جعلها على الطريقة الفارسيّة ، لإحصاء أصحاب الأعطيات وتوزيع المرتّبات عليهم. وكان يطوف في الأسواق منفردا. ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم. وكتب إلى عماله : إذا كتبتم لي فابدأوا بأنفسكم. وروى الزهري : كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبّان فاستشارهم يبتغي حدّة عقولهم. وله خطب ورسائل غاية في البلاغة. وكان لا يكاد يعرض له أمر إلّا أنشد فيه بيت شعر. وكان أول ما فعله حين ولي أن ردّ سبايا أهل الردّة إلى عشائرهن.

وقال : كرهت أن يصير السبي سبة على العرب. وكانت الدراهم في أيامه على نقش الكسروية ، وزاد في بعضها : «الحمد لله» وفي بعضها : «لا إله إلا الله وحده» وفي بعضها «محمد رسول الله» ، له في كتب الحديث ٥٣٧ حديثا. وكان نقش خاتمه : «كفى بالموت واعظا يا عمر». وفي الحديث : «اتقوا غضب عمر ، فإنّ الله يغضب لغضبه» لقّبه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالفاروق ، وكنّاه بأبي حفص ، وكان يقضي على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قالوا في صفته : كان أبيض عاجي اللون ، طوالا مشرفا على الناس ، كثّ اللحية ، أنزع (منحسر الشعر من جانبي الجبهة) يصبغ لحيته بالحناء والكتم. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة ، غيلة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح ، عاش بعد الطعنة ثلاث ليال. وكانت وفاته سنة ٢٣ ه‍ / ٦٤٤ م.

(١) عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب الحارثي المازني ، المولود سنة ٤٠ ق. ه / ٥٨٤ م ، أبو عبد الله ، باني مدينة البصرة ، صحابي ، قديم الإسلام. هاجر إلى الحبشة ، وشهد بدرا ، ثم شهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص ، ووجهه عمر إلى أرض البصرة واليا عليها وكانت تسمّى «الأبلّة» أو «أرض الهند» فاختطها عتبة ومصّرها ، وسار إلى ميسان وأبزقباذ فافتتحهما ، وقدم المدينة لأمر خاطب به أمير المؤمنين عمر ، ثم عاد فمات في الطريق سنة ١٧ ه‍ / ٦٣٨ م ، وكان طويلا جميلا من الرماة المعدودين. روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أحاديث.

١٧

واختطت العرب في هاتين المدينتين خططها إلا أن القوم جميعا قد انتقل وجوههم وجلتهم ومياسير تجارهم (١) إلى بغداد.

ولم ينزل بنو أمية العراق لأنهم كانوا نزولا بالشام ، وكان معاوية بن أبي سفيان (٢) عامل الشام لعمر بن الخطاب ، ثم لعثمان بن عفان (٣) عشرين سنة ، وكان ينزل مدينة

__________________

(١) مياسير تجارهم : التجار الأغنياء الموسرين.

(٢) معاوية بن «أبي سفيان» صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، القرشي الأموي المولود سنة ٢٠ ق. ه / ٦٠٣ م ، مؤسس الدولة الأموية في الشام ، أحد دهاة العرب المتميزين الكبار. كان فصيحا حليما وقورا. ولد بمكة ، وأسلم يوم فتحها سنة ٨ ه‍ ، وتعلّم الكتابة والحساب فجعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عداد كتّابه ، ولما ولي أبو بكر ولّاه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان ، فكان على مقدمته في فتح مدينة صيداء ، وعرقة ، وجبيل ، وبيروت. ولما ولي عمر جعله واليا على الأردن ، ورأى فيه حزما وعلما فولّاه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه) وجاء عثمان فجمع له الديار الشامية كلها وجعل ولاة أمصارها تابعين له. قتل عثمان فولي علي بن أبي طالب فوجّه لفوره بعزل معاوية ، علم معاوية بالأمر قبل وصول البريد ، فنادى بثأر عثمان واتّهم علي بن أبي طالب بدمه ، ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين علي. وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام ، وإمامة علي بن أبي طالب في العراق ، ثم قتل علي بن أبي طالب وبويع بعده ابنه الحسن بن علي بن أبي طالب ، فسلّم الخلافة إلى معاوية سنة ٤١ ه‍. ودامت لمعاوية الخلافة إلى أن بلغ سنّ الشيخوخة ، فعهد بها إلى ابنه يزيد ومات في دمشق سنة ٦٠ ه‍ / ٦٨٠ م ، له ١٣٠ حديثا. وهو أحد الفاتحين في الإسلام.

(٣) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، من قريش ، أمير المؤمنين ، ذو النورين ، ثالث الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين. من كبار الرجال الذين اعتز بهم الإسلام في عهد ظهوره. ولد بمكة سنة ٤٧ ق. ه / ٥٧٧ م ، وأسلم بعد البعثة بقليل. وكان غنيا شريفا في الجاهلية. ومن أعظم أعماله في الإسلام تجهيزه نصف جيش العسرة بماله ، فبذل ثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها وتبرع بألف دينار ، وصارت إليه الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة ٢٣ ه‍ ، فافتتحت في أيامه أرمينية ، والقوقاز ، وخراسان ، وكرمان ، وسجستان ، وإفريقيا ، وقبرس ، وأتمّ جمع القرآن ، وكان أبو بكر قد جمعه وأبقى ما بأيدي الناس من الرقاع والقراطيس ، فلما ولي عثمان طلب مصحف أبي بكر وأمر بالنسخ عنه وأحرق كلّ ما عداه. وهو أول من زاد في المسجد الحرام ومسجد الرسول ، وقدم الخطبة في العيد على الصلاة ، وأمر بالأذان الأول يوم الجمعة ، واتخذ الشرطة وأمر بكل أرض جلا عنها أهلها أن يستعمرها العرب المسلمون وتكون لهم. واتخذ دارا للقضاء بين الناس ، وكان أبو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد ، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ١٤٦ حديثا. نقم عليه الناس اختصاصه أقاربه من بني أميّة بالولايات والأعمال ، فجاءته الوفود من الكوفة ، والبصرة ، ومصر ، فطلبوا منه عزل أقاربه ، فامتنع ، فحصروه في داره يراودونه على أن يخلع نفسه ، فلم يفعل ، ـ

١٨

دمشق وأهله معه ، فلمّا غلب على الأمر وصار إليه السلطان (١) جعل منزله وداره دمشق التي بها كان سلطانه ، وأنصاره ، وشيعته.

ثم نزل بها ملوك بني أمية بعد معاوية لأنهم بها نشأوا لا يعرفون غيرها ، ولا يميل إليهم إلا أهلها ، فلمّا أفضت الخلافة إلى بني عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ولد العباس بن عبد المطلب (٢) عرفوا بحسن تمييزهم ، وصحة عقولهم ، وكمال آرائهم فضل العراق ، وجلالتها ، وسعتها ، ووسطها للدنيا ، وأنها ليست كالشام الوبيئة الهواء ، الضيقة المنازل ، الحزنة الأرض ، المتصلة الطواعين ، الجافية الأهل.

ولا كمصر المتغيرة الهواء ، الكثيرة الوباء ، التي إنّما هي بين بحر رطب عفن (٣) كثير البخارات الرديئة التي تولد الأدواء وتفسد الغذاء ، وبين الجبل اليابس (٤) الصلد الذي ليبسه ، وملوحته ، وفساده لا ينبت فيه خضر ولا ينفجر منه عين ماء.

ولا كأفريقية (٥) البعيدة عن جزيرة الإسلام وعن بيت الله الحرام ، الجافية الأهل ، الكثيرة العدو.

__________________

ـ فحاصروه أربعين يوما ، وتسوّر عليه بعضهم الجدار فقتلوه صبيحة عيد الأضحى وهو يقرأ القرآن في بيته بالمدينة. ولقب بذي النورين لأنه تزوج بنتي النبي صلّى الله عليه وسلّم رقية ثم أم كلثوم.

(١) السلطان : الحكم.

(٢) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، ولد سنة ٥١ ق. ه / ٥٧٣ م ، وجد الخلفاء العباسيين ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وصفه : «أجود قريش كفّار وأوصلها ، هذا بقيّة آبائي» وهو عمه ، كان محسنا لقومه ، سديد الرأي ، واسع العقل ، ومولعا بإعتاق العبيد ، كارها للرق ، اشترى ٧٠ عبدا وأعتقهم. كانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام (وهي أن لا يدع أحدا يسب أحدا في المسجد ولا يقول فيه هجرا). أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه ، وأقام بمكة يكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخبار المشركين ، ثم هاجر إلى المدينة ، وشهد وقعة «حنين» فكان ممن ثبت حين انهزم الناس.

وشهد فتح مكة ، وعمي في آخر عمره ، وكان إذا مرّ بعمر أيام خلافته ترجّل عمر إجلالا له ، وكذلك عثمان. أحصي ولده في سنة ٢٠٠ ه‍ ، فبلغوا ٣٣٠٠٠ ، وكانت وفاته في المدينة سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٣ م عن عشرة أولاد ذكور سوى الإناث وله في كتب الحديث ٣٥ حديثا.

(٣) لعله البحر الأحمر.

(٤) لعله جبل المقطّم.

(٥) إفريقيا : وهي القارة المعروفة اليوم وهي بعيدة عن الجزيرة العربية معظم سكانها من السودان وكان فيها البربر وكانوا على عداء مع العرب. (معجم البلدان ج ١ / ص ٢٧٠).

١٩

ولا كأرمينية ، النائية الباردة ، الصردة (١) الحزنة التي يحيط بها الأعداء ، ولا مثل كور الجبل ، الحزنة ، الخشنة ، المثلجة ، دار الأكراد (٢) ، الغيلظي الأكباد.

ولا كأرض خراسان ، الطاعنة في مشرق الشمس ، التي يحيط بها من جميع أطرافها عدوّ كلب ، ومحارب حرب.

ولا كالحجاز (٣) ، النكدة المعاش ، الضيقة المكسب ، التي قوت أهلها من غيرها ، وقد أنبأنا الله عز وجل في كتابه عن إبراهيم خليله عليه السّلام فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) [إبراهيم : ٣٧].

ولا كالتبت ، التي بفساد هوائها ، وغذائها تغيرت ألوان أهلها ، وصغرت أبدانهم ، وتجعّدت شعورهم ، فلما علموا أنها أفضل البلدان نزلوا مختارين لها ، فنزل أبو العباس أمير المؤمنين وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الكوفة أول مرة ، ثم انتقل إلى الأنبار (٤) ، فبنى مدينة على شاطىء الفرات ، وسماها

__________________

(١) الصردة : المرتفعة الجبال الباردة. (المنجد في اللغة والإعلام ، مادة : صرد).

(٢) الأكراد : وهم الذين كان منهم بنو أيوب ملوك مصر بعد الفاطميين. قال في العبر : هم من بني إيران بن أشور بن سام بن نوح عليه السّلام ، قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه «التعريف» ويقال في المسلمين الكرد ، وفي الكفار الكرج ، وحينئذ فيكون الكرد والكرج نسبا واحدا. (صبح الأعشى ج ١ / ص ٤٢٤).

(٣) الحجاز : بالكسر وآخره زاي ، قيل : في الحجاز وجهان : يجوز أن يكون مأخوذا من قول العرب حجز الرجل بعيره يحجره إذا شدّه شدّا يقيّده به ، ويقال للحبل حجاز ، ويجوز أن يكون سمّي حجازا لأنه يحتجز بالجبال. والحجاز جبل يمتدّ حالّ بين الغور غور تهامة ونجد فكأنه منع كلّ واحد منهما أن يختلط بالآخر فهو حاجز بينهما ، وهذه حكاية أقوال العلماء.(معجم البلدان ج ٢ / ص ٢٥٢).

(٤) الأنبار : بفتح أوله ، مدينة قرب بلخ وهي قصبة ناحية جوزجان وبها كان مقام السلطان ، وهي على الجبل ، وهي أكبر من مرو الروذ بالقرب منها ، ولها مياه وكروم وبساتين كثيرة ، وبناؤهم طين ، وبينها وبين شبورقان مرحلة من ناحية الجنوب ، والأنبار : مدينة على الفرات في غربي بغداد ـ ولعلها هي المذكورة في متن هذا الكتاب ـ بينهما عشرة فراسخ ، وكانت الفرس تسمّيها فيروز سابور ، وكان أوّل من عمّرها سابور بن هرمز ذو الأكتاف ، ثم جدّدها أبو العباس السفاح أول خلفاء بني العباس ، وبني لها قصورا وأقام بها إلى أن مات ، وقيل سميت الأنبار لأن بخت نصّر لما حارب العرب الذين لا خلاق لهم حبس الأسرى فيها.

وقيل : الأنبار حدّ بابل سميت به لأنه كان يجمع بها أنابير الحنطة ، والشعير ، والقت ، والتبن ، وكانت الأكاسرة ترزق أصحابها منها ، وكان يقال لها : الأهراء ، فلما دخلت العرب ـ

٢٠