الدكتور أحمد عزّ الدين
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-021-8
الصفحات: ٢١٩
أطروحة الحل
رأينا ما عندنا وما عند الآخرين من رأي في مشكلة القيادة ، واتضحت لنا الصورة بزواياها وأبعادها ، وعلينا الآن أن نفكر قليلاً ونتخذ خطى جادة لإصلاح الحال ، فعلينا أن نعلن للعالم صراحة أن ديننا الكامل ليس فيه ما يحل مشكلات عصرنا السياسية ، ومن ثم فلا حرج في أن نعيش على الفكر المستورد ، كما نعيش على الأغذية والمعلبات المستوردة .
والواقع أن الحركة
الإسلامية في العالم السني تواجه من بين ما تواجه مشكلة أخرى مرتبطة بمشكلة القيادة ارتباطاً قوياً ، وأعني بها مشكلة شكل التحرك والتنفيذ . فالأفكار التي تدور في أذهان
كل من تمنى تنفيذ الاسلام واشتاق لرؤيته حياً من شيوخنا وشبابنا لا تخرج عن ثلاثة :
الأول : الإنقلاب العسكري فذلك مما يؤمن الكثيرون به أسلوباً للتغيير وتنفيذ الإسلام وتطبيق الشريعة . وهؤلاء لم يفهموا قطعاً طبيعة هذا الدين ونظريته . وتجربة باكستان والسودان في هذا دليلي وسندي .
الثاني : العمل السري ، لكننا إذا سألنا أصحابه : هل يمكن ضم كل الشعب الى العمل السري ؟ ولو فرضنا نجاحه فماذا بعد التفجيرات والإغتيالات هنا وهناك ، دون قيادة جامعة ؟ أنا لا أنكر أهمية هذا العمل في المسيرة ، لكنه ينبغي أن يكون محدوداً جداً ولا يسمح به إلا في ظروف خاصة للغاية ، أما الإعتماد عليه كأساس فهذا لا يفيد .
الثالث : إلباس الحركة الإسلامية ثوب الحزبية
تنظيماً وتحركاً على غرار الأحزاب السياسية العاملة في النظم الديمقراطية ، وهي الحفرة العميقة التي وقعت فيها الجماعة الإسلامية في باكستان فلم
تخرج منها منذ عام ١٩٤١ ، بل أوقعت فيها غيرها من التنظيمات كالإخوان المسلمين في مصر وغيرها .
والسالكون لهذا
الطريق يعاملون الإسلام كغيره من نظريات حزب العمل والمحافظين والديمقراطيين وليكود وغيرهم ، فليس الإسلام نظرية تطبق عن طريق البرلمانات وقنوات الأكثرية والأقلية ، وأبسط ما في هذه الطريقة من إشكال أننا لو فرضنا حصول هذه الجماعة أو تلك في مصر أو باكستان أو السودان أو غيرها على أكثرية مقاعد البرلمان ، وهذا في نفسه مستحيل ـ وتمكنت من تطبيق الإسلام أو قوانينه فهل يتم بذلك تغيير النظام نفسه ؟ وإذا قيل نعم وسلمنا بهذا جدلاً ، فماذا سيكون مصير هذه القوانين إذا جاء حزب آخر في البرلمان ، أو انقلب الجيش بتحريض من الخارج أو الداخل وعطل الحياة الدستورية ، وألغى هذه القوانين ؟ هل نسكت على إلغائها ، فنكون قد رضينا بالكفر ؟ أم نخرج في ثورة عارمة دموية دفاعاً عنها ؟ فإن كانت الأولى فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وإن كانت الثورة فلماذا لا نختارها من البداية ، بدلاً
من تضييع العقود بل القرون في تجريب الديمقراطية كوسيلة لتطبيق ما لا يمكن تطبيقه بأساليب غيره من النظريات ؟
وقد تناولت هذه النقطة بقدر من التفصيل في كتيب بعنوان ( بين أسلوب الدعوة وأسلوب التنفيذ ) فليرجع اليه من أراد الاستيضاح ، وما أود التأكيد عليه هنا أنني أعتقد أن الإسلام ليس نظرية رجعية ، ولا حزبية ، بل هو نظرية ثورية شاملة لا يناسبها إلا الأسلوب الثوري في التنفيذ .
ولو افترضنا جدلاً أن جمع الأساليب والطرق الثلاثة المذكورة صالحة لتنفيذ الاسلام وإقامة دولته ، فليس أن أسأل ما هو النظام البديل الذي يستلم السلطة : هل يصلح تطبيق الإسلام في ظل نظام غير إسلامي هو الموجود حالياً ؟ فإن قيل نعم ، وقعنا في معضلة فقهية ما لنا منها مخرج ، وإن قيل لا ، قلنا فماذا عندنا من نظام بديل يملأ الفراغ الذي سيوجد بعد إسقاط النظام القديم ؟
أم تقولون نسقطه أولاً وبعد ذلك تفرج ؟
وأكاد أعتقد أن أطروحة الحل ينبغي أن تكون شاملة تتوفر فيها عناصر الشمولية بحيث تحقق ما يلي :
أولاً : حل مشكلة القيادة .
ثانياً : تبني الأسلوب الثوري لتطبيق الإسلام ، وذلك بقدرتها على السيطرة على رجل الشارع البسيط واجتذابه .
ثالثاً : القضاء على ظواهر الفشل الحركي كظاهرة أمراء وقادة الشقق والحواري ، وزعماء الأحزاب والتنظيمات ، وظاهرة تشكيل التنظيمات التي يحركها قادة أموات في قبورهم .
وأظن ـ وبعض الظن اثم ـ أن هذا الشق من الأطروحة والذي قبله سيكونان سبب رفض المستفيدين تجارياً واجتماعياً لها جملة وتفصيلاً ، حتى قبل مناقشتها وعرضها على الشرع والعقل والقلب .
رابعاً : إقامة النظام البديل الذي يتولى مكان النظام الساقط . وإن كنت أوثر ترك هذه النقطة الآن ، مكتفياً بما يمكن أن يفهمه ذهن القاريء اللبيب عن قدرة هذه الأطروحة على ضمان وتحقيق ذلك .
ولا أحسبن أحداً
يتوقع مني طرح كل التفاصيل أو حتى بعضها ، لأنني لن أهتم بهذا ، إنما سأعرض الخطوط العريضة ،
والسمات العامة فقط . ولا يعني توجيه كلامي الى مصر وأهلها ، أو صياغة الأطروحة حسب ظروف المجتمع المصري ، أنها لا تصلح لغيره بل أظنها تصلح لكثير من المجتمعات بعد شيء من النقص والزيادة هنا أو هناك .
١ ـ تحديد الهوية :
الحركات والتيارات التي تسقط أنظمة وتقيم ، لا بد وأن تتميز بوضوح الرؤيا أياً كانت هذه الرؤيا : وطنية أو دينية أو غير ذلك ، وبدون هذا الوضوح تصبح الحركة كالأطرش في الزفة ، لا يدري أين هو ، ولماذا يجتمع الناس .
وتبسيطاً على
الطالبين أقول إن عناصر قيام الدول واشتداد الحركات لا تخرج عن ( العصبية ) بكل نواحيها ، عصبية عرقية ، أو عصبية مذهبية ، أو لغوية أو غيرها . هذا ما يقوله التاريخ وعلوم السياسة والعمران . والعصبية والتعصب ليس مذموماً في ذاته بل المذموم الطريق الذي يستخدم فيه ، لأن التعصب من حيث هو كذلك إحساس بشري لا ينكر ولا يكبح ، ومثله كمثل بقية المشاعر ، فالغضب مثلاً إحساس بشري إن كان في الله
ولدينه فهو ممدوح يثاب المرء عليه ، وإن كان لكرة القدم أو هذا أو ذاك من الأندية ، فلا شك مذموم . والعصبية كذلك .
فإذا نظرنا الى مجتمعنا المصري وجدناه يفتقر الى هوية ، فهو مجتمع هلامي غير محدد الأطر والمعالم ، فليست فينا عصبية لوطن أو عرق ، ولا تحمس للغة أو مذهب ، وهذا هو المقتل ، لأن مجتمعا بهذا الشكل يصعب على المتحركين فيه تأسيس دولة .
من هنا كان علينا أن نفهم أن أول خطوة نخطوها يجب أن تكون تنمية الحس الوطني والتعصب لهذا الوطن والرغبة في تحريره من الإستعمار بكل ألوانه وأشكاله .
ويجب أن نعرف أننا مستعمرون لا نملك قرارنا في أيدينا ، وأن هذا الإستعمار عسكري وسياسي وإقتصادي وإعلامي وثقافي ، بل وحتى في مجال الطب والأدوية ، ولا أرى هذا الكتاب محلاً لتفصيل ذلك .
والثانية : أن عدم
التحمس لفقه معين ومذهب محدد سم قاتل لا تقوم معه دولة ، فصيحة التحرر من المذاهب براقة في ظاهرها
إذ يقول أصحابها عليكم بالكتاب والسنة ، والكتاب معنا والسنة مدونة ولا حاجة لنا بعد ذلك فنتبع هذا أو ذاك . أي أن كل أحد يستطيع اتباع الكتاب والسنة بنفسه ، وهذا أمر جد خطير أدى الى الفوضى الفكرية والتنظيمية والقيادية التي نراها .
كما أن هذه الدعوة تتضمن تقويض ما بين المسلمين وبين الجهود العلمية والإجتهادية التي أنجزها الأجداد ، لأن عدم الإنتماء الى هذا أو ذاك يبتر المسلمين عن ماضيهم ، ويجعلهم يبدؤون جهود التشريع من جديد إذا قامت لهم دولة .
ثم إن أصحاب هذه النعرة في الوقت الذي ينادون فيه بعدم الإلتزام بأي من الأفقهة ، تراهم يلزمون الناس وفيهم البسطاء وانصاف المتعلمين باتباع آراء فلان وفلان . والنتيجة الطبيعية إذا مشينا وراء هذا التيار أن يصبح في كل شقة فقهاء بعدد أفراد ساكنيها . ولا أشك ذرة في أن هذه الفكرة أدخلها الإنجليز في الإسلام في وقت معين من أجل تفتيت الكيان الإسلامي في كل بلد ، وإدخال المسلمين في طريق شكله جميل لكنه لا يقود الى شيء .
والخلاصة أن أصحاب هذه النظرية ليس لديهم رؤية واضحة ، فلا التصورات الفقهية عندهم واضحة ، ولا الفلسفة السياسية خلف دعواهم مؤطرة ، ولا طرحهم الإجتماعي ـ إن كان لديهم شيء منه ـ مرسوم .
من أجل هذا علينا أن نتخذ موقفاً ونتبنى فقها معيناً جعفرياً كان أو شافعياً أو غير ذلك ، مادام يصلح للقرن العشرين ، ثم نتحمس لتطبيقه وإشاعة أحكامه .
٢ ـ نظام الإجتهاد :
فإن اختارت الأمة لنفسها المذهب الجعفري فلا إشكال إذن لأن قواعد هذا المذهب ، وما فيه من مبادئ حركية كفيلة بحل كل مشكلات المسيرة . وإن اختارت مذهباً آخر فعلينا أولاً أن نغرس في نفوس الناس عامتهم وخاصتهم حب العلماء واحترامهم وإجلالهم ، كما على العلماء بدورهم التعبير عن مشكلات الشعب وأمانيه ووجهة نظره ، وتبني موقفه ، والكلام بلسانه ، والتصرف في المواقف بأسلوب الأحرار وطريقتهم ، لا بطريقة عبيد الحكومة وحاشية السلطان .
وعلينا بعد ذلك أن نشكل مجلساً من مجتهدي المذهب الذي نختاره ، ودرجات الإجتهاد ، وصفات المجتهدين مشروحة مدونة في مظانها فليرجع اليها من أراد ، لكنه لا ينبغي أن يكون المجتهد مجتهداً في الحيض والنفاس وما إليه من الأحكام فحسب ، بل يجب أن يكون كذلك في كل جوانب الحياة وما يتعلق بها من أحكام ، وأن يكون واعياً بسياسة الدولة وقوانينها ، فاهماً للإستراتييجية وعلومها ، مستوعباً للقانون الدولي وطرق تسيير الدولة وقيادة الأمم ، لأن المعركة التي تخاض في سبيل تأسيس دولة الإسلام لن تكون حول أحكام الحيض والنفاس وأحكام المولود والزكاة والمواريث ، بل ستكون معركة نواجه فيها العالم بقواه الكبرى ، التي ستجتمع لإبادة هذا الدين .
إذ من السذاجة أن نتصور أن العالم سيستريح لقيام دولة إسلامية في مصر أو في غيرها .
لا بد إذن أن يكون
المجتهد حياً يعرف ما يدور في زماننا من مشكلات ، ويعي حلولها في ضوء أحكام المذهب والقوانين الدولية ، لأن الشافعي وأبا حنيفة ومالك وغيرهم يرقدون في
قبورهم لا يدرون من أمر دنيانا شيئاً ، فإن أردنا إقامة الدولة على أي من مذاهبهم فلا بد من إحياء نظام الإجتهاد بأن يكون ثمة مجتهدون أحياء يجدون حلولاً لمشكلات عصرنا ، بشرط أن يتوفر فيهم العدالة بشروطها علاوة على الإخلاص وسعة العقل وسلامة الدين وزهد الدنيا وحب الشهادة وشجاعة الفؤاد وحب الوطن ، والقدرة على التصدي للشرق والغرب والإكتمال في جوانب القيادة ، فيكون الواحد منهم زعيماً روحياً وقيادة سياسية حكيمة ومرجعاً فقهياً عاماً .
ثم علينا إنشاء نظام تعليم ديني توضع مناهجه وأسسه بحيث تضمن إنتاج وتخريج أنماط من هؤلاء المجتهدين يقودون الشارع الإسلامي على طريق الحق . ولتكن هذه المدارس أهلية ينفق عليها المسلمون أنفسهم بدلاً من إنشاء بنوك إسلامية ، وشركات استثمار ، وسوبرماركيت ، وغير ذلك من المؤسسات التي تخدم في النهاية نظام الكفر المسيطر عليها وعلى المجتمع .
فإذا توفر لدينا
ثلاثة أو أربعة مجتهدين من هذا النوع ، فعلى أحدهم أن يتصدى لخوض المعركة السياسية لإقامة الدولة
الإسلامية وعلى الآخرين تأييده لا منازعته ولا مخالفته ، على أن يكون هذا المجتهد المتصدي تقياً زاهداً واعياً فاهماً طاهراً نظيف الجيب شريف اليد عفيف النفس ناصع الماضي واضح الرؤية .
هذا على مستوى القيادة . فأما على مستوى القاعدة فينبغي إلزام كل من ليس له رتبة الإجتهاد ، ولا يستطيع النظر في الأدلة الشرعية بتقليد أحد المجتهدين ، وينبغي أن نفهم أن رباط التقليد بين المقلد والمرجع ليس رباطاً واهياً ولا ضعيفاً إنما هو من أقوى الأربطة وأمتن الصلات ، إذ يشد القاعدة بالقمة ، ويربط الفرد العادي بقيادته . والناس وفق هذا النظام أحرار في اختيار من يقلدون ولا إجبار لهم في تقليد هذا من المجتهدين أو ذاك .
٣ ـ الإستقلال الإقتصادي :
استقلال العلماء
إقتصادياً أهم أمر من أمور الحركة ، وبدونه لا يمكن إقامة دولة ونظام من الطراز الذي نتحدث عنه . وفي غياب الإستقلال الإقتصادي نجد أن العلماء ـ وهذا لفظ أستخدمه هنا مجازاً لأن العالم الحقيقي عف اليد شريف النفس ـ أقول نجد
العلماء يختارون واحداً من الطرق الآتية لسد ضروراتهم واحتياجات عوائلهم :
أما الإنسلاك في وظائف الحكومة وهذا يؤدي بهم الى موافقة الحاكم حفاظاً على الرواتب . ولما كان الحاكم وحكومته كما نعلم ، فإن هؤلاء العلماء يضطرون لإرضائه بما يسخط الرب ، وبهذا يخرج كثير منهم عن الجادة .
فإن لم ينسلك العالم في سلك الحكام وأراد أن يلعب في دائرة المعارضين للنظام في الدول التي فيها معارضة إسمية ، نراه يحتاج الى المال ، إذ لا سياسة بلا مال ، ولا نشاط بدون نفقات ، فإذا بمثل هذا يتسكعون أمام السفارات ، ينتهزون النزاعات الدولية والإقليمية فيعرضون خدماتهم على أحد طرفي النزاع ، ويقبضون منه ، ويؤيدونه ولو كان موقفه باطلاً لا شك في بطلانه .
وقد كشفة الحرب بين إيران والعراق لنا كثيراً من هؤلاء . وبهذا يتحول هذا القسم الى تجار دين ، مثلهم مثل القسم الأول لأن كليهما يخدم نظاماً مقابل قرش .
فإن لم يفعل العالم هذا أو تلك ، خرج في إعارة هنا أو هناك ليجمع قرشين يعدل بهما حاله ، ويزوج أبناءه وبناته ، وهذا يحافظ على راتبه بارضاء الدولة المعار منها والمعار اليها ، فلا فرق أيضاً بين هذا ومن سبقوه .
أو تراه مثلاً افتتح له دكاناً اسلامياً في شكل مدرسة أو جامعة اسلامية ، جمع باسمها التبرعات ووجد لها من يمولها ، خاضعاً في ذلك لتنفيذ سياسة الممولين .
هكذا نرى أن الإسم الجامع لهذه الأشكال التعايشية كلها مهما اختلفت وسائلها ودوافعها هو ( التجارة ) ولا شيء غيرها . وهؤلاء لا يمكن لعاقل أن يتوقع منهم مساندة الحق أو التضحية بما هم عليه في سبيل هذا الدين .
فلا بد إذن من تحقيق
الإستقلال الإقتصادي للعلماء في ظل نظام المجتهدين الأحياء ، ولذلك أرى ضرورة دفع الزكاة والصدقات والكفارات من قبل المقلد الى المجتهد الذي يقلده . ولا أرى بأساً في الأخذ بنظام الخمس كما في المذهب الجعفري ، وهو أن يدفع كل مقلد خمس ماله المتبقى بعد أن يدخر له ولأولاده ما
يكفي مؤونة عام . ثم يقوم المجتهدون بالإنفاق من هذا المال المجتمع لديهم وهو كثير ، على أنفسهم بالمعروف ، وعلى بقية العلماء وطلاب المدارس الدينية والحركة الإسلامية وما تحتاجه .
وهكذا يتحقق الإستقلال الإقتصادي للعلماء ، فإذا تحقق هذا استطاعوا الوقوف في وجه الظالمين ، بدلاً من مساندتهم وإرضائهم بما يسخط الله .
٤ ـ حركة المتحركين :
في ظل هذا النظام
يطلق للأفراد المقلدين حرية الإبتكار في الحركة عن طريق تشكيل تنظيمات وأندية وإتحادات وجمعيات ذات أشكال مختلفة وأهداف ومقاصد متباينة ، لا تتناقض فيما بينها وإن تعددت . هذه التنظيمات العلنية تنتشر في جسد المجتمع وتمتد الى الحواري في كل مكان لتجذب اليها رجل الشارع . ففي وجود هذه الأشكال التحركية لا يستطيع الفرد العادي أن يفلت من الإرتباط بالقيادة العامة للحركة ، فلا يتعثر جهده خارجها . فهذا فرد أعجبته جمعية لتحفيظ القرآن شكلها أتباع
هذا المجتهد أو ذاك فانضم إليها ، وآخر جذبته جمعية ثقافية ، وثالث انضم لمنبر سياسي ، ورابع الى تنظيم يهتم بحقوق الإنسان ، وخامس الى نقابة عمالية أو تجارية ، وكل هؤلاء نجد جهودهم تنصب في النهاية في إطار المرجعية العامة ، فلا يفلت من التنظيم العام أحد ، لأن أي جماعة يختارها المرء للعمل وفق إمكاناته وقدراته ومواهبه ستوصله في النهاية الى نفس الطريق الذي يسلكه غيره ، لأن الحركة يسيطر عليها قيادة واحدة .
هكذا نجد أن هذه الأطروحة تحقق ما يلي :
١ ـ وحدة القيادة .
٢ ـ سير الحركة وفق الخط السليم وفي إشراف المرجع الأعلى .
٣ ـ إذابة كل التنظيمات التي على الساحة في داخل تنظيم واحد .
٤ ـ إختفاء ظاهرة أمراء الحواري ومفتيي الشقق .
٥ ـ تأسيس دولة داخل الدولة ونظام في قلب النظام .
٦ ـ توفير الإستقلال الإقتصادي للعلماء ، وبالتالي تشجيعهم على مواجهة الظلم والظالمين .
٧ ـ ضمان عدم تأثير أي ضربة توجهها السلطة للمتحركين خشية من رد فعل القيادة .
٨ ـ غالباً ما تشل هذه الأطروحة قدرة النظام على التنكيل بالعاملين ، لأن القيادة إذا أصدرت أمرها ـ وهو عند المقلدين له احترامه وينبغي أن يطاع ـ أمكنها أن تنزل الى الشارع مليونين من المقلدين وهو كابوس مخيف بالنسبة للنظام ، أي نظام .
٩ ـ تحويل الحركة الى حركة قوية لها قدرة على التصدي للأمور ، والتعامل مع النظام نداً لند .
١٠ ـ حل مشكلة القيادة ، وتنظيم درجاتها لأن التنظيمات المنتشرة في جسد المجتمع ستنتج قيادات حركية متنوعة ، منها ما يصلح للصف الثاني ومنها ما ينفع للصف الثالث والرابع عند اقتضاء الضرورة ، فتتحول الى مستودع ضخم يدفع الى المجتمع بملايين الأتباع المقلدين ، وآلاف القادة ، ومئات أساليب التحرك .
وهناك كثير وكثير من الاهداف التي يمكن أن تحققها هذه الأطروحة ، أمسكنا عنه خشية الإطالة . وإن كان لي من قول بعد ذلك ، فهو أني على يقين من معارضة طائفة التجار لها ، لأنها ستمنع اتجارهم بالدين وبناء الأبهمة الذاتية والأوضاع الإجتماعية الشخصية .
ومع هذا فكلي أمل في أن يستجيب لها المخلصون الذين يشعرون بالأزمة التي تعاني منها الحركة الإسلامية ، ويبحثون لها عن حل يخرجها وأصحابها من المستنفع الذي طال رقادها فيه .
* *
المُحتَويَات
المقدمة ...................................................................... ١١
القيادة إمامة وخلافة .......................................................... ١٥
صياغة الفكر السياسي ........................................................ ٢٣
القيادة في ضوء ممارسات الجيل الأول ........................................... ٤١
بيعة أبي بكر ( رض ) ......................................................... ٤٤
بيعة عمر بن الخطاب ( رض ) ................................................. ٧٢
بيعة عثمان بن عفان ( رض ) ................................................. ٨١
مدة التشاور ثلاثة أيام ........................................................ ٨٧
معاوية والثورة المضادة ........................................................ ١٠٣
فكرنا السياسي إسلامي أم سلطوي ؟ ......................................... ١٢٧
هذا النقد ليس تجنياً ......................................................... ١٣٦
انقسام الأمة والقيادة ........................................................ ١٥٣
الرأي الآخر ................................................................ ١٧٥
اطروحة الحل ............................................................... ٢٠١
تحديد الهوية ................................................................ ٢٠٦
نظام الإجتهاد .............................................................. ٢٠٩
الاستقلال الإقتصادي ....................................................... ٢١٢
حركة المتحركين ............................................................. ٢١٥
* *