الشيخ محمّد حسين المظفّر
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٨٧
وتوفي محمّد بن جعفر في خراسان فركب المأمون ليشهده فلقيهم وقد خرجوا به ، فلمّا نظر الى السرير نزل فترجّل ومشى حتّى دخل بين العمودين فلم يزل بينهما حتّى وضع ، فتقدّم وصلّى عليه ، ثمّ حمله حتّى بلغ به القبر ، ثمّ دخل قبره فلم يزل فيه حتّى بني عليه ، ثمّ خرج فقام على القبر حتّى دفن ، فقال له عبد الله ابن الحسين ودعا له : يا أمير المؤمنين إنك قد تعبت اليوم فلو ركبت ، فقال المأمون : إن هذه رحم قطعت من مائتي سنة.
وكان عليه دين كثير فأراد إسماعيل بن محمّد اغتنام هذه الفرصة من المأمون ليسأله قضاء دينه ، فقال لأخيه وهو الى جنبه والمأمون قائم على القبر : لو كلّمناه في دين الشيخ ، فلا نجده أقرب منه في وقته هذا ، فابتدأهم المأمون فقال : كم ترك أبو جعفر من الدين؟ فقال له إسماعيل : خمسة وعشرين ألف دينار ، فقال له : قد قضى الله عنه دينه ، الى من أوصى؟ فقالوا له : الى ابن له يقال له يحيي بالمدينة ، فقال : ليس هو بالمدينة هو بمصر ، وقد علمنا بكونه فيها ولكن كرهنا أن نعلمه بخروجه من المدينة لئلاّ يسوؤه ذلك ، لعلمه بكراهتنا لخروجه عنها (١)
علي :
بلغ علي بن جعفر من الجلالة شأوا لا يلحق ، ومن الفضل محلاّ لا يسبق ، وأمّا حديثه وثقته فيه ، فهو ممّا لا يختلف فيه اثنان ، ومن سبر كتب الحديث عرف ما له من أخبار جمّة يرويها عن أخيه الكاظم عليهالسلام تكشف عن علم ومعرفة.
__________________
(١) إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : ٢٨٧.
وقال فيه الشيخ المفيد طاب ثراه في إرشاده : وكان علي بن جعفر راوية للحديث ، سديد الطريق ، شديد الورع ، كثير الفضل ، ولزم أخاه موسى عليهالسلام ، وروى عنه شيئا كثيرا من الأخبار ، وقال في النصّ عليه ، وكان شديد التمسّك به ، والانقطاع إليه ، والتوفّر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات سماعا عنه ، والنصّ على أخيه الكاظم عليهالسلام روى من أخويه إسحاق وعلي ابني جعفر ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان.
ومن شدّة ورعه اعترافه بالأئمة بعد أخيه الكاظم عليهالسلام مع كبر سنّه وجلالة قدره ، وكبير فضله ، ولم تثنه هذه الشؤون عن الاعتراف بالحقّ والعمل به ، بل زادته بصيرة وهدى.
كان رجل يظنّ فيه علي بن جعفر أنه من الواقفة سأله عن أخيه الكاظم فقال له علي : إنه قد مات ، فقال له السائل : وما يدريك بذلك؟ قال له :
اقتسمت أمواله ، ونكحت نساؤه ، ونطق الناطق بعده ، قال : ومن الناطق بعده؟ قال علي : ابنه ، قال : فما فعل؟ قال له : مات ، قال : وما يدريك أنه مات؟ قال علي : قسّمت أمواله ، ونكحت نساؤه ، ونطق الناطق من بعده ، قال : ومن الناطق من بعده؟ قال علي : ابنه أبو جعفر ، فقال له الرجل : أنت في سنّك وقدرك وأبوك جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، تقول هذا القول في هذا الغلام ، فقال له علي : ما أراك إلاّ شيطانا ، ثمّ أخذ علي بلحيته فرفعها الى السماء ثمّ قال : فما حيلتي إن كان الله رآه أهلا لهذا ولم ير هذه الشيبة لهذا أهلا (١).
__________________
(١) الكشي : ص ٤٢٩ / ٨٠٣.
هذا لعمر الحقّ هو الورع ، ورضوخ النفس للحق ، وعدم الاغترار بشئون التقدم من الفضل والسنّ والجلالة ، التي قد تغترّ النفس الأمّارة بما دونها من الخصال العالية.
وكان يعمل أبدا مع أبي جعفر عمل المأموم العارف بمنزلة الإمام ، دون أن يحجزه عن هذا أنه عمّ أبيه ، بل ربّما تمنّى أن يفديه بنفسه ، أراد أبو جعفر عليهالسلام ليفتصد ودنا الطبيب ليقطع له العرق ، فقام علي بن جعفر فقال : يا سيّدي يبد أني لتكون حدّة الحديد فيّ قبلك ، ثمّ أراد أبو جعفر عليهالسلام النهوض فقام علي بن جعفر فسوّى له نعليه حتّى يلبسهما (١).
ودخل أبو جعفر عليهالسلام يوما مسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فلمّا بصر به علي بن جعفر وثب بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه فقال له أبو جعفر :
يا عمّ اجلس رحمك الله ، فقال : يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم ، فلمّا رجع أبو جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ، فقال : اسكتوا اذا كان الله عزّ وجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه أنكر فضله ، نعوذ بالله ممّا تقولون ، بل أنا له عبد (٢).
هذه هي النفس القدسيّة التي عرفت الحقّ فاتّبعته ، وما اقتفت أثرا الحميّة والعصبيّة ، واغترّت بالنفس ، بل كان من حبّ النفس أن يطيع المرء خالقه جلّ شأنه في أوليائه واولي الأمر من عباده.
هذه بعض حال علي بن جعفر التي تكشف عمّا انطوى عليه ضميره من
__________________
(١) الكشي : ٤٢٩ / ٨٠٤.
(٢) الكافي ، كتاب الحجّة ، باب النصّ على أبي جعفر الثاني عليهالسلام ، ولا يراد من العبوديّة في مثل المقام الرقية والملكيّة ، بل الطاعة والامتثال : ١ / ٣٢٢ / ١٢.
القدس والنسك والطاعة والعلم بالله وبالحجج من خلقه.
وكان رضوان الله عليه يسمّى بالعريضي ، نسبة الى العريض ـ بضم وفتح ـ محلّ قرب المدينة كان يسكنه ، وبه مات إسماعيل ، ولعلي أولاد ينسبون إليه بعنوان العريضي.
العبّاس :
قال الشيخ المفيد رحمهالله في إرشاده : وكان العبّاس بن جعفر رحمهالله فاضلا نبيلا (١) قلت : ولم أظفر بشيء من أحواله غير هذه النبذة التي أوردها الشيخ المفيد طاب رمسه.
موسى الكاظم عليهالسلام :
وهو الامام بعد أبيه الصادق عليهالسلام على رأي الاماميّة وعسى أن نتوفّق يوما لتأليف كتاب في حياته ، ومنه تعالى نستمدّ المعونة والتوفيق.
* * *
__________________
(١) إرشاد الشيخ المفيد : ٢٨٧.
رواته
كان رواة أبي عبد الله عليهالسلام أربعة آلاف أو يزيدون كما أشرنا إليه غير مرّة ، قال الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد : فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقامات ، فكانوا أربعة آلاف رجل (١) ، وذكر ابن شهرآشوب أن الجامع لهم ابن عقدة وزاد غيره أن ابن عقدة ذكر لكلّ واحد منهم رواية ، وأشار الى عددهم الطبرسي في أعلام الورى ، والمحقق الحلّي في المعتبر ، وذكر أسماءهم الشيخ الطوسي طاب رمسه في كتاب الرجال.
ولا يزيده كثرة الرواة عنه رفعة وجلالة قدر ، وإنما يزداد الرواة فضلا وعلوّ شأن بالرواية عنه ، نعم إنما يكشف هذا عن علوّ شأنه في العلم وانعقاد الخناصر على فضله من طلاّب العلم والفضيلة على اختلافهم في المقالات والنحل.
أعلام السنّة :
أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمتهم ، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الاستاذ ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم متّفقون على إمامته وجلالته
__________________
(١) الارشاد للمفيد : ٢٧١.
وسيادته ، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع ، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها ، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل ، ونحن اولاء نورد لك شطرا من اولئك الأعلام.
أبو حنيفة :
منهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل ولد بالكوفة ، وبها نشأ ودرس ، وكانت له فيها حوزة وانتقل الى بغداد وبها مات عام ١٥٠ ، وقبره بها معروف ، وهو أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنّة ، وحاله أشهر من أن يذكر.
وأخذه عن الصادق عليهالسلام معروف ، وممّن ذكر ذلك الشبلنجي في نور الأبصار ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، وابن الصبّاغ في الفصول ، الى غير هؤلاء ، وقال الآلوسي في مختصر التحفة الاثنى عشريّة ص ٨ : وهذا أبو حنيفة وهو هو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : « لو لا السنتان لهلك النعمان » يريد السنتين اللتين صحب فيها ـ لأخذ العلم ـ الامام جعفر الصادق عليهالسلام.
مالك بن أنس :
ومنهم مالك بن أنس المدني أحد المذاهب الأربعة أيضا ، قال ابن النديم في الفهرست : هو ابن أبي عامر من حمير وعداده في بني تيم بن مرّة من قريش ، وحمل به ثلاث سنين ، وقال : وسعى به الى جعفر بن سليمان العبّاسي وكان والي المدينة فقيل له : إنه لا يرى ايمان بيعتكم. فدعى به وجرّده وضربه أسواطا ومدّده فانخلع كتفه وتوفى عام ١٧٩ عن ٨٤ سنة ، وذكر مثله ابن خلكان.
وأخذه عن أبي عبد الله عليهالسلام معلوم مشهور ، وممّن أشار الى ذلك النووي في التهذيب ، والشبلنجي في نور الأبصار ، والسبط في التذكرة ، والشافعي في المطالب ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن الصبّاغ في الفصول ، الى ما سوى هؤلاء.
سفيان الثوري :
ومنهم سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ورد بغداد عدّة مرّات ، وروى عن الصادق عليهالسلام جملة أشياء ، وأوصاه الصادق بأمور ثمينة مرّت في الوصايا ، وناظر الصادق في الزهد كما سلف ، وارتحل الى البصرة وبها مات عام ١٦١ ، وولادته في نيف وتسعين ، قيل شهد وقعة زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبد الملك.
جاء أخذه عن الصادق عليهالسلام في التهذيب ، ونور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ، والفصول المهمة ، وغيرها ، وذكره الرجاليّون من الشيعة في رجاله عليهالسلام.
سفيان بن عيينة :
ومنهم سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام ١٠٧ ومات بمكّة عام ١٩٨ ، ودخل الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة.
ذكر أخذه عن الصادق عليهالسلام في التهذيب ، ونور الأبصار ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ، والفصول ، وما سواها ، وذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة أيضا.
يحيى بن سعيد الأنصاري :
ومنهم يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي ، كان قاضيا للمنصور في المدينة ، ثمّ قاضي القضاة ، مات بالهاشميّة عام ١٤٣.
انظر المصادر المتقدّمة في روايته عن الصادق عليهالسلام وما عداها كما ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.
ابن جريح :
ومنهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكّي ، سمع جمعا كثيرا من العلماء ، وكان من علماء العامّة ، الذين يرون حلّيّة المتعة كما رأى حلّيتها آخرون منهم ، وجاء في طريق الصدوق في باب ما يقبل من الدعاوى بغير بيّنة ، وجاء في الكافي في باب ما أحلّ الله من المتعة سؤال أحدهم من الصادق عليهالسلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن عنده منها علما ، فأتاه فأملى عليه شيئا كثيرا عن المتعة وحلّيّتها.
وقال ابن خلكان : عبد الملك أحد العلماء المشهورين ، وكانت ولادته سنة ٨٠ للهجرة وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور ، وتوفى سنة ١٤٩ وقيل ١٥٠ ، وقيل ١٥١.
وذكرت المصادر السابقة أخذه عن الصادق عليهالسلام ، كما ذكرته رجال الشيعة.
القطّان :
ومنهم أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري ، كان من أئمة الحديث بل
عدّ محدّث زمانه ، واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم ، توفى عام ١٩٨ ، وحكي عن ابن قتيبة عداده في رجال الشيعة ، ولكن الشيعة لا تعرفه من رجالها.
ذكره في رجال الصادق عليهالسلام التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ ، وابن داود ، والنجاشي ، وغيرهم من الشيعة.
محمّد بن إسحاق :
ومنهم محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير ، ومدنيّ سكن مكّة ، أثنى عليه ابن خلكان كثيرا ، وكان بينه وبين مالك عداء ، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر ، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي.
وقدم بغداد وبها مات عام ١٥١ على المشهور ، ذكر أخذه عن الصادق في التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ في رجاله ، والعلاّمة في الخلاصة ، والكشي في رجاله ، وغيرهم من الشيعة.
شعبة بن الحجّاج :
ومنهم شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وقيل كان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد الله.
وعدّه في أصحاب الصادق عليهالسلام جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب ، والصواعق ، والحلية ، والينابيع ، والفصول ، والتذكرة وغيرها ، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضا.
أيوب السجستاني :
ومنهم أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري ، وقيل السختياني ، والأول أشهر ، مولى عمّار بن ياسر وعدّوه في كبار الفقهاء التابعين ، مات عام ١٣١ بالطاعون بالبصرة عن ٦٥ سنة.
عدّه في رجال الصادق عليهالسلام في نور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والحلية ، والفصول ، وغيرها ، وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه أيضا.
وهؤلاء بعض من نسبوه الى تلمذة الصادق عليهالسلام من أعلام السنّة وفقهائهم البارزين ، وقد عدّوا غير هؤلاء فيهم أيضا ، انظر في ذلك حلية الأولياء ، على أن غير أبي نعيم أشار الى غير هؤلاء بقوله وغيرهم ، أو ما سوى ذلك ممّا يؤدّي هذا المفاد.
* * *
مشاهير الثقات من رواته
من الشيعة
اذا كان الرواة الثقات الذين أحصتهم كتب الرجال أربعة آلاف أو يزيدون فليس من الصواب أن نذكرهم جميعا هاهنا ، على أن كتب الرجال قد استقصت اكثرهم ذكرا وترجمة ، كما أنه ليس من الصحيح إهمالهم فإن استطراد ذكرهم دخيل في القصد ، فرأينا أن نذكر المشاهير عن ثقاتهم خاصّة فإن به إيرادا لناحية من نواحي حياته عليهالسلام ، وبعدا عن السعة المملّة.
أبان بن تغلب :
أبو سعد أبان بن تغلب الكبرى الجريري ، روى عن السجّاد والباقر والصادق عليهمالسلام ومات أيام الصادق عليهالسلام ١٤١ ، وقيل عام ١٤٠ ، ولمّا بلغ نعيه أبا عبد الله عليهالسلام قال : « أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان » وهذا ينبيك عن كبير مقامه لديه ، وعظيم منزلته عنده ، يا ترى ما شأن من يوجع موته قلب الصادق عليهالسلام؟
وكان غزير العلم قويّ الحجّة ، ويشهد لذلك قول الباقر عليهالسلام له : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني احبّ أن يرى في شيعتي مثلك. وقول الصادق عليهالسلام له : ناظر أهل المدينة فإني احبّ أن يكون مثلك من
رجالي.
فلو لم يكن بتلك الغزارة من الفضل ، والقوّة في الحجّة ، لما عرّضاه لتلك المآزق والمخاطر ، فإن فشله فشل لهما.
وقد روى عن الصادق فحسب ثلاثين ألف حديث ، كما أخبر عن ذلك الصادق نفسه ، وأمر أبان بن عثمان أن يرويها عنه.
وما كان متخصّصا بالحديث والكلام فحسب بل كان متضلّعا في عدّة علوم جليلة ، كالتفسير والأدب واللغة والنحو والقراءة ، وسمع من العرب وحكى عنهم وصنّف كتاب الغريب في القرآن ، وذكر شواهده من الشعر.
ومن سموّ مقامه اتّفاق الفريقين على وثاقته ، فقد وثّقه جهابذة القوم في الحديث مع اعترافهم بتشيّعه ، منهم أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي وابن عدي وابن عجلان والحاكم والعقيلي وابن سعد وابن حجر وابن حيّان وابن ميمونة والذهبي في ميزان الاعتدال ، وعدّوه في التابعين ، وكفى بهذا دلالة على بلوغه من الوثاقة والفضل حدّا لا يسع أحدا إنكاره.
أبان بن عثمان :
أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي ، كان يسكن الكوفة مرّة ، والبصرة اخرى ، وقد أخذ عنه أهل البصرة أمثال أبي عبيدة معمّر بن المثنى ، وأبي عبد الله محمّد بن سلام ، واكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام.
روى عن الصادق والكاظم عليهماالسلام ، وله كتاب كبير حسن يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردّة ، هكذا قال النجاشي.
وهو من الستة أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام ، الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وهم جميل بن درّاج ، وعبد الله
بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان هذا.
إسحاق الصيرفي :
إسحاق بن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي ، كان من الثقات الذين رووا الحديث عن الصادق وابنه الكاظم عليهماالسلام ، واخوته يونس ويوسف وإسماعيل ، وهو بيت كبير من الشيعة ، وابنا أخيه علي وبشير ابنا إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث ، وكان الصادق اذا رآه ورأى أخاه إسماعيل قال : « وقد يجمعهما لأقوام » يعني الدنيا والآخرة ، لأنهما كانا من ذوي الثروة والمال الوافر ويصلان به أصحابهما وينيلان منه ، ورويت فيه مدائح اخرى.
السكوني :
إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، والسكون حيّ من عرب اليمن ، قيل إنه كان قاضيا في الموصل ، وكان ثقة في الرواية وقد أجمع أصحابنا على العمل بروايته وذكر بعض الرجاليّين أنه عامّي ولم يثبت ، وله حديث كثير في الفقه ، وكلّه معمول به اذا صحّت الرواية إليه.
إسماعيل الصيرفي :
إسماعيل بن عمّار بن حيّان الصيرفي الكوفي ، أخو إسحاق المتقدّم الذكر ، وقد سبق في إسحاق قول الصادق عليهالسلام اذا رآهما : « وقد يجمعهما لأقوام » والذي يزيد في علوّ شأنه ما رواه في الكافي في باب البرّ بالوالدين في الصحيح عن عمّار بن حيّان أبي إسماعيل هذا ، قال : أخبرت أبا عبد الله عليهالسلام ببرّ
إسماعيل ابني فقال عليهالسلام : « لقد كنت أحبّه ولقد ازددت له حبّا » وكفاه هذا فضلا وعلوّا.
بريد العجلي :
بريد بن معاوية العجلي ، كان ممّن روى عن الباقر والصادق عليهماالسلام معا ، ومات في أيام الصادق عليهالسلام ، وقد بلغ من الجلالة وعظم الشأن عند أهل البيت حدّا فوق الوثاقة ، وارتقى مقاما لديهم يعجز القلم عن وصفه ، وكيف ترى منزلة من يقول الصادق عليهالسلام في حقّه : « أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة : محمّد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين » ، ويقول في حديث : « إن أصحاب أبي كانوا زينا أحياء وأمواتا ، أعني زرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ، ومنهم ليث المرادي ، وبريد العجلي ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء القوّامون بالصدق ، هؤلاء السابقون السابقون اولئك المقرّبون » وقال فيهم في حديث آخر : « أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه » ويقول في آخر : « هؤلاء حفّاظ الدين وامناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة » الى كثير أمثال هذا من التقريظ والمدح ، وهو من أصحاب الباقر عليهالسلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه.
بكير بن أعين :
بكير بن أعين الشيباني أخو زرارة ، روى عن الباقر والصادق معا عليهماالسلام ، ومات في حياة الصادق ، ولمّا بلغه خبر موته قال كما رواه الكشي ص ١٢٠ « أما والله لقد أنزله الله بين رسول الله وأمير المؤمنين صلوات
الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين » وذكره الصادق عليهالسلام يوما فقال : « رحم الله بكيرا وقد فعل » يقول عبيد الله بن زرارة : فنظرت إليه وقد كنت يومئذ حديث السن ، فقال عليهالسلام : اني أقول إن شاء الله ، وكفى هذا شهادة له بعلوّ الدرجة ، وسموّ المقام ، وهو من ثقات أولاد أعين وصلحائهم وما اكثر فيهم الثقات الصلحاء ، وقد روى عنه عدّة من الثقات.
أبو حمزة الثمالي :
أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار ، روى عن السجّاد والباقر والصادق عليهمالسلام ، وبقي الى زمن الكاظم عليهالسلام ، قيل مات عام ١٥٠ ، فتكون وفاته بعد مضي سنتين من إمامة الكاظم وقيل أدرك موت المنصور عام ١٥٨.
وكان أبو حمزة من جلالة القدر وعظم المنزلة بالمحلّ الأرفع حتّى قال فيه الرضا عليهالسلام « أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه ، وذلك أنه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وبرهة من عصر موسى ابن جعفر عليهمالسلام » وفي اخرى « كسلمان الفارسي في زمانه ».
وأرسل إليه الصادق عليهالسلام وكان أبو حمزة بالبقيع فقال له بعد أن جاء : « إني لأستريح اذا رأيتك » وقال فيه أبو الحسن موسى عليهالسلام : « كذلك يكون المؤمن اذا نوّر الله قلبه » الى ما سوى هذه من كلمات الأئمة فيه ، التي دلّت على تقديرهم له وإعجابهم به.
وهو الراوي للدعاء الطويل العظيم الشأن في بلاغته ومقاصده العالية عن زين العابدين عليهالسلام الذي يقرأ في سحر شهر رمضان ، المعروف بدعاء أبي حمزة. وقد وثّقه أهل السنّة أيضا ورووا عنه.
جابر الجعفي :
جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ، روى عن الباقر والصادق عليهماالسلام وقضي نحبه أيام أبي عبد الله عليهالسلام عام ١٢٨ وقيل عام ١٣٢ ، وقد روى عن الباقر خاصّة سبعين ألف حديث ، ومن تتبّع أحاديثه عرف أنه كان ممّن يحمل أسرارهما ، ويروي الكرامات الباهرة لهما.
أمره الباقر عليهالسلام بإظهار الجنون فأظهره ، فكان يدور في رحبة مسجد الكوفة والصبيان حوله وهو يقول : أجد منصور بن جمهور أميرا غير مأمور ، فما مضت الأيام حتّى ورد من هشام بن عبد الملك الى واليه بالكوفة أن انظر رجلا يقال له جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه ، فالتفت الى جلسائه وسألهم عن جابر ، فقالوا : كان رجلا له فضل وعلم وحديث وحجّة فجن ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب فأشرف عليه فاذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله ، ومن ثمّ انكشف السرّ في أمر الباقر عليهالسلام له بإظهار الاختلاط ، ثمّ لمّا اطمأنّ عاد الى حالته الاولى ، ولم تمض الأيام حتّى كان ما قاله في منصور بن جمهور.
وذكر اليعقوبي في تاريخه ( ٣ : ٨١ ) حديثا عن جابر وإخباره عمّا سيقع من أمر بني العبّاس والدعوة لهم وشأن قحطبة فيها ، وكان قحطبة بالقرب منهم يستمع فأشار إليه جابر ، وقال : لو أشاء أن أقول هو هو لقلت.
ومن هذا ومثله تعرف أنه كان مستودع الأسرار ، وجاءت فيه مدائح جمّة وترحّم عليه الصادق عليهالسلام ، وقيل إنه ممّن انتهى إليه علم الأئمة عليهمالسلام ، ولذلك ترى أرباب الحديث والرجال من العامّة بين موثّق له وطاعن فيه بأنه رافضي غال يقول بالرجعة ، مع اعتراف الذهبي بأنه من اكبر
علماء الشيعة.
جميل بن درّاج :
جميل بن درّاج بن عبد الله النخعي روى عن الصادق والكاظم عليهماالسلام ، وكفّ بصره آخر عمره ، ومات أيام الرضا عليهالسلام وهو من الستة أصحاب الصادق عليهالسلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه ، وسبق في أبان بن عثمان عدّهم وقيل إن جميلا كان أفقههم.
وجاءت فيه مدائح تكشف عن علوّ في الدرجة ، منها أن الصادق عليهالسلام تلا هذه الآية : « فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين » (١) ثمّ أهوى بيده الى جماعة كانوا عنده وفيهم جميل بن درّاج ، فقالوا :
أجل جعلنا الله فداك لا نكفر بها ، وكان معروفا بالعبادة وطول السجود.
الحارث بن المغيرة النصري :
الحارث بن المغيرة النصري ، روى عن الباقر والصادق والكاظم عليهم سلام الله ، وكان من ذوي الدرجات الرفيعة ، كما شهدت بذلك عدة أحاديث ، منها قول الصادق عليهالسلام لجماعة منهم يونس بن يعقوب : « أما لكم من مستراح تستريحون إليه ، ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري » على أن يونس بن يعقوب كان من ذوي المنازل العالية ، ومع علوّ شأنه أمره الصادق بالرجوع الى الحارث ، والشواهد على جلالته وعلوّ منزلته كثيرة.
__________________
(١) الأنعام : ٨٩.
حريز :
حريز بن عبد الله الأزدي الكوفي السجستاني ، ونسب الى سجستان لإكثاره السفر والتجارة إليها فعرف بها ، وكان من فقهاء الرواة وله عدّة كتب في الفقه وقد روى عن الصادق عليهالسلام مشافهة وبالواسطة أخبارا كثيرة ، وقيل إنه لم يرو عن الصادق عليهالسلام مشافهة إلاّ حديثين ، ولكن هذا الزعم يخالف ما هو مرويّ عنه في كتب الفقه بلا واسطة ، ومن سبر كتب الحديث عرف أنه كثير الرواية عنه مشافهة ، وكتبه تعدّ من الاصول ، وقد قتل في سجستان في جماعة من الشيعة ، وسبب ذلك أن له أصحابا يقولون بمقالته ، وكان الغالب على أهل سجستان الشراة ـ الخوارج ـ وكان أصحاب حريز يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين عليهالسلام وسبّه ، فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك فيأذن لهم ، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل ، فلا يتوهّمون على الشيعة لقلّة عددهم ، ويطالبون المرجئة ويقاتلونهم ، وما زال الأمر هكذا حتّى وقفوا على الأمر فطلبوا الشيعة ، فاجتمع أصحاب حريز إليه في المسجد ، فهدموا عليهم حيطان المسجد وقلبوا أرضه عليهم ، رحمة الله عليهم.
حفص بن سالم :
أبو ولاد الحنّاط حفص بن سالم الجعفي مولاهم الكوفي ، كان ممّن روى عن الصادق عليهالسلام ، وله أصل رواه عنه عدّة من الثقات ، وهو متّفق على وثاقته ، ولم يغمز فيه أحد بشيء.
وقيل : خرج مع زيد وصوّب خروجه الصادق عليهالسلام وليس تصويبه بمستغرب ، وإنما كان يدع أمر زيد لئلاّ ينسب إليه فيكون هدفا لبلاء نبي اميّة.
حفص بن غياث القاضي :
حفص بن غياث النخعي الكوفي القاضي ، ولّى القضاء لهارون الرشيد ببغداد الشرقيّة ، ثمّ ولاّه قضاء الكوفة ، وبها مات عام ١٩٤ كما ذكر ذلك النجاشي ، وذكر أن كتابه الذي يرويه عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام مائة وسبعون حديثا أو نحوهما.
وهو على الأشهر عامّي المذهب ثقة في الرواية ، وقد أجمعت الطائفة على العمل برواية جماعة ليسوا من الشيعة ، وحفص أحدهم وليس التشيّع السبب الوحيد لقبول الرواية ، وإنما المدار على وثاقة الراوي مهما كان مذهبه.
وربّما استظهر بعضهم من رواياته أنه شيعي إمامي ، ولكن العامّية عنه أشهر ، وكان اذا حدّث عن الإمام الصادق عليهالسلام يقول : « حدّثني خير الجعافرة جعفر بن محمّد » ولا يخفى عليك أن مثل هذا البيان من الراوي يرشدنا الى عدم تشيّعه ، إلاّ أن يريد إخفاء تشيّعه.
حمّاد بن عثمان :
حمّاد بن عثمان بن زياد الرواسي الكوفي الملقّب بالناب ، روى عن الصادق والكاظم والرضا عليهمالسلام ، مات بالكوفة عام ١٩٠ وله كتاب يرويه عنه عدّة من الثقات ، وهو من أصحاب الصادق عليهالسلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه ، وقد مرّ عدّهم في أبان بن عثمان ، ولحمّاد اخوان وهما الحسين وجعفر ولدا عثمان ، وهما أيضا من الرواة الثقات الأخيار الأفاضل.
حمّاد بن عيسى :
أبو محمّد حمّاد بن عيسى الجهني البصري غريق الجحفة ، روى عن الصادق والكاظم عليهماالسلام وعاش الى زمن الجواد عليهالسلام ولم تعرف له رواية عن الرضا والجواد عليهماالسلام ، وهو من الستّة أصحاب الصادق عليهالسلام الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم والإقرار لهم بالفقه كما سلف في أبان بن عثمان ، وكان صدوقا متحرّزا في حديثه ، فقد روي عنه أنه قال : سمعت من أبي عبد الله عليهالسلام سبعين حديثا فلم أزل أدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين ، وقد سبق في استجابة دعائه عليهالسلام « ج ١ : ٢٥٤ » أن حمّادا سأله في أن يدعو له بكثرة الحجّ ، وأن يرزقه ضياعا حسنة ودارا حسنة ، وزوجة من أهل البيوتات صالحة ، وأولادا أبرارا ، فدعا له الصادق بما طلب ، وقيّد الحجّ بخمسين حجّة ، فاستجاب الله دعاء الصادق عليهالسلام له ، فكان حاله كما طلب ، ولما حجّ في الحادية والخمسين أيام الجواد عليهالسلام ووصل الى الجحفة وأراد أن يحرم دخل وادي قناة ليغتسل ويحرم ، وهو واد يسيل من الشجرة فأخذه السيل ومرّ به ، فتبعه غلمانه وأخرجوه من الماء ميّتا ، فمن ثمّ سمّي غريق الجحفة.
وقيل : إن الذي دعا له بتلك الطلبات هو الامام الكاظم عليهالسلام وكان غرقه عام ٢٠٩.
حمران بن أعين :
حمران بن أعين الشيباني مولاهم أخو زرارة ، روى عن الباقر والصادق عليهماالسلام ، منزلته عندهم لا يضارعه فيها من رجالهم إلاّ نادر ، وكيف ترى