أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-158-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٠٧
المسألة الحادية عشرة : يجوز تقاصّ ما أعطاه لغيره رشوة محرّمة أو ربا ، إذا كان مضطرّا في الإعطاء ، بل غير مضطرّا أيضا ، إذا علم الآخذ كونه رشوة أو ربا.
المسألة الثانية عشرة : لو كان لزيد مال على عمرو ، ولعمرو على بكر ، يجوز لزيد المواطاة مع بكر ، وأخذ حقّه منه ، للعمومات. ويجوز لبكر إعطاؤه ، لأنّ جواز أخذ الغريم يستلزم ذلك. ويجوز حلف بكر على البراءة.
المسألة الثالثة عشرة : لو كان الحقّ مختلفا فيه بين العلماء لا يجوز لطالب الحقّ التقاصّ قبل الترافع بتقليد مجتهد يفتي بثبوته ، كما مرّ في صدر الفصل ، فلو جنى عليه أحد بجناية ، ديتها عند بعض المجتهدين عشرة ، وعند بعض آخر عشرون ، لا يجوز له تقاصّ العشرة الزائدة المختلف فيها بتقليد الثاني.
المسألة الرابعة عشرة : لو كان له حقّ على من لا يفي ماله بديونه ، يجوز له التقاصّ من ماله ما لم يحجر عليه الحاكم.
ولو حجر عليه فهل يجوز له تقاصّ تمام حقّه من مال الغريم أم لا؟ فيه إشكال ، والأحوط : لا.
ولو كان له حقّ على ميّت عليه دين زائد على التركة لا يجوز له تقاصّ الزائد عن حصّته بعد التوزيع ، لانتقال ماله بموته إلى الديّان.
المسألة الخامسة عشرة : يجوز التقاصّ من مال الغريم المتزلزل ـ كما ابتاعه ببيع الخيار ـ لصدق ماله عليه ، فيعمل المشتري لو فسخه البائع ما يعمله في صورة التلف.
المسألة السادسة عشرة : يجوز التوكيل في التقاص ، لأنّه أمر يقبل
الوكالة ، لعموماتها.
وهل يجوز لغير ذي الحقّ التقاصّ له من غير توكيل ، إذا علم مطالبة الغير لحقّه؟
الظاهر : نعم ، لأنّه دفع ظلم عن الغير ، وهو جائز ، بل واجب.
المسألة السابعة عشرة : الحقّ الذي يجوز تقاصّه أعمّ من أن يكون ذو الحقّ معيّنا أو أحد الأفراد ، فلو أوصى أحد بشيء لواحد من أولاد زيد ، يجوز لأحدهم مقاصّته بعد الجحود أو المماطلة ، لصدق كون حقّه عليه ، لأنّ ذلك أيضا نوع حقّ.
وعلى هذا ، فيجوز للفقير تقاصّ الزكاة والخمس وردّ المظالم عن الغنيّ المماطل.
وهل يجوز للحاكم ذلك للإيصال إلى أهله؟
الظاهر : نعم ، بل يجب ، لما مرّ من وجوب دفع الظلم عن المظلوم.
المسألة الثامنة عشرة : هل يشترط في التقاصّ عن غير الجنس التقويم ، أم يجوز بدونه إذا كان غير زائد على الحقّ قطعا ، كأن يقاصّ من له ألف دينار على شخص فرسا له غاية قيمته من العشرين إلى الأربعين؟
الظاهر : الجواز ، للأصل.
المسألة التاسعة عشرة : يجوز التقاصّ من المنافع كما يجوز من الأعيان ، فيجوز له إجارة دار الغريم وكراية دابّته ، لصدق الظفر بالمال.
المسألة العشرون : هل يجوز تقاصّ مستثنيات الدين ـ كفرس ركوبه ، وثياب بدنه ، ونحوهما ـ أم لا؟
الظاهر : أنّه إن لم يتملّك ما يفي به الدين غير هذه الأمور لا يجوز ، ووجهه ظاهر ، وإلاّ فيجوز ، لأنّ المستثنى ليس عين هذه الأمور ، بل أعمّ
منها ومن أثمانها.
المسألة الإحدى والعشرون : الظاهر عدم حصول التقاصّ بدون التصرّف ، للأصل ، وعدم شمول العمومات ، فلا يجوز قبول أمة الغريم التي في بيته أو عبده مقاصّة ، وعتقه من كفّارة ، ولا قبول داره التي يسكن فيها الغريم ، أو ضيعته التي في تصرّفه ، ووقفها أو بيعها للغير ، من غير أن يتصرّف الغير فيها.
ولو كان لزيد حقّ على عمرو ، ولبكر حقّ لا يعلمه على زيد ، وغصب بكر مال عمرو ، لا يجوز له مقاصّة ذلك المال ، وجعله عوضا عن حقّ بكر عند نفسه ، ولا تبرأ ذمّته بذلك ، فتأمّل. والله العالم.
المسألة الثانية والعشرون : قال في القواعد : ولو نقب جداره ليأخذه لم يكن له (١) أرش النقب (٢).
أقول : لا ينبغي الريب في جواز النقب ، لأدلّة نفي الضرر ، ولقوله سبحانه ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (٣).
ويلزمه عدم ضمان الأرش ، لأنّه تصرّف جائز ، والأصل عدم الضمان. ولو ضمن الأرش كان الجواز أظهر ـ كما مرّ ـ كما إذا لم يكن الأرش زائدا على حقّه.
المسألة الثالثة والعشرون : ولو جحد من عليه مثله جاز أن يجحد أيضا ، ويكون صادقا بعد قصده التقاص ، فيحلف على نفي ما جحده.
والله العالم بحقائق أحكامه.
__________________
(١) في خ لـ « ح » و « ق » : عليه ..
(٢) القواعد ٢ : ٢٣١.
(٣) البقرة : ١٩٤.
المطلب الرابع
فيما يتعلّق بالاستحلاف والحلف
وقد مرّ بعض ما يتعلّق بذلك في المطلب الثاني ـ من اشتراط كون الحلف بإذن الحاكم والمدّعي ، وعدم سماع الدعوى بعدها ، وغير ذلك ـ وبقيت أحكام أخر متعلّقة إمّا بنفس الحلف ، أو الحالف ، أو المحلوف عليه ، لا بدّ من ذكرها ، فهاهنا ثلاثة أبحاث.
البحث الأول
في أحكام تتعلّق بنفس اليمين
وفيه أربع مسائل :
المسألة الاولى : لا يصحّ الإحلاف إلاّ بالله سبحانه ، أي لا يترتّب الأثر المقصود من الإحلاف إلاّ إذا كان به بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كتاب الأيمان عن الشيخين في المقنعة والنهاية ، والغنية والمقداد والسيّد في شرح النافع (١) ونسبه في الكفاية إلى ظاهر الأصحاب (٢) ، بل لعلّه إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه ، مضافا إلى الأصل ، والنصوص المستفيضة :
منها صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة ، وفيها ـ بعد سؤال بعض
__________________
(١) المقنعة : ٥٥٤ ، النهاية : ٥٥٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦١٧. والمقداد في التنقيح ٣ : ٥٠٣ ، حكاه عن السيد في الرياض ٢ : ٢٤٨.
(٢) الكفاية : ٢٢٦.
الأنبياء عن الله سبحانه عن كيفية الحكم بين الناس ـ : « احكم بينهم بكتابي ، وأضفهم إلى اسمي تحلفهم به » ثمَّ قال : « هذا لمن لم تقم له بيّنة » (١).
ورواية محمّد بن قيس : « إنّ نبيّا من الأنبياء شكى إلى ربّه كيف أقضي في أمور لم أخبر ببيانها؟ فقال : ردّهم إليّ ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به » (٢).
ومرسلة أبان ، وفيها : « احكم بينهم بالبيّنات ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به » (٣).
دلّت هذه الأخبار على وجوب الحلف باسم الله في قطع الدعوى.
وفي المرويّ في تفسير الإمام الوارد في كيفيّة قضاء رسول الله المتقدّم بعضها : « وإن لم تكن له بيّنة حلف المدّعى عليه بالله » (٤).
وفي رواية البصري المتقدّمة : « فعلى المدّعي اليمين بالله الذي لا إله إلاّ هو » (٥).
وفي صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة : « فإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له حقّ » (٦).
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٢٨ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ١ ، بتفاوت.
(٢) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٠ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ٣ ، بتفاوت يسير.
(٣) الكافي ٧ : ٤١٤ ـ ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٢٨ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٢٧ : ٢٢٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١ ح ٢.
(٤) الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١.
(٥) الكافي ٧ : ٤١٥ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٣٨ ـ ١٢٨ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١.
(٦) الكافي ٧ : ٤١٧ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ ـ ٥٦٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٤ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٩ ح ١ ، وفي الجميع لا توجد لفظة : حقّ.
دلّت بالمفهوم على أنّه لو أقام البيّنة قبل الاستحلاف بالله ولو حلف بغيره كان له حقّ ، فلا تسقط الدعوى.
ورواية أبي حمزة : « لا تحلفوا إلاّ بالله ، ومن حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض » (١).
دلّت بالمفهوم على عدم وجوب التصديق والرضا بمن لم يحلف بالله وإن حلف بغيره ، وكذا حرّم الحلف بغير الله ، فيكون فاسدا.
ويظهر من الوجه الأول دلالة صحيحة الخزّاز : « من حلف بالله فليصدق ، ومن لم يصدق فليس من الله ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله » (٢).
ومن الوجه الثاني دلالة صحيحة محمّد : قول الله تعالى ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) (٣) ، ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) (٤) وما أشبه ذلك ، فقال : « إنّ لله تعالى أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به » (٥) ، وقريبة منها صحيحة عليّ بن مهزيار (٦).
وصحيحة الحلبي : « لا أرى أن يحلف الرجل إلاّ بالله » (٧) ، ونحوها
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٣٨ ـ ١ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ ـ ١٠٤٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢١١ أبواب الأيمان ب ٦ ح ١.
(٢) الكافي ٧ : ٤٣٨ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٢٩ ـ ١٠٧٩ ، الأمالي : ٣٩١ ـ ٧ ، المحاسن : ١٢٠ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢١١ أبواب الأيمان ب ٦ ح ٣ ، بتفاوت.
(٣) الليل : ١.
(٤) النجم : ١.
(٥) الكافي ٧ : ٤٤٩ ـ ١ ، التهذيب ٨ : ٢٧٧ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٩ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٣.
(٦) الفقيه ٣ : ٢٣٦ ـ ١١٢٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٩ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ١.
(٧) الكافي ٧ : ٤٤٩ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ ـ ١٠٨٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١٠ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٠ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٤ ، بتفاوت يسير.
رواية سماعة (١).
وموثّقة سماعة : هل يصلح لأحد أن يحلّف من اليهود والنصارى والمجوس بآلهتهم؟ قال : « لا يصلح لأحد أن يحلّف أحدا إلاّ بالله » (٢).
وظاهر أنّه إذا لم يصلح يكون فاسدا ، لأنّ نفي الصلاح الفساد.
ورواية المدائني : « لا يحلف بغير الله » وقال : « اليهودي والنصراني والمجوسي لا تحلّفوهم إلاّ بالله » (٣).
ويستفاد من خصوص الأخيرتين وعموم ما تقدّم عليهما عموم الحكم للمسلم والكافر ، كما هو الحقّ المشهور ، وتدلّ عليه أيضا صحيحتا الحلبي وابن أبي عمير : عن أهل الملل كيف يستحلفون؟ فقال : « لا تحلّفوهم إلاّ بالله » (٤).
وصحيحة سليمان بن خالد : « لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٥).
خلافا للمحكيّ عن المبسوط والإيضاح والدروس في المجوسي ، فأوجبوا عليه الحلف بغير لفظ الله ممّا يرفع احتمال إرادة غيره منضمّا مع
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٠ ـ ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦١ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٥.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ ـ ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٧٩ ـ ١٠١٥ ، الاستبصار ٤ : ٣٩ ـ ١٣٣ الوسائل ٢٣ : ٢٦٧ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٥.
(٣) الكافي ٧ : ٤٥١ ـ ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١٤ ، الاستبصار ٤ : ٣٩ ـ ١٣٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٦ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٢.
(٤) الكافي ٧ : ٤٥٠ ـ ١ ، التهذيب ٨ : ٢٧٩ ـ ١٠١٦ ، الاستبصار ٤ : ٤٠ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٧ و ٢٦٩ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٦ و ١٤.
(٥) الكافي ٧ : ٤٥١ ـ ٤ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١٣ ، الاستبصار ٤ : ٣٩ ـ ١٣١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٥ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ١ ، بتفاوت يسير ، والآية في المائدة : ٤٨.
الله ، لرفع احتمال إرادة النور أو الظلمة الذي هو إله باعتقاده (١).
وفيه ـ مع شذوذه ـ أنّه اجتهاد في مقابلة النصوص.
وقد يستدلّ له أيضا بأنّ بدون ذلك لا يحصل الجزم بأنّه حلف.
وفيه : أنّ المعتبر من الحلف هو كونها بالله ، وهو قد وقع ، وأمّا مطابقة قصده للفظه فلا دليل عليها ، مع أنّ العبرة في الحلف إنّما هي على نيّة المستحلف إذا كان محقّا لا الحالف ، كما نقل بعض متأخّري المتأخّرين الاتّفاق عليه (٢).
وتدلّ عليه رواية إسماعيل بن سعد الأشعري : عن الرجل يحلف ، وضميره على غير ما حلف عليه ، قال : « اليمين على الضمير » يعني : على ضمير المظلوم (٣).
ورواية مسعدة ، وفيها : « وأمّا إذا كان ظالما فاليمين على نيّة المظلوم » (٤).
هذا ، مع أنّ دليلهم لو تمَّ لا طرد في غير المجوسي من أهل الملل الباطلة ، فلا وجه للتخصيص به.
وللمحكي عن الشيخ في النهاية والفاضلين (٥) وجماعة (٦) ، فجوّزوا
__________________
(١) المبسوط ٦ : ١٩٤ ، الإيضاح ٤ : ١٣ ، الدروس ٢ : ٩٦.
(٢) انظر الرياض ٢ : ٤٠٢.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٣ ـ ١٠٩٩ ، وفي الكافي ٧ : ٤٤٤ ـ ٢ ، والوسائل ٢٣ : ٢٤٥ أبواب الأيمان ب ٢١ ح ١ لا توجد : يعني على ضمير المظلوم.
(٤) الكافي ٧ : ٤٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٨ : ٢٨٠ ـ ١٠٢٥ ، قرب الاسناد : ٩ ـ ٢٨ ، الوسائل ٢٣ : ٢٤٥ أبواب الأيمان ب ٢٠ ح ١.
(٥) النهاية : ٣٤٧ ، المحقق في الشرائع ٤ : ٨٧ والفاضل في التحرير ٢ : ١٩١.
(٦) كالفاضل السبزواري في الكفاية : ٢٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٣٩ ، وصاحب الرياض ٢ : ٤٠٢.
إحلاف الذمّي ، بل مطلق الكافر ـ كما قيل (١) ـ بما يقتضيه دينه إذا رآه الحاكم أردع له من الباطل ، وأوفق لإثبات الحقّ.
لرواية السكوني : « أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام استحلف يهوديا بالتوراة التي أنزلت على موسى » (٢).
وصحيحة محمّد بن قيس : « قضى عليّ عليهالسلام فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلفه بكتابه وملّته » (٣).
وصحيحة محمّد : عن الأحكام ، فقال : « في كلّ دين ما يستحلفون به » (٤) وفي بعض النسخ : « ما يستحلّون به ».
وأجيب (٥) عن الأول تارة : بضعف الرواية.
واخرى : بكونها قضية في واقعة لا عموم لها.
وثالثة : بجواز اختصاصه بالإمام.
ورابعة : باحتمال كون الحلف بالتوراة منضمّة مع الحلف بالله.
وعن الثاني : بالأخيرين ، وباحتمال كون المجرورين في « كتابه وملّته » راجعين إلى من استحلف ، ويؤيّده أفرادهما.
وعن الثالث : بجواز كون المراد أنّه يمضي عليهم حكمه إذا حلّفهم عند
__________________
(١) المسالك ٢ : ٣٧١.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥١ ـ ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٧٩ ـ ١٠١٩ ، الاستبصار ٤ : ٤٠ ـ ١٣٥ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٦ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٤.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٦ ـ ١١١٧ ، التهذيب ٨ : ٢٧٩ ـ ١٠١٨ ، الاستبصار ٤ : ٤٠ ـ ١٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٧ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٨.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٣٦ ـ ١١١٦ ، التهذيب ٨ : ٢٧٩ ـ ١٠١٧ ، الاستبصار ٤ : ٤٠ ـ ١٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٧ أبواب الأيمان ب ٣٢ ح ٧.
(٥) الكفاية : ٢٧٠ ، الرياض ٢ : ٤٠٢.
حاكمهم ، كما أنّه تجري عليه أحكام عقودهم ، ويلزم عليهم ما التزموا به.
ويرد على الأول : بعدم ضير في ضعف الرواية سندا بعد وجودها في الأصول المعتبرة ، مع أنّ ضعفها ليس إلاّ للنوفلي والسكوني ، وفي ضعفهما كلام.
وعلى الثاني : أنّ القضيّة في واقعة كافية في إبطال العموم المطلوب ، مع أنّ القضيّة الواقعة غير معلومة ، فيلزم تخصيص العامّ بالمجمل ، فتخرج العمومات المتقدّمة بأسرها عن الحجّية.
وعلى الثالث : أنّ أمثال تلك التجويزات لا يلتفت إليها في بيان الأخبار ، وإلاّ بطل الاستدلال بها بالمرّة ، مع أنّ ذلك الاحتمال أيضا مناف للعموم المطلوب ، وموجب للإجمال في المخصّص ، فتأمّل.
وعلى الرابع : بأنّ الانضمام أيضا مناف للمطلوب من عدم جواز الاستحلاف بغير الله.
وعلى الخامس : بأنّه خلاف الظاهر المتبادر ، مع أنّه أيضا مناف للمطلوب من جهة أعميّة المستحلف من المسلم ، ومن جهة أنّ استحلاف المسلم بكتابه أيضا غير المطلوب. إلاّ أن يقال : المراد بطريق ما أنزل في كتابه ، ويقرّ في ملّته ، وهو أيضا خلاف ظاهر آخر.
وعلى السادس : أنّه تخصيص للحديث بلا مخصّص.
فالصواب أن يجاب عن الجميع بأنّها معارضة للأخبار المتقدّمة ، وهي راجحة بالأشهريّة رواية وفتوى ، والأصرحيّة دلالة.
وبموافقة الكتاب ، التي هي من المرجّحات المنصوصة ، حيث قال
سبحانه في آية الوصيّة في السفر ( فَيُقْسِمانِ بِاللهِ ) (١) يعني : الأخيرين من غير المسلمين.
وبموافقة الاحتياط والأصل.
وبالمخالفة لمذاهب العامّة ، كما صرّح به في الوافي (٢) وشرح المفاتيح وغيرهما (٣).
وبالأحدثيّة ، التي هي أيضا من المرجّحات المنصوصة ، لكون بعض الأخبار المتقدّمة مرويّا عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام ، والأخيرة لم تتجاوز عن أبي عبد الله عليهالسلام.
فروع :
أ : هل المراد بالحلف بالله الحلف بهذا اللفظ المقدّس ، أو به وبمثله من الأسماء المختصّة به ـ كالرحمن والرحيم ـ أو بهما وبمثلهما من الأوصاف الدالّة على تلك الذات المقدّسة ـ مثل : بالذي لا إله إلاّ هو ، وبالذي خلق كلّ شيء ـ أو بذات الله؟
الظاهر : الأخير ، لأنّ المعنى الحقيقي للفظ الله هو الذات المقدّسة ، فالمراد الحلف بتلك الذات المتعالية ، فيصحّ الحلف بكلّ ما أفاده.
ويدلّ عليه أيضا قوله في صحيحة الحلبي ـ بعد النهي عن الحلف إلاّ بالله ـ : « فأمّا قوله : لعمر الله ، وقوله لاهاه فذلك بالله » (٤).
__________________
(١) المائدة : ١٠٧.
(٢) الوافي ١٦ : ١٠٥٩ ـ ١٠٦٠.
(٣) كالكفاية : ١٤٩.
(٤) الكافي ٧ : ٤٤٩ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ ـ ١٠٨٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١٠ ، قرب الاسناد : ٢٩٢ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٠ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٤ ، بتفاوت.
وكذا قوله في صحيحة محمّد المتقدّمة : « وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به » (١) ، فإنّ الضمير راجع إلى الذات دون اللفظ.
والظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضا إلاّ عن بعض المتأخّرين في شرحه على النافع ، ولذا جعل بعض من تأخّر عنه قوله مخالفا لظاهر الإجماع المحقّق والمحكيّ عن الشيخين (٢).
ب : كما لا يصحّ الحلف إلاّ بالله سبحانه ، ولا يترتّب الأثر إلاّ عليه ، ولا ينعقد في باب الأيمان إلاّ به ، كذلك لا يجوز الحلف إلاّ به سبحانه.
فيأثم الحالف بغيره من المخلوقات ـ كالأنبياء ، والأئمّة ، والملائكة ، والكتب المعظّمة ، والكعبة ، والحرم ، والمشاهد المشرّفة ، والآباء ، والأصدقاء ، ونحوها ـ على الأشهر بين الطائفة ، بل قيل : إنّه مقتضى الإجماعات المنقولة (٣). وصرّح به جماعة ، منهم : المحقّق الأردبيلي وصاحب المفاتيح (٤) وشارحه وبعض مشايخنا المعاصرين (٥).
لروايتي أبي حمزة وسماعة ، وصحاح محمّد وعليّ بن مهزيار والحلبي ، المتقدّمة جميعا (٦).
فإنّ الأولى متضمّنة للنهي الصريح في الحرمة.
والثانية والأخيرة متضمّنة لقوله : « لا أرى » والظاهر منه نفي الجواز.
والثالثة والرابعة متضمّنة لقوله : « ليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به »
__________________
(١) راجع ص : ٤٦٦.
(٢) انظر الرياض ٢ : ٢٤٨.
(٣) الرياض ٢ : ٤٠٢.
(٤) المفاتيح ٢ : ٣٩.
(٥) الرياض ٢ : ٢٤٨ و ٤٠٢.
(٦) في ص : ٤٦٦ و ٤٦٧.
والمتبادر منه نفي الجواز أيضا.
وحملها على الحلف الذي يترتّب عليه الأثر الشرعي لا وجه له.
مضافا إلى ما علّله بعضهم من أنّ القسم بشيء يستلزم تعظيما له ، ولا مستحقّ للتعظيم المطلق وبالذات سوى الله تعالى (١).
وربّما يشعر بذلك قوله في صحيحة الحلبي (٢) ورواية سماعة (٣) : « ولو حلف الناس بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله ».
وتدلّ على الحرمة أيضا مرسلة يونس المرويّة في الكافي : عن قول الله تعالى ( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ) قال : « أعظم إثم من يحلف بها » الحديث (٤).
ورواية الحسين بن زيد الطويلة ، المرويّة في الفقيه ، المشتملة على جملة المناهي ، وفيها : « ونهى أن يقول الرجل للرجل : لا وحياتك وحياة فلان » (٥).
ورواية صفوان الواردة في حكاية أبي عبد الله الصادق عليهالسلام مع أبي جعفر المنصور الكاذب ، حيث إنّه بعد ما قال له عليهالسلام : إنّ مولاك يدعو الناس إليك ، فقال : « والله ما كان » فقال : لست أرضى منك إلاّ بالطلاق
__________________
(١) انظر الرياض ٢ : ٢٤٨.
(٢) الكافي ٧ : ٤٤٩ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٠ ـ ١٠٨٥ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١٠ ، قرب الاسناد : ٢٩٢ ـ ١١٥١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٠ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٤.
(٣) الكافي ٧ : ٤٥٠ ـ ٣ ، التهذيب ٨ : ٢٧٨ ـ ١٠١١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦١ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٥ ، بتفاوت يسير.
(٤) الكافي ٧ : ٤٥٠ ـ ٥ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٥ أبواب الأيمان ب ٣١ ح ٢ ، والآية في الواقعة : ٧٥.
(٥) الفقيه ٤ : ٢ ـ ١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٥٩ أبواب الأيمان ب ٣٠ ح ٢.
والعتاق والهدي والمشي ، فقال : « أبالأنداد دون الله تأمرني أن أحلف؟! » الحديث (١).
فإنّه يشعر بأنّ الحلف بغيره سبحانه جعل للأنداد له.
وذهب بعضهم إلى الكراهة ، لضعف الأوليين سندا ، والثانية دلالة (٢).
وهما ممنوعان ، سيّما وأنّ الضعف منجبر بالشهرة.
وقد يقال باختصاص النهي عن الحلف بغير الله بما إذا أقسم العبد على فعل نفسه ، ومن هو مثله من الخلق ، فأمّا إذا أنشد الله في حاجة فلعلّه يجوز له أن يذكر من خلق الله ما يشاء ، كما ورد في الأدعية المأثورة.
ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى الاستثناء والتخصيص ، لأنّ المنهيّ عنه هو الحلف والاستحلاف ، وأمّا مثل قولك : أنشدك بكذا ، وأسألك بحقّ كذا ، فليس هو شيئا منهما ، فهو خارج عن موضوع المسألة.
وعلى هذا ، فيجوز في سؤال المخلوق عن المخلوق أيضا نحو ذلك ، فيقول له : أنشدك بالقرآن العظيم ، أو بحقّ أبيك عليك أن تفعل كذا ، للأصل الخالي عن المعارض ، لأنّه ليس حلفا ولا استحلافا.
ج : لا شكّ في مرجوحيّة الحلف بالله ، وكراهتها ، واستحباب تركها لو كان صادقا.
لقوله سبحانه ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) (٣).
وقوله سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ) (٤).
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤٤٥ ـ ٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٣٠ أبواب الأيمان ب ١٤ ح ٣ ، بتفاوت.
(٢) المسالك ٢ : ٣٧١ ، الكفاية : ٢٧٠.
(٣) البقرة : ٢٢٤.
(٤) آل عمران : ٧٧.
وفي صحيحة الخزّاز : « لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين » (١).
وفي مرسلة سلام بن سهم : « من حلف بالله كاذبا كفر ، ومن حلف بالله صادقا أثم » (٢).
وفي رواية السكوني : « من أجلّ الله أن يحلف به أعطاه الله خيرا ممّا ذهب منه » (٣).
وفي رواية أبي بصير الواردة في قضية سيّد الساجدين عليهالسلام ، وادّعاء مطلّقته أربعمائة دينار لأجل الصداق ، وإعطائه إيّاه : « فقلت : يا أبت جعلت فداك ألست محقّا؟ قال : بلى ، ولكنّي أجللت الله أن أحلف به يمين صبر » (٤).
ومقتضى هذه الروايات كراهية الحلف واستحباب تركها مطلقا.
إلاّ أنّ في مرسلة علي بن الحكم : « إذا ادّعي عليك مال ولم يكن له عليك ، فأراد أن يحلفك ، فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف ، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تعطه » (٥).
ومقتضى الجمع تخصيص العمومات بهذه الرواية ، إلاّ أنّ ظاهر رواية أبي بصير استحباب الترك في أربعمائة دينار أيضا ، ويمكن أن يكون ذلك
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٣٤ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٢٩ ـ ١٠٧٨ ، التهذيب ٨ : ٢٨٢ ـ ١٠٣٣ ، الوسائل ٢٣ : ١٩٨ أبواب الأيمان ب ١ ح ٥.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٣٤ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ٢٣ : ١٩٨ أبواب الأيمان ب ١ ح ٦.
(٣) الكافي ٧ : ٤٣٤ ـ ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣٣ ـ ١٠٩٦ ، التهذيب ٨ : ٢٨٢ ـ ١٠٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ١٩٨ أبواب الأيمان ب ١ ح ٣.
(٤) الكافي ٧ : ٤٣٥ ـ ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٠ أبواب الأيمان ب ٢ ح ١.
(٥) الكافي ٧ : ٤٣٥ ـ ٦ ، التهذيب ٨ : ٢٨٣ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠١ أبواب الأيمان ب ٣ ح ١.
لاختلاف الحال بالنسبة إلى الأشخاص ، سيّما الإمام عليهالسلام. ويمكن حمل المرسلة على خفّة الكراهة في أكثر من ثلاثين درهما.
وكما يستحبّ ترك الحلف يستحبّ ترك الاستحلاف أيضا ، لرواية عبد الحميد الطائي : « من قدّم غريما إلى السلطان يستحلفه وهو يعلم أنّه يحلف ، ثمَّ تركه تعظيما لله تعالى لم يرض الله له بمنزلة يوم القيامة إلاّ بمنزلة خليل الرحمن عليهالسلام » (١).
ثمَّ ما ذكرنا من كراهة الحلف إنّما هو إذا كان صادقا ، وأمّا إن كان كاذبا فهو من المحرّمات الشديدة ، بل من الكبائر الموبقة ، بل عدّها في بعض الروايات المتقدّمة كفرا بالله سبحانه ، ووردت فيها تهديدات شديدة في أخبار عديدة :
كقوله عليهالسلام : « من حلف على يمين وهو يعلم أنّه كاذب فقد بارز الله تعالى » (٢) أي : حاربه.
وقوله : « اليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع » (٣).
أقول : البلاقع جمع بلقع ، وهي : الأرض القفر التي لا شيء بها. يريد أنّ الحالف بها يفتقر ، ويذهب ما في بيته من الرزق. وقيل : هو أن يفرّق الله شمله ، ويقتّر عليه ما أولاه من نعمه (٤).
__________________
(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ ـ ٤١٩ ، ثواب الأعمال : ١٣٠ ـ ١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٨٩ أبواب الأيمان ب ٥٢ ح ١.
(٢) الكافي ٧ : ٤٣٥ ـ ١ ، ثواب الأعمال : ٢٢٦ ـ ١ ، المحاسن : ١١٩ ـ ١٣١ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٣ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٤.
(٣) الكافي ٧ : ٤٣٥ ـ ٢ ، ثواب الأعمال : ٢٢٦ ـ ٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٤ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٥.
(٤) قال في النهاية ١ : ١٥٣ البلاقع جمع بلقع وبلقعة : وهي الأرض القفر التي
وفي رواية أخرى : « إيّاكم واليمين الفاجرة ، فإنّها تدع الديار من أهلها بلاقع » (١) ، والأخبار بذلك المضمون كثيرة.
وفي أخبار اخرى : إنّها تورث عقر الرحم وانقطاع النسل (٢).
وفي آخر : إنّها « تورث العقب العقر » (٣) وفي بعض النسخ : « العقب الفقر » (٤).
وفي رواية اخرى : « إنّه ينتظر بها أربعين ليلة » (٥) أي لا يتجاوزها بهلاك صاحبها.
هذا في الحلف.
وأمّا الإحلاف ، فلا يحرم إذا كان المستحلف محقّا إجماعا ، ولذا استحلف مولانا الصادق عليهالسلام من سعى به عند منصور الدوانيقي ، فحلف ومات (٦).
وكذا إذا كان مبطلا ، لأنّ الحالف لم يحلف إلاّ صادقا ، فلا وجه لكون المستحلف به آثما وإن أثم بالكذب في أصل الدعوى.
__________________
لا شيء بها ، يريدون أن الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق. وقيل : هو أن يفرّق الله شمله ويغيّر عليه ما أولاه من نعمه.
(١) الكافي ٧ : ٤٣٥ ـ ٣ ، ثواب الأعمال : ٢٢٦ ـ ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٤ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٦.
(٢) الوسائل ٢٣ : ٢٠٢ أبواب الأيمان ب ٤.
(٣) الكافي ٧ : ٤٣٦ ـ ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٤ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٧.
(٤) الكافي ٧ : ٤٣٦ ـ ٤ ، ثواب الأعمال : ٢٢٦ ـ ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٤ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٧.
(٥) الكافي ٧ : ٤٣٦ ـ ٧ ، المحاسن : ١١٩ ـ ١٣٠ ، ثواب الأعمال : ٢٢٦ ـ ٥ ، الوسائل ٢٣ : ٢٠٥ أبواب الأيمان ب ٤ ح ٩.
(٦) راجع ص : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.
المسألة الثانية : يستحبّ للحاكم تقديم الوعظ على اليمين لمن توجّهت إليه ، لأنّها إمّا مكروهة أو محرّمة ، والترغيب في ترك المكروه والتحذير عن فعل المحرّم مطلوب قطعا ، فيعظ الحالف بذكر الآيات والأخبار الواردة في ثواب ترك الحلف مع الصدق وعقاب فعلها مع الكذب.
وكذا يستحبّ وعظ المستحلف أيضا ، لما عرفت من استحباب تركه.
المسألة الثالثة : يجزي للحالف أن يقول في يمينه : والله ماله قبلي كذا ، وترجمة ذلك بلغته ـ أيّ لغة كانت ـ بلا خلاف فيه كما قيل (١) ، لصدق اليمين ، وعدم دليل على لزوم الزائد ، ولإطلاقات الحلف بالله.
ولرواية أبي حمزة وصحيحة الخزّاز ، المتقدّمتين في المسألة الأولى (٢) ، المتضمّنتين لقوله : « من حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ».
ولمرسلة الفقيه : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من حلف لكم بالله فصدّقوه » (٣).
إلاّ أنّهم قالوا : إنّه يستحبّ للحاكم تغليظ اليمين عليه قولا ، كـ : والله الذي لا إله إلاّ هو ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، الضارّ النافع ، المهلك المدرك ، الذي يعلم من السرّ ما يعلمه من العلانيّة ،
__________________
(١) انظر الرياض ٢ : ٤٠٢.
(٢) راجع ص : ٤٦٦.
(٣) الفقيه ٣ : ٣٧ ـ ١٢٦ وفيه : من حلف لكم بالله على حقّ فصدّقوه ، الوسائل ٢٧ : ٢٤٥ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٩ ح ٢.
كما في الصحيحة المتضمّنة لإحلاف الأخرس (١).
أو زمانا ، كالجمعة ، والعيد ، وبعد الزوال ، وبعد العصر ، كما في الآية (٢).
ومكانا ، كالكعبة ، والمقام ، والمسجد الحرام ، والحرم ، والمشاهد المكرّمة ، والمسجد الجامع ، ثمَّ سائر المساجد ، والمحراب منها.
وبغير ذلك ، كإحضار المصحف.
واستدلّوا له بأنّه مظنّة رجوع الحالف إلى الحقّ ، ومظنّة تعجيل المؤاخذة إن أقدم عليها ، وبصحيحة الأخرس ، وبالآية الواردة في الوصيّة ( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ ) أي صلاة العصر ( فَيُقْسِمانِ بِاللهِ ) (٣).
ورواية زرارة ومحمّد : « لا يحلف أحد عند قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أقلّ ما يجب فيه القطع » (٤).
والمرويّ في قرب الإسناد : « إنّ عليّا عليهالسلام كان يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم وكنائسهم ، والمجوس في بيوت نيرانهم ، ويقول : شدّدوا عليهم احتياطا للمسلمين » (٥).
ولمرسلة البرقي (٦) المتضمّنة لإحلاف الصادق عليهالسلام الساعي له عند
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٦٥ ـ ٢١٨ ، التهذيب ٦ : ٣١٩ ـ ٨٧٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٠٢ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٣٣ ح ١.
(٢) المائدة : ١٠٦.
(٣) المائدة : ١٠٦.
(٤) التهذيب ٦ : ٣١٠ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٨ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٩ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٥) قرب الاسناد : ٨٦ ـ ٢٨٤ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٨ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٩ ح ٢.
(٦) الكافي ٦ : ٤٤٥ ـ ٣ ، الوسائل ٢٣ : ٢٦٩ أبواب الأيمان ب ٣٣ ح ١.
المنصور بالبراءة بعد حلفه بالله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم.
وفي الكلّ نظر ، لعدم نهوضها لإثبات العموم ، وورودها في موارد خاصّة.
نعم ، لا بأس بالقول به ، لاشتهاره بين الأصحاب ، بل نفى بعضهم الخلاف فيه (١).
وهذا القدر كاف في مقام الاستحباب ، ولذا يخصّ ذلك بالحاكم دون الغريم ، لاختصاص فتاويهم به.
ولو امتنع الحالف عن التغليظ لم يجبر عليه ، للأصل. ولا يصير بامتناعه ناكلا لو حلف بالله ، لعدم تركه الحلف ، ولوجوب تصديق من حلف بالله ، كما مرّ.
قالوا : واستحباب التغليظ ثابت في جميع الحقوق الماليّة وغيرها ، إلاّ في الماليّة إذا كانت أقلّ من نصاب القطع ربع الدينار ، لرواية زرارة ومحمّد المتقدّمة.
وفيه : أنّه يمنع فيه عن تغليظ خاصّ ، ولكن لعدم ثبوت الاشتهار ـ بل الفتوى في ذلك ـ وانحصار الدليل التامّ فيه يكون الاستثناء صحيحا.
المسألة الرابعة : يحلف الأخرس بالإشارة المفهمة على المشهور ـ كما صرّح به جماعة (٢) ـ لأنّ الشارع أقام إشارته مقام تلفّظه في سائر أموره.
وقال الشيخ في النهاية : يحلفه الحاكم بالإشارة والإيماء إلى اسم الله
__________________
(١) الرياض ٢ : ٤٠٢.
(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٧٢ ، السبزواري في الكفاية : ٢٧٠ ، صاحب الرياض ٢ : ٤٠٣.