أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٧
والتهذيب والسرائر مدّعيا فيه نفي الخلاف (١) ، بل نقله بعضهم عن المفيد أيضا (٢) ، ونسبه في الكفاية إلى جماعة (٣) ، وظاهر المفاتيح (٤) وشرحه نوع ميل إليه.
ويدلّ عليه إطلاق مرسلة يعقوب : « إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما ولم تحلّ له أبدا » (٥).
والمشهور بين الأصحاب : عدم التحريم بدون الإفضاء.
للأصل.
وضعف الخبر مع خلوّه عن الجابر في المورد.
والأصل يدفع بالخبر.
والضعف بدعوى نفي الخلاف يجبر ، مع أنّه غير ضائر مع وجوده في الأصل المعتبر.
ولا تضرّ ـ للجبر بالدعوى المذكورة ـ مخالفة الأكثر ممّن تأخّر (٦) ، كما لا تضرّ نسبة بعضهم المشهور إلى الحلّي في النسبة الأولى أيضا (٧) ، ولا
__________________
(١) النهاية : ٤٨١ ، التهذيب ٧ : ٣١١ ، السرائر ٢ : ٥٣٠.
(٢) وهو الفاضل المقداد في التنقيح ٣ : ٢٦.
(٣) الكفاية : ١٥٤.
(٤) المفاتيح ٢ : ٢٩٠.
(٥) الكافي ٥ : ٤٢٩ ـ ١٢ ، التهذيب ٧ : ٣١١ ـ ١٢٩٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٩٥ ـ ١١١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٩٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب ٣٤ ح ٢.
(٦) كالمحقق في الشرائع ٢ : ٢٧٠ ، العلاّمة في القواعد ٢ : ١٦ ، فخر المحققين في الإيضاح ٣ : ٧٦ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٣٣٠.
(٧) انظر التنقيح ٣ : ٢٦.
فتوى الشيخ بخلاف ما في الكتابين في كتاب آخر (١).
المسألة الثامنة : يكره للمسافر أن يدخل إلى أهله من سفره ليلا.
لرواية ابن سنان : « يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح » (٢).
ومقتضى إطلاقها : ثبوت الحكم مطلقا ، سواء أعلمهم بالحال أم لا ، وفي تمام الليل.
واحتمل بعضهم تعلّقه بما بعد المبيت وغلق الأبواب (٣) ، لأنّ الطرق في كلام أهل اللغة يطلق على الأمرين.
ولا يخفى أنّه لو ثبت ذلك للزم الاقتصار على المتيقّن ، وهو ما بعد المبيت.
للأصل.
وأمّا المسامحة في المكروهات فلا تصير مجوّز الحكم بكراهة المحتمل.
إلاّ أنّ في إطلاقه على الأمرين نظرا ، إذ ظاهر كلام الصحاح والقاموس التعميم (٤).
وما يوهم إشعاره بالاختصاص من كلام ابن الأثير ، حيث قال : قيل :
__________________
(١) انظر الاستبصار ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.
(٢) الكافي ٥ : ٤٩٩ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٤١٢ ـ ١٦٤٥ ، الوسائل ٢٠ : ١٣١ أبواب مقدمات النكاح ب ٦٥ ح ١.
(٣) كالشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٠٦.
(٤) الصحاح ٤ : ١٥١٥ ، القاموس ٣ : ٢٦٥.
أصل الطروق من الطرق ، وهو : الدقّ ، سمّي الآتي بالليل طارقا لاحتياجه إلى دقّ الباب (١).
فلا إشعار فيه ، لأنّ غلق الباب لا ينحصر بوقت المبيت ، مع أنّه لا يلزم الاطّراد في علّة التسمية.
__________________
(١) النهاية ٣ : ١٢١.
الفصل الثالث
في النكاح الدائم
وفيه فصول :
الفصل الأول
في العقد
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تجب في النكاح الصيغة ، باتّفاق علماء الإسلام ، بل الضرورة من دين خير الأنام ، له ، ولأصالة عدم ترتّب آثار الزوجيّة بدونها.
ولا بدّ فيها من إيجاب وقبول لفظيّين ، بالإجماع ، وأصالة الفساد في المعاملات ، فلا يحكم بترتّب الأثر ما لم يعلم تحقّق التزويج والنكاح ، ولا يعلم تحقّقهما بدون اللفظ.
وتؤيّده رواية العجلي : عن قول الله سبحانه ( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) (١) قال : « الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح » (٢).
ثمَّ إنّهم بعد الاتّفاق على ذلك اختلفوا في اللفظ المنعقد به النكاح من وجوه كثيرة ، لا بدّ في تحقيق المقام فيه من تقديم مقدّمات :
__________________
(١) النساء : ١٩.
(٢) الكافي ٥ : ٥٦٠ ـ ١٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٢ أبواب عقد النكاح ب ١ ح ٤.
إحداها : ما مرّ في صدر كتاب البيع مفصّلا ، ونقول هنا إجمالا : إنّ الشارع رتّب أحكاما على التزويج والنكاح ، وأثبت أمورا لكلّ من الزوج والزوجة والناكح والمنكوحة ، فلو كنّا نعلم لهذه الألفاظ معاني لغويّة أو عرفيّة للشارع يصحّ إرادتها لكان اللازم الحكم بثبوت هذه الأحكام لكلّ من صدق عليه تلك الألفاظ ، كما في البيع.
ولكن معنى التزويج في اللغة أمر غير مراد هنا ، ولا نعلم في عرف الشارع أو العامّ له معنى مضبوطا معيّنا بخصوصه وإن علمنا القدر المجمع عليه منه.
وأمّا النكاح ، فقد عرفت أنّه العقد ، ولكن المراد من العقد هنا غير معلوم لنا.
وكذا قد تترتّب الآثار على مثل قوله : امرأته أو حليلته ، والإضافة وإن أفادت الاختصاص لكن جهة الخصوصيّة لنا غير معلومة.
وعلى هذا ، فيجب في الحكم بتحقّق الزوجيّة والنكاح الاقتصار على ما دلّ دليل على تحقّق النكاح به.
الثانية : اعلم أنّ ها هنا أخبارا يمكن أن يستفاد منها اللفظ المتحقّق به النكاح ، وهي كثيرة :
الأولى : صحيحة زرارة الواردة في تزويج آدم وحوّاء ، وفيها بعد أمر الله سبحانه آدم أن يخطب إليه جلّ شأنه حوّاء وقول آدم : « إنّي أخطبها إليك ، فقال عزّ وجلّ : وقد شئت ذلك وقد زوّجتكها فضمّها إليك ، فقال لها آدم : إليّ فأقبلي » الحديث (١).
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٣٩ ـ ١١٣٣ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦١ أبواب عقد النكاح ب ١ ح ١.
الثانية : رواية الهاشمي في تزويج خديجة ، وفيها ـ بعد أن خطب أبو طالب إلى عمّها وتلجلج العمّ ـ : قالت خديجة لعمّها : « فلست أولى بي من نفسي ، قد زوّجتك يا محمّد نفسي والمهر عليّ في مالي ، فمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها ، وادخل على أهلك » (١).
الثالثة : مرفوعة البغدادي في جواب أبي عبد الله عليهالسلام خطبة نكاح ، قال عليهالسلام بعد الخطبة : « أمّا بعد ، فقد سمعنا مقالتكم وأنتم الأحبّة والأقربون نرغب في مصاهرتكم ونسعفكم بحاجتكم ونضنّ بإخائكم ، فقد شفّعنا شافعكم وأنكحنا خاطبكم ، على أنّ لها من الصداق ما ذكرتم ، فنسأل الله الذي أبرم الأمور بقدرته أن يجعل عاقبة مجلسنا إلى محابّة ، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه » (٢).
الرابعة : مرسلة الفقيه الواردة في تزويج الجواد بنت المأمون ، وفيها : لمّا تزوّج أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهالسلام ابنة المأمون خطب لنفسه ثمَّ ذكر الخطبة إلى أن قال : « وهذا أمير المؤمنين زوّجني ابنته على ما فرض الله عزّ وجلّ للمسلمات » إلى أن قال : « وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » إلى أن قال بعد ذكر الصداق : « زوّجتني يا أمير المؤمنين؟ » قال : بلى ، قال : « قبلت ورضيت » (٣)
الخامسة : رواية القدّاح : « إنّ عليّ بن الحسين عليهالسلام كان يتزوّج وهو
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٧٤ ـ ٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٣ أبواب عقد النكاح ب ١ ح ٩.
(٢) الكافي ٥ : ٣٧٢ ـ ٥.
والضنّة : البخل وعدم الإعطاء ، أي لا نعطي إخاءكم لغيرنا ـ انظر الوافي ٣ : ج ١٢ : ٦١.
(٣) الفقيه ٣ : ٢٥٢ ـ ١١٩٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦١ أبواب عقد النكاح ب ١ ح ٢.
يتعرّق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول : الحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله ويستغفر الله وقد زوّجناك على شرط الله » (١).
السادسة : رواية عبيد بن زرارة : عن التزويج بغير خطبة ، فقال : « أو ليس عامّة ما يتزوّج فتياننا ، ونحن نتعرّق الطعام على الخوان نقول : يا فلان زوّج فلانا فلانة ، يقول : نعم قد فعلت » (٢).
السابعة : موثقة سماعة في عقد التمتّع : لا بدّ من أن يقول فيه هذه الشروط : أتزوّجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم الحديث (٣).
الثامنة : رواية أبان بن تغلب : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوّجك متعة على كتاب الله وسنّة نبيّه لا وارثة ولا مورثة كذا وكذا يوما » إلى أن قال : « فإذا قالت : نعم فقد رضيت ، فهي امرأتك » وفي بعض النسخ : فإذا قالت : نعم قد رضيت فهي امرأتك « وأنت أولى الناس بها » قلت : فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام ، قال : « هو أضرّ عليك » قلت : وكيف؟ قال : « إنّك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة في العدّة ، وكانت وارثة ، ولم تقدر على أن تطلّقها إلاّ طلاق السنّة » (٤).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣٦٨ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠٨ ـ ١٦٣٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٦٣ أبواب عقد النكاح ب ١ ح ٨.
(٢) الكافي ٥ : ٣٦٨ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٢٤٩ ـ ١٠٧٨ ، الوسائل ٢٠ : ٩٦ أبواب مقدمات النكاح ب ٤١ ح ١.
(٣) الكافي ٥ : ٤٥٥ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٦٣ ـ ١١٣٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٤.
(٤) الكافي ٥ : ٤٥٥ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٥ ـ ١١٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١٥٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٢١ : ٤٣ أبواب المتعة ب ١٨ ح ١.
التاسعة : حسنة ثعلبة : تقول : أتزوّجك متعة على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاحا غير سفاح ، الحديث (١).
العاشرة : مرسلة الفقيه : عن مؤمن الطاق قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أدنى ما يتزوّج به الرجل المتعة ، قال : « كفّ من برّ ، يقول لها : زوّجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاحا غير سفاح » الحديث (٢).
الحادية عشرة : صحيحة هشام : كيف يتزوّج المتعة؟ قال : « يقول : يا أمة الله أتزوّجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما » (٣).
الثانية عشرة : روايته ، وفيها : قلت : ما أقول لها؟ « تقول لها : أتزوّجك على كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والله وليّي ووليّك ، كذا وكذا شهرا بكذا وكذا درهما ». الحديث (٤).
الثالثة عشرة : رواية أبي بصير : « لا بأس بأن تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما ، تقول لها : استحللتك بأجل آخر ، برضا منها » الحديث (٥).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٥٥ ـ ٤ ، التهذيب ٧ : ٢٦٣ ـ ١١٣٧ ، الوسائل ٢١ : ٤٣ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٢.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٩٤ ـ ١٣٩٨ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٥. والبرّ : القمح الواحدة ـ المصباح المنير : ٤٣.
(٣) الكافي ٥ : ٤٥٥ ـ ٥ ، الوسائل ٢١ : ٤٤ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٣.
(٤) التهذيب ٧ : ٢٦٧ ـ ١١٥١ ، الاستبصار ٣ : ١٥٢ ـ ٥٥٦ ، الوسائل ٢١ : ٤٥ أبواب المتعة ب ١٨ ح ٦.
(٥) الكافي ٥ : ٤٥٨ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٢٦٨ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ٢١ : ٥٤ أبواب المتعة ب ٢٣ ح ٢.
الرابعة عشرة : رواية بكار : الرجل يلقى المرأة فيقول لها : زوّجيني نفسك شهرا ، ولا يسمّي الشهر بعينه ، ثمَّ يمضي فيلقاها بعد سنين ، قال :
فقال : « له شهره إن كان سمّاه وإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها » (١).
الخامسة عشرة : رواية الفتح بن يزيد : عن الشروط في المتعة ، فقال : « الشرط فيها بكذا وكذا إلى كذا وكذا ، فإن قالت : نعم ، فذاك له جائز » (٢).
السادسة عشرة : موثّقة عبيد : « إذا قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوّجك وأجعل مهرك عتقك فهو جائز » (٣).
السابعة عشرة : صحيحة علي : عن الرجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، قال : « أعتقت ، وهي بالخيار إن شاءت تزوّجت وإن شاءت فلا ، فإن تزوّجته فليعطها شيئا ، فإن قال : قد تزوّجتك وجعلت مهرك عتقك ، فإنّ النكاح واقع ولا يعطيها شيئا » (٤).
والثامنة عشرة : رواية السكوني : « جاءت امرأة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : زوّجني فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من لهذه؟ فقام رجل » إلى أن قال : « قال : قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلّمها إيّاه » (٥).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٦٦ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٩٧ ـ ١٤١٠ ، التهذيب ٧ : ٢٦٧ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٢١ : ٧٢ أبواب المتعة ب ٣٥ ح ١.
(٢) الكافي ٥ : ٤٦٤ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٦٩ ـ ١١٥٦ ، الاستبصار ٣ : ١٥٣ ـ ٥٥٩ ، الوسائل ٢١ : ٧٠ أبواب المتعة ب ٣٣ ح ٦.
(٣) الكافي ٥ : ٤٧٦ ـ ٣ ، الوسائل ٢١ : ٩٦ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١١ ح ١.
(٤) الفقيه ٣ : ٢٦١ ـ ١٢٤٤ ، التهذيب ٨ : ٢٠١ ـ ٧١٠ ، الاستبصار ٣ : ٢١٠ ـ ٧٦٠ ، الوسائل ٢١ : ٩٨ أبواب نكاح العبيد والإماء ب ١٢ ح ١ ، في النسخ تفاوت واضطراب في الرواية ، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.
(٥) الكافي ٥ : ٣٨٠ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٥٤ ـ ١٤٤٤ ، الوسائل ٢١ : ٢٤٢ أبواب المهور ب ٢ ح ١ ، وفي الجميع : عن محمد بن مسلم.
الثالثة : اعلم أنّهم قد يحكمون بكفاية بعض الألفاظ في النكاح الدائم ـ مثلا ـ مستدلّين بأنّ اللفظ حقيقة فيه ، ومستندين إلى دلالته على المقصود.
وقد يحكمون بعدم كفاية بعض الألفاظ فيه ، مستدلّين بكونه مجازا ، أو بعدم دلالته على المقصود.
ويرد على الأول : أنّه إن أريد أنّ للحقيقيّة مدخليّة في الصحّة فهو ممّا لا دليل عليه ، ويلزمه عدم صحّة الصيغ الإخباريّة ، لمجازيّتها في الإنشاء.
وإن أريد [ أنّ ] (١) الحقيقيّة توجب الدلالة على المقصود والمستفاد من الأخبار كفاية كلّما يدلّ على المقصود ، فلا يحسن الاقتصار على لفظ خاصّ ، بل تجب صحّة الإتيان بكلّ مجاز مع القرينة المقاليّة أو الحاليّة ، نحو : استحللت فرجها دائما ، أو : جعلتها حليلتي أو زوجتي ، ونحو ذلك.
والظاهر أنّهم لا يقولون به.
هذا كلّه ، مضافا إلى ما يرد عليهم من مطالبة الدليل على كفاية كلّ لفظ حقيقي فيه ، أو كلّ لفظ دالّ على المقصود.
وعلى الثاني : أنّه إن أريد أنّ للمجازيّة مدخليّة في عدم الصحّة فهو ممّا لا دليل عليه ، ويلزمه عدم صحّة الصيغ الإخباريّة.
وإن أريد أنّ المجازيّة توجب عدم الصراحة في المقصود ، فيلزم صحّة كلّ مجاز مقترن بالقرينة ، فلا يصح نفي صحّة بعض الصيغ مطلقا ، استنادا إلى مجازيّته ، بل يلزم نفي صحّته بدون القرينة.
وبالجملة : كلامهم في المقام خال عن النظام.
إذا عرفت تلك المقدّمات فاعلم : أنّه لا خلاف في انعقاد إيجاب
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
النكاح الدائم بلفظي التزويج والنكاح العربيّين الماضيين المتقدّم إيجابهما على القبول المقارن له ، بل هو إجماعيّ محقّقا ومنقولا في كفاية « زوّجتك » و « أنكحتك » عن الناصريّات والانتصار والتذكرة والروضة (١) ، وعن ظاهر المسالك والكفاية (٢) وغيرهما (٣).
فهو الدليل في كفايتهما ، مضافا إلى استفادة الانعقاد بالأول من كثير من الأخبار المتقدّمة ، وبالثاني من الثالثة.
وقد وقع الخلاف في الانعقاد بغير اللفظين ، أو بغير العربي ـ أي الترجمة ـ أو بغير الماضي منهما ، أو من غيرهما ومع تقديم القبول أو تراخيه.
فالحقّ في الأول : عدم الانعقاد ، وفاقا للإسكافي والسيّد والحلبي والحلّي وابن حمزة (٤) والمختلف والتذكرة والروضة (٥) ، بل الأكثر ، كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٦) ، بل عن السيّد في المسائل الطبريّات : الإجماع عليه (٧).
للأصل المستفاد من المقدّمة الأولى ، الموجب للاقتصار على ما علم
__________________
(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٠ ، الانتصار : ١١٩ ، التذكرة ٢ : ٥٨١ ، الروضة ٥ : ١٠٨.
(٢) المسالك ١ : ٤٤٢ ، الكفاية : ١٥٤.
(٣) كالتنقيح ٣ : ٧.
(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٥٣٣ ، السيد في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢١٠ ، الحلبي في الكافي : ٢٩٣ ، الحلي في السرائر ٢ : ٥٥٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١.
(٥) المختلف : ٥٣٣ ، التذكرة ٢ : ٥٨١ ، الروضة ٥ : ١٠٨.
(٦) كالعلاّمة في التذكرة ٢ : ٥٨١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٦٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٤٢.
(٧) حكاه عنه في الرياض ٢ : ٦٨.
الانعقاد به ولم يعلم الانعقاد بغير اللفظين.
وأمّا ما في الرواية الثالثة عشرة من كفاية قوله : « استحللت » فإنّما هو في المتعة ، وعدم الفصل هنا غير ثابت ، ولو سلّم فالرواية بالشذوذ مطروحة ، مضافا إلى أنّها مرويّة عن أبي بصير غير مسندة إلى إمام ، وقوله ليس بحجّة.
ومن بعض ما ذكر يظهر الجواب عن رواية الهاشمي أيضا : « جاءت امرأة إلى عمر فقالت : إنّي زنيت فطهّرني ، فأمر بها أن ترجم ، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : كيف زنيت؟ قالت : مررت بالبادية وأصابني عطش شديد ، فاستسقيت أعرابيّا ، فأبى أن يسقيني إلاّ أن امكّنه من نفسي ، فلمّا أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي ، فقال أمير المؤمنين : تزويج وربّ الكعبة » (١).
فإنّها ـ مع أنّها لو دلّت لدلّت في المتعة ، كما حملها عليها في الوافي (٢) ، ومعارضته فيها أيضا مع الأخبار الكثيرة الدالّة على اشتراط تعيين الأجل باللفظ وعدم كفاية المرّة ، سيّما مع استفادتها من الإطلاق ـ شاذّة ، ولعمل الأصحاب مخالفة ، فهي به مطروحة.
ومع ذلك وردت الواقعة بسند آخر ، وفيها بعد إخبارها عن التمكين ، فقال له عليّ عليهالسلام : « هذه ما قال الله تعالى ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) (٣) هذه غير باغية ولا عادية » (٤) فخلّى سبيلها ، فدفع الحدّ بالاضطرار
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٦٧ ـ ٨ ، الوسائل ٢١ : ٥٠ أبواب المتعة ب ٢١ ح ٨.
(٢) الوافي ١٥ : ٥٢٨.
(٣) البقرة : ١٧٣.
(٤) الفقيه ٤ : ٢٥ ـ ٦٠ ، التهذيب ١٠ : ٤٩ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٢٨ : ١١١ أبواب حد
دون التزويج.
وخلافا للنهاية والشرائع والنافع والإرشاد والقواعد واللمعة (١) ، فجوّز والإيجاب بقوله : متّعتك ، لبعض ما مرّ مع ضعفه في المقدّمة الثالثة ، ولعدم دليل على الحصر في لفظ.
وفيه : أنّ المحتاج إلى الدليل هو الكفاية دون الحصر.
ثمَّ مرادنا من اللفظين ليس هما بخصوصهما ، بل أعمّ منهما وممّا يفيد مفادهما ويقيم مقامهما ، أي إيجاد معنى التزويج أو النكاح مع الصورة الماضويّة ، نحو : بلى ، أو : نعم ، بعد قوله : زوّجتني ، أو : نعم فعلت ، بعده أو بعد الأمر بالتزويج ، أو : أوقعت التزويج ، ونحو ذلك ، فيصحّ لو عقد كذلك ، للروايات : الرابعة والسادسة والثامنة. فإنّه ليس المراد بقوله : « زوّجتني » أو « زوّج » التلفّظ بلفظ زوّجتك ، بل المراد إيجاد هذا المعنى ، وقوله : « بلى » و « فعلت » إيجاد له ، فكلّ ما دلّ على إيجاده يكون كافيا.
وكذا في الثاني مع القدرة على العربيّة ، وفاقا لغير من شذّ وندر ، بل بإجماعنا ، كما في التذكرة (٢) وعن المبسوط (٣) ، لما مرّ من الأصل.
واحتمال اقتصارهم في التوقيف على العربي ـ لكونه عرفهم ، فلا يمنع عن جواز غيره ـ حسن مع وجود دليل على صحّة غير العربي عموما أو خصوصا ، وهو مفقود.
__________________
الزنا ب ١٨ ح ٧.
(١) النهاية : ٤٥٠ ، الشرائع ٢ : ٢٧٣ ، النافع : ١٦٩ ، الإرشاد ٢ : ٦ ، القواعد ٢ : ٤ ، اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٠٨.
(٢) التذكرة ٢ : ٥٨٢.
(٣) حكاه عنه في التنقيح ٣ : ١١ ، وهو في المبسوط ٤ : ١٩٤.
خلافا للمحكيّ عن ابن حمزة (١) ، فاستحبّ العربيّة ، واختاره في المفاتيح (٢) وشرحه ، واستقربه في الكفاية (٣).
لأنّ الغرض إيصال المعنى المقصود إلى الغير ، فيتأدّى ذلك بأيّ لغة اتّفقت ، مع أنّ غير العربيّة من اللغات من قبيل المترادف الذي يصحّ أن يقوم مقام العربيّة.
وردّ بمنع كون الغرض إيصال المعنى فقط ، لجواز أن يكون للّفظ العربي مدخليّة ، وكذا بمنع جواز قيام المترادف.
إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ المراد من قوله : « زوّجتني » في الرواية الرابعة ، ومن قوله : « زوّج » في السادسة استفهام إيقاع هذا المعنى والأمر به ، لا اللفظ قطعا ، ومعنى قوله : « بلى » و : « نعم قد فعلت » أنه أوقعت المعنى ، والمتبادر من وقوع المقصود بعده ترتّبه على إيقاع المعنى من غير مدخليّة لعربيّة قوله : « بلى » و : « قد فعلت » ، فالظاهر كفاية ما يفيد إيقاع التزويج بغير العربيّة ، إلاّ أنّ الأحوط ما ذكرنا أولا.
وأمّا مع عدم القدرة على العربيّة ـ ولو بالتعلّم بلا مشقّة أو بالتوكيل ـ فالأكثر على الجواز ، بل قيل : قطع به الأصحاب (٤).
لدفع الحرج.
وفحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس.
ويردّ بمنع لزوم الحرج ، فإنّ تعلّم كلمة واحدة ليس بأشقّ من تعلّم
__________________
(١) الوسيلة : ٢٩١.
(٢) المفاتيح ٢ : ٢٦٠.
(٣) الكفاية : ١٥٥.
(٤) كما في كشف اللثام ٢ : ١٢.
جميع أجزاء الصلاة بالعربيّة وعمدة مسائل النكاح.
ودلالة الفحوى عليه ممنوعة ، فالظاهر ـ كما هو ظاهر بعض الأجلّة (١) ـ تساوي صورة العجز وغيرها.
وكذا الثالث ، فلا يجزي الإيجاب بغير الماضي أو ما يفيد مفاده ، نحو : بلى ، و : نعم ، بعد قوله : زوّجتني مستفهما ، وفاقا لابني حمزة وسعيد (٢) ، بل الأشهر كما عن المسالك (٣).
لما مرّ من الأصل.
وقيل : يجوز بلفظ المستقبل قاصدا به الإنشاء (٤).
لصحّة قصده منه.
وفيه : عدم الملازمة بين الصحّتين.
ولوقوعه في كثير من الأخبار المتقدّمة.
وفيه : إنّ الواقع فيها إنّما هو في القبول دون الإيجاب ، والإجماع المركّب غير ثابت وإن ادّعاه بعضهم (٥) ، كيف؟! وظاهر القواعد بل الشرائع والنافع (٦) اختصاص القول بالجواز بالقبول ، ولا أقلّ من احتمال اختصاصه به ، بل هو الظاهر من الأكثر ، حيث ذكروا المستقبل في القبول.
وأمّا الرابع ، فإن كان المراد به المقارنة الحقيقيّة الحاصلة بعدم تخلّل
__________________
(١) انظر كشف اللثام ٢ : ١٢.
(٢) ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٦.
(٣) المسالك ١ : ٤٤٢.
(٤) المفاتيح ٢ : ٢٦٠.
(٥) انظر الرياض ٢ : ٦٩.
(٦) القواعد ٢ : ٤ ، الشرائع ٢ : ٢٧٣ ، النافع : ١٦٩.
أمر بين الإيجاب والقبول ـ ولو مثل : ابتلاع ريق ، أو التكلّم بلفظ ـ فالحقّ : عدم التوقّف عليه ، للرواية الثالثة المتضمّنة لتخلّل الخطبة وكلمات أخر من متعلّقاتها بين الإيجاب والقبول المتقدّم ، بل الثامنة المتضمّنة لتخلّل قوله : « على كتاب الله » وما تعقبّه بينهما.
بل المستفاد منهما جواز تخلّل كلام كثير ، وهو كذلك إذا كان ذلك الكلام من متعلّقات ذلك الأمر ، كالخطبة له وذكر الصداق والشروط ونحوها.
بل يمكن أن يستدلّ له بعموم قوله في الثامنة : « فإذا قالت : نعم » فإنّه يشمل التراخي أيضا.
وأمّا تخلّل غير ذلك ـ ممّا ينافي المقارنة العرفيّة ـ فلا يجوز ، للأصل المذكور ، وعدم ظهور تامّ في العموم المتقدّم.
ومنهم من فرّق بين اتّحاد المجلس وتفريقه (١).
وأمّا الخامس ، فالأظهر الأشهر كما قيل (٢) بل بالإجماع كما عن المبسوط والسرائر (٣) : عدم التوقّف عليه ، فيجوز تقدّم القبول ، سواء كان المراد به ما يكون من جانب الزوج أو ما يتضمّن معنى القبول ، نحو : قبلت ، و : تزوجت ، ونحوهما.
للروايات الثلاثة الأولى ، حيث إنّ تعقيب الأمر بالضمّ في الأولى وبالنحر في الثانية وكونه جوابا في الثالثة يدلّ على تقدّم القبول ، وكذا
__________________
(١) كالعلامة في التذكرة ٢ : ٥٨٣.
(٢) انظر الكفاية : ١٥٥.
(٣) المبسوط ٤ : ١٩٤ ، السرائر ٢ : ٥٧٤.
الرواية الثامنة ، وبهذه الروايات يخرج عن الأصل دون سائر ما قيل في المقام من الوجوه الضعيفة.
وأمّا ما قيل من أنّ القبول إنّما هو رضى بمضمون الإيجاب ، فلا معنى له مع التقدّم (١).
ففيه ـ مع أنّه اجتهاد في مقابلة الرواية ـ : منع عدم معقوليّته مع التقدّم ، إذ المؤخّر هو لفظ الإيجاب ، وأمّا الرضا بإيقاعه فقد وقع بالإذن في التزويج ، وهذا القدر كاف في معقوليّة القبول ، فيقبل القابل ما سيوجبه الموجب.
نعم ، لو قيل بما لا يتمّ معناه بدون الإيجاب اتّجه تأخّره ، نحو : قبلت ، و : رضيت ، بدون ذكر التزويج أو النكاح ، وأمّا لو قال : قبلت تزويج فلانة لفلان ، أو : رضيت بتزويج فلانة بفلان ، فلا بأس.
ومنهم من منع من تقديم نحو لفظ : قبلت ورضيت مطلقا ، لعدم صدق المعنى (٢). وضعفه ظاهر.
هذا كلّه في الإيجاب ، وأمّا القبول فهو أيضا كالإيجاب في الأول ، فيجب كونه قبولا للتزويج أو النكاح ، نحو قوله : نكحت ، أو : تزوّجت ، أو : قبلت النكاح أو : التزويج ، أو : رضيت به ، أو : قبلت ، أو : رضيت مطلقا ، بعد تقدّم إيجاب التزويج أو النكاح ، فلا يجوز : تمتّعت ، أو : قبلت التمتّع ، أو نحو ذلك ، للأصل المذكور.
وكذا يجب كونه عربيّا على الأحوط.
__________________
(١) كما في جامع المقاصد ١٢ : ٧٤.
(٢) انظر الروضة ٥ : ١١٠ ، الرياض ٢ : ٦٩.
وأمّا الماضويّة فالظاهر عدم اشتراطها ، فيصحّ. أتزوّجك.
لا لجميع الروايات المتضمّنة له في عقد التمتّع ، لاختصاصها به ، وعدم الفصل غير ثابت ، بل صرّح بعض شرّاح المفاتيح بذهاب جماعة من أصحابنا إلى جواز المستقبل في المتعة خاصّة.
بل لخصوص الرواية الثامنة ، المصرّحة : بأنّه لو لم يذكر الأجل يصير تزويج مقام.
وكذا : زوّج نفسك ، بصيغة الأمر ، للرواية السادسة.
وأمّا غير المستقبل والأمر ـ كالاستفهام بأن يقول : هل زوّجت؟ بدون ذكر قبول بعده ـ فلا دليل على كفايته.
فروع :
أ : يجب أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج.
لأنّها التي تأخذ العوض.
ولأنّه الوارد في الأخبار ، فيعمل في غيره بالأصل المتقدّم.
ب : يجب قصد الإنشاء في كلّ من الإيجاب والقبول ، بالإجماع.
وهو يحصل بمجرّد قصد أنّه يوقع النكاح أو قبوله بهذا اللفظ وإن لم يعلم معنى الإنشاء والإخبار.
ج : الظاهر وجوب فهم كلّ من المتعاقدين معنى الصيغة التي يتلفّظ بها ، ولو بالتلقين والتعليم.
د : لو لحن في الصيغة ، فإن كان مغيّرا لمعناها لم يصحّ ، وإلاّ فكذلك على الاحتياط إن كان في نفس لفظ الإيجاب أو القبول ، دون ما إذا كان في سائر ما يذكر ، كذكر الصداق والشروط ونحوها.
المسألة الثانية : يشترط في العاقد ـ سواء كان أحد الزوجين أو وكيله أو وليّه ـ الكمال بالبلوغ والعقل.
فلا يجوز عقد الصبي ولا المجنون في حال جنونه ، للأصل المتقدّم ، وفقد دليل خاصّ أو عامّ.
ولا يتوهّم إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة المتضمّنة لكفاية قول : أتزوّجك ، لأنّها إمّا متضمّنة للرجل ، أو خطاب إلى البالغ العاقل فلا يشمل غيره ، مع أنّها في مقام بيان حكم آخر ، وهو يوهن في الإطلاق.
ولا السكران ، لما ذكر ، إلاّ السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ، فيصحّ عقدها لنفسها لا للغير ، وفاقا للصدوق والنهاية والقاضي واختاره في الكفاية (١) وشرح المفاتيح.
لصحيحة ابن بزيع : عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمَّ أفاقت وأنكرت ، ثمَّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال عليهالسلام : « إذا قامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها » قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال : « نعم » (٢).
__________________
(١) الصدوق في المقنع : ١٠٢ ، النهاية : ٤٦٨ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٩٦ ، الكفاية : ١٥٥.
(٢) الفقيه ٣ : ٢٥٩ ـ ١٢٣٠ ، التهذيب ٧ : ٣٩٢ ـ ١٥٧١ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٨ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٤ أبواب عقد النكاح ب ١٤ ح ١.
وحملها على سكر لم يبلغ حدّ عدم التحصيل ـ كما في المختلف (١) ـ بعيد.
وعلى صورة جهل الزوج بالسكر وإرادة الحلّية الظاهريّة له ـ كما قاله بعض الأجلّة (٢) ـ أبعد ، ويأباه لفظ : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ واشتمالها على الإنكار أولا ، فلا يفيد الرضا بعده.
والرضا لمظنّة اللزوم ـ وهو غير الرضا المعتبر ـ غير ضائر ، لعدم كونه من قبيل الفضولي ، الذي يجب فيه عدم مسبوقيّة الإجازة بالإنكار ، مع أنّ العبرة بعموم الجواب ، فلا يضرّ خروج هذا الفرد الذي في السؤال بدليل لو كان.
واحتمال أن يكون حكم الإمام بالجواز لمحض رضاها لا لأجل ما فعل في حال السكر ، فيفيد عدم اشتراط لفظ ، ويضعّف الخبر بالشذوذ.
مردود بأنّه وإن احتمل بعيدا ولكن شذوذه في صورة مسبوقيّته بنحو هذا التزويج أيضا غير معلوم.
خلافا للأكثر ، للأصل ، وضعف الرواية بمخالفتها الأصول القطعيّة والشهرة العظيمة.
والأصل يندفع بالرواية ، والأصول إنّما تصير قطعيّة بالأدلّة الشرعيّة ، فكيف يقبل الأصل مع مخالفته لها؟!
والشهرة إنّما توجب الضعف لو بلغت حدّا يكون مخالفها شاذّا ، وهو
__________________
(١) المختلف : ٥٣٨.
(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ١٤.