أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-073-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٦٣
وفي رواية عليّ بن أبي حمزة : « لكلّ شهر عمرة » ، قلت : يكون أقلّ؟ قال : « لكلّ عشرة أيّام عمرة » (١).
وموثّقة إسحاق : « السنة اثنا عشر شهرا ، يعتمر لكلّ شهر عمرة » (٢).
إلى غير ذلك (٣).
وأفضل أيّام السنة لها شهر رجب ، بلا خلاف فيه كما قيل (٤) ، وتدلّ عليه المستفيضة من الصحاح وغيرها :
ففي صحيحة زرارة : « فأفضل العمرة عمرة رجب » (٥).
وفي صحيحة ابن عمّار : « وأفضل العمرة عمرة رجب » (٦).
وفي أخرى : أيّ العمرة أفضل : عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال : « لا ، عمرة في رجب أفضل » (٧).
وأمّا رواية عليّ بن حديد : الخروج في شهر رمضان أفضل أو أقيم حتى ينقضي الشهر وأتمّ صومي؟ فكتب إليّ كتابا قرأته بخطّه : « سألت يرحمك الله عن أيّ العمرة أفضل ، عمرة شهر رمضان أفضل ، يرحمك الله » (٨).
فالمراد أفضليّتها عن الإقامة والصوم كما يدلّ عليه صدرها.
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٩ ، بتفاوت يسير.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٨.
(٣) الوسائل ١٤ : ٣٠٧ أبواب العمرة ب ٦.
(٤) المنتهى ٢ : ٨٧٧.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٣ ـ ١٥٠٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٠١ أبواب العمرة ب ٣ ح ٢.
(٦) الكافي ٤ : ٥٣٦ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٣ أبواب العمرة ب ٣ ح ١٣.
(٧) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٤٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٠١ أبواب العمرة ب ٣ ح ٣.
(٨) الكافي ٤ : ٥٣٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٤ أبواب العمرة ب ٤ ح ٢.
وتحقّق العمرة فيه بالإحرام فيه وإن أكملها في غيره ، وبالإكمال فيه وإن أهلّها في غيره.
لصحيحة ابن سنان : « إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة فعمرتك رجبيّة » (١).
ورواية عيسى الفرّاء : « إذا أهلّ بالعمرة في رجب وأحلّ في غيره كانت عمرته لرجب ، وإذا أهلّ في غير رجب وطاف في رجب فعمرته لرجب » (٢).
المسألة الرابعة : يتخيّر في العمرة المفردة بين الحلق والتقصير ، بلا خلاف كما قيل (٣) ، والحلق أفضل.
وتدلّ على التخيير صحيحة ابن سنان : في الرجل يجيء معتمرا عمرة مبتولة ، قال : « يجزئه إذا طاف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافا واحدا بالبيت ، ومن شاء أن يقصّر قصّر » (٤).
وصحيحة ابن عمّار : « المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصّر » (٥).
وعلى أفضليّة الحلق ما في هذه الصحيحة أيضا : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في العمرة المبتولة : اللهمّ اغفر للمحلّقين ، فقيل : يا رسول الله وللمقصّرين ، فقال : اللهمّ أغفر للمحلّقين ، فقيل : يا رسول الله
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٤٩ ، الوسائل ١٤ : ٣٠١ أبواب العمرة ب ٣ ح ٤.
(٢) الكافي ٤ : ٥٣٦ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٢ أبواب العمرة ب ٣ ح ١١.
(٣) في القواعد ١ : ٩٢ ، التحرير ١ : ١٢٩.
(٤) الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ٣١٦ أبواب العمرة ب ٩ ح ١.
(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٨ ـ ١٥٢٣ ، الوسائل ١٣ : ٥١١ أبواب التقصير ب ٥ ح ١.
وللمقصّرين ، فقال : وللمقصّرين ».
وحسنة سالم بن الفضيل (١) : دخلنا بعمرة فنقصّر أو نحلق؟ فقال : « احلق ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترحّم على المحلّقين ثلاث مرّات ، وعلى المقصّرين مرّة » (٢١).
المسألة الخامسة : من أحرم بالعمرة المفردة في أشهر الحج ودخل مكّة جاز أن ينوي بها عمرة التمتّع ويحجّ بعدها ، ويلزمه دم الهدي حينئذ ، لصحيحة عمر بن يزيد (٣) ، بل مقتضى الصحيحة جواز إيقاع حجّ التمتّع بعدها وإن لم ينو بها التمتّع.
وعلى هذا ، فلا حاجة إلى تقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعيّنة بنذر وشبهه ، كما فعله بعضهم.
__________________
(١) في النسخ : سالم بن الفضل ، وفي الوسائل : سالم أبو الفضل ، والظاهر ما أثبتناه.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٤٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١٣.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ١٤ : ٣١٢ أبواب العمرة ب ٧ ح ٥.
المقصد الخامس
في الصدّ والإحصار
وفيه مقدّمة ومقامان :
المقدّمة
اعلم أنّ المراد بالمحصور هنا : من منعه المرض خاصّة عن إتمام أفعال الحجّ بعد التلبّس به ، وبالمصدود : من منعه العدو وما في معناه خاصّة ، بلا خلاف عندنا في ذلك كما قيل (١) ، وعن ظاهر المنتهى : أنّه اتّفاقيّ بين الأصحاب (٢) ، وفي المسالك : أنّه الذي استقرّ عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم (٣) ، بل قيل بتصريح جماعة بالإجماع منّا على ذلك مستفيضا (٤).
وتدلّ عليه أيضا من الأخبار صحيحة ابن عمّار : « المحصور غير المصدود ، والمحصور : المريض ، والمصدود : الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والصحابة ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له النساء » (٥).
وصحيحته الأخرى المرويّة في الكافي ، وفيها ـ بعد ذكر أنّ الحسين عليهالسلام مرض في الطريق ـ : قلت : فما بال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت؟ قال : « ليسا سواء ، كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) الرياض ١ : ٤٣٨.
(٢) المنتهى ٢ : ٨٤٦.
(٣) المسالك ١ : ١٢٨.
(٤) انظر الرياض ١ : ٤٣٨.
(٥) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٦٧ ، المقنع : ٧٧ ، معاني الأخبار : ٢٢٢ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ١٧٧ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ١ ، بتفاوت.
مصدودا والحسين عليهالسلام محصورا » (١).
وفي صحيحة البزنطي : أخبرني عن المحصور والمصدود هما سواء؟ فقال : « لا » (٢) ، ويستفاد تغايرهما من أخبار أخر أيضا (٣).
وقال في المسالك : إنّه مطابق للّغة أيضا ، واستشهد له بما نقله الجوهري عن ابن السكّيت أنّه قال : أحصره المرض : إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها (٤).
ونقله عنه الفيّومي أيضا وعن ثعلب ، وعن الفّراء : أنّ هذا هو كلام العرب ، وعليه أهل اللغة (٥).
وقيل ـ بعد نقل ما مرّ عن المسالك ـ : ولكن المحكيّ عن أكثر اللغويين اتّحاد الحصر والصدّ ، وأنّهما بمعنى المنع من عدو كان أو مرض (٦).
أقول : في كلام المسالك وبعض آخر نوع خلط في النقل عن أهل اللغة ، فإنّ أكثر اللغويين ـ كابن السكّيت وثعلب والفرّاء والأخفش والشيباني والفيّومي والجوهري والفيروزآبادي وابن الأثير وصاحب المغرب (٧) ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٧٨ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٣ ، وفيه : .. حين رجع إلى المدينة .. ليس هذا مثل هذا ..
(٢) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٤ ـ ١٦٢٢ ، الوسائل ١٣ : ١٧٩ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٤.
(٣) الوسائل ١٣ : ١٧٧ أبواب الإحصار والصدّ ب ١.
(٤) المسالك ١ : ١٢٨ ، وهو في الصحاح ٢ : ٦٣٢.
(٥) المصباح المنير : ١٣٨.
(٦) انظر الرياض ١ : ٤٣٨.
(٧) حكاه ابن السكّيت والأخفش في الصحاح ٢ : ٦٣٢ ، وعن ثعلب والفرّاء والشيباني في المصباح المنير : ١٣٨ ، الفيومي في المصباح المنير : ١٣٨ ، الجوهري في الصحاح ٢ : ٦٣٢ ، الفيروزآبادي في القاموس المحيط ٢ : ١٠ ، ابن الأثير في النهاية ١ : ٣٩٥.
وغيرهم (١) ـ على أنّ الإحصار هو : الحبس للمرض ، ونقله في تفسير العالم عن أهل العراق ، وعن كلام العرب.
وأنّ الحصر هو : الحبس للعدو ، وصرّح بهذه التفرقة أبو عبيدة والكسائي وصاحبا المجمع والكشّاف (٢).
فالصدّ هو المرادف للحصر عند أكثر اللغويين دون الإحصار.
وكيف كان ، فلا فائدة في نقل كلام أهل اللغة ، إذ لا ريب في المغايرة بين الصدّ وبين الحصر ، وأنّ المعنى ما ذكره أصحابنا ، للنصّ الصحيح من أهل العصمة سلام الله عليهم.
وتظهر الفائدة فيما يترتّب على اللفظين من الأحكام ، فإنّهما وإن اشتركا في ثبوت أصل التحلّل بهما في الجملة ، ولكنّهما يفترقان في بعض الأحكام من عموم التحلّل وعدمه ، ومكان ذبح هدي التحلّل ، وغير ذلك.
ولو اجتمع الإحصار والصدّ على المكلّف ـ بأن يمرض ويصدّه العدو ـ يتخيّر في أخذ حكم ما شاء منهما ، وأخذ الأخفّ ( من أحكامهم ) (٣) ، لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم ، سواء عرضا دفعة أو متعاقبين ، وفاقا لجماعة (٤) ، وسيأتي تحقيقه.
__________________
(١) كابن منظور في لسان العرب ٤ : ١٩٥.
(٢) حكاه عن أبي عبيدة في لسان العرب ٤ : ١٩٥ ، مجمع البيان ١ : ٢٨٩ ، الكشاف ١ : ٢٤٠.
(٣) بدل ما بين القوسين في « س » : منهما.
(٤) كالشهيد في الدروس ١ : ٤٨٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٦٧.
المقام الأول
في أحكام المصدود
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إذا تلبّس المكلّف بإحرام الحجّ أو العمرة وجب عليه الإكمال ، إجماعا فتوى ودليلا ، كتابا وسنّة ، قال الله سبحانه ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (١).
ومتى صدّ بعد إحرامه ـ ولم يكن له طريق سوى ما صدّ عنه ، أو كان له طريق ولم يمكن له المسير منه ، إمّا لقصور نفقته عنه ، أو عدم الرفقة ، أو غير ذلك ـ فيحلّ حيث صدّ عن كلّ شيء حرم عليه بالإحرام ، بلا خلاف يعرف ، كما في الذخيرة (٢) ، بل بالإجماع ، كما عن التذكرة (٣).
وتدلّ عليه صحيحتا ابن عمّار المتقدّمتان (٤).
وفي ثالثة : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين صدّه المشركون يوم الحديبية نحر وأحلّ ورجع إلى المدينة » (٥).
وموثّقة زرارة : « المصدود يذبح حيث صدّ ، ويرجع صاحبه ويأتي
__________________
(١) البقرة : ١٩٦.
(٢) الذخيرة : ٧٠٠.
(٣) التذكرة ١ : ٣٩٥.
(٤) في ص : ١٢٧.
(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٦ ـ ١٥١٧ ، وفي التهذيب ٥ : ٤٢٤ ـ ١٤٧٢ ، والوسائل ١٣ : ١٩١ أبواب الإحصار والصدّ ب ٩ ح ٥ : نحر بدنة ورجع إلى المدينة.
النساء » الحديث (١).
ورواية حمران : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين صدّ بالحديبيّة قصّر وأحلّ ونحر ، ثمَّ انصرف منها ، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك ، فأمّا المحصور فإنّما يكون عليه التقصير » (٢).
والمرسلة ، وفيها : « والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه ، ويقصّر من شعر رأسه ويحلّ ، وليس عليه اجتناب النساء ، سواء كانت حجّته فريضة أو سنّة » (٣).
وفي الرضويّ : « وإن صدّ رجل عن الحجّ وقد أحرم فعليه الحجّ من قابل ، ولا بأس بمواقعة النساء ، لأنّ هذا مصدود وليس كالمحصور » (٤).
وهل يتوقّف التحلّل على ذبح الهدي أو نحره فلا يقع التحلّل إلاّ به ، أو يحصل التحلّل بدونه؟
الأول : مذهب الأكثر ، كما في المدارك والذخيرة (٥) وغيرهما (٦).
للآية الشريفة (٧).
ولفعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الحديبية.
ولموثّقة زرارة السابقة ، ومرسلة الفقيه : « المحصور والمضطرّ ينحران
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٩ ، الوسائل ١٣ : ١٨٠ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٥.
(٢) الكافي ٤ : ٣٦٨ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ١٨٦ أبواب الإحصار والصدّ ب ٦ ح ١.
(٣) المقنعة : ٤٤٦ ، الوسائل ١٣ : ١٨٠ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٦.
(٤) فقه الرضا عليهالسلام : ٢٢٩ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٣٠٩ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٣.
(٥) المدارك ٨ : ٢٨٩ ، الذخيرة : ٧٠٠.
(٦) انظر المفاتيح ١ : ٢٨٦ ، الرياض ١ : ٤٣٨.
(٧) البقرة : ١٩٦.
بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه » (١).
ولاستصحاب حكم الإحرام.
والثاني : مذهب الحلّي (٢).
لأصل البراءة ، وضعف ما مرّ من الأدلّة ، لورود الآية في المحصور ، وقد عرفت إطباق اللغويين على اختصاص الإحصار بالحصر بالمرض.
وقول جماعة من المفسّرين بنزول الآية في حصر الحديبية (٣) لا يثبت شمولها للصدّ أيضا ، وقوله سبحانه ( فَإِذا أَمِنْتُمْ ) في ذيل الآية لا يخصّصها به أيضا ، لتحقّق الأمن في المريض أيضا ، مع أنّها لو دلّت على حكم المصدود أيضا عموما أو خصوصا لم تفد ، لعدم صراحتها في الوجوب.
وعدم دلالة فعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على الوجوب أولا ، وعدم توقّف التحليل عليه ثانيا ، سيّما مع ذكر نحره بعد الحلّ في بعض الأخبار المتقدّمة.
ومنهما يظهر ضعف دلالة الأخبار المذكورة أيضا.
ومعارضة الاستصحاب بمثله من استصحاب حال العقل ، فيبقى الأصل بلا معارض ، بل يؤيّده إطلاق صحيحة ابن عمّار الاولى والرضويّ.
ولذا تردّد في المدارك والذخيرة في المسألة (٤) ، وهو في محلّه جدّا.
بل قول الحلّي في غاية المتانة والجودة.
ولم يكتف جماعة من المشترطين للهدي به خاصّة ، فاشترطوا نيّة
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٠٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ١٣ : ١٨٧ أبواب الإحصار والصدّ ب ٦ ح ٣.
(٢) السرائر ١ : ٦٤١.
(٣) منهم النيشابوري في حواشي تفسير الطبري ٢ : ٢٤٢ ، الفخر الرازي في تفسيره الكبير ٥ : ١٦١ ، أبو السعود في تفسيره ١ : ٢٠٧.
(٤) المدارك ٨ : ٢٨٩ ، الذخيرة : ٧٠٠.
التحلّل بالذبح أو النحر أيضا ، لوجوه ضعيفة غايتها.
فالحقّ : عدم الحاجة إليها وإن قلنا باشتراط الهدي.
وجواز بقائه على إحرامه ـ وإن ذبح إذا لم ينو التحلّل ـ لا يفيد ، لاشتراط نيّة التحلّل في الهدي ، بل له أن ينويه قبله أو بعده أيضا.
ثمَّ ممّا ذكرنا ظهر : أنّه كما لا يتوقّف التحليل على الهدي لا دليل على وجوبه أيضا ، كما هو مذهب الحلّي.
نعم ، يستحبّ ، للأخبار المذكورة.
خلافا للمشهور ، بل عن الغنية والمنتهى : إجماعنا عليه (١) ، لما مرّ من أدلّة اشتراطه للتحلّل بجوابها.
والاحتياط في الهدي والتحلّل بعده.
وعليه ، فهل يتعيّن مكان الصدّ لذبحه ، أو يجوز له البعث كالمحصور؟
فيه قولان ، للأول : الأخبار المذكورة.
وللثاني : قصورها عن إفادة الوجوب ، سيّما مع احتمال ورودها مورد توهّم وجوب البعث ، وهو الأقوى.
وهل يتوقّف التحلّل على التقصير ، كما عن المقنعة والمراسم (٢)؟
أو الحلق ، كما عن الغنية والكافي (٣)؟
أو أحدهما مخيّرا بينهما ، كما عن الشهيدين (٤)؟
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، المنتهى ٢ : ٤٨٦.
(٢) المقنعة : ٤٤٦ ، المراسم : ١١٨.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، الكافي : ٢١٨.
(٤) الدروس ١ : ٤٧٩ ، الروضة ٢ : ٣٦٨ ، المسالك ١ : ١٢٩.
أو لا يتوقّف على شيء منهما ، كما عن الشيخ (١) ، بل نسب إلى الأكثر (٢) ، وهو ظاهر الشرائع والنافع (٣)؟
الحقّ هو : الأخير ، للأصل ، وإطلاق أكثر الأخبار المتقدّمة.
وللأول : رواية حمران والمرسلة المتقدّمتين.
وثبوت التقصير أصالة.
ولم يظهر أنّ الصدّ أسقطه ، فالإحرام يستصحب إليه.
وفي الروايتين ما مرّ من عدم دلالتهما على الوجوب ، ثمَّ على التوقّف.
وفي الأخير منع ثبوته أصالة ، وإنّما هو في محلّ خاصّ قد فات بالصدّ جزما.
والاستصحاب معارض بما مرّ ، مع أنّه إنّما يكون في مقام الشكّ ، ولا شكّ هنا بعد إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة بجواز الإحلال بالصدّ من غير اشتراط التقصير.
وللثاني : رواية عامّية متضمّنة لحلق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤).
وموثّقة الفضل الواردة في رجل أخذه سلطان ، وفيها : « هذا مصدود من الحجّ ، إن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ، وليسع أسبوعا ، ويحلق رأسه ، ويذبح شاة » (٥).
وفيه : منع الدلالة على الوجوب أولا ، والمعارضة مع ما مرّ ثانيا.
__________________
(١) في النهاية : ٢٨٢.
(٢) الرياض ١ : ٤٣٩.
(٣) الشرائع ١ : ٢٨٠ ، والنافع : ١٠٠.
(٤) انظر المغني لابن قدامة ٣ : ٣٨٠.
(٥) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٤٦٥ ـ ١٦٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٨٣ أبواب الإحصار والصدّ ب ٣ ح ٢ ، بتفاوت.
وللثالث : الجمع بين الأخبار. وجوابه ظاهر.
المسألة الثانية : هل يجوز الإحلال بالصدّ مطلقا ولو مع رجاء زوال المانع بل ظنّه ، أم لا؟
قيل : ظاهر إطلاق النص والفتوى : الأول (١) ، بل قيل : هو ظاهر الأصحاب ، حيث صرّحوا بجوازه مع ظنّ انكشاف العدو قبل الفوات (٢).
ونسبه في الذخيرة إلى المعروف من مذهب الأصحاب (٣).
ويظهر من الشهيد الثاني : الثاني ، وأنّ التحلّل إنّما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت (٤) ، وتبعه بعض آخر ، فقال : الظاهر اختصاص الجواز بصورة عدم الرجاء قطعا أو ظنّا (٥).
حجّة الأول : تحقّق الصدّ في موضع البحث ، فيلحقه حكمه ، للإطلاقات.
ودليل الثاني : الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن من إطلاق النصّ والفتوى ، وهو قويّ جدّا ، لإمكان منع صدق الصدّ مع ظنّ الزوال.
المسألة الثالثة : ما مرّ من تحلّل المصدود إنّما هو على الرخصة والجواز دون الحتم والوجوب ، فيجوز له ـ في إحرام الحجّ والعمرة المتمتّع بها ـ البقاء على إحرامه إلى أن يتحقّق الفوات ، فيتحلّل بالعمرة كما هو شأن من فاته الحجّ ، ويجب عليه إكمال أفعال العمرة إن أمكن ، وإلاّ تحلّل بهدي إن استمرّ المنع ، وإلاّ بقي على إحرامها إلى أن يأتي بأفعالها.
__________________
(١) الرياض ١ : ٤٣٩.
(٢) الحدائق ١٦ : ١٥.
(٣) الذخيرة : ٧٠١.
(٤) الروضة ٢ : ٣٧٠.
(٥) انظر الرياض ١ : ٤٣٩.
وأمّا في إحرام العمرة المفردة فلم يتحقّق الفوات ، بل يتحلّل منها عند تعذّر الإكمال ، ولو تأخّر الإحلال كان جائزا ، فإن أيس من زوال العذر تحلّل بالهدي حينئذ.
المسألة الرابعة : لا شكّ في تحقّق الصدّ في الحجّ والعمرة بحصول المانع عن غير الإحرام من مناسكهما طرّا.
وأمّا في الصدّ عن بعض المناسك فقد يقال بصدق المصدود فيه مطلقا ، لصدق الصدّ ، وعموم المصدود.
وفيه نظر ، لأنّ المصدود في الأخبار مقتض ويقتضي ذكر ما صدّ عنه ، وهو كما يحتمل العموم يحتمل إرادة جميع الأفعال أو عمدتها ، فعلى هذا يكون مجملا كما حقّقنا في موضعه ، إلاّ أنّه ورد في موثّقة الفضل المتقدّمة والآتية : « هذا مصدود من الحجّ » ، وكذا في الرضوي (١).
ومنه يعلم أنّ المراد : المصدود من الحجّ ، ولازمه صدق الصدّ متى بقي من الأفعال ما لم يتمّ الحجّ بدونه ، فكلّ عمل يبطل الحجّ بتركه يكون الممنوع عنه مصدودا البتّة وإن أتى بغيره ممّا تقدّم عليه أو تأخّر ، فهذا هو الأصل في صدق المصدود.
بل لنا أن نقول بصدقه على كلّ من لم يتمّ أفعال الحجّ أو العمرة ، وإثبات عمومه من قوله في صحيحة ابن عمّار : « والمصدود هو الذي ردّه المشركون » (٢) ، فإنّ الردّ يصدق ما لم يتمّ المقصود ، وهو تمام المناسك ،
__________________
(١) راجع ص : ١٣١.
(٢) الكافي ٤ : ٣٦٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ ـ ١٤٦٧ ، المقنع : ٧٧ ، معاني الأخبار : ٢٢٢ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ١٧٧ أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ١.
فما لم يتمّ ما هو نهض بصدده يصدق عليه أنّه ردّ ، فيكون مصدودا.
وعلى هذا ، فلا ينبغي الريب في تحقّقه في الحجّ بالمنع عن الموقفين ، وفي الذخيرة : لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب (١).
وتدلّ عليه موثّقة الفضل الواردة في رجل أخذه السلطان يوم عرفة ولم يعرّف ، وفيها : فإن خلّى عنه يوم الثاني ـ أي ثاني يوم النحر (٢) ـ كيف يصنع؟ قال : « هذا مصدود من الحجّ » الحديث (٣).
وكذا عن أحدهما إذا كان ممّا يفوت بفواته الحجّ ، والوجه ظاهر ممّا ذكرناه ، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا ، بل قيل فيه وفي سابقة اتّفاقا (٤).
ولو صدّ ـ بعد إدراك الموقفين ـ من مناسك منى يوم النحر خاصّة دون مكّة ، فإن أمكنت الاستنابة لها استناب وقد تمَّ نسكه بمنى ، قيل : بلا خلاف (٥).
والوجه فيه : أنّ مع ثبوت الاستنابة فيها وإمكانها لا يصدق عليه المصدود من الحجّ ولا المردود عنه ، ولكن يخدشه صدق الردّ في الجملة وإن لم يكن مردودا عن الحجّ ، فتأمّل.
وإن لم يمكن الاستنابة ، ففي البقاء على إحرامه وجواز التحلّل وجهان ، بل قولان : من الأصل ، ومن إفادة الصدّ التحلّل عن الجميع ، فعن بعضه بطريق أولى ، وعموم نصوص الصدّ.
__________________
(١) الذخيرة : ٧٠٠.
(٢) جملة : أي ثاني يوم النحر ، من كلام المصنّف رحمهالله.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٥ ـ ١٦٢٣ ، وفي الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٨ ، والوسائل ١٣ : ١٨٣ أبواب الإحصار والصدّ ب ٣ ح ٢ : فإن خلّى عنه يوم النفر ..
(٤) كما في الرياض ١ : ٤٣٩.
(٥) كما في الرياض ١ : ٤٣٩.
ويمكن الخدش في الأصل بالمعارضة كما مرّ.
وفي الأولويّة بالمنع ، لاحتمال خصوصيّة في الصدّ عن الجميع لا توجد في الصدّ عن الأبعاض.
وفي العموم بما ذكر ، لأنّه ليس مصدودا عن الحجّ.
نعم ، استلزام البقاء على الإحرام إلى القابل العسر والحرج المنفيّين في الشريعة ـ سيّما مع إمكان عدم التمكّن في القابل أيضا ، وصدق مطلق الردّ ، المؤيّدين بأصالة عدم الحرمة بعد سقوط الاستصحابين ـ يقوّي القول الثاني هنا.
ومنه تظهر قوّة القول بجواز التحلّل لو كان المنع من مكّة ومنى جميعا ، بل وكذا لو منع من مكّة خاصّة ، بل الأمر فيهما أظهر ، لاستلزامهما ترك الطواف والسعي ، الموجب لفوات الحجّ ، بمقتضى أصل عدم الإجزاء مع عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وظهور صدق الردّ.
ولو كان المنع من العود إلى منى لمناسكها بعد قضاء مناسك مكّة فلا يتحقّق الصدّ عندهم ، بل حكي نقل جماعة من الأصحاب الإجماع عليه ، فيصحّ الحجّ ، ويستنيب في الرمي إن أمكن ، وإلاّ قضاه حيث أمكن (١) ، وهو كذلك.
مع أنّه لا ثمرة يعتدّ بها تظهر حينئذ ، لصحّة الحجّ ، وحصول التحلّل ، وعدم وجوب هدي آخر قطعا.
هذا في الحجّ.
وأمّا العمرة ، فيتحقّق الصدّ بالمنع من دخول مكّة قطعا ، وكذا بالمنع
__________________
(١) الرياض ١ : ٤٣٩.
من أفعالها بعد دخول مكّة ، والسعي خاصّة أيضا ، لصدق المصدود من الحجّ أو العمرة ، وعدم ثبوت جواز الاستنابة في الأفعال لمثله ، ولا دليل على صحّة عمرته أو حجّه.
المسألة الخامسة : لا يسقط الحجّ المستقرّ في الذمّة قبل عام الصدّ بالصدّ ، ولا مع بقاء الاستطاعة إلى العام المقبل ، ويسقط لو كان ذلك العام عام أول استطاعته وانتفت الاستطاعة.
ويسقط المندوب ، أي لا يجب إتمامه ـ كما أوجبه أبو حنيفة وأحمد في رواية (١) ـ للأصل ، والإجماع ، كما هو ظاهر التذكرة والمنتهى (٢) ، وإنّما يقضيه ندبا.
المسألة السادسة : لو كان هناك مسلك آخر غير ما فيه الصد فلا صدّ ، ولو كان أطول وأمكن الوصول منه.
ولو خشي الفوات منه لبعده لم يتحلّل ، لعدم صدق الصدّ والردّ ، بل يسلكه إلى أن يتحقّق الفوات ، ثمَّ يتحلّل بالعمرة المفردة كما هو شأن من فاته الحجّ ، أو يعدل من العمرة المتمتّع بها إلى الإفراد.
المسألة السابعة : المحبوس بدين يقدر على أدائه ليس مصدودا ، والوجه ظاهر.
وبدين لا يقدر على أدائه مصدود على الأقوى ، لصدق المصدود من الحجّ عليه ، لأنّه بمعنى الممنوع لغة كيف ما كان.
نعم ، مقتضى الروايات اختصاصه بما إذا كان المنع بغير المرض ،
__________________
(١) انظر المغني لابن قدامة ٣ : ٣٧٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وبداية المجتهد ١ : ٣٥٥.
(٢) التذكرة ١ : ٣٩٦ ، المنتهى ٢ : ٨٤٧.
وذكر العدو في بعض الأخبار إنّما وقع على سبيل التمثيل ، وذكر بعض الأفراد لا لحصر الحكم فيه.
والمحبوس ظلما ـ لمطالبة مال غير قادر عليه أو موجب صرفه لإتلافه ـ مصدود ، ولمطالبة ما يقدر عليه قليلا أو كثيرا غير مصدود ، وإن لم نقل بوجوب دفعه لأجل الضرر ، فإنّ الصدّ أمر ، وعدم وجوب البذل لأجل نفي الضرر أمر آخر ، والكلام هنا في الأول.
ولا شكّ أنّ مع خلو السرب ببذل مال مقدور عليه لا يكون السرب مصدودا ، ولا أقلّ من الشكّ في صدق الصدّ وإن قلنا بعدم وجوب بذله ، غايته أنّه يكون باقيا على إحرامه ولا يكون بذلك آثما.
والحاصل : أنّ الصدّ مسألة ، ووجوب بذل المال للخلاص وتخلية السرب مسألة أخرى ، ويمكن جمع عدم وجوب البذل مع عدم الصدّ ، والكلام هنا في الاولى ، وأمّا الثانية فقد مرّ تحقيقها في بحث الاستطاعة.
المسألة الثامنة : لو صابر المصدود ولم يتحلّل حتى فات الحجّ ، قالوا : لم يجز له التحلّل ، بل يتحلّل بالعمرة. فإن ثبت الإجماع عليه وإلاّ فللبحث فيه مجال ، لاستصحاب جواز التحلّل ، وصدق المصدود من الحجّ.
المسألة التاسعة : لو تحلّل المصدود ثمَّ اتّفق رفع المانع مع بقاء الوقت ، يستأنف العمل ، ولو ضاق الوقت عن التمتّع انتقل إلى الإفراد.
المسألة العاشرة : من أفسد حجّه ثمَّ صدّ ، يجب عليه الإتيان بوظيفة المفسد ، لأدلّته واستصحابه ، وثبتت له وظيفة المصدود أيضا ، لصدقه.
المسألة الحادية عشرة : لو أمكن رفع المانع ببذل مال غير متضرّر به ، وجب ، لصدق الاستطاعة ووجوب مقدّمة الواجب ، ولم يكن مصدودا.