أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٨
لصدق الضرر على بذل الزائد على الثمن مطلقا ، كما يظهر من استدلال بعضهم لخيار الغبن مطلقا بنفي الضرر. (١) إلاّ أنّ في صدق الضرر على مثل ذلك نظرا ، لما يقع بإزائه من تحصيل مقدّمات الحجّ بملاحظة العلّة المنصوصة في صحيحة صفوان الواردة في شراء ماء الوضوء بمائة درهم أو ألف درهم من قوله : « وما يشتري بذلك مال كثير » (٢) ، فإنّه علّل وجوب الشراء بأنّه يشتري بإزائه مالا كثيرا ، وهو هنا أيضا متحقّق.
وتؤيّده الأخبار الأخر المتضمّنة لشراء ماء الوضوء بمائة ألف أو ألف أو مائة دينار (٣) ، فالأقرب هو مذهب الأكثر.
ومنه يظهر وجوب بيع المتاع أو الضياع بأقلّ من ثمن المثل ولو كثيرا إذا لم يمكن البيع بالثمن ، للعلّة المنصوصة ، ولأنّه يجب البيع لو كان ثمنه الزاد أو الراحلة ويتعدّى إلى ثمنهما بالإجماع المركّب ، مع أنّ العلّة المنصوصة جارية هنا أيضا.
المسألة الخامسة : لو كان له دين وهو قادر على اقتضائه وجب عليه إجماعا ، لصدق الاستطاعة ، ولو لم يقدر لم يجب.
ولو كان مؤجّلا هل تجب عليه الاستدانة للحجّ وأداؤه من ماله بعد الأجل ، وكذا لو كان له مال لا يمكنه الحجّ ولم يمكن بيعه في الحال ، فهل تجب الاستدانة؟
__________________
(١) كما في التذكرة ١ : ٥٢٢.
(٢) الكافي ٣ : ٧٤ ـ ١٧ ، الفقيه ١ : ٢٣ ـ ٧١ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٦ ، الوسائل ٣ : ٣٨٩ أبواب التيمم ب ٢٦ ح ١ ، وفي الفقيه : وما يسوؤني ، وفي الوسائل : وما يسرّني ، بدل : وما يشتري.
(٣) انظر الوسائل ٣ : ٣٨٩ أبواب التيمم ب ٢٦.
صرّح في المنتهى بالعدم (١) ، وفي الدروس والمدارك بالوجوب (٢).
دليل الأول : الأصل ، وعدم الاستطاعة من ماله.
ودليل الثاني : صدق التمكّن من الحجّ ، فيكون مستطيعا.
وردّ : بأنّ المراد الاستطاعة من ماله ، وقبل الاقتراض ليس كذلك ، فلا يجب عليه ، ولو كان مطلق التمكّن استطاعة لوجبت الاستدانة لو لم يكن له مال أيضا ، بل طلب البذل إذا علم أنّه يبذل له لو طلب ، وهو خلاف الإجماع ، ومنّة القبول وذلّ الطلب حاصلان في الاستدانة أيضا.
وفيه : منع التقييد بالاستطاعة من ماله أولا ، وحصولها بالتمكّن من تحصيل المال ثانيا.
ومنه يعلم ردّ دليل الأول وتماميّة دليل القول الثاني ، فهو الأقرب ، وخرجت الاستدانة من غير مال والسؤال بالأخبار والإجماع ، مع أنّه لو صحّ الأول لزم عدم إجزاء حجّ من فقد ماله في أثناء الطريق أو سرق أو نهب أو صرفه في مصرف (٣) واحتاج إلى الاقتراض ، والظاهر أنّهم لا يقولون به.
المسألة السادسة : هل يجب الحجّ على المديون أم لا؟
تفصيل الكلام فيه : أنّ الدين إمّا معجّل أو مؤجّل ، والأول إمّا أن يكون مطالبا به أم لا ، والثاني إمّا لا يسع الأجل إتمام المناسك والعود أو يسعه ، وعلى التقادير إمّا يكون له ما يقضي دينه زائدا على نفقة الحجّ أم لا ، وعلى الثاني إمّا يظنّ له طريق للوفاء به بعد الرجوع أو لا.
قيل : لا إشكال في عدم الوجوب مع التعجيل وعدم وفاء المال بالحجّ
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٥٣.
(٢) الدروس ١ : ٣١١ ، المدارك ٧ : ٤٤.
(٣) في « ق » و « ح » زيادة : ولم يمكن.
والدين معا ، سواء كان مطالبا به أم لا ، وسواء ظنّ له طريق للوفاء بعد الرجوع أم لا ، وإن تردّد بعضهم في بعض صوره (١).
بل قيل : إنّ الظاهر عدم الجواز مع المطالبة (٢).
وكذا لا إشكال في الوجوب مع كون ماله بقدر ما يقضي به دينه زائدا على نفقة الحجّ مطلقا ، وكذا قيل : الظاهر عدم الوجوب مع التأجيل وعدم سعة الأجل للحجّ والعود.
أقول : الظاهر دخول الإشكال والخدش في أكثر الصور المذكورة ، لأنّ المديون ـ الذي له مال يسع أحد الأمرين من الحجّ والدين ـ داخل في الخطابين : خطاب الحجّ وخطاب أداء الدين ، وإذ لا مرجّح في البين فيكون مخيّرا بين الأمرين.
فالوجه أن يقال : إنّ مع التعجيل أو عدم سعة الأجل هو مخيّر بين الحجّ ووفاء الدين ، سواء علمت المطالبة أم لا.
نعم ، لو علم رضى الدائن بالتأخير فلا يكون مأمورا بالوفاء ، فيبقى خطاب الحجّ خاليا عن المعارض ، فيكون واجبا.
وأمّا إذا كان مؤجّلا بأجل يسع الحجّ والعود ـ سواء ظنّ له طريق للوفاء بعد العود أم لا ـ فلم أعثر للقدماء على قول في المسألة ، وكذا كثير من المتأخّرين.
نعم ، تعرّض لها جماعة منهم ، وهم بين مصرّح بعدم الوجوب إذا لم تفضل عن دينه نفقة الحجّ ، من غير تعرّض للمعجّل أو المؤجّل ، كما في
__________________
(١) انظر المدارك ٧ : ٤٢ ، الذخيرة : ٥٦٠ ، والكفاية : ٥٦.
(٢) قاله في مجمع الفائدة ٦ : ٧٢.
الشرائع (١) وبعض كتب الفاضل (٢).
ومصرّح بعدمه مع التعجيل والتأجيل ، كالمنتهى والتحرير والدروس (٣).
وظاهر المدارك والكفاية والذخيرة التردّد في بعض الصور (٤).
وعن المحقّق الأردبيلي : الوجوب (٥) ، والظاهر أنّه مذهب القدماء ، حيث لم يتعرّضوا لاشتراط الخلوّ عن الدين.
وهو الحقّ ، لصدق الاستطاعة عرفا ، والمستفيضة المصرّحة : بأنّ الاستطاعة هي أن يكون له مال يحجّ به ، كصحاح ابن عمّار (٦) ومحمد (٧) والحلبي (٨) والخثعمي (٩) ، والدالّة على وجوب الحجّ على من له ما يحجّ به من المال ، كمرسلة الصدوق (١٠) وصحيحة ابن عمّار (١١) وغيرهما (١٢).
__________________
(١) في « ق » : اللوامع.
(٢) الشرائع ١ : ٢٢٦ ، إرشاد الأذهان ١ : ٣١٠.
(٣) المنتهى ٢ : ٦٥٣ ، التحرير ١ : ٩١ ، الدروس ١ : ٣١١.
(٤) المدارك ٧ : ٤٢ ، الكفاية : ٥٦ ، الذخيرة : ٥٦٠.
(٥) كما في مجمع الفائدة ٦ : ٧٣.
(٦) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ١١ : ٢٥ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٦ ح ١.
(٧) التهذيب ٥ : ٣ ـ ٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ١.
(٨) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ١١ : ٣٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ٣.
(٩) الكافي ٤ : ٢٦٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٢ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ ـ ٤٥٤ ، الوسائل ١١ : ٣٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ٤.
(١٠) الفقيه ٢ : ٢٧٣ ـ ١٣٣١ ، الوسائل ١١ : ٢٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٦ ح ٨
(١١) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ١١ : ٢٥ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٦ ح ١
(١٢) الوسائل ١١ : ٢٥ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٦.
ولا شكّ أنّ من استدان مالا على قدر الاستطاعة يكون ذلك ملكا له ، فيصدق عليه أنّ عنده مال وله ما يحجّ به ، للاتّفاق على أنّ ما يقرض ملك للمديون ، ولذا جعلوا من إيجاب صيغة القرض : ملّكتك ، وصرّحوا بجواز بيعه وهبته وغير ذلك من أنحاء التصرّفات.
والأخبار المتضمّنة لوجوب الحجّ على من عليه دين بقول مطلق : كصحيحة الكناني : أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوّف الحجّ كلّ عام ، وليس يشغله عنه إلاّ التجارة أو الدين؟ فقال : « لا عذر له متى يسوّف الحجّ إن مات وقد ترك الحجّ فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام » (١).
وابن عمّار : عن رجل عليه دين ، أعليه أن يحجّ؟ قال : « نعم ، إنّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين » (٢).
وموثّقة البصري : « الحجّ واجب على الرجل وإن كان عليه دين » (٣).
والمصرّحة بوجوبه على من عليه دين وليس له ما يقضيه به لو حجّ ممّا في يده ، كصحيحة العطّار : يكون عليّ الدين فتقع في يدي الدراهم ، فإن وزّعتها بينهم لم يقع شيئا ، أفأحجّ بها أو أوزّعها بين الغرماء؟ فقال : « حجّ بها وادع الله أن يقضي عنك دينك » (٤) ، ورواها الكليني ، وفيها : لم
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٦٩ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٦ ح ٤ ، بتفاوت يسير.
(٢) التهذيب ٥ : ١١ ـ ٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٨ ، الوسائل ١١ : ٤٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١١ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٢ ـ ١٦١١ ، الوسائل ١١ : ١٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ٤.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ١١ : ١٤٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ١٠.
يبق شيء (١) ، بدل : لم يقع شيئا.
دليل القائل بعدم الوجوب : عدم صدق الاستطاعة.
وتوجّه الضرر المنفي.
والأخبار الدالّة على عدم الاستقراض للحجّ مع عدم مال يفي بالقرض ، كرواية الواسطي (٢) ، وموثّقة عبد الملك (٣).
ولرواية أبي همام : الرجل يكون عليه الدين ويحضره الشيء ، أيقضي دينه أو يحجّ؟ قال : « يقضي ببعض ويحجّ ببعض » ، قلت : لا يكون إلاّ بقدر نفقة الحجّ ، قال : « يقضي سنة ويحجّ سنة » (٤).
والجواب عن الأول : بالمنع ، لأنّه ماله يجوز له إتلافه ، فكيف لا يستطيع به؟! وعن الثاني أولا : بمنع توجّه الضرر مع ظن طريق للوفاء.
وثانيا : بمنع كون ما بإزائه الثواب والدرجات الرفيعة ضررا ، سيّما مع ما ورد في الأخبار المتكثّرة من أنّ الحجّ أقضى للدين ، وأنّ من حجّ سيقضي الله دينه (٥).
وثالثا : بأنّ هذا لو كان ضررا لكان ممّا أقدم عليه المتداينان ، والضرر
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٧٩ ـ ٥.
(٢) الكافي ٤ : ٢٧٩ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٤٤٢ ـ ١٥٣٦ ، الوسائل ١١ : ١٤١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ٧.
(٣) الكافي ٤ : ٢٧٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٦٧ ـ ١٣٠٠ ، التهذيب ٥ : ٤٤٢ ـ ١٥٣٥ ، الوسائل ١١ : ١٤١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ٥.
(٤) الكافي ٤ : ٢٧٩ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٧ ـ ١٣٠٢ ، الوسائل ١١ : ١٤١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ٦.
(٥) الوسائل ١١ : ١٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠.
الناشئ من عمل المكلّف لا يمنع الأحكام التكليفيّة.
ورابعا : إنّ الضرر ممّا يجب الحكم به مع وجود الدليل الشرعي ، كما في المقام.
وخامسا : أنّه إن أريد توجّه الضرر على المديون ، ففيه : أنّه ليس أكثر ضررا ممّا لو لم يكن عليه دين وكان له ذلك المال ، فإنّه إذا حجّ به يعدّ ماله ولا تسلّط لأحد عليه ، وهذا أيضا كذلك ، إذ لو حصل له بعد العود ما يفي به دينه فيوفّيه وقد حجّ من ماله ، وإلاّ فلا تسلّط عليه ، لوجوب النظرة.
وإن أريد توجّهه على من له الدين ، ففيه : أنّه لو كان كذلك لزم منع المديون عن صرفه في حوائجه وبيعه وهبته وعتقه ، مع أنّه لا خلاف في جواز ذلك ، بل في جواز الحجّ أيضا ، وإنّما النزاع في الوجوب.
وعن الثالث : أنّه غير المتنازع فيه ، لأنّ السؤال فيها وقع عن أن يستقرض ويحجّ ، وكلامنا فيما إذا استقرض ، فإنّ الفرق بين قولك : استقرضت فهل يجب عليّ الحجّ؟ وقولك : هل يجب عليّ الاستقراض للحجّ؟ كما بين قولك : استطعت فهل يجب عليّ الحجّ؟ وقولك : هل يجب علي أن أستطيع وأحجّ؟
مع أنّ هذه الأخبار معارضة بأخبار أخر أكثر وأوضح وأصرح ، كصحيحتي ابن أبي عمير (١) ، ويعقوب (٢) ، ومرسلة الفقيه (٣) ، ورواية
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٤١ ـ ١٥٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٩ ـ ١١٦٨ ، الوسائل ١١ : ١٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٢٧٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٧ ـ ١٢٩٩ ، الوسائل ١١ : ١٤٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ٨.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٦٧ ـ ١٣٠٣ ، الوسائل ١١ : ١٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ١.
عقبة (١).
وعن الرابع أولا : أنّ الظاهر منه أنّ الدين معجّل.
وثانيا : أنّه لا دلالة فيه على تأخير الحجّ من قضاء الدين.
وثالثا : أنّه غير المتنازع فيه ، لأنّ المستفاد من قوله : « يقضي سنة ويحجّ سنة » أنّ هذا الشيء الحاضر ممّا يعتاد أن يحضر كلّ سنة ، كغلّة ضياع ، أو ربح تجارة ، وأمثالهما.
وعلى هذا ، فإن كان الدين معجّلا يجب قضاؤه ولا يجب الحجّ وليس من المتنازع فيه ، وإن كان مؤجّلا ـ فلوجود ما يقضي به الدين عادة بعد حلول الأجل ـ يجب عليه الحجّ إجماعا ، ولا نزاع فيه أيضا.
المسألة السابعة : لو بذل له الزاد والراحلة ، ومئونة عياله ذاهبا وعائدا صار مستطيعا مع استكمال باقي الشرائط ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا عن صريح الخلاف والغنية (٢) وظاهر المنتهى والتذكرة (٣) ، لصدق الاستطاعة الموجبة للحجّ كتابا وسنّة ، والقدرة والإطاقة الموجبتين له في بعض ما تقدّم من الأخبار ، وخصوص المستفيضة ، كصحاح محمد (٤) وابن عمّار (٥) وهشام (٦) ،
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٤٤١ ـ ١٥٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٩ ـ ١١٦٩ ، الوسائل ١١ : ١٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٠ ح ٣.
(٢) الخلاف ٢ : ٢٥١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.
(٣) المنتهى ٢ : ٦٥٢ ، التذكرة ١ : ٣٠٢.
(٤) التهذيب ٥ : ٣ ـ ٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٩ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ١.
(٥) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ ـ ٤٦٨ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٣.
(٦) الفقيه ٢ : ٢٥٩ ـ ١٢٥٦ ، التوحيد : ٣٥٠ ـ ١١ ، الوسائل ١١ : ٤٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٧
والحلبي (١) ، المتقدمة جميعا.
وإطلاقها ـ كما ترى ـ يقتضي عدم الفرق بين تمليك المبذول وعدمه ، ولا بين وجوب البذل بنذر وشبهه وعدمه ، ولا بين وثوق الباذل وعدمه.
إلاّ أنّ المحكي عن الحلّي : اشتراط الأول (٢) ، وعن التذكرة : الثاني (٣) ، وعن الدروس : أحدهما (٤) ، وفي المدارك والذخيرة والمفاتيح (٥) وغيرها (٦) : الثالث ، وهو الأصحّ ، لعدم صدق الاستطاعة بدونه عرفا ولا لغة ، فيعارض ما ينفي الوجوب بدونها ـ كمفهوم (٧) الآية وغيره ـ مع الإطلاق بالعموم من وجه ، ويرجع إلى الأصل ، ولاستلزام الوجوب بدونه العسر والحرج المنفيّين ، مضافا إلى عدم معلوميّة انصراف الإطلاق إلى ما يشمل صورة عدم الوثوق أيضا ، لأنّ المتبادر منه ما يكون معه الوثوق.
ولا يشترط في الوثوق العلم ، بل تكفي مظنّة الوفاء ، لانتفاء المقيّدات المذكورة معها ، ولأنّه لا يزيد على ملكيّة مال الاستطاعة ، وبقاؤه ليس بعلميّ ، فقد يفقد ويسرق وينهب.
فروع :
أ : المراد ببذل الزاد والراحلة والمئونة : عرضها عليه ، بأن يقول : عليّ
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٥.
(٢) السرائر ١ : ٥١٧.
(٣) التذكرة ١ : ٣٠٣.
(٤) الدروس ١ : ٣١٠.
(٥) المدارك ٧ : ٤٧ ، الذخيرة : ٥٦٠ ، المفاتيح ١ : ٢٩٨.
(٦) كما في الحدائق ١٤ : ١٠١.
(٧) في « ق » : لمفهوم ..
زادك وراحلتك ونفقة عيالك ، أو أحضرها وقال : حجّ بذلك ، أو : أبحتها لك لتحجّ بها ، لصدق العرض والاستطاعة والقدرة.
ولا وفرق في الوجوب بين عرض عين الزاد والراحلة أو أثمانهما ، وفاقا للأكثر ، كما في المدارك والذخيرة (١) ، لصدق الموجبات المذكورة.
وعن الشهيد الثاني : عدم الوجوب بالثاني ، معلّلا بأنّ ذلك موقوف على القبول ، وهو شرط للواجب المشروط فلا يجب تحصيله (٢).
وفيه : ـ مضافا إلى جريانه في بذل العين أيضا ـ أنّ المشار إليه بقوله : ذلك ، إن كان وجوب الحجّ أو إباحة التصرّف أو حصول الاستطاعة العرفيّة ، فلا نسلّم التوقّف ، فإنّه يجوز له التصرّف ولو سكت قولا وفعلا.
وإن كان تحقّق الملكية واللزوم ، فلا نسلّم كونهما شرطين للواجب.
وأيضا قوله : فلا يجب تحصيله ، إن أريد أنّه إجماعي ، فهو في موضع النزاع ممنوع ، وإن أريد أنّه مقتضى القاعدة ، فهو يكون من باب الأصل اللاّزم طرحه بعد إطلاق النصوص.
ومنه يظهر وجوب الحجّ على من بذل له مال نذره مالكه لمن يحجّ ، أو أوصى له على سبيل الإطلاق.
ب : لو وهب له مالا ليحجّ به ، يجب الحجّ على الأظهر ، لما ذكر ، وفاقا للشهيد الثاني (٣) ، وظاهر المدارك والذخيرة (٤).
وعن الدروس : عدم وجوب القبول ولا الحجّ (٥) ، لما مرّ بجوابه ، فإنّ
__________________
(١) المدارك ٧ : ٤٦ ، الذخيرة : ٥٦٠.
(٢) الروضة ٢ : ١٦٦.
(٣) الروضة ٢ : ١٦٦.
(٤) المدارك ٧ : ٤٧ ، الذخيرة : ٥٦٠.
(٥) الدروس ١ : ٣١٠
القبول شرط اللزوم والملكيّة وتحقّق الهبة الشرعيّة ، دون إباحة التصرّف والاستطاعة العرفيّة.
ومنه يظهر ردّ ما قيل من أنّ الهبة موقوفة على القبول ، فهي اكتساب غير واجب ، بخلاف البذل ، فإنّه إباحة يكفي فيها الإيقاع (١) ، فإنّ الهبة متضمّنة للإباحة المتحقّقة بدون القبول أيضا قطعا وإن كان تحقق جزئها الآخر ـ وهو التملّك ـ موقوفا على الاكتساب ، مع أنّ عدم وجوب الاكتساب ـ الذي تحقّق قبله الاستطاعة العرفيّة ـ ممنوع ، وأيّ دليل عليه؟! فإنّ المسلّم عدم وجوب تحصيل الاستطاعة. وأمّا مع تحقّقها عرفا فيجب الاكتساب المتوقّف عليه الحجّ ، ولولاه لم يجب بيع المال لنفقة الحجّ ، ولا شراء عين الزاد والراحلة لمن يملك ثمنها ، فإنّ بعد تحقّق الاستطاعة يصير الواجب مطلقا ، وما يتوقف عليه مقدمة للواجب المطلق ، فيجب تحصيله.
ج : لو بذل له مالا ، أو وهبه له وأطلق ـ أي لم يقيّده بكونه للحجّ ـ فقيل : المشهور عدم وجوب القبول ، لكونه اكتسابا (٢). وجوابه قد مرّ ، مع أنّه لا فرق في ذلك بين الإطلاق والتقييد.
فالحقّ : وجوب الحجّ معه ، إلاّ أن لم يكن مستجمعا لسائر الشرائط حين البذل ولم يبذل حال الاستجماع ، كأن بذله قبل إمكان المسافرة.
د : لا يمنع الدين ـ ولو كان معجّلا ـ من وجوب الحجّ على تقدير البذل أو الهبة للحجّ ، وأمّا مع الإطلاق فيشترط في وجوب الحجّ عليه معيّنا توفية الدين أو رضى الدائن أو تأجيله ، والوجه ظاهر ، وكذا سائر ما يستثنى من الاستطاعة.
__________________
(١) قاله صاحب الرياض ١ : ٣٣٩.
(٢) قاله صاحب الرياض ١ : ٣٣٩.
هـ : لو بذل له تمام ما تتمّ به الاستطاعة مع وجود القدرة على باقيه ، يجب الحجّ.
و : لا يجب على المبذول له إعادة الحجّ بعد اليسار ، وفاقا للمشهور على ما في المدارك والذخيرة والمفاتيح وشرحه (١) ، بل في الأخيرين : أنّ القول الآخر شاذ ، وعن بعض آخر : أنّ عليه فتوى علمائنا ، الظاهر في دعوى الإجماع (٢).
لنا : الأصل ، وصدق الامتثال ، ودلالة الأمر على الإجزاء.
واستدلّوا أيضا بصحيحة ابن عمّار : رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه ، هل يجزئ ذلك عنه عن حجّة الإسلام ، أو هي ناقصة؟ قال : « بل هي حجّة تامّة » (٣).
وفيه : أنّ الإجزاء عن حجة الإسلام لا يدلّ على عدم وجوب الإعادة إلاّ بضميمة عدم وجوبها إلاّ مرّة واحدة ، وهو إمّا بالإجماع القابل للمنع في محلّ النزاع ، أو العمومات اللاّزم تخصيصها بما يأتي من المخصّصات ، ولذا أمر بالإعادة في الروايات الآتية مع التصريح بقضاء حجّة الإسلام ، مع أنّ حجّة الإسلام قد يعبّر بها عن أول حجّة.
وأمّا تماميّة الحجّ فهي تجري في المندوب والحجّ عن الغير أيضا ، لأنّ معناها كماله.
خلافا للإستبصار ، فيعيد مع اليسار (٤) ، لموثّقة البقباق : عن رجل
__________________
(١) المدارك ٧ : ٤٧ وفيه : وهو قول الأكثر ، الذخيرة : ٥٦١ ، المفاتيح ١ : ٣٠٠.
(٢) كما في الرياض ١ : ٣٣٩
(٣) التهذيب ٥ : ٧ ـ ١٧ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ ـ ٤٦٨ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٢.
(٤) الإستبصار ٢ : ١٤٣.
لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه ، أقضى حجّة الإسلام؟ قال : « نعم ، وإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحجّ » ، قلت : فهل تكون حجّته تلك تامّة أو ناقصة إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال : « نعم ، يقضي عنه حجّة الإسلام وتكون تامّة ليست بناقصة ، وإن أيسر فليحجّ » (١).
ورواية أبي بصير : « لو أنّ رجلا معسرا أحجّه رجل كانت له حجّة ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحجّ ، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحجّ وإن كان قد حجّ » (٢).
والجواب عنهما : بعدم صلاحيّتهما لإثبات حكم مخالف للأصل ، لشذوذهما ، ومخالفتهما للشهرتين العظيمتين ، بل للإجماع المحقّق ، فإنّ مخالفة الإستبصار لا تضرّ في تحقّقه ، سيّما مع رجوع الشيخ عنه في سائر كتبه (٣).
مضافا إلى أنّ تشبيه الناصب ـ المجمع على عدم الوجوب عليه ـ أقوى قرينة على إرادة الاستحباب ، فيجب الحمل عليه ، وأمّا الحمل على من حجّ عن غيره فبعيد غايته.
ز : لا يشترط في المبذول له الرجوع إلى كفاية ، لأنّ الظاهر المتبادر من أخبار اشتراطه إنّما هو فيما إذا أنفق في الحجّ من كفايته ، لا مثل ذلك ، مع أنّ الشهرة الجابرة غير متحقّقة في المورد ، ومع ذلك تعارضها إطلاقات
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٧٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٧ ـ ١٨ ، الإستبصار ٢ : ١٤٣ ـ ٤٦٧ ، الوسائل ١١ : ٤١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٦.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٦٠ ـ ١٢٦٥ ، التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٢ ، وأورد صدر الحديث في الإستبصار ٢ : ١٤٤ ـ ٤٧٠ ، والوسائل ١١ : ٥٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢١ ح ٥.
(٣) كما في التهذيب ٥ : ٧ ، والنهاية : ٢٠٤.
وجوب الحجّ بالبذل ، وهي أقوى وأكثر ، فيرجع إلى عمومات وجوب الحجّ والاستطاعة العرفيّة (١).
وأمّا نفقة العيال ، فصريح الأصحاب اشتراط وجودها له ، ولا يخفى أنّ إثباته من أدلّة استثنائها مشكل ، لأنّ سبيلها سبيل أدلة استثناء الكفاية.
نعم ، يمكن إثبات اشتراطها بإيجاب نفيه لتضيّع العيال الموجب للعسر والحرج المنفيين ، وعلى هذا فلو كان المبذول له من لا يقدر على نفقة العيال ولا يتكفّلهم يتّجه القول بعدم اشتراط وجودها.
المسألة الثامنة : لو استأجره أحد للمعونة على السفر أو لتعليم فيه أو نحوهما بما يكفي لنفقة الحجّ والعيال أو شرطهما له ، فلا شكّ في الوجوب بعد القبول وتحقّق الإجارة ، ويجزئ عن حجّة الإسلام.
ولا يرد : أنّ الوصول إلى تلك الأماكن قد وجب بالإجارة دون أفعال الحجّ ، فلا يتداخل الواجبان.
لأنّ الوصول إليها مقدّمة الحجّ لا نفسه ، ولا تجب عليه بالإجارة أفعاله ، ومقدّمة الشيء لا يجب إيقاعها على وجه كونه لذلك الشيء ، مع أنّ عدم التداخل ممنوع كما يأتي.
وهل تجب إجابة المستأجر وقبول الإجارة قبل القبول ، أم لا؟
المصرّح به في كلام الأكثر : الثاني (٢) ، لأنّه مقدّمة الواجب المشروط ، وتحصيلها غير واجب.
والحقّ : الأول ، إذا كان ما استؤجر له ممّا لا يشقّ عليه ويتمشّى منه ، لصدق الاستطاعة ، ولأنّه نوع كسب في الطريق ، وقد مرّ وجوبه على مثله ،
__________________
(١) الوسائل ١١ : ٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١.
(٢) كما في الحدائق ١٤ : ١٠٨.
وليس القبول مقدّمة للواجب المشروط ، بل للمطلق ، لأنّ مع الفرض تحصل الاستطاعة العرفيّة ، فيصير الحجّ واجبا عليه وإن توقّف إيقاعه على القبول ، كاشتراء عين الزاد والراحلة.
والتحقيق : أنّ هذه ليست تحصيل الاستطاعة ، لأنّ بعد تمكّنه ممّا استؤجر له يكون ذلك منفعة بدنيّة مملوكة له ، حاصلة له ، قابلا لإيقاع الحجّ به ، فيكون مستطيعا ، كمالك منفعة ضيعة تفي بمئونة الحجّ عليه ، غايته أنّه يبادلها بالزاد والراحلة.
لا يقال : فعلى هذا يجب تحصيل مئونة الحجّ على كلّ من قدر على الاكتساب وتحصيل الاستطاعة ، فيكون الحجّ واجبا مطلقا.
لأنّا نقول : إن كان اقتداره بحيث تصدق معه الاستطاعة العرفيّة فنسلّم الوجوب ولا يصدق وجوب تحصيل الاستطاعة ، ولا ضير فيه ، وإلاّ فلا دليل على وجوب الاكتساب ، لأنّ ما نقول بوجوبه هو ما اجتمع مع صدق الاستطاعة العرفيّة.
فإن قيل : الاستطاعة على ما فسّرت في الأخبار المستفيضة : أن يكون له زاد وراحلة ، فلا تحصل إلاّ بوجودهما ، ولا يوجدان لمثل ذلك الشخص إلاّ بعد الكسب.
قلنا : المراد بوجودهما ليس وجود عينهما ، بل أعمّ منها وممّا بإزائها ، والمنفعة البدنيّة إنّما هي موجودة له ، وهي بإزاء العين ، فمن يصدق عليه أنّه واجد لما بإزاء الزاد والراحلة ـ إمّا بالبذل أو الإباحة الصريحين ، أو الضمنيّين كما في الهبة ، أو بعوض يملكه كمنفعة بدنيّة أو ملكيّة ـ يجب عليه الحجّ.
وأمّا من لم يصدق عليه ذلك وسهل عليه التحصيل ـ كمن يتمكّن من
أن يشتري متاعا بألف نسية إلى خمسة أيّام ويبيعه في بلد آخر قريب قبل الخمسة بألفين نقدا ـ ففيه إشكال ، لأنّه لا يملك قبل الشراء ما بإزاء الزاد والراحلة.
والتحقيق : أنّه يجب هنا أولا بيان مسألة أخرى وتفريع أمثال تلك المسائل عليها ، وهي بيان معنى الاستطاعة الماليّة.
وتحقيقه : أنّه قد مرّ في المسألة الثانية : أنّه لا يشترط في صدق الاستطاعة وجود عين الزاد والراحلة ، بل يكفي وجود ثمنهما أو ما يصلح أن يكون إزاء لهما أو لثمنهما ، وهو إجماعي ، بل ضروري من الدين.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يصلح الإزاء عينا موجودة أو منفعة مملوكة ، فلو كانت له ضيعة لم يتمكّن من بيعها ويمكن إجارتها في مدّة بما يكفي لمئونة الحجّ وما يتبعه ، يجب الحجّ ، لصدق الاستطاعة.
وهل يشترط وجود ما يصلح أن يكون إزاء للمئونة عينا أو منفعة ، أو يكفي الاقتدار والتمكّن على تحصيله من غير مشقّة ، بل بسهولة حال اجتماع سائر الشرائط؟
ظاهر كثير من كلماتهم : الأول ، حيث نفوا الوجوب إذا توقّف على الاكتساب مطلقا (١) ، حتى بمثل قبول الهبة وقبول إجارة النفس.
ولعلّه للأخبار ـ المتقدمة كثير منها ـ المفسّرة للاستطاعة : بأن يكون له أو عنده زاد وراحلة (٢) ، أو أنّها وجود الزاد والراحلة ، كما في المرسلة المتقدّمة (٣).
__________________
(١) انظر الشرائع ١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٣٠٢ ، الروضة ٢ : ١٦٦.
(٢) الوسائل ١١ : ٣٣ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٨.
(٣) مجمع البيان ١ : ٤٧٨.
وظاهر بعض كلماتهم : الثاني ، ككلام من أوجب الحجّ للمتمكّن من الزاد الراحلة بالكسب في الطريق ، ومن أوجب الاستدانة لمن له دين مؤجّل أو متاع لا يتمكّن الحال من بيعه ، ومن أوجب قبول الهبة ، ومن استدلّ لهذه الأمور بالاقتدار والتمكّن والاستطاعة ، ومن قيّد الاستطاعة بالعرفيّة.
ولعلّه لوجوب حمل الاستطاعة على العرفيّة وتحقّقها مع التمكّن بالسهولة ، وللأخبار الموجبة للحجّ بمجرّد القدرة على ما يحجّ به ، أو بمجرّد عدم الحاجة المجحفة ، أو مانع آخر ، كصحيحتي الحلبي (١) والمحاربي (٢) المتقدّمتين. وهو الأظهر ، لما ذكر.
ولا تضرّ الأخبار المفسّرة للاستطاعة ، إذ ليس المراد بوجود الزاد والراحلة فيها معناه الحقيقي ، وهو وجوب عينهما إجماعا ، ومجازه كما يمكن أن يكون الأعمّ من وجود العين والثمن يمكن أن يكون القدرة على تحصيلهما ، التي هي حقيقة الاستطاعة ، فلا نعلم إرادة معنى آخر غير الحقيقي للفظ الاستطاعة ، فيجب الرجوع إليه ، مع أنّ صحيحتي الحلبي والمحاربي تعيّنان (٣) هذا المعنى ، فيجب الأخذ به.
ثم إنّه يتفرّع عليه كثير من مسائل المقام :
منها : ما مرّ من وجوب الحجّ على الكسوب إذا تمكّن من كسبه في الطريق.
ومنها : وجوب الاستدانة لمن له دين مؤجّل أو متاع لا يتمكّن من
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٥.
(٢) الكافي ٤ : ٢٦٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٣ ـ ١٣٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٧ ـ ٤٩ ، الوسائل ١١ : ٢٩ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٧ ح ١.
(٣) في « ق » : يعنيان ..
بيعه في الحال.
ومنها : وجوب قبول الهبة وإجارة النفس لمعونة السفر ونحوها.
ومنها : من تقدّم ممّن يتمكّن من شراء المتاع بألف وبيعه بألفين إذا كان ذلك مع استجماع سائر الشرائط ، كأن يكون وقت المسافرة وحضور الرفقة ونحوهما.
ومنه يرتفع إشكال وجوب التكسّب للحجّ مطلقا ، إذ قبل الأوان لا يجب ، ومعه لا تحصل المئونة من الكسب غالبا.
نعم ، يجب تقييد التحصيل بما لا يخرجه الدليل ، فلا تجب الاستدانة لمن ليس له مال ولا السؤال ولا الاستيهاب ، للإجماع ، والأخبار ، والعسر والحرج.
المسألة التاسعة : لا يجب للولد بذل ماله لوالده للحجّ ، ولا يجوز للوالد صرف مال ولده فيه بدون مصلحته أو إذنه ، وفاقا للأكثر (١) ، للأصل.
وعن النهاية والمبسوط والخلاف والقاضي (٢) : الوجوب ، واستشكل فيه في الذخيرة (٣) ، وظاهر الخلاف إجماع الأصحاب (٤) ، لصحيحة سعيد بن يسار : الرجل يحجّ من مال ابنه وهو صغير؟ قال : « نعم ، يحجّ منه حجّة الإسلام » ، قلت : وينفق منه؟ قال : « نعم » ، ثم قال : « إنّ مال الولد لوالده » الحديث (٥).
__________________
(١) كما في الشرائع ١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٣٠٢ ، مجمع الفائدة ٦ : ٧٦ ، المدارك ٧ : ٥٣.
(٢) النهاية : ٢٠٤ ، المبسوط ١ : ٢٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢٥٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٧.
(٣) الذخيرة : ٥٦١.
(٤) الخلاف ٢ : ٢٥٠.
(٥) التهذيب ٥ : ١٥ ـ ٤٤ ، الوسائل ١١ : ٩١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٣٦ ح ١.
وفيه : أنّه لا تدلّ الصحيحة على أزيد من جواز الحجّ من مال الابن الصغير الذي ولايته بيد الأب ، وهو غير دالّ على عدم إعطاء العوض ، فلعلّه معه حتى يكون قرضا.
والحاصل : أنّ المستفاد منها جواز هذا النوع من التصرّف أيضا ، وهو أعمّ من القرض ونحوه ، فلا يعارض ما دلّ على عدم جواز صرفه في غير مصلحة الصغير ، وأمّا جزؤه الأخير فمخالف للإجماع والأخبار.
المسألة العاشرة : قال بعضهم : لا يجوز صرف المال في النكاح بعد تعلّق الخطاب بالحج وتوقّف الحجّ على المال وإن شقّ ترك النكاح ، لأنّ الحجّ مع الاستطاعة واجب فلا يعارضه النكاح المندوب ، ولو حصل له من ترك النكاح ضرر شديد لا يتحمّل عادة أو خشي حدوث مرض بتركه قدّم النكاح (١).
بل قيل بتقديم النكاح لو خشي وقوع الزنا بتركه (٢).
أقول : ما يدلّ على تقديم النكاح في صورة التضرّر بتركه يدلّ عليه في صورة المشقّة أيضا ، إذ تحمّل المشقّة عسر ، وهو منفيّ في الشريعة ، إلاّ أن يراد مشقّة جزئيّة لا عسر في تحمّلها ، وفي صدق المشقّة نظر.
ثم القول بتقديمه في صورة خشية الوقوع في الزنا ممّا لا دليل عليه ، سيما إذا كانت الخشية باحتمال الوقوع أو الظنّ بتركه ، بل وكذلك مع العلم ، فإنّ هذه الخشية لو أوجبت تخصيص عمومات وجوب الحجّ (٣) للاستطاعة لجاز تخصيص عموم كلّ ما يدفع به ذلك من ترك الواجبات
__________________
(١) الحدائق ١٤ : ١٠٧.
(٢) الذخيرة : ٥٦٠ ، المنتهى ٢ : ٦٥٣.
(٣) الوسائل ١١ : ٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١.
وفعل المحرّمات ، ولا يقولون به ، بل يمكن على ذلك أن يقال بتعارض عمومات حرمة الزنا (١) بهذه العمومات.
وفساد ذلك ظاهر جدّا ، بل نقول : إنّه يجب عليه الأمران : الحجّ وترك الزنا ، والخشية إنّما هي لأجل غلبة نفسه ، التي هو مأمور بدفعها.
ثم إنّ ما ذكروه من عدم جواز صرف المال في النكاح مبنيّ على ما نقول به من وجوب إبقاء مقدّمة الواجب كما يجب تحصيلها ، ولذا نقول بعدم جواز إهراق الماء المحتاج إليه للطهارة ، والأكثر لم يذكروه وإن قالوا به هنا. ويلزمه عدم جواز وقفه وهبته وبيعه بثمن قليل تنتفي معه الاستطاعة ، وأنّه لو فعله لبطل الوقف ، بل الهبة والبيع أيضا على القول باستلزام النهي في المعاملات للفساد ، كما هو التحقيق. وكذا تلزمه هذه الأمور في صورة اشتغال الذمّة بالدين المعجّل المتوقّف أداؤه على ذلك المال كما نقول به.
المقام الثاني : في الاستطاعة السربيّة.
وهي تحصل بتخلية السرب ـ بفتح المهملة وإسكان الراء : الطريق ـ واشتراطها مجمع عليه محقّقا ومحكيّا (٢) ، والآية تدلّ عليه ، وكثير من الأخبار المتقدّمة ترشد إليه ، ونفي العسر والحرج يؤكّده ، وانتفاء الضرر والضرار يبيّنه.
والمراد منها : عدم الخوف على النفس أو البدن أو البضع أو المال ، وعدم خوف المنع في الطريق ، فمع خوف أحد هذه الأمور لا تحصل الاستطاعة ولا يتحقق فرض الحجّ.
__________________
(١) الوسائل ٢٠ : ٣٠٧ أبواب النكاح المحرّم ب ١.
(٢) كما في المعتبر ٢ : ٧٥٤.