أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٩٢
وأمّا الرواية ، فمع إجمالها ـ لعدم تعيين من يجب عليه ، فلعلّه الميت ، يعني : تعلّق بذمّته الأمران ـ تنفي وجوب القضاء كلّية ، والإيجاب الجزئي غير المقصود.
وحجّة التعميم : الصحيحة.
والعلّة المنصوصة في رواية أبي بصير المتقدّمة بقوله عليهالسلام : « لا يقضى عنها ، فإنّ الله لم يجعله عليها » (١).
وفي مرسلة ابن بكير السابقة في صدر المسألة.
وجواب الأول قد ظهر.
ويردّ الثاني : بأنّ مقتضى التعليل أنّ عدم الجعل علّة عدم القضاء ، لا أنّ مطلق الجعل علّة القضاء.
والثالث : بأنّ العلّة هي عدم القضاء ووجوبه عليه ، دون الوجوب خاصّة ، وتحقّق تمام العلّة في جميع الموارد غير معلوم ، لأنّ في العلّة تركين ـ الأداء والقضاء ـ فيمكن أن يكون ذلك دخيلا في الوجوب.
ب : هل الواجب عليه الصوم المتروك لعذر ، أو يعمّه والمتروك عمدا عصيانا أيضا؟
حكي عن المحقّق في مسائله البغداديّة وعن السيّد عميد الدين : الأول (٢) ، ونفى عنه البأس في الذكرى (٣) ، ومال إليه في المدارك والذخيرة (٤).
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ ـ ٣٥٨ ، العلل : ٣٨٢ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.
(٢) حكاه عنهما في الذكرى : ١٣٨.
(٣) الذكرى : ١٣٨.
(٤) المدارك ٦ : ٢٢٢ ، الذخيرة : ٥٢٨.
وظاهر فتوى الأكثر : الثاني (١) ، وهو الأقوى ، لإطلاق جملة من الأخبار ، ومنها : الرضويّ المتقدّم ، ومرسلة الفقيه : « إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله » (٢) ، وهو مقتضى عموم العلّة الثانية المتقدّمة.
دليل الأول : حمل الروايات على الغالب من الترك.
وفيه : منع الغلبة بحيث يوجب الانصراف.
وأيّده في الحدائق باختصاص بعض الأخبار ببعض الأسباب ، فيجب حمل المطلق عليه ، لأنّ مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد (٣).
وفساده ظاهر ، لأنّ مثل المورد ليس محلّ جريان القاعدة.
ج : الولي هنا هو أولى الناس بالميراث من الذكور ، وفاقا للمدارك حاكيا له عن الإسكافي والصدوقين وجماعة (٤) ، لصحيحة البختري ومرسلة حمّاد المتقدّمتين.
ولازمه كون الولاية على ترتيب الطبقات في الإرث ، فمع الأب والابن لا ولي غيرهما ، ومع فقدهما تنتقل الولاية إلى الطبقة الثانية وهكذا ، إلاّ النساء ، فلا تنتقل إليهن أبدا.
وفي المسألة أقوال آخر ، ذهب إلى كلّ جماعة :
فمنهم من أدخل النساء أيضا (٥) ، ولا وجه له ـ بعد ما عرفت ـ سوى
__________________
(١) كما في الشرائع ١ : ٢٠٣ ، والمنتهى ٢ : ٦٠٤.
(٢) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١.
(٣) الحدائق ١٣ : ٣٢٨.
(٤) المدارك ٦ : ٢٢٥.
(٥) كما في المقنعة : ٣٥٣ ، والفقيه ٢ : ٩٨ ، وحكاه عن القاضي في الحدائق ١٣ : ٣٢٣.
الرضوي : « وإذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه ، وإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليّه من النساء » (١).
وهو ـ لضعفه وعدم الجابر له ـ لا يصلح لإثبات حكم ، سيّما مع المعارضة مع ما مرّ وعدا إطلاقات إثبات القضاء على الولي ، اللازم تقييدها بما مرّ.
مضافا إلى عدم معلوميّة حجّية مثله ، بعد احتمال وروده لإثبات القضاء في الجملة على الولي من غير نظر إلى الشخصيّة.
وربّما يستأنس له ملاحظة سياق بعض الأخبار من حيث إطلاق الحكم في صدره بالقضاء ، ثمَّ التفصيل في الذيل بعد السؤال بمن عدا النساء.
ومنهم من خصّ بأولاده (٢).
لكونهم أولى الناس بالأب وبميراثه ، ولذا يحجبون من عداهم ، فهم المراد من أولى الناس بالميراث ، حتى من الأب أيضا.
ولكونه أوفر حظّا وأكثر نصيبا فيكون أولى.
وللأصل.
وعدم قائل به بعد نفي الوجوب عن النساء كما يظهر من تتبّع الفتاوى ، وتشير إليه بعض العبارات.
وإجمال إطلاقات الولي ، فينبغي الاقتصار على المجمع عليه.
ويرد على الأول : أنّ الأولاد أولى حين الاجتماع ، فيكون هو الولي
__________________
(١) فقه الرضا «ع» ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٤٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ١.
(٢) كما في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، والشرائع ١ : ٢٠٣ ، والمختلف : ٢٤٢ ، وحكاه عن القاضي في الحدائق ١٣ : ٣٢٣.
حينئذ ، أمّا مع عدمه فأولى الناس غيره. والحاصل : أنّه إنّما يفيد لو كان الأولاد أولى الناس بالميراث مطلقا ، ولكنّه ليس كذلك ، بل هو أولى مع وجوده ، وأمّا مع فقده فالأولى غيره.
وعلى الثاني : أنّ المراد بالأولى بالميراث المقدّم في الإرث ، لا الأكثر فيه ، فإنّه ليس أولى بالإرث.
وعلى الثالث : أنّ الأصل مندفع بما مرّ.
وعلى الرابع : أنّ دعوى الإجماع المركّب في مثل تلك المسألة من المجازفات جدّا ، كيف؟! والأقوال مشتّتة ، والعبارات مختلفة ، والحكايات متفاوتة.
وعلى الخامس : أنّ إطلاق الولي وإن كان مجملا ، إلاّ أنّ تفسيره بأولى الناس بالميراث ينفي الإجمال ، والله أعلم بحقيقة الحال.
د : لو كان الوارث من الذكور متعدّدا يجب على أكبرهم سنا.
للرضويّ المتقدّم ، المنجبر بالشهرة المحكيّة والمحقّقة المؤيّدة.
ومكاتبة الصفار : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام وله وليّان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيّام أحد الوليّين وخمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليهالسلام : « يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء الله » (١).
مضافا إلى ما قيل في أكبر الأبناء من أولويّته بالإرث ، لاختصاصه بالحبوة (٢).
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٤١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٧ ـ ٧٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.
(٢) كما في المختلف : ٢٤٢.
وفيه نظر من وجهين.
والمعارضة بمرسلة الفقيه ـ الآمرة بقضاء من شاء من أهله (١) ، وموثّقة أبي بصير القائلة بأنّه يقضيه أفضل أهل بيته (٢) ـ مردودة بأنّها بالعموم والخصوص المطلقين ، فيقدّم الرضويّ الأخصّ.
هـ : تعلّق الوجوب بالأكبر مع وحدته ، وأمّا مع اجتماع المتساويين في السنّ فلا ، لتبادر المتّحد من الرضوي ، مع صراحة المكاتبة ، سيّما مع ندرة المتعدّد جدّا.
ولو حمل على التساوي العرفي في السن ، فحينئذ يرجع إلى الوجوب الكفائي ، فيجب الكلّ ، أو كلّ بعض على المتعدّد كفاية ، كما هو مقتضى العمل بقوله : « يقضي عنه أولى الناس بميراثه » (٣).
و : يجوز لغير الولي قضاء الصوم عن الميّت تبرّعا ، وقد مرّ ما يدلّ عليه في بحث الصلاة. ولا ينافيه وجوبه على الولي ، كما لا ينافي جواز التبرّع بأداء دين زيد عن وجوب أدائه عليه.
ز : الحقّ عدم السقوط عن الولي بتبرّع الغير ولا باستئجاره أو وصيّة الميّت بالاستئجار ، للأصل.
فإن قيل : بفعل الغير تبرأ ذمّة الميّت ولا صوم عليه ، فلا معنى لقضاء الولي عنه.
قلت : ما أرى مانعا من قضاء متعدّد عن واحد ، ولا ضير في أن يشتغل ذمّة
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١.
(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٥ ـ ١٠٠٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١١.
(٣) تقدم في ص : ٤٥٧.
أحد بشيء ويجوز لمائة أداؤه عنه ولو بالتعاقب ، فإنّ أمثال هذه الأمور ليست ممّا يقاس على المحسوسات ، وقد مرّ بيان ذلك مستوفى في كتاب الصلاة.
ح : الواجب قضاؤه على الولي ما تمكّن الميّت في حياته عن القضاء ، وإلاّ فلا قضاء على الولي وبيان ذلك قد مرّ (١).
ط : لا خلاف ـ على ما قيل (٢) ـ في جواز القضاء عن المرأة ومشروعيّته ، وإطلاق كثير من الأخبار وخصوص بعضه يدلّ عليه.
وهل هو واجب على وليّها كالرجل أيضا ، أم لا؟
فيه قولان ، ذهب إلى كلّ جماعة (٣) ، والحقّ هو : الثاني ، لأنّ ما يشمل المرأة من أخبار القضاء (٤) خصوصا أو عموما لا ذكر فيه للولي ، ولا دلالة فيه على الوجوب ، وما يشمل عليهما مخصوص بالرجل ، فيبقى الأصل ـ الذي هو المعوّل ـ بلا معارض.
استدلّ الأولون باشتراكها مع الرجل في الأحكام غالبا ، ودلالة الأخبار على القضاء عنها.
وضعف الأول ظاهر ، والثاني ممنوع إن أريد الوجوب ، وغير مفيد إن أريد غيره.
ي : يقضي عن العبد أولى الناس به وجوبا ، وهو مولاه ، لصدق الولي ، وأولى الناس به بل بميراثه لو كان له ميراث.
يا : حكم جماعة بأنّه مع فقدان الولي أو وجوده وعدم وجوب
__________________
(١) راجع ص : ٤٤١.
(٢) في الرياض ١ : ٣٢٤.
(٣) فإلى الأوّل : الشيخ في النهاية : ١٥٨ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٨٩ ، وإلى الثاني : الحلي في السرائر ١ : ٣٩٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨.
(٤) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣.
القضاء عليه كالإناث يجب التصدّق عن كلّ يوم بمدّ كجماعة (١) ، أو مدّين كبعضهم (٢) ، من أصل التركة.
وأنكره بعضهم (٣) ، وهو الأقوى ، للأصل وفقد المستند للقول الأول ، سوى ما قيل من رواية أبي مريم (٤) ، وهي غير دالّة ، مع أنّ مدلولها وجود الولي ، فهي غير مورد المسألة.
يب : لو كان الولي حين الموت صغيرا يجب عليه القضاء بعد البلوغ ، لصدق الولي واجتماع الشرائط. ولا يضرّ عدم الاجتماع حين الموت ، لأنّا لا نقول إنّه زمان تكليف الولي ، بل هو زمان بلوغه.
فإن قيل : ما يوجب تكليفه حينئذ مع عدم كونه مكلّفا سابقا؟
قلنا : ما أوجب تكليف سائر الأولياء المكلّفين حين الموت ، فإنّ غاية ما يرتكب في الأخبار أن يقيّد الولي فيها بالبالغ ، ويكون المعنى : فعلى وليّه البالغ القضاء ، وهذا أيضا ولي بالغ.
نعم ، لو كان المعنى : فعلى وليّه البالغ حين الموت ، لما تمَّ الاستدلال ، ولكنّه ليس كذلك.
المسألة السادسة : قاضي شهر رمضان مخيّر في الإفطار إلى الزوال ، ولا يجوز له الإفطار بعده ، وعليه الكفّارة لو أفطر.
وأمّا الأول : فهو الأظهر الأشهر ـ كما صرّح به جماعة ممّن تأخّر (٥) ـ
__________________
(١) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٧٠٢ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٨٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٢٥.
(٢) انظر المبسوط ١ : ٢٨٦.
(٣) كما في السرائر ١ : ٤٠٨ ، والإيضاح ١ : ٢٣٨ ، والحدائق ١٣ : ٣٢٨.
(٤) المتقدّمة في ص : ٤٥٨.
(٥) كصاحب الرياض ١ : ٣٢٤.
بل عن الفاضل في المدنيّات الاولى : الإجماع عليه.
وتدلّ عليه ـ بعد الأصل ـ المستفيضة من الأخبار ، كرواية العجلي : في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شيء عليه إلاّ يوما مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ ، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفّارة لما صنع » (١).
ومرسلة الفقيه : « إن أفطر قبل الزوال فلا شيء عليه ، وإن أفطر بعد الزوال فعليه الكفّارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان » (٢).
وصحيحة جميل : في الذي يقضي في شهر رمضان : « أنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار » (٣).
وموثّقة أبي بصير : المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار ، فقال : « لا ينبغي أن يكرهها بعد الزوال » (٤).
ورواية سماعة : في قوله عليهالسلام : « الصائم بالخيار إلى زوال الشمس » ، قال : « إنّ ذلك الفريضة ، وأمّا النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس » (٥).
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٠ ، المقنع : ٦٣ ، الوسائل ١٠ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١.
(٢) الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣١ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٥.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ١٠ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٤.
(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩٠ ، الوسائل ١٠ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٢.
(٥) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٣ ، التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٨.
وصحيحة ابن سنان : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » (١).
ورواية إسحاق : « الذي يقضي شهر رمضان بالخيار في الإفطار ما بينه وبين ما تزول الشمس ، وفي التطوّع ما بينه وبين أن تغيب الشمس » (٢).
خلافا للمحكيّ عن ظاهر العماني والحلبي وابن زهرة ، فحرّموه (٣) ، وعن الأخير : الإجماع عليه.
للنهي عن إبطال العمل.
وإطلاق موثّقة زرارة ـ بل عمومها ـ : عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : « عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في رمضان ، لأنّ ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان » (٤) ، وقريبة منها مرسلة حفص (٥).
وخصوص صحيحة البجلي : عن رجل يقضي رمضان ، إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال : « إذا كان نوى ذلك من الليل وكان ذلك من قضاء شهر رمضان فلا يفطر ويتمّ صومه » (٦).
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٨٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٩.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ١٠ : ١٨ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١٠.
(٣) حكاه عن العماني في المختلف : ٢٤٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٤ ، ابن زهرة في الغيبة ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.
(٥) التهذيب ٤ : ٣٢١ ـ ٩٨٣ الوسائل ١٠ : ١٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥٦ ح ١.
(٦) التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٦.
ويضعّف الأول بمنع النهي ، كما بيّنا في عوائد الأيام (١). سلّمنا ، ولكنّه عامّ يلزم تخصيصه بما مرّ.
وهو الجواب عن الثاني والثالث.
وعن الرابع : بقصور دلالته على الحرمة.
وأمّا الثاني : فعلى الأصحّ الأشهر أيضا ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية : الإجماع عليه (٢) ، لصريح صحيحة ابن سنان المتقدّمة ، ومفهوم الغاية في أكثر الأخبار السابقة.
خلافا للمحكيّ عن ظاهر التهذيبين ، فلم يحرّماه وإن أوجبا الكفّارة (٣) ، لعدم ثبوت الحرمة من الأخبار ، وضعفه ظاهر ممّا مرّ.
وأمّا الثالث : فعلى الأقوى أيضا ، وعليه دعوى الإجماع في الكتب الثلاثة المتقدّمة ، ويدلّ عليه عموم مرسلة حفص وموثّقة زرارة ، وخصوص رواية العجلي ومرسلة الفقيه ، المتقدّمة جميعا.
خلافا فيه للمحكيّ عن العماني ، فلا كفّارة (٤) ، وإليه يميل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث استجود حمل أخبار الكفارات على الاستحباب (٥).
لموثّقة عمّار : عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ـ إلى أن قال : ـ فإن نوى الصوم ثمَّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال : « قد أساء ، وليس عليه شيء إلاّ قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه » (٦).
__________________
(١) عوائد الأيام : ١٥١.
(٢) الانتصار : ٦٩ ، الخلاف ٢ : ٢٢١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٢.
(٤) حكاه عن العماني في المختلف : ٢٤٧.
(٥) المسالك ٢ : ٨٦.
(٦) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.
ويجاب عنها بالمعارضة مع ما سبق ، ومرجوحيّتها ، لموافقة غير قتادة من العامّة ، كما في المنتهى وغيره (١).
فروع :
أ : الكفّارة هنا إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ولو عجز صام ثلاثة أيّام على الأظهر الأشهر كما صرّح به جماعة (٢) ، وإليه ذهب الشيخان والسيّد والإسكافي والفاضلان (٣).
لرواية العجلي المتقدّمة ، وصحيحة هشام ، وفيها : « وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة لذلك » (٤).
والرضوي : « وقد روي : أنّ على من أفطر بعد الزوال إطعام عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ من طعام ، فإن لم يقدر عليه صام يوما ، وصام ثلاثة أيّام كفّارة » (٥).
ولا يضرّ اختصاصها بما بعد صلاة العصر ، لأنّ المراد منه : بعد الزوال ، أو لاتحاد حكم ما بينه وبين الزوال بالإجماع. كما لا يضرّ تجويز
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٠٥ ، وانظر التذكرة ١ : ٢٦١ ، والرياض ١ : ٣٢٥.
(٢) انظر المفاتيح ١ : ٢٦٣ ، والرياض ١ : ٣٢٥.
(٣) المفيد في المقنعة : ٣٦٠ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٨٧ ، السيّد في الانتصار : ٦٩ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٤٧ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٧٠٤ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٦٠٥.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.
(٥) فقه الرضا عليهالسلام : ٢١٣ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٤٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢١ ح ١.
الإفطار فيها بما قبل صلاة العصر ، لأنّ المراد منه : قبل الزوال ، أو لكونه أعمّ منه ، فيخصّص به ، لما مرّ.
وعن الصدوق في الرسالة والمقنع : أنّ عليه كفّارة الإفطار في رمضان (١) ، وحكاه في موضع من المختلف عن القاضي (٢) ، وهو مختار ابن حمزة مع الاستخفاف (٣) ، واحتمله في التهذيبين أيضا مع ذلك (٤) ، للمرسلتين ، والموثّقة السابقة (٥) ، والرضوي : « فإن أفطرت بعد الزوال فعليك كفّارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان ».
وعن الحلبيّين : التخيير بين الخصالين ، مدّعيا أحدهما الإجماع عليه (٦) ، وهو مذهب ابن حمزة في صورة عدم الاستخفاف.
وعن الديلمي والكراجكي : أنّها كفّارة يمين (٧) ، ونقله في موضع آخر من المختلف عن القاضي (٨) ، وهو أحد قولي الحلّي (٩).
ويمكن إرادتهم المشهور ، كما أنّ المفيد قال في باب الكفّارات : كان عليه كفّارة يمين إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام متتابعات (١٠).
__________________
(١) حكاه عن الرسالة في المختلف : ٢٤٦ ، المقنع : ٦٣.
(٢) المختلف : ٢٤٧.
(٣) الوسيلة : ١٤٧.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢١.
(٥) راجع ص : ٤٦٨ ، ٤٦٩.
(٦) الحلبي في الكافي : ١٨٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
(٧) الديلمي في المراسم : ١٨٧.
(٨) المختلف : ٢٤٧.
(٩) السرائر ٣ : ٧٦.
(١٠) : المقنعة : ٥٧٠.
وفي الكفّارات المختلف : المشهور عند علمائنا أنّ كفّارة من أفطر يوما ليقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا : كفّارة يمين ، ذهب إليه الشيخان وسلاّر وأبو الصلاح وابن إدريس ، واستدلّ له بأدلّة المشهور (١).
وعن كفّارات النهاية : كان عليه كفّارة يمين ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيّام (٢).
أقول : ولم أعثر على غير الأولين على دليل ، وأمّا الأولان فيدلّ على كلّ منهما ما ذكر له ، ولم أر ترجيحا لأحدهما. والشذوذ ـ الذي ادّعاه الشيخ للثاني (٣) ـ عندي غير معلوم. وحمله على الاستحباب (٤) حمل بلا دليل ، وعلى التشبيه في وجوب الكفّارة دون قدرها في الرضوي قريب ، وفي الوجوب في المرسلة الاولى ممكن ، ولكن شيء منهما لا يجري في الباقيين. ونسبة الأصل إلى القولين على السواء وإن تمسّك به في المختلف للمشهور (٥). ولذا تصير المسألة محلّ إشكال ، ولأجله توقّف فيها في الحدائق (٦) ، وهو في موقعه جدّا.
ب : الأيّام الثلاثة ـ على القول بها ـ متتابعات عند الشيخين والفاضلين وابني حمزة وإدريس وغيرهم ، قاطعين به (٧) ، فإن ثبت عليه إجماع ، وإلاّ
__________________
(١) المختلف : ٦٦٤.
(٢) النهاية : ٥٧٢.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٩.
(٤) كما في المعتبر ٢ : ٧٠٥.
(٥) المختلف : ٢٤٧.
(٦) الحدائق ١٣ : ٢١٦.
(٧) المفيد في المقنعة : ٥٧٠ ، الطوسي في الاقتصاد : ٢٩١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٥ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ٤٠٦ و ٣ : ٧٦ ، وانظر الدروس ١ : ٢٩٦.
فالأصل ينفيه ، وحسنة ابن سنان (١) ورواية الجعفري (٢) تشعران بعدمه ، بل تدلاّن ، حيث حصر التتابع في صيام ليس ذلك منها.
ج : صرّح في الدروس والروضة بوجوب الإمساك بقيّة اليوم لو أفطر بعد الزوال (٣).
لقوله في صحيحة هشام المتقدّمة : « صام ذلك اليوم ».
وفي خبر زرارة : « لأنّ ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان » (٤).
ولاستصحاب وجوب الإمساك.
ويردّ الأول ـ بعد الإغماض عن عدم دلالته على الوجوب ـ : بأنّ الظاهر صوم بدل ذلك اليوم ، كما يومئ إليه صدر الخبر. ولأنّ هذا الإمساك ليس صوما حقيقة.
والثاني : بعدم دلالته على المساواة في جميع الأحكام.
والثالث : بتعارضه مع استصحاب عدم الوجوب الأولي كما بيّناه في موضعه ، مضافا إلى أنّ الواجب أولا هو الصوم ، وحقيقة هذا الإمساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا ، فلا يتحقّق للاستصحاب معنى ، ولذا ذهب ابن فهد إلى عدم الوجوب (٥) ، وتبعه بعض أجلّة المتأخّرين (٦) ، وهو الأظهر.
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨١ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٤.
(٢) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٨.
(٣) الدروس ١ : ٢٩٠ ، الروضة ٢ : ١١٩.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.
(٥) نقله عنه في غنائم الأيام : ٤٨٠.
(٦) كما في غنائم الأيام : ٤٨٠.
د : قالوا : اختيار الإفطار قبل الزوال إنّما هو مع سعة وقت القضاء ، وأمّا لو تضيّق بدخول شهر رمضان المقبل أو علم الوفاة أو ظنّه فلا اختيار (١).
وهو حسن مع القول بحرمة التأخير إلى المقبل.
هـ : الظاهر اختصاص الحكم بالقضاء الواجب ، فلو قضى أحد احتياطا ندبا لم يحرم عليه الإفطار بعد الزوال ، لعدم كونه قضاء حقيقة ـ وإنّما هو صوم مندوب ـ ولعدم انصراف إطلاق القضاء إليه.
و : هل يختصّ الحكم بالقاضي لنفسه ، أو يعمّ القاضي لغيره ولاية أو تبرّعا أو إجارة أيضا؟
مقتضى إطلاق كثير من الأخبار : الثاني ، وتبادر الأول عنها ممنوع ، ولو سلّم ففي الجميع ليس كذلك ، وشيوعه المقتضي للانصراف إليه غير متحقّق.
المسألة السابعة : لا تجب الموالاة في القضاء من حيث هي ، بالإجماع كما في الناصريّات والخلاف والمختلف (٢) ، ويدلّ عليه الأصل ، وكثير من الأخبار.
كرواية الجعفري : عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ، أيقضيها متفرّقة؟ قال : « لا بأس بتفريق قضاء شهر رمضان » الحديث (٣).
وموثّقة سماعة : عمّن يقضي شهر رمضان منقطعا؟ قال : « إذا حفظ أيّامه فلا بأس » (٤).
__________________
(١) انظر الروضة ٢ : ١١٨ ، والرياض ١ : ٣٢٤.
(٢) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧ ، الخلاف ٢ : ٢١٠ ، المختلف : ٢٤٦.
(٣) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٨.
(٤) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٢.
ورواية البصري : عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجّة وقطعه ، قال : « اقضه في ذي الحجّة واقطعه إن شئت » (١) ، وغير ذلك من الأخبار الآتية.
وقيد الحيثيّة لوجود القول بوجوبها من حيث كونها ملزومة للفوريّة.
والأظهر الأشهر : استحبابها ، للشهرة ، وكونها مسارعة إلى الخير ، والأخبار المعتبرة :
كصحيحة الحلبي : « إذا كان على الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أيّاما متتابعة ، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء ، وليحص الأيّام ، فإن فرّق فحسن ، وإن تابع فحسن » (٢).
وصحيحة ابن سنان : « من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرّقا فحسن » (٣).
ورواية غياث : « في قضاء شهر رمضان إن كان لا يقدر على سرده فرّقه » (٤).
والمرويّ في الخصال : « والفائت من شهر رمضان إن قضاه متفرقا جاز ، وإن قضاه متتابعا كان أفضل » (٥).
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٢١ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧٥ ـ ٨٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٩ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٧ ح ٢.
(٢) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٥ ، بتفاوت يسير.
(٣) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨١ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٤.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٥ ـ ٨٣٣ ، الاستبصار ٢ : ١١٩ ـ ٣٨٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٧ ح ٣.
(٥) الخصال : ٦٠٦ ـ ٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ١١.
وحكى في السرائر عن بعض الأصحاب استحباب التفريق (١) ، وإليه يميل كلام المفيد ، ولكن بهذا الوجه : إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم ، وكذلك إذا كان عليه خمسة أيّام وما زاد ، فإن كان عليه عشرة أيّام أو أكثر من ذلك تابع بين ثمانية الأيّام إن شاء ثمَّ فرّق الباقي (٢).
وفي الوسيلة : فإن صام ثمانية أيّام أو ستّة متواليات وفرّق الآخر كان أفضل (٣).
وتدلّ على التفريق في الجملة موثّقة عمّار : عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ، كيف يقضيها؟ فقال : « إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة فليفطر بينها يومين ، وإن كان عليه شهر فليفطر بينها أيّاما ، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيّام ، يعني متوالية ، وإن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينها يوما » (٤).
والمرويّ في قرب الإسناد : عمّن كان عليه يومان من شهر رمضان ، كيف يقضيهما؟ قال : « يفصل بينهما بيوم ، فإن كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية » (٥).
ولا يخفى أنّ هاتين الروايتين لا تصلحان لمعارضة ما مرّ ، لأكثريّته وأصحّيته ، وموافقته للشهرتين ، ولظاهر الكتاب ، واضطراب الأول منهما ،
__________________
(١) السرائر ١ : ٤٠٥.
(٢) انظر المقنعة : ٣٥٩.
(٣) الوسيلة : ١٤٦.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٥ ـ ٨٣١ ، الاستبصار ٢ : ١١٨ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٦.
(٥) قرب الاسناد : ٢٣١ ـ ٩٠٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ١٢.
واختلاف النسخ فيها ، فإنّ في بعضها : « ستّة أيّام » بدل : « ثمانية ».
المسألة الثامنة : المعروف من مذهب الأصحاب : عدم فوريّة قضاء رمضان ، وتدلّ عليه جميع الأخبار المتقدّمة ، وصحيحة البختري : « كنّ نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان عليهنّ صيام أخّرن ذلك إلى شعبان ، كراهة أن يمنع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا كان شعبان صمن وصام » (١) إلى غير ذلك.
المسألة التاسعة : صرّح جملة من الأصحاب : بأنّه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم ، بأن ينوي الأول فالأول (٢) ، وهو كذلك ، للأصل.
قيل : نعم ، يستحبّ ذلك (٣).
ولا أرى له وجها ، إلاّ أن يثبت بفتوى الفقيه.
المسألة العاشرة : لو نذر صوما يوما معيّنا ، فاتّفق ذلك اليوم في رمضان ، صام عن رمضان ، ولم يجب عليه قضاء إجماعا.
ولو اتّفق أحد العيدين أو أيّام التشريق بمنى لم يصحّ صومه إجماعا نصّا وفتوى.
وهل يجب عليه القضاء ، أم لا؟
الحقّ : الثاني مع استحبابه ، وفاقا لموضع من المبسوط والقاضي والحلبي والشرائع والمختلف وفخر المحقّقين والكفاية (٤) ، بل هو المشهور كما في الكفاية.
أمّا عدم الوجوب : فللأصل السالم عن المعارض ، المؤيّد بعدم انعقاد
__________________
(١) الكافي ٤ : ٩٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٧ ح ٤.
(٢) كما في الذخيرة : ٥٣٠ ، ومشارق الشموس : ٤٢٨.
(٣) كما في المسالك ١ : ٧٧ ، والحدائق ١٣ : ٣١٨.
(٤) المبسوط ١ : ٢٨٢ ، القاضي في جواهر الفقه : ٣٥ ، الحلبي في الكافي : ١٨٥ ، الشرائع ١ : ١٩٦ ، المختلف : ٦٥٨ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٤٢ ، كفاية الأحكام : ٢٢٩.
النذر لو نوى شمول هذه الأيّام أيضا ، وعدم وجوب الأداء لو نوى خروجها ، فكيف بالقضاء؟! وأمّا الاستحباب : فلقوله عليهالسلام في رواية الصيقل (١) وصحيحة ابن مهزيار بعد السؤال عن ذلك : « ويصوم يوما بدل يوم » (٢).
خلافا للنهاية وموضع من المبسوط وابن حمزة ، فأوجبوه (٣) ، ولظاهر الدروس والمدارك ، فتردّدا فيه (٤) ، للرواية والصحيحة ، وهما بمعزل عن إفادة الوجوب ، لمكان الجملة الخبريّة.
وكذا الحكم في عدم صحّة الصوم ووجوب الإفطار لو اتّفق في ذلك اليوم سفر أو مرض أو حيض.
وأمّا القضاء ، فصرّح في المسالك بوجوبه قطعا (٥) ، وظاهر المختلف أيضا أنّه لا نزاع في وجوب القضاء حينئذ (٦) ، وفي شرح النافع لصاحب المدارك : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (٧) ، وفي الكفاية : وقد قطع الأصحاب بأنّه يجب القضاء (٨).
واحتجّوا لذلك بصحيحة ابن مهزيار المتقدّمة ، ورواية ابن جندب ، وفيها ـ بعد السؤال عن رجل جعل على نفسه صوم يوم فحضرته نيّة
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ـ ٦٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٢٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٣.
(٢) الكافي ٧ : ٤٥٦ ـ ١٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ١.
(٣) النهاية : ١٦٣ ، المبسوط ١ : ٢٨١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٤.
(٤) الدروس ١ : ٢٧٢ ، المدارك ٦ : ١٣٧.
(٥) المسالك ٢ : ٢٠٩.
(٦) المختلف : ٢٤٩.
(٧) نهاية المرام ٢ : ٣٥٨.
(٨) الكفاية : ٢٢٩.
الزيارة إلى أن أجاب ـ : « فإذا رجع قضى ذلك » (١).
والروايتان قاصرتان عن إفادة الوجوب ، مع أنّ الثانية ليست صريحة في اليوم المعيّن ، فلعلّه كان غير معيّن ، والمراد بالقضاء : الفعل ، كما هو مقتضى الحقيقة اللغويّة ، ومعارضة مع رواية مسعدة : في رجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر ، ثمَّ يسافر فتمرّ به الشهور : « أنّه لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد » (٢).
ولأجل ذلك يظهر من الكفاية التردّد ، بل هو الظاهر من شرح النافع لصاحب المدارك أيضا ، وهو في محلّه جدّا ، بل الأظهر عدم الوجوب إلاّ أن يثبت الإجماع عليه ، والاحتياط عدم ترك القضاء هنا.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٥٧ ـ ١٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣٣ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٥.
(٢) الكافي ٤ : ١٤٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢٩ ـ ١٠٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ١٠.