أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
ورواية ابن حديد ، وفيها : فاستقى غلام أبي عبد الله عليه السلام دلواً. فخرج فيه فأرتان ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « أرقه » فاستقى آخر ، فخرجت فيه فأرة ، فقال عليه السلام : « أرقه » (١). إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.
وقد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث (٢) ، ودلالة كلّ منها على الانفعال بجميع النجاسات ، مطلقاً ، أو بضميمة عدم الفصل ، كدلالة المجموع عليه ، ودلالة كثيرة منها على الانفعال بكلّ قذر من القذر بالإِطلاق ظاهرة.
والإِيراد على الكلّ : بإمكان الحمل على المتغيّر ، أو على الكراهة ؛ وعلى ما فيه لفظ القذر : بإمكان الحمل على اللغويّ ؛ مردود.
فالأول : بالإِطلاق ، مضافاً إلى عدم إمكانه إلّا في قليل ؛ فإنّ التغيّر بشرب الحيوان ، أو بما في المنقار ، أو اليد ، أو الإِصبع ، سيّما البول ، أو المنيّ ، أو بقطرة من المسكر ، أو بما يبلّه الميل منه ، غير معقول ، كاشتباه ما تغيّر بغيره ، أو عدم حصول العلم بوقوع الفأرة لو تغيّر.
والثاني : بكونه مجازاً مخالفاً للأصل في الأكثر ، مع كونه إحداث ثالث ، كما صرّح به والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع.
مضافاً إلى امتناعه في بعضها ، كموثّقتي الساباطي الأخيرتين (٣).
والثالث : بمنافاته للنهي عن الاستعمال ، سيّما مع الأمر بالتيمّم.
لنا على الطهارة في الوارد على النجاسة ـ بعد الأصل ، والاستصحاب
__________________
ح ١.
(١) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٤.
(٢) هكذا نُقل في الرياض ١ : ٥ عن بعض الاصحاب ولم نعثر عليه.
(٣) تقدمتا ص ٣٨.
المؤيّدين بالإِجماع المنقول عن الحلّي (١) ، السالمين عن المعارض ـ : عمومات طهارة الماء (٢) بأنواعها المتقدمة وإطلاقاتها ، الخالية عن المخصّص والمقيّد ، لاختصاص أدلّة انفعال القليل ـ كما مرّ ـ بورود النجاسة.
ويؤيّدها : أخبار طهارة ماء الاستنجاء (٣). ورواية غسل (٤) الثوب النجس في المِرْكَن (٥) ، وموارد التطهير (٦) والغسالات.
استدلّ القائلون بالنجاسة مطلقاً أمّا فيما وردت النجاسة فيما تقدّم ، وهو كذلك.
وأمّا في عكسه : فبمفهوم روايات الكرّ (٧).
وإطلاقِ « ما يبلّ الميل ينجس حبّاً » (٨).
وحديثِ استقاء غلام أبي عبد الله عليه السلام المتقدّم (٩).
وما ورد بعد السؤال عن دَنّ (١٠) يكون فيه خمر أو إبريق كذلك ، هل يصلح أن يكون فيه الخل أو الماء أو غيره ؟ : « أنّه إذا غسل لا بأس » (١١).
وما تقدّم في ماء الغيث (١٢) ، من المفاهيم المثبتة للبأس فيه ، إذا لم يجر على
__________________
(١) السرائر ١ : ١٨١.
(٢) راجع ص ١١ ـ ١٢.
(٣) الوسائل ٣ : ٥٠١ أبواب النجاسات ب ٦٠.
(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.
(٥) المِرْكَن : الإِجانة التي يغسل فيها الثياب.
(٦) في « هـ » و « ح » : التطهّر.
(٧) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.
(٨) الوسائل ٣ : ٤٧ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٦.
(٩) ص ٤١.
(١٠) الدَنِ : كهيئة الحُبِّ الا أنه أطول مَنه وأوسع رأساً والجمع دِنان. المصباح المنير : ٢٠١.
(١١) الكافي ٦ : ٤٢٧ الأشربة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.
(١٢) ص ٢٦.
القذر مع كونه وارداً. وتمام المطلوب يثبت بالأولوية ، أو عدم الفصل.
وروايةِ ابن سنان : « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به وأشباهه » (١).
وروايةِ العيص المرويّة في طائفة من كتب الأصحاب مثل الخلاف والمعتبر والمنتهى : عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء ، فقال : « إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه » (٢).
والروايات الآتية (٣) الناهية عن الغسل بغسالة الحمّام ، معلّلةً : بأنّه يغتسل فيه الجنب وولد الزنا والناصب ومن الزنا. وفي بعضها المروي في العلل : « اليهودي وأخواه » (٤).
وبأنّ السبب في الانفعال ملاقاة النجاسة ، وقابليّة القليل من حيث القلّة ، ولا مدخليّة للورود وعدمه.
وبأنّ (٥) أخبار النجاسة وإن كانت خاصّة إلا أنّه لخصوصية السؤال وهي لا تخصّص.
وبكونه مشهوراً عند الأصحاب.
والجواب عن الأول : أن المفهوم لا يدل إلا على التنجس ببعض ما من شأنه التنجيس ، فيمكن أن يكون النجاسة الواردة ، ولا يمكن التتميم بعدم الفصل ، لوجوده.
وأيضاً : المراد بتنجيسه له ليس فعليته ، بل معناه أن من شأنه التنجيس ،
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٢١ / ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧١ ، الوسائل ١ : ٢١٥ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١٣.
(٢) الخلاف ١ : ١٧٩ ، المعتبر ١ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٤.
(٣) في ص ١٠٨ ، وانظر الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١١.
(٤) علل الشرائع : ٢٩٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٠ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.
(٥) هذا الاستدلال يظهر من الحدائق (منه ره).
بوقوع ارتباط بينهما وقرب خاص ، ولا دلالة لذلك على التنجيس بمطلق الملاقاة فيكتفي بالمتيقن.
هذا ، مع أنّ بعد تسليم الدلالة يعارض مع بعض عمومات الطهارة (١) بالعموم من وجه ، لتخصيصها بالقليل الوارد عليه النجاسة بما مر قطعاً ، فيرجع إلى الأصل.
ومن هذا وسابقة يظهر الجواب عن الثاني أيضاً.
وعن الثالث : منع شموله لورود الماء ، بل الظاهر دخول الفأرة في الدلو بعد شيء من الماء ، أو ينفصلان من البئر معاً ، فتختص الرواية بما انتفى الورود من الطرفين ، ويأتي حكمه.
ولو سلّم الشمول فيحصل التعارض المذكور ، ويجاب بما مر.
وعن الرابع : أن إثبات نوع من البأس ـ كما هو مقتضى المفهوم ـ لا يثبت النجاسة ، لجواز أن يكون هو عدم الصلاحية لرفع الحدث ، فإنّ ما يغسل الخبث لا يرفعه ، كما يأتي.
وهو الجواب عن الخامس ، مع عدم عمل أكثر المخالفين به ، كما مر ، ومعارضته مع ما مرّ ، وعدم صلاحيته لإِثبات النجاسة ، كما تقدّم في بحث ماء الغيث (٢).
ومما مر من عدم ارتفاع الحدث برافع الخبث ، يظهر الجواب عن السادس أيضاً ، زيادةً على أنّه لا إشعار فيه بملاقاة الماء للنجاسة ، إلا أن يضمّ معه الإِجماع على جواز الوضوء مما يغسل به الطاهر.
وعن السابع : بأنّه لا يثبت أزيد من رجحان الغسل ، مع أنّ الوضوء أعمّ من الموارد ، فقاعدة التعارض المذكور جارية.
__________________
(١) المتقدمة ص ١١ ـ ١٢.
(٢) ص ٢٧.
وعن الثامن : مع معارضته لأخبار اُخر منافية له ، كما يأتي (١) في بحث غسالة الحمام ، أنّ النّهي عن الاغتسال بل عن مطلق الاستعمال ـ كما قيل (٢) ـ أعمّ من النجاسة ، ولو ثبت يمكن أن يكون تعبدياً أيضاً ، لا لأجل الملاقاة للنجس ، ولذا حكم أكثر القائلين (٣) بنجاسة غسالة الحمام بها ، ما لم يعلم خلوّها عن النجاسة الشامل لعدم العلم بالملاقاة أيضاً.
هذا ، مضافاً إلى خلوّ أكثر هذه الأخبار عن ملاقاة الماء للنّجس ، وهذا أيضاً يؤكّد التّعبد به لو ثبتت (٤) النجاسة.
وعن التاسع : بالمنع ، ويؤكّده استثناء ماء الاستنجاء.
وعن العاشر : بمنع عموم الجواب ، مع خلوّ البعض عن تقديم السؤال.
وعن الأخير : بمنع الشهرة إن لم ندعها على الخلاف ، كيف والماء الوارد هو الغُسالة غالباً ! والمشهور بين الطبقتين : الاُولى والثالثة ، طهارتها مطلقاً ، مع أن الشهرة للحجية غير صالحة.
للعُماني ـ بعد الأصل والاستصحاب والعمومات ـ خبر ابن ميسر المتقدم (٥) ، وصحيحة علي : عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : « لا ، إلّا أن يضطرّ إليه » (٦). والنهي يقيّده بالقليل.
وموثقة عمار : عن الرجل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه
__________________
(١) في ص ١٠٦.
(٢) الحدائق ١ : ٤٩٧.
(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٥ ، والمحقق في النافع ٥ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٥.
(٤) في « ق » : ولو تثبت.
(٥) ص ٢٠.
(٦) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤٠ ، البحار ١٠ : ٢٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.
يهودي ، فقال : « نعم » فقلت : من ذلك الماء الذي شرب منه ؟ قال : « نعم » (١).
وصحيحة زرارة : عن الحبل يكون من شعر الخنزير ، يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء ؟ قال : « لا بأس » (٢).
وروايته : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقي به الماء ، قال : « لا بأس » (٣).
ورواية بكّار : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في مكان قذر ثم يدخله الحبّ ، قال : « يصب من الماء ثلاث أكفّ ثم يدلك الكوز » (٤).
ورواية عمر بن يزيد : أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة ، فيقع في الإِناء ماء ينزو من الأرض ، فقال : « لا بأس به » (٥).
ومرسلة الوشاء : « أنه كره سؤر اليهودي والنصراني » (٦) وغير ذلك.
وأنّه لو انفعل القليل ؛ لاستحال إزالة الخبث به ، والانفعال بعد الانفصال غير معقول ، لاستلزامه تأثير العلّة بعد عدمها ، مع عدمه حين وجودها.
والجواب : أما عن الثلاثة الاُولى : فظاهر. وكذا عن الرابع ؛ لالتحاقه بالعمومات لشموله للجاري ، بل لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في القليل أيضاً.
وأمّا عن بواقي الروايات : فبجواز أن يراد من الاضطرار ما توجبه التقية في الصحيحة الاُولى ، بل هو معنى الاضطرار إلى التوضؤ منه ، وأمّا حال انحصار
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٣.
(٢) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.
(٣) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ ، الفقيه ١ : ٩ / ١٤ مرسلا ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٦.
(٤) الكافي ٣ : ١٢ الطهارة ب ٨ ح ٦ ، الوسائل ١ : ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٧.
(٥) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ٩ ح ٨ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٧.
(٦) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٧ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٢.
الماء فهو ليس اضطراراً إلى الوضوء أو الماء ؛ لإِمكان التيمّم ، مضافاً إلى احتمال التقية.
وهو الجواب عن الموثّقة ، مع إمكان إرادة ما إذا ظنّ أنّه يهوديّ ولا يعلم ، بل هو الظاهر من قوله : « على أنّه » إلى آخره.
وباحتمال رجوع الإِشارة إلى ماء البئر دون المستقى في صحيحة زرارة ، مع عدم دلالتها على ملاقاة الحبل لماء الدلو ، أو المتقاطر منه عليه.
وكون الاستقاء للزرع وشبهه في روايته.
وبعدم دلالة رواية بكار على رطوبة أسفل الكوز ، مع أنّ أمره بصبّ الماء عليه يمكن ان يكون لتطهيره.
وعدم دلالة رواية عمر على نزو الماء من المكان النجس مع أنّه وارد.
وباحتمال إرادة الحرمة من الكراهة في المرسلة ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها ، ويؤيّدها ذكر ولد الزنا في الحديث أيضاً.
ثمّ مع تسليم دلالة الجميع ومعارضته لأخبار النجاسة ، فالترجيح لها ؛ لعدم حجّيته ، لمخالفته لشهرة القدماء (١) ، ولمذهب رواته ، بل للإِجماع ، مع كونه بين عامّ ، وضعيف ، وموافق لمذهب العامة (٢).
ومنه يظهر الجواب عن سائر الأخبار المناسبة للطهارة أيضاً.
وأمّا عن الأخير : فبأنّ التطهير بإيراد الماء وهو لا ينجّس ، مع أنّ الإِزالة بالمتنجّس ممكنة ، كحجر الاستنجاء.
وقد ينتصر المخالف : بوجوه هيّنة سخافتها بيّنة.
للشيخ على القولين (٣) : صحيحة علي : عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك
__________________
(١) راجع مفتاح الكرامة ١ : ٧٢.
(٢) كموثقة عمار وصحيحة زرارة بملاحظة تجويز التوضؤ أو الشرب من سؤر اليهودي. وجمهور العامة قائلون بطهارة أهل الكتاب راجع نيل الاوطار ١ : ٨٨ ، المغني ١ : ٩٨.
(٣) المتقدمين ص ٣٥ رقم ٤ ، ٥.
الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : « إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّناً فلا يتوضأ منه » (١) بضميمة تنقيح المناط للأول.
وعدمُ إمكان التحرّز منه.
وكون تعميم أخبار انفعال القليل بالإِجماع المركّب المنفيّ هنا.
ويضعّف الأول ـ مع مخالفته للشهرتين ـ باحتمال كون « يستبين » خبراً لا صفةً ، ويؤيّده زيادة لفظة « في الماء » فيكون نفي البأس للبناء على يقين الطهارة.
وتأييد كونه صفة بقوله : « شيئاً بيّناً » معارض ـ مع ما مرّ ـ بظهور كون « إن لم يكن » ناقصة بقرينة « إن كان ».
على أنّها أيضاً لا تفيد ؛ لجواز استناد نفي البأس إلى أصالة عدم الوصول ، حيث إنّ المعلوم عادة عدم حصول العلم بوقوع ما لا يستبين غالباً.
والثاني : بالمنع.
والثالث : بعموم كثير مما تقدم.
فروع :
أ : ورود الماء وعكسه أعمّ من أن يكون من الفوق ، أو التحت ، أو أحد الجانبين ؛ للأصل في الأول ، وإطلاق طائفة من الأخبار (٢) في الثاني.
ب : لو تواردا ، فالظاهر النجاسة ، لوجود المقتضي وهو ورود النجاسة (٣).
ج : ظاهر كلام الحلّي ، والسيّد (٤) ، ومقتضى الأدلّة عموم الحكم بالطهارة
__________________
(١) الكافي ٣ : ٧٤ الطهارة ب ٤٦ ح ١٦ ، التهذيب ١ : ٤١٢ / ١٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣ / ٥٧ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.
(٢) أي الأخبار الدالة على انفعال القليل بورود النجاسة عليه.
(٣) فرع : لو ورد الماء على مائع نجس فامتزجا فالظاهر النجاسة لعدم قول بطهارة النجس حينئذٍ ، ولا باختلاف حكم الممتزجين. مع أن مثل ذلك لا ينفك عن ورود النجاسة على الماء ولو عن الأسفل على بعضه (منه رحمه الله).
(٤) السرائر ١ : ١٨١ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩.
في كل ماء وارد ، سواء كان غاسلاً لمتنجّس ، أو راجعاً ومترشّحاً من نجس ، أو مستدخلاً فيما فيه نجاسة ، أو وارداً على ما لا يقبل التّطهير. وهو كذلك ، إلّا أن الأول (١) صرّح بنجاسة الثاني ، وهو للاحتياط موافق.
د : لو تلاقيا من غير ورود لأحدهما ، كما إذا وصل بين ماءين أحدهما نجس باُنبوبة ، واُزيل ما بينهما من مانع الملاقاة ، أو وقع ذو نفس في ماء فمات ، أو اُخذ من كثير قليل مع ما فيه من النجاسة دفعةً ، أو صار الكثير الذي فيه عين نجاسة غير مغيّرة أقلّ من الكر ، فظاهر الأكثر التنجّس وهو كذلك ؛ لرواية ابن حديد (٢) ، لظهور أنّ انفصال ماء الدلو والفأرة عن ماء البئر ، لا يكون إلّا معاً ؛ وهي وإنْ اختصّت ببعض الصور ، إلّا أنّ التعميم بعدم الفصل.
وأمّا الموثّقة المتقدّمة عليها (٣) ، فهي وإنْ عمّت المورد من جهة ترك الاستفصال : إلّا أنّ العموم هنا غير مفيد ؛ لما مرّ غير مرّة.
المسألة الثانية : لا خلاف في سراية النجاسة من الأعلى ، وهل تسري إليه ؟
صرّح في المدارك (٤) واللّوامع بالعدم مدّعيين عليه الإِجماع ، وهو ظاهر بعض آخر أيضاً ، ولم أعثر على مصرّح ممّن تقدم على الأوّل.
والقول الفصل : أن علوّ بعض الماء إمّا أن يكون في العلوّ بالهواء ، كالمتسنّم (٥) من الميزاب. أو في الأرض ، كالمنحدر في المنحدرة منها. أو في الإِناء ، إمّا بكونه في إناءين مختلفين سطحاً اتّصل أحدهما بالآخر من أسفله ، أو في إناء فيكون جزء أعلى وجزء أسفل.
__________________
(١) السرائر ١ : ١٨١ صرح بنجاسة الغسلة الْأُولى من الولوغ.
(٢) المتقدمة ص ٤١.
(٣) ص ٤٠.
(٤) المدارك ١ : ٤٥.
(٥) سنّم الشيء : رفعه. وسنّم الاناء : اذا ملأه حتى صار فوقه كالسنام. وسنّم الشيء وتسنّمه : علاه وكل شيء علا شيئاً فقد تسنّمه. لسان العرب ١٢ : ٣٠٧.
فما كان من أحد الأولين ـ ولا يكون إلّا مع الجريان ـ فلا سراية ؛ للإِجماع القطعي ، بل الضرورة في الجملة ، المعلومة من الطريقة المستمرّة في التطهير (١) ، ولأنّ العالي فيهما جارٍ ووارد ، وقد عرفت عدم تنجّسهما.
وما كان من الأخير فالظاهر فيه السراية ، مع عدم ورود الماء ؛ لإِطلاقات كثير من أخبار النجاسة (٢) ، وظهور حكايات الإِجماع في الأوّلين.
نعم للقائل بانصراف المطلق إلى الشائع الوجوديّ مطلقاً ، النظر في تلك الإِطلاقات ، ولكنّه خلاف التحقيق.
المسألة الثالثة : لا يطهر القليل النجس بإتمامه كرّاً ولو بالطاهر ، وفاقاً للإِسكافي (٣) ، والشيخ (٤) ، والفاضلين (٥) ، والشهيدين (٦) ، وأكثر المتأخرين (٧) ؛ للأصل ، والاستصحاب.
خلافاً للسيد ، والحلّي (٨) ، وابن سعيد ، والقاضي (٩) ، والديلمي ، والكركي (١٠) مطلقاً ، ولابن حمزة (١١) إن تُمّم بالطاهر ؛ للنبوي (١٢) المجمع على
__________________
(١) في « هـ » و « ق » : التطهّر.
(٢) المتقدمة ص ٣٦ إلى ٤١.
(٣) نقله عنه في المختلف : ٣.
(٤) الخلاف ١ : ١٩٤ ، المبسوط ١ : ٧.
(٥) المحقق في المعتبر ١ : ٥١ ، والشرائع ١ : ١٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٤ ، والتحرير ١ : ٤ ، والمنتهى ١ : ١١.
(٦) الاول في الدروس ١ : ١١٨ ، والثاني في الروضة ١ : ٣٥.
(٧) منهم صاحبا المدارك ١ : ٤١ ، والذخيرة : ١٢٥.
(٨) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الاولى) : ٣٦١ ، السرائر ١ : ٦٣.
(٩) الجامع للشرائع : ١٨ ، المهذب ١ : ٢١.
(١٠) المراسم : ٢١ ، جامع المقاصد ١ : ١٣٤.
(١١) الوسيلة : ٧٣.
(١٢) غوالي اللآلي ١ : ٧٦ و ٢ : ١٦ ، المستدرك ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٦.
صحّتها عند الفريقين بشهادة الحلّي (١) : « إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً ».
ودعوى الإِجماع من الحلي (٢).
والأوّل مندفع : بعدم الدلالة.
والثاني : بعدم الحجية.
وقد ينتصر لذلك : بوجوه اُخر ضعفها ظاهر.
* * *
__________________
(١ و ٢) السرائر ١ : ٦٣.
البحث الثاني : في الكرّ
وفيه مسائل :
المسألة الاُولى : لا ينفعل الكرّ بمجرّد الملاقاة ، وفاقاً للمعظم ؛ للأصل ، والعمومات (١) ، وخصوص ما تقدّم من المستفيضة (٢) ، ومنها ما يصرّح بعدم تنجّس الحياض (٣).
خلافاً للمفيد ، والديلمي (٤) ، فخصّاه بما عدا الحياض والأواني ، ولظاهر النهاية (٥) ، فبغير الثاني ؛ لعموم النهي عن استعمال مائه مع الملاقاة.
وهو ـ مع كونه أخصّ من مدّعى الأولين ـ مخصوص بالقليل بشاهد الحال.
ولو سلّم فمعارض بعموم ما دلّ في الكرّ على عدم الانفعال ، فلو رجّحناه بالكثرة ، وموافقة الشهرة ، وظهور الدلالة ، وإلّا فالمرجع أصل الطهارة. مع أنّ ورود كلام المخالف مورد الغالب محتمل ، كما فهمه الشيخ (٦) من كلام اُستاذه ، وهو أعرف بمذهبه.
وممّا ذكر يظهر الجواب عن موثّقة أبي بصير : عن كرّ ماء مررت به وأنا في سفر قد بال فيه حمار ، أو بغل ، أو إنسان ، قال : « لا تتوضأ منه ولا تشرب » (٧).
مضافاً إلى عدم صراحتها في النهي ، ومعارضتها مع ما دلّ على طهارة بول الأولين.
__________________
(١) عمومات طهارة الماء المتقدمة في ص ١١.
(٢) راجع ص ٣٦.
(٣) التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٧ ، الوسائل ١ : ١٦٢ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.
(٤) المقنعة : ٦٤ ، المراسم : ٣٦.
(٥) النهاية : ٥.
(٦) التهذيب ١ : ٢١٨ ، لتوضيح الحال فيه راجع الحدائق ١ : ٢٢٦.
(٧) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥.
وهل يشترط في عدم انفعاله تساوي سطوحه الظاهرة ؟ أم يكفي الاتصال مطلقا ؟ أو مع الانحدار خاصّة دون التسنّم ؟ أو في تقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس ؟
الأظهر الثاني ، وهو صريح الروض (١) وظاهر الأكثر ، كما فيه وفي اللوامع ؛ للأصل ، وعمومات طهارة الكرّ ، السالمين عمّا يصلح للمعارضة ، لعدم عموم في أكثر أدلّة انفعال القليل ، لاختصاصه بصور مخصوصة ليس المورد منها ، وظهور ما لم يكن كذلك في غير ذلك.
وجعل عمومات الكرّ مختصّة بما لم يحتمل العهد ، لعدم كون عمومها وضعيّاً ، من حيث ورودها بلفظ المفرد المحلّى ، وتقدّم السؤال عن الماء المجتمع عهد (٢). مدفوع : بمنع عدم كون عموم المفرد وضعيّاً أوّلاً ، ومنع تقدّم السؤال في الجميع ثانياً ، ومنع كون المسؤول عنه متساوي السطوح ثالثاً ، وجريان مثله في طرف النجاسة فيختصّ بغير متّصل بالكرّ وينفى في المتّصل بالأصل رابعاً.
للأول ـ وهو لبعض المتأخرين (٣) ـ : ظهور اعتبار الاجتماع في الماء ، وصدق الوحدة والكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمّنة لحكم الكرّ (٤) اشتراطاً أو كمّيّةً ، وتطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة.
والجواب أولاً : أنّ هذا الظهور ليس ظهوراً بعنوان الاشتراط ، وإنّما هو ناشٍ من كون المورد كذلك ، وهو لا ينافي العموم.
وثانياً : أنّ اللازم منه اعتبار صدق الاجتماع العرفيّ دون المساواة ، فإنّه ليس دائراً مدارها ، بل قد يتحقّق مع الاختلاف ، كما قد ينتفي مع المساواة كالغديرين المتّصلين باُنبوبة ضيّقة ممتدّة.
__________________
(١) الروض : ١٣٥.
(٢) كما في المعالم : ١٢.
(٣) المعالم : ١٢.
(٤) الوسائل ١ : ١٥٨ ، ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ، ١٠.
وأكثريّة صور الانتفاء في الأوّل لا توجب اشتراط عدمه مع أنّها ممنوعة.
بيانه : أنّ الاختلاف إمّا لأجل وصل الغديرين المختلفين ، أو التسنّم ، أو الانحدار. والمؤثّر في الانتفاء ـ لو سلّم ـ ليس إلّا امتداد الثقبة الواصلة ، أو ضيقها في الأوّل ، وامتداد سطح الماء وبعد أوّله عن آخره في الثانيين ، لظهور أنّ أصل التسنّم والانحدار لا يوجب نفي الوحدة ، وكلّ من الأمرين يجتمع مع التساوي أيضاً ، مع أنّ الجريان في الثانيين أيضاً يمنع عن الانفعال.
وقد يجاب (١) أيضاً : بأنّ أخبار الكرّ كما دلّت على اعتبار الوحدة منطوقاً ، فاعتبرت لأجله المساواة ، كذلك دلّت على اعتبارها مفهوماً فيما نقص عنه ، فيختصّ الانفعال بصورة الوحدة والاجتماع ، فيكون المفروض خارجاً عن عموم المنجّسات ، يبقى الأصل سليماً عن المعارض.
وفيه : أنّ مدلول المفهوم حينئذٍ أنّ الماء الواحد المجتمع الناقص ينفعل ، ولا يضرّ فيه اتّصاله بما يصير معه كرّاً لو لم يوجب كريّته ، وكانت الوحدة منفيّة معه.
وللثالث : صدق الوحدة والاجتماع مع الانحدار دون التسنّم (٢).
وجوابه ظهر ممّا مر.
وللرابع ـ وهو للتذكرة والذكرى والدروس والبيان وشرح القواعد (٣) ـ : عدم تنجّس الأعلى بنجاسة الأسفل فلا يطهر بطهره ؛ إمّا لعدم معقوليّة التأثير فيه دونها ، أو لدلالته على عدم اتّحادهما في الحكم وعدم وحدتهما ، أو لاستلزامه عدم اندراج مثل ذلك إذا كان قليلاً في مفهوم روايات الكرّ ، فلا يشمله منطوقها أيضاً إذا كان كثيراً.
__________________
(١) كما في الرياض ١ : ٣.
(٢) كما في المدارك ١ : ٤٤.
(٣) التذكرة ١ : ٤ ، الذكرى : ٩ ، الدروس ١ : ١٢١ ، البيان : ٩٩ ، جامع المقاصد ١ : ١١٥.
والجواب : أنّ عدم المعقولية ممنوع.
ودلالته على عدم الاتّحاد في جميع الأحكام غير مسلّمة ؛ لإِمكان عدمه في البعض خاصّة ، وعدم السراية مع الوحدة لدليل آخر.
وعدم تنجّس الأعلى كلّما (١) ثبت فإنّما هو للتخصيص في المفاهيم ، دون عدم الاندراج ، على أنّه يوجب عدم نجاسة الأسفل أيضاً وعدم تقوّيه.
والوجوه التي ذكروها للفرق ضعيفة جدّاً.
وإذ عرفت كفاية الاتّصال ، فهل يشترط معه أن لا يكون باختلاف فاحش ، كالصبّ من الجبل ولا بمثل اُنبوبة ضيّقة ممتدّة ، أم لا ؟
الظاهر الثاني ؛ لعموم « إذا بلغ » وصدق الوحدة ، ومنع ظهور اشتراط الاجتماع العرفي.
وتردّد في اللوامع ؛ لما ذكر ، ولوجوب الحمل على المتعارف.
وفيه : منع التعارف ، سيّما بحيث يصلح لتخصيص العام وتقييد المطلق.
المسألة الثانية : قد مرّ أنّه يطهر ـ إذا تنجّس ـ بالجاري مع زوال التغيّر به أو قبله ، وبإلقاء كرّ عليه فكرّ حتى يزول إن كان باقياً ، وإلّا فكرّ مع اشتراط الامتزاج فيهما والمساواة ، أو العلوّ في الأوّل والدفعة في الثاني. ويشترط فيه أيضاً عدم تغيّر بعض الملقى ابتداءً في الكرّ الأخير.
ولا يطهر بزوال التغيّر من قبل نفسه أو الرياح ؛ للاستصحاب لا لعموم أدلّة نجاسة المتغيّر ؛ لمنع التغيّر. ولا لدلالة النهي عن الوضوء والشرب على الدوام ؛ لتقييده بما دام كونه متنجّساً قطعاً.
خلافاً لصاحب الجامع ، واحتمله في النهاية (٢) ؛ للأصل ، وانتفاء المعلول بانتفاء علّته.
__________________
(١) في « ق » : كما.
(٢) الجامع للشرائع : ١٨ ، نهاية الإِحكام ١ : ٢٥٨.
والأصل بما ذكر ساقط ، وعليّة التغير ممنوعة ، وإنّما هو أمارة. سلّمناها ولكنّه علّة للحدوث ، والبقاء معلول للاستصحاب.
المسألة الثالثة : للأصحاب في معرفة الكرّ طريقان :
أحدهما : الوزن ، وهو ألف ومائتا رطل ؛ للإِجماع المحقّق ، والمنقول مستفيضاً ، وعدّه الصدوق في أماليه من دين الإِمامية (١) ، ومرسلة ابن أبي عمير : « الكرّ من الماء ، الذي لا ينجّسه شيء ، ألف ومائتا رطل » (٢).
وإرسالها على أصلنا غير قادح ، وكذا على غيره ، للإِجماع على تصحيح ما يصحّ عن مرسلها (٣) ، وشهادة جماعة بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة (٤).
مضافاً إلى انجبارها بالعمل ، بل في المعتبر : لا أعرف من الأصحاب رادّاً لها (٥).
ولا تنافيها صحيحة محمد (٦) ، ومرفوعة ابن المغيرة : « الكر ستمائة رطل » (٧) (كما يأتي) (٨). ولا الأخبار المقدّرة له بحب مخصوص ، أو قلّتين أو أكثر من رواية ،
__________________
(١) أمالي الصدوق : ٥١٤ (المجلس ٩٣).
(٢) الكافي ٣ : ٣ الطهارة ب ٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٤١ / ١١٣ ، الاستبصار ١ : ١٠ / ١٥ ، الوسائل ١ : ١٦٧ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ١.
(٣) كما ادّعاه الكشي في رجاله ٢ : ٨٣٠ راجع لتحقيق أصحاب الإِجماع خاتمة المستدرك ٣ : ٧٥٧ ومقدمة معجم الرجال : ٥٩.
(٤) عدة الاُصول ١ : ٣٨٦ ، الذكرى : ٤ ، النهاية للعلامة على ما حكى عنه في خاتمة المستدرك ٣ : ٦٤٩.
(٥) المعتبر ١ : ٤٧.
(٦) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٧ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٣.
(٧) التهذيب ١ : ٤٣ / ١١٩ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٦ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٢.
(٨) لا توجد في « ق ».
وما يشبهها (١) ؛ لأنّ منها ما يسعها ، كما تشهد به رواية المسائل المتقدمة في القليل (٢) ، وقلال هَجَر (٣) ، بضميمة تفسير اللغويين كلاً منها بما يقرب الآخر ، فهي إمّا مطلقة ، أو مجملة ، فتحمل على المقيد أو المبيّن ، مع أنّ الحمل على التقية ممكن.
والأرطال على الحق المشهور : عراقية ، دون المدنيّة التي تزيد عليها بنصفها ، كما عن الفقيه ، والسيّد في المصباح ، والانتصار ، والناصريات (٤).
لا للأصل ، والاستصحاب ، وعمومات الطهارة (٥) ، وخصوص كل ماء طاهر (٦) ، وتعيّن الأخذ بالأقلّ عند الشّك في الأكثر عند تعلق حكم بالكر ، كوجوبه في بعض المنزوحات ، والاحتياط في وجه ، والأقربية إلى الأشبار ، سيما على قول القميين (٧) ، وإلى الحب ومثله ، والموافقة لعُرف السائل (٨).
لأنّ الأربعة الاُولى مردودة : بأنّ غاية ما ثبت منها طهارة ما بلغ هذه الأرطال بالعراقيّة لو لاقت نجاسة ، لا كونه كرّاً ، لانتفاء الملازمة ، فيترتّب عليه ما يتبع الطهارة ، كجواز الاستعمال ، دون الكرية ، كتطهير الكر أو القليل به. وحينئذٍ فيعارضها أصالة عدم المطهرية ، واستصحاب نجاسة ما يراد تطهيره.
وضمّ الإِجماع المركب مع الطهارة لإِثبات الكرية معارض بضمّه مع عدم
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣ وص ١٦٤ ب ١٠ وراجع ص ٣٦ من الكتاب.
(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٩٧ / ٤٢٠ ، الوسائل ١ : ١٥٦ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٦ وتقدمت ص ٤٠ رقم ٤.
(٣) القُلّة ، قال أبو عبيده : « القُلّة : حُب كبير » وهَجَر بفتحتين بلد بقرب المدينة ... وهجر أيضاً ... من بلاد نجد ، وفي تحديد قلال هجر اختلاف ، راجع المصباح المنير : ٥١٤ ، ٦٣٤.
(٤) الفقيه ١ : ٦ ، الانتصار : ٨ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٨.
(٥) الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧.
(٦) الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١.
(٧) وهو أن الكُر ما بلغ تكسيره بالأشبار سبعة وعشرين وسيأتي التعرض له في ص ٦٠.
(٨) هذه وجوه استدلّ بها في الرياض ١ : ٥.
المطهرية لنفيها.
على أنها إنما تفيد لو لم يشمل أدلة النجاسة مثل ذلك الماء ، وشمول كثير من غير المفاهيم له لا شكّ فيه ، فيسقط الاستدلال بها رأساً.
والخامس : بمعارضته بأصالة بقاء البئر على الحالة السابقة على النزح.
والسادس : بالمعارضة بالمثل مع عدم كونه دليلاً.
والسابع : بأنّ ما يفيد ، هو القرب دون الأقربية ، إذ الاختلاف بعد ما كثُر لا يختلف بالكثرة والقلّة فيما يفيد هنا ، مع أنّ أقربيّته إلى ما هو المشهور بالمحسوس ممنوع ، وكذا إلى الحبّ والقلتين فإنّه قد حكي (١) أنّ من قِلال هَجَر ما يسع تسع قِرَب.
والثامن : بمنع الحمل على عرف السائل إذا عَلم المخالفة وعلم المتكلّم علمه ـ كما هو الظاهر في المورد ـ سيما إذا خالف عرف بلد السؤال ، مع أنّ السائل هنا غير معلوم.
بل للصحيحة والمرفوعة المتقدمتين (٢) ؛ لعدم إمكان حملهما على غير المكية الموافقة لضعفها من العراقية قطعاً ، لمخالفته الإِجماع ، فيتعين.
وتجويز العاملي (٣) حملهما على المدينة لقربهما من قول القميين في الأشبار مدفوع : بأنّ المراد مخالفة الإِجماع في الأرطال ، مع أنّ القرب بدون الموافقة غير مُفيد.
ولأنّ اجتماعهما مع المرسلة قرينة على إرادة المكية منهما كالعراقية منها.
ويؤيده : الاشتهار ، لا الشيوع في الأخبار كما قيل (٤). ورواية الشنّ (٥)
__________________
(١) لم نعثر عليه ، نعم حكى في المعتبر ١ : ٤٥ عن ابن دريد أنه يسع خمس قِرب. راجع الحدائق ١ : ٢٥٢ ، المصباح المنير : ٥١٤.
(٢) ص ٥٦.
(٣) الروض : ١٤٠.
(٤) الرياض ١ : ٥.
(٥) الكافي ٦ : ٤١٦ الاشربة ب ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠
/ ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٦ ـ ٢٩ ،
=
معارضة بأكثر منها وأصح من أخبار (١) المد والصاع (٢).
ثم للمخالف : الاحتياط ، وموافقة عرف البلد ، واشتراط عدم الانفعال بالكرية ، فما لم يُعلم يحكم به ، وأصالة عدم الكرية ، والتكليف بالاجتناب عن النجس واستعمال الطاهر ، واليقين بالبراءة لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا نقص من الأرطال المدنية الملاقي للنجاسة واستعمال ما بلغها.
ويُرد الأولان : بما مر. والبواقي : بسقوط الأصل ، وحصول العلم بالكرية والقطع بالبراءة بما ذكرنا من الدليل.
مضافاً إلى ما في الثالث من التعارض بالمثل ، مع أنه غير مفيد ؛ لأنّ المفروض انتفاء العلم بالشرط دون نفسه ، فينتفي العلم بعدم المشروط ، فيرجع إلى الأصل.
وفي الرابع : بالمعارضة بما إذا كان زائداً عن الكر فنقص تدريجاً.
وقد يرد ذلك أيضاً : بمنع صحة أصالة عدمها. وفي صحته (٣) كلياً نظر ظاهر.
ثم العراقي مائة وثلاثون درهماً كما عليه الأكثر ؛ لأنّ المدني الذي مثله ونصفه ـ للإِجماع وروايتي علي بن بلال (٤) وجعفر الهمداني (٥) ـ مائة وخمسة وتسعون
__________________
=
الوسائل ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ٢.
(١) الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ، والوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠.
(٢) كصحيحة زرارة في قدر ماء الوضوء ، والمُد رطل ونصف الصاع ستة أرطال فان الرطل فيها مدني قطعاً (منه ره).
(٣) في « هـ » : صِحّتها.
(٤) الكافي ٤ : ١٧٢ الصوم ب ٧٥ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٢ ، الوسائل ٩ : ٣٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٢.
(٥) الكافي ٤ : ١٧٢ الصوم ب ٧٥ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٣ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.
درهماً ، لتصريح الأصحاب (١) وروايتي جعفر (٢) وإبراهيم الهمدانيين (٣).
خلافاً لبعض (٤) فقال : مائة وثمانية وعشرون (٥). ولم أعثر على دليله.
وفي رواية المروزي : « المد مائتان وثمانون درهما » (٦).
ويستفاد منها ، بضميمة ما يصرح من الأخبار بكونه ربع الصاع وكون الصاع تسعة أرطال عراقية (٧) : أنّ كُلّ رطل مائة وأربعة وعشرون درهما وأربعة أتساعه ، ولم أقف على قائل به.
ثُمّ لكون كُلِّ درهم سبعة أعشار المثقال الشرعي وكونه ثلاثة أرباع الصيرفي ، يكون العراقي ثمانيةً وستّين مثقالاً بالصّيرفي. ولكون المنّ الشاهي المتعارف اليوم في بلدنا وما قاربه ألفاً ومائتين وثمانين صيرفيةً ، يكون الكر أربعة وستين منّاً إلّا عشرين صيرفياً.
وثانيهما : المساحة ، وهي على المشهور : ما بلغ تكسيره بالأشبار اثنين وأربعين وسبعة أثمان.
وعند الصدوق والقمّيين ما بلغ سبعةً وعشرين (٨) ، واختاره في المختلف (٩) ، والمحقق الثاني في حواشيه عليه ، وثاني الشهيدين في الروضة والروض (١٠) ، وظاهر
__________________
(١) يراجع الحدائق ١ : ٢٤٥.
(٢) المتقدمة في ص : ٥٩ رقم ٥.
(٣) التهذيب ٤ : ٧٩ / ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ / ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٤.
(٤) في « ق » : لبعضهم.
(٥) التحرير ١ : ٦٢.
(٦) التهذيب ١ : ١٣٥ / ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤١٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.
(٧) الوسائل ٩ : ٣٣٢ ب ٦ و ٣٤٠ ب ٧ من أبواب زكاة الفطرة.
(٨) المقنع : ١٠ ، المختلف : ٣.
(٩) المختلف : ٤.
(١٠) الروضة ١ : ٣٤ ، الروض : ١٤٠.