أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-76-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
من المنقولات بضميمة عدم الفصل ، فيبقى الباقي.
ويدل على المطلوب في أكثر ما ذكر : إطلاق الموضع في الموثّقة ، وقد يستدل أيضاً بوجوه اُخر ضعيفة.
وخلافاً لنهاية الإِحكام ، فأخرج الثمرة على الشجرة مما يطهر (١). وللسرائر ، والمختصر النافع ، وعن المقنعة ، والمبسوط ، والخلاف (٢) ، والراوندي (٣) ، وابن حمزة (٤) والديلمي (٥) ، فخُصّ بالثلاثة الاُولى ، وللمعتبر فتردّد في غيرها (٦) ؛ استناداً في الثلاثة إلى ما تقدّم من صحاح زرارة وعلي والموثقة (٧) ، وفي التخصيص إلى ضعف الرواية (٨) سنداً.
وهو عندنا غير ضائر ، مع أنّ الاشتهار المدّعى لضعفه ـ لو كان ـ جابر ، مضافاً إلى أنّ الموثقة لغير الثلاثة قطعاً شاملة ، ومعه فيتعدّى إلى سائر ما لا يشمله بعدم الفاصل.
المسألة الرابعة : لا يطهر شيء من النجاسات بالجفاف بغير الشمس ، وعليه إجماعنا كما في المنتهى (٩).
وتدل عليه صحيحة زرارة مفهوماً ، والموثقة منطوقاً ، وصحيحة ابن بزيع (١٠) عموماً.
__________________
(١) نهاية الاحكام ١ : ٢٩٠.
(٢) السرائر ١ : ١٨٢ ، المختصر النافع : ١٩ ، المقنعة : ٧١ ، المبسوط ١ : ٣٨ ، الخلاف ١ : ٤٩٥.
(٣) نقله عنه في المختلف : ٦١.
(٤) الوسيلة : ٧٩.
(٥) المراسم : ٥٦.
(٦) المعتبر ١ : ٤٤٧.
(٧) المتقدمة ص ٣١٢ و ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٨) يعني رواية الحضرمي المتقدمة ص ٣١٢.
(٩) المنتهى ١ : ١٧٧.
(١٠) المتقدمة في ص ٣١٥.
وبها يخصّص بعض المطلقات المجوزة للصلاة في كلّ موضع جفّ ، أو يحمل على غير السجدة عليه مع جفاف الأعضاء.
وعن الخلاف القول بالطهارة بزوال العين بهبوب الرياح مدّعياً عليه إجماع الفرقة (١).
ورجوعه عنه في غير ذلك الكتاب (٢) ، بل في موضع آخر منه (٣) يقدح في إجماعه ، بل يوجب عدم قدح خلافه في الإِجماع.
فروع :
أ : لو جفّ بالشمس وغيرها معاً كالهواء ، فإن تأخر التجفيف بأحدهما ، بأن يكون ارتفاع الرطوبة رأساً من أحدهما وإن نقصت أولاً بالآخر ، فالحكم للمتأخر ؛ لصدق التجفيف بالشمس مع تأخره ، وعدمه لا معه.
وصدق الإِشراق كما في الرواية (٤) ، وإصابة الشمس ثم الجفاف كما في الموثقة وإن أوجبا التطهّر في الصورة الثانية أيضاً ، ولكن يعارضهما مفهوم الصحيحة بالعموم من وجه ، فيرجع إلى استصحاب النجاسة ، ومع الشك يستند الجفاف إلى المتأخر لاستصحاب الرطوبة.
وإن شاركا في التجفيف في زمان ، فظاهر القواعد والتذكرة عدم الطهارة (٥).
وصرح في المدارك (٦) واللوامع بالطهارة. وهو كذلك ؛ لصدق التجفيف بالشمس وإشراقها إلا إذا علم أن التأثير من غير الشمس.
__________________
(١) الخلاف ١ : ٢١٨.
(٢) المبسوط ١ : ٣٨.
(٣) الخلاف ١ : ٤٩٥.
(٤) المراد بها رواية الحضرمي المتقدمة ص ٣١٢.
(٥) القواعد ١ : ٨ ، التذكرة ١ : ٨.
(٦) المدارك ٢ : ٣٦٧.
ب : زوال العين في تطهير الشمس معتبر إجماعاً ، ولأنّ مع بقائها لا تصدق إصابة الشمس ولا إشراقها على الموضع غالباً ، بل قد يشكّ في صدق التجفيف بالشمس أيضاً. والكلام في زوال اللون والطعم والريح كما مر.
ج : لو جفّ بحرارة الشمس من غير إشراقها لم يطهر ؛ لصدر الموثقة ، ولعدم صدق الإِشراق ولا الجفاف بالشمس ، ألا ترى أنه إذا جفّ شيء بمقابلته مع النار يقال : جففته النار ؛ ولو كان بينهما حائل لا يقال ذلك وإن جفّفته حرارتها.
د : لو جفّ بغير الشمس وبلّ بوجه غير مطهر يطهر بالجفاف بالشمس ، والوجه ظاهر.
هـ : لو اتصلت النجاسة من الظاهر إلى الباطن في شيء واحد ، فصرّح جماعة (١) بأنّه يطهر بإشراق الشمس على الظاهر وتأثيرها في الباطن ؛ لأنه مع الوحدة يصدق على المجموع أنه ما شرقت الشمس عليه وأصابته ، بل جفّفته.
وهو كذلك إن علم أنّ آخر جفاف الرطوبة الباطنية حصل بالشمس. وإلّا فإن علم أنّ آخره حصل بغير الشمس ، فالظاهر اختصاص الطهارة بالظاهر ؛ لمفهوم الصحيحة المعارض لما مرّ بالعموم من وجه ، فيرجع إلى استصحاب النجاسة.
وإن لم يعلم شيء منهما ، فالحكم لاستصحاب الرطوبة الباطنية ، فإن انقطع الاستصحاب في زمان الجفاف بالشمس ، يكون طاهراً ، وإن انقطع في غيره ، يكون نجساً.
وتقييد منطوق الصحيحة بالعلم ، فجميع صور الشك يدخل في المفهوم غلط ؛ لأن الألفاظ للمعاني النفس الأمرية ، ولا يقيّد بالعلم إلّا في مقام الأوامر
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في الروض : ١٧٠ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١٧١ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٤٥٠.
والنواهي ، وليس المقام منها.
مع أنّ بعد ملاحظة ما ذكرنا من استصحاب الرطوبة لا يبقى محل شك.
والحكم باختصاص الطهارة مطلقاً بالظاهر ـ كما هو ظاهر المنتهى (١) ـ غير جيّد.
وأما لو كان شيئان نجسان وضع أحدهما فوق الآخر وجفّ التحتاني بحرارة الشمس ، فلا يطهر مطلقاً.
و : تطهر اللَبِنَة النجسة بالشمس ، وإن كانت منقولةً ، إما لصدق الأرض عليها ، أو لعدم العلم بخروجها عن العموم. وكذا التراب ، والمدر ، والحجر ، والحصى ، والرمل ، ونحوها. والكلام في بواطنها إذا كانت نجسةً كما سبق.
* * *
__________________
(١) المنتهى ١ : ١٧٧.
الفصل الثالث : في الاستحالة
والمراد منها تبدل الحقيقة عرفاً ، والمناط في تبدّلها تبدّل الاسم ، بحيث يصح سلب الاسم الأول عنه ، كما أشار إليه الإِمام في موثّقة عبيد بن زرارة ، الآتية (١) ، فكلما تبدل اسمه كذلك ينكشف تبدل حقيقته ويختلف حكمه.
وأما القول بعدم كفاية تبدل الاسم ؛ لأجل أنه لا يتفاوت الحكم الثابت للحنطة بعد صيرورتها دقيقاً ، ولا للدقيق بعد صيرورته عجيناً ، ولا للعجين بعد صيرورته خبزاً ، وكذا في القطن والغزل والثوب ؛ وجَعْل المناط تبدّل الحقيقة ، والكاشف عنه تبدل الآثار والخواص (٢) ..
فمردود بأنه لو كان كذلك ، لزم تطهر اللبن النجس بصيرورته جنباً أو إقطاً ، ضرورة تبدل الخواص فيهما ، ولا يلزم ذلك على ما ذكرنا.
وأما مثال الحنطة والقطن فنمنع ثبوت الحكم وعدم اختلافه لو ثبت ، فإنه لو قال الشارع : لا تسكن البيت ما دام فيه الحنطة ، فلا يحرم السكون بعد تبدّلها دقيقاً. وكذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام عنده القطن ، لا يجب عليه الصيام بعد تبدله غزلاً أو ثوباً. وكذا لو قال : اغسل ثوبك من ملاقاة الحنطة أو القطن ، فيحكم لأجله بنجاستهما ما داما حنطةً وقطناً.
وأما ما ترى من استصحاب نجاسة الحنطة المتنجسة بعد صيرورتها دقيقاً وكذا في القطن واللبن ، فإنما هو لعدم كون النجاسة معلّقةً على هذا الاسم شرعاً ، فإنّ الشارع لم يقل : إنّ الحنطة نجسة ، ولا : إنّ الحنطة الملاقية للنجاسة نجسة ؛ إنما هي جزئي من جزئيات المحكوم عليه ، لا لكونه حنطةً ، بل لأنه جسم ملاقٍ للنجاسة ، فمناط الجزئية أيضاً هذا الملاقي ، ولو كان الشارع يقول : الحنطة
__________________
(١) سيأتي ذكرها ص ٣٣٢.
(٢) قاله في غنائم الأيام : ٨١.
نجسة ، لكُنّا نحكم بطهارتها بعد صيرورتها دقيقاً أو خبزاً.
وقد ظهر مما ذكرنا أنّ المراد بالاستحالة هنا استحالة موضوع الحكم شرعاً ، وتبدل حقيقة ما جعله الشارع مناطاً للحكم وموضوعاً له ، والمناط في تبدل الحقيقة هو تبدل الاسم عرفاً.
ثم إن للاستحالة أنواعاً كلّها مشتركة في إيجابها لتطهّر الأعيان النجسة ذاتاً ؛ للأصل ، وعمومات طهارة ما استحيل إليه ، وعدم دليل على نجاسته سوى الاستصحاب الذي لا يمكن التمسك به في المقام ؛ لتبدل الموضوع. والشك في التبدل كاللاتبدل ؛ للأصل والاستصحاب.
دون المتنجسات على الأقوى ؛ للاستصحاب ، وعدم تغير الموضوع كما أشرنا إليه ، وبينا تفصيله في موضعه من الاُصول.
ومن لم يفرق بين الموضعين فقد بَعُد عن التحقيق ، وأبعد منه من أجرى الحكم في الثاني بمفهوم الموافقة.
فمن أنواعها : الاستحالة بالنار ، وهي تطهر الأعيان النجسة ذاتاً بإحالتها إلى الدخان والرماد والفحم على الأقوى والأشهر مطلقاً في الأولين ، وعند المتأخرين خاصة في الأخير ، بل على الأول الإِجماع في المنتهى والتذكرة (١) ، وعلى الثاني عن الخلاف (٢) ، وعليهما عن السرائر (٣).
ونسبة دعوى الإِجماع إلى المعتبر خطأ (٤) ؛ لأنه ذكره في دواخن السراجين النجسة ، والمراد الأبخرة المتصاعدة عنها ، لأنه قال : لا يتوقّى الناس عنها (٥) ، وما أجمعوا على عدم التوقّي عنها هي الأبخرة ، مع أنه قال في باب الأطعمة من
__________________
(١) المنتهى ١ : ١٨٠ ، التذكرة ١ : ٨.
(٢) الخلاف ١ : ٤٩٩.
(٣) السرائر ٣ : ١٢١.
(٤) كما نسبه في مفتاح الكرامة ١ : ١٨٦.
(٥) المعتبر ١ : ٤٥٢.
الشرائع : ودواخن الأعيان النجسة طاهرة عندنا ، وكذا ما أحالته النار وصيّرته رماداً أو دخاناً على تردّد (١).
ويدلّ على الحكم في الجميع ـ بعد الإِجماع في الجملة ـ الأصل السالم عن المعارض ، سوى الاستصحاب الغير المفيد هنا كما مرّ.
وقد يستدلّ أيضاً : بصحيحة السراد : عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصّص به المسجد ، أيسجد عليه ؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهّراه » (٢).
والمروي في قرب الإِسناد : عن الجصّ يطبخ بالعذرة أيصلح به المسجد ؟ قال : « لا بأس » (٣).
وليس المراد من الاُولى تطهر الجص المتنجس بالنار والماء حتى يرد أن النار لم تجعله رماداً ، والماء اُحيل إليه بمجرد ملاقاته له فلا يصلح للتطهير.
بل المراد أن النار أحالت العذرة المختلطة معه إلى الرماد فطهرته ، والماء طهر ظاهر الجص الملاقي لعذرة المحتملة لرطوبة بعض أجزائها ، فلا يلزم حمل التطهر على الحقيقي والمجازي أو عموم المجاز.
وإحالة الماء إليه غير ضائر ؛ لأنه اُحيل بعد التطهر ، والمانع هو ما إذا كان قبله. مع أنها تدل على المطلوب من باب الإِشارة أيضاً ، حيث لم يمنع من تجصيص المسجد به ، وحينئذٍ يمكن حمل التطهير فيها على المعنى المجازي أعني التنظيف.
ولا يخفى أن الاستدلال بهما إنّما يتمّ على ما هو متعارف بعض بلاد العرب ، من وضع الوقود على الجصّ وإحراقه عليه ، وأما على ما هو متعارف أكثر بلاد
__________________
(١) الشرائع ٣ : ٢٢٦.
(٢) الكافي ٣ : ٣٣٠ الصلاة ب ٢٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢٧ أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.
(٣) قرب الاسناد : ٢٩٠ / ١١٤٧ ، الوسائل ٥ : ٢٩١ أبواب أحكام المساجد ب ٦٥ ح ٢.
العجم من إيقاده تحته من غير امتزاج فلا ، بل يكون المراد بالتطهّر في الاُولى رفع التنفر والقذارة ، وعلى هذا فيشكل التعويل على الروايتين.
خلافاً للمحكي عن المبسوط في دخان الدهن النجس ، فحكم بنجاسته لوجه اعتباري لا يتم (١) ، والمنع عن الإِسراج به تحت الظلال ، وهو أيضاً على مطلوبه غير دال.
وللمعتبر وباب الأطعمة والأشربة من الشرائع في الثلاثة ، فحكم في الأول بعدم التطهر (٢) وفي الثاني تردد (٣). وللعاملي (٤) في الثالث. ولا وجه لشيء منها.
وأما استحالة المتنجسات ، فألحقها جماعة (٥) باستحالة النجس في حصول التطهر بها.
ونفى بعضهم (٦) الإِلحاق ، وهو كذلك في غير الدخان ، لما ذكرنا.
وأما الدخان فالظاهر طهارته ؛ لخروج الجسم به عن قابلية النجاسة ، فلا يجري فيه الاستصحاب ، فإنه ليس جسماً عرفاً ، ولذا لا ينجس الدخان الطاهر حيث يمر على النجاسات الرطبة.
وبما ذكرنا يظهر عدم تطهر الطين النجس بصيرورته آجراً أو خزفاً وإن خرج عن مسمّى التراب ، وفاقاً لجماعة (٧). وخلافاً لآخرين (٨) ؛ لما ذكر من التبدل ، وقد عرفت ضعفه. ولنقل الإِجماع من الخلاف (٩) ، وهو ليس بحجّة. ولإِطلاق
__________________
(١) حكاه في الرياض ١ : ٩٥ ، ولكن الموجود في المبسوط ٦ : ٢٨٦ التصريح بعدم نجاسته.
(٢) المعتبر ١ : ٤٥١.
(٣) الشرائع ٣ : ٢٢٦.
(٤) الروض : ١٧٠.
(٥) صاحب المعالم : ٤٠٣ ، وكشف اللثام ١ : ٥٦ ، وكشف الغطاء : ١٨١.
(٦) الحدائق ٥ : ٤٦٢.
(٧) منهم الشهيد الثاني في الروض : ١٧٠ ، والروضة ١ : ٦٧.
(٨) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٩٩ ، والشهيد في البيان : ٩٢.
(٩) الخلاف ١ : ٥٠٠.
صحيحة السراد ، وهي على مطلوبهم غير دالة. ولأصالة الطهارة ، وهي بالاستصحاب مندفعة.
وردّ الاستصحاب هنا بمثل ما مرّ في التطهر بالشمس يعرف جوابه ممّا ذكر هناك.
وكذا يظهر عدم تطهّر خبز العجين النجس ، كما هو المشهور ؛ لما ذكر ، وللأمر بدفنه أو بيعه ممّن يستحلّ الميتة في صحيحتي ابن أبي عمير (١).
وخلافاً للمحكي عن الشيخ في الاستبصار (٢) وموضع من النهاية ـ مع حكمه بالعدم في موضع آخر (٣) ـ لصحيحة ابن أبي عمير : في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال : « لا بأس ، أكلت النار ما فيه » (٤).
ورواية ابن الزبير : عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها ، أيؤكل ذلك الخبز ؟ قال : « إذا أصابته النار لا بأس » (٥).
والاُولى لشمولها لميتة غير ذات النفس أعم مطلقاً ممّا مرّ ، فتختص لا محالة به.
والثانية مبنية على نجاسة البئر بالملاقاة ، وقد عرفت ضعفها.
وأما التعليل بأكل النار في الاُولى ، والتقييد بإصابتها في الثانية : فلرفع استقذار الطبع.
ومنها : الاستحالة إلى الدود أو التراب ، على المشهور بين الأصحاب
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٦ و ٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٤٢ ، ٢٤٣ أبواب الأسآر ب ١١ ح ١ و ٢.
(٢) الاستبصار ١ : ٢٩.
(٣) النهاية : ٨ ، ٥٩٠.
(٤) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٥ ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٨.
(٥) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٤ ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٧.
(للأصل) (١).
وتوقف الفاضلان (٢) في الثاني. وعن الشيخ (٣) الحكم بنجاسته.
ولعل نظرهم إلى الاستصحاب ، وقد عرفت ما فيه.
وهذا أيضاً كالاستحالة بالنار يختصّ بالأعيان النجسة دون المتنجّسة ، لما مرّ ، إلّا أن يكون هناك عموم أو إطلاق دال على طهارة كل حيوان أو تراب ، بحيث يشمل المورد أيضاً ، كما هو المظنون في التراب ، فحينئذٍ ترفع اليد عن الاستصحاب.
ولا تطهر الأرض الملاقية للعذرة الرطبة بعد استحالتها ؛ للاستصحاب ، وعدم الموجب.
وقيل : تطهر ؛ لإِطلاق الفتاوي بالنسبة إلى العذرة المستحالة ، ولو لم يطهر محلها ، لخصت باليابسة.
قلنا : الإِطلاق إنما هو بالنسبة إلى ارتفاع النجاسة الثابتة ، فلا ينافيه عروض نجاسة من الخارج ، مع أنه لا إطلاق هناك لدليل يمكن كالتشبث به.
ومثل الاستحالة إلى التراب والدود الاستحالة إلى غيرهما من الأجسام.
ومنها : استحالة الكلب والخنزير الواقعين في المملحة ملحاً ، والعذرة الواقعة في الماء حمأة.
والأقرب فيها أيضاً الطهارة ، وفاقاً للفخري (٤) ، والكركي (٥) ، والشهيدين (٦) ، ومعظم الثالثة (٧) ؛ للدليل المطرّد في كل استحالة ، وأدلة طهر
__________________
(١) لا توجد في « ق ».
(٢) المحقق في المعتبر ١ : ٤٥٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٨.
(٣) المبسوط ١ : ٩٣.
(٤) الايضاح ١ : ٣١.
(٥) جامع المقاصد ١ : ١٨١.
(٦) الاول في الدروس ١ : ١٢٩ ، والثاني في حواشيه على ما نسبه إليه في مفتاح الكرامة ١ : ١٩١.
(٧) كما قال به في المفاتيح ١ : ٨٠ ، وكشف اللثام ١ : ٥٨ ، والذخيرة : ١٧٢.
الملح.
وخلافاً للمعتبر والمنتهى ، ناسباً له إلى أكثر أهل العلم (١) ، وتردد في التذكرة (٢) ؛ لتخريجٍ ضعيف ، واستصحاب مردود.
ومنها : استحالة النطفة حيواناً طاهراً ، والبول النجس بولاً ، أو لبناً ، أو عرفاً ، أو لعاباً لحيوان يطهر منه تلك الاُمور ، والغذاء النجس جزءاً له.
والظاهر عدم الخلاف في شيء من ذلك ، فإن ثبت فهو ، وإلّا ففي طهارة المتنجس بذلك فيما لم يكن فيه معارض للاستصحاب نظر يظهر وجهه مما ذكر ، إلّا أن يحكم بطهارة الجميع بضم عدم الفصل بين المذكورات إلى عمومات طهارة بول مأكول اللحم أو لحمه.
ومنها : انتقال الدم النجس العين ـ كدم الإِنسان ـ إلى بدن ما لا نفس له ، واستحالته إلى دمه عرفاً ، والظاهر عدم الخلاف في طهارته.
وتدلّ عليه ـ بعد الأصل ولزوم العسر والحرج ـ عمومات طهارة دمه.
واستصحاب النجاسة قد عرفت ما فيه ، والحكم في ذلك أيضاً كنظائره المتقدمة ، للاستحالة ، أي تغير الاسم عرفاً ، فإنّ موضوع النجاسة دم الإِنسان مثلاً ، فبعد عدم صدق ذلك عليه لا يمكن الاستصحاب.
وأما ما قيل : من أن الظاهر أنه لأجل عدم صدق الاسم فقط فهو في العرف دم البق مثلاً ، لا دم الإِنسان ، ودم ما لا نفس له طاهر ، فالطهارة إنما هي لتغيّر الحكم بالشرع بسبب تغيّر الاسم ، يعني أنّ الشارع نصّ على تفاوت الحكم بتفاوت الاسمين ، وهذا غير تغيّر الحكم بمجرّد الاستحالة (٣) ؛ فلا وجه له.
والظاهر أنّ نظره في الاستحالة إلى تغيّر الحقيقة ، وأنّه غير متحقّق بمجرّد تغيّر الاسم. وهو غير صحيح كما أشرنا إليه.
__________________
(١) المعتبر ١ : ٤٥١ ، المنتهى ١ : ١٧٩.
(٢) التذكرة ١ : ٨.
(٣) غنائم الأيام : ٨١.
ومنها : انقلاب الخمر خلاً ، وهو أيضاً مطهّر بالإِجماع مع الانقلاب بنفسه ، كما في التنقيح (١) واللوامع ، ومعه بالعلاج على المشهور ، بل عليه وعلى الأول الإِجماع في الانتصار والمنتهى (٢) ؛ للعلة المطّردة ، والنصوص المستفيضة :
كموثقتي عبيد بن زرارة : عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاً ، قال : « لا بأس » (٣).
والاُخرى : في الرجل باع عصيراً فحبسه السلطان حتى صار خمراً فجعله صاحبه خلاً ، فقال : « إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به » (٤).
وصحيحة عبد العزيز بن المهتدي : العصير يصير خمراً فيصب عليه الخلّ وشيء يغيّره حتى يصير خلاً ، قال : « لا بأس به » (٥).
وحسنة زرارة : عن الخمر العتيقة تجعل خلاً ، قال : « لا بأس » (٦).
والرضوي المنجبر ضعفه بالعمل : « فإن تغيّر بعد ذلك وصار خمراً فلا بأس أن يطرح فيه ملحاً أو غيره حتى يتحول خلاً » (٧).
والمروي في السرائر : عن الخمر يعالج بالملح وغيره ليتحول خلاً ، قال : « لا بأس بمعالجتها » (٨) الحديث.
والثالثة كالأخيرين صريحة في العلاج ، والبواقي ظاهرة فيه ، فإنّ جعل
__________________
(١) التنقيح ٤ : ٦١.
(٢) الانتصار : ٢٠٠ ، المنتهى ١ : ١٦٧.
(٣ و ٤) الكافي ٦ : ٤٢٨ الاشربة ب ٣٤ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٥ و ٥٠٧ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٥٦ و ٣٥٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ ، ٣٧١ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ٣ و ٥.
(٥) التهذيب ٩ : ١١٨ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٥٩ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٢ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ٨.
(٦) الكافي ٦ : ٤٢٨ الأشربة ب ٣٤ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٤ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٥٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ١.
(٧) فقه الرضا (ع) : ٢٨٠ ، المستدرك ١٧ : ٧٣ أبواب الأشربة المحرمة ب ٢١ ح ١.
(٨) مستطرفات السرائر : ٦٠ / ٣١ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٢ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ١١.
الخمر خلاً ظاهر في العلاج.
فتوقف العاملي في الصورة الثانية ، وتعليله : بأنّه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدلّ على علاجها بالأجسام وتحقّق الطُّهر بها ، وإنما هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإِسناد (١) .. لا وجه له ؛ لما عرفت من وجود خصوص النصوص التي منها الصحيح والموثق ، مع أن العموم أو المفهوم حجّة.
وأما حديث الإِسناد فالأخبار معتبرة بنفسها ، ومع ذلك فالجميع بالشهرة المتحققة والمحكيّة في كلامه بنفسه (٢) وكلام غيره (٣) معتضدة.
وأمّا صحيحة أبي بصير : عن الخمر يجعل فيها الخلّ ، فقال : « لا إلا ما جاء من قبل نفسه » (٤) ، فهي عن إفادة الحرمة قاصرة ، وعلى فرض الدلالة ؛ فلشذوذها عن إثبات الحرمة عاجزة ، ولإِثبات محض كراهته للتسامح في أدلّتها صالحة. ومع قطع النظر عما ذكر يجب الحمل عليها ؛ للمعارضة مع ما مرّ.
وكذا المروي في العيون : « كلوا خل الخمر ما انفسد ، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم » (٥).
مع أن حمل الصحيحة على أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة ـ رداً على أبي حنيفة القائل به (٦) ـ ممكن.
ولا فرق بين ما كان المعالج به مائعاً أو جامداً ، باقياً أو هالكاً ؛ لإِطلاق الأدلّة المتقدمة.
__________________
(١) المسالك ٢ : ٢٤٨.
(٢) المسالك ٢ : ٢٤٨.
(٣) المفاتيح ١ : ٨٠.
(٤) التهذيب ٩ : ١١٨ / ٥١٠ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٦٠ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧١ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ٧.
(٥) العيون ٢ : ٣٩ / ١٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٢٥ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٠ ح ٢٤.
(٦) بدائع الصنائع ٥ : ١١٤.
قالوا : ويَطهُر ظرفها بطُهرها (١) ؛ لعدم انفكاك الخمر عن الظرف ضرورة ، فلو لم يطهر ، لزم عدم طهر الخمر أيضاً ، فما يدلّ على تطهرها يدل على تطهره بدلالة الإشارة.
فإن ثبت الإِجماع ، وإلا ففيه نظر ؛ إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم تنجسها بملاقاة الظرف ، كما في اللبن في ضرع الميتة ، بل هذا أوفق بالقواعد ؛ إذ تنجس الخمر بعد الخلية بملاقاة الظرف عن الدليل خالٍ ؛ لأنّ تنجس كل ملاقٍ للنجس ليس إلّا بواسطة الإِجماع المركّب ، وهو هنا غير معلوم ، بخلاف نجاسة الظرف ، فإنّها مقتضى الاستصحاب.
واحتمال تقييد نجاسته بحال ملاقاته للخمر يدفعه : ما ذكرنا في مسألة التطهر بالشمس.
* * *
__________________
(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١٨٠ ، وكشف اللثام ١ : ٥٧.
الفصل الرابع : في الأرض
وهي تطهّر باطن النعل ، والخفّ ، والقدم ، بلا خلاف ظاهر في الأول وإن اقتصر بذكر الأخيرين في النافع (١) ، وعلى الأشهر الأظهر فيهما ، بل في المدارك (٢) : أن الحكم في الثلاثة مقطوع به بين الأصحاب وأن ظاهرهم الاتفاق عليه ، وفي شرح القواعد الإِجماع عليها (٣).
للمرويين عن النبي : أحدهما : « إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى ، فإن التراب له طهور » (٤).
والآخر : « إذ وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب » (٥).
وصحيحتي زرارة والأحول ، الاُولى : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما » (٦).
والاُخرى : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : « لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك » (٧).
ورواية المعلّى : عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافياً ؟ فقال : « أليس وراءه شيء جاف ؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً » (٨) أي : يطهّر ما يمشى عليه بعضاً آخر من الرجل ، كقوله : الماء يطهّر البول.
__________________
(١) المختصر النافع : ٢٠.
(٢) المدارك ٢ : ٣٧٢.
(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧٩.
(٤ و ٥) سنن أبي داود ١ : ١٠٥ / ٣٨٥ و ٣٨٦.
(٦) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٣.
(٧) الكافي ٣ : ٣٨ الطهارة ب ٢٤ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ١.
(٨) الكافي ٣ : ٣٩ الطهارة ب ٢٤ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣.
وموثقة الحلبي والمروي في السرائر عن محمد الحلبي المتقدمتين (١) في مسألة إزالة النجاسة عن المسجد.
وأما الاستدلال بالعامي : « إذا جاء أحدكم إلى المسجد ، فإن (٢) رأى في نعله أثراً أو أذى فليمسحها ، وليصل فيها » (٣).
ورواية حفص : إني وطئت عذرة بخفّي ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : « لا بأس » (٤).
وصحيحة زرارة : « رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : « لا يغسلها إلا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي » (٥).
فغير جيد ؛ لجواز كون الحكم في الأوليين لكون الخف مما لا تتم الصلاة فيه دون الطهارة ، والأمر بالمسح في الاُولى لعله للاجتناب عن السراية إلى المسجد ، وكون العذرة في الثالثة أعم من الرطبة واليابسة ، بل النجسة أيضاً على قول ، فيمكن أن يكون معنى قوله : « لا يغسلها إلا أن يقذرها » أي : ينجسها بأن تكون رطبة نجسة ، والا فيمسحها حتى يذهب ما لصق بها من الأجزاء اليابسة ، وقوله : «ساخت » (٦) لا يدل على الرطوبة لأنه بمعنى غابت وخسفت.
ثم ما ذكرنا من الأخبار ـ المنجبر ضعف ما هو ضعيف منها بالشهرة ـ كما ترى بين نص في النعل كالاُولى ، وفي الخف كالثانية ، وفي القدم كرواية المعلى والأخيرة ، أو ظاهر فيه كالثالثة ، أو مطلق في الثلاثة كالباقيتين.
__________________
(١) ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤.
(٢) في « ق » : فإذا.
(٣) سنن أبي داود ١ : ١٧٥ / ٦٥٠.
(٤) التهذيب ١ : ٢٧٤ / ٨٠٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٦.
(٥) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٧.
(٦) كما يقال ساخت قوائمه في الأرض (منه ره).
فالخلاف في الثاني ، كما عن ظاهر الخلاف (١) ، وهو ظاهر الدروس (٢) ، والبيان ، والقواعد ، واللمعة (٣) لتخصيصهما الطرفين بالذكر ، إلا أن يقال بدخول الوسط في الأول كما هو ظاهر الروضة (٤). أو في الثالث ، كما عن ظاهر المفيد والديلمي (٥) ؛ أو التوقف فيه كما في المنتهى (٦) بعد حكمه بالطهارة قبله ؛ أو الاستشكال فيه كما في التحرير (٧) وإن حكم بالطهارة بعده .. لا وجه له.
بل ظاهر صحيحة الأحول : التعدّي من الثلاثة إلى كلّ ما يوطأ معه من حذاء الخشب والخرقة ، وفاقاً للإِسكافي (٨) ، والروض ، والروضة (٩) ، بل الجورب والجلد إن لم نقل بصدق النعل على جميع أفراد الأخير.
وفي التعدي إلى مثل خشبة الأقطع والكف والركبتين لمن يمشي بها نظر. والعدم أظهر ؛ للشك في صدق الوطأة ، فإنها موضع القدم كما في كتب اللغة (١٠).
خلافاً لجماعة ، فتعدّوا إليها (١١) ، إما لصدق الوطأة. وقد عرفت عدم ثبوته ، ولو ثبت فلما اشتهر من انصراف المطلق إلى الشائع مطلقاً غير ملائم. أو لإِطلاق الموثقة. وهو لا يفيد ؛ لاختصاصها بأشخاص خاصة. أو للتعليل المستفاد من قوله : « إن الأرض يطهر بعضها بعضاً ».
__________________
(١) الخلاف ١ : ٢١٧.
(٢) الدروس ١ : ١٢٥.
(٣) البيان : ٩٢ ، القواعد ١ : ٨ ، اللمعة (الروضة ١) : ٦٥.
(٤) قال في الروضة : المراد بالنعل ما يجعل أسفل الرجل للمشي وقاية من الارض (منه ره) الروضة ١ : ٦٦.
(٥) المقنعة : ٧٢ ، المراسم : ٥٦.
(٦) المنتهى ١ : ١٧٩.
(٧) التحرير ١ : ٢٥.
(٨) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٩.
(٩) الروض : ١٧٠ ، الروضة ١ : ٦٦.
(١٠) النهاية الاثيرية ٥ : ٢٠٠ ، لسان العرب ١ : ١٩٦.
(١١) كما في الروضة ١ : ٦٦ ، والذخيرة ١٧٣ ، والرياض ١ : ٩٦.
بل قد يتعدى لذلك إلى غير ذلك أيضاً من كعب العصاء والرمح ، بل ـ كما عن الموجز ـ إلى الحافر ، والخف ، والظلف.
والحق أنّ في معناه إجمالاً لا يمكن الاستناد إليه في إثبات حكم.
وهل يلزم في تطهر ما ذكر المشي به ، أو يطهر ولو بمسحها على الأرض ولو بالدلك باليد ؟
الحق هو الثاني ، وفاقاً لجماعة منهم الإِسكافي (١) ، والمفيد ، والديلمي (٢) ؛ لإِطلاق صحيحة زرارة.
وقد ينسب الأول إلى الأول ، بل مع التقييد بما في صحيحة الأحول من كونه نحواً من خمسة عشر ذراعاً.
وصدر كلامه وإن وافق ذلك ، ولكن قوله أخيراً : ولو مسحها حتى تذهب عين النجاسة وأثرها بغير ماء أجزأه (٣) ، يدل على أن مراده مقدار المشي الذي تزول به النجاسة غالباً.
وعليه تحمل الصحيحة أيضاً ، وفي قوله : « أو نحو ذلك » إيماء إليه.
وفي إجزاء أخذ مثل التراب ودلكه بالموضع احتمال قريب ؛ لصدق المسح. وأقرب منه الاجتزاء بالمشي في غير الأرض كالآجر ، والحصير ، والنبات ، والخشب ؛ لما ذكر ، ولقوله في صحيحة الأحول : « ثمّ يطأ مكاناً نظيفاً » ومع ذلك فلعدم الاجتزاء أحوط.
وفي اشتراط كلّ من طهارة الممسوح به وجفافه ، وعدمه وجهان.
الحق في الأول ، الثاني ، وفاقاً لجماعة (٤) ، بل الأكثر ؛ لإِطلاق ما مر.
__________________
(١) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٨ ، والمعالم : ٣٨٩.
(٢) المقنعة : ٧٢ ، المراسم : ٥٦.
(٣) نقله عنه في المعالم : ٣٨٩.
(٤) كما قال به في كشف اللثام ١ : ٥٧ ، والكفاية : ١٤ ، والرياض ١ : ٩٦.
وخلافاً للإِسكافي (١) ، والذكرى (٢) ، وبعض آخر (٣) ؛ لصحيحة الأحول.
ولا دلالة فيها أصلاً ، ولا لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً » (٤) وإن قلنا : إن الطهور هو الطاهر المطهر.
وقيل : لأن النجس لا يطهر (٥).
وفيه منع ظاهر ، وإثباته بالغلبة والاستقراء ضعيف.
نعم ، لو كان الممسوح مع نجاسة الممسوح به رطباً ، ينجس بنجاسة الممسوح به وإن تطهّر من النجاسة الحاصلة لنفسه.
وانصراف الإِطلاق إلى انتفاء مثل هذه النجاسة أيضاً ممنوع.
وفي الثاني : الأول ، وفاقاً للإِسكافي (٦) بل جماعة (٧) ؛ لروايتي المعلى ، والسرائر (٨) ، الموجودتين في الاُصول المعتبرة ، الجابر ذلك لضعف سنديهما.
وحمل الاُولى على الجفاف من الماء المتقاطر من الخنزير ، والثانية على اليبوسة من البول تقييد بلا دليل.
فبهما تقييد الإِطلاقات ، حيث إن المستفاد منهما عدم التطهر بالرطب ، وإلا لزم كون التقييد لغواً محضاً ، لعدم الواسطة بين الرطب والجاف. ولا يرد مثل ذلك في التقييد بالأرض في رواية السرائر ؛ لأنه لا يصير لغواً ، لجواز أن يكون المطهر الأرض وشيئاً آخر غيرها ، وذكر البعض لا يدل على نفي الآخر إلا إذا غيره فيه
__________________
(١) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٨.
(٢) الذكرى : ١٥.
(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧٩.
(٤) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٤ ولم يذكر فيه « ترابها » وفي جامع الأحاديث ٣ : ٥٣ عن نسخة من الفقيه كما في المتن. وانظر الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٧.
(٥) الروض : ١٧٠.
(٦) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٨.
(٧) كما قال به في جامع المقاصد ١ : ١٧٩ ، والحدائق ٥ : ٤٥٨ ، والرياض ١ : ٩٦.
(٨) المتقدمتين ص ٣٣٥ وص ٢٣٣.
الحصر (١).
وهل يشترط جفاف الممسوح قبل الوطء ؟ الظاهر لا ؛ للإِطلاق.
وكذلك لذلك لا يشترط حصول التجفيف له بعد المسح ، وإزالة العين لو كان رطباً ، ولا وجود العين والأثر المحسوس للنجاسة ، فلو كانت الرِجل مثلاً نجسة بالبول ويبست منه ، تطهر بالمسح.
فرع :
المصرّح به في عباراتهم أسفل النعل وأخويه ، ولا شك في تطهّره ولا في عدم تطهّر ظهرها ؛ للإِجماع ، وبه يخصص إطلاق صحيحة زرارة (٢).
وأمّا أطرافها المجاورة للأسفل فلا يبعد تطهرها ؛ لعدم ثبوت إجماع فيها ، فلا مخرج لها عن الإِطلاق ، ولوصولها إلى الأرض عند الوطء غالباً ، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.
* * *
__________________
(١) مثال الأول : كما إذ سئل عن الماء الذي يغير بالنجاسة فهل ينجس ؟ فقال : أليس بقليل ؟ قال : نعم ، فقال : ينجس ، فإنه يدل على انحصار المتنجس بالقليل. ومثال الثاني : إذا سئل عن الماء لاقى النجاسة فهل ينجس ؟ فقال أليس يغيّر به ؟ قال : نعم ، قال : ينجس ، فإنه لا يدل على الانحصار إذ ينجس القليل أيضاً (منه ره).
(٢) المتقدمة ص ٣٣٥.