محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-105-2
الصفحات: ٤٨٣
الشيخ وابن إدريس (١) وينبغي أن يتقدمه بصير.
وان يكون المؤذن عالما بالأوقات ليأمن الغلط ، ولو أذّن الجاهل في وقته صح واعتدّ به.
وان يكون صيّتا ، ليعم النفع به ، ولقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعبد الله ابن زيد : « ألقه على بلال ، فإنه أندى منك صوتا » (٢) أي : أرفع.
وان يكون حسن الصوت ، لتقبل القلوب على سماعة.
السابعة : يجوز تعدّد المؤذن وان زاد على اثنين.
وقال الشيخ أبو علي ـ في شرح نهاية والده ـ : الزائد على الاثنين بدعة بإجماع أصحابنا.
وقال والده في الخلاف : لا ينبغي الزيادة على اثنين ، واستدلّ بإجماع الفرقة على ما رووه من انّ الأذان الثالث بدعة (٣).
وفي المبسوط : يجوز ان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذّنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد ، فاما إذا أذّن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون ولا مستحب. ولا بأس ان يؤذّن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد ، لانّه لا مانع منه (٤).
وفسّر كلامه : إذا أذّن واحد بعد الآخر ، بان يبني أحدهما على فصول الآخر (٥) وهو التراسل.
وقيل : بل يكره أذان الثاني بعد الأول إذا كان الوقت ضيقا ، اما حقيقة
__________________
(١) المبسوط ١ : ٩٧ ، السرائر : ٤٣.
(٢) تقدم في ص ٢١٩ الهامش ٤.
(٣) الخلاف ١ : ٢٩٠ المسألة ٣٥.
(٤) المبسوط ١ : ٩٨.
(٥) فسّره بذلك المحقق في المعتبر ٢ : ١٣٣ ، والعلامة في المنتهى المطلب ١ : ٢٥٩.
واما حكما باجتماع الامام والمأمومين ، اما مع الاتساع فلا كراهة فيه (١).
وهل يستحب ترتيب مؤذنين للمسجد؟ الأقرب نعم ، تأسيا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في بلال وابن أم مكتوم (٢) ومن أظهر فوائده أذان أحدهما قبل الصبح والآخر بعده.
الثامنة : يجوز ان يتولّى الأذان والإقامة واحد ، وان يؤذن واحد ويقيم غيره.
وهل يستحب اتحاد المؤذّن والمقيم؟ لم يثبت عندنا ذلك ، وكذا لم يثبت استحباب اختصاص المؤذّن الأول بالإقامة. وقد روى العامة : ان رجلا من بني صداء أذّن في غيبة بلال ، فلما جاء بلال همّ بالإقامة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ان أخا صداء قد أذّن ، ومن أذّن فليقم » (٣).
فرع :
لا ينبغي أن يسبق المؤذن الراتب في المسجد بالأذان ، فلو سبقه سابق اعتدّ به.
وهل تبقى وظيفة الإقامة للراتب؟ أوجه : عدمها ، لقضية بلال. وثبوتها مطلقا ، لأنّ الظاهر انّ الصدائي أذن بإذن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصار كالراتب. والتفصيل بالتفريط من الراتب فتزول وظيفة الإقامة منه ، وعدمه
__________________
(١) قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٧٨ بعد إيراد العبارة عن المصنف : فان كان هذا الكلام كله من كلام القائل ، يكون الشهيد هنا متأملا في الحكمين معا ، أو في الأخير فقط. وان كان الأخير ليس من كلام القيل كان متأملا في الحكم الأول فقط.
(٢) الكافي ٤ : ٩٨ ح ١ ، ٣ ، الفقيه ١ : ١٩٣ ح ٩٥ ، وراجع السنن الكبرى ١ : ٤٢٩ ، سنن الترمذي ١ : ٣٩٢ ، ٢٠٣.
(٣) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٧٥ ح ١٨٣٣ ، مسند احمد ٤ : ١٦٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٧ ح ٧١٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٤٢ ح ٥١٤ ، شرح معاني الآثار ١ : ١٤٢ ، السنن الكبرى ١ : ٣٨١.
فتبقى.
التاسعة : الظاهر ان الإقامة منوطة بإذن الإمام صريحا ، أو بشاهد الحال كحضوره عند كمال الصفوف. وروى العامة عن علي عليهالسلام : « المؤذن أملك بالأذان ، والامام أملك بالإقامة » (١).
العاشرة : إذا وجد من يتطوع بالأذان ، لم يجز تقديم غيره وإعطاؤه من بيت المال ، لحصول الغرض بالمتطوع.
ولو لم يوجد متطوع جاز رزقه من بيت المال ، قال الشيخ : من سهم المصالح ، ولا يكون من الصدقات ، ولا الأخماس ، لأن لذلك أقواما مخصوصين ، ويجوز ان يعطيه الامام من ماله (٢).
ولا يكون ذلك اجرة ، لتحريم الأجرة عليه عند أكثر الأصحاب (٣) لما روينا عن علي عليهالسلام انه قال : « آخر ما فارقت حبيبي انه قال : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذّنا يأخذ على أذانه أجرا » (٤).
وقال المرتضى في المصباح : تكره الأجرة (٥) تسوية بينها وبين الرزق ، وهو متجه ، ويحمل الحديث عليه.
فرع :
لو احتيج إلى الزيادة على واحد ولم يوجد متطوع ، جاز ان يرزق الزائد ، تحصيلا للمصلحة. وكذا لو كان غير المتطوع أكمل بأحد المرجحات جاز رزقه.
__________________
(١) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٤٧٦ ح ١٨٣٦ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٤١٤ ، السنن الكبرى ٢ : ١٩.
(٢) المبسوط ١ : ٩٨.
(٣) راجع : الخلاف ١ : ٢٩٠. المسألة ٣٦ ، السرائر : ٤٤ ، مختلف الشيعة : ٩٠.
(٤) الفقيه ١ : ١٨٤ ح ٨٧٠ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ ح ١١٢٩.
(٥) مختلف الشيعة : ٩٠.
الفصل الثالث : فيما يؤذن له ، واحكام الأذان.
وفيه مسائل.
الأولى : لا يجب الأذان عينا ولا كفاية على أهل المصر ، ولا في مساجد الجماعة ، للأصل ، ولعدم علم ذلك من الشرع مع عموم البلوى به ، ولقول الباقر عليهالسلام : « إنما الأذان سنّة » (١).
واختلف الأصحاب في وجوبه في مواضع.
أحدها : للصبح والمغرب ، فأوجبه ابن أبي عقيل فيهما ، وأوجب الإقامة في جميع الخمس (٢) لرواية سماعة عن الصادق عليهالسلام : « لا تصل الغداة والمغرب إلا بأذان واقامة ، ورخص في سائر الصلوات بإقامة ، والأذان أفضل » (٣).
الثاني : أوجبهما المرتضى ـ في الجمل ـ على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ، وأوجبهما عليهم في سفر وحضر في الصبح والمغرب وصلاة الجمعة ، وأوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة (٤).
وقال ابن الجنيد : يجبان على الرجال جماعة وفرادى ، سفرا وحضرا ، في الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة في باقي المكتوبات (٥).
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٣٠.
(٢) مختلف الشيعة : ٨٧.
(٣) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ح ١١٠٦.
(٤) جمل العلم والعمل ٣ : ٢٩ ، وليست فيه الفقرة الأخيرة : ( وأوجب الإقامة ) إلخ ، وانما هي في النسخة التي اعتمدها القاضي ابن البراج في شرح جمل العلم والعمل : ٧٨ ، وقد حكاها العلامة في مختلف الشيعة : ٨٧.
(٥) مختلف الشيعة : ٨٧.
قال : وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط (١).
وقد روى أبو بصير عن أحدهما عليهماالسلام : « ان صليت الجماعة لم يجز إلاّ أذان واقامة ، وان كنت وحدك تبادر أمرا تخاف ان يفوتك تجزئك اقامة ، إلاّ في الفجر والمغرب فإنّه ينبغي ان تؤذّن فيهما وتقيم ، من أجل انّه لا يقصر فيهما » (٢).
الثالث : أوجبهما الشيخان ، وابن البراج ، وابن حمزة ، في صلاة الجماعة (٣).
قال في المبسوط : ومتى صلّى جماعة بغير أذان واقامة لم يحصّل فضيلة الجماعة ، والصلاة ماضية (٤).
وقال أبو الصلاح : هما شرط في الجماعة (٥) ، لرواية أبي بصير هذه.
لنا : الأصل ، وقول الباقر عليهالسلام : « إنما الأذان سنّة » (٦) وهو صحيح السند. وخبر أبي بصير في طريقه علي بن أبي حمزة وهو واقفي ، مع إمكان حمله على الندب.
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليهالسلام في الإقامة وحدها في المغرب ، فقال : « لا بأس » (٧).
وروى عبيد الله الحلبي عنه عليهالسلام في الاجتزاء بالإقامة سفرا بغير
__________________
(١) مختلف الشيعة : ٨٧.
(٢) الكافي ٣ : ٣٠٣ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٩ ح ١١٠٥.
(٣) المقنعة : ١٥ ، النهاية : ٦٤ ، المهذب ١ : ٨٨ ، الوسيلة : ٩١.
(٤) المبسوط ١ : ٩٥.
(٥) الكافي في الفقه : ١٤٣ ، وقال أيضا في الصفحة ١٢٠ « والمسنون .. الأذان والإقامة للمنفرد ».
(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٣٠.
(٧) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٦٩ ، الاستبصار ١ : ٣٠٠ ح ١١٠٨.
أذان ، فقال : « نعم » (١).
وروى زرارة عنه عليهالسلام في ناسي الأذان والإقامة حتى يكبّر ، قال : « يمضى ولا يعيد » (٢).
إذا ظهر ذلك علم ان الجماعة يتأكد الأذان فيها على الانفراد ، والصبح والمغرب آكد من باقي الفرائض ، والجهرية آكد من الإخفاتية ، والإقامة آكد من الأذان.
وروى زرارة عن الباقر عليهالسلام : « أدنى ما يجزئ من الأذان : ان تفتتح الليل بأذان واقامة ، وتفتتح النهار بأذان واقامة ، ويجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان » (٣).
الثانية : يسقط الأذان والإقامة في غير الخمس والجمعة بإجماع العلماء ، بل يقول المؤذن : الصلاة ، ثلاثا ، بنصب الصلاة ورفعها.
وقال ابن بابويه : أذان العيدين طلوع الشمس (٤).
ويسقطان عند ضيق الوقت ، بحيث يلزم من فعلهما خروج وقت الصلاة أو بعضها ، لأنّ الندب لا يعارض الفرض.
وعن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الاولى ، لما رواه أبو بصير عن الصادق عليهالسلام في الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم ، أيؤذن ويقيم؟ قال : « ان كان دخل ولم يتفرّق الصف صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وان كان قد تفرّق الصفّ أذّن واقام » (٥).
وعن علي عليهالسلام انّه قال لرجلين دخلا المسجد وقد صلى الناس :
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٥١ ح ١٧١.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ح ١١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١٢١.
(٣) الفقيه ١ : ١٨٦ ح ٨٨٥.
(٤) الفقيه ١ : ٣٢٤.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١٢٠.
« ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ، ولا يؤذن ولا يقيم » (١). وهذا وان لم يذكر فيه التفرّق الا انه يحمل على المقيّد به.
وعن الصادق عليهالسلام إذ قال له أبو علي : صلينا الفجر ، فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ، فقال الصادق عليهالسلام : « أحسنت ، ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع ». فقلت : فان دخلوا وأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال : « يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم إمام » (٢). وهذه تدل على كراهة الأذان للمنفرد أيضا ـ خلافا لابن حمزة (٣) ـ وعلى ان تفرّق البعض غير كاف في زوال المنع.
وفي المبسوط : إذا أذّن في مسجد دفعة لصلاة بعينها ، كان ذلك كافيا لمن يصلّي تلك الصلاة في ذلك المسجد ، ويجوز له ان يؤذن فيما بينه وبين نفسه ، وان لم يفعل فلا شيء عليه (٤). وكلامه مؤذن باستحباب الأذان سرا ، وان الكراهية عامة ، لقوله : لكل من يصلّي تلك الصلاة ، وهو يشمل التفرّق وغيره.
فرع :
الأقرب انّه لا فرق بين المسجد وغيره ، وذكره في الرواية بناء على الأغلب.
الثالثة : من صلّى خلف من لا يقتدى به أذّن لنفسه واقام ، لرواية محمد
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١١٩.
(٢) التهذيب ٣ : ٥٥ ح ١٩٠.
وفي الفقيه ١ : ٢٦٦ ح ١٢١٥ : « ولا يبدو لهم امام » راجع في ذلك الحدائق الناضرة ٧ : ٣٨٧.
(٣) قال العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٦٦ بعد ان حكى ما في الذكرى عن ابن حمزة : ولم أجد في الوسيلة سوى قوله : يكره الاجتماع مرتين في صلاة ومسجد واحد. راجع الوسيلة : ١٠٦.
(٤) المبسوط ١ : ٩٨.
ابن عذافر عن الصادق عليهالسلام : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (١) في اخبار كثيرة (٢) يعلم منها انه لا يعتدّ بأذان المخالف ، اما لنقصه من فصوله غالبا ، واما لغير ذلك.
وقد روى عمار عنه عليهالسلام انه قال : « لا يستقيم الأذان ، ولا يجوز أن يؤذن به ، الا رجل مسلم عارف. فان علم الأذان فأذّن به ولم يكن عارفا ، لم يجز أذانه ، ولا إقامته ، ولا يقتدى به » (٣).
ولو خشي الداخل معهم فوت الصلاة بالاشتغال بهما ، اجتزأ بقوله : ( قد قامت الصلاة ) الى آخر الإقامة ، لرواية معاذ بن كثير عنه عليهالسلام (٤).
قال الشيخ في المبسوط : وروي انه يقول : ( حي على خير العمل ) مرتين ، لانه لم يقل ذلك (٥).
وقد روى ابن سنان عن الصادق عليهالسلام : « إذا أذّن مؤذن فنقص الأذان ، وأنت تريد ان تصلي بأذانه ، فأتمّ ما نقص هو من أذانه » (٦). وهذا كما يدل على التعميل يدل على التهليل أيضا ، وكذا ما نقصه سهوا.
الرابعة : يجوز للإمام والمصلين خلفه الاجتزاء بأذان مؤذن المسجد ، أو المؤذن في المصر إذا سمعوه ، إذ كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بعده يفعلون ذلك ، ولرواية عمرو بن خالد عن الباقر عليهالسلام ، قال : كنا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة ، فقال : « قوموا » ، فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٣٠ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ح ١٩٢.
(٢) راجع : الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١١٦.
(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١١٠١.
(٤) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١١٦.
(٥) المبسوط ١ : ٩٩.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٢.
إقامة ، قال : « يجزئكم أذان جاركم » (١).
والطريق وان كان رجاله زيدية الا انّه معتضد بعمل السلف ، وبرواية أبي مريم الأنصاري ، قال : صلى بنا أبو جعفر عليهالسلام في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له في ذلك : فقال : « ان قميصي كثيف ، فهو يجزئ ان لا يكون عليّ إزار ولا رداء. واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم ، فلم أتكلم ، فأجزأني ذلك » (٢).
فرع :
يعلم من هذا انّه لا يشترط كون المؤذن قاصدا الجماعة ، وان سماعة معتبر ، وان الكلام يقدح في الاجتزاء بالإقامة ، كما علم مما سلف.
وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر ، أقربه ذلك ، لانّه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع ، أو لمؤذنه ، أو للمنفرد؟ يحتمل ذلك ، وخصوصا مع اتساع الوقت. اما المؤذّن للجماعة والمقيم لهم فلا يستحب معه الأذان والإقامة لهم قطعا.
الخامسة : روى عمار عن الصادق عليهالسلام في الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده ، فيجيء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة ، هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : « لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (٣).
وبها أفتى الأصحاب (٤) ولم أر لها رادا سوى الشيخ نجم الدين ، فإنه ضعّف سندها بأنّهم فطحية ، وقرّب الاجتزاء بالأذان والإقامة أولا ، لأنّه قد ثبت
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٢٨٥ ح ١١٤١.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٣.
(٣) الكافي ٣ : ٣٠٤ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ ح ١١٠١ ، ٣ : ٢٨٢ ح ٨٣٤.
(٤) راجع : المبسوط ١ : ٩٨ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٧.
جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه أولى (١).
قلت : ضعف السند لا يضرّ مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول ، والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نيّة السامع للجماعة فكأنّه أذّن للجماعة ، بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.
السادسة : كما يستحب الأذان للأداء يستحب للقضاء ، لعموم : « فليقضها كما فاته » (٢).
ولو أذّن وأقام لأول ورده ، ثم أقام للبواقي ، جاز وان كان أقل فضلا.
وربما قيل : بأنّه الأفضل (٣) لما روي : « ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله ، فأمر بلالا فأذّن وأقام فصلّى الظهر ، ثم أمره فأقام فصلّى العصر ، ثم أمره فأقام فصلى المغرب ، ثم أمره فأقام فصلّى العشاء » (٤) ولا ينافي العصمة لوجهين :
أحدهما : ما روي من انّ الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى ، حتى نسخ ذلك بقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) الآية (٥).
الثاني : جاز ان يكون ذلك لعدم تمكّنه من استيفاء أفعال الصلاة ، ولم يكن قصر الكيفية مشروعا ، وهو عائد إلى الأول ، وعليه المعوّل.
ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين ، فالمشهور ان الأذان يسقط
__________________
(١) المعتبر ٢ : ١٣٧.
(٢) عوالي اللئالي ٣ : ١٠٧ ح ١٠٥ ، المهذب البارع ١ : ٤٦٠.
(٣) المجموع ٣ : ٨٣.
(٤) مسند الطيالسي : ٤٤ ح ٣٣٣ ، مسند احمد ١ : ٣٧٥ ، الجامع الصحيح ١ : ٣٣٧ ح ١٧٩ ، سنن النسائي ٢ : ١٧ ، السنن الكبرى ١ : ٤٠٣.
(٥) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ : ١١٩ ، السنن الكبرى ٣ : ٢٥١.
والآية في سورة النساء : ١٠٢.
في الثانية ، قاله ابن أبي عقيل والشيخ (١) وجماعة (٢) سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية ، لأنّ الأذان إعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول. وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الاولى ، وان جمع بينهما في وقت الثانية أذّن للثانية ، ثم أقام وصلّى الاولى ـ لمكان الترتيب ـ ثم أقام للثانية.
وقد روى الأصحاب عن الباقر عليهالسلام : « ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين » (٣).
وعلى هذا يكون الجمع بين ظهري عرفة وعشاءي المزدلفة مندرجا في هذا ، لا لخصوصية البقعة بل لمكان الجمع. وقد روى ابن سنان عن الصادق عليهالسلام ، قال : « السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة » (٤).
وهل يكره الأذان هنا؟ لم أقف فيه على نصّ ولا فتوى ، ولا ريب في استحباب ذكر الله على كل حال ، فلو أذّن من حيث انه ذكر فلا كراهية. والأصل فيه : انّ سقوط الأذان هنا هل هو رخصة وتخفيف ، أو هو لتحصيل حقيقة الجمع؟ فعلى الأول لا يكره ، وعلى الثاني يكره.
أما الأذان للعصر يوم الجمعة ، فقال الشيخ في النهاية : لا يجوز (٥) وفي المبسوط : [ يكره ] (٦).
وقال ابن إدريس : إنما يسقط أذان العصر عمن صلّى الجمعة ، اما
__________________
(١) المبسوط ١ : ٩٦ ، الخلاف ١ : ٢٨٤ المسألة ٢٧.
(٢) المعتبر ٢ : ١٣٦ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٠٦.
(٣) الفقيه ١ : ١٨٦ ح ٨٨٥ ، التهذيب ٣ : ١٨ ح ٦٦.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ح ١١٢٢.
(٥) النهاية : ١٠٧.
(٦) المبسوط ١ : ١٥١.
المصلّي ظهرا فلا ، ونقله عن المفيد وابن البراج (١).
وقد روى حفص بن غياث عن الباقر والصادق عليهماالسلام : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (٢) والطريق ضعيف ، مع إمكان أن يراد به المسمّى بالأذان الثاني ويكون ثالثا بالنسبة إلى الإقامة.
واحتج الشيخ على الكراهية بما ذكرناه من جمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) ، وظاهر انه لا تصريح فيه بالكراهة ، والأقرب الجزم بانتفاء التحريم ، وأنه يكره في مواضع استحباب الجمع.
اما لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه ، فإنّه يسقط أذان الإعلام ، ويبقى أذان الذكر والإعظام.
السابعة : الناسي للأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة يتداركهما ما لم يركع ، رواه الحلبي عن الصادق عليهالسلام (٤) وعلي بن يقطين عن الكاظم عليهالسلام ، لكن أطلق العود إذا لم يفرغ من الصلاة (٥) والمطلق يحمل على المقيّد.
ولا تنافيهما رواية زرارة وأبي الصباح عن الصادق عليهالسلام بعدم إعادة الناسي (٦) لأن الثابت الاستحباب ، وهو لا ينافي جواز الترك.
وأطلق في المبسوط استحباب الرجوع (٧).
__________________
(١) السرائر : ٦٧.
(٢) الكافي ٣ : ٤٢١ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ١٩ ح ٦٧.
(٣) راجع الخلاف ١ : ٢٨٤١ المسألة ٢٧.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٢٧.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ح ١١١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٢٥.
(٦) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ح ١١٠٦ ، ١١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٢ ح ١١٢١ ، ١١٢٣.
(٧) المبسوط ١ : ٩٥.
وفي النهاية خصّ العامد بالرجوع (١) واختاره ابن إدريس ، ومنع من جواز الرجوع للناسي (٢).
وابن أبي عقيل جوّز الرجوع للإقامة أيضا (٣).
وابن الجنيد : يرجع للإقامة ما لم يقرأ عامة السورة ، وان خاف ضيق الوقت كبّر وتشهد الشهادتين مرة مرة (٤).
وروى زكريا بن آدم عن الرضا عليهالسلام ان ذكر ترك الإقامة في الركعة الثانية وهو في القراءة : سكت وقال : ( قد قامت الصلاة ) مرتين ، ثم مضى في قراءته (٥) وهو يشكل بأنّه كلام ليس من الصلاة ، ولا من الأذكار.
وروى محمد بن مسلم عن الصادق عليهالسلام في ناسي الأذان والإقامة وذكر قبل ان يقرأ : « فليصل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وليقم ، وان كان قد قرأ فليتمّ صلاته » (٦).
وروى حسين بن أبي العلاء عنه عليهالسلام : « إن ذكر انّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم يقيم ويصلّي » (٧).
قلت : أشار بالصلاة على النبي أولا وبالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة ، فيمكن ان يكون السلام على النبي قاطعا لها ، ويكون المراد بالصلاة هناك : السلام ، وان يراد الجمع بين الصلاة والسلام ، فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع ، لانّه قد روي ان التسليم على النبي آخر الصلاة
__________________
(١) النهاية : ٦٥.
(٢) السرائر : ٤٣.
(٣) مختلف الشيعة : ٨٨.
(٤) مختلف الشيعة : ٨٨.
(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٢٨.
(٦) الكافي ٣ : ٣٠٥ ح ١٤ ، التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ح ١١٢٦.
(٧) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ح ١١٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤ ح ١١٢٩.
ليس بانصراف (١). ويمكن ان يراد القطع بما ينافي الصلاة ، اما استدبار أو كلام ، ويكون التسليم على النبي مبيحا لذلك. وعلى القول بوجوب التسليم ، يمكن ان يقال يفعل هنا ليقطع به الصلاة.
وروى نعمان الرازي عنه عليهالسلام في ناسيهما حتى كبّر : « ان كان دخل المسجد ، ومن نيّته أن يؤذن ويقيم ، فليمض في صلاته » (٢) قيّد المضي بأن يكون من نية الناسي ذلك ، فيعلم انه لو لم يكن من نيّته فعلهما قطع الصلاة ، وهو يحتمل أمرين :
أحدهما : انه يكون قد تعمّد تركهما.
الثاني : ان لا يخطرا بباله. فإن أريد الأول أمكن جعله حجة للشيخ في النهاية (٣) فإنا لم نقف له على حجّة هنا.
الثامنة : قال ابن الجنيد : لا يستحب الأذان جالسا إلا في حال تباح فيها الصلاة كذلك ، وكذلك الراكب إذا كان محاربا أو في أرض ملصّة ، وإذا أراد ان يؤذّن أخرج رجليه جميعا من الركاب ، وكذا إذا أراد الصلاة راكبا ، ويجوز للماشي ويستقبل القبلة في التشهد مع الإمكان ، فأما الإقامة فلا تجوز الا وهو قائم على الأرض مع عدم المانع.
قال : ولا بأس ان يستدبر المؤذّن في أذانه إذا اتى بالتكبير والتهليل والشهادة تجاه القبلة ، ولا يستدبر في إقامته. ولا بأس ان يؤذّن الرجل ويقيم غيره. ولا بالأذان على غير طهارة ، والإقامة لا تكون الاّ على طهارة ، وبما يجوز ان يكون داخلا به في الصلاة ، فإن ذكر انّ إقامته كانت على غير ذلك رجع فتطهر وابتدأ بها من أولها.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٢٩ ح ١٠١٤ ، التهذيب ٢ : ٣١٦ ح ١٢٩٢.
(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٩ ح ١١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٠٣ ح ١١٢٢.
(٣) تقدم قوله في ص ٢٣١ الهامش ٥.
ولا يجوز الكلام بعد ( قد قامت الصلاة ) للمؤذّن ، ولا للتابعين ، الا بواجب لا يجوز لهم الإمساك عنه.
التاسعة : لو عرض قطع الصلاة بحدث أو غيره أعادها ، ولا يعيد الأذان مطلقا ولا الإقامة الا ان يتكلم ، لما سلف من إعادة الإقامة مع الكلام.
وروى عمار عن الصادق عليهالسلام فيمن نسي حرفا من الأذان والإقامة ، قال : يرجع الى الحرف الذي نسيه فيستقبله وما بعده (١) ذكر ذلك ابن بابويه.
وفي التهذيب روى عن عمار عنه عليهالسلام : في الإقامة البناء ، وفيمن نسي حرفا من الأذان حتى تأخر (٢) في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شيء (٣).
وروى عبد الله بن سنان عنه عليهالسلام : « يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة بغير أذان » (٤). وروى الحلبي عنه عليهالسلام عن أبيه : « انّه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن » (٥). قال في التهذيب : هذا انما يكون للمنفرد غير المصلي جماعة (٦).
قلت : في هذين الخبرين دلالة على انّه لا يتأكد الأذان للخالي وحده ، إذ الغرض الأهم من الأذان الاعلام وهو منفي هنا ، اما أصل الاستحباب فإنّه قائم ، لعموم شرعية الأذان ، ويكون الأذان هنا لذكر الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٨٧ ح ٨٩٤.
(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر : « يأخذ ».
(٣) التهذيب ٢ : ٢٨٠ ح ١١١٤.
(٤) التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٦.
(٥) التهذيب ٢ : ٥٠ ح ١٦٥.
(٦) التهذيب ٢ : ٥١.
فان قلت : « كان » يدلّ على الدوام ، والامام لا يداوم على ترك المستحب ، فدلّ على سقوط أصل الاستحباب.
قلت : يكفي في الدوام التكرار ، ولا محذور في إخلال الإمام بالمستحب أحيانا ، إذ المحذور انما هو الهجران للمستحب.
العاشرة : يستحب الأذان والإقامة في غير الصلاة في مواضع :
منها : في الفلوات الموحشة. روى ابن بابويه عن الصادق عليهالسلام : « إذا تغولت بكم الغول فأذّنوا » (١).
وفي الجعفريات عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا تغولت بكم الغيلان ، فأذنوا بأذان الصلاة » (٢) ورواه العامة (٣).
وفسره الهروي : بانّ العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغوّل تغوّلا ، أي : تتلون تلونا ، فتضلهم عن الطريق وتهلكهم (٤). وروي في الحديث : « لا غول » (٥) وفيه إبطال لكلام العرب ، فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات وان لم يكن له حقيقة.
ومنها : الأذان في اذن المولود اليمنى ، والإقامة في اليسرى ، نص عليه الصادق عليهالسلام (٦).
ومنها : من ساء خلقه يؤذن في اذنه ، فعن الصادق عليهالسلام : « من لم يكن يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه ، ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه » (٧).
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٩٥ ح ٩١٠.
(٢) الجعفريات : ٤٢.
(٣) مسند أحمد ٣ : ٣٠٥ ، ٣٨٢ ، الاستذكار ٢٧ : ٢٦١ ح ٤١٠٦٥ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٢٧٦ ح ٦٤٠٤.
(٤) راجع : تهذيب اللغة ٨ : ١٩٣.
(٥) مسند احمد ٣ : ٣١٢ ، صحيح مسلم ٤ : ١٧٤٤ ح ٢٢٢٢.
(٦) الفقيه ١ : ١٩٥ ح ٩١١.
(٧) الفقيه ١ : ١٩٥ ح ٩١٢.
وفي مضمر سليمان الجعفري : سمعته يقول : « أذن في بيتك فإنّه يطرد الشيطان ، ويستحب من أجل الصبيان » (١) ، وهذا يمكن حمله على أذان الصلاة.
ومنها : الأذان المقدّم على الصبح ، لما مرّ.
ومنعه المرتضى ـ في ظاهر كلامه ـ وابن إدريس (٢).
وقال ابن الجنيد : لا يؤذن لصلاة إلا بعد دخول وقتها ، وكذا أبو الصلاح ـ رحمهالله ـ في الكافي (٣). وصرح الجعفي بأنّه لا يؤذّن للفجر قبل وقتها كغيرها.
واحتج المرتضى : بأن الأذان دعاء إلى الصلاة ، وعلم على حضورها ، ففعله قبل وقتها وضع للشيء في غير موضعه ، وبأنّه روي ان بلالا أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ان يعيد الأذان (٤).
وأجيب : بجواز تقدّم الامارة على الحضور ، للتأهب للصلاة بالطهارة من الخبث والحدث ، وبانّ فيه فائدة امتناع الصائم من الجماع واحتياطه بعدم الأكل الى غير ذلك من الفوائد ، واما إعادة الأذان فنقول به. وروى عمران بن علي عن الصادق عليهالسلام في الأذان قبل الفجر : « إذا كان في جماعة فلا ، وان كان وحده فلا بأس » (٥).
الحادية عشرة : يجوز التثويب للتقية ـ وهو قول : الصلاة خير من النوم ـ في أذان الصبح أو العشاء الآخرة ، ومع عدم التقية الأشهر الكراهية.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٠٨ ح ٣٥.
(٢) الناصريات : ١٩٢ المسألة ٦٨ ، جمل العلم والعمل ٣ : ٣٠ ، السرائر : ٤٣.
(٣) الكافي في الفقه : ١٢١.
(٤) الناصريات : ٢٢٨ المسألة ٦٨.
والرواية في سنن أبي داود ١ : ١٤٦ ح ٥٣٢ ، السنن الكبرى ١ : ٣٨٣.
(٥) الكافي ٣ : ٣٠٦ ح ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٥٣ ح ١٧٦.
وقال في الخلاف : التثويب في أذان العشاء بدعة (١).
وقال في المبسوط : يكره التثويب ، ولا يستحب الترجيع (٢).
وقال المرتضى في الانتصار والناصرية بكراهة التثويب (٣).
وروى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام في التثويب الذي بين الأذان والإقامة ، قال : « ما نعرفه » (٤).
وقد سبق تجويز ابن الجنيد التثويب في أذان الفجر (٥).
وقال الجعفي : تقول في صلاة الصبح بعد قولك ( حي على خير العمل ) : ( الصلاة خير من النوم ) مرتين ، وليستا من أصل الأذان. وقد رواه البزنطي عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام (٦) وحمله الشيخ على التقية (٧).
قال في المعتبر : لست أرى هذا التأويل شيئا ، فإن في جملة الأذان ( حي على خير العمل ) وهو انفراد الأصحاب ، لكن الأوجه ان يقال : فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (٨).
قلت : وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام ، انه قال : « كان أبي
__________________
(١) الخلاف ١ : ٢٨٨ المسألة ٣١.
(٢) المبسوط ١ : ٩٥.
(٣) الانتصار : ٣٩ ، الناصريات : ٢٢٨ المسألة ٦٩. وانظر مفتاح الكرامة ٢ : ٢٨٩ ، جواهر الكلام ٩ : ١١٣.
(٤) الكافي ٣ : ٣٠٣ ح ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٨ ح ٨٩٥ ، التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٧.
(٥) تقدم في ص ٢٠١.
(٦) أورده المحقق في المعتبر ٢ : ١٤٥ عن كتاب البزنطي.
(٧) لم يرو الشيخ هذا الحديث في كتابيه ، وحمل على التقية أحاديث أخرى تتضمن مؤداه. راجع : التهذيب ٢ : ٦٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ، مفتاح الكرامة ١ : ٢٩٠.
(٨) المعتبر ٢ : ١٤٥.
ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم » (١) قال الشيخ : أجمعت الطائفة على ترك العمل بهذه (٢).
وفي النهاية : التثويب : تكرير الشهادتين دفعتين ، وتبعه ابن إدريس ، ولم يجوّزاه (٣) وكذلك لم يجوّزا قول : ( الصلاة خير من النوم ) (٤).
وجوّز الشيخ تكرير الشهادتين للإشعار (٥).
ونقل الشيخ : انّه لا خلاف في نفي التثويب في غير الصبح والعشاء (٦) ، يعني به بين العامة.
وفي قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة وعليه أصحابه (٧) وفي الجديد : لا تثويب ، وفسّره : بالصلاة خير من النوم (٨).
وأبو حنيفة روي عنه انّ التثويب هو : ان تقول بعد الأذان ومكث قدر عشرين آية : ( حي على الصلاة ، حي على الفلاح ) (٩).
واما العشاء الآخرة فلم يقل أحد باستحباب التثويب فيها الا الحسن بن صالح بن حي (١٠). ونقل عن الجعفي : انّه مستحب في جميع الصلوات.
واشتقاق التثويب من ثاب إذا رجع الى الدعاء ، أي : الصلاة ، بعد ما دعا إليها بالحيعلتين.
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٦٣ ح ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٠٨ ح ١١٤٦ ، السرائر : ٤٨٣.
(٢) المصدر السابق.
(٣) النهاية : ٦٧ ، السرائر : ٤٣.
(٤) النهاية : ٦٧ ، السرائر : ٤٣.
(٥) النهاية : ٦٧.
(٦) المبسوط ١ : ٩٥.
(٧) المجموع ٣ : ٩٢ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٩ ، الوجيز ١ : ٣٦.
(٨) المجموع ٣ : ٩٠ ، فتح العزيز ٣ : ١٦٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٤٨.
(٩) المغني ٤ : ٤٥٣ ، شرح فتح الغدير ١ : ٢١٤.
(١٠) المجموع ٣ : ٩٨.
الثانية عشرة : قال ابن إدريس : يستحب للإمام ان يلي الأذان والإقامة ليحصل له ثواب الجميع ، الا ان يكون أمير جيش أو سرية ، فالمستحب أن يلي الأذان والإقامة غيره. ونقله عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده (١).
قلت : في استحباب هذا الجمع نظر ، لانّه لم يفعله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الا نادرا ، ولا واظب عليه أمير المؤمنين عليهالسلام ، ولا الصحابة والأئمة بعدهم غالبا ، الا ان نقول : هؤلاء أمراء جيوش أو في معناهم.
الثالثة عشرة : قال في المبسوط : لا فرق بين ان يكون الأذان في المنارة أو على الأرض ، والمنارة لا يجوز ان تعلّى على حائط المسجد ، ويكره الأذان في الصومعة (٢) ، مع انه استحب ان يكون المؤذّن على موضع مرتفع (٣). ويمكن الجمع بين كلامية : بانّ المرتفع مخصوص بما ليس منارة عالية عن سطح المسجد ، ولا صومعة.
وروى علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام وسأله عن الأذان في المنارة ، أسنة هو؟ فقال : « انما كان يؤذن للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأرض ، ولم يكن يومئذ منارة » (٤).
وروى السكوني : « ان عليا عليهالسلام مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد » (٥).
والفاضلان استحبا فعله في المنارة ، لأنه قد ثبت وضعها في الجملة ، ولو لا الأذان فيها لكانت عبثا » (٦).
__________________
(١) السرائر : ٤٤.
(٢) المبسوط ١ : ٩٦.
(٣) المبسوط ١ : ٩٨.
(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٤ ح ١١٣٤.
(٥) في الفقيه ١ : ١٥٥ ح ٧٢٣ مرسلا ، وفي التهذيب ٣ : ٢٥٦ ح ٧١٠ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهالسلام.
(٦) المعتبر ٢ : ١٢٢ ، مختلف الشيعة : ٨٨.