أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]
المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٣١
قلنا (١) : إن أريد بالرضى عدم الاعتراض على الله ـ تعالى ـ (فيما (٢) قضى به ، وبعدم الرضاء (٢)) الاعتراض ؛ فعندنا الرضى بهذا الاعتبار واجب فى كل قضاء كان طاعة ، أو معصية.
وإن أريد بلزوم الرضى : الركون إلى المقضى به. وبعدم الرضى : النفرة والإباء عن قبوله ؛ فما كان من الطاعات المقضية : فالرضى بها بهذا الاعتبار ؛ لازم واجب ، وما كان من غيرها ؛ فالرضى به بهذا الاعتبار ليس واجبا ، ولا لازما.
ولهذا : فإن من اعترته الآلام ، والأسقام ؛ فله السعى فى دفعها ، وإزالتها. ولو قيل بامتناع ذلك ؛ لكونها من قضاء الله ؛ كان خرقا لإجماع الأمة.
وأما ما ذكروه من المنقول ، والأدلة السمعية : فظواهر غير قطعية ، ثم غايتها إطلاق اسم الفاعل على العبد ، وإضافة الفعل إليه ، وليس فى ذلك ما يدل على كونه موجدا ، أو محدثا لفعله / أو ليس ؛ لأن الفاعل من كان قادرا على إيجاد الفعل ، أو أن الفعل هو الحادث ممن كان قادرا عليه ممنوع ؛ بل الفاعل على الحقيقة عندنا : هو من وقع الفعل مقدورا له ، وهو أعم من الموجد. والفعل هو الحادث المقدور.
وعلى هذا : فإطلاق الفاعل على الله ـ تعالى ـ وعلى العبد يكون حقيقة.
وإن سلمنا أن الفاعل فى الحقيقة هو الموجد المحدث ؛ فلا يمتنع إطلاق ذلك على العبد فى لسان الشارع ، وأهل اللغة تجوزا بمعنى كون الفعل مقدورا له. وإن أطلق ذلك فى لسان أهل اللغة على اعتقاد كونه حقيقة ـ بناء على اعتقادهم كون العبد موجدا لفعله ـ فقد أصابوا فى الإطلاق بناء على اعتقادهم ، وأخطئوا فى الاعتقاد : كإصابتهم فى إطلاق لفظ الآلهة على الأصنام ؛ لاعتقادهم أنها هى الملجأ ، والملاذ فى دفع الضرر والبلوى. وإن أخطئوا فى اعتقادهم ذلك.
ثم ما ذكروه : معارض بما حققناه من النصوص الدالة على كون العبد غير خالق : فى مسألة نفى خالق غير الله ـ تعالى (٣) ـ.
__________________
(١) فى ب (فنقول).
(٢) فى أ (فما قضى به وتقدم الرضى).
(٣) انظر ل ٢١١ / ب وما بعدها.
وما ذكروه : من إطلاق الأمة معارض بإطلاقات أخرى دالة على نقيضه ، وبيانه من خمسة أوجه :
الأول : هو أن الأمة مجمعة على أن الله ـ تعالى ـ أولى بالثناء عليه (١) من العبد. فلو كان العبد هو الخالق لمعرفته بالله ـ تعالى ـ وطاعته له ، وإيمانه به ؛ لكان أولى بالثناء عليه من الله ـ تعالى ـ ؛ وهو خرق لإجماع المتكلمين.
وبيان الملازمة : هو أن إيجاد المعرفة بالله ، والإيمان به ، أحسن من إيجاد الأجسام الخسيسة (٢) ، والحشرات ، والقاذورات ؛ وذلك لأن استحقاق الثناء ، والمدح على أصولهم متعلق بحسن الفعل ، فكلما كان الفعل أحسن ؛ كان أولى ، وأحق بالثناء على فاعله.
فإن قيل : لا نسلم أن المعرفة والإيمان أحسن من خلق الأجسام ؛ بل الأمر بالعكس.
وبيانه : أن الأجسام ، وأعراضها من الآيات المفضية بالناظر فيها إلى السعادة الأخروية ، ومعرفتها غير مختصة بطائفة دون طائفة ، وما نفعه أعم ؛ فهو أحسن.
سلمنا أن إيجاد المعرفة والإيمان أحسن ؛ غير أن المنة لله ـ تعالى ـ فى ذلك : حيث أنه مكن (٣) منه بخلق القدرة عليه ، والداعى الصارف إليه ؛ فكان أولى باستحقاق الثناء من العبد.
قلنا : أما الأول : فهو خلاف إجماع / المسلمين.
وما ذكروه فى (٤) التقرير : فبالضد أولى ؛ وذلك لأن حسن الأجسام وأعراضها : إنما كان لكونها دلائل المعرفة كما ذكروه ، وما كان حسنه (٥) من أجل (٥) غيره ؛ فذلك الغير يكون أحسن.
وأما الثانى : فيلزمهم منه : أنه إذا كان أولى باستحقاق الثناء لتمكينه من فعل الإيمان : أن يكون أولى بالذم ؛ لتمكينه من فعل الكفر.
__________________
(١) فى ب (على الفعل).
(٢) فى ب (الجنسية).
(٣) فى ب (مكنه).
(٤) فى ب (من).
(٥) فى ب (لأجل).
الثانى : هو أنه لم تزل الأمة مجمعة على الدعاء لله ـ تعالى ـ والتضرع إليه ، فى أن يرزقهم : الإيمان ، ويجنبهم : الكفر ، والعصيان. وكذلك (١) الأئمة الصالحون ، والأنبياء المرسلون حتى قال إبراهيم الخليل : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٢). وقال ـ تعالى ـ حكاية عنه ، وعن إسماعيل : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٣). وقال يوسف : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) (٤).
ولو لا أن ذلك كله من فعل الله ؛ لما كان كذلك.
فإن قيل : المراد من السؤال : إنما هو للتمكين من الطاعة والإيمان ؛ بالإقدار عليهما ؛ فهو خلاف الظاهر من لفظ الجعل ، والصرف ، وسائر الألفاظ المذكورة من غير دليل ؛ فلا تقبل.
كيف وأن الإقدار على الإيمان ، والطاعة منهم من باب اللطف : وهو حتم على الله ـ تعالى ـ عندهم ، ومن لوازم الإلهية ، فلا معنى لسؤاله ما لا بد منه ؛ وهو حتم عليه ، كما لا يحسن أن يسأل ويقال : لا تظلم ، ولا تجر ؛ مع استحالة الظلم ، والجور فى حقه.
الثالث : هو أن المعتزلة موافقون : على استحالة عرو الأجسام عن الحركة والسكون. فلو كان العبد هو المخترع لحركة يده ، وسكونها ؛ فبتقدير إضرابه عن تحقيق مقدوره ، مع استمرار قدرته عليه ؛ فيلزم منه : إما عرو يده عن الحركة ، والسكون معا ؛ وهو محال. أو أن يكون البارى ـ تعالى ـ هو الخالق لذلك مشروطا بإضراب العبد عن مقدوره ؛ فيكون الرب ـ تعالى ـ فى فعله مرتبطا بإضراب العبد ؛ وهو خلاف إجماع (٥) الأمة (٥).
الرابع : هو أن الأمة مجمعة : على اقتدار الرب ـ تعالى ـ على استيفاء حقوقه من الطاعات من العباد. فلو كانت مخلوقة لهم ؛ لما كان قادرا على استيفائها بتقدير انصرافهم عنها ؛ وهو خلاف إجماع الأمة. وبتقدير خلقها فيهم اضطرارا : فعندهم تخرج عن كونها طاعة ؛ لكونها فعل الغير.
__________________
(١) فى ب (وكذا).
(٢) سورة إبراهيم ١٤ / ٣٥ ـ الموجود فى الأصل (رب اجنبني وبنى أن نعبد الأصنام).
(٣) سورة البقرة ٢ / ١٢٨.
(٤) سورة يوسف ١٢ / ٣٣.
(٥) فى ب (الإجماع).
الخامس : هو أن الأمة مجمعة : على امتناع وقوع خلاف مراد الله ـ تعالى ـ وأنه لا يقع فى ملكه ما لا يريد ؛ / فإن (١) ما أراده ؛ فهو واقع.
ومن أصل المعتزلة : أن الله ـ تعالى ـ يريد صلاح العبيد (٢) ، ويكره منهم (٢) الكفر ، والفسوق. فلو كان العبد : مستبدا بكفره خالقا له ؛ لكان ذلك موجبا لانتفاء مراد الله ـ تعالى ـ ووقوع مكروهه ؛ وهو خلاف الإجماع.
وربما تمسك الأصحاب هاهنا : بأمور واهية يظهر فسادها بأوائل النظر لمن له أدنى تنبه ، آثرنا الإعراض عن ذكرها شحا على الزمان من (٣) تضييعه بذكر (٣) ما لا فائدة فيه.
قولهم : ما المانع أن تكون القدرة الحادثة مؤثرة فى صفة زائدة على نفس الفعل؟ ، كما هو مذهب القاضى.
قلنا : القول بهذه الصفة التى هى أثر القدرة الحادثة عند القائل بها ، مع كونها مجهولة ؛ فهى من الأحوال. والقول بالأحوال باطل على ما سيأتى (٤).
وبتقدير صحة القول بالأحوال : إما أن يكون العبد مستقلا بإثباتها ، أو أنه لا يستقل بإثباتها إلا مع القدرة القديمة على ما عرف من اختلاف مذهبه فى ذلك.
فإن كان الأول : فقد وقع فيما فر عنه من تأثير القدرة الحادثة فى نفس الفعل ، ومن وجود خالق غير الله ـ تعالى ـ.
وإن كان الثانى : فيلزم منه مخلوق واحد بين خالقين ؛ وهو محال كما (٥) سبق (٥).
فقد ينحل من هذه الجمل : أن مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى هو الطريق العدل ، والمسلك المتوسط بين طرفى الجبر المحض ، وإثبات خالق غير الله ـ تعالى ـ بتوفيقه : بين دليل إثبات القدرة الحادثة ، ودليل انتفاء خالق غير الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) فى ب (وإن).
(٢) فى ب (العبد ويكره منه).
(٣) فى ب (بتضييعه فى ذكر).
(٤) انظر ما سيأتى فى الجزء الثانى ـ الباب الثالث ـ الأصل الأول : فى الأحوال ل ١١٤ / أوما بعدها.
(٥) ساقط من ب ـ انظر ل ٢١٧ / ب وما بعدها.
وعند هذا : فلا بد من الإشارة إلى تحقيق مذهبه فى الكسب ، والخلق ، وتحقيق الفرق بينهما ، وللعبارات فى ذلك ـ على أصله ـ متسع ، وأوفاها بالغرض ، وأولاها عبارتان :
الأولى : أن الكسب : عبارة عن المقدور بالقدرة الحادثة. وفى مقابلته الخلق : وهو المقدور بالقدرة القديمة.
العبارة الثانية : أن الكسب : هو الفعل القائم بمحل القدرة عليه.
وفى مقابلته : الخلق : وهو الفعل الخارج عن محل القدرة عليه ، والله أعلم.
«الفرع الثامن»
فى الرد على القائلين بالتولد
ويشتمل على ثلاثة فصول :
الأول : فى تحقيق معنى التولد على أصول المعتزلة ، وتفصيل مذاهبهم فيه.
الثانى : فى الدلالة على إبطال القول بالتولد ، وإبطال شبه مثبتيه.
الثالث : فى مأخذ تفريعات المعتزلة فى المتولد ، ومناقضتهم فيها.
«الفصل الأول»
فى تحقيق معنى التولد ، والمتولد على أصول المعتزلة ،
وتفصيل مذاهبهم فيه (١)
أما المتولد :
فقد / قال بعض المعتزلة فيه : هو ما جاز أن يقع من غير قصد إليه.
وعلى قياسه : التولد : هو وقوع الفعل من غير قصد إليه.
وهو باطل : بالفعل القليل المباشر فى حالة النوم ، والغفلة ؛ فإنه ليس متولدا ، ولا وقوعه تولدا. وإن لم يكن مقصودا إليه.
ومنهم من قال : المتولد : ما وقع بسبب من الفاعل فى غير حيز الفاعل.
وهو باطل بالعلم النظرى ؛ فإنه متولد عندهم من النظر ، وليس خارجا عن حيز الناظر (٢).
والأقرب فى ذلك ـ على أصولهم ـ أن يقال :
التولد : عبارة عن وقوع فعل من فعل آخر لفاعله.
والمتولد : الفعل الواقع من فعل آخر لفاعله بخلاف الفعل المباشر ؛ فإنه غير واقع لفعل آخر للفاعل ؛ بل بالقدرة ، والقدرة ليست فعلا للقادر بها ثم اختلفوا :
فذهب بعضهم : إلى أن المتولدات بأسرها كانت قائمة بمحل القدرة : كالعلم النظرى ، المتولد من النظر ، أو غير قائمة بمحل القدرة : كالآلام المتولدة من الضرب من فعل فاعل السبب ، وإن كان فاعل السبب معدوما حالة وجود الآلام : كمن رمى بسهم ، ثم اخترمته المنية قبل بلوغ السهم الرمية ، ثم أصاب الرمية بعد موته ؛ فنفس الإصابة وما تجددت منها من الآلام من فعل الميت.
__________________
(١) لتوضيح رأى المعتزلة فى التولد ، وتفصيل مذاهبهم فيه :
انظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل. للقاضى عبد الجبار. الجزء التاسع تحقيق الدكتور توفيق الطويل وآخر ، والمحيط بالتكليف له أيضا ص ٣٨٠ ـ ٤٠٧ وشرح الأصول الخمسة له أيضا ص ٣٨٧ ـ ٣٩٠.
(٢) فى ب (النظر).
ومنهم من قال : كثمامة بن أشرس : إنها حوادث لا محدث لها.
وذهب معمر : إلى أنها واقعة بطباع الأجسام ، وطرد ذلك فى جميع الأعراض غير الإرادة.
وذهب النظام : إلى أن المتولدات من فعل الله ـ تعالى ـ لا من فعل العبد الفاعل للسبب.
وذهب ضرار بن عمرو ، وحفص الفرد : إلى أن ما يقع من المتولدات فى محل قدرة الفاعل ، فهو فعله ، وما كان منها مباينا لمحل قدرته : فما وقع منها على وفق اختيار الفاعل ؛ فهو من فعله كالقطع والذبح. وما لا يقع على وفق اختيار الفاعل ؛ فليس من فعله : كالآلام فى المضروب ، والاندفاع فى الثقيل المدفوع.
ثم اختلف القائلون بأن المتولدات من فعل فاعل السبب.
فذهب أكثرهم : إلى أنها مقدورة بقدر فاعل السبب ، وإن لم تكن مباشرة بالقدرة ، وسووا بينها وبين السبب المباشر بالقدرة فى (١) كونهما (١) مقدورين. غير أنهم فرقوا بينهما من أربعة أوجه :
الأول : أن السبب المباشر بالقدرة الواحدة فى المحل الواحد فى الوقت الواحد ، لا يكون أكثر من واحد من جنس واحد ، بخلاف المتولدات ؛ فإنها قد تتكون (٢) وأن اتحد سببها : كالآلام المتولدة / من الاعتماد ، والوهى.
الثانى : أن السبب المباشر بالقدرة ، لا بد وأن يكون قائما بالقادر ؛ بخلاف المتولد.
الثالث : أن السبب المباشر بالقدرة لا يكون مع الموت ؛ بخلاف المتولد.
الرابع : أن السبب المباشر بالقدرة لا يخرج عن كونه مقدورا بوجوده ، والمتولد يخرج عن كونه مقدورا بوجود سببه على بعض الآراء.
وذهب بعضهم : كعباد الصيمرى : إلى أنها غير مقدورة ؛ بل المقدور بالقدرة بسببها.
__________________
(١) فى ب (وكونهما).
(٢) فى ب (تتكثر).
ثم اختلف القائلون بكون المتولدات مقدورة بالمقدورة على السبب.
فذهب بعضهم : إلى كونها مقدورة قبل وجود سببها ، ولا تكون مقدورة بعد وجود سببها.
وذهب آخرون : إلى كونها مقدورة بعد وجود سببها إلى حالة وجودها.
واختلفوا أيضا : فى أن مباشر السبب إذا قصد المسبب ، وكان معصية ، هل تصح توبته عنه قبل وقوعه ، أم لا؟
فذهب عباد الصيمرى : إلى المنع منه ، وجوزه آخرون.
وقال أبو هاشم : لو كان المتولد جهلا ؛ فلا يصح التوبة عنه قبل وقوعه ، ولا حالة وقوعه ؛ إذ التوبة تستدعى معرفة كونه جهلا ؛ ليندم عليه ، ويكف عن أضداده ؛ وذلك غير متصور فى الجهل ؛ إذ لو علم كونه جهلا ؛ لكان عالما لا جاهلا.
هذا كله فى أفعال العباد المختارين.
وأما أفعال الله ـ تعالى ـ فقد اختلفوا فيها :
فمنهم : من منع من تولد بعضها من بعض ، وأوجب كونها مقدورة بالقدرة ، أو القادرية القديمة من غير توسط.
ومنهم : من لم يمنع من ذلك.
ثم اختلف القائلون بتولد أفعال الله ـ تعالى ـ : هل يجوز أن يقع أمثال المتولد منها مقدورا مباشرا بالقدرة القديمة أم لا؟
فمنهم : من جوزه.
ومنهم : من منعه. مع اتفاق الكل على أن المتولد من أفعالنا لا يكون مثله مقدورا لنا مباشرا بالقدرة من غير توسط ، وأن الجواهر لا تكون متولدة عن سبب من الأسباب.
«الفصل الثانى»
فى الدلالة على إبطال القول بالتولد
وإبطال شبه مثبتيه
وقد اعتمد الأصحاب فى ذلك على مسالك (١) :
الأول : أنه إذا قيل بتولد الفعل عن الفعل ؛ فإذا وجد المسبب : وهو المتولد عقيب وجود السبب ؛ وهو المتولد منه ؛ فحدوث المسبب المتولد إما أن يكون : عن القدرة المباشرة للسبب ، أو عن نفس السبب ، أو عنهما ، أو لا عن واحد منهما.
فإن كان الأول : فهو باطل / من أربعة أوجه :
الأول : أن السبب على أصلكم موجب للمسبب عند ارتفاع الموانع ، فلو كانت القدرة هى المقتضية حدوث المتولد ؛ لما كان السبب موجبا للمسبب.
الثانى : أنه لو جاز أن يكون المتولد من فعل العبد ؛ حادثا بقدرة العبد. فمن أصلهم أن الرب ـ تعالى ـ قادر على إيجاد مثل ما تولد من فعل العبد من غير واسطة ، ويلزم من ذلك جواز إيجاد المسبب للعبد بقدرته من غير واسطة ؛ ضرورة مضاهاة القدرة الحادثة فى تأثيرها لتأثير قادرية الله ـ تعالى ـ وكذلك أحالوا وجود مقدورين العبد ، والرب تعالى.
الثالث : هو أن السبب على أصولهم : موجب للمسبب عند ارتفاع الموانع : كإيجاب العلة معلولها من غير تفاوت فى نفس الإيجاب. والمعلول غير مقدور. وإن كانت العلة مقدورة ؛ فكذلك المسبب بالنسبة إلى السبب.
الرابع : هو أن المتولد لو وقع بالقدرة ؛ لوقع دون السبب.
__________________
(١) لتوضيح رأى الأصحاب فى هذا الفصل : انظر أصول الدين للبغدادى ص ١٣٧ ـ ١٣٩ والإرشاد لإمام الحرمين ص ٢٣٠ ـ ٢٣٤ والمحصل للرازى ص ١٤٥.
ومن المتأخرين المتأثرين بالآمدي.
انظر شرح المواقف ٢ / ٣٨٤ ـ ٣٨٨ ، وشرح المقاصد ٢ / ١٠٦.
وبيان الملازمة : من وجهين :
الأول : هو أن السبب ليس شرطا فى وقوع القدرة : لوجودها دون وجود السبب عندهم ، ولا هو شرط لوقوع جنس المتولد ؛ بدليل ما لو كان جنس المتولد واقعا بقدرة الله ـ تعالى ـ فإنه لا يفتقر إلى سبب على أصولهم. ولو كان السبب شرطا فى الشاهد ؛ لكان شرطا فى الغائب : كالحياة مع العلم ، ولا عدم السبب مانع من إيجاده بالقدرة ؛ لما ذكرناه فى الشرط.
وإذا كانت القدرة مقتضية له ، والسبب ليس شرطا للقدرة ولا له ، ولا عدم السبب مانعا ؛ لزم وجود المقدور بها من غير توقف على السبب.
الثانى : أنه لو افتقر فى كونه مقدورا إلى وجود السبب ؛ لافتقر السبب فى كونه مقدورا إلى سبب آخر ؛ وهو تسلسل ممتنع.
وإن كان حدوثه عن نفس السبب على انفراده ؛ فهو ممتنع لوجهين :
الأول : أن السبب عندهم يجوز تقدمه على المسبب. فإذا جاز وجود السبب فى زمان دون مسببه ، أمكن ذلك فى كل زمان ؛ لعدم تأثير الأزمنة فى اقتضاء الأسباب لمسبباتها ؛ وذلك (١) يدل على امتناع إيجاب السبب للمسبب.
الثانى : أنه لو كان السبب موجبا للمسبب ؛ لما جاز تأخر المسبب عنه ، كما فى إيجاب العلة / لمعلولها ؛ ضرورة اتحاد معنى الإيجاب. وإن كان الحدوث بالسبب ، والقدرة معا ؛ فيلزم منه جواز وجود مقدور بقدرتين ؛ وهو محال على ما تقدم.
وكل ما يدل على امتناع مقدور واحد بقدرتين ؛ فهو لازم هاهنا. وإن كان لا بالقدرة ، ولا بالسبب ؛ فلا تولد ؛ وهو المطلوب.
وهذا المسلك ضعيف ؛ إذ لقائل أن يقول :
ما المانع من كون المتولد حادثا عن القدرة؟
__________________
(١) ابتداء من قوله (وذلك يدل على امتناع ... إلى قوله («فى اقتضاء الأسباب لمسبباتها» السطر الأول من ل ٢٧٤ / ب ساقط من النسختين ب ، ج).
وما ذكرتموه فى الوجه الأول : فحاصله يرجع إلى إلزام الخصم بمذهبه ، وذلك لا يدل على امتناع الإيجاب بالقدرة بالنسبة إلى من لا مذهب له ، وكذلك لو قدر قول الخصم : أخطأت فيما ألزمتنى إياه. فما الدليل على المطلوب؟ وذلك مما لا مخلص منه إلا بالانتقال إلى طريق آخر.
وأما الوجه الثانى :
فمبنى على أن الرب ـ تعالى ـ قادر على مثل المتولد من فعل العبد ؛ وهو ممنوع على ما سبق من مذهب البلخى.
وإن سلمنا أنه قادر على مثل فعل العبد : ولكن لا نسلم أنه لا يتوقف على واسطة ؛ بل ما كان متولدا من أفعال العبد ، جاز أن يكون فعله متولدا من فعل الله ـ تعالى ـ على ما هو مذهب بعض المعتزلة.
وإن سلمنا امتناع جواز مثل ذلك فى حق الله ـ تعالى ـ : ولكن لا يلزم مثله فى حق العبد إلا بطريق قياس الشاهد على الغائب ؛ وهو ممتنع لما سلف (١).
وأما الوجه الثالث :
فحاصله يرجع إلى إلحاق السبب بالعلة بقياس تمثيلى ؛ وهو فاسد لما سبق أيضا (٢).
وأما الوجه الرابع :
فلا نسلم دعوى الملازمة فيه.
قولكم فى الوجه الأول : السبب ليس شرطا فى حق الغائب فى جنس المتولد من مقدور العبد ؛ غير مسلم.
وإن سلم : أنه ليس بشرط فى حق الغائب ؛ فلا يلزم من اشتراطه فى الشاهد اشتراطه فى الغائب إلا بالقياس التمثيلى ؛ وهو غير صحيح على ما عرف.
__________________
(١) انظر ل ٤٠ / أ.
(٢) انظر ل ٣٩ / أ.
ولا نسلم : أن اشتراط الحياة للعلم غائبا مبنى على اشتراطه شاهدا ؛ بل بناء على مدرك آخر.
وأما الوجه الثانى من الوجه الرابع : فحاصله أيضا راجع إلى دعوى مجردة من غير دليل.
وإن سلم امتناع حدوثه بالقدرة ؛ فما المانع من حدوثه بالسبب؟
قولكم فى الوجه الأول : أنه إذا جاز وجود السبب فى زمان دون المسبب ، أمكن ذلك فى كل زمان. دعوى لا دليل عليها.
قولكم : لأنه لا تأثير للأزمنة فى اقتضاء الأسباب / لمسبباتها (١).
قلنا : ما المانع أن يكون اقتضاء السبب للمسبب مشروطا بوقوع المسبب فى الزمن الثانى من وجود السبب؟ وحيث لم يكن المسبب موجودا فى زمان وجود السبب ؛ كان لفوات شرطه. ولا يلزم مثله فى باقى الأزمنة ؛ ضرورة تحقق الشرط.
قولكم : لو كان السبب موجبا للمسبب ، لما تأخر عنه : ممنوع ؛ لجواز أن يكون إيجاب السبب له مشروطا بما ذكرناه قبل ، ولا يلزم من اشتراط ذلك فى السبب ؛ اشتراطه فى العلة. إلا أن يبين الاشتراك فى المعنى الموجب للاشتراط ؛ ولا سبيل إليه بأمر يقينى.
المسلك الثانى :
أنه لو كانت أفعال العبيد المباشرة بقدرهم ؛ متولدة عند انتفاء الموانع : فلا يخلو : إما أن يقال بأن أفعال الله ـ تعالى ـ المباشرة بقدرته ، أو قادريته مولدة للمسببات ، أو غير مولدة.
فإن كان الأول : فيلزم منه الاسترابة (٢) فى كون الجواهر متولدة من فعل من أفعال الله ـ تعالى ـ المباشرة بقادريته ، ولا يبقى الوثوق بكونها مباشرة بالقادرية من غير واسطة ، ولم يقل به قائل.
__________________
(١) نهاية السقط من النسختين ب ، ج.
(٢) فى ب (الاشتراك).
وإن كان الثانى : فيلزم منه أن لا يكون اعتماد الرياح الشديدة على غصون الأشجار ، وأوراقها ؛ موجبا لتحريكها ، ولا يخفى استواء نسبة اعتماد الواحد منا على الجسم إلى تحريكه ، مع انتفاء الموانع ، ونسبة اعتماد الرياح الشديدة على غصون الأشجار ، وأوراقها عند انتفاء الموانع ؛ فإذا لم يكن اعتماد الرياح موجبا لتحريك غصون الأشجار ؛ فكذلك اعتماد الواحد منا على ما يعتمد عليه من الأجسام.
وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول :
ما المانع من كون أفعال الرب المباشرة بقادريته مولدة؟
قولكم : لأنه لا يبقى الوثوق بكون الجواهر غير متولدة دعوى مجردة ؛ وهى إما أن يدعى فيها (١) الضرورة ، أو النظر.
لا سبيل إلى الأول ؛ لما تقدم فى أمثاله.
وإن كان الثانى ؛ فلا بد من الدليل.
وإن سلم امتناع التولد فى أفعال الله ـ تعالى ـ فما المانع منه (٢)؟
قولكم : يلزم منه أن لا يكون فعل الواحد منا مولدا (٣) على ما قررتموه ؛ غير صحيح. فإنه لا يمتنع أن يكون شرط تولد الفعل من الفعل المباشر بالقدرة ؛ امتناع / مباشرة المتولد بالقدرة. وهذا الشرط متحقق بالنسبة إلى اندفاع الجسم المتولد ، عن اعتماد الواحد منا على الجسم ؛ لكونه خارجا عن محل قدرته ؛ فإن مباشرته بقدرة الواحد منا ؛ ممتنع بالإجماع منا ومنكم. وهذا بخلاف (٤) ما هو خارج عن محل قدرة البارى ـ تعالى ـ وقادريته ؛ فإنه غير ممتنع أن يكون مباشرا بقدرة البارى ـ تعالى ـ أو قادريته.
وعند ذلك : فلا يلزم من امتناع التولد فى إحدى الصورتين ؛ امتناع التولد فى الأخرى ، ولا من جواز التولد فى إحداهما ؛ جوازه فى الأخرى.
__________________
(١) فى ب (فيه).
(٢) فى ب (عنه).
(٣) فى ب (مؤثرا).
(٤) فى ب (الخلاف).
ثم وإن سلم : أنه يلزم من امتناع تولد حركة غصون الأشجار من اعتماد الرياح العواصف عليها ؛ امتناع تولد اندفاع الجسم من اعتماد الواحد منا عليه ؛ فليس فى ذلك ما يدل على إبطال التولد مطلقا. ولا يلزم من إبطال تولد ما هو خارج عن محل قدرة العبد من الفعل القائم بمحل قدرته ؛ إبطال تولد ما هو قائم بمحل قدرته عما هو مباشر بقدرته : كما هو مذهب ضرار بن عمرو ، وحفص الفرد.
وعند ذلك : فالواجب أن يذكر ما فى هذين المسلكين على سبيل الإلزام ، والتشكيك للخصم عند ذكر شبهه : أما على طريق الاستدلال ؛ فلا.
المسلك الثالث :
أنه يلزم من القول بالتولد ؛ وجود مخلوق بين خالقين ، واللازم ممتنع ؛ لما تقدم (١).
وبيان الملازمة : أنه لو التصق جوهر يكفى شخصين ، ودفعه أحدهما إلى جهة الآخر حالة جذب الآخر إلى جهته ؛ فحركته واحدة لا محالة.
وهى : إما أن تكون متولدة من اعتماد أحدهما دون الآخر ، أو من اعتماديهما.
فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ لعدم الأولوية.
وإن كان الثانى : لزم منه مخلوق بين خالقين ؛ وهو محال. وما لزم عنه المحال ؛ فهو محال.
وهذا المسلك : وإن كان حجة فى امتناع تولد بعض ما هو خارج عن محل قدرة العبد عن الفعل المباشر بقدرة العبد ؛ فليس حجة على ضرار بن عمرو ، وحفص الفرد ـ القائلين بتولد ما قام بمحل القدرة دون غيره كما سبق.
وعند هذا : فالواجب أن يكتفى فى إبطال التولد على العموم بما أسلفناه من الدليل فى امتناع موجد غير الله ـ تعالى ـ وأن كل موجد ممكن ؛ فوجوده ليس إلا بالله ـ تعالى.
__________________
(١) انظر ل ٢١٧ / ب وما بعدها.
فإن قيل : ما ذكرتموه : وإن دل على إبطال التولد ؛ فهو (١) معارض بما يدل على (٢) التولد (٢) ، وبيانه من ثمانية أوجه.
الأول : هو أن / من رام دفع حجر فى جهة من الجهات ، كان اندفاعه على حسب قصد الدافع ، وداعيته : إن رام اندفاعه ؛ اندفع ، وإلا ؛ فلا.
فدلّ على أن الاندفاع من فعل العبد على ما قررناه فى الأفعال المباشرة بالقدرة الحادثة ، وليس اندفاع الحجر مباشرا بالقدرة بالإجماع منا ، ومنكم ؛ فلم يبق إلا أن يكون من فعله بواسطة ما باشره من الدفع.
وعلى هذا : يكون الكلام فى حصول العلم النظرى ، من النظر ، والاستدلال ، ونحوه.
الثانى : هو أنا حيث رأينا اختلاف القدرة الحادثة ، يؤثر فى اختلاف الأفعال ، التى يحكم عليها بكونها متولدة ، حتى إن الأيّد القوى ؛ يقوى على حمل ما لا يحمله الضعيف المدنف ؛ علمنا كونها مستندة إليها ، ولو كانت مستندة إلى قدرة الله ـ تعالى ـ لا إلى قدرة العبد ؛ لما كان لاختلاف القدر تأثير ؛ بل كان يجوز تحريك الجبل باعتماد الضعيف المدنف عليه ، وأن لا تتحرك الخردلة باعتماد الأيّد القوى عليها ؛ لخلق الله ـ تعالى ـ الحركة فى إحدى الصورتين دون الأخرى.
ولا يخفى : ما فى ذلك من الجهالة ، ومخالفة المعقول.
وإذا (٣) كانت مستندة إلى القدرة الحادثة ؛ فالقدرة (٤) غير مباشرة لها بالإجماع ؛ فلزم (٥) وجود الواسطة.
الثالث : أن العقل والشرع ، مجوزان للأمر بحمل المثقلات ، ودفعها ، وتحصيل العلوم النظرية. وإيلام من ينبغى إيلامه إلى غير ذلك. كما يجوزه فى الأفعال المباشرة
__________________
(١) فى ب (لكنه).
(٢) فى ب (عليه).
(٣) فى ب (وإن).
(٤) فى ب (والقدرة).
(٥) فى ب (فيلزم).
بالقدرة ، ولو لا تعلقها بالقدرة الحادثة ؛ لما حسن الأمر بها ، كما لا يحسن الأمر بإيجاد الجواهر ، والألوان ، وليست مباشرة بالقدرة ؛ فلزم الواسطة.
الرابع : هو أن العقلاء يستحسنون الذّم والمدح على ذلك ، ويحكمون باستحقاق الثواب ، والعقاب عليه ؛ فدلّ على أنه من فعل العبد ، وليس مباشرا بالقدرة ؛ فكان متولدا.
الخامس : هو أن من حمل ثقيلا ، أو ضرب شخصا ؛ فآلمه يصح أن يقال حمل المثقل ، وآلم فلانا. وليس ذلك من المجاز عندهم ؛ فيجب حمله على حقيقته ؛ وهو إضافة حمل الثقيل ، والإيلام إليه ، وليس ذلك مباشرا بقدرته ؛ فتعين كونه من فعله بواسطة مقدوره المباشر بالقدرة.
السادس : هو أن العظام المكسوة (١) باللحم ، لا حياة فيها ، وهى تتحرك بحركة الأعصاب الملتفة عليها. فلو لم تكن متولدة من حركة الأعصاب ؛ لما كانت حركات (٢) العظام من / أفعال العباد ؛ (وهو (٣) فى غاية النكر (٣)).
السابع : هو أنه لو كان كل ما هو خارج عن محل القدرة غير مقدور ؛ لكان كل ما هو قائم بمحل القدرة مقدورا. وحيث وقع الانقسام من القائم بمحل القدرة : إلى مقدور ، وغير مقدور ؛ فكذلك فيما هو خارج عن محل القدرة.
الثامن : أنه يصح أن يقال : قتل زيد عمرا. فيضاف القتل إلى زيد ، ويحكم عليه بأنه من فعله ، والقتل قائم بالمقتول ، لا بالقاتل ؛ فدل على كونه متولدا من فعله المباشر بقدرته.
وبيان كون القتل قائما بالمقتول من وجهين :
الأول : أنه لو لم يكن قائما به ؛ لكان مقتولا لم يقم به قتل. ولو جاز ذلك ؛ لأمكن وجود متحرك لم تقم به حركة ؛ وهو بعيد.
__________________
(١) فى ب (المكسرة).
(٢) فى ب (حركة).
(٣) فى أ (وهو غاية التنكر).
الثانى : أنه إذا قيل : قتل الله شخصا ؛ فالقتل يكون قائما بالمقتول ؛ لاستحالة قيامه بالله ـ تعالى ـ فكذلك إذا قيل : قتل زيد عمرا.
وجب أن يكون القتل قائما بالمقتول ؛ لتكون حقيقة المقتول متحدة بالنسبة إلى الغائب ، والشاهد.
والجواب عن الشبهة الأولى :
بما أسلفناه فى الأفعال المباشرة بالقدرة ، والّذي يخصها هاهنا. أنا وإن سلمنا وقوع الأفعال المباشرة بالقدرة على حسب القصد ، والداعية ؛ فهو غير متصور فى المتولدات ؛ فإن المتولد عندهم : قد يقع بعد عجز المتسبب ، وبعد موته بدهر. وعاقل ما : لا يجوز وقوع ما هذا شأنه على حسب الداعية ، والقصد.
وإن (١) سلمنا وقوعها (١) على حسب القصد ، والداعية ؛ فليس (٢) فى (٢) ذلك ما يدل على أنها من فعل العبد. وحيث سلمنا أن الأفعال المباشرة بالقدرة من أفعال العبد (٣) ، لم يكن ذلك لمجرد وقوعها على حسب القصد ، والداعية ؛ بل لاستقلال القدرة بالإيجاد عند القصد ، والداعية من غير احتياج إلى سبب ، وفى المتولدات لا بد من السبب ؛ وإلا لخرجت عن كونها متولدة.
وإن سلمنا أنها متولدة ؛ ولكنها كما دارت مع الفعل المباشر بالقدرة دارت مع القصد ، والداعية ، وليس القول بتولدها من الفعل المباشر بالقدرة أولى من تولدها من القصد ، والداعية.
فإن قيل : إنما كانت متولدة من السبب دون القصد ، والداعية ؛ لأن وجود المسبب عقيب السبب واجب ؛ بخلاف القصد ، والداعية.
(قلنا (٤) : هذا (٤)) تناقض ؛ فإن وجود الفعل عقيب القصد ، والداعية ، إن كان واجبا : فما ذكروه خلف. وإن لم / يكن واجبا ، ولا لازما ؛ فقد بطل الاستدلال بكونه فعلا للعبد ؛ لوقوعه على حسب قصده ، وداعيته.
__________________
(١) فى ب (ولئن سلمنا وقوعها).
(٢) فى ب (لكن ليس).
(٣) فى ب (العباد).
(٤) فى أ (فهو).