شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي
المحقق: الدكتور عمر عبدالسلام تدمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢١
على طريق عير قريش ممّا يلي سيف البحر ، لا يمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا أصحابها. وانفلت أبو جندل في سبعين راكبا أسلموا وهاجروا ، فلحقوا بأبي بصير ، وقطعوا مادّة قريش من الشام ، وكان أبو بصير يصلّي بأصحابه ، فلما قدم عليه أبو جندل كان يؤمّهم (١).
واجتمع إلى أبي جندل حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار وأسلم وجهينة وطوائف ، حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون ، فأرسلت قريش إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يسألونه أن يبعث إلى أبي بصير ومن معه فيقدموا عليه ، وقالوا : من خرج منّا إليك فأمسكه ، قال : ومرّ بأبي بصير أبو العاص بن الربيع من الشام فأخذوه ، فقدم على امرأته زينب سرّا. وقد تقدّم شأنه. وأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابه (٢) إلى أبي بصير أن لا يعترضوا لأحد. فقدم الكتاب على أبي جندل وأبي بصير ، وأبو بصير يموت. فمات وكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في يده يقرؤه ، فدفنه أبو جندل مكانه ، وجعل عند قبره مسجدا (٣).
وقال يحيى بن أبي كثير : حدّثني أبو سلمة ، أنّ أبا هريرة حدّثه ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا صلّى العشاء الآخرة نصب (٤) في الركعة الأخيرة بعد ما [٦٦ أ] يقول : «سمع الله لمن حمده» : اللهمّ نجّ الوليد بن الوليد ، اللهمّ نجّ سلمة بن هشام ، اللهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة ، اللهمّ نجّ المستضعفين من المؤمنين ، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر. اللهمّ اجعلها سنين مثل سنّي
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٣١. تاريخ الطبري ٢ / ٦٣٩ ، نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٥ ، و ٢٤٦ و ٢٤٧ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٣١ عيون التواريخ ١ / ٢٦٣ ، عيون الأثر ٢ / ١٢٨.
(٢) لم تر وكتب السيرة نصّا لهذا الكتاب ، وانظر : مجموعة الوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله (ص ٦٥) ، وإعلام السائلين عن كتب سيّد المرسلين لابن طولون الدمشقيّ (ص ٤٧).
(٣) نهاية الأرب ١٧ / ٢٤٧ ، ٢٤٨.
(٤) نصب في الدعاء : جدّ فيه. (لسان العرب ـ مادة نصب).
يوسف» (١). ثم لم يزل يدعو حتى نجّاهم الله تعالى ، ثم ترك الدعاء لهم بعد ذلك.
* * *
وفي سنة ستّ :
مات سعد بن خولة (٢) رضياللهعنه في الأسر بمكة. ورثى له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لكونه مات بمكة.
وفيها : قتل هشام بن صبابة (٣) أخو مقيس ، قتله رجل من المسلمين وهو يظنّ أنّه كافر ، فأعطى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم مقيسا ديته. ثم إنّ مقيسا قتل قاتل أخيه ، وكفر وهرب إلى مكة.
وفي ذي الحجّة : ماتت أمّ رومان بنت عامر (٤) بن عويمر الكنانية ، أمّ عائشة رضياللهعنهما ، أخرج البخاري من رواية مسروق عنها حديثا (٥) وهو منقطع لأنّه لم يدركها ، أو قد أدركها فيكون تاريخ موتها هذا خطأ (٦). والله أعلم.
* * *
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير ، باب الدعاء للمشركين بالهدي ليتألّفهم.
(٣ / ٢٣٥).
(٢) هو سعد بن خولة القرشي العامري من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ. (الاستيعاب ٢ / ٤٣ ، الإصابة ٢ / ٢٤ رقم ٣١٤٥).
(٣) في طبعة القدسي ٣٧٢ «ضبابة» والتصحيح من : الاستيعاب ٣ / ٥٩٥ ، والإصابة ٣ / ٦٠٣ حيث قال ابن حجر : صبابة ، بضم المهملة وموحّدتين الأولى خفيفة.
(٤) الاستيعاب ٤ / ٤٤٨ ، الإصابة ٤ / ٤٥٠ رقم ١٢٧١ عيون التواريخ ١ / ١٦٢.
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي ، باب حديث الإفك ، من رواية مسروق بن الأجدع (٥ / ٦٠).
(٦) انظر ترجمة أم رومان في تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٦٧) ، ففيه يناقش هذه الرواية بتوسع.
السّنة السّابعة
«غزوة خيبر»
قال عبد الله بن إدريس ، عن ابن إسحاق : حدّثني عبد الله بن أبي بكر قال : كان افتتاح خيبر في عقب المحرّم ، وقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في آخر صفر.
قلت : وكذا رواه ابن إسحاق عن غير عبد الله بن أبي بكر (١).
وذكر الواقديّ ، عن شيوخه ، في خروج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى خيبر : في أول سنة سبع ، وشذّ الزّهري فقال ، فيما رواه عنه موسى بن عقبة في مغازيه قال : ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم خيبر يوم سنة ستّ (٢).
وخيبر : بليدة على ثمانية برد من المدينة.
قال وهيب : ثنا خثيم بن عراك (٣) ، عن أبيه ، عن نفر من بني غفار قالوا : إنّ أبا هريرة قدم المدينة وقد خرج النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى خيبر ، واستخلف
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٤ / ٣٩ ، تاريخ خليفة ٨٢.
(٢) المغازي لعروة ١٩٥.
(٣) في الأصل ، ع : خيثم عن عراك. والتصحيح من ترجمته في تهذيب التهذيب (٣ / ١٣٦).
على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ (١) قال أبو هريرة : فوجدناه في صلاة الصّبح ، فقرأ في الركعة الأولى (كهيعص) (٢) ، وقرأ في الثانية (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (٣). قال أبو هريرة : فأقول في صلاتي : ويل لأبي فلان له مكيالان ، إذا اكتال اكتال بالوافي ، وإذا كال كال بالنّاقص. قال : فلما فرغنا من صلاتنا أتينا سباع بن عرفطة فزوّدنا شيئا حتى قدمنا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد فتح خيبر ، فكلّم المسلمين فأشركونا في سهمانهم.
وقال مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، أخبرني سويد ابن النّعمان ، أنّه خرج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام خيبر ، حتى إذا كانوا بالصّهباء ـ وهي أدنى خيبر ـ صلّى العصر ، ثم دعا بأزواد فلم يؤت إلّا بالسّويق ، فأمر به فثرّي (٤) ، فأكل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأكلنا. ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ، ثم صلّى ولم يتوضّأ : أخرجه البخاري (٥).
وقال حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة قال : خرجنا مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم [٦٦ ب] إلى خيبر فسرنا ليلا. فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ (٦). وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم ويقول :
اللهمّ لو لا أنت ما اهتدينا (٧) |
|
ولا تصدّقنا ولا صلّينا |
__________________
(١) الإصابة ٢ / ١٣ رقم ٣٠٨٠ وانظر الطبقات لابن سعد ٢ / ١٠٦.
(٢) سورة مريم : الآية الأولى.
(٣) سورة المطففين : الآية الأولى.
(٤) ثري السويق وغيره تثرية : صبّ عليه الماء ثم لبّ. والسّويق خبز يتخذ من الحنطة والشعير.
(٥) صحيح البخاري : كتاب الوضوء باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. (١ / ٥٩) وكتاب الجهاد والسير ، باب حمل الزاد في الغزو ٣ / ٢٢٢ ، وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٢).
(٦) الهنيهات : ومثلها الهنات والهنيات : الكلمات والأراجيز (تاج العروس).
(٧) عند ابن هشام في السيرة ٤ / ٣٩ : «
والله لو لا الله ما اهتدينا
» وانظر مناقب أمير المؤمنين عليّ للواسطي ١٢٩.
فاغفر فداء لك ما اقتفينا (١) |
|
وثبّت الأقدام إن لاقينا |
وألقين سكينة علينا |
|
إنّا إذا صيح بنا أتينا (٢) |
وبالصّياح عوّلوا علينا (٣)
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من هذا السائق»؟ قالوا : عامر. قال : «يرحمهالله». قال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله ، لو لا أمتعتنا (٤) به. فأتينا خيبر فحاصرناهم ، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. فلما أمسى النّاس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما هذه النّيران على أيّ شيء توقد»؟ قالوا : على لحم حمر إنسيّة (٥). فقال : «أهريقوها واكسروها». فقال رجل : أو يهريقوها ويغسلوها (٦). قال : أو ذاك.
قال : فلما تصافّ القوم كان سيف عامر فيه قصر ، فتناول به ساق يهوديّ ليضربه ، فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر ، فمات منه. فلما قفلوا قال سلمة ، وهو آخذ بيدي (قال) (٧) : لما رآني رسول الله صلىاللهعليهوسلم (ساكتا) (٨) : قال : مالك؟ قلت : فداك أبي وأميّ ، زعموا أنّ عامرا حبط
__________________
(١) عند البخاري ٥ / ٧٢ «أبينا».
(٢) اقتفينا : اتّبعنا وهي رواية مسلم ، وفي البخاري : ما أبقينا.
(٣) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٣٩ ففيه اختلاف عن هنا. وكذلك عيون الأثر ٢ / ١٣٠ ، وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١١١ ونهاية الأرب ١٧ / ٢٤٩ ، وعيون التواريخ ١ / ٢٦٤.
(٤) في الأصل : ع : أمتعنا. وأثبتنا نص البخاري (٥ / ٧٢).
(٥) الحمر الإنسيّة : نسبة إلى الإنس ، وهم النّاس لاختلاطهم بهم ، بخلاف حمر الوحش.
(٦) هذه عبارة صحيح مسلم ٣ / ١٤٢٩ والفعل فيها مجزوم بلام الأمر المحذوفة عند القائلين بجواز حذفها ، أو هو مجزوم لوقوعه في جواب أمر محذوف. وعبارة البخاري : أو نهريقها ونغسلها.
(٥ / ٧٢) وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ / ١١٣.
(٧) زيادة من صحيح مسلم لتوضيح السياق (٣ / ١٣٢٩).
(٨) في الأصل : شأ ، وفوقها كلمة (كذا). وهي تحريف ظاهر ، تصحيحه من صحيح مسلم (٣ / ١٤٢٩).
عمله. قال ، من قاله؟ قلت : فلان وفلان وأسيد بن حضير. فقال : كذب من قاله ، إنّ (١) له أجران ، وجمع بين إصبعيه ، إنّه (لجاهد) (٢) مجاهد قلّ عربيّ مشى بها (مثله) (٣). متّفق عليه (٤).
وقال مالك ، عن حميد ، عن أنس ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا. وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر (٥) حتى يصبح. فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوه قالوا : محمد والله ، محمد والخميس (٦) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الله أكبر خربت خيبر. إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين». أخرجه البخاري (٧). وأخرجاه من حديث ابن صهيب ، عن أنس (٨).
وقال غير واحد : شعبة ، وابن فضيل ، عن مسلم الملائي (٩) ، عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك ، ويركب الحمار. ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف.
وقال يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، أخبرني سهل بن سعد
__________________
(١) ساقطة من طبعة القدسي ٣٧٥ وأثبتناها من صحيح البخاري وصحيح مسلم.
(٢) في الأصل : إنه مجاهده قل عربي. وفي ع : إنه يجاهد مجاهد. وأثبتنا نصّ البخاري ومسلم.
(٣) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع والبخاري ومسلم.
(٤) صحيح البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٤ ، ٧٣ وصحيح مسلم (١٨٠٢) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة خيبر. (٣ / ١٤٢٧ ـ ١٤٢٩).
(٥) في الأصل ، ع : يغز ، وعبارة البخاري «لا يغير عليهم حتى».
(٦) عند ابن سعد ٢ / ١٠٨ «الجيش».
(٧) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام إلخ ٤ / ٥ ، وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر (٥ / ٧٣) وفيه : «لم يغر بهم حتى يصبح» ، وانظر طبقات ابن سعد ٢ / ١٠٩.
(٨) صحيح البخاري : كتاب الصلاة ، باب ما يذكر في الفخذ ١ / ٩٧ ، وصحيح مسلم (١٣٦٥) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة خيبر.
(٩) الملائي : بضم الميم. نسبة إلى الملاءة التي تستر بها النساء (اللباب ٣ / ٢٧٧).
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فبات النّاس يدوكون (١) ليلتهم أيّهم يعطاها؟ فلما أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال : أين عليّ بن أبي طالب؟ قيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : فأرسلوا [٦٧ أ] إليه. فأتى به فبصق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى لم يكن به وجع. فأعطاه الراية ، فقال عليّ : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال : «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم». أخرجاه عن قتيبة ، عن يعقوب (٢).
وقال سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه». فقال عمر : فما أحببت الإمارة قطّ حتى يومئذ. فدعا عليّا فبعثه ، ثم قال : «اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت» ، قال عليّ : علام أقاتل النّاس؟ قال : «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها ، وحسابهم على الله». أخرجه مسلم (٣) ، وأخرجا نحوه من حديث سلمة بن الأكوع (٤).
__________________
(١) يدوكون : يخوضون ويتحدّثون في ذلك.
(٢) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب دعاء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى الإسلام وباب فضل بن أسلم على يديه رجل ٤ / ٥. وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ٥ / ٧٦ ، ٧٧ ، وصحيح مسلم (٢٤٠٦) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه. وانظر طبقات ابن سعد ٢ / ١١٠ و ١١١. وسيرة ابن هشام ٤ / ٤٢ ، ونهاية الأرب ١٧ / ٢٥٣.
(٣) صحيح مسلم (٢٤٠٥) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه.
(٤) صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير ، باب ما قيل في لواء النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (٤ / ١٢) وصحيح
وقال عكرمة بن عمّار : حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، حدّثني أبي أنّ عمّه عامرا حدا بهم ، فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : غفر لك ربّك. قال : وما خصّ بها أحد إلّا استشهد. فقال عمر : هلّا متّعتنا بعامر؟ فقدمنا خيبر ، فخرج مرحب وهو يخطر بسيفه ، ويقول :
علمت خيبر أنّي مرحب |
|
شاكي (١) السلاح بطل مجرّب |
إذا الحرب أقبلت تلهّب (٢)
فبرز له عامر ، وهو يقول :
قد علمت خيبر أنّي عامر |
|
شاكي السلاح بطل مغامر |
قال : فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، فذهب عامر يسفل له ، فرجع بسيفه على نفسه فقطع أكحله ، وكانت فيها نفسه. قال سلمة : فخرجت فإذا نفر من أصحاب النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقولون : بطل عمل عامر ، قتل نفسه. فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا أبكي ، قال «مالك»؟ فقلت : قالوا إنّ عامرا بطل عمله. قال : «من قال ذلك»؟ قلت : نفر من أصحابك. فقال : «كذب أولئك بل له من الأجر مرّتين» (٣) قال : فأرسل إلى عليّ يدعوه وهو أرمد فقال : لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فجئت به أقوده. قال : فبصق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عينيه فبرأ ، فأعطاه الراية. قال : فبرز مرحب وهو يقول :
قد علمت خيبر أنّي مرحب |
|
شاكي السلاح بطل مجرّب |
إذا الحروب أقبلت تلهّب
__________________
= مسلم (٢٤٠٧) كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه.
(١) عند ابن سعد في الطبقات ٢ / ١١١ «شاك». وشاكي السلاح : حادّ السلاح على ما في شرح السيرة النبويّة لأبي ذرّ الخشنيّ ٢ / ٣٤٥.
(٢) انظر الرجز في سيرة ابن هشام ٤ / ٤١ ، و ٤٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٠ و ١١.
(٣) انظر طبقات ابن سعد ٢ / ١١١.
قال : فبرز له عليّ رضياللهعنه وهو يقول :
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدرة (١) |
|
كليث غابات كريه المنظر ، |
أوفيهم (٢) ، بالصّاع كيل السّندره (٣).
فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله ، وكان الفتح.[٦٧ ب] أخرجه مسلم (٤).
وقال البكّائي : قال ابن إسحاق ، فحدّثني محمد بن إبراهيم التّيمي ، عن أبي الهيثم بن نصر الأسلمي أنّ أباه حدّثه أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول نفي مسيره لخيبر ـ لعامر بن الأكوع : خذ لنا من هنّاتك فنزل يرتجز ، فقال :
والله لو لا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدّقنا ولا صلّينا |
إنّا إذا قوم بغوا علينا |
|
وإن أرادوا فتنة أبينا |
فأنزلن سكينة علينا |
|
وثبّت الأقدام إن لاقينا |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يرحمك الله. فقال عمر : وجب والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به. فقتل يوم خيبر شهيدا (٥).
وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق : حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ ، عن أبيه ، عن سلمة بن الأكوع قال : فخرج (عليّ) (٦) رضي الله
__________________
(١) حيدرة : الأسد.
(٢) عند ابن سعد ٢ / ١١٢ «وأكيلهم» وانظر الاختلاف عند الطبري ٣ / ١٣.
(٣) كيل السندرة : أي كيلا وافيا ، وقيل السندرة ضرب من الكيل واسع ، وقيل شجرة تصنع منها مكاييل عظام. (راجع مناقب أمير المؤمنين علي للواسطي ١٣١).
(٤) صحيح مسلم (١٨٠٧) كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة ذي قرد وغيرها. وانظر طبقات ابن سعد ٢ / ١١٠ ـ ١١٢ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٠ ـ ١٣ ومناقب أمير المؤمنين علي ١٢٩ ـ ١٣١.
(٥) سيرة ابن هشام ٤ / ٣٩.
(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.
عنه بالراية يهرول وأنا خلفه حتى ركّزها في رضم (١) من حجارة تحت الحصن. فاطلع إليه يهوديّ من رأس الحصن فقال : من أنت؟ قال : أنا عليّ بن أبي طالب (قال) (٢) : غلبتم وما أنزل على موسى. فما رجع حتى فتح الله عليه (٣).
وقال يونس بن بكير ، عن المسيّب بن مسلم الأزدي ، حدّثنا عبد الله ابن بريدة ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ربّما أخذته الشقيقة (٤) فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى النّاس ، وإنّ أبا بكر أخذ راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع. فأخذها عمر فقاتل قتالا هو أشدّ قتالا من القتال الأوّل ، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «لأعطينّها غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله يأخذها عنوة ، وليس ثمّ عليّ. فتطاولت لها قريش ، ورجا كلّ رجل منهم أن يكون صاحب ذلك. فأصبح وجاء عليّ على بعير حتى أناخ قريبا ، وهو أرمد قد عصب عينه بشقّ برد قطري (٥). فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مالك»؟ قال : رمدت بعدك ، قال : «أدن منّي» ، فتفل في عينه ، فما وجعها (حتى) (٦) مضى لسبيله ، ثم أعطاه الراية فنهض بها ، وعليه جبة
__________________
(١) رضم ورضام : حجارة أو صخور بعضها على بعض ، هي دون الهضبة. (النهاية في غريب الحديث ٢ / ٢٣١).
(٢) زيادة يقتضيها السياق ، إذ القول على لسان اليهودي. كما جاء في سيرة ابن هشام ٤ / ٤٢ «علوتم».
(٣) مناقب أمير المؤمنين علي للواسطي ١٣٢ رقم ٢١٧.
(٤) الشقيقة : صداع يأخذ في نصف الرأس والوجه.
(٥) القطر والقطرية : ضرب من البرود يكون من غليظ القطن ، أو خمر لها أعلام فيها بعض الخشونة.
(٦) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.
أرجوان حمراء قد أخرج خملها ، فأتى مدينة خيبر (١).
وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر (٢) مظهر (٣) يمانيّ وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ، فارتجز عليّ واختلفا ضربتين ، فبدره عليّ بضربة ، فقدّ الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الأضراس ، وأخذ المدينة.(٤)
وقال عوف الأعرابيّ ، عن ميمون أبي عبد الله الأزدي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : فاختلف مرحب وعليّ ضربتين ، فضربه عليّ على هامته حتى عضّ السّيف بأضراسه. وسمع أهل العسكر صوت ضربته. وما تتامّ آخر النّاس مع عليّ حتى فتح الله له ولهم (٥).
وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٦) ، حدّثني عبد الله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع مولى [٦٨ أ] رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : خرجنا مع عليّ حين بعثه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم برايته. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يديه ، فتناول عليّ الحصن فترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه. ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة إناث منهم ، نجهد أن نقلب الباب فما استطعنا أن نقلبه (٧).
__________________
(١) رواه الشيخان ، انظر اللؤلؤ والمرجان ٣ / ١٢٢ ، وجامع الأصول لابن الأثير ٨ / ٥٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ١٢ ، ١٣.
(٢) المغفر : زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنّع بها. ومظهر : صلب شديد.
(٣) عند الطبري «معصفر».
(٤) تاريخ الطبري ٣ / ٣.
(٥) مناقب أمير المؤمنين علي للواسطي ١٣٥ ، ١٣٦ رقم ٢٢٢.
(٦) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٢ ، ٤٣.
(٧) رواه الطبري ٣ / ١٣ وانظر تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٦.
رواه البكّائي ، عن ابن إسحاق ، عن أبي رافع منقطعا ، وفيه : فتناول عليّ بابا كان عند الحصن. والباقي بمعناه.
وقال إسماعيل بن موسى العبدي : ثنا مطّلب بن زياد ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال : دخلت عليه فقال : حدّثني جابر بن عبد الله أنّ عليّا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه. فافتتحوها ، وأنّه خرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.
تابعه فضيل بن عبد الوهاب ، عن مطّلب.
وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم ، والمنهال بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان عليّ يلبس في الحرّ والشتاء القباء المحشوّ الثّخين وما يبالي الحرّ ، فأتاني أصحابي فقالوا : إنّا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئا فهل رأيته؟ فقلت : وما هو؟ قالوا : رأيناه يخرج علينا في الحرّ الشديد في القباء المحشوّ وما يبالي الحرّ ، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثّوبين الخفيفين وما يبالي البرد ، فهل سمعت في ذلك شيئا؟ فقلت : لا. فقالوا : سل لنا أباك فإنّه يسمر معه. فسألته فقال : ما سمعت في ذلك شيئا. فدخل عليه فسمر معه فسأله فقال عليّ : أو ما شهدت معنا خيبر؟ قال : بلى. قال : فما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين دعا أبا بكر فعقد له وبعثه إلى القوم ، فانطلق فلقي القوم ، ثم جاء بالنّاس وقد هزموا؟ فقال : بلى. قال : ثم بعث إلى عمر فعقد له وبعثه إلى القوم ، فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : «لأعطينّ الراية رجلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله يفتح الله عليه غير فرّار» فدعاني فأعطاني الراية ، ثم قال : اللهمّ اكفه الحرّ والبرد ، فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا.
وقال أبو عوانة ، عن مغيرة الضّبيّ ، عن أمّ موسى قالت : سمعت عليّا يقول : ما رمدت ولا صدعت مذ دفع إليّ الله صلىاللهعليهوسلم الراية يوم خيبر.
رواه أبو داود الطيالسي في مسندة (١)
* * *
__________________
(١) منحة المعبود : كتاب السيرة النبويّة ، باب ما جاء في غزوة خيبر (٢ / ١٠٥) أخرجه الواسطي في مناقب أمير المؤمنين علي ١٣١ رقم ٢١٤ من طريق جرير عن المغيرة عن أم موسى.
فصل
فيمن ذكر أنّ مرحبا قتله محمّد بن مسلمة (١)
قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قام يوم خيبر فوعظهم. وفيه : فخرج اليهود بعاديتها (٢) ، فقتل صاحب عادية اليهود فانقطعوا. وقتل محمد بن مسلمة الأشهليّ مرحبا اليهوديّ (٣).
و [٦٨ ب] قال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة نحوه.
وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٤) حدّثني عبد الله بن سهل الحارثي ، عن جابر بن عبد الله قال : خرج مرحب اليهوديّ من حصن خيبر ، قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول : من يبارز؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا له وأنا والله الموتور الثائر ، قتلوا أخي بالأمس. قال : «قم إليه ، اللهمّ أعنه عليه». فلما تقاربا دخلت بينهما شجرة
__________________
(١) في الأصل : سلمة. وهو يرد صحيحا في السياق بعد قليل.
(٢) في الأصل : بغادتها ، وغادته. والتصحيح من المغازي للواقدي (٢ / ٦٥٣). والعادية : الذين يعدون على أقدامهم أو أول من يحمل من الرجّالة لأنّهم يسرعون العدو.
(٣) انظر تاريخ خليفة ٨٢ وعيون التواريخ ١ / ٢٦٦.
(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٤١ ، ٤٢.
عمريّة (١) ، فجعل كلّ واحد منهما يلوذ (بها) (٢) من صاحبه ، كلّما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه ، حتى برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن. ثم حمل على محمد فضربه فاتّقاه بالدّرقة ، فعضّت بسيفه فأمسكته ، وضربه محمد حتى قتله (٣). فقيل إنه ارتجز وقال :
قد علمت خيبر أنّي ماضي |
|
حلو إذا شئت وسمّ قاضي |
وكان ارتجاز مرحب :
قد علمت خيبر أنّي مرحب |
|
شاكي السّلاح بطل مجرّب |
إذا الحروب أقبلت تلهّب |
|
وأحجمت عن صولة المغلّب (٤) |
أطعن أحيانا وحينا أضرب |
|
إنّ حماي للحمى لا يقرب |
وقال الواقدي (٥) : حدّثني محمد بن الفضل (٦) بن عبيد الله عن (٧) رافع ابن خديج (٨) عن أبيه ، عن جابر قال : وحدّثني زكريّا بن زيد ، عن عبد الله ابن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن سلمة بن سلامة. قال : وعن مجمّع بن
__________________
(١) عمرية : قديمة أتى عليها عمر طويل.
(٢) سقطت من الأصل ، وأثبتناها من ع.
(٣) السيرة ٤ / ٤٢.
(٤) كذا في الأصل ، ع وفيه إقواء. وقد ورد في إحدى نسخ السيرة لابن هشام : يحجم عن صولتي المجرب. (انظر ابن هشام : ٤ / ٤١). وإذا قرئت الأبيات بسكون الباء ، فلا إقواء. وراجع الأبيات في تاريخ الطبري ٣ / ١٠ و ١١ مع الاختلاف في الألفاظ وكذلك في نهاية الأرب ١٧ / ٢٥١ و ٢٥٣.
(٥) المغازي ٢ / ٦٥٤ ولعلّ السند كله محرّفا في الأصل وهو في مغازي الواقدي (٢ / ٦٥٦) : حدّثني محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن جابر.
(٦) في الأصل «الفضيل» والتصحيح من تهذيب التهذيب ٩ / ٤٠١.
(٧) في الأصل «ابن» والتصحيح من تهذيب التهذيب ٣ / ٢٢٩ إذ ليس له ولد اسمه عبيد الله.
(٨) لعلّ السند كله محرّفا في الأصل وهو في مغازي الواقدي (٢ / ٦٥٦) : حدّثني محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن جابر.
يعقوب ، عن أبيه ، عن مجمّع بن جارية قالوا جميعا : إنّ محمد بن مسلمة قتل مرحبا.
وذكر الواقديّ ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن سلمة ، عن أبيه ، أنّ عليّا حمل على مرحب فقطره (١) على الباب ، وفتح عليّ الباب الآخر ، وكان للحصن بابان.
قال الواقدي : وقيل إنّ محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ، فقال : أجهز عليّ يا محمد. فقال : ذق الموت كما ذاقه أخي محمود ، وجاوزه ، ومرّ به عليّ فضرب عنقه وأخذ سلبه. فاختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سلبه ، فأعطاه محمدا. وكان عند آل محمد بن مسلمة فيه كتاب لا يدرى ما هو ، حتى قرأه يهوديّ من يهود تيماء فإذا هو : هذا سيف مرحب من يذقه يعطب.
قال الواقديّ : حدّثني محمد بن الفضل (٢) بن عبيد الله عن (٣) رافع ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : برز عامر وكان طوالا جسيما ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين برز وطلع : «أترونه خمسة أذرع»؟ وهو يدعو إلى البراز ، فبرز له عليّ فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئا ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم دفف عليه وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق (٤) : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، فبرز له الزّبير فقتله.
وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة. ورواه موسى بن عقبة
__________________
(١) في الأصل ، ع : ففطره. والتصحيح من المغازي للواقدي (٢ / ٦٥٤). وقطره وأقطره : ألقاه على قطره أي جنبه.
(٢) في الأصل «الفضيل» ، انظر الحاشية (٦) من الصفحة السابقة.
(٣) في الأصل «بن» ، والتصحيح من تهذيب ٣ / ٢٢٩ ، انظر الحاشية (٧) من الصفحة السابقة.
(٤) سيرة ابن هشام ٤ / ٤٢.
ـ واللفظ له ـ قال : ثم دخلوا حصنا لهم منيعا يدعى القموص. فحاصرهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم [٦٩ أ] قريبا من عشرين ليلة. وكانت أرضا وخمة شديدة الحرّ. فجهد المسلمون جهدا شديدا. فوجدوا أحمرة ليهود ، فذكر قصّتها ، ونهى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم عن أكلها.
ثم قال : (١) وجاء عبد حبشيّ من أهل خيبر كان في غنم لسيّده ، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السّلاح ، سألهم ما يريدون؟ قالوا : نقاتل هذا الّذي يزعم أنّه نبيّ. فوقع في نفسه [ذكر النبيّ] (٢) فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلم ، وقال : ما ذا لي؟ قال : «الجنّة» فقال : يا رسول الله إنّ هذه الغنم عندي أمانة. قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإنّ الله سيؤدّي عنك أمانتك». ففعل ، فرجعت الغنم إلى سيّدها. ووعظ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم النّاس. إلى أن قال : وقتل من المسلمين العبد الأسود ، فاحتملوه فأدخل في فسطاط. وزعموا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم اطّلع في الفسطاط ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لقد أكرم الله هذا العبد (٣) ، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين (٤).
وقال ابن وهب : أخبرني حيوة بن شريح ، عن ابن الهاد ، عن شرحبيل بن سعد ، عن جابر بن عبد الله قال : كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة خيبر ، فخرجت سريّة فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها ، فجاءوا به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكلّمه ، فقال له الرجل : إنّي قد آمنت [بك وبما جئت به] (٥)
__________________
(١) من هنا يبدأ الموجود من مغازي عروة.
(٢) إضافة من المغازي لعروة ٢٠٠.
(٣) في المغازي لعروة ٢٠٠ زيادة : «وساقه إلى خيبر ، قد كان الإسلام في قلبه حقّا».
(٤) انظر سيرة ابن هشام ٤ / ٤٦ : والمستدرك على الصحيحين ٢ / ٦٣٦ ، وعيون الأثر ٢ / ١٤٢.
والبداية والنهاية ٤ / ١٩٠ ، ١٩١.
(٥) ما بين الحاصرتين إضافة من المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٣٦.
فكيف بالغنم فإنّها أمانة ، وهي للنّاس الشّاة والشّاتان [وأكثر من ذلك] (١) ، قال : احصب وجوهها ترجع إلى أهلها. فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى بها وجوهها ، فخرجت تشتدّ حتى دخلت كلّ شاة إلى أهلها. ثم تقدّم إلى الصفّ ، فأصابه سهم فقتله. ولم يصلّ لله سجدة قطّ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أدخلوه الخباء» فأدخل خباء رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل عليه ثم خرج فقال : «لقد حسن إسلام صاحبكم ، لقد دخلت عليه وإنّ عنده لزوجتين له من الحور العين».
وهذا حديث حسن أو صحيح (٢).
وقال مؤمّل بن إسماعيل : نا حمّاد ، نا ثابت عن أنس ، أنّ رجلا أتى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود اللّون ، قبيح الوجه. منتن الريح ، لا مال لي ، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنّة؟ قال : «نعم». فتقدّم فقاتل حتى قتل. فأتى عليه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو مقتول ، فقال : «لقد أحسن الله وجهك وطيّب روحك وكثّر مالك». قال : وقال ـ لهذا أو لغيره ـ : «لقد رأيت زوجتيه من الحور العين يتنازعانه جبّته عنه ، تدخلان فيما بين جلده وجبّته». وهذا حديث صحيح.
وقال يونس ، عن ابن إسحاق (٣) : حدّثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض أسلم أنّ بعض بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخيبر ، فقالوا : يا رسول [٦٩ ب] الله ، والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء. فلم يجدوا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا فقال : «اللهمّ إنّك قد علمت حالهم وأنّهم ليست لهم قوّة
__________________
(١) إضافة من المستدرك.
(٢) قال الحاكم النيسابورىّ : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرّجاه وقال الحافظ الذهبي : بل كان شرحبيل متّهما. قاله ابن أبي ذؤيب. (تلخيص المستدرك ٢ / ١٣٦).
(٣) سيرة ابن هشام ٤ / ٤١.
وليس بيدي ما أعطيهم إيّاه. فافتح عليهم أعظم حصن بها غنى ، أكثره طعاما وودكا (١). فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصّعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه. فلما افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم (٢) الوطيح والسّلالم ، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحا ، فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بضع عشرة ليلة (٣).
* * *
__________________
(١) الودك : الدّسم.
(٢) في الأصل ، ع : حصنهم وأثبتنا نصّ ابن هشام.
(٣) انظر الخبر أيضا في تاريخ الطبري ٣ / ١٤ وبعضه في نهاية الأرب ١٧ / ٢٥٥ و ٢٧.