الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤
وقال ابن اللبانة : كنت مع المعتمد بأغمات ، فلمّا قاربت الصّدر ، وأزمعت السفر ، صرف حيله ، واستنفد ما قبله ، وبعث إليّ مع شرف الدولة ولده ـ وهذا من بنيه أحسن الناس سمتا ، وأكثر هم صمتا ، تخجله اللفظة ، وتجرحه اللحظة ، حريص على طلب الأدب ، مسارع في اقتناء الكتب ، مثابر على نسخ الدواوين ، مفتح فيها من خطّه زهر الرياحين ـ بعشرين مثقالا مرابطية وثوبين ، غير مخيطين ، وكتب معها أبياتا منها (١) : [الوافر]
إليك النّزر من كفّ الأسير |
|
وإن تقنع تكن عين الشكور |
تقبّل ما يذوب له حياء |
|
وإن عذرته حالات الفقير |
فامتنعت من ذلك عليه ، وأجبته بأبيات منها : [الوافر]
تركت هواك وهو شقيق ديني |
|
لئن شقّت برودي عن غدور |
ولا كنت الطليق من الرزايا |
|
إذا أصبحت أجحف بالأسير |
جذيمة أنت ، والزبّاء خانت |
|
وما أنا من يقصّر عن قصير |
تصرّف في الندى حيل المعالي |
|
فتسمح من قليل بالكثير |
وأعجب منك أنك في ظلام |
|
وترفع للعفاة منار نور (٢) |
رويدك سوف توسعني سرورا |
|
إذا عاد ارتقاؤك للسرير |
وسوف تحلّني رتب المعالي |
|
غداة تحلّ في تلك القصور |
تزيد على ابن مروان عطاء |
|
بها وأزيد ثمّ على جرير (٣) |
تأهّب أن تعود إلى طلوع |
|
فليس الخسف ملتزم البدور |
وأتبعتها أبياتا منها : [الخفيف]
حاش لله أن أجيح كريما |
|
يتشكّى فقرا وقد سدّ فقرا |
وكفاني كلامك الرطب نيلا |
|
كيف ألغي درّا وأطلب تبرا |
لم تمت إنما المكارم ماتت |
|
لا سقى الله بعدك الأرض قطرا |
ورأى ابن اللبانة أحد أبناء المعتمد ، وهو غلام وسيم ، وقد اتّخذ الصياغة صناعة ، وكان
__________________
(١) ديوان ابن اللبانة ص ١٠٢.
(٢) العفاة : جمع عاف ، وهو طالب المعروف.
(٣) جرير : هو جرير بن عطية الخطفي الشاعر ، وابن مروان : هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ، ممدوح جرير.
يلقّب أيام سلطانهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة ، فنظر إليه وهو ينفخ الفحم بقصبة الصائغ ، وقد جلس في السوق يتعلّم الصياغة ، فقال : [البسيط]
شكاتنا لك يا فخر العلا عظمت |
|
والرزء يعظم ممّن قدره عظما (١) |
طوّقت من نائبات الدهر مخنقة |
|
ضاقت عليك وكم طوّقتنا نعما |
وعاد طوقك في دكان قارعة |
|
من بعد ما كنت في قصر حكى إرما |
صرّفت في آلة الصوّاغ أنملة |
|
لم تدر إلّا الندى والسيف والقلما |
يد عهدتك للتقبيل تبسطها |
|
فتستقلّ الثّريّا أن تكون فما |
يا صائغا كانت العليا تصاغ له |
|
حليا وكان عليه الحلي منتظما |
للنفخ في الصّور هول ما حكاه سوى |
|
هول رأيتك فيه تنفخ الفحما |
وددت إذ نظرت عيني إليك به |
|
لو أنّ عيني تشكو قبل ذاك عمى |
ما حطّك الدهر لما حطّ عن شرف |
|
ولا تحيّف من أخلاقك الكرما |
لح في العلا كوكبا ، إن لم تلح قمرا |
|
وقم بها ربوة ، إن لم تقم علما (٢) |
واصبر فربتما أحمدت عاقبة |
|
من يلزم الصبر يحمد غبّ ما لزما |
والله لو أنصفتك الشهب لا نكسفت |
|
ولو وفى لك دمع الغيث لانسجما (٣) |
أبكى حديثك حتى الدّر حين غدا |
|
يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما |
وقال لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى : وقفت على قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات في حركة راحة أعملتها إلى الجهات المراكشية ، باعثها لقاء الصالحين ومشاهدة الآثار سنة ٧٦١ ، وهو بمقبرة أغمات في نشز (٤) من الأرض ، وقد حفّت به سدرة (٥) ، وإلى جانبه قبر اعتماد حظيّته مولاة رميك ، وعليهما هيئة التغرّب ومعاناة الخمول من بعد الملك ، فلا تملّك العين دمعها عند رؤيتها ، فأنشدت في الحال : [البسيط]
قد زرت قبرك عن طوع بأغمات |
|
رأيت ذلك من أولى المهمات |
لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا |
|
ويا سراج الليالي المدلهمّات (٦) |
وأنت من لو تخطّى الدهر مصرعه |
|
إلى حياتي لجادت فيه أبياتي |
__________________
(١) الرزء : المصيبة.
(٢) العلم : الجبل.
(٣) لانسجما : لهطل غزيرا.
(٤) النشز : الأرض المرتفعة.
(٥) السدرة : شجرة النبق.
(٦) المدلهمات : الشديدة الظلمة.
أناف قبرك في هضب يميّزه |
|
فتنتحيه حفيّات التحيّات |
كرمت حيّا وميتا واشتهرت علا |
|
فأنت سلطان أحياء وأموات |
ما ريء مثلك في ماض ، ومعتقدي |
|
أن لا يرى الدّهر في حال وفي آتي (١) |
وقد زرت أنا قبر المعتمد بن عباد بمدينة أغمات سنة ١٠١٠ ، ورأيت فيه مثل ما ذكره لسان الدين رحمه الله تعالى ، فسبحان من لا يبيد (٢) ملكه! لا إله إلّا هو.
وأخبار المعتمد كثيرة.
وقال وزيره أبو الوليد بن زيدون : [الوافر]
متى أخف الغرام يصفه جسمي |
|
بألسنة الضّنى الخرس الفصاح |
فلو أنّ الثياب نزعن عنّي |
|
خفيت خفاء خصرك في الوشاح |
وقال يخاطب المعتمد : [المتقارب]
وطاعة أمرك فرض أرا |
|
ه من كلّ مفترض أوكدا |
هي الشّرع أصبح دين الضمير |
|
فلو قد عصاك لقد ألحدا |
وقال فيه : [الرمل]
يا ندى يمنى أبي القاسم عم |
|
يا سنا بشر المحيّا أشمس (٣) |
وارتشف معسول ثغر أشنب |
|
لحبيب من عجاج ألعس (٤) |
وقال : [الكامل]
مهما امتدحت سواك قبل فإنما |
|
مدحي إلى مدحي لك استطراد |
تغشى الميادين الفوارس حقبة |
|
كيما يعلّمها النّزال طراد |
وقال : [الوافر]
يحيّيني بريحان التّجنّي |
|
ويصحبني معتّقة السماح |
__________________
(١) ريء : رئي ، مجهول : رأى ـ أخرت عينه إلى مكان اللام. وفي ه : «في حال ولا آت».
(٢) لا يبيد : لا يفنى ولا يزول.
(٣) في ج : «يا ندى يمنى أبا القاسم غم».
(٤) الأشنب : الأبيض الأسنان ، الرقيقها. والألعس : من كان في شفته لعس وهو سمرة مستحسنة في الشفة.
فها أنا قد ثملت من الأيادي |
|
إذا اتّصل اغتباقي باصطباحي (١) |
وكتب إلى أبي عامر يستدعيه : [السريع]
أبا المعالي ، نحن في روضة |
|
فانقل إلينا القدم العالية |
أنت الذي لو نشتري ساعة |
|
منه بدهر لم تكن غاليه |
وتذكّرت هنا قول بعض المشارقة فيما أظنّ : [الكامل]
لله أيام مضت مأنوسة |
|
ما كان أحسنها وأنضرها معا |
لو ساعة منها تباع شريتها |
|
ولو انها بيعت بعمري أجمعا |
رجع ـ وقال أبو القاسم أسعد من قصيدة المعتصم بن صمادح (٢) : [الطويل]
وقد ذاب كحل الليل في دمع فجره |
|
إلى أن تبدّى الليل كاللمّة الشمطا |
كأنّ الدّجا جيش من الزنج نافذ |
|
وقد أرسل الإصباح في إثره القبطا |
ومنها :
إذا سار سار الجود تحت لوائه |
|
فليس يحطّ المجد إلّا إذا حطّا (٣) |
وقال ابن خلصة المكفوف (٤) النحوي من قصيدة : [البسيط]
ملك تملّك حرّ المجد ، لا يده |
|
نالت بظلم ولا مالت إلى البخل |
مهذّب الجد ماضي الحدّ مضطلع |
|
لما تحمّله العلياء من ثقل |
أغرّ ، لا وعده يخشى له أبدا |
|
خلف ولا رأيه يؤتى من الزلل |
قد جاوزت نطق الجوزاء همّته |
|
به ، وما زحلت عن مرتقى زحل |
يأبى له أن يحلّ الذمّ ساحته |
|
ما صدّ من جلل أو سدّ من خلل |
ومنها :
إن لم تكن بكم حالي مبدّلة |
|
فما انتفاعي بعلم الحال والبدل |
__________________
(١) الاغتباق : شرب الغبوق ، وهو ما يشرب في العشي. والاصطباح : الشرب صباحا.
(٢) انظر المطمح ص ٨٣.
(٣) أخذ معنى البيت من أبي نواس يمدح الخصيب بقوله :
فما جازه جود ولا حل دونه |
|
ولكن يسير الجود حيث يسير |
(٤) في ج : «ابن خلعة» تحريف. وانظر ترجمة ابن خلصة في الوافي ج ٣ ص ٤٢ ، ٢٣٢.
وقال ابن الحداد يمدح المعتصم بن صمادح : [الكامل]
عج بالحمى حيث الغياض العين |
|
فعسى تعنّ لنا مهاه العين (١) |
واستقبلن أرج النسيم فدارهم |
|
ندّيّة الأرجاء لا دارين (٢) |
أفق إذا ما رمت لحظ شموسه |
|
صدّتك للنّقع المثار دجون (٣) |
أنّى أراع لهم وبين جوانحي |
|
شوق يهوّن خطبهم فيهون |
أنّى أراع لهم وبين جوانحي |
|
شوق يهوّن خطبهم فيهون |
أنّي يصاب ضرابهم وطعانهم |
|
صبّ بألحاظ العيون طعين |
فكأنما بيض الصّفاح جداول |
|
وكأنما سمر الرماح غصون |
ذرني أسر بين الأسنّة والظّبا |
|
فالقلب في تلك القباب رهين |
يا ربّة القرط المعير خفوقه |
|
قلبي ، أما لحراكه تسكين |
توريد خدّك للصبابة مورد |
|
وفتور طرفك للنفوس فتون |
فإذا رمقت فوحي حبّك منزل |
|
وإذا نطقت فإنه تلقين |
ومنها في وصف قصر :
رأس بظهر النّون إلّا أنه |
|
سام ، فقبّته بحيث النّون |
هو جنّة الدنيا تبوّأ نزلها |
|
ملك تملّكه التّقى والدّين |
فكأنما الرحمن عجّلها له |
|
ليرى بما قد كان ما سيكون |
وكأنّ بانيه سنمّار فما |
|
يعدوه تحسين ولا تحصين (٤) |
وجزاؤه فيه نقيض جزائه |
|
شتّان ما الإحياء والتّحيين |
ومنها في المديح :
لا تلقح الأحكام حيفا عنده |
|
فكأنها الأفعال والتنوين (٥) |
ومنها :
__________________
(١) في أ: «فعسى تعنّ لنا المهاة العين».
(٢) دارين : مكان ينسب إليه المسك.
(٣) النقع : غبار المعركة. والدجون : السواد والظلمة.
(٤) سنمار : رجل بنى لملك من الملوك قصرا ، ولما أتمّه ألقاه من أعلاه لئلا يصنع مثله لغيره فضرب ذلك مثلا.
(٥) في أ: «فكأنما الأفعال والتنوين».
وبدا هلال الأفق أحنى ناسخا |
|
عهد الصّيام كأنه العرجون (١) |
فكأنّ بين الصوم خطّط نحوه |
|
خطّا خفيّا بان منه النّون |
وقال عبد الجليل بن وهبون : [الكامل]
زعموا الغزال حكاه قلت لهم : نعم |
|
في صدّه عن عاشقيه وهجره |
وكذا يقولون المدام كريقه |
|
يا ربّ ما علموا مذاقة ثغره |
وقال أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي وهب الأندلسي : [المنسرح]
قالوا : تدانيت من وداعهم |
|
ولم نر الصبر عنك مغلوبا (٢) |
فقلت : للعلم إنني بغد |
|
أسمع لفظ الوداع مقلوبا (٣) |
وهذا كقول بعض شعراء اليتيمة : [مخلع البسيط]
إذا دهاك الوداع فاصبر |
|
ولا يرو عنّك البعاد |
وانتظر العود عن قريب |
|
فإنّ قلب الوداع عادوا |
وقال ابن اللّبّانة : [الخفيف]
إن تكن تبتغي القتال فدعني |
|
عنك في حومة القتال أحامي |
خذ جناني عن جنّة ، ولساني |
|
عن سنان ، وخاطري عن حسام |
وقال القزاز يمدح ابن صمادح ، وخلط النسيب بالمديح : [المتقارب]
نفى الحبّ عن مقلتيّ الكرى |
|
كما قد نفى عن يديّ العدم (٤) |
فقد قرّ حبّك في خاطري |
|
كما قرّ في راحتيك الكرم |
وفرّ سلوك عن فكرتي |
|
كما فرّ عن عرضه كلّ ذمّ |
فحبّي ومفخره باقيا |
|
ن لا يذهبان بطول القدم |
فأبقى لي الحبّ خال وجدّ |
|
وأبقى له الفخر خال وعم |
__________________
(١) العرجون : عنقود النخل الذي يبقى على النخل يابسا بعد أن يقطع العذق. وفي القرآن الكريم (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).
(٢) في ه : «الصبر منك مغلوبا».
(٣) أراد بمقلوب الوداع «عادوا».
(٤) الكرى : النعاس.
وقال أبو الحسن بن الحاج : [الطويل]
أذوب اشتياقا يوم يحجب شخصه |
|
وإني على ريب الزمان لقاسي |
وأذعر منه هيبة وهو المنى |
|
كما يذعر المخمور أول كاس |
وقال : [المنسرح]
من لي بطرف كأنني أبدا |
|
منه بغير المدام مخمور |
ما أصدق القائلين حين بدا : |
|
عاشق هذا الجمال معذور |
وقال (١) : [المتقارب]
أبا جعفر ، مات فيك الجمال |
|
فأظهر خدّك لبس الحداد |
وقد كان ينبت نور الربيع |
|
فقد صار ينبت شوك القتاد (٢) |
فهل كنت من عبد شمس فأخشى |
|
عليك ظهور شعار السواد |
وقال ، ما أحكمه : [السريع]
ما عجبي من بائع دينه |
|
بلذة يبلغ فيها هواه |
وإنما أعجب من خاسر |
|
يبيع أخراه بدنيا سواه |
وقال من مخمسة يرثي فيها ابن صمادح ، ويندب الأندلس زمن الفتنة : [الرجز]
من لي بمجبول على ظلم البشر |
|
صحّف في أحكامه حاء الحور (٣) |
مرّ بنا يسحب أذيال الخفر |
|
ما أحسد الظبي له إذا نفر |
وأشبه الغصن به إذا خطر |
||
كافورة قد طرّزت بمسك |
|
جوهرة لم تمتهن بسلك |
نبذت فيها ورعي ونسكي |
|
بعد لجاجي في التقى ومحكي |
فاليوم قد صحّ رجوعي واشتهر |
||
نهيت قدما ناظري عن نظر |
|
علما بما يجني ركوب الغرر |
__________________
(١) انظر المغرب ج ص ٢٨١ ، والقلائد ص ١٤٤.
(٢) النور : الزهر الأبيض ، أو الزهر بعامة. والقتاد : شجر صلب له شوك كالإبر.
وافي المثل يقال : «ودون ذلك خرط القتاد» للأمر الصعب.
(٣) أراد أنه صيّر الحور : الجور ، فكان جائرا في حكمه.
وقلت عرّج عن سبيل الخطر |
|
فاليوم قد عاين صدق الخبر |
إذ بات وقفا بين دمع وسهر |
||
سقى الحيّا عهدا لنا بالطاق |
|
معترك الألباب والأحداق (١) |
وملتقى الأنفس والأشواق |
|
أيأس فيه الدّهر عن تلاقي |
وربما ساءك دهر ثم سرّ |
||
أحسن به مطّلعا ما أغربا |
|
قابل من دجلة مرأى معجبا |
إن طلعت شمس وقد هبّت صبا |
|
حسبته ينشر بردا مذهبا |
بمنظر فيه جلاء للبصر |
||
يا ربّ أرض قد خلت قصورها |
|
وأصبحت آهلة قبورها |
يشغل عن زائرها مزورها |
|
لا يأمل العودة من يزورها |
هيهات : ذاك الورد ممنوع الصّدر |
||
تنتحب الدنيا على ابن معن |
|
كأنها ثكلى أصيبت بابن (٢) |
أكرم مأمول ولا أستثني |
|
أثني بنعماه ولا أثنّي |
والروض لا ينكر معروف المطر |
||
عهدي به والملك في ذماره |
|
والنصر فيما شاء من أنصاره |
يطلع بدر التّمّ من أزراره |
|
وتكمن العفّة في إزاره (٣) |
ويحضر السؤدد أيان حضر |
||
قل للنوى جدّ بنا انطلاق |
|
ما بعدت مصر ولا العراق |
إذا حدا نحوهما اشتياق |
|
ومن دواء الملل الفراق |
ومن نأى عن وطن نال وطر (٤) |
||
سار بذي برد من الإصباح |
|
راكب نشوى ذات قصد صاح |
__________________
(١) الحيا : المطر.
(٢) الثكلى ـ بفتح فسكون : المرأة التي فقدت ولدها.
(٣) في ج : «تكمن العفة في ازوراره». وقد أثبتنا ما في أ، ب ، ه ، وهو أصح. وتمكن العفة في أزراره : كناية عن ثبوت العفة.
(٤) الوطر : الحاجة.
مسودّة مبيضّة الجناح |
|
تسبح بين الماء والرياح |
بزورها عن طافح الموج زور |
||
يقتحم الهول بها اغترارا |
|
في فتية تحسبها سكارى |
قد افترشن المسد المغارا |
|
حتى إذا شارفت المنارا (١) |
هبّ كما بلّ العليل المحتضر (٢) |
||
يؤمّ عدل الملك الرضيّ |
|
الهاشميّ الطاهر النقيّ |
والمجتبى من ضئضىء النبيّ |
|
من ولد السفّاح والمهديّ (٣) |
فخر معدّ ونزار ومضر |
||
حيث ترى العباس يستسقى به |
|
والشرف الأعظم في نصابه |
والأمر موقوفا على أربابه |
|
والدين لا تختلط الدنيا به |
وسيرة الصّدّيق تمضي وعمر |
وقال ابن خفاجة في صفة قوس (٤) : [الكامل]
عوجاء تعطف ثم ترسل تارة |
|
فكأنما هي حيّة تنساب |
وإذا انتحت والسهم منها خارج |
|
فهي الهلال انقضّ منه شهاب (٥) |
وقال : [الكامل]
وعسى الليالي أن تمنّ بنظمنا |
|
عقدا كما كنّا عليه وأكملا |
فلربّما نثر الجمان تعمّدا |
|
ليعاد أحسن في النظام وأجملا |
وهو من قول مهيار : [المتقارب]
عسى الله يجعلها فرقة |
|
تعود بأكمل مستجمع |
وقول المتنبي : [الوافر]
__________________
(١) المسد ، بفتح الميم والسين : الليف. وفي القرآن الكريم (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).
(٢) بلّ : شفي. والمحتضر : الإنسان ساعة الموت.
(٣) الضئضىء : الأصل والمعدن.
(٤) انظر ديوان ابن خفاجة ص ٣٦١.
(٥) في ب : «وإذا انحنت».
سألت الله يجعله رحيلا |
|
يعين على الإقامة في ذراكا (١) |
وقال : [السريع]
اقض على خلّك أو ساعد |
|
عشت بجدّ في العلا صاعد |
فقد بكى جفني دما سائلا |
|
حتى لقد ساعده ساعدي |
وقال : [السريع]
وأسود يسبح في بركة |
|
لا تكتم الحصباء غدرانها (٢) |
كأنها في صفوها مقلة |
|
زرقاء والأسود إنسانها (٣) |
وقال : [الكامل]
حيّا بها ونسيمها كنسيمه |
|
فشربتها من كفّه في ودّه |
منساغة فكأنها من ريقه |
|
محمرّة فكأنها من خدّه |
وقال : [الطويل]
لعمري لو أوضعت في منهج التقى |
|
لكان لنا في كلّ صالحة نهج |
فما يستقيم الأمر والملك جائر |
|
وهل يستقيم الظّلّ والعود معوجّ |
وقال يرثي صديقا من أبيات : [الطويل]
تيقّن أنّ الله أكرم جيرة |
|
فأزمع عن دار الحياة رحيلا |
فإن أقفرت منه العيون فإنه |
|
تعوّض منها بالقلوب بديلا |
ولم أر أنسا قبله عاد وحشة |
|
وبردا على الأكباد عاد غليلا (٤) |
ومن تلك أيام السرور قصيرة |
|
به كان ليل الحزن فيه طويلا |
وقال : [المتقارب]
تفاوت نجلا أبي جعفر |
|
فمن متعال ومن منسفل |
فهذا يمين بها أكله |
|
وهذا شمال بها يغتسل |
__________________
(١) ذراكا : بفتح الذال : ناحيتك وجانبك وجوارك.
(٢) الحصباء : الحصى تحت الماء.
(٣) إنسان العين : بؤبؤها.
(٤) الغليل : شدة العطش.
وقال ابن الرفاء : [الطويل]
ولمّا رأيت الغرب قد غصّ بالدّجا |
|
وفي الشرق من ضوء الصباح دلائل |
توهّمت أنّ الغرب بحر أخوضه |
|
وأنّ الذي يبدو من الشرق ساحل |
وقال أبو محمد بن عبد البر الكاتب : [مجزوء الكامل]
لا تكثرنّ تأمّلا |
|
وامسك عليك عنان طرفك |
فلربما أرسلته |
|
فرماك في ميدان حتفك (١) |
وقال أبو القاسم السميسر (٢) : [مخلع البسيط]
يا آكلا كلّ ما اشتهاه |
|
وشاتم الطّبّ والطبيب |
ثمار ما قد غرست تجني |
|
فانتظر السّقم عن قريب |
يجتمع الداء كلّ يوم |
|
أغذية السّوء كالذنوب |
وكان كثير الهجاء ، وله كتاب سماه ب «شفاء الأمراض ، في أخذ الأعراض» والعياذ بالله تعالى
ومن قوله : [مخلع البسيط]
خنتم فهنتم وكم أهنتم |
|
زمان كنتم بلا عيون |
فأنتم تحت كلّ تحت |
|
وأنتم دون كلّ دون |
سكنتم يا رياح عاد |
|
وكلّ ريح إلى سكون |
وقال : [مخلع البسيط]
يا مشفقا من خمول قوم |
|
ليس لهم عندنا خلاق |
ذلّوا ويا طالما أذلّوا |
|
دعهم يذوقوا الذي أذاقوا (٣) |
وقال : [الطويل]
وليتم فما أحسنتم مذ وليتم |
|
ولا صنتم عمّن يصونكم عرضا |
__________________
(١) الحتف ، بفتح فسكون : الموت ، الهلاك.
(٢) انظر الذخيرة ١ / ٢ : ٣٨٠.
(٣) في ه : «ذلوا وكم طال ما أذلوا» وما أثبتناه من أ، ب ، ج أفضل.
وكنتم سماء لا ينال منالها |
|
فصرتم لدى من لا يسائلكم أرضا (١) |
ستسترجع الأيام ما أقرضتكم |
|
ألا إنها تسترجع الدّين والقرضا |
وقال ابن شاطر السّر قسطي : [الكامل]
قد كنت لا أدري لأيّة علّة |
|
صار البياض لباس كلّ مصاب |
حتى كساني الدهر سحق ملاءة |
|
بيضاء من شيبي لفقد شبابي |
فبذا تبين لي إصابة من رأى |
|
لبس البياض على نوى الأحباب |
وهذه عادة أهل الأندلس ، ولهذا قال الحصري : [الوافر]
إذا كان البياض لباس حزن |
|
بأندلس فذاك من الصواب |
ألم ترني لبست بياض شيبي |
|
لأني قد حزنت على الشباب |
وما أحسن قوله رحمه الله تعالى : [الكامل]
لو كنت زائرتي لراعك منظري |
|
ورأيت بي ما يصنع التفريق |
ولحال من دمعي وحرّ تنفّسي |
|
بيني وبينك لجّة وحريق (٢) |
وقال ابن عبد الصمد يصف فرسا : [الطويل]
على سابح فرد يفوت بأربع |
|
له أربعا منها الصّبا والشمائل |
من الفتخ خوّار العنان كأنه |
|
مع البرق سار أو مع السّيل سائل (٣) |
وقال ابن عبد الحميد البرجي : [الوافر]
أرح متن المهنّد والجواد |
|
فقد تعبا بجدّك في الجهاد |
قضيت بعزمة حقّ العوالي |
|
فقضّ براحة حقّ الهوادي |
وقال عبادة : [الرمل]
إنما الفتح هلال طالع |
|
لاح من أزراره في فلك (٤) |
خدّه شمس ، وليل شعره |
|
من رأى الشمس بدت في حلك |
__________________
(١) في ه : «فصرتم إلى من رام يسألكم أرضا».
(٢) اللجة : معظم الماء.
(٣) الفتخ : جمع فتخاء ، وهي العقاب اللينة الجناح.
(٤) لاح : ظهر وبان.
وقال ابن المطرف المنجم : [البسيط]
يرى العواقب في أثناء فكرته |
|
كأنّ أفكاره بالغيب كهّان |
لا طرفة منه إلّا تحتها عمل |
|
كالدهر لا دورة إلّا لها شان |
وقال أبو الحسن بن اليسع : [مخلع البسيط]
راموا ملامي وكان إغرا |
|
وذمّ حبّي وكان إطرا (١) |
لو علم العاذلون ما بي |
|
لانقلبت فيه لامهم را |
وقال : [المجتث]
لمّا قدمت وعندي |
|
شطر من الشوق وافي |
قدّمت قلبي قبلي |
|
فصنه حتى أوافي |
ولمّا خاطب المستنصر ملك إفريقية ابن سيد الناس بقوله : [البسيط]
ما حال عينيك يا عين الزمان فقد |
|
أورثتني حزنا من أجل عينيكا |
وليس لي حيلة غير الدعاء فيا |
|
ربّ براوي الصحيحين حنانيكا |
أجابه الحافظ أبو المطرف بن عميرة المخزومي خدمة عن الحافظ أبي بكر بن سيد الناس : [البسيط]
مولاي حالهما والله صالحة |
|
لمّا سألت فأعلى الله حاليكا |
ما كان من سفر أو كان من حضر |
|
حتى تكون الثّريّا دون نعليكا |
وقال الأديب أبو العباس الرصافي ، وهو من أصحاب أبي حيان : [الكامل]
هذا هلال الحسن أطلع بيننا |
|
وجميعنا بحلى محاسنه شغف (٢) |
لمّا رأى صلّ العذار بخدّه |
|
ماء النعيم أتى إليه ليرتشف (٣) |
فكأنّ ذاك الخدّ أنكر أمره |
|
فاحمرّ من حنق عليه وقال قف (٤) |
__________________
(١) في ه : «لاموا ملامي وكان إغرا» والبيت يشير إلى قول أبي نواس :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء |
|
وداوني بالتي كانت هي الداء |
(٢) في ه : «وجميعنا بسنا محاسنه شغف».
(٣) في ب : «لما رأى طل العذار» والصل : الثعبان ، شبه به العذار.
(٤) الحنق : الغضب.
وقال : [الكامل]
وعشيّة نعمت بها أرواحنا |
|
والخمر قد أخذت هنالك حقّها |
وكأنما إبريقنا لما جثا |
|
ألقى حديثا للكؤوس وقهقها |
وقال الإمام الحافظ أبو الربيع بن سالم : [السريع]
كأنما إبريقنا عاشق |
|
كلّ عن الخطو فما أعمله |
غازل من كأسي حبيبا له |
|
فكلّما قبّله أخجله |
وقال أبو القاسم بن الأبرش : [الوافر]
رأيت ثلاثة تحكي ثلاثا |
|
إذا ما كنت في التشبيه تنصف |
فتنجو النيل منفعة وحسنا |
|
وشنترين مصر ، وأنت يوسف |
وقال في غريق ، وقيل : إنه ممّا تمثّل به : [السريع]
الحمد لله على كلّ حال |
|
قد أطفأ الماء سراج الجمال |
أطفأه ما كان محيا له |
|
قد يطفئ الزيت ضياء الذبال (١) |
وهو القائل أيضا : [البسيط]
لو لم يكن لي آباء أسود بهم |
|
ولم يؤسس رجال الغرب لي شرفا |
ولم أنل عند ملك العصر منزلة |
|
لكان في سيبويه الفخر لي وكفى |
فكيف علم ومجد قد جمعتهما |
|
وكلّ مختلق في مثل ذا وقفا |
وقال أبو الحسن بن حريق : [الرمل]
أصبحت تدمير مصرا كاسمها |
|
وأبو يوسف فيها يوسفا |
وقال أبو القاسم بن العطار الإشبيلي في بعض الهوزنيين وقد غرق في نهر طلبيرة عند فتحها(٢) : [الطويل]
ولمّا رأوا أن لا مقرّ لسيفه |
|
سوى هامهم لاذوا بأجرأ منهم |
فكان من النهر المعين معينهم |
|
ومن ثلم السدّ الحسام المثلم (٣) |
__________________
(١) الذبال : جمع ذبالة ، وهي الفتيلة.
(٢) انظر القلائد ص ٢٨٨.
(٣) في ه : «ومن قلم السد الحسام المثلّم».
فيا عجبا للبحر غالته نطفة |
|
وللأسد الضّرغام أرداه أرقم (١) |
وقال أبو العباس اللص (٢) : [المتقارب]
وقائلة والضّنا شاملي |
|
علام سهرت ولم ترقد |
وقد ذاب جسمك فوق الفرا |
|
ش حتى خفيت على العوّد |
فقلت وكيف أرى نائما |
|
ورائي المنيّة بالمرصد |
ولمّا قرىء عليه ديوان أبي تمام ، ومرّ فيه وصف سيف ، قال : أنا أشعر منه حيث أقول : [الوافر]
تراه في غداة الغيم شمسا |
|
وفي الظّلماء نجما أو ذبالا |
يروعهم معاينة ووهما |
|
ولو ناموا لروعهم خيالا |
وقال أبو إسحاق الإلبيري (٣) : [الطويل]
تمر لداتي واحدا بعد واحد |
|
وأعلم أني بعدهم غير خالد (٤) |
وأحمل موتاهم وأشهد دفنهم |
|
كأني بعيد عنهم غير شاهد |
فها أنا في علمي لهم وجهالتي |
|
كمستيقظ يرنو بمقلة راقد (٥) |
قيل : وقال في البيت الثاني.
كأنّي عنهم غائب غير شاهد
لكان أحسن وأبدع وأبرع في الصناعة الشعرية ، قاله ابن الأبار رحمه الله تعالى.
وقال الوزير أبو الوليد بن مسلمة (٦) : [المتقارب]
إذا خانك الرزق في بلدة |
|
ووافاك من همّها ما كثر |
فمفتاح رزقك في بلدة |
|
سواها فردها تنل ما يسر |
كذا المبهمات بوسط الكتا |
|
ب مفتاحها أبدا في الطّرر |
وقال أبو الطاهر إسماعيل الخشني الجياني المعروف بابن أبي ركب (٧) ، وقيل : إن أخاه الأستاذ أبا بكر هو المعروف بذلك : [مجزوء الوافر]
__________________
(١) الأرقم : ذكر الحيات أو أخبثها.
(٢) انظر التكملة ص ٨٠.
(٣) انظر ديوان الإلبيري ص ١٥٩.
(٤) لداتي : الذين تربوا معي.
(٥) يرنو : ينظر.
(٦) انظر التكملة ص ١٨٤.
(٧) في أ: «ابن أبي راكب» وانظر التكملة ص ١٨٥.
يقول الناس في مثل |
|
تذكّر غائبا تره |
فمالي لا أرى سكني |
|
ولا أنسى تذكّره |
وأنشد أبو المعالي الإشبيلي الواعظ بمسجد رحبة القاضي من بلنسية أبياتا منها (١) : [مجزوءالرمل]
أنا في الغربة أبكي |
|
ما بكت عين غريب |
لم أكن يوم خروجي |
|
من بلادي بمصيب |
عجبا لي ولتركي |
|
وطنا فيه حبيبي |
وقال أبو القاسم بن الأنقر السّرقسطي (٢) : [الكامل]
احفظ لسانك والجوارح كلّها |
|
فلكلّ جارحة عليك لسان |
واخزن لسانك ما استطعت فإنه |
|
ليث هصور والكلام سنان (٣) |
وقال أبو القاسم خلف (٤) بن يحيى بن خطاب الزاهد ، ممّا نسبه لأبي وهب الزاهد : [الخفيف]
قد تخيرت أن أكون مخفّا |
|
ليس لي من مطيّهم غير رجلي (٥) |
فإذا كنت بين ركب فقالوا |
|
قدّموا للرحيل قدّمت نعلي |
حيثما كنت لا أخلّف رحلا |
|
من رآني فقد رآني ورحلي |
وقال أبو عبد الله بن محمد بن فتح الأنصاري الثّغري (٦) : [البسيط]
كم من قويّ قويّ في تقلّبه |
|
مهذّب الرأي عنه الرزق ينحرف |
ومن ضعيف ضعيف الرأي مختبل |
|
كأنه من خليج البحر يغترف |
وقال أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب (٧) : [الوافر]
مضت أعمارنا ومضت سنونا |
|
فلم تظفر بذي ثقة يدان |
وجرّبنا الزمان فلم يفدنا |
|
سوى التخويف من أهل الزمان |
__________________
(١) انظر التكملة ص ١٩٦.
(٢) انظر التكملة ص ٣٠١.
(٣) الهصور : الأسد.
(٤) في ه : «القاسم بن خلف».
(٥) في ه : «ليس من مطية غير رجلي».
(٦) انظر التكملة ص ٣٧٥.
(٧) انظر التكملة ص ٣٧٨.
وحكي عن الفقيه الأديب النحوي أبي عبد الله محمد بن ميمون الحسيني ، قال : كانت لي في صبوتي جارية ، وكنت مغرى بها ، وكان أبي ، رحمه الله ، يعذلني ويعرض لي ببيعها ؛ لأنها كانت تشغلني عن الطلب والبحث عليه ، فكان عذله يزيدني إغراء بها ، فرأيت ليلة في المنام كأنّ رجلا يأتيني في زيّ أهل المشرق كلّ ثيابه بيض ، وكان يلقى في نفسي أنه الحسين بن علي بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنهما ، وكان ينشدني : [الكامل]
تصبو إلى ميّ ، وميّ لا تني |
|
تزهو ببلواك التي لا تنقضي |
وفخارك القوم الألى ما منهم |
|
إلّا إمام أو وصيّ أو نبي |
فاثن عنانك للهدى عن ذي الهوى |
|
وخف الإله عليك ويحك وارعوي |
قال : فانتبهت فزعا مفكرا فيما رأيته ، فسألت الجارية : هل كان لها اسم قبل أن تتسمّى بالاسم الذي أعرفه؟ فقالت : لا ، ثم عاودتها حتى ذكرت أنها كانت تسمى ميّة ، فبعتها حينئذ ، وعلمت أنه وعظ وعظني الله به عزّ وجلّ ، وبشرى.
وقال ابن الحداد أوّل قصيدته «حديقة الحقيقة» (١) : [الخفيف]
ذهب الناس فانفرادي أنيسي |
|
وكتابي محدّثي وجليسي |
صاحب قد أمنت منه ملالا |
|
واختلالا وكلّ خلق بئيس |
ليس في نوعه بحيّ ولكن |
|
يلتقي الحيّ منه بالمرموس (٢) |
وقال بعض أهل الجزيرة الخضراء : [السريع]
ألحاظكم تجرحنا في الحشا |
|
ولحظنا يجرحكم في الخدود |
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا |
|
فما الذي أوجب جرح الصدود |
وقال ابن النعمة : إنهما لابن شرف ، وقد ذكرناهما مع جوابهما في غير هذا الموضع.
وقال المعتمد بن عباد (٣) : [البسيط]
اقنع بحظّك في دنياك ما كانا |
|
وعزّ نفسك إن فارقت أوطانا |
في الله من كلّ مفقود مضى عوض |
|
فأشعر القلب سلوانا وإيمانا |
__________________
(١) انظر التكملة ص ٣٩٩.
(٢) المرموس : المقبور ، والرمس : القبر.
(٣) انظر ديوان المعتمد بن عباد ص ١١٤.
أكلّما سنحت ذكرى طربت لها |
|
مجّت دموعك في خدّيك طوفانا |
أما سمعت بسلطان شبيهك قد |
|
بزّته سود خطوب الدهر سلطانا (١) |
وطّن على الكره وارقب إثره فرجا |
|
واستغفر الله تغنم منه غفرانا |
وقال أبو عامر البرياني في الصنم الذي بشاطبة (٢) : [البسيط]
بقيّة من بقايا الروم معجبة |
|
أبدى البناة بها من علمهم حكما |
لم أدر ما أضمروا فيه سوى أمم |
|
تتابعت بعد سمّوه لنا صنما |
كالمبرد الفرد ما أخطا مشبّهه |
|
حقّا لقد برد الأيام والأمما |
كأنه واعظ طال الوقوف به |
|
ممّا يحدّث عن عاد وعن إرما |
فانظر إلى حجر صلد يكلّمنا |
|
أسمى وأوعظ من قسّ لمن فهما (٣) |
قيل : لو قال مكان «حكما» «علما» لأحسن.
وقال السميسر (٤) : [المتقارب]
إذا شئت إبقاء أحوالكا |
|
فلا تجر جاها على بالكا |
وكن كالطريق لمجتازها |
|
يمرّ وأنت على حالكا |
وقال : [مجزوء الرمل]
هن إذا ما نلت حظا |
|
فأخو العقل يهون |
فمتى حطّك دهر |
|
فكما كنت تكون |
وقال أبو الربيع بن سالم الكلاعي : أنشدني أبو محمد الشلبي ، أنشدني أبو بكر بن منخل ، لنفسه (٥) : [الطويل]
مضت لي ستّ بعد سبعين حجّة |
|
ولي حركات بعدها وسكون |
فيا ليت شعري أين أو كيف أو متى |
|
يكون الذي لا بدّ أن سيكون |
__________________
(١) بزته سلطانه : غلبته عليه وسلبته إياه.
(٢) انظر التكملة ص ٤٣٦.
(٣) قس : هو قس بن ساعدة الإيادي أحد خطباء العرب المشهورين في الجاهلية.
(٤) انظر التكملة ص ٤٧٠.
(٥) انظر التكملة ص ٤٩٦.
وقال أبو محمد عبد الحق الإشبيلي : [البسيط]
لا يخدعنّك عن دين الهدى نفر |
|
لم يرزقوا في التماس الحقّ تأييدا |
عمي القلوب عروا عن كلّ فائدة |
|
لأنهم كفروا بالله تقليدا |
وقال أبو محمد بن صارة : [الوافر]
بنو الدنيا بجهل عظّموها |
|
فعزّت عندهم وهي الحقيره |
يهارش بعضهم بعضا عليها |
|
مهارشة الكلاب على العقيره (١) |
وقال : [الكامل]
اسعد بمالك في الحياة ولا تكن |
|
تبقي عليه حذار فقر حادث |
فالبخل بين الحادثين ، وإنما |
|
مال البخيل لحادث أو وارث |
ودخل أبو محمد الطائي القرطبي على القاضي أبي الوليد بن رشد ، فأنشده ارتجالا (٢) : [مخلع البسيط]
قد قام لي السّيّد الهمام |
|
قاضي قضاة الورى الإمام (٣) |
فقلت قم بي ولا تقم لي |
|
فقلّما يؤكل القيام (٤) |
وقال الحافظ أبو محمد بن حزم : [الخفيف]
لا تلمني لأن سبقت لحظّ |
|
فات إدراكه ذوي الألباب |
يسبق الكلب وثبة اللّيث في العد |
|
وويعلو النّخال فوق اللّباب |
وقال أبو عبد الله الجبلي الطبيب القرطبي : [البسيط]
اشدد يديك على كلب ظفرت به |
|
ولا تدعه فإنّ الناس قد ماتوا |
قلت : تذكرت بهذا قول الآخر : [البسيط]
اشدد يديك بكلب إن ظفرت به |
|
فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا |
وقال محمد بن عبد الله الحضرمي مولى بني أمية : [مجزوء الخفيف]
__________________
(١) العقيرة : ما عقر من صيد أو غيره.
(٢) انظر التكملة ص ٨٢٤.
(٣) في ب ، ه : «قام لي السيد الهمام».
(٤) قم بي : أراد به : تكفل بشؤوني واضمن لي معاشي.
عاشر الناس بالجمي |
|
ل وسدّد وقارب |
واحترس من أذى الكرا |
|
م وجد بالمواهب |
لا يسود الجميع من |
|
لم يقم بالنوائب |
ويحوط الأذى وير |
|
عى ذمام الأقارب |
لا تواصل إلّا الشري |
|
ف الكريم المناصب |
من له خير شاهد |
|
وله خير غائب |
واجتنب وصل كلّ وغ |
|
د دنيء المكاسب |
وقال الكاتب الحافظ أبو عبد الله بن الأبّار (١) : [مجزوء الكامل]
لله نهر كالحباب |
|
ترقيشه سامي الحباب (٢) |
يصف السماء صفاؤه |
|
فحصاه ليس بذي احتجاب |
وكأنما هو رقّة |
|
من خالص الذهب المذاب |
غارت على شطيه أب |
|
كار المنى عصر الشباب |
والظّلّ يبدو فوقه |
|
كالخال في خدّ الكعاب (٣) |
لا بل أدار عليه خو |
|
ف الشمس منه كالنقاب |
مثل المجرّة جرّ في |
|
ها ذيله جون السحاب (٤) |
وقال : [الكامل]
شتّى محاسنه ، فمن زهر على |
|
نهر تسلسل كالحباب تسلسلا |
غربت به شمس الظهيرة لاتني |
|
إحراق صفحته لهيبا مشعلا (٥) |
حتى كساه الدوح من أفنانه |
|
بردا بمزن في الأصيل مسلسلا (٦) |
وكأنما لمع الظلال بمتنه |
|
قطع الدماء جمدن حين تحلّلا |
__________________
(١) انظر أزهار الرياض ج ٣ ص ٢٢٣.
(٢) الحباب ـ بضم الحاء ـ الحية. وبفتحها : الفقاقيع التي تظهر على سطح الماء أو الخمر.
(٣) في ج : «والطلّ يبدو فوقه». والكعاب : الفتاة كعب ثدياها.
(٤) جون السحاب : أسودها.
(٥) لاتني : أراد لا تتردد أو تتقاعس.
(٦) الدّوح : الشجر الكثير الملتف. والمزن : جمع مزنة وهي السحابة ذات الماء.