الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٤
صلة الباب السابع
في نبذة مما من الله تعالى به على أهل الأندلس من توقد الأذهان
وقال الأديب أبو عبد الله بن عائشة في فتى طرزت غلالة خده ، وركب من عارضه سنانا على صعدة قدّه (١) : [الطويل]
إذا كنت تهوى خدّه وهو روضة |
|
به الورد غضّ والأقاح مفلّج (٢) |
فزد كلفا فيه وفرط صبابة |
|
فقد زيد فيه من عذار بنفسج |
وحلّاه في المطمح بأن قال : اشتهر صونا وعفافا ، ولم يخطب بعقيلة حظوة زفافا (٣) ، فآثر انقباضا وسكونا ، واعتمد إليها ركونا ، إلى أن أنهضه أمير المسلمين إلى بساطه فهبّ من مرقد خموله ، وشبّ لبلوغ جدوة (٤) مأموله ، فبدا منه في الحال انزواء ، في تسنّم تلك الرسوم والتواء ، وقعود عن مراتب الأعلام ، وجمود لا يحمد فيه ولا يلام ، إلّا أنّ أمير المسلمين ألقى عليه منه محبّه ، جلبت إليه مسرى الظهور ومهبّه ، وكان له أدب واسع المدى ، يانع كالزهر بلّله الندى ، ونظم مشرق الصفحة ، عبق النفحة ، إلّا أنه قليلا ما كان يحلّ ربعه ، ويذيل له طبعه ، وقد أثبتّ له منه ما يدع الألباب حائرة ، والقلوب إليه طائرة فمن ذلك قوله في ليلة سمحت لي بفتى كان يهواه ، ونفحت له هبّة وصل أبدت جواه (٥) : [السريع]
لله ليل بات عندي به |
|
طوع يدي من مهجتي في يديه |
وبتّ أسقيه كؤوس الطلا |
|
ولم أزل أسهر شوقا إليه |
__________________
(١) انظر المطمح ص ٨٤ ـ ٨٦.
(٢) المفلج : المتشقق ، وأراد اليانع الناضج.
(٣) في ب ، ه : «حضرة زفافا».
(٤) كلمة : «جدوة» ساقطة من ب.
(٥) في ب : «برّدت جواه».
عاطيته حمراء ممزوجة |
|
كأنها تعصر من وجنتيه |
وخرج من بلنسية يوما إلى منية الوزير الأجلّ أبي بكر ابن عبد العزيز ، وهي من أبدع منازل الدنيا ، وقد مدّت عليها أدواحها الأفيا ، وأهدت إليها أزهارها العرف والرّيّا ، والنهر قد غصّ بمائه ، والروض قد خصّ بمثل أنجم سمائه ، وكانت لبني عبد العزيز فيها أطراب ، تهيّأ لهم فيها من الأيام آراب ، فلبسوا فيها الأنس (١) حتى أبلوه ، ونشروا فيها الحظ (٢) وطووه ، أيام كانوا بذلك الأفق طلوعا ، لم تضمّ عليهم النّوب ضلوعا ، فقعد أبو عبد الله مع لمّة من الأدباء تحت دوحة من أدواحها ، فهبّت ريح أنس من أرواحها ، سطت بإعصارها ، وأسقطت لؤلؤها على باسم أزهارها ، فقال : [مخلع البسيط]
ودوحة قد علت سماء |
|
تطلع أزهارها نجوما |
هفا نسيم الصّبا عليها |
|
فأرسلت فوقنا رجوما |
كأنما الجوّ غار لمّا |
|
بدت فأغرى بها النسيما |
وكان في زمان عطلته ، ووقت اصفراره وعلّته ، ومقاساته من العيش أنكده ، ومن التخوّف أجهده ، كثيرا ما ينشرح بجزيرة شقر ويستريح ، ويستطيب هبوب (٣) تلك الريح ، ويجول في أجارع واديها ، وينتقل من نواديها إلى بواديها ، فإنها صحيحة الهواء ، قليلة الأدواء ، خضلة العشب والأزاهر ، قد أحاط بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور ، والأيك قد نشرت ذوائبها على صفحيه ، والروض قد عطّر جوانبه بريحه ، وأبو إسحاق ابن خفاجة هو كان منزع نفسه ، ومصرع أنسه ، نفح له بالمنى عبق وشذا ، ومسح عن عيونه مسرّاته القذى ، وغدا على ما كان وراح ، وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح ، قريب عهد بالفطام ، ودهره ينقاد في خطام ، فلمّا اشتعل رأسه شيبا ، وزرّت عليه الكهولة جيبا ، أقصر عن تلك الهنات ، واستيقظ من تلك السّنات ، وشبّ عن ذلك الطّوق ، وأقصر عن الهوى والشوق ، وقنع بأدنى تحيّة ، وما يشعره في وصف تلك العهاد من أريحيّه ، فقال : [الطويل]
ألا خلّياني والأسى والقوافيا |
|
أردّدها شجوا وأجهش باكيا (٤) |
__________________
(١) في ب : «فلبسوا فيها الأشر ..».
(٢) في ب : «ونشروا فيها الأنس وطووه» وفي ه : «ونشروا فيها السرور وطووه».
(٣) كلمة «هبوب» ساقطة من ب.
(٤) في ب ، ج : «أرددها شجوي». والشجو : الحزن والهم. وأجهش باكيا : بكى بصوت عال.
أآمن شخصا للمسرّة باديا |
|
وأندب رسما للشبيبة باليا |
تولّى الصّبا إلّا توالي فكرة |
|
قدحت بها زندا وما زلت واريا |
وقد بان حلو العيش إلّا تعلّة |
|
تحدّثني عنها الأمانيّ خاليا |
ويا برد هذا الماء هل منك قطرة |
|
تهلّ فأستسقي غمامك صاديا (١) |
وهيهات حالت دون حزوى وأهلها |
|
ليال وأيام تحاكي اللياليا (٢) |
فقل في كبير عاده صائد الظبّا |
|
إليهنّ مهتاجا وقد كان ساليا (٣) |
فيا راكبا يستعمل الخطو قاصدا |
|
ألا عج بشقر رائحا أو مغاديا |
وقف حيث سال النهر ينساب أرقما |
|
وهبّ نسيم الأيك ينفث راقيا |
وقل لأثيلات هناك وأجرع |
|
سقيت أثيلات وحيّيت واديا |
انتهى ببعض اختصار.
وابن عائشة أشهر من أن يطال في أمره ، وليس الخبر كالعيان.
وقال أبو عمرو يزيد بن عبد الله بن أبي خالد اللخمي الإشبيلي الكاتب في فتح المهدية سنة ٦٠٢ : [الكامل]
كم غادر الشعراء من متردّم |
|
ذخرت عظائمه لخير معظّم (٤) |
تبعا لمذخور الفتوح فإنه |
|
جاءت له بخوارق لم تعلم |
من كلّ سامية المنال إذا انتمت |
|
رفعت إلى اليرموك صوت المنتمي |
وتوسّطت في النهروان بنسبة |
|
كرمت ففازت بالمحلّ الأكرم (٥) |
وقال ابن الأبار في «تحفة القادم» (٦) : هو صدر في نبهائها وأدبائها ، يعني إشبيلية ، وممّن
__________________
(١) في ب ، ه : «فيستسقي غمامك صاديا».
وصاديا : شديد العطش.
(٢) في ب : «وأيام تخال اللياليا».
(٣) ساليا : متسليا ، ناسيا.
(٤) صدر البيت هو صدر معلقة عنترة العبسي أخذه الشاعر ههنا كاملا.
(٥) في ه : «كرمت فغارت بالمحل الأكرم» تحريف.
(٦) انظر تحفة القادم ص ١٢٠.
له قدر في منجبيها ونجبائها ، وإلى سلفه ينسب المعقل المعروف «بحجر بن أبي خالد» ، وتوفي بها سنة ٦١٢ ، وأورد له قوله : [الطويل]
ويا للجواري المنشآت وحسنها |
|
طوائر بين الماء والجوّ عوّما (١) |
إذا نشرت في الجوّ أجنحة لها |
|
رأيت به روضا ونورا مكمّما |
وإن لم تهجه الريح جاء مصافحا |
|
فمدّت له كفّا خضيبا ومعصما |
مجاذف كالحيّات مدّت رؤوسها |
|
على وجل في الماء كي تروي الظّما |
كما أسرعت عدّا أنامل حاسب |
|
بقبض وبسط يسبق العين والفما |
هي الهدب في أجفان أكحل أوطف |
|
فهل صنعت من عندم أو بكت دما (٢) |
قال ابن الأبار : أجاد ما أراد في هذا الوصف ، وإن نظر إلى قول أبي عبد الله بن الحداد يصف أسطول المعتصم بن صمادح : [الخفيف]
هام صرف الردى بهام الأعادي |
|
أن سمت نحوهم لها أجياد |
وتراءت بشرعها كعيون |
|
دأبها مثل خائفيها سهاد |
ذات هدب من المجاذيف حاك |
|
هدب باك لدمعه إسعاد |
حمم فوقها من البيض نار |
|
كلّ من أرسلت عليه رماد |
ومن الخطّ في يدي كلّ درّ |
|
ألف خطّها على البحر صاد |
قال : وما أحسن قول شيخنا أبي الحسن بن حريق في هذا المعنى من قصيدة أنشدنيها: [الكامل]
وكأنما سكن الأراقم جوفها |
|
من عهد نوح خشية الطوفان |
فإذا رأين الماء يطفح نضنضت |
|
من كلّ خرق حيّة بلسان (٣) |
قال : ولم يسبقهم إلى الإحسان ، وإنما سبقهم بالزمان ، عليّ بن محمد الإيادي التونسي في قوله : [الكامل]
__________________
(١) الجواري المنشآت : السفن.
(٢) الأوطف : كثير شعر حاجبيه وأهدا به مع استرخاء وطول.
(٣) نضنضت الحية : تحركت وحركت لسانها.
شرعوا جوانبها مجاذف أتعبت |
|
شادي الرياح لها ولمّا تتعب |
تنصاع من كثب كما نفر القطا |
|
طورا وتجتمع اجتماع الرّبرب (١) |
والبحر يجمع بينها فكأنه |
|
ليل يقرّب عقربا من عقرب |
وكأنما البحر استعار بزيّهم |
|
ثوب الجمال من الربيع المعجب |
ومن هذه القصيدة الفريدة في ذكر الشراع :
ولها جناح يستعار يطيرها |
|
طوع الرياح وراحة المتطرّب |
يعلو بها حدب العباب مطاره |
|
في كلّ لجّ زاخر مغلولب (٢) |
يسمو بآخر في الهواء منصّب |
|
عريان منسرح الذؤابة شوذب |
يتنزّل الملّاح منه ذؤابة |
|
لو رام يركبها القطا لم يركب |
وكأنما رام استراقة مقعد |
|
للسّمع إلّا أنه لم يشهب (٣) |
وكأنما جنّ ابن داود هم |
|
ركبوا جوانبها بأعنف مركب |
سجروا جواهم بينها فتقاذفوا |
|
منها بألسن مارج متلهّب |
من كل مسجون الحريق إذا انبرى |
|
من سجنه انصلت انصلات الكوكب |
عريان يقدمه الدخان كأنه |
|
صبح يكرّ على ظلام غيهب |
ومن أولها :
أعجب بأسطول الإمام محمد |
|
وبحسنه وزمانه المستغرب |
لبست به الأمواج أحسن منظر |
|
يبدو لعين الناظر المتعجّب |
من كلّ مشرفة على ما قابلت |
|
إشراف صدر الأجدل المتنصب |
ومنها :
جوفاء تحمل موكبا في جوفها |
|
يوم الرهان وتستقلّ بموكب |
__________________
(١) الربرب : القطيع من البقر الوحشي.
(٢) في ب : «معلولب».
(٣) لم يشهب : أي لم يقذف بشهاب من نار ، وقد لحظ في هذا البيت قول الله تعالى في شأن الجن الذين يسترقون السمع (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ).
وهي طويلة من غرر القصائد ، وقد سرد جملة منها صاحب «المنهاج» وغيره ..
وقال أبو عمر القسطلي (١) : [الوافر]
وحال الموج بين بني سبيل |
|
يطير بهم إلى القول ابن ماء (٢) |
أغرّ له جناح من صباح |
|
يرفرف فوق جنح من سماء |
وأخذه أبو إسحاق بن خفاجة فقال (٣) : [الوافر]
وجارية ركبت بها ظلاما |
|
يطير من الصباح بها جناح |
إذا الماء اطمأنّ ورقّ خصرا |
|
علا من موجه ردف رداح |
وقد فغر الحمام هناك فاه |
|
وأتلع جيده الأجل المتاح |
ولا يخفاك حسن هذه العبارة الصقيلة المرآة ، فالله تعالى يرحم قائلها!
وقال ابن الأبار : وقد قلت أنا في ذلك : [البسيط]
يا حبذا من بنات الماء سابحة |
|
تطفو لما شبّ أهل النار تطفئه |
تطيرها الريح غربانا بأجنحة ال |
|
حمائم البيض للأشراك ترزؤه |
من كلّ أدهم لا يلفى به جرب |
|
فما لراكبه بالقار يهنؤه |
يدعى غرابا وللفتخاء سرعته |
|
وهو ابن ماء وللشاهين جؤجؤه (٤) |
واجتمع ابن أبي خالد وأبو الحسن بن الفضل الأديب عند أبي الحجاج بن مرطير الطبيب بحضرة مراكش ، وجرى ذكر قاضيها حينئذ أبي عمران موسى بن عمران بينهم ، وما كان عليه من القصور والبعد عمّا أتيح له (٥) ، وأوثر به ، فقال أبو الحجاج : [الرمل]
ليس فيه من أبي موسى شبه
__________________
(١) انظر ديوانه ص ٣٢٣.
(٢) في ب : «يطير بهم إلى الغول ابن ماء».
(٣) انظر ديوانه ص ١٣٨.
(٤) الفتخاء : العقاب اللينة الجناح.
والجؤجؤ : الصدر.
(٥) في ه : «عما أشح له» تحريف.
فقال أبو الحسن : فأبوه فضّة وهو شبه
فقال ابن أبي خالد :
كم دعاه إذ رآه عرّة |
|
وأباه إذ دعاه يا أبه (١) |
وقال أبو العباس الأعمى (٢) : [البسيط]
بهيمة لو جرى في الخيل أكبرها |
|
لغابت الريح في الأحجال والغرر (٣) |
تجري فللماء ساقا عائم درب |
|
وللرياح جناحا طائر حذر |
قد قسّمتها يد التقدير بينهما |
|
على السّواء فلم تسبح ولم تطر (٤) |
وقال عبد الجليل بن وهبون يصف الأسطول (٥) : [الكامل]
يا حسنها يوما شهدت زفافها |
|
بنت الغضاء إلى الخليج الأزرق (٦) |
ورقاء كانت أيكة فتصوّرت |
|
لك كيف شئت من الحمام الأورق |
حيث الغراب يجرّ شملة عجبه |
|
وكأنه من غرّة لم ينعق (٧) |
من كلّ لابسة الشباب ملاءة |
|
حسب اقتدار الصانع المتأنّق |
شهدت لها الأعيان أنّ شواهنا |
|
أسماؤها فتصحّفت في المنطق |
من كلّ ناشرة قوادم أجنح |
|
وعلى معاطفها وهادة سودق (٨) |
زأرت زئير الأسد وهي صوامت |
|
وزحفن زحف مواكب في مأزق |
__________________
(١) في ه : «كم رعاه إذ رآه غرة». والعرّة : ما يصيب الإنسان من الجنون. وللكلمة معان كثيرة يمكن قبولها في البيت منها : الجرب ، والزبل ، وذرق الطير ، والقذر ، والعقدة في العصا.
(٢) انظر ديوان الأعمى التطيلي ص ٥١.
(٣) في ب : «لفاتت الريح».
(٤) في الديوان «قد قسمتها يد التدبير».
(٥) انظر الذخيرة ج ٢ ص ٢٠٧.
(٦) في ب : «بنت الفضاء».
(٧) في ب : «من عزّة لم ينعق».
(٨) في ب : «وهادة سوذق».
ومجاذف تحكي أراقم ربوة |
|
نزلت لتكرع من غدير متأق (١) |
وقال ابن خفاجة (٢) : [مخلع البسيط]
سقيا لها من بطاح خزّ |
|
ودوح نهر بها مطلّ |
فما ترى غير وجه شمس |
|
أظلّ فيه عذار ظلّ (٣) |
وهو من بديع الشعر ، وكم لابن خفاجة من مثله.
وقال عبيد الله بن جعفر الإشبيلي ، وقد زار صاحبا له مرّات ولم يزره هو ، فكتب على بابه (٤) : [البسيط]
يا من يزار على بعد المحلّ ولا |
|
يزورنا مرّة من بين مرات |
زر من يزورك واحذر قول عاذلة |
|
تقول عنك : فتّى يؤتى ولا يأتي |
ومن مجونياته سامحه الله تعالى : [الوافر]
وأغيد ليس تعدوه الأماني |
|
ولو حكمت عليه باشتطاط |
سقيت الراح حتى مال سكرا |
|
ونام على النمارق والبساط |
وأسلم لي على طول التجنّي |
|
وأمكنني على فرط التعاطي |
فأولجت المقادر جيد بكر |
|
ولا كفران في سم الخياط |
وغناني بصوت من حاشاه |
|
فأطربني وبالغ في نشاطي |
فما نقر المثالث والمثاني |
|
بأطرب من تلاحين الضراط |
ولولا الريق لم أظفر بشيء |
|
على عدم اهتبالي واحتياطي |
فلا تسخر بريق بعد هذا |
|
فإنّ الريق مفتاح اللواط |
وقال أبو الحسن علي بن جحدر الزجال (٥) : [الخفيف]
__________________
(١) غدير متأق : ملآن.
(٢) ديوانه ص ١٤٠.
(٣) في ب ، ه : «أطلّ فيه عذار ظلّ».
(٤) انظر المغرب ج ١ ص ٢٦٢.
(٥) انظر المغرب ج ١ ص ٢٦٢.
كيف أصبحت أيهذا الحبيب؟ |
|
نحن مرضى الهوى وأنت الطبيب |
كلّ قلب إليك يهفو غراما |
|
وتجافى عليّ منك القلوب (١) |
إن تلح حوّمت عليك هياما |
|
أو تغب حنّها عليك الوجيب |
غير أني من بينهم مستريب |
|
حين تبدو وليس لي ما يريب |
كلّ ما قد ألقاه منك ومني |
|
دون هذا له تشقّ الجيوب |
وقال أحمد المعروف بالكساد ، في موسى الذي كان يتغزّل فيه شعراء إشبيلية (٢) : [الخفيف]
ما لموسى قد خرّ لله لمّا |
|
فاض نورا غشاه ضوء سناه (٣) |
وأنا قد صعقت من نور موسى |
|
لا أطيق الوقوف حين أراه |
ولله درّه في رثاء موسى المذكور إذا قال : [السريع]
فرّ إلى الجنّة حوريّها |
|
وارتفع الحسن من الأرض |
وأصبح العشّاق في مأتم |
|
بعضهم يبكي إلى بعض |
وقوله فيه : [الرمل]
هتف الناعي بشجو الأبد |
|
إذ نعى موسى بن عبد الصمد |
ما عليهم ويحهم لو دفنوا |
|
في فؤادي قطعة من كبدي |
ولقب بالكساد لقوله : [الوافر]
وبيع الشعر في سوق الكساد
وقال أبو القاسم بن أبي طالب الحضرمي المنيشي (٤) : [المنسرح]
صاغت يمين الرياح محكمة |
|
في نهر واضح الأسارير |
فكلّما ضاعفت به حلقا |
|
قام لها القطر بالمسامير |
وقال أبو زيد عبد الرحمن العثماني ، وهو من بيت إمارة (٥) : [الخفيف]
__________________
(١) في ب : «ويحها يا علي منك القلوب».
(٢) انظر المغرب ج ١ ص ٢٨٨.
(٣) خرّ : وقع على الأرض ساجدا.
(٤) انظر المغرب ج ١ ص ٢٨٩.
(٥) انظر القدح ج ١ ص ١٩٦.
لا تسلني عن حالتي فهي هذي |
|
مثل حالي لا كنت يا من يراني |
ملّني الأهل والأخلّاء لما |
|
أن جفاني بعد الوصال زماني |
فاعتبر بي ولا يغرّك دهر |
|
ليس منه ذو غبطة في أمان |
وقال أبو زكريا يحيى بن محمد الأركشي (١) : [البسيط]
لا حبذا المال والإفضال يتلفه |
|
والبخل يحميه والأقدار تعطيه |
وقال : [البسيط]
لا تبكينّ لإخوان تفارقهم |
|
فإنني قبلك استخبرت إخواني |
فما حمدتهم في حال قربهم |
|
فكيف في حال إبعاد وهجران |
وقال أبو عمران موسى الطرياني (٢) لما دخل يوم نيروز إلى بعض الأكابر ، وعادتهم أن يصنعوا في مثل هذا اليوم مدائن من العجين لها صور مستحسنة ، فنظر إلى صورة مدينة ، فأعجبته ، فقال له صاحب المجلس : صفها وخذها : [مجزوء الرجز]
مدينة مسوّره |
|
تحار فيها السّحره |
لم تبنها إلّا يدا |
|
عذراء أو مخدّره (٣) |
بدت عروسا تجتلى |
|
من درمك مزعفره |
وما لها مفاتح |
|
إلّا البنان العشره |
وقال أبو عمرو بن حكم (٤) : [السريع]
حاشا لمن أمّلكم أن يخيب |
|
وينثني نحو العدا مستريب |
هذا وكم أقرأني بشركم |
|
(نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) |
وقال أبو الحسن علي بن الجعدي القرموني (٥) : [الكامل]
إياك من زلل اللسان فإنه |
|
قدر الفتى من لفظه المسموع (٦) |
__________________
(١) في أ: «الأركشي». وهو خطأ.
وانظر ترجمة الأركشي في المغرب ١ / ٣١٦. وصلة الصلة ص ١٨٤.
(٢) انظر ترجمته في المغرب ج ١ ص ٢٩٤. والقدح ص ٢٠٢.
(٣) مخدّرة : أي في خدرها.
(٤) انظر ترجمته في المغرب ج ١ ص ٨٢٩٢.
(٥) انظر المغرب ج ١ ص ٣٠٠.
(٦) في ب ، ه : «قدر الفتى في لفظه المسموع».
فالمرء يختبر الإناء بنقره |
|
ليرى الصحيح به من المصدوع |
وقال الفقيه أبو الحسن علي بن لبّال في محبرة عناب محلاة بفضة (١) : [المنسرح]
منعلة بالهلال ملجمة |
|
بالنّسر مجدولة من الشّفق |
كأنما حبرها تميّع في |
|
فرضتها سائلا من الغسق (٢) |
فأنت مهما ترد تشبهها |
|
في كلّ حال فانظر إلى الأفق |
وقال في محبرة آبنوس : [الكامل]
وخديمة للعلم في أحشائها |
|
كلف بجمع حرامه وحلاله |
لبست رداء الليل ثم توشّحت |
|
بنجومه وتتوّجت بهلاله |
وقال أبو العباس أحمد بن شكيل الشّريشي (٣) : [المنسرح]
تفاحة بتّ بها ليلتي |
|
أبثّها سرّي والشكوى |
أضمّها معتنقا لاثما |
|
إذا ذكرت خدّ من أهوى |
وقال : [السريع]
تفاحة حامضة عضّها |
|
في ثمل من قطّب الوجها |
ولم أخل من قبلها محسنا |
|
يجزى عليه العضّ والنجها (٤) |
وقال أبو جعفر أحمد الشريشي : [الطويل]
على حسن نور الباقلاء أدرهما |
|
على الصّبّ كأسي خمرة وجفون (٥) |
يذكّرني بلق الحمام وتارة |
|
يؤكّد للأشجان شهل عيون |
وقال أبو عمرو بن غياث (٦) : [الطويل]
وقالوا مشيب قلت وا عجبا لكم |
|
أينكر صبح قد تخلّل غيهبا (٧) |
__________________
(١) انظر المغرب ج ١ ص ٣٠٣.
(٢) الفسق : ظلمة أول الليل.
(٣) انظر المغرب ج ١ ص ٣٠٤.
(٤) نهجه : ردّه عن حاجته أقبح ردّ.
والنجه : مصدر نجه.
(٥) في ب : «على صبّ كأسي ..».
(٦) انظر المغرب ١ / ٣٠٥ والوافي ٤ / ١٠.
(٧) الغيهب : الظلمة.
وليس مشيبا ما ترون وإنما |
|
كميت الصّبا لمّا جرى عاد أشهبا |
وقال الوزير أبو بكر محمد ابن ذي الوزارتين أبي مروان عبد الملك بن عبد العزيز يخاطب ابن عبدون (١) : [البسيط]
في ذمّة الفضل والعلياء مرتحل |
|
فارقت صبري إذ فارقت موضعه |
ضاءت به برهة أرجاء قرطبة |
|
ثم استقلّ فسدّ البين مطلعه |
عذرا إلى المجد عني حين فارقني |
|
ذاك الجلال فأعيا أن أشيّعه (٢) |
قد كنت أصحبته قلبي وأقعدني |
|
ما كان أودعني عن أن أودعه |
وفيهم يقول ابن عبدون : [الوافر]
بحور بلاغة ونجوم عزّ |
|
وأطواد رواس من جلال (٣) |
وقال الوزير الكاتب أبو القاسم بن أبي بكر بن عبد العزيز : [الوافر]
نديمي لا عدمتك من نديم |
|
أدرها في دجى الليل البهيم |
فخير الأنس أنس تحت ستر |
|
يصان عن السفيه أو الحليم |
وقال الثائر أبو عبد الله الجزيري : (٤) : [المجتث]
في أمّ رأسي سرّ |
|
يبدو لكم بعد حين |
لأبلغنّ مرادي |
|
إن كان سعدي معيني |
أو لا فأكتب ممّن |
|
سعى لإظهار دين |
وسبب قوله هذا أنّ بني عبد المؤمن لمّا غيّروا رسم مهديهم ، وصيّروا الخلافة ملكا ، وتوسّعوا في الرفاهية ، وأهملوا حقّ الرعيّة ، جعل يتستّر ، وقال هذه الأبيات ، وشاع سرّه في مدة ناصر بني عبد المؤمن ، فطلبه ، ففرّ ، ولم يزل يتنقّل مستخفيا مع أصحابه إلى أن حصل في حصن قولية من عمل مدينة بسطة ، فبينما هو ذات يوم في جامعها مع أصحابه وهم يأكلون بطيخا ويرمون قشره في صحن الجامع ، إذ أنكر ذلك رجل من العامّة ، وقال لهم : ما تتّقون
__________________
(١) انظر المغرب ج ١ ص ٣٠٧.
(٢) شيّعه : ودّعه.
(٣) الأطواد : جمع طود وهو الجبل.
ورواس : جمع رأس ، اسم فاعل من رسى يرسو ، أي ثبت.
(٤) انظر المغرب ج ١ ص ٣٢٣.
الله تعالى؟! تتهاونون ببيت من بيوته؟ فضحكوا منه ، واستهزءوا به ، وأهل تلك الجهة لا تحتمل شيئا من ذلك ، فصاح بفتية من العامة ، فاجتمع جمع وحملوا إلى الوالي فكان عند الوالي من عرفه ، فقتلوا جميعا ، وأمر الناصر أن يرفع عن جميع أرض قولية جميع تكاليف السلطان.
ولمّا عتب المنصور بن أبي عامر على الكاتب عبد الملك الجزيري ، وسجنه في الزاهرة ، ثم صفح عنه ، قال وكتب به إليه (١) : [السريع]
عجبت من عفو أبي عامر |
|
لا بدّ أن تتبعه منّه |
كذلك الله إذا ما عفا |
|
عن عبده أدخله الجنّه |
فاستحسن ذلك ، وأعاده إلى حاله.
وقال على لسان بهار العامرية ، وهو النرجس : [الكامل]
حدق الحسان تقرّ لي وتغار |
|
وتضلّ في وصفي النّهى وتحار |
طلعت على قضبي عيون تمائمي |
|
مثل العيون تحفّها الأشفار |
وأخصّ شيء بي إذا شبّهته |
|
درّ تمنطق سلكه دينار |
أنا نرجس ، حقّا بهرت عقولهم |
|
ببديع تركيبي فقيل بهار |
وقال في بنفسجها : [الكامل]
شهدت لنوّار البنفسج ألسن |
|
من لونه الأحوى ومن إيناعه (٢) |
بمشابه الشّعر الأحمّ أعاره ال |
|
قمر المنير الطّلق نور شعاعه (٣) |
ولربما جمد النجيع من الطّلى |
|
في صارم المنصور يوم قراعه (٤) |
فحكاه غير مخالف في لونه |
|
لا في روائحه وطيب طباعه |
وقال في القمر حين جعل (٥) يختفي بالسحاب ويبدو أمام المنصور : [الوافر]
__________________
(١) انظر المغرب ج ١ ص ٣٢١.
(٢) في ه : «من لونه الأحوى ومن أتباعه» محرف.
والأحوى : الأسود. ويراد به الشديد الخضرة.
(٣) الشعر الأحم : الأسود.
(٤) النجيع : الدم.
(٥) كلمة : «جعل» ثابتة في أ، ج فقط ، وقد أثبتناها لأن المعنى يقتضيها.
أرى بدر السماء يلوح حينا |
|
فيظهر ثم يلتحف السّحابا |
وذلك أنه لمّا تبدّى |
|
وأبصر وجهك استحيا وغابا |
وقال الحجاري في «المسهب» (١) : سألت أبا الحسن علي بن حفص الجزيري (٢) أن ينشدني شيئا من شعره ، فقال : يا أبا محمد ، إذا لم ينظم الإنسان مثل قول شرف (٣) : [البسيط]
لم يبق للجور في أيامكم أثر |
|
إلّا الذي في عيون الغيد من حور |
فالأولى له أن يترك نظم الشعر ، إلى أن خرجت معه يوما إلى سيف الجزيرة الخضراء ، فلقي غلاما قد كدر رونق حسنه السفر ، وأثّر في وجهه كآثار الكلف في القمر ، فصافحه ، ثم قال : [الكامل]
بأبي الذي صافحته فتورّدت |
|
وجناته وأناء نحوي قدّه |
قمر بدا كلف السّرى في خدّه |
|
لمّا توالى في الترحل جهده |
لكن معالم حسنه تمّت كما |
|
قد تمّ في صدإ الحسام فرنده (٤) |
فحفظتها من سمعه ، ثم قلت له : قد أخذت عنك من نظمك ، بغير شكرك ، فضحك وقال : فاحفظ هذا ، وأنشد : [مجزوء الرمل]
لا تقولنّ فلان |
|
صاحب قبل اختبار |
وانتظر ويحك نقد اللي |
|
ل فيه والنهار |
أنا جرّبت فلم أل |
|
ف صديقا باختياري (٥) |
وأنشد : [الكامل]
كم قد بكرت إلى الرياض وقضبها |
|
قد ذكّرتني موقف العشّاق |
يا حسنها والريح يلحف بعضها |
|
بعضا كأعناق إلى أعناق |
والورد خدّ والأقاحي مبسم |
|
وغدا البهار ينوب عن أحداق |
__________________
(١) انظر المغرب ج ١ ص ٣٢٥.
(٢) في ب : «ابن شرف».
(٣) في ب ، ه : «قد تم عن صداء الحسام».
والفرند : ما يرى في السيف من تموجات الضوء.
(٤) في ه : «أنا قد جربت فلم ألف» ولا يستقيم بذكر «قد» وزن البيت.
(٥) انظر المغرب ج ١ ص ٣٢٦.
لم أنفصل عنها بكأس مدامة |
|
حتى حملت محاسن الأخلاق |
ولمّا كتب أبو الحسن بن سعيد إلى الأديب القائد أبي العباس أحمد بن بلال يستدعيه ليوم أنس بقوله : [الوافر]
أبا العباس ، لو أبصرت حولي |
|
ندامى بادروا العيش الهنيّا |
يبيحون المدام ولا انتقاد |
|
وقارهم ويزدادون غيّا |
وهم مع ما بدا لك من عفاف |
|
يحبّون الصبيّة والصبيّا |
ويهوون المثالث والمثاني |
|
وشرب الراح صبحا أو عشيّا |
على الروض الذي يهدي لطرف |
|
وأنف منظرا بهجا وريّا |
فلا تلم السّريّ على ارتياح |
|
حكى طربا بجانبه سريّا |
وبادر نحو ناد ما خلا من |
|
نداك فقد عهدتك لوذعيّا (١) |
أجابه بقوله : [الوافر]
أبيت سوى المعالي يا عليّا |
|
فما تنفك دهرك أريحيّا |
تميل إذا النسيم سرى كغصن |
|
وتسري للمكارم مشرفيّا (٢) |
وترتاح ارتياحا بالمثاني |
|
وتفتض الصبيّة والصبيّا (٣) |
وتهوى الروض قلّده نداه |
|
وألبسه مع الحلل الحليّا |
وإن غنّى الحمام فلا اصطبار |
|
وإن خفق الخليج فنيت حيّا |
تذكّرني الشباب فلست أدري |
|
أصبحا حين تذكر أم عشيّا |
فلو أدركتني والغصن غضّ |
|
لأدركت الذي تهوى لديّا |
ولم أترك وحقّك قدر لحظ |
|
وقد ناديتني ذاك النّديّا |
وقال بعض أهل الأندلس : [الوافر]
وفرع كان يوعدني بأسر |
|
وكان القلب ليس له قرار |
فنادى وجهه لا خوف فاسكن |
|
«كلام الليل يمحوه النهار» |
__________________
(١) لوذعيا : ذكيا.
(٢) المشرفي : السيف المصنوع في المشارف.
(٣) في ب ، ه : «وتقتنص الصبية والصبيّا».
ولست على يقين أنّ قائلهما أندلسي ، غير أني رأيت في كلام بعض الأفاضل نسبتهما لأهل الأندلس ، والله تعالى أعلم.
وقال أبو الوليد القسطلي (١) : [الوافر]
وفوق الدوحة الغنّا غدير |
|
تلألأ صفحة وسجا قرارا (٢) |
إذا ما انصبّ أزرق مستقيما |
|
تدوّر في البحيرة فاستدارا |
يجرّده فم الأنبوب صلتا |
|
حساما ثم يفلته سوارا |
ولأبي كثير الطريفي (٣) يمدح الناصر بن المنصور : [الطويل]
فتوح لها يهتزّ شرق ومغرب |
|
كما اطّردت في السمهرية أكعب |
تجلّت على الدنيا شموس منيرة |
|
فلم يبق في ليل الكآبة غيهب (٤) |
أقام بها الإسلام شدو مغرّد |
|
وظلت بأرض الشرك بالخطب تخطب |
فلا سمع إلّا وهو قد مال نحوها |
|
ولا قلب إلّا في مناها يقلّب |
وقال أبو عامر بن الجد (٥) : [البسيط]
لله ليلة مشتاق ظفرت بها |
|
قطعتها بوصال اللّثم والقبل |
نعمت فيها بأوتار تعلّلني |
|
أحلى من المنّ أو أمنيّة الغزل |
أحبب إليّ بها إذ كلّها سحر |
|
أراحت الصّبّ من عذر ومن عذل |
وقال الكاتب أبو عبد الله محمد الشلبي (٦) ، كاتب ملك إفريقية عبد الواحد بن أبي حفص: [السريع]
مدّ إلي الكاس من لحظه |
|
لا يحوج الشّرب إلى الكاس |
__________________
(١) انظر المغرب ج ١ ص ٣٢٨. وزاد المسافر ص ١٥ ـ ١٩.
(٢) سجا : سكن.
(٣) في ه : «لأبي كثير الطريقي». وهو خطأ ، والطريقي نسبة إلى جزيرة طريف ، انظر المغرب ج ١ ص ٣١٩.
(٤) الغيهب : الظلمة.
(٥) انظر بغية الوعاة ص ٢٧٥. والمغرب ج ١ ص ٣٤٢.
(٦) في ج : «الشبلي» خطأ.
ومنذ حيّاني بآس فلم |
|
أيأس ولكن كان لي آسي (١) |
وقال لو لا الناس قبلته |
|
ما أشأم الناس على الناس |
وقال أبو بكر محمد بن الملح (٢) ، وهو من رجال الذخيرة ، على لسان حال سوار مذهب : [البسيط]
أنا من الفضّة البيضاء خالصة |
|
لكن دهتني خطوب غيّرت جسدي |
علّقت غصنا على أحوى فأحسدني |
|
جري الوشاح وهذي صفرة الجسد (٣) |
وما أحسن قوله من قصيدة في المعتضد والد المعتمد : [المنسرح]
غرّته الشمس والحيا يده |
|
بينهما للنجيع قوس قزح |
وأمّا ابنه أبو القاسم (٤) فهو من رجال «المسهب» وكان اشتغل أوّل أمره بالزهد ، وكتب التصوّف ، فقال له أبوه : يا بنيّ ، هذا الأمر ينبغي أن يكون آخر العمر ، وأمّا الآن فينبغي أن تعاشر الأدباء والظرفاء ، وتأخذ نفسك بقول الشعر ، ومطالعة كتب الأدب ، فلمّا عاشرهم زيّنوا له الراح ، فتهتك في الخلاعة ، وفرّ إلى إشبيلية ، وتزوّج بامرأة لا تليق بحاله ، وصار يضرب معها بالدف ، فكتب إليه أبوه : [مخلع البسيط]
يا سخنة العين يا بنيّا |
|
ليتك ما كنت لي بنيّا |
أبكيت عيني ، أطلت حزني |
|
أمتّ ذكري وكان حيّا |
حططت قدري وكان أعلى |
|
في كلّ حال من الثّريّا |
أما كفاك الزّنى ارتكابا |
|
وشرب مشمولة الحميّا (٥) |
حتى ضربت الدفوف جهرا |
|
وقلت للشّرّ جيء إليّا |
فاليوم أبكيك ملء عيني |
|
إن كان يغني البكاء شيّا |
فأجاب أباه بقوله : [مخلع البسيط]
__________________
(١) في ه : «شمت حياتي بآس» محرفا.
والآسي : الطبيب.
(٢) في أ: «محمد بن المليح» خطأ. وانظر المغرب ج ١ ص ٣٨٣. والقلائد ص ١٨٧.
والذخيرة ج ٢ ص ١٨٢.
(٣) في ب : «صفرة الحسد».
(٤) انظر المغرب ج ١ ص ٣٨٤.
(٥) الحميا : الخمر.
يا لائم الصّبّ في التصابي |
|
ما عندك يغني البكاء شيّا (١) |
أو جفت خيل العتاب نحوي |
|
وقبل أو ثبتها إليّا (٢) |
وقلت هذا قصير عمر |
|
فاربح من الدهر ما تهيّا |
قد كنت أرجو المتاب ممّا |
|
فتنت جهلا به وغيّا |
لو لا ثلاث شيوخ سوء |
|
أنت وإبليس والحميّا |
وقال أبو بكر محمد بن عبد القادر الشّلبي (٣) يستدعي : [الطويل]
فديتك باكر نحو قبّة روضة |
|
تسيح بها الأمواه والطير تهتف (٤) |
وقد طلعت شمس الدنان بأفقها |
|
ونحن لديها في انتظارك وقّف |
فلا تتخلّف ساعة عن محلة |
|
صدودك عمّن حلّ فيها تخلّف |
وقال أخو إمام نحاة الأندلس أبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي ، وهو أبو الحسن علي بن السيد : [الكامل]
يا ربّ ليل قد هتكت حجابه |
|
بزجاجة وقّادة كالكوكب |
يسعى بها ساق أغنّ كأنها |
|
من خدّه ورضاب فيه الأشنب (٥) |
بدران بدر قد أمنت غروبه |
|
يسعى ببدر جانح للمغرب |
فإذا نعمت برشف بدر طالع |
|
فانعم ببدر آخر لم يغرب |
حتى ترى زهر النجوم كأنها |
|
حول المجرّة ربرب في مشرب (٦) |
والليل منحفز يطير غرابه |
|
والصبح يطرده بباز أشهب (٧) |
ولمّا مدح أبو بكر محمد بن الروح الشّلبي الأمير إبراهيم الذي خطب به الفتح في القلائد ، وهو ابن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، وكان يدلّ عليه وينادمه ، بقصيدته التي أوّلها : [الطويل]
__________________
(١) التصابي : الميل إلى الصبا والجهل.
(٢) أوجف الخيل : حثها وجعلها تعدو عدوا سريعا.
(٣) في ج : «الشبلي».
(٤) الأمواه : الماء.
(٥) الأشنب : الأبيض الأسنان الرقيقها.
(٦) الربرب : القطيع من البقر الوحشي.
(٧) الباز الأشهب : الصقر خالط بياضه سواد.