الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠
ملئت مسكا وعنبرا ، إن تنسّمتها فأرجة ، أو توسّمتها فبهجة : [البسيط]
فالأرض في بزّة من يانع الزّهر |
|
تزري إذا قستها بالوشي والحبر (١) |
قد أحكمتها أكفّ المزن واكفة |
|
وطرّزتها بما تهمي من الدّرر |
تبرّجت فسبت منّا العيون هوى |
|
وفتنة بعد طول السّتر والخفر |
فأوجد لي سبيلا إلى إعمال بصري فيها ، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها ، والفصل على أن يكمل أوانه ، ويتصرّم وقته وزمانه فلا تخلني من بعض التشفي منه ، لأصدر نفسي متيقّظة عنه ، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد ، ومن سعى في جلائها فهو الرشيد السديد.
ومن شعره يصف وردا بعث به إلى أبيه (٢) : [الكامل]
يا من تأزّر بالمكارم وارتدى |
|
بالمجد والفضل الرفيع الفائق |
انظر إلى خدّ الربيع مركّبا |
|
في وجه هذا المهرجان الرائق |
ورد تقدّم إذ تأخّر واغتدى |
|
في الحسن والإحسان أول سابق |
وافاك مشتملا بثوب حيائه |
|
خجلا لأن حيّاك آخر لاحق |
وله : [الطويل]
أتى الباقلاء الباقل اللون لابسا |
|
برود سماء من سحائبها غذي |
ترى نوره يلتاح في ورقاته |
|
كبلق جياد في جلال زمرّذ (٣) |
وقال : [المتقارب]
إذا ما أدرت كؤوس الهوى |
|
ففي شربها لست بالمرقل (٤) |
مدام تعتّق بالناظرين |
|
وتلك تعتّق بالأرجل |
وكان وهو ابن سبع عشرة سنة ينظم النظم الفائق ، وينثر النثر الرائق ، وأبو جعفر بن الأبّار هو الذي صقل مرآته ، وأقام قناته ، وأطلعه شهابا ثاقبا ، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا لاحبا (٥) ، وله كتاب سماه ب «البديع ، في فصل الربيع» جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصّة ،
__________________
(١) تزري : تغيب ، وتتهاون. والحبر : جمع حبرة ، وهي ثوب من الكتان أو القطن مخطط.
(٢) انظر الذخيرة ج ٢ ص ٥٠.
(٣) النّور : الزهر الأبيض. والزمرذ : الزمرد : حجر كريم شديد الخضرة.
(٤) أرقل : أشرع في سيره. والمرقل اسم فاعل من أرقل.
(٥) الطريق اللاحب : الطريق الواضح.
أعرب فيه عن أدب غزير ، وحظّ من الحفظ موفور ، وتوفي وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، واستوزره داهية الفتنة ، ورحى المحنة ، قاضي إشبيلية عبّاد (١) جدّ المعتمد ، ولم يزل يصغي إلى مقاله ، ويرضى بفعاله ، وهو ما جاوز العشرين إذ ذاك ، وأكثر نظمه ونثره في الأزاهر ، وذلك يدلّ على رقّة نفسه ، رحمه الله تعالى!
وقال الوزير الكاتب أبو الحسن علي بن حصن ، وزير المعتضد بن عباد : [المجتث]
عليّ أن أتذلّل |
|
له وأن يتدلّل |
خدّ كأنّ الثّريّا |
|
عليه قرط مسلسل |
وقال : [مخلع البسيط]
طلّ على خدّه العذار |
|
فافتضح الآس والبهار |
وابيضّ ذا واسودّ هذا |
|
فاجتمع الليل والنهار |
وقال الوزير أبو الوليد بن طريف في المعتمد بعد خلعه : [السريع]
يا آل عباد ألا عطفة |
|
فالدهر من بعدكم مظلم |
من الذي يرجى لنيل العلا |
|
ومن إليه يفد المعدم (٢) |
ما أنكر الدهر سوى أنه |
|
بجودكم في فعله يزعم (٣) |
وله : [السريع]
من حلقت لحية جار له |
|
فليسكب الماء على لحيته |
وقد أجرينا في هذا الكتاب ذكر جملة من أخبار المعتمد بن عباد ونظمه في أماكن متعدّدة فلتراجع.
ومن نظمه (٤) : [البسيط]
ثلاثة منعتها عن زيارتها |
|
خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق (٥) |
__________________
(١) في ه : «ابن عباد جد المعتمد».
(٢) المعدم : الفقير.
(٣) في ب : «بجودكم في فعله يرغم». وفي ه «بجوركم في فعله يرغم».
(٤) في ه : «ومن نظم المعتمد رحمه الله قوله». وانظر ديوانه ص ٢٢.
(٥) الحنق : الشديد الغضب. وفي ب : «عن زيارتنا».
ضوء الجبين ، ووسواس الحليّ ، وما |
|
تحوي معاطفها من عنبر عبق |
هب الجبين بفضل الكمّ تستره |
|
والحلي تنزعه ، ما حيلة العرق |
وقال : [المنسرح]
يوم يقول الرسول قد أذنت |
|
فأت على غير رقبة ولج |
أقبلت أهوي إلى رحالهم |
|
أهدى إليها بريحها الأرج |
وقال : ويستدلّ على الملوكية بالطيب في المواطن التي يكون الناس فيها غير معروفين كالحمام ومعارك الحرب ومواسم الحجّ.
رجع إلى ما كنّا فيه :
وقال أبو العباس أحمد الخزرجي القرطبي : [الوافر]
وفي الوجنات ما في الروض لكن |
|
لرونق زهرها معنى عجيب |
وأعجب ما التعجّب منه أنّي |
|
أرى البستان يحمله قضيب |
وقال الوزير أبو سليمان (١) بن أبي أمية يخاطب رئيسا قد بلغه عن بعض أصحابه كلام فيه غضّ منه (٢) : [مجزوء الكامل]
هوّن عليك كلامه |
|
واسمح له فيمن سمح |
ما ذا يسوؤك إن هجا |
|
ما ذا يسرّك إن مدح |
أو ما علمت بلى جهل |
|
ت بأنه غلّ طفح (٣) |
وخفيّ حقد كامن |
|
دأبوا له حتى اتّضح |
هذا بمستنّ الوقا |
|
ر فكيف لو دار القدح |
فاشكر عوارف ذي الجلا |
|
ل بما وقى وبما منح |
وقال أبو علي عمر بن أبي خالد يخاطب أبا الحسن علي بن الفضل : [الوافر]
أبا حسن وما قدمت عهود |
|
لنا بين المنارة والجزيره |
أتذكر أنسنا والليل داج |
|
بخمر في زجاجتها منيره (٤) |
__________________
(١) في ب : «وقال الوزير أبو أيوب سليمان ..».
(٢) غض منه : انتقص من شأنه.
(٣) الغلّ : الحقد.
(٤) داج : مظلم.
إذا الملّاح ضلّ رنا إليها |
|
فأبصر في مناحيه مسيره |
وقال الكاتب عبد الله المهيريس (١) ، وكان حلو النادرة ، لما شرب عند الوزير أبي العلاء ابن جامع وقد نظر إلى فاختة فأعجبه حسنها ولحنها : [الوافر]
ألا خذها إليك أبا العلاء |
|
حلى الأمداح ترفل في الثناء |
وهبها قينة تجلى عروسا |
|
خضيب الكفّ قانية الرّداء |
لأجعلها محلّ جليس أنسي |
|
وأغنى بالهديل عن الغناء |
وحكي أنه ناوله ليمونة وأمره بالقول فيها فقال : [الكامل]
أهدى إليّ بروضة ليمونة |
|
وأشار بالتشبيه فعل السيد |
فصمتّ حينا ثم قلت : كجلجل |
|
من فضّة تعلوه صفرة عسجد |
وقال الكاتب أبو بكر بن البناء يرثي أحد بني عبد المؤمن ، وقد عزل من بلنسية وولي إشبيلية فمات بها : [الطويل]
كأنك من جنس الكواكب كنت لم |
|
تفارق طلوعا حالها وتواريا |
تجلّيت من شرق تروق تلألؤا |
|
فلما انتحيت الغرب أصبحت هاويا |
وكان محمد بن مروان بن زهر ـ كما في المغرب والمسهب والمطرب ، وقد قدّمنا بعض أخباره ـ منشأ الدولة العبّادية وأوّل من تثنى عليه الخناصر ، وتستحسنه البواصر ، فضاقت الدولة العبادية عن مكانه ، وأخرج عن بلده ، فاستصفيت أمواله ، فلحق بشرق الأندلس ، وأقام فيه بقيّة عمره ، ونشأ ابنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن محمد ، فما بلغ أشدّه ، حتى سدّ مسدّه ، ومال إلى التفنّن في أنواع التعليم (٢) من الطبّ وغيره ، ورحل إلى المشرق لأداء الفرض ، فملأ البلاد جلالة ، ونشأ ابنه أبو العلاء زهر بن عبد الملك ، فاخترع فضلا لم يكن في الحساب ، وشرع نبلا قصرت عنه نتائج أولى الألباب ، ونشأ بشرق الأندلس والآفاق تتهادى عجائبه ، والشام والعراق تتدارس بدائعه وغرائبه ، ومال إلى علم الأبدان فلو لا جلالة قدره ، لقلنا جاذب هاروت طرفا من سحره ، ولو لا أنّ الغلوّ آفة المديح ، لما اكتفى فيه بالكناية عن التصريح (٣) ، ولم يزل مقيما بشرق الأندلس إلى أن كان من غزاة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ومن
__________________
(١) انظر القدح ص ١٩٨.
(٢) انظر المغرب ج ١ ص ٢٤٩. والقدح ص ١١٩.
(٣) في ب ، ه : «ولو لا أن الغلوّ آفة المديح لتجاوزت طلق الجموح ولكنني اكتفيت بالكناية عن التصريح».
انضمّ إليه من ملوك الطوائف ما علم ، وشخص أبو العلاء معهم ، فلقيه المعتمد بن عباد ، واستماله واستهواه ، وكاد يغلب على هواه ، وصرف (١) عليه أملاكه فحنّ إلى وطنه ، حنين النّيب إلى عطنه (٢) ، والكريم إلى سكنه ، ونزع إلى مقرّ سلفه ، نزوع الكوكب إلى بيت شرفه ، إلّا أنه لم يستقرّ بإشبيلية إلّا بعد خلع المعتمد ، وحلّ عند يوسف بن تاشفين محلّا لم يحلّه الماء من العطشان ، ولا الروح من جسد الجبان ، ولما كتب إليه حسام الدولة بن رزين مالك السهلة بقوله :[الكامل]
عاد اللئيم فأنت من أعدائه |
|
ودع الحسود بغلّه وبذائه (٣) |
لا كان إلّا من غدت أعداؤه |
|
مشغولة أفواههم بجفائه |
أأبا العلاء لئن حسدت لطالما |
|
حسد الكريم بجوده ووفائه |
فخر العلاء فكنت من آبائه |
|
وزها السناء فكنت من أبنائه |
كن كيف شئت مشاهدا أو غائبا |
|
لا كان قلب لست في سودائه (٤) |
أجابه بقوله : [الكامل]
يا صارما حسم العدا بمضائه |
|
وتعبّد الأحرار حسن وفائه (٥) |
ما أثّر العضب الحسام بذاته |
|
إلّا بأن سمّيت من أسمائه |
وكلّفه الحسام المذكور القول في غلام قائم على رأسه ، وقد عذّر ، فقال : [الخفيف]
محيت آية النهار فأضحى |
|
بدر تمّ وكان شمس نهار |
كان يعشي العيون نارا إلى أن |
|
أشغل الله خدّه بالعذار |
وقال : [المتقارب]
عذار ألمّ فأبدى لنا |
|
بدائع كنّا لها في عمى |
ولو لم يجنّ النهار الظلا |
|
م لم يستبن كوكب في السّما |
وقال : [البسيط]
__________________
(١) في ج : «وتصرف».
(٢) النيب : جمع ناب ، وهي الناقة المسنّة. والعطن : مبرك الإبل.
(٣) البذاء : فحش اللسان.
(٤) سوداء القلب : مهجته ، حبّته.
(٥) تعبد الأحرار : جعلهم عبيدا.
يا راشقي بسهام ما لها غرض |
|
إلّا الفؤاد وما منه له عوض |
وممرضي بجفون لحظها غنج |
|
صحّت وفي طبعها التمريض والمرض |
امنن ولو بخيال منك يؤنسني |
|
فقد يسدّ مسدّ الجوهر العرض |
وهذا معنى في غاية الحسن.
وكان بينه وبين الإمام أبي بكر بن باجة ـ بسبب المشاركة ـ ما يكون بين النار والماء ، والأرض والسماء ، ولما قال فيه ابن باجة : [مخلع البسيط]
يا ملك الموت وابن زهر |
|
جاوزتما الحدّ والنهايه |
ترفّقا بالورى قليلا |
|
في واحد منكما الكفايه |
قال أبو العلاء : [السريع]
لا بد للزنديق أن يصلبا |
|
شاء الذي يعضده أو أبى (١) |
قد مهّد الجذع له نفسه |
|
وسدّد الرمح إليه الشّبا |
والذي يعضده مالك بن وهيب جليس أمير المسلمين وعالمه.
وأمّا حفيده أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر فهو وزير إشبيلية وعظيمها وطبيبها وكريمها ، ومن شعره : [الطويل]
رمت كبدي أخت السماء فأقصدت |
|
ألا بأبي رام يصيب ولا يخطي (٢) |
قريبة ما بين الخلاخيل إن مشت |
|
بعيدة ما بين القلادة والقرط |
نعمت بها حتى أتيحت لنا النوى |
|
كذا شيم الأيام تأخذ ما تعطي |
وتوفي سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، وأمر أن يكتب على قبره : [المتقارب]
تأمّل بفضلك يا واقفا |
|
ولا حظ مكانا دفعنا إليه |
تراب الضريح على صفحتي |
|
كأني لم أمش يوما عليه |
أداوي الأنام حذار المنون |
|
فها أنا قد صرت رهنا لديه |
رحمه الله تعالى ، وعفا عنه!
وفي هذه الأبيات إشارة إلى طبّه ومعالجته للناس ، رحمه الله تعالى! وقد ذكرت بعض أخباره في غير هذا الموضع.
__________________
(١) يعضده : يعينه.
(٢) أقصد السهم : أصاب.
وقال أبو الوليد بن حزم : [البسيط]
مرآك مرآك لا شمس ولا قمر |
|
وورد خدّيك لا ورد ولا زهر |
في ذمة الله قلب أنت ساكنه |
|
إن بنت بان فلا عين ولا أثر (١) |
وقال : [الكامل]
لله أيام على وادي القرى |
|
سلفت لنا والدهر ذو ألوان |
إذ نجتني في ظلّه ثمر المنى |
|
والطير ساجعة على الأغصان |
والشمس تنظر من محاجر أرمد |
|
والطّلّ يركض في النسيم الواني |
فلثمت فاه والتزمت عناقه |
|
ويد الوصال على قفا الهجران |
وقال ابن عبد ربه : [البسيط]
يا قابض الكفّ لا زالت مقبّضة |
|
فما أناملها للناس أرزاق |
وغب إذا شئت حتى لا ترى أبدا |
|
فما لفقدك في الأحشاء إقلاق |
وقال في المدح : [الطويل]
وما خلقت كفّاك إلّا لأربع |
|
عقائل لم تخلق لهنّ يدان |
لتقبيل أفواه ، وإعطاء نائل |
|
وتقليب هنديّ ، وحبس عنان |
وقال الكاتب أبو عبد الله بن مصادق (٢) الرّندي الأصل : [الرمل]
صارمته إذ رأت عارضه |
|
عاد من بعد الشباب أشيبا |
قلت ما ضرّك شيب فلقد |
|
بقيت فيه فكاهات الصّبا |
هو كالعنبر غال نفحه |
|
وشذاه أخضرا أو أشهبا |
وقال : [البسيط]
ووردة وردت في غير موقتها |
|
والسّحب قد هملت أجفانها هطلا |
وإنما الروض لمّا لم يفد ثمرا |
|
يقريكه انفتحت في خدّه خجلا |
وله : [البسيط]
لم أحتفل لقدوم العيد من زمن |
|
قد كان يبهجني إذ كنت في وطني |
__________________
(١) بان : بعد.
(٢) في ه : «ابن مصادف».
لم ألق أهلي ولا إلفي ولا ولدي |
|
فليت شعري سروري واقع بمن |
وقال : [السريع]
يقول لي العاذل تب عن هوى |
|
من ليس يدنيك إلى مطلب |
وكيف لي والدين دين الهوى |
|
فلا أرى أرجح من مذهبي |
أليس باب التّوب قد سدّه |
|
طلوعه شمسا من المغرب |
وله : [الكامل]
امنع كرائمك الخروج ولا |
|
تظهر لذلك وجه منبسط |
لا تعتبر منهنّ مسخطة |
|
نيل الرضا في ذلك السخط (١) |
أو لسن مثل الدّرّ في شبه |
|
والدّرّ من صدف إلى سفط (٢) |
وقال المعتمد بن عباد : [مخلع البسيط]
تمّ له الحسن بالعذار |
|
واختلط الليل بالنهار |
أخضر في أبيض تبدّى |
|
فذاك آسي وذا بهاري |
فقد حوى مجلسي تماما |
|
إن يك من ريقه عقاري |
وقال ابن فرج الجيّاني رحمه الله تعالى : [الوافر]
وطائعة الوصال صدرت عنها |
|
وما الشيطان فيها بالمطاع (٣) |
بدت في الليل سافرة فباتت |
|
دياجي الليل سافرة القناع |
وما من لحظة إلّا وفيها |
|
إلى فتن القلوب لها دواعي |
فملّكت الهوى جمحات قلبي |
|
لأجري في العفاف على طباعي (٤) |
كذاك الروض ما فيه لمثلي |
|
سوى نظر وشمّ من متاع |
ولست من السوائم مهملات |
|
فأتّخذ الرياض من المراعي |
__________________
(١) في ه : «نيل المنى في ذلك السخط».
(٢) السفط : وعاء الطيب وأدوات النساء.
(٣) في ب ، ه : «وطائعة الوصال صددت عنها».
(٤) في ب : «جمحات أمري».
وقال : [الوافر]
بأيّهما أنا في الشّكر بادي |
|
بشكر الطّيف أم شكر الرقاد |
سرى فازداد لي أملي ولكن |
|
عففت فلم أنل منه مرادي |
وما في النوم من حرج ولكن |
|
جريت مع العفاف على اعتيادي |
وقال الرصافي (١) : [الكامل]
وعشيّ أنس للسرور وقد بدا |
|
من دون قرص الشمس ما يتوقّع |
سقطت فلم يملك نديمك ردّها |
|
فوددت يا موسى لو أنّك يوشع |
وقال ابن عبد ربه : [البسيط]
يراعة غرّني منها وميض سنا |
|
حتّى مددت إليها الكفّ مقتبسا |
فصادفت حجرا لو كنت تضربه |
|
من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا (٢) |
كأنما صيغ من لؤم ومن كذب |
|
فكان ذاك له روحا وذا نفسا |
وقال ابن صارة في فروة (٣) : [الكامل]
أودت بذات يدي فريّة أرنب |
|
كفؤاد عروة في الضّنى والرّقّة |
يتجشّم الفرّاء من ترقيعها |
|
بعد المشقّة في قريب الشّقّة (٤) |
لو أنّ ما أنفقت في ترقيعها |
|
يحصى لزاد على رمال الرّقّة |
إن قلت بسم الله عند لباسها |
|
قرأت عليّ (إذا السماء انشقّت) |
وقال الغزال (٥) : [الكامل]
والمرء يعجب من صغيرة غيره |
|
أيّ امرئ إلّا وفيه مقال |
لسنا نرى من ليس فيه غميزة |
|
أيّ الرجال القائل الفعّال (٦) |
وقال أبو حيّان : [البسيط]
لا ترجونّ دوام الخير من أحد |
|
فالشرّ طبع وفيه الخير بالعرض |
ولا تظنّ امرأ أسدى إليك ندى |
|
من أجل ذاتك بل أسداه للغرض (٧) |
__________________
(١) انظر ديوان الرصافي ص ١٠٥.
(٢) انبجس الماء : انفجر.
(٣) انظر القلائد ج ١ ص ١٢٥.
(٤) يتجشّم : يتحمل.
(٥) في أ، ه : «الغزالي».
(٦) الغميزة : العيب.
(٧) في ج : «أسدى إليك يدا».
وقال ابن شهيد : [الطويل]
ولمّا فشا بالدمع ما بين وجدنا |
|
إلى كاشحينا ما القلوب كواتم (١) |
أمرنا بإمساك الدموع جفوننا |
|
ليشجى بما نطوي عذول ولائم |
أبى دمعنا يجري مخافة شامت |
|
فنظّمه بين المحاجر ناظم |
وراق الهوى منّا عيون كريمة |
|
تبسّمن حتى ما تروق المباسم (٢) |
وقال في الانتحال : [الطويل]
وبلّغت أقواما تجيش صدورهم |
|
عليّ وإني فيهم فارغ الصدر |
أصاخوا إلى قولي فأسمعت معجزا |
|
وغاصوا على سرّي فأعجزهم أمري (٣) |
فقال فريق ليس ذا الشّعر شعره |
|
وقال فريق أيمن الله ما ندري |
فمن شاء فليخبر فإني حاضر |
|
ولا شيء أجلى للشكوك من الخبر |
وينظر إلى مثل هذا قصة أبي بكر بن بقي حين استهدى من بعض إخوانه أقلاما فبعث إليه بثلاث من القصب ، وكتب معها : [البسيط]
خذها إليك أبا بكر العلا قصبا |
|
كأنما صاغها الصّوّاغ من ورقه |
يزهى بها الطّرس حسنا ما نثرت بها |
|
مسك المداد على الكافور من ورقه |
فأجابه أبو بكر : [البسيط]
أرسلت نحوي ثلاثا من قنا سلب |
|
ميّادة تطعن القرطاس في درقه (٤) |
فالخطّ ينكرها والحظّ يعرفها |
|
والرّقّ يخدمها بالرّق في عنقه |
فحسده عليه بعض من سمعه ، ونسبه إلى الانتحال ، فقال أبو بكر يخاطب صاحبه الأول:[البسيط]
وجاهل نسب الدعوى إلى كلمي |
|
لمّا رماه بمثل النّبل في حدقه |
فقلت من حنق لما تعرّض لي |
|
من ذا الذي أخرج اليربوع من نفقه (٥) |
__________________
(١) الكاشح : العدو المبغض ، المضمر للعداوة.
(٢) في ب : «وراق الهوى منا عيونا كريمة».
(٣) في ه : «فأسمعت صمهم». وفيها «فأعياهم أمري».
(٤) في ه : «من قنا شلب».
(٥) اليربوع : حيوان قاضم يشبه الفأر.
ما ذمّ شعري وأيم الله لي قسم |
|
إلّا امرؤ ليست الأشعار من طرقه |
والشعر يشهد أني من كواكبه |
|
بل الصباح الذي يستنّ من أفقه |
وقال ابن شهيد أيضا في ضيف (١) : [الطويل]
وما انفكّ معشوق الثناء يمدّه |
|
ببشر وترحيب وبسط بنان |
إلى أن تشهّى البين من ذات نفسه |
|
وحنّ إلى الأهلين حنّة حاني |
فأتبعته ما سدّ خلّة حاله |
|
وأتبعني ذكرا بكلّ مكان |
وقال : [الطويل]
وبتنا نراعي الليل لم يطو برده |
|
ولم يجل شيب الصّبح في فوده وخطا (٢) |
تراه كملك الزنج من فرط كبره |
|
إذا رام مشيا في تبختره أبطا |
مطلّا على الآفاق والبدر تاجه |
|
وقد جعل الجوزاء في أذنه قرطا |
وقال بعضهم في لباس أهل الأندلس البياض في الحزن ، مع أنّ أهل المشرق يلبسون فيه السواد : [الوافر]
ألا يا أهل أندلس فطنتم |
|
بلطفكم إلى أمر عجيب |
لبستم في مآتمكم بياضا |
|
فجئتم منه في زيّ غريب |
صدقتم فالبياض لباس حزن |
|
ولا حزن أشدّ من المشيب |
وقال أبو جعفر بن خاتمة : [الخفيف]
هل جسوم يوم النوى ودّعوها |
|
باقيات لسوء ما أودعوها (٣) |
يا حداة القلوب ما العدل هذا |
|
أتبعوها أجسامها أو دعوها |
وقال القسطلّي يصف هول البحر (٤) : [الطويل]
إليك ركبنا الفلك تهوي كأنها |
|
وقد ذعرت عن مغرب الشمس غربان |
على لجج خضر إذا هبّت الصّبا |
|
ترامى بها فينا ثبير وثهلان |
__________________
(١) انظر الذخيرة ص ٢٦٧. وديوان ابن شهيد ص ١٦٨.
(٢) الفود : جانب الرأس مما يلي الأذن. ووخط الشيب ، فشا في الرأس وشابه مع السواد.
(٣) في ج : «هل جسوم من النوى ودعوها».
(٤) انظر الديوان ابن دراج القسطلي ص ٨٧.
مواثل ترعى في ذراها مواثلا |
|
كما عبدت في الجاهلية أوثان |
مقاتل موج البحر والهمّ والدّجا |
|
يموج بها فيها عيون وآذان |
ألا هل إلى الدنيا معاد وهل لنا |
|
سوى البحر قبر أو سوى الماء أكفان |
وقال الرمادي يهنئ ابن العطار الفقيه بمولود : [البسيط]
يهنيك ما زادت الأيام في عددك |
|
من فلذة برزت للسعد من كبدك |
كأنما الدهر دهر كان مكتئبا |
|
من انفرادك حتى زاد في عددك |
لا خلّفتك الليالي تحت ظلّ ردى |
|
حتى ترى ولدا قد شبّ من ولدك |
وقال ابن صارة في النار : [الكامل]
هات التي للأيك أصل ولادها |
|
ولها جبين الشمس في الأشماس |
يتقشّع الياقوت في لبّاتها |
|
بوساوس تشفي من الوسواس |
أنس الوحيد وصبح عين المجتلي |
|
ولباس من أمسى بغير لباس |
حمراء ترفل في السواد كأنما |
|
ضربت بعرق في بني العباس (١) |
وقال فيها أيضا : [الخفيف]
لابنة الزّند في الكوانين جمر |
|
كالدراري في الليلة الظلماء |
خبروني عنها ولا تكذبوني |
|
ألديها صناعة الكيمياء |
سبكت فحمها سبائك تبر |
|
رصّعته بالفضّة البيضاء (٢) |
كلّما ولول النسيم عليها |
|
رقصت في غلالة حمراء |
سفرت عن جبينها فأرتنا |
|
حاجب الليل طالعا بالعشاء (٣) |
لو ترانا من حولها قلت قوم |
|
يتعاطون أكؤس الصّهباء |
وقال فيها الفقيه الأديب ابن لبال (٤) : [مخلع البسيط]
فحم ذكا في حشاه جمر |
|
فقلت مسك وجلّنار |
__________________
(١) إشارة إلى راية العباسيين السوداء.
(٢) في ه : «رصعتها بالفضة البيضاء».
(٣) في ه : «سفرت في عشائنا فأرتنا». وفي القلائد «سفرت في عشائها فأرتنا».
(٤) في ج : «ابن اللبان».
أو خدّ من قد هويت لمّا |
|
أطلّ من فوقه العذار |
وكان أبو المطرف الزهري جالسا في باب داره مع زائر له ، فخرجت عليهما من زقاق ثان (١) جارية سافرة الوجه كالشمس الطالعة فحين نظرتهما على حين (٢) غفلة منها نفرت خجلة ، فرأى الزائر ما أبهته فكلّفه وصفها ، فقال مرتجلا : [البسيط]
يا ظبية نفرت والقلب مسكنها |
|
خوفا لختلي بل عمدا لتعذيبي (٣) |
لا تختشي فابن عبد الحقّ أنحلنا |
|
عدلا يؤلف بين الظبي والذيب |
وقال ابن شهيد : [الرمل]
أصباح لاح أم بدر بدا |
|
أم سنا المحبوب أورى زندا |
هبّ من نعسته منكسرا |
|
مسبل للكمّ مرخ للرّدا |
يمسح النعسة من عيني رشا |
|
صائد في كلّ يوم أسدا (٤) |
قلت هب لي يا حبيبي قبلة |
|
تشف من حبّك تبريح الصّدى |
فانثنى يهتزّ من منكبه |
|
قائلا لا ثم أعطائي اليدا |
كلّما كلّمني قبّلته |
|
فهو ما قال كلاما ردّدا |
قال لي يلعب صد لي طائرا |
|
فتراني الدهر أجري بالكدى |
وإذا استنجزت يوما وعده |
|
قال لي يمطل ذكّرني غدا |
شربت أعضاؤه خمر الصّبا |
|
وسقاه الحسن حتى عربدا (٥) |
رشأ بل غادة ممكورة |
|
عمّمت صبحا بليل أسودا |
أخجلت من عضّه في نهدها |
|
ثم عضت حرّ وجهي عمدا (٦) |
فأنا المجروح من عضّتها |
|
لا شفاني الله منها أبدا |
وقال محمد بن هانىء في الشيب (٧) : [الكامل]
__________________
(١) كلمة «ثان» لا توجد في ج.
(٢) كلمة «حين» غير موجودة في ب.
(٣) ختلي : خداعي.
(٤) الرشا : أصلها الرشأ : وهو ولد الغزالة الذي قوي على المشي.
(٥) في ب ، ه : «شربت أغصانه خمر الصبا».
(٦) في ب ، ه : «أححت من عضة في نهدها».
(٧) انظر ديوان ابن هانىء ص ١٩٨.
بنتم فلو لا أن أغبّر لمّتي |
|
عبثا وألقاكم عليّ غضابا |
لخضبت شيبا في مفارق لمّتي |
|
ومحوت محو النّقس عنه شبابا (١) |
وخضبت مبيضّ (٢) الحداد عليكم |
|
لو أنني أجد البياض خضابا |
وإذا أردت على المشيب وفادة |
|
فاجعل مطيّك دونه الأحقابا |
فلتأخذنّ من الزمان حمامة |
|
ولتدفعنّ إلى الزمان غرابا |
وكتب ابن عمار إلى ابن رزين وقد عتب عليه أن اجتاز ببلده ولم يلقه : [البسيط]
لم تثن عنك عناني سلوة خطرت |
|
ولا فؤادي ولا سمعي ولا بصري |
لكن عدتني عنكم خجلة خطرت |
|
كفاني العذر منها بيت معتذر |
(لو اختصرتم من الإحسان زرتكم |
|
والعذب يهجر للأفراط في الخصر) |
وقال ابن الجدّ (٣) : [الطويل]
وإني لصبّ للتلاقي وإنما |
|
يصدّ ركابي عن معاهدك العسر |
أذوب حياء من زيارة صاحب |
|
إذا لم يساعدني على برّه الوفر |
وقال ابن عبد ربه : [البسيط]
يا من عليه حجاب من جلالته |
|
وإن بدا لك يوما غير محجوب |
ما أنت وحدك مكسوّا ثياب ضنى |
|
بل كلّنا بك من مضنى ومشحوب |
ألقى عليك يدا للضّرّ كاشفة |
|
كشّاف ضرّ نبيّ الله أيوب |
وقال النّحلي في مغنّية : [الوافر]
ولاعبة الوشاح كغصن بان |
|
لها أثر بتقطيع القلوب |
إذا سوّت طريق العود نقرا |
|
وغنّت في محبّ أو حبيب |
فيمناها تقدّ بها فؤادي |
|
ويسراها تعدّ بها ذنوبي (٤) |
وقال ابن شهيد : [البسيط]
كلفت بالحبّ حتى لو دنا أجلي |
|
لما وجدت لطعم الموت من ألم |
__________________
(١) النقس : الحبر
(٢) انظر الذخيرة ج ٢ ص ١٦٠.
(٣) في ج : «ابن الحداد».
(٤) تقد فؤادي : تقطعه.
وعاقني كرمي عمّن ولهت به |
|
ويلي من الحبّ أو ويلي من الكرم |
وكان صوفيّ بشريش (١) حافظ للشعر ، فلا يعرض في مجلسه معنى إلّا وهو ينشد عليه ، فاتّفق أن عطس رجل بمجلسه ، فشمّته الحاضرون (٢) ، فدعا لهم ، فرأى الصوفي أنه إن شمّته قطع إنشاده بما لا يشاكله من النظم ، وإن لم يشمته كان تقصيرا في البرّ ، فرغب حين أصبح من الطلبة نظم هذا المعنى ، فقال الوزير الحسيب أبو عمرو بن أبي محمد : [السريع]
يا عاطسا يرحمك الله إذ |
|
أعلنت بالحمد على عطستك |
ادع لنا ربّك يغفر لنا |
|
وأخلص النّيّة في دعوتك |
وقل له يا سيّدي رغبتي |
|
حضور هذا الجمع في حضرتك |
وأنت يا ربّ الندى والنوى |
|
بارك ربّ الناس في ليلتك |
فإن يكن منكم لنا عودة |
|
فأنت محمود على عودتك |
وهذا الوزير المذكور كان يصرّف شعره في أوصاف الغزلان ، ومخاطبات الإخوان ، وكتب إلى الشريشي شارح المقامات يستدعي منه كتاب العقد : [الطويل]
أيا من غدا سلكا لجيد معارفه |
|
ومن لفظه زهر أنيق لقاطفه |
محبّك أضحى عاطل الجيد فلتجد |
|
بعقد على لبّاته وسوالفه |
ووعك في بعض الأعياد ، فعاده من أعيان الطلبة جملة ، فلمّا همّوا بالانصراف أنشدهم ارتجالا : [الكامل]
لله درّ أفاضل أمجاد |
|
شرف النّديّ بقصدهم والنادي (٣) |
لمّا أشاروا بالسلام وأزمعوا |
|
أنشدتهم وصدقت في الإنشاد |
في العيد عدتم وهو يوم عروبة |
|
يا فرحتي بثلاثة الأعياد (٤) |
قال الشريشي في شرح المقامات : ولقد زرته في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله تعالى أنا وثلاثة فتيان من الطلبة ، فسألني عنهم وعن آبائهم ، فلمّا أرادوا الانصراف ناول أحدهم محبرة ، وقال له : اكتب ، وأملى عليه ارتجالا : [الطويل]
__________________
(١) في ب : «وكان بشريش صوفي حافظ ..».
(٢) تشميت العاطس أن تقول له : يرحمك الله ، وهو من السنة.
(٣) في ه : «لله درّ أفاضل أنجاد» وفي الشريش «لله در عصابة أمجاد».
(٤) يوم العروبة : يوم الجمعة في الجاهلية.
ثلاثة فتيان يؤلّف بينهم |
|
نديّ كريم لا أرى الله بينهم |
تشابه خلق منهم وخليقة |
|
فإن قلت أين الحسن فانظره أين هم |
وزيّنهم أستاذهم إذ غدا لهم |
|
معلّم آيات فتمم زينهم |
فإن خفت من عين ففي الكلّ فلتقل |
|
وقى الله ربّ الناس للكلّ عينهم |
وقال الشريشي (١) : حدّثنا شيخنا أبو الحسين بن زرقون ، عن أبيه أبي عبد الله ، أنه قعد مع صهره أبي الحسن عبد الملك بن عيّاش الكاتب على بحر المجاز ، وهو مضطرب الأمواج ، فقال له أبو الحسن : أجز : [الوافر]
وملتطم الغوارب موّجته |
|
بوارح في مناكبها غيوم |
فقال أبو عبد الله : [الوافر]
تمنّع لا يعوم به سفين |
|
ولو جذبت به الزّهر النجوم |
وكان لابن عبد ربه فتى يهواه ، فأعلمه أنه يسافر غدا ، فلمّا أصبح عاقه المطر عن السفر ، فانجلى عن ابن عبد ربه همّه ، وكتب إليه (٢) : [البسيط]
هلّا ابتكرت لبين أنت مبتكر |
|
هيهات يأبى عليك الله والقدر |
ما زلت أبكي حذار البين ملتهبا |
|
حتى رثى لي فيك الريح والمطر |
يا برده من حيا مزن على كبد |
|
نيرانها بغليل الشوق تستعر |
آليت أن لا أرى شمسا ولا قمرا |
|
حتى أراك فأنت الشمس والقمر (٣) |
وقال ابن عبد ربه : [البسيط]
صل من هويت وإن أبدى معاتبة |
|
فأطيب العيش وصل بين إلفين |
واقطع حبائل خدن لا تلائمه |
|
فقلّما تسع الدنيا بغيضين (٤) |
وقال أبو محمد غانم بن الوليد المالقي : [البسيط]
صيّر فؤادك للمحبوب منزلة |
|
سمّ الخياط مجال للمحبّين |
ولا تسامح بغيضا في معاشرة |
|
فقلّما تسع الدنيا بغيضين |
وكان المتوكل صاحب بطليوس ينتظر وفود أخيه عليه من شنترين يوم الجمعة ، فأتاه يوم السبت ، فلمّا لقيه عانقه وأنشده : [الوافر]
__________________
(١) انظر الشريشي ج ١ ص ٣٦٥.
(٢) انظر المطمح ص ٥١.
(٣) آليت : أقسمت.
(٤) الخدن : الصديق.
تخيّرت اليهود السبت عيدا |
|
وقلنا في العروبة يوم عيد (١) |
فلمّا أن طلعت السبت فينا |
|
أطلت لسان محتجّ اليهود |
وقال أبو بكر بن بقي : [البسيط]
أقمت فيكم على الإقتار والعدم |
|
لو كنت حرّا أبيّ النّفس لم أقم |
فلا حديقتكم يجنى لها ثمر |
|
ولا سماؤكم تنهل بالدّيم |
أنا امرؤ إن نبت بي أرض أندلس |
|
جئت العراق فقامت بي على قدم (٢) |
ما العيش بالعلم إلّا حيلة ضعفت |
|
وحرفة وكلت بالقعدد البرم (٣) |
وقال الأبيض في الفقهاء المرائين : [الكامل]
أهل الرّياء لبستم ناموسكم |
|
كالذئب يدلج في الظلام العاتم (٤) |
فملكتم الدنيا بمذهب مالك |
|
وقسمتم الأموال بابن القاسم |
وركبتم شهب البغال بأشهب |
|
وبأصبغ صبغت لكم في العالم |
وقال (٥) : [الكامل]
قل للإمام سنا الأئمة مالك |
|
نور العيون ونزهة الأسماع |
لله درّك من همام ماجد |
|
قد كنت راعينا فنعم الراعي |
فمضيت محمود النقيبة طاهرا |
|
وتركتنا قنصا لشرّ سباع |
أكلوا بك الدنيا وأنت بمعزل |
|
طاوي الحشا متكفّت الأضلاع |
تشكوك دنيا لم تزل بك برّة |
|
ما ذا رفعت بها من الأوضاع |
وقال ابن صارة : [البسيط]
يا من يعذّبني لمّا تملّكني |
|
ما ذا تريد بتعذيبي وإضراري |
تروق حسنا وفيك الموت أجمعه |
|
كالصقل في السيف أو كالنور في النار |
وقال عبدون البلنسي (٦) : [البسيط]
__________________
(١) العروبة : اسم يوم الجمعة في الجاهلية.
(٢) في ب ، ه : «فقامت لي على قدم».
(٣) القعدد : أراد القاعد عن المكارم.
(٤) في ج : «كالذئب يذبح في الظلام» وفي زاد المسافر «كالذئب يختل».
(٥) انظر زاد المسافر ص ٧١.
(٦) هو أبو محمد عبد الله بن يحيى الحضرمي المعروف بعبدون من أهل دانية وسكن بلنسية ، وتوفي سنة ٥٧٨. انظر ترجمته في التحفة ص ٦٨.
يا من محيّاه جنّات مفتّحة |
|
وهجره لي ذنب غير مغفور |
لقد تناقضت في خلق وفي خلق |
|
تناقض النار بالتدخين والنّور |
وقال الوزير ابن الحكيم : [الكامل]
رسخت أصول علاكم تحت الثرى |
|
ولكم على خطّ المجرّة دار |
إنّ المكارم صورة معلومة |
|
أنتم لها الأسماع والأبصار |
تبدو شموس الدّجن من أطواقكم |
|
وتفيض من بين البنان بحار |
ذلّت لكم نسم الخلائق مثل ما |
|
ذلّت لشعري فيكم الأشعار |
فمتى مدحت ولا مدحت سواكم |
|
فمديحكم في مدحه إضمار |
وقال القاضي أبو جعفر بن برطال (١) : [الكامل]
أستودع الرحمن من لوداعهم |
|
قلبي وروحي آذنا بوداع |
بانوا وطرفي والفؤاد ومقولي |
|
باك ومسلوب العزاء وداع |
فتولّ يا مولاي حفظهم ولا |
|
تجعل تفرّقنا فراق وداع |
وقال ابن خفاجة (٢) : [الطويل]
وما هاجني إلّا تألّق بارق |
|
لبست به برد الدّجنّة معلما (٣) |
وهي طويلة :
وقال من أخرى : [الكامل]
جمعت ذوائبه ونور جبينه |
|
بين الدّجنّة والصباح المشرق |
وقال ذو الوزارتين أبو الوليد ابن الحضرمي البطليوسي في غلام للمتوكل ابن الأفطس يرثيه(٤): [المجتث]
غالته أيدي المنايا |
|
وكنّ في مقلتيه |
وكان يسقي الندامى |
|
بطرفه ويديه |
__________________
(١) هو أحمد بن محمد بن علي الأموي المعروف بابن برطال ، قاضي غرناطة ، توفي سنة ٧٥٠ ه. انظر ترجمته في الإحاطة ج ١ ص ١٧٧.
(٢) انظر ديوان ابن خفاجة ص ١٧٣.
(٣) الدجنّة : الظلمة.
(٤) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٦٥.
غصن ذوى وهلال |
|
جار الكسوف عليه |
وقال الفقيه العالم أبو أيوب سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي عالمها في المذهب المالكي ، وقد تحاكم إليه وسيمان أشقر وأكحل فيمن يفضل بينهما : [البسيط]
وشادنين ألمّا بي على مقة |
|
تنازعا الحسن في غايات مستبق |
كأنّ لمّة ذا من نرجس خلقت |
|
على بهار وذا مسك على ورق |
وحكّما الصّبّ في التفضيل بينهما |
|
ولم يخافا عليه رشوة الحدق |
فقام يبدي هلال الدّجن حجّته |
|
مبيّنا بلسان منه منطلق |
فقال وجهي بدر يستضاء به |
|
ولون شعري مقطوع من الغسق (١) |
وكحل عينيّ سحر للنّهى وكذا |
|
ك الحسن أحسن ما يعزى إلى الحدق |
وقال صاحبه أحسنت وصفك ل |
|
كن فاستمع لمقال فيّ متّفق |
أنا على أفقي شمس النهار ولم |
|
تغرب وشقرة شعري شقرة الشّفق |
وفضل ما عيب في العينين من زرق |
|
أنّ الأسنّة قد تعزى إلى الزّرق |
قضيت للّمّة الشقراء حيث حكت |
|
نورا كذا حبّها يقضي على رمقي |
فقام ذو اللّمّة السوداء يرشقني |
|
سهام أجفانه من شدّة الحنق |
وقال جرت فقلت الجور منك على |
|
قلبي ولي شاهد من دمعي الغدق |
وقلت عفوك إذ أصبحت بينهما |
|
فقال دونك هذا الحبل فاختنق |
وكان فيه ظرف وأدب ، وعنوان طبقته هذه الأبيات.
وقال : [الطويل]
وغاب من الأكواس فيها ضراغم |
|
من الراح ألباب الرجال فريسها |
قرعت بها سنّ الحلوم فأقطعت |
|
وقد كاد يسطو بالفؤاد رسيسها |
وله رحمه الله تعالى «شرح البخاري» وأكثر ابن حجر من النقل عنه في «فتح الباري» وله كتاب «الأحكام» وغير ذلك ، وترجمته شهيرة.
__________________
(١) الغسق : ظلمة آخر الليل.
وقال الأديب النحوي المؤرخ أبو إسحاق إبراهيم بن الأعلم (١) البطليوسي صاحب التآليف (٢) التي بلغت نحو خمسين : [المجتث]
يا حمص ، لا زلت دارا |
|
لكلّ بؤس وساحه |
ما فيك موضع راحه |
|
إلّا وما فيه راحه (٣) |
وهو شيخ أبي الحسن بن سعيد صاحب «المغرب» وأنشده هذين البيتين لما ضجر من الإقامة بإشبيلية أيام فتنة الباجي.
وقال الأديب الطبيب أبو الأصبغ عبد العزيز البطليوسي الملقب بالقلندر (٤) : [المتقارب]
جرت منّي الخمر مجرى دمي |
|
فجلّ حياتي من سكرها |
ومهما دجت ظلم للهموم |
|
فتمزيقها بسنا بدرها (٥) |
وخرج يوما وهو سكران ، فلقي قاضيا في نهاية من قبح الصورة ، فقال : سكران خذوه ، فلما أخذه الشرطة (٦) قال للقاضي : بحقّ (٧) من ولّاك على المسلمين بهذا الوجه القبيح عليك إلّا ما أفضلت عليّ وتركتني ، فقال القاضي : والله لقد ذكرتني بفضل عظيم ، ودرأ عنه الحدّ.
وقال ابن جاخ الصباغ البطليوسي (٨) ، وهو من أعاجيب الدنيا ، لا يقرأ ولا يكتب : [المتقارب]
ولمّا وقفنا غداة النّوى |
|
وقد أسقط البين ما في يدي |
__________________
(١) في ب : «ابن قاسم الأعلم» وهو إبراهيم بن قاسم البطليوسي النحوي ، ويعرف بالأعلم ، وليس بالأعلم المشهور توفي سنة اثنتين ـ وقيل ست ـ وأربعين وستمائة. وله مؤلفات كثيرة وشعر. انظر بغية الوعاة ١ / ٤٢٢.
(٢) في ب : «صاحب التواليف».
(٣) الراحة في الشطر الأول : راحة اليد. وفي الشطر الثاني : الارتياح.
(٤) انظر المغرب ١ / ٣٦٩.
(٥) دجت : أظلمت. والسنا : الضوء.
(٦) في ب : «الشرط».
(٧) في ب : «بفضل».
(٨) انظر ترجمته في الجذوة ٣٨١.