الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني
المحقق: يوسف الشيخ محمّد البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٠
وأراد أن يندّر به ، فقال له ، وكان ذلك بعد إسلامه : يا أبا الفضل ، ما الذي تنظر فيه من الكتب ، لعلّه التوراة؟ فقال : نعم ، وجلدها (١) من جلد دبغه من تعلم ، فمات خجلا ، وضحك المقتدر.
وأراد الشاعر أبو الربيع سليمان السرقسطي حضور نديم له ، فكتب إليه : [السريع]
بالراح والريحان والياسمين |
|
وبكرة الندمان قبل الأذين |
وبهجة الروض بأندائه |
|
مقلّدا منه بعقد ثمين |
ألا أجب سبقا ندائي إلى ال |
|
كأس تبدّت لذّة الشاربين |
هامت بها الأعين من قبل أن |
|
يخبرها الذوق بحقّ اليقين |
لاحت لدينا شفقا معلنا |
|
فكن لها بالله صبحا مبين |
وكتب علي بن خير التطيلي (٢) إلى ابن عبد الصمد السرقسطي يستدعيه إلى مجلس أنس : أنا ـ أطال الله تعالى بقاء الكاتب سراج العلم وشهاب الفهم! ـ في مجلس قد عبقت تفاحه ، وضحكت راحه ، وخفقت حولنا للطرب ألوية ، وسالت بيننا للهو أودية ، وحضرتنا مقلة تسأل منك إنسانها (٣) ، وصحيفة فكن عنوانها ، فإن رأيت أن تجعل إلينا القصد ، لنحصل بك في جنّة الخلد ، صقلت نفوسا أصدأها بعدك ، وأبرزت شمسا أدجاها (٤) فقدك.
فأجابه ابن (٥) عبد الصمد : فضضت ـ أيها الكاتب العليم ، والمصقع (٦) الحبر الصميم ـ طابع كتابك ، فمنحني منه جوهر منتخب ، لا يشوبه مخشلب ، هو السحر إلّا أنه حلال ، دلّ على ودّ حنيت ضلوعك عليه ، ووثيق عهد انتدب كريم سجيّتك إليه ، فسألت فالق الحبّ ، وعامر القلب بالحبّ ، أن يصون لي حظي منك ، ويدرأ لي النوائب عنك ، ولم يمنعني أن أصرف وجه الإجابة إلى مرغوبك ، وأمتطي جواد الانحدار إلى محبوبك ، إلّا عارض ألم ألمّ بي فقيّد بقيده نشاطي ، وروّى براحته بساطي ، وتركني أتململ على فراشي كالسليم (٧) ، وأستمطر الإصباح من الليل البهيم ، وأنا منتظر لإدباره.
__________________
(١) في ب ، ه : «وتجليدها من جلد .. الخ». وأراد أن أباه دباغ.
(٢) انظر الذخيرة ج ٣ ص ٢٥٦.
(٣) الإنسان : بؤبؤ العين.
(٤) في ب : «وأبرزت شموسا أدجاها فقدك». وفي ه : «وأنرت شموسا أدجاها فقدك».
(٥) في ب : «فأجابه أبو عبد الصمد».
(٦) المصقع : البليغ.
(٧) في أ : «أتحامل على فراشي كالسليم» والسليم هنا : الملدوغ.
ومن لطف أهل الأندلس ورقّة طباعهم ما حكاه أبو عمرو بن سالم المالقي قال : كنت جالسا بمنزلي بمالقة ، فهاجت نفسي أن أخرج إلى الجبّانة ، وكان يوما شديد الحرّ ، فراودتها على القعود ، فلم تمكني من القعود ، فمشيت حتى انتهيب إلى مسجد يعرف برابطة الغبار ، وعنده الخطيب أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي ، فقال لي : إني كنت أدعو الله تعالى أن يأتيني بك ، وقد فعل ، فالحمد لله ، فأخبرته بما كان مني ، ثم جلست عنده ، فقال : أنشدني ، فأنشدته لبعض الأندلسيين : [الكامل]
غصبوا الصباح فقسّموه خدودا |
|
واستوعبوا قضب الأراك قدودا |
ورأوا حصا الياقوت دون نحورهم |
|
فتقلّدوا شهب النجوم عقودا |
لم يكفهم حدّ الأسنّة والظّبا |
|
حتى استعاروا أعينا وخدودا (١) |
فصاح الشيخ ، وأغمي عليه ، وتصبّب عرقا ، ثم أفاق بعد ساعة ، وقال : يا بني ، اعذرني فشيئان يقهراني ، ولا أملك نفسي عندهما : النظر إلى الوجه الحسن ، وسماع الشعر المطبوع ، وانتهى (٢).
وستأتي هذه الأبيات في هذا الباب بأتمّ من هذا.
وعلى كل حال فهي لأهل الأندلس ، لا لابن دريد كما ذكره بعضهم ، وسيأتي تسمية صاحبها الأندلسي ، كما في كتاب «المغرب» لابن سعيد العنسي المشهور ، رحمه الله تعالى : وقال بعض الأدباء ليحيى الجزار ، وهو يبيع لحم ضأن : [المنسرح]
لحم إناث الكباش مهزول
فقال يحيى :
يقول للمشترين مه زولوا
وقال التطيلي الأعمى في وصف أسد رخام يرمي بالماء على بحيرة (٣) : [مجزوء الكامل]
أسد ولو أنّي أنا |
|
قشه الحساب لقلت صخره |
__________________
(١) الظّبا : جمع ظبة ، وهي حد السيف والسنان.
(٢) في ب : «انتهى» بإسقاط الواو.
(٣) انظر ديوان التطيلي ص ٢٤٩.
وكأنّه أسد السما |
|
ء يمجّ من فيه المجرّه |
وحضر جماعة من أعيان الأدباء مثل الأبيض وابن بقي وغيرهما من الوشّاحين ، واتّفقوا على أن يصنع كلّ واحد منهم موشّحة ، فلمّا أنشد الأعمى موشّحته التي مطلعها :
ضاحك عن جمان |
|
سافر عن بدر |
ضاق عنه الزمان |
|
وحواه صدري |
خرّق كلّ منهم موشّحته.
وتحاكمت امرأة إلى القاضي أبي محمد عبد الله اللّارديّ الأصبحي ، وكانت ذات جمال ونادرة ، فحكم لزوجها عليها ، فقالت له : من يضيع قلبه كلّ طرف فاتر جدير أن يحكم بهذا ، تشير إلى قوله : [الخفيف]
أين قلبي؟ أضاعه كلّ طرف |
|
فاتر يصرع الحليم لديه |
كلّما ازداد ضعفه ازداد فتكا |
|
أيّ صبر ترى يكون عليه |
وحضر أبو إسحاق بن خفاجة مجلسا بمرسية مع أبي محمد جعفر بن عنق الفضّة الفقيه السالمي ، وتذاكرا ، فاستطال ابن عنق الفضّة ، ولعب بأطراف الكلام ، ولم يكن ابن خفاجة يعرفه ، فقال له : يا هذا ، لم تترك لأحد حظّا في هذا المجلس! فليت شعري من تكون؟ فقال : أنا القائل : [الرمل]
الهوى علّمني سهد الليال |
|
ونظام الشعر في هذي اللآل |
كلّما هبّت شمال منهم |
|
لعبت بي عن يمين وشمال |
وأرقّت فكرتي أرواحها |
|
فأتت منهنّ بالسحر الحلال |
كان كالملح أجاجا خاطري |
|
وسحاب الحبّ أبدته زلال (١) |
فاهتزّ ابن خفاجة ، وقال : من يكون هذا قوله لا ينبغي أن يجهل ، ولك المعذرة في جهلك ، فإنك لم تعرّفنا بنفسك ، فبالله من تكون؟ فقال : أنا فلان ، فعرفه وقضى حقّه.
وحكى ابن غالب في «فرحة الأنفس» أنّ الوزير أبا عثمان بن شنتفير وأبو عامر بن عبد شلب (٢) وفدا رسولين على المعتمد بن عباد ، عن إقبال الدولة بن مجاهد والمعتصم بن صمادح والمقتدر بن هود ، لإصلاح ما كان بين المعتمد وبين ابن ذي النون ، فسرّ المعتمد بهم
__________________
(١) الأجاج : المر الملح من الماء.
(٢) في ب ، ه : «ابن غند شلب».
وأكرمهم ، ودعاهم إلى طعام صنعه لهم ، وكان لا يظهر شرب الراح منذ ولي الملك ، فلمّا رأوا انقباضه عن ذلك تحاموا الشراب ، فلمّا أمر بكتب أجوبتهم كتب له (١) أبو عامر : [الخفيف]
بقيت حاجة لعبد رغيب |
|
لم يدع غيرها له من نصيب |
هي خيرية المساء حديثا |
|
وأنا في الصباح أخشى رقيبي (٢) |
فإذا أمس كان عندي نهارا |
|
لم تحفني عليه بعد الغروب |
وإذا الليل جنّ حدّثت جلّا |
|
سي بما كان من حديث غريب (٣) |
قيل إنّ الدّجى لديك نهار |
|
وكذاك الدّجى نهار الأريب |
فتمنّيت ليلة ليس فيها |
|
لذكا ذلك السّنا من مغيب |
حيث أعطيك في الخلاء وتعطي |
|
ني مداما كمثل ريق الحبيب |
تم أغدو كأنني كنت في النو |
|
م ، وأخفي المنام خوف هزيب |
والهزيب : الرقيب العتيد في كلام أهل الأندلس ، فسرّ المعتمد وانبسط بانبساطه ، وضحك من مجونه ، وكتب إليه : [الخفيف]
يا مجابا دعا إلى مستجيب |
|
فسمعنا دعاءه من قريب |
إن فعلت الذي دعوت إليه |
|
كنت فيما رغبت عين رغيب |
واستحضره فنادمه خاليا ، وكساه ووصله ، وانقلب مسرورا ، وظنّ المعتمد أنّ ذلك يخفى من فعله عن ابن شنتفير ، فأعلم (٤) بالأمر القائد ابن مرتين ، فكاد يتفطّر حسدا وكتب إلى المعتمد : [الخفيف]
أنا عبد أوليته كلّ برّ |
|
لم تدع من فنون برّك فنّا |
غير رفع الحجاب في شربك الرا |
|
ح فماذا جناه أن يتجنّى |
وتمنّى شراب سؤرك في الكأ |
|
س فبالله أعطه ما تمنّى (٥) |
فسرته أبياته ، وأجابه : [الخفيف]
__________________
(١) في ب ، ه : «كتب إليه أبو عامر».
(٢) في أ : «أنا خيرته المساء حديثا» وفي ب : «أنا خيرية المساء حديثا».
(٣) في ب ، ه : «من حديث عجيب».
(٤) في ج : «فأعلمه بالأمر».
(٥) السؤر : بقية الشيء.
يا كريم المحلّ في كلّ معنى |
|
والكريم المحلّ ليس يعنّى |
هذه الخمر تبتغيك فخذها |
|
أو فدعها أو كيفيما شئت كنّا |
وكان يقرأ في مجلس ملك السهلة أبي مروان بن رزين ذي الرياستين ديوان شعر محمد بن هانىء ، وكان القارئ فيه بله ، فلمّا وصل إلى قوله : [المتقارب]
حرام حرام زمان الفقير
اتّفق أن عرض للملك ما اشتغل به ، فقال للقارىء : أين وقفت؟ فقال : في حرام ، فقام الملك وقال : هذا موضع لا أقف معك فيه ، ادخل أنت وحدك ، ثم دخل إلى قصره ، وانقلب المجلس ضحكا.
وكان للملك المذكور وزير من أعاجيب الدهر ، وهو الكاتب أبو بكر بن سدراي (١) ، وذكره الحجاري في «المسهب» وقال : إنّ له شعرا أرقّ من نسيم السّحر ، وأندى من الطّلّ على الزهر ، ومنه قوله : [المجتث]
ما ضرّكم لو بعثتم |
|
ولو بأدنى تحيّه |
تهزّني من شذاها |
|
إليكم الأريحيّه |
خذوا سلامي إليكم |
|
مع الرياح النّديّه |
في كلّ سحرة يوم |
|
تترى وكلّ عشيّه (٢) |
يا ربّ طال اصطباري |
|
ما الوجد إلّا بليّه |
غيلان بالشرق أضحى |
|
وحلّت الغرب ميّه (٣) |
وقوله : [الوافر]
سأبغي المجد في شرق وغرب |
|
فما ساد الفتى دون اغتراب |
فإن بلّغت مأمولا فإني |
|
جهدت ولم أقصّر في الطلاب |
وإن أنا لم أفز بمراد سعيي |
|
فكم من حسرة تحت التراب |
وقال ملك بلنسية مروان بن عبد العزيز لمّا ولي مكانه من لا يساويه : [الطويل]
__________________
(١) انظر المغرب ج ٢ ص ٤٣٠.
(٢) تترى : تأتي متتابعة.
(٣) غيلان : هو الشاعر ذو الرمة ، وميّة : محبوبته.
ولا غرو بعدي أن يسوّد معشر |
|
فيضحي لهم يوم وليس لهم أمس |
كذاك نجوم الجوّ تبدو زواهرا |
|
إذا ما توارت في مغاربها الشمس |
وقال ابن دحية : دخلت عليه وهو يتوضّأ ، فنظر إلى لحيته وقد اشتعلت بالشيب اشتعالا ، فأنشد لنفسه (١) ارتجالا : [الطويل]
ولمّا رأيت الشّيب أيقنت أنه |
|
نذير لجسمي بانهدام بنائه |
إذا ابيضّ مخضرّ النبات فإنه |
|
دليل على استحصاده وفنائه (٢) |
واعتلّ ابن ذي الوزارتين أبي عامر بن الفرج ، وزير المأمون بن ذي النون ، وهو من رجال الذخيرة والقلائد ، فوصف له أن يتداوى بالخمر العتيق ، وبلغه أنّ عند بعض الغلمان منها شيئا ، فكتب إليه يستهديه : [المجتث]
ابعث بها مثل ودّك |
|
أرقّ من ماء خدّك |
شقيقة النّفس ، فانضح |
|
بها جوى ابني وعبدك |
وهو القائل معتذرا عن تخلّفه عمّن جاءه منذرا : [الخفيف]
ما تخلّفت عنك إلّا لعذر |
|
ودليلي في ذاك خوفي عليكا (٣) |
هبك أنّ الفرار من غير عذر |
|
أتراه يكون إلّا إليكا |
وله من رسالة هناء : [المتقارب]
أهنىء بالعيد من وجهه |
|
هو العيد لو لاح لي طالعا |
وأدعو لي الله سبحانه |
|
بشمل يكون لنا جامعا (٤) |
وكتب إلى الوزير المصري (٥) يستدعيه أن يكون من ندمائه ، فكتب إليه الوزير المصري (٦) يستعمله اليوم ، فلمّا أراده كتب إليه : [الكامل]
ها قد أهبت بكم وكلّكم هوى |
|
وأحقّكم بالشكر منّي السابق |
__________________
(١) في ب : «فأنشدني لنفسه».
(٢) استحصد الزرع آن له أن يحصد.
(٣) في ه : «ودليلي في ذاك حرصي عليكا».
(٤) في ب : «وأدعو إلى الله ..».
(٥) في أ : «الوزير الحصري» تحريفا. وهو أبو محمد عبد الله بن خليفة القرطبي انظر المطمح والحلة.
(٦) في أ : «الوزير الحصري» تحريفا. وهو أبو محمد عبد الله بن خليفة القرطبي انظر المطمح والحلة.
كالشمس أنت وقد أظلّ طلوعها |
|
فاطلع وبين يديك فجر صادق |
وله في رئيس مرسية أبي عبد الرحمن بن طاهر ، وكان ممتع المجالسة كثير النادرة : [الخفيف]
قد رأينا منك الذي قد سمعنا |
|
فغدا الخبر عاضد الأخبار |
قد وردنا لديك بحرا نميرا |
|
وارتقينا حيث النجوم الدراري (١) |
ولكم مجلس لديك انصرفنا |
|
عنه مثل الصّبا عن الأزهار |
وشرب الأديب الفاضل أبو الحسن علي بن حريق (٢) عشية مع من يهواه ، ورام الانفصال عنه لداره ، فمنعه سيل حال بينه وبين داره ، فبات عنده على غير اختياره ، فقال ابن حريق : [مخلع البسيط]
يا ليلة جادت الليالي |
|
بها على رغم أنف دهري |
للسّيل فيها عليّ نعمى |
|
يقصر عنها لسان شكري |
أبات في منزلي حبيبي |
|
وقام في أهله بعذر |
فبتّ لا حالة كحالي |
|
ضجيع بدر صريع سكر |
يا ليلة القدر في الليالي |
|
لأنت خير من ألف شهر |
ومن حسنات ابن حريق المذكور قوله : [الكامل]
يا ويح من بالمغرب الأقصى ثوى |
|
حلف النّوى وحبيبه بالمشرق |
لو لا الحذار على الورى لملأت ما |
|
بيني وبينك من زفير محرق |
وسكبت دمعي ثم قلت لسكبه |
|
من لم يذب من زفرة فليغرق |
لكن خشيت عقاب ربّي إن أنا |
|
أحرقت أو أغرقت من لم أخلق |
وله : [السريع]
لم يبق عندي للصّبا لذّة |
|
إلّا الأحاديث على الخمر |
وله : [المتقارب]
ققبّلت إثرك فوق الثّرى |
|
وعانقت ذكرك في مضجعي |
__________________
(١) في ه : «إذ وردنا لديك بحرا نميرا».
(٢) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ٣١٨.
وله : [الرمل]
إنّ ماء كان في وجنتها |
|
وردته السّنّ حتى نشفا |
وذوى العنّاب من أنملها |
|
فأعادته الليالي حشفا |
وأورد له أبو بحر في «زاد المسافر» قوله : [الكامل]
كلّمته فاحمرّ من خجل |
|
حتى اكتسى بالعسجد الورق |
وسألته تقبيل راحته |
|
فأبى وقال أخاف أحترق |
حتى زفيري عاق عن أملي |
|
إنّ الشّقيّ بريقه شرق (١) |
وقوله في السواقي : [الكامل]
وكأنما سكن الأراقم جوفها |
|
من عهد نوح مدّة الطوفان |
فإذا رأينا الماء يطفح نضنضت |
|
من كلّ خرق حيّة بلسان (٢) |
وقال الفيلسوف أبو جعفر ابن الذهبي فيمن جمع بينه وبين أحد الفضلاء : [الخفيف]
أيها الفاضل الذي قد هداني |
|
نحو من قد حمدته باختبار |
شكر الله ما أتيت وجازا |
|
ك ولا زلت نجم هدي لساري |
أيّ برق أفاد أيّ غمام |
|
وصباح أدّى لضوء نهار |
وإذا ما النسيم كان دليلي |
|
لم يحلني إلّا على الأزهار |
وأنشد أبو عبد الله محمد بن عبادة الوشاح المعتصم بن صمادح شعرا يقول فيه : [الطويل]
ولو لم أكن عبدا لآل صمادح |
|
وفي أرضهم أصلي وعيشي ومولدي |
لما كان لي إلّا إليهم ترحّل |
|
وفي ظلّهم أمسي وأضحي وأغتدي |
فارتاح ، وقال : يا ابن عبادة ، ما أنصفناك بل أنت الحرّ لا العبد ، فاشرح لنا في أملك ، فقال : أنا عبدكم كما قال ابن نباتة : [البسيط]
لم يبق جودك لي شيئا أؤمّله |
|
تركتني أصحب الدنيا بلا أمل |
__________________
(١) كذا في أ، ب ، ه. وفي ج : «إن الشقاء بريعة شرق» محرفا.
(٢) نضنضت الحية : حركت لسانها.
فالتفت إلى ابنه الواثق يحيى وليّ عهده وقال : إذا اصطنعت الرجال فمثل هذا فاصطنع ، ضمّه إليك وافعل معه ما تقتضيه وصيّتي به ، ونبّهني إليه كل وقت ، فأقام نديما لوليّ العهد المذكور.
وله فيهما الموشحات المشهورة ، كقوله :
كم في قدود البان |
|
تحت اللمم |
من أقمر |
|
عواطي |
بأنمل وبنان |
|
مثل العنم (١) |
لم تنبري |
|
للعاطي |
ولمّا بلغ المعتصم أنّ خلف بن فرج السميسر هجاه احتال في طلبه حتى حصل في قبضته ، ثم قال له : أنشدني ما قلت فيّ ، فقال له : وحقّ من حصّلني في يدك ما قلت شرّا فيك ، وإنما قلت : [البسيط]
رأيت آدم في نومي فقلت له : |
|
أبا البريّة ، إنّ الناس قد حكموا |
أنّ البرابر نسل منك ، قال : إذن |
|
حوّاء طالقة إن كان ما زعموا |
فأباح (٢) ابن بلقين صاحب غرناطة دمي ، فخرجت إلى بلادك هاربا فوضع عليّ من أشاع ما بلغك عني لتقتلني أنت فيدرك ثأره بك ، ويكون الإثم عليك ، فقال : وما قلت فيه خاصّة مضافا إلى ما قلته في عامة قومه؟ فقال : لمّا رأيته مشغوفا بتشييد قلعته التي يتحصّن فيها بغرناطة قلت : [مخلع البسيط]
يبني على نفسه سفاها |
|
كأنه دودة الحرير |
فقال له المعتصم : لقد أحسنت في الإساءة إليه ، فاختر : هل أحسن إليك وأخلي سبيلك أم أجيرك منه؟ فارتجل : [مجزوء الرجز]
خيّرني المعتصم |
|
وهو بقصدي أعلم |
وهو إذا يجمع لي |
|
أمنا ومنّا أكرم (٣) |
__________________
(١) العنم ، بفتحتين : نبات أملس دائم الخضرة ، فروعه أسطوانية تحمل أوراقا متقابلة تشبه ورق الزيتون ، إلّا أنها أشد خضرة ، وأزهاره قرمزية يتخذ منها خضاب.
(٢) في ب ، ه : «فنذر ابن بلقين».
(٣) في ه : «وهو آن يجمع لي» ولا يتم به الوزن.
فقال : خاطرك خاطر شيطان ، ولك المنّ (١) والأمان ، فأقام في إحسانه بأوطانه ، حتى خلع عن ملكه وسلطانه :
ولمّا أنشده عمر بن الشهيد قصيدته التي يقول فيها (٢) : [الكامل]
سبط البنان كأنّ كلّ غمامة |
|
قد ركّبت في راحتيه أناملا (٣) |
لا عيش إلّا حيث كنت ، وإنما |
|
تمضي ليالي العمر بعدك باطلا |
التفت إلى من حضر من الشعراء وقال : هل فيكم من يحسن أن يجلب القلوب بمثل هذا؟ فقال أبو جعفر بن الخراز البطراني (٤) : نعم ، ولكن للسعادة هبّات ، وقد أنشدت مولانا قبل هذا أبياتا أقول فيها : [الطويل]
وما زلت أجني منك والدهر ممحل |
|
ولا ثمر يجنى ولا الزرع يحصد |
ثمار أياد دانيات قطوفها |
|
لأغصانها ظلّ عليّ ممدّد |
يرى جاريا ماء المكارم تحتها |
|
وأطيار شكري فوقهنّ تغرّد |
فارتاح المعتصم ، وقال : أأنت أنشدتني هذا؟ قال : نعم ، قال : والله كأنها ما مرّت بسمعي إلى الآن ، صدقت للسعد هبّات ، ونحن نجيزك عليها بجائزتين : الأولى لها ، والثانية لمطل راجيها وغمط إحسانها ، انتهى.
وقال بعض ذرّيّة ملوك إشبيلية (٥) : [الخفيف]
نثر الورد بالخليج وقد درج |
|
أمواهه هبوب الرياح (٦) |
مثل درع الكميّ مزّقها الطع |
|
ن فسالت بها دماء الجراح |
وقال ابن صارة في النارنج : [الطويل]
كرات عقيق في غصون زبرجد |
|
بكفّ نسيم الريح منها صوالج |
نقبّلها طورا وطورا نشمّها |
|
فهنّ خدود بيننا ونوافج |
وقال أبو الحسن بن الزقاق ابن أخت ابن خفاجة (٧) : [المتقارب]
__________________
(١) في ه : «ولك الأمن والأمان».
(٢) انظر الذخيرة ١ / ٢ : ١٩٥.
(٣) سبط البنان : أي كريم العطاء.
(٤) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ٣٥٥.
(٥) انظر ديوان ابن الزقاق ص ١٣١.
(٦) في ب ، ه : «وقد درجه بالهبوب مرّ الرياح».
(٧) انظر ديوان ابن الزقاق ص ١٧٩.
وما شقّ وجنته عابثا |
|
ولكنّها آية للبشر |
جلاها لنا الله كيما نرى |
|
بها كيف كان انشقاق القمر |
وقال : [الكامل]
ضربوا ببطن الواديين قبابهم |
|
بين الصوارم والقنا الميّاد |
والورق تهتف حولهم طربا بهم |
|
فبكلّ محنية ترنّم شادي |
يا بانة الوادي كفى حزنا بنا |
|
أن لا نطارح غير بانة وادي |
وقال : [الخفيف]
نحن في مجلس به كمل الأن |
|
س ولو زرتنا لزاد كمالا |
طلعت فيه من كؤوس الحميّا |
|
ومن الزهر أنجم تتلالا (١) |
غيرنّ النجوم دون هلال |
|
فلتكن منعما لهنّ الهلالا (٢) |
وقال : [الكامل]
وهويتها سمراء غنّت وانثنت |
|
فنظرت من ورقاء في أملودها (٣) |
تشدو ووسواس الحليّ يجيبها |
|
مهما انثنت في وشيها وعقودها |
أو ليس من بدع الزمان حمامة |
|
غنّت فغنّى طوقها في جيدها |
وقال : [البسيط]
لئن بكيت دما والعزم من شيمي |
|
على الخليط فقد يبكي الحسام دما |
وقال أبو تمام غالب بن رباح الحجام (٤) في دولاب طار منه لوح فوقف : [المنسرح]
وذات شدو وما لها حلم |
|
كلّ فتى بالضمير حيّاها |
وطار لوح بها فأوقفها |
|
كلمحة العين حين جراها (٥) |
وكان المذكور ربّي في قلعة رباح غربي طليطلة ، ولا يعلم له أب ، وتعلّم الحجامة
__________________
(١) الحميّا : الخمر.
(٢) في ه : «فلتكن منعما لهن هلالا».
(٣) الأملود : الغصن الناعم اللين.
(٤) انظر ترجمته في الذخيرة ج ٢ ص ٢٥٦ ، والمغرب ج ٢ ص ٤٠.
(٥) في ب ، ه : «ثم أجراها».
فأتقنها ، ثم تعلّق بالأدب (١) حتى صار آية ، وهو القائل في ثريّا الجامع : [البسيط]
تحكي الثريّا الثريّا في تألّقها |
|
وقد عراها نسيم فهي تتّقد |
كأنها لذوي الإيمان أفئدة |
|
من التخشّع جوف الليل ترتعد |
وقال : [البسيط]
زرت الحبيب ولا شيء أحاذره |
|
في ليلة قد لوت بالغمض أشفارا |
في ليلة خلت من حسن كواكبها |
|
دراهما وحسبت البدر دينارا |
وقال في الثريا أيضا : [البسيط]
انظر إلى سرج في الليل مشرقة |
|
من الزجاج تراها وهي تلتهب |
كأنها ألسن الحيّات قد برزت |
|
عند الهجير فما تنفكّ تضطرب (٢) |
وقال : [الطويل]
ترى النّسر والقتلى على عدد الحصا |
|
وقد مزّقت أحشاءها والترائبا |
مضرّجة ممّا أكلن كأنها |
|
عجائز بالحنّا خضبن ذوائبا |
وقال ، وقد أبدع غاية الإبداع ، وأتى بما يحيّر الألباب ، وإن كان أبو نواس فاتح هذا الباب: [الطويل]
وكأس ترى كسرى بها في قرارة |
|
غريقا ولكن في خليج من الخمر |
وما صوّرته فارس عبثا به |
|
ولكنّهم جاؤوا بأخفى من السّحر |
أشاروا بما كانوا له في حياته |
|
فنومي إليه بالسجود وما ندري |
وما أحلى قوله (٣) : [الكامل]
الأقحوان رمى عليك ظلامة |
|
لمّا عنفت عليه بالمسواك (٤) |
لا يحمل النّور الأنيق تمسّه |
|
كفّ بعود بشامة وأراك |
وجلاؤه المخلوق فيه قد كفى |
|
من أن يراع عراره بسواك (٥) |
وقوله (٦) : [الوافر]
__________________
(١) في ه : «تعلق بالآداب».
(٢) الهجير : شدة الحر.
(٣) انظر الذخيرة ص ٢٦٢.
(٤) في ه : «الأقحوان أرى عليك ظلامة» تحريفا.
(٥) العرار : نبت طيب الرائحة.
(٦) انظر المغرب ج ٢ ص ٤٠.
صغار الناس أكثرهم فسادا |
|
وليس لهم لصالحة نهوض |
ألم تر في سباع الطير سرّا |
|
تسالمنا ، ويأكلنا البعوض |
وقد بلغ غاية الإحسان في قوله : [الوافر]
فما للملك ليس يرى مكاني |
|
وقد كحلت لواحظه بنوري |
كذا المسواك مطّرحا مهانا |
|
وقد أبقى جلاء في الثغور |
ومن حسناته قوله (١) : [السريع]
لي صاحب لا كان من صاحب |
|
فإنه في كبدي جرحه |
يحكي إذا أبصر لي زلّة |
|
ذبابة تضرب في قرحه |
ولقيه أبو حاتم الحجاري على فرس في غاية الضعف والرذالة قد أهلكها الوجى (٢) ، وكانا في جماعتين ، فقال له : يا أبا تمام ، أنشدني قولك : [الطويل]
وتحتي ريح تسبق الريح إن جرت |
|
وما خلت أنّ الريح ذات قوائم |
لها في المدى سبق إلى كلّ غاية |
|
كأنّ لها سبقا يفوق عزائمي |
وهمّة نفسي نزّهتها عن الوجى |
|
فيا عجبا حتى العلا في البهائم |
فلمّا أنشده إيّاها ردّ رأسه أبو حاتم إلى الجماعتين وقال : ناشدتكم الله أيجوز لحجّام على فرس مثل هذه الرمكة (٣) الهزيلة العرجاء ، أن يقول مثل هذا؟ فضحك جميع من حضر ، وأقبل أبو تمام من غيظه (٤) يسبّه.
ومن شعر الحجام المذكور قوله : [البسيط]
لا يفخر السيف والأقلام في يده |
|
قد صار قطع سيوف الهند للقصب |
فإن يكن أصلها لم يقو قوّتها |
|
(فإنّ في الخمر معنى ليس في العنب) |
وقال : [الكامل]
ثقلت على الأعداء إلّا أنها |
|
خفّت على السّبّاب والإبهام |
__________________
(١) انظر الذخيرة ص ٢٦٤.
(٢) الوجى ـ بفتح الواو والجيم : الحفا أو أشده ، حتى ليشق على الذي ما أصيب به المشي إنسانا كان أو دابة.
(٣) الرمكة : الفرس التي تتخذ للنسل.
(٤) في ب ، ه : «في غيظه».
أخذت من الليل البهيم سواده |
|
وبدت تنمّق أوجه الأيام |
وقال (١) : [الكامل]
نظر الحسود فازدرى لي هيئة |
|
والفضل منّي لا يزال مبينا |
قبحت صفاتي من تغيّر ودّه |
|
صدأ المراة يقبّح التحسينا (٢) |
وقال : (٣) [الطويل]
تصبّر وإن أبدى العدوّ مذمّة |
|
فمهما رمى ترجع إليه سهامه |
كما يفعل النحل الملمّ بلسعه |
|
يريد به ضرّا وفيه حمامه |
وقال : [البسيط]
وبارد الشّعر لم يؤلم به ولقد |
|
أضرّ منه جميع الناس واعتزلا |
كأنه الصّلّ لا تؤذيه ريقته |
|
حتى إذا مجّها في غيره قتلا (٤) |
وقال ابن الزقاق (٥) : [الطويل]
دعاك خليل والأصيل كأنه |
|
عليل يقضّي مدة الرّمق الباقي |
إلى شطّ منساب كأنك ماؤه |
|
صفاء ضمير أو عذوبة أخلاق |
ومهوى جناح للصّبا يمسح الرّبا |
|
خفيّ الخوافي والقوادم خفّاق |
على حين راح البرق في الجوّ مغمدا |
|
ظباه ودمع المزن من جفنه راق |
وقد حان منّي للرياض التفاتة |
|
حبست بها كأسي قليلا عن الساقي |
على سطح خيريّ ذكرتك فانثنى |
|
يميل بأعناق ويرنو بأحداق (٦) |
فصل زهرات منه هذا كأنها |
|
وقد خضلت قطرا محاجر عشّاق |
ولمّا مدح الحسيب أبو القاسم بن مسعدة (٧) الأوسي أمير المؤمنين عبد المؤمن بقوله : [الطويل]
__________________
(١) انظر الذخيرة ص ٢٦٣.
(٢) المراة : أصلها المرآة ، حذف الهمزة ، وألقى فتحها على الراء.
(٣) انظر الذخيرة ص ٢٦٣.
(٤) الصلّ : الحية الخبيثة.
(٥) انظر ديوان ابن الزقاق ص ٢٨٦.
(٦) الخيري : زهر المنثور الأصفر.
(٧) في ب : «أبو محمد القاسم بن مسعدة». وفي ج : «بن سعدة».
حنانيك مدعوّا ولبّيك داعيا |
|
فكلّ بما ترضاه أصبح راضيا |
طلعت على أرجائنا بعد فترة |
|
وقد بلغت منّا النفوس التّراقيا |
وقد كثرت منّا سيوف لدى العلا |
|
ومن سيفك المنصور نبغي التقاضيا |
وغيرك نادينا زمانا فلم يجب |
|
وعزمك لم يحتج علاه مناديا |
كتب اسمه وزير عبد المؤمن في جملة الشعراء ، فلمّا وقف على ذلك عبد المؤمن ضرب على اسمه وقال : إنما يكتب اسم هذا في جملة الحساب (١) ، لا تدنّسوه بهذه النسبة ، فلسنا ممّن يتغاضى على غمط حسبه ، ثم أجزل صلته ، وأمر له بضيعة يحرث له بها ، يعني بذلك أنه من ذريّة ملوك ؛ لأنّ جدّه كان ملك وادي الحجارة.
وقال أبو بكر محمد بن أرزق : [السريع]
هل علم الطائر في أيكه |
|
بأنّ قلبي للحمى طائر |
ذكّرني عهد الصّبا شجوه |
|
وكلّ صبّ للصّبا ذاكر |
سقى الحيا عهدا لهم بالحمى |
|
دمع له ذكرهم ناثر (٢) |
وقال أبو جعفر بن أرزق (٣) : [الطويل]
أراك ملكت الخافقين مهابة |
|
بها ما تلحّ الشّهب بالخفقان (٤) |
وتغضي العيون عن سناك كأنها |
|
تقابل منك الشمس في اللّمعان (٥) |
وتصفرّ ألوان العداة كأنما |
|
رموا منك طول الدهر باليرقان |
وقال أبو القاسم بن أزرق : [مخلع البسيط]
ذاك الزمان الذي تقضّى |
|
يا ليته عاد منه حين |
بكلّ عمري الذي تبقّى |
|
وما أنا في الشّرا غبين (٦) |
وقال راشد بن عريف الكاتب : [مخلع البسيط]
جمّع في مجلس ندامى |
|
تحسدني فيهم النجوم |
فقال لي منهم نديم |
|
مالك إذ قمت لا تقوم |
__________________
(١) في ب : «الحسباء».
(٢) في ب : «سقى عهودا لهم بالحمى».
(٣) انظر المغرب ج ٢ ص ٢٩.
(٤) في ه : «بها ما تلح الشهب في الخفقان».
(٥) في ه : «عن سناك كأنما».
(٦) الشرا : في الأصل الشراء ، حذف الهمزة.
فقلت إن قمت كلّ حين |
|
فإنّ حظّي بكم عظيم |
وليس عندي إذن ندامى |
|
بل عندي المقعد المقيم |
وقال الحسيب أبو جعفر بن عائش (١) : [السريع]
ولي أخ أورده سلسلا |
|
لكنه يوردني مالحا |
ألقاه كي أبسطه ضاحكا |
|
ويلتقيني أبدا كالحا |
وليس ينفكّ عنائي به |
|
ما رمت من فاسده صالحا |
قال الحجاري : وكتب إلى جدي إبراهيم في يوم صحو بعد مطر : [السريع]
إذا رأيت الجوّ يصحو فلا |
|
تصح ، سقاك الله من سكر |
تعال فانظر لدموع الندى |
|
ما فعلت في مبسم الزهر |
ولا تقل إنك في شاغل |
|
فليس هذا آخر الدهر |
تخلف ما فات سوى ساعة |
|
تقتضى فيها لذة الخمر |
فأجابه : [السريع]
لبّيك لبّيك ولو أنني |
|
أسعى على الرأس إلى مصر |
فكيف والدار جواري وما |
|
عندي من شغل ولا عذر |
ولو غدا لي ألف شغل بلا |
|
عذر تركت الكلّ للحشر |
وكلّما أبصرني ناظر |
|
ببابكم عظّم من قدري |
أنا الذي يشربها دائما |
|
ما حضرت في الصّحو والقطر |
وليس نقلي أبدا بعدها |
|
إلّا الذي تعهد من شكري |
[قال الحجاري : ولم يقصّر جدي في جوابه ، ولكن ابن عائش أشعر منه في ابتدائه ، ولو لم يكن له إلّا قوله «تعال فانظر ـ إلخ» لكفاه] ، قال : وفيه يقول جدي [إبراهيم](٢) يمدحه: [الطويل]
ولو كان ثان في الندى لابن عائش |
|
لما كان في شرق وغرب أخو فقر |
يهشّ إلى الأمداح كالغصن للصّبا |
|
وبشر محيّاه ينوب عن الزهر (٣) |
__________________
(١) انظر المغرب ج ٢ ص ٢٧.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من ج.
(٣) يهشّ : يبتسم ويرتاح وينشرح صدره.
فيا ربّ زد في عمره إنّ عمره |
|
حياة أناس قد كفوا كلفة الدهر |
وقتله ابن مسعدة ملك وادي الحجارة الثائر بها ، ولمّا قدّمه ليقتله قال : ارفق عليّ حتى أخاصم عن نفسي ، فقال : على لسانك قتلناك ، فقال له : لا رفق الله عليك يوم تحتاج إلى رفقه! فقال بجبروتيته (١) : ما رهبنا السيوف الحداد ، ونرهب (٢) دعاء الحسّاد.
وقال أبو الحسن علي بن شعيب (٣) : [الخفيف]
انزعي الوشي فهو يستر حسنا |
|
لم تحزه برقمهنّ الثياب |
ودّعيني عسى أقبّل ثغرا |
|
لذّ فيه اللّمى وطاب الرّضاب |
وعجيب أن تهجريني ظلما |
|
وشفيعي إلى صباك الشباب |
وقال أخوه أبو حامد الحسين حين كبا به فرسه فحصل في أسر العدوّ : [الوافر]
وكنت أعدّ طرفي للرزايا |
|
يخلّصني إذا جعلت تحوم |
فأصبح للعدا عونا لأني |
|
أطلت عناءه فأنا الظّلوم |
وكم دامت مسرّاتي عليه |
|
وهل شيء على الدنيا يدوم |
وقال أبو الحسن علي بن رجاء ، صاحب دار السكة والأحباس بقرطبة : [السريع]
يا سائلي عن حالتي إنّني |
|
لا أشتكي حالي لمن يضعف |
مع أنني أحذر من نقده |
|
لا سيما إن كان لا ينصف |
وأنشد له الحميدي في «الجذوة» (٤) : [الخفيف]
قل لمن نال عرض من لم ينله |
|
حسبنا ذو الجلال والإكرام |
لم يزدني شيئا سوى حسنات |
|
لا ولا نفسه سوى آثام |
كان ذا منعة فثقّل ميزا |
|
ني بهذا فصار من خدّامي |
وقال أبو محمد القاسم بن الفتح : [مجزوء الكامل]
أيام عمرك تذهب |
|
وجميع سعيك يكتب |
ثم الشهيد عليك من |
|
ك فأين أين المهرب |
__________________
(١) في ب ، ه : «بجبروته».
(٢) في ب ، ه : «نرهب» بغير واو.
(٣) انظر المغرب ج ٢ ص ٢٧.
(٤) انظر الجذوة ص ٨٢٩٥.
وقال أبو مروان عبد الملك بن (١) غصن : [الوافر]
فديتك لا تخف مني سلوّا |
|
إذا ما غيّر الشّعر الصّغارا |
أهيم بدنّ خمر صار خلّا |
|
وأهوى لحية كانت عذارا (٢) |
وقال : [مخلع البسيط]
قد ألحف الغيم بانسكابه |
|
والتحف الجوّ في سحابه |
قام داعي السرور يدعو |
|
حيّ على الدّنّ وانتهابه |
وتاه فيه النديم ممّا |
|
يزدحم الناس عند بابه |
وكان أحد الأعلام في الآداب والتاريخ والتأليف.
ونقم عليه المأمون بن ذي النون بسبب صحبته لرئيس (٣) بلده ابن عبيدة (٤) ، وبلغه أنه يقع فيه ، فنكبه أشرّ نكبة ، وحبسه ، فكتب إليه من السجن : [الطويل]
فديتك هل لي منك رحمى لعلّني |
|
أفارق قبرا في الحياة فأنشر |
وليس عقاب المذنبين بمنكر |
|
ولكن دوام السخط والعتب منكر (٥) |
ومن عجب قول العداة مثقّل |
|
ومثلي في إلحاحه الدّهر يعذر |
وألّف للمأمون رسالة «السجن والمسجون ، والحزن والمحزون» ورسالة أخرى سمّاها «بالعشر كلمات» ، وقال : [مخلع البسيط]
يا فتية خيرة فدتهم |
|
من حادثات الزمان نفسي |
شربهم الخمر في بكور |
|
ونطقهم عندها بهمس |
أما ترون الشتاء يلقي |
|
في الأرض بسطا من الدّمقس |
مقطّب عابس ينادي |
|
يوم سرور ويوم أنس |
وأخبر عنه (٦) الحميدي في الجذوة أنه شاعر أديب ، دخل المشرق ، وتأدّب ، وحجّ ، ورجع ، وشعره كثير. وله أبيات كتبها في طريق الحجّ إلى أحد القضاة : [الكامل]
يا قاضيا عدلا كأنّ أمامه |
|
ملك يريه واضح المنهاج |
__________________
(١) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٣.
(٢) الدنّ : وعاء الخمر الضخم.
(٣) في ه : «لرائس بلده».
(٤) في ج : «أبي عبيدة».
(٥) في أ، ب ، ه «دوام السخط والعتب ينكر».
(٦) في ب ، ه : «وقال عنه».
طافت بعبدك في بلادك علّة |
|
قعدت به عن مقصد الحجاج |
واعتلّ في البحر الأجاج فكن له |
|
بحرا من المعروف غير أجاج |
وقال الزاهد الورع المحدّث أبو محمد إسماعيل ابن الديواني : [المتقارب]
ألا أيها العائب المعتدي |
|
ومن لم يزل مؤذيا ازدد (١) |
مساعيك يكتبها الكاتبون |
|
فبيّض كتابك أو سوّد |
وقال ابنه أبو بكر (٢) : [مجزوء الكامل]
خاصم عدوّك باللسا |
|
ن وإن قدرت فبالسّنان |
إنّ العداوة ليس يص |
|
لحها الخضوع مدى الزمان |
وقال إبراهيم الحجاري جدّ صاحب «المسهب» (٣) : [الطويل]
لئن كرهوا يوم الوداع فإنني |
|
أهيم به وجدا من اجل عناقه |
أصافح من أهواه غير مساتر |
|
وسرّ التلاقي مودع في فراقه (٤) |
وقال : [الخفيف]
كن كما شئت إنني لا أحول |
|
غير مصغ لما يقول العذول (٥) |
لك والله في الفؤاد محلّ |
|
ما إليه مدى الزمان وصول |
ومرادي بأن تزور خفيّا |
|
ليت شعري متى يكون السبيل |
وقال : [الخفيف]
قد توالت في حالتينا الظنون |
|
فلنصدّق ما كذّبته العيون |
ومرادي بأن تلوح بأفقي |
|
بدر تمّ وذاك ما لا يكون |
أنا قد قلت ما دعاني إليه |
|
كثرة اليأس ، والحديث شجون |
وإذا شئت أن تسفّه رأيي |
|
فمحلّي من الرقيب مصون |
وبه ما تشاء من كلّ معنى |
|
كلّ من لم يجب له مجنون |
وإلى كم تضلّ ليل الأماني |
|
ومن اليأس لاح صبح مبين |
__________________
(١) ازدد : يريد لا تترك ما أنت عليه.
(٢) في ب : «ابنه أبو بكر محمد».
(٣) انظر المغرب ج ٢ ص ٣٣.
(٤) في ب ، ه : «أصافح من أهواه غير مساتر».
(٥) لا أحول : لا أتحول ، ولا أتبدل.
وقال : [المجتث]
سألته عن أبيه |
|
فقال خالي فلان |
فانظر عجائب ما قد |
|
أتت به الأزمان |
دهر عجيب لديه |
|
عن المعالي حران (١) |
فما له غير ذمّ |
|
كما تدين تدان |
وقال الكاتب العالم أبو محمد بن خيرة الإشبيلي (٢) صاحب كتاب «الريحان والريعان» يمدح السيد أبا حفص ملك إشبيلية ابن أمير المؤمنين عبد المؤمن من قصيدة : [البسيط]
كأنما الأفق صرح والنجوم به |
|
كواعب وظلام الليل حاجبه |
وللهلال اعتراض في مطالعه |
|
كأنه أسود قد شاب حاجبه |
وأقبل الصبح فاستحيت مشارقه |
|
وأدبر الليل فاستخفت كواكبه |
كالسيد الماجد الأعلى الهمام أبي |
|
حفص لرحلته ضمّت مضاربه |
وأنشد له ابن الإمام في «سمط الجمان» : [الكامل]
رعيا لمنزله الخصيب وظلّه |
|
وسقى الثرى النجديّ سحّ ربابه (٣) |
واها على ساداته لا أدّعي |
|
كلفا بزينبه ولا بربابه (٤) |
ويعرف رحمه الله تعالى بابن المواعيني.
وقال ابنه أبو جعفر أحمد : [الخفيف]
يا أخي ، هاتها وحجّب سناها |
|
عن مثير بها جنونا وسخفا |
هذه الشمس إن بدت لضعيف ال |
|
عين زادت في ذلك الضعف ضعفا |
إنّما يشرب المدامة من إن |
|
خشنت كفّه جفاها وكفّا |
وكتب الوزير أبو الوليد إسماعيل بن حبيب الملقب بحبيب إلى أبيه : لمّا خلق الربيع من أخلاقك الغرّ ، وسرق زهره من شيمك الزّهر ، حسن في كلّ عين منظره ، وطاب في كل سمع خبره ، وتاقت النفوس إلى الراحة فيه ، ومالت إلى الإشراف على بعض ما يحتويه ، من النور الذي بسط على الأرض حللا ، لا ترى (٥) في أثنائها خللا ، سلوك نثرت على الثرى ، وقد
__________________
(١) الحران : مصدر حرن يحرن ، أي رفض الانقياد.
(٢) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ٢٤٢.
(٣) سح الرباب : شدة هطول السحاب.
(٤) رباب هنا : اسم امرأة.
(٥) في ه : «لا يرى الناظر في أثنائها خللا».