السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-091-9
الصفحات: ٤٢٨
فلا يبعد المصير إليه ، ولكن لم أجد مصرّحا به.
( و ) منها ( الكلام ) أي التكلم ( بحرفين فصاعدا عمدا ) مما ليس بدعاء ولا ذكر ولا قرآن مطلقا ولو كان مهملا ، لعمومه له لغة ، كما عن شمس العلوم (١) ونجم الأئمة (٢) ، والخبرين : « من أنّ في صلاته فقد تكلم » (٣).
إجماعا على الظاهر ، المصرح به في عبائر جماعة (٤) حدّ الاستفاضة ، وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة تقدم إلى بعضها الإشارة (٥).
وإطلاقه كغيره وإن شمل صورتي السهو والنسيان عن كونه في الصلاة وظنّ الخروج منها ، إلاّ أنهما خرجتا عنه بالصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، منها : في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم ، قال : « يتمّ ما بقي من
__________________
(١) حكاه عنه في ( كشف اللثام ١ : ٢٣٧ ) وهو كتاب : شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم ، في اللغة ، ثمانية عشر جزءا ، لنشوان بن سعيد بن نشوان اليمني الحميري المتوفى سنة ٥٧٣ ، وقد اختصره ولده في جزأين وسمّاه ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم. انظر كشف الظنون ٢ : ١٠٦١ ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٤ : ٢٢٤.
(٢) شرح الكافية : ٢ وهو للشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآبادي النحوي نجم الأئمة ، المتوفى سنة ٦٨٦ ـ وكان فاضلا ، عالما ، محققا ، مدققا ، كاملا في فنون العربية ومن أقطابها ـ ألّفه في النجف الأشرف ، وكان فراغه من تأليفه سنة ٦٨٣. لم يؤلّف على كتاب الكافية ولا على غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا ، وله كتب اخرى ، منها : شرح الشافية ، شرح قصائد ابن أبي الحديد ، شرح الكافية بالفارسية. انظر كشف الظنون ٢ : ١٣٧٠ ، مجالس المؤمنين : ٥٦٨ ، أمل الآمل ٢ : ٢٥٥ ، رياض العلماء ٥ : ٥٣ ، تنقيح المقال ٣ : ١٠١ ، الذريعة ١٤ : ٣٠.
(٣) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٢٩ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢٥ ح ٢ ، ٤.
(٤) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢٥٣ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٠٨ ، والشهيدين في الذكرى : ٢١٦ ، وروض الجنان : ٣٣١.
(٥) في ص ٢٧٦.
صلاته تكلّم أو لم يتكلم ، ولا شيء عليه » (١) ونحوه آخر (٢) وغيره (٣).
ومنها : في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنه قد أتمّ الصلاة ، وقد تكلّم ، ثمَّ ذكر أنه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : « يتمّ ما بقي من الصلاة ولا شيء عليه » (٤).
وفي كلام جماعة الإجماع عليه في الصورة الاولى (٥) ، وهو حجة أخرى فيها ، مؤيّدة ـ بعد الأصل والنصوص ـ بعدم الخلاف فيها ولا في الثانية إلاّ من الشيخ في النهاية وبعض من تبعه كالحلبي وغيره (٦) ، فأبطل الصلاة فيها ، ولعلّه للإطلاق المقيد بما عرفته إن سلّم شموله لمثلها. وإن ادّعي تبادر العمد منه ـ كما قيل (٧) ـ ارتفع الإشكال من أصله ، ولا احتياج إلى التقييد به بالكلية.
وفي الحرف الواحد المفهم ك : « ق » وإن كان بدون هاء السكت لحنا ، والحرف بعده مدّة ، أي مدّ صوت لا يؤدّي إلى حرف آخر ، وكلام المكره عليه نظر :
أما الأوّل فمن الخلاف في دخوله في الكلام لغة كما عن شمس
__________________
(١) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ٥.
(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠١١ ، التهذيب ٢ : ١٨١ / ٧٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧١ / ١٤١١ ، الوسائل ٨ : ١٩٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ٣.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٦١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ١٧.
(٤) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ / ١٤٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٣ ح ٩.
(٥) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٢٥٣ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٣٠٩ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٧٠.
(٦) النهاية : ٩٠ ، الكافي في الفقه : ١٢٠ ، وانظر الوسيلة : ١٠٠.
(٧) الحدائق ٩ : ٢٥.
العلوم (١) ، واختار دخوله نجم الأئمة كما قيل (٢). وعن نهاية الإحكام أنه من اشتماله على مقصود الكلام والإعراض به عن الصلاة ، ومن أنه لا يعدّ كلاما إلاّ ما انتظم من حرفين ، والحرف الواحد ينبغي أن يسكت عليه بالهاء (٣). وعن التذكرة أنه من حصول الإفهام فأشبه الكلام ، ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الإبطال به (٤). وعنهما القطع بخروجه عن الكلام. وفي المنتهى أن الوجه الإبطال ، لوجود مسمى الكلام فيه ، وفيه الإجماع على عدم إبطال غير المفهوم من الحرف الواحد ، كما هو الظاهر ، لأنه لا يسمّى كلاما (٥). وعن التذكرة نفى الخلاف عنه (٦).
وأما الثاني : فمن التردّد في أنّ الحركات المشبعة إنما يكون ألفا أو واوا أو ياء ، ولعلّه المراد بما عن التذكرة ونهاية الإحكام من أنه ينشأ من تولّد المدّ من إشباع الحركة ولا يعدّ حرفا ، ومن أنه إما ألف أو واو أو ياء (٧).
وأما الثالث : فمن عموم النصوص والفتاوى ، وهو الأقوى ، كما عن التذكرة ونهاية الإحكام (٨) ، وهو فتوى التحرير (٩). ومن الأصل ، ورفع ما استكرهوا عليه ، وحصر وجوب الإعادة في الخمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ، وتبادر الاختيار من الإطلاق.
__________________
(١) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢٣٧.
(٢) حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٣٨ ، وانظر شرح الكافية : ٢.
(٣) نهاية الإحكام ١ : ٥١٥.
(٤) التذكرة ١ : ١٣١.
(٥) المنتهى ١ : ٣٠٩.
(٦) التذكرة ١ : ١٣١.
(٧) التذكرة ١ : ١٣١ ، نهاية الإحكام ١ : ٥١٥.
(٨) التذكرة ١ : ١٣١ ، نهاية الإحكام ١ : ٥١٦.
(٩) التحرير ١ : ٤٣.
وفي الإيضاح : المراد حصول الإكراه مع اتساع الوقت (١).
قيل : لأنّه مع الضيق مضطر إلى فعله مؤد لما عليه. وفيه : أنه مع السعة أيضا كذلك ، خصوصا إذا طرأ الإكراه في الصلاة ، ولا دليل على أن الضيق شرط في الاضطرار ، ولا على إعادة المضطر إذا بقي الوقت (٢).
( وكذا القهقهة ) تبطلها عمدا لا سهوا ، إجماعا على الظاهر ، المصرح به فيهما في كلام جماعة (٣) حدّ الاستفاضة. والمعتبرة بالأوّل مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : « القهقهة لا تنقض الوضوء ، وتنقض الصلاة » (٤) ونحوه الموثق وغيره ، بزيادة « إن التبسّم لا يقطع الصلاة » (٥) وهو إجماعي أيضا على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٦). وبذلك يقيّد النص المطلق ، كما يقيّد هو وغيره من النصوص بالإضافة إلى القهقهة سهوا بما مرّ من الإجماع المنقول.
وهل المراد بالقهقهة مطلق الضحك المقابل للتبسّم؟ كما هو ظاهر مقابلتها له في النصوص ، ويقتضيه ما عن المفصل والمصادر للزوزني والبيهقي : من أنها الضحك بصوت (٧).
أو الضحك المشتمل على المدّ والترجيع؟ كما عن العين وابن
__________________
(١) إيضاح الفوائد ١ : ١١٧.
(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٢٣٧.
(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٢٥٤ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٣٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٢ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٧٢.
(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ ، الوسائل ٧ : ٢٥٠ أبواب قواطع الصلاة بـ ٧ ح ١.
(٥) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٢ ، التهذيب ١ : ١٢ / ٢٤ ، ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٥ ، الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٤ ، الوسائل ٧ : ٢٥٠ أبواب قواطع الصلاة بـ ٧ ح ٢ ، ٣ ، ٤.
(٦) كالتذكرة ١ : ١٣٢ ، وروض الجنان : ٣٣٣ ، والمفاتيح ١ : ١٧٢.
(٧) كما نقله عنهم في كشف اللثام ١ : ٢٣٨.
المظفّر (١) ، وقريب منهما ما عن المجمل والمقاييس من أنها الإغراب في الضحك (٢) ، وعن شمس العلوم من أنها المبالغة فيه (٣) ، وعن الديوان والصحاح من أنها أن يقول : قه قه (٤) ، وعن الأساس : قهّ الضاحك إذا قال في ضحكه : قه ، فإذا كرّره قيل : قهقه ، كذا في القاموس (٥).
إشكال ، والعرف يساعد الثاني ، والمقابلة تقتضي التجوّز بإدخال مالا مدّ فيه من الضحك في القهقهة أو التبسم ، ولا يتعين الأول ، وكلام بعض أهل اللغة وإن اقتضاه ، إلاّ أنه معارض بكلام الأكثر منهم المعتضد بما عرفت من العرف ، فلعلّه الأرجح ، لكن ظاهر روض الجنان كون الأوّل مراد الأصحاب (٦) ، فالاحتياط لا يترك.
وإن غلب الضحك فقهقه اضطرارا بطلت الصلاة ، كما عن نهاية الإحكام والذكرى والتذكرة (٧) ، وظاهره ـ كما قيل (٨) ـ الإجماع عليه ، لعموم النصوص. قيل : خلافا للشافعية وجمل العلم والعمل على احتمال (٩).
( و ) كذا ( الفعل الكثير الخارج عن الصلاة ) يبطلها عمدا لا سهوا ، بلا خلاف حتى في الثاني إن لم يمح صورة الصلاة به ، بل قيل : ظاهر الأصحاب
__________________
(١) العين ٣ : ٣٤١ ، ونقله عن ابن المظفر في كشف اللثام ١ : ٢٣٨.
(٢) مجمل اللغة ٤ : ١١١ ، المقاييس ٥ : ٥.
(٣) كما حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٢٣٨.
(٤) نقله عن الديوان في كشف اللثام ١ : ٢٣٨ ، الصحاح ٦ : ٢٢٤٦.
(٥) أساس البلاغة : ٣٨٠ ، القاموس ٤ : ٢٩٣.
(٦) روض الجنان : ٣٣٢.
(٧) نهاية الإحكام ١ : ٥١٩ ، الذكرى : ٢١٦ ، التذكرة ١ : ١٣٢.
(٨) الذخيرة : ٣٥٥.
(٩) انظر كشف اللثام ١ : ٢٣٨ ، وجمل العلم والعمل ( رسائل السيد ٣ ) : ٣٤.
عدم البطلان فيه مطلقا. وظاهره دعوى الإجماع ، كما في التذكرة والذكرى (١).
وهو الحجة فيه ، كالإجماعات المستفيضة النقل في الأوّل (٢) ، مضافا فيه إلى إطلاق المستفيضة ، كالمروي في قرب الإسناد في التكتف في الصلاة : « أنه عمل في الصلاة ، وليس في الصلاة عمل » (٣).
والموثق الناهي عن قتل الحيّة بعد أن يكون بينه وبينها أكثر من خطوة (٤).
والخبر الناهي عن الإيماء في الصلاة (٥).
والمروي في قرب الإسناد أيضا : عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته وهو في صلاته ، وما عليه إن فعل ذلك متعمّدا؟ قال : « إن كان ناسيا فلا بأس ، وإن كان متعمّدا فلا يصلح » (٦).
لكنها مطلقة شاملة لصور العمد والسهو والكثرة والقلة ، إلاّ الأخير ، فمفصّل بين الصورتين الأوليين ، مع أنّ الصلاة غير فاسدة في الثانية منهما إجماعا ، كما مضى ، وكذا في الثانية من الأخيرتين على الظاهر ، المصرّح به في المنتهى (٧).
ومع ذلك معارضة بالصحاح المستفيضة وغيرها المجوّزة لقتل البرغوث
__________________
(١) التذكرة ١ : ١٣٢ ، الذكرى : ٢١٥.
(٢) كما في المنتهى ١ : ٣١٠ ، والمفاتيح ١ : ١٧١.
(٣) قرب الإسناد : ٢٠٨ / ٨٠٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٥ ح ٤.
(٤) الفقيه ١ : ٢٤١ / ١٠٧٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٣ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٩ ح ٤.
(٥) الكافي ٣ : ٣٠٥ / ٢٠ ، التهذيب ٢ : ٥٤ / ١٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٠١ / ١١١١ ، الوسائل ٥ : ٣٩٦ أبواب الأذان والإقامة بـ ١٠ ح ١٢.
(٦) قرب الإسناد : ١٩٠ / ٧١٣ ، الوسائل ٧ : ٢٩٠ أبواب قواطع الصلاة بـ ٣٤ ح ١.
(٧) المنتهى ١ : ٣١٠.
والحيّة والعقرب والبقة والقمل والذباب ، كما في الصحاح وغيرها (١).
وضمّ الجارية المارّة إليه ، كما في الصحيح (٢).
وحمل الصبي وإرضاعه ، كما في الموثق وغيره (٣).
وتصفيق المرأة عند إرادة الحاجة ، كما في الصحيح (٤).
وعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذه بيده ، كما فيه (٥) ، وفي المنتهى دعوى الإجماع عليه (٦).
وتسوية الحصى في السجود بين السجدتين ، كما في الموثق (٧).
وضرب الحائط لإيقاظ الغلام ، كما في الصحيح (٨).
ومسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب ، كما في الموثق (٩).
ونحو ذلك من الأفعال التي تضمّنتها الأخبار الكثيرة التي كادت تبلغ هي مع سابقتها التواتر.
ومع ذلك معمول بها بين الأصحاب ، وإن اختلفوا في الاقتصار على مواردها ، كما عن المعتبر ونهاية الإحكام (١٠) ، أو إلحاق ما يضاهيها بها ، كما
__________________
(١) الوسائل ٧ : ٢٧٤ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢٠.
(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٥٠ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢٢ ح ١.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٥٥ ، الوسائل ٧ : ٢٨٠ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢٤ ح ١.
(٤) الفقيه ١ : ٢٤٢ / ١٠٧٤ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٢٨ ح ٣.
(٥) الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٨٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٧ أبواب الخلل الواقع في الصلاة بـ ٢٨ ح ٣.
(٦) المنتهى ١ : ٣١٠.
(٧) الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٥ ، الوسائل ٦ : ٣٧٣ أبواب السجود بـ ١٨ ح ٢.
(٨) الكافي ٣ : ٣٠١ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٢٩ ، الوسائل ٧ : ٢٥٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ٩ ح ٨.
(٩) التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٦ ، الوسائل ٦ : ٣٧٣ أبواب السجود بـ ١٨ ح ١.
(١٠) المعتبر ٢ : ٢٥٥ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٢١.
يميل إليه بعض الأصحاب ، حيث قال ـ بعد نقل جملة من هذه الأخبار ـ : ففي النظر إليها يظهر قلّة وجود الفعل الكثير المبطل ، وعدم مدخلية الكثرة ، وأن بعض الأبحاث في هذه المسألة لا يخلو عن شيء مثل : هل يشترط في الكثرة التوالي أم لا؟ وأن المرجع في القلّة والكثرة إلى العادة ، وأنه لا عبرة بالعدد ، فقد يكون الكثير قليلا كحركة الأصابع ، والقليل كثيرا كالطفرة الفاحشة. انتهى (١) وهو حسن.
مع أن ما ذكروه من الرجوع في تحقيق الكثرة والقلة إلى العادة منظور فيه ، أوّلا : بما ذكره بعض الأصحاب : من أن ذلك متجه إن كان مستند الحكم النص ، وليس كذلك ، فإني لم أطّلع على نصّ يتضمن أن الفعل الكثير مبطل ، ولا ذكر نصّ في هذا الباب في شيء من كتب الاستدلال ، فإذا مستند الحكم هو الإجماع ، فيجب إناطة الحكم بمورد الاتفاق ، فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا. ومتى ثبت أنه ليس بكثير فهو ليس بمبطل. ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا ، لأن اشتراط الصحة بتركه يحتاج إلى دليل بناء على أن الصلاة اسم للأركان مطلقا ، فيكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها. ويحتمل البطلان ، لتوقّف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه (٢).
وثانيا : بأن العادة المحكوم بالرجوع إليها في ضبط الكثرة إن كان المراد بها ما يرادف العرف العام ففساده واضح ، وإن كان المراد بها عرف المتشرّعة فهو فرع ثبوته ، وهو في حيّز المنع لو أريد بهم العلماء خاصة ، لاختلافهم في الكثير المبطل ، فبعض يبطل بما لا يبطل به الآخر ، ومعه لا يحصل الحقيقة التي
__________________
(١) انظر مجمع الفائدة ٣ : ٧١.
(٢) انظر الذخيرة : ٣٥٥.
هي المرجع ، وكذا لو أريد بهم العوام ، مع أنهم ليسوا المرجع في شيء.
نعم ، هذا حسن فيما لو اتّفق الكل على كونه كثيرا ، كالأكل والشرب والوثبة العظيمة والخياطة والحياكة ونحوها مما تشهد بفساد الصلاة به البديهة ، ومعلوم أن الفعل الكثير المستدل لبطلان الصلاة به بهذا الدليل أعم منه ، ومع ذلك فحيث اتفقوا يكون المناط في البطلان هو الإجماع حقيقة ، كما مرّ عن بعض الأصحاب ، وما عداه يكون الوجه فيه ما ذكره ، وإن كان الوجه الأخير الذي احتمله أحوط.
( والبكاء لأمور الدنيا ) يبطلها عمدا ، بلا خلاف يعتدّ به ، بل ظاهرهم الإجماع عليه كما عن ظاهر التذكرة (١) ، للخبر : « إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميّتا له فصلاته فاسدة » (٢).
وضعفه سندا وقصوره عن إفادة تمام المدّعى مجبور بالشهرة ، وعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، المؤيّدة بقرينة المقابلة الظاهرة في أن ذكر خصوص البكاء على الميت إنما هو لمجرّد التمثيل ، وإلاّ لجعل مقابله مطلق البكاء على غيره ، لا البكاء على خصوص ذكر الجنة والنار.
وفي السهو قولان ، من إطلاق النص ، واحتمال اختصاصه بحكم التبادر بصورة العمد كما في نظائره ، مضافا إلى الأصل ، وحديث رفع القلم ، وحصر وجوب الإعادة في الخمسة ، وهذا خيرة الحلبيين وابن حمزة (٣) وظاهر العبارة.
__________________
(١) التذكرة ١ : ١٣٢.
(٢) التهذيب ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٥ ، الاستبصار ١ : ٤٠٨ / ١٥٥٨ ، الوسائل ٧ : ٢٤٧ أبواب قواطع الصلاة بـ ٥ ح ٤.
(٣) أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٢٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٩٧.
خلافا للمحكي عن المبسوط والمهذب والإصباح (١) ، فالأول ، وهو أحوط.
ثمَّ إن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في البكاء بين أنواعه ، حتى ما خلا عن صوت ونحيب.
وربما خصّ بما اشتمل عليهما ، اقتصارا على المتفق عليه.
وهو حسن إن انحصر الدليل في الاتفاق ، مع أن النص دليل آخر ، إلاّ أن يضعّف دلالته باشتماله على لفظ البكاء ولا يدرى أممدود فيه فيختص أم مقصور فيعمّ.
وفيه : أن لفظ البكاء المحتمل للأمرين إنما هو في كلام الراوي ، وأما لفظ الإمام الذي هو المعتبر فإنما هو « بكى » بصيغة الفعل المطلق الشامل للأمرين ، فتأمل.
هذا مع أن الفرق بين الأمرين أمر لغوي لا أظن العرف يعتبره ، وهو مقدم على اللغة حيثما حصل بينهما معارضة ، كما قرّر في محله.
( و ) في بطلان الصلاة بالتكفير المفسّر عند الأصحاب بـ ( وضع اليمين على الشمال ) مطلقا ، وبالعكس أيضا على ما ذكره جماعة منهم (٢) ، ويظهر من بعض الروايات ، وإن كان ظاهر الصحيح أنه الأول خاصة. أو كراهته ( قولان ).
إلاّ أنّ ( أظهرهما ) وأشهرهما ( الإبطال ) بل عليه عامّة المتأخّرين ، وفي الانتصار والخلاف وعن الأمالي والغنية (٣) الإجماع عليه ، والنصوص به مع
__________________
(١) المبسوط ١ : ١١٨ ، المهذّب ١ : ١٥٤.
(٢) العلاّمة في القواعد ١ : ٣٥ ، وابن فهد الحلّي في المهذب ١ : ٣١١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٢٣٥.
(٣) الانتصار : ٤١ ، الخلاف ١ : ١٠٩ ، الأمالي : ٥١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.
ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : قلت : الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى؟ قال : « ذلك التكفير فلا تفعل » (١).
وفي الصحيح وغيره : « لا تكفّر فإنما يفعل ذلك المجوس » (٢).
وفي جملة من النصوص المتقدم بعضها المروية عن قرب الإسناد وغيره أن : « وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل » (٣).
وفي المروي عن دعائم الإسلام ، عن جعفر بن محمد بن علي عليهمالسلام أنه قال : « إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ، ولا اليسرى على اليمنى ، فإن ذلك تكفير أهل الكتاب ، ولكن أرسلهما إرسالا ، فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة » (٤).
وهو صريح فيما ذكره الجماعة من انسحاب الحكم في وضع الشمال على اليمين أيضا ، وظاهر الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع عليه (٥) ، وهو ظاهر كل من استدل على المنع بكونه فعل كثير ونحوه كالمرتضى وغيره (٦).
ولا بأس به ، وإن تردّد فيه في المنتهى (٧) ، لضعفه بدعوى الإجماع على خلافه ، المعتضدة بصريح الرواية ، وظاهر ما تقدمها ، بل صريحها من حيث التعليل المشترك بينه وبين الملحق به.
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٨٤ / ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٥ ح ١.
(٢) الكافي ٣ : ٢٩٩ / ١ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٥ ح ٢.
(٣) قرب الإسناد : ٢٠٨ / ٨٠٩ ، الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٥ ح ١٤.
(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٥٩ ، المستدرك ٥ : ٤٢١ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٤ ح ٢.
(٥) الخلاف ١ : ٣٢١.
(٦) المرتضى في الانتصار : ٤١ ، وانظر المنتهى ١ : ٣١١.
(٧) المنتهى ١ : ٣١١.
وهذه النصوص كبعض الإجماعات المنقولة وإن لم يصرّح فيها بالإبطال ، لكن بعد ثبوت التحريم منها بمقتضى النهي الذي هو حقيقة فيه يثبت هو أيضا بالقاعدة المتقدمة في بحث التأمين في الصلاة (١) ، وبالإجماع المركب المصرّح به في كلام جماعة كالمحقق الثاني وشيخنا الشهيد الثاني (٢). فالقول بالتحريم دون البطلان كما في المدارك (٣) ضعيف.
والقول الثاني للحلبي والإسكافي (٤) ، ولا دليل عليه سوى الأصل ، وإشعار بعض الأخبار المعتبرة (٥) به ، من حيث عدّ النهي عنه فيها في جملة من المكروهات المتفق عليها.
ويضعفان بما مر ، فإن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل ، والإشعار لا يعارض الظاهر فضلا عن الصريح.
نعم ، في المروي عن تفسير العياشي : قلت له : أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال عليهالسلام : « لا بأس » (٦) الخبر.
لكنه قاصر عن المقاومة ، لما مرّ من وجوه عديدة ، مع انه محتمل للورود مورد التقية.
وهل يختص الحكم بحالة المد ، أم يعمّها وغيرها؟
وجهان ، ومضيا في نظائر المسألة ، وظاهر الأكثر هنا الأوّل ، وبه صرّح جماعة (٧).
__________________
(١) راجع ص : ١٧٩ ـ ١٨٢.
(٢) المحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٤٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٠.
(٣) المدارك ٣ : ٤٦١.
(٤) الحلبي في الكافي : ١٢٥ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٠٠.
(٥) انظر الوسائل ٧ : ٢٦٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٥ ح ٢ ، ٣.
(٦) تفسير العياشي ٢ : ٣٦ / ١٠٠ ، المستدرك ٥ : ٤٢١ أبواب قواطع الصلاة بـ ١٤ ح ٤.
(٧) منهم : العلاّمة في المنتهى ١ : ٣١١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٤٤ ، والشهيد
ثمَّ إن الحكم تحريما أو كراهة يختص بحال الاختيار ، فلو اضطرّ إليه لتقية وشبهها جاز ، بل وربما وجب قولا واحدا.
( ويحرم قطع الصلاة ) بلا خلاف على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (١) ، معربين عن دعوى الإجماع عليه ، كما صرّح به جملة منهم في جملة من المنافيات المتقدمة ، كالشهيد رحمهالله في الذكرى في الكلام ، والحدث في الأثناء ، وتعمّد القهقهة (٢).
وهو الحجة ، مضافا إلى الآية الكريمة ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) (٣) والنهي للتحريم ، خرج منه ما أخرجه الدليل ويبقى الباقي ، والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل ، والعام المخصص حجة في الباقي.
والنصّ بأن « تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » (٤) ولا معنى لكون تحريمها التكبير .. إلاّ تحريم ما كان محلّلا قبله به ، وتحليله بالتسليم وبعده.
وفي الصحيح : عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه ، أيصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ فقال : « إذا احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ وليصبر » (٥) والأمر بالصبر حقيقة في الوجوب ، ولو لا حرمة القطع لما وجب.
__________________
الثاني في روض الجنان : ٣٣٠.
(١) منهم : صاحب المدارك ٣ : ٤٧٧ ، والسبزواري في الكفاية : ٢٣ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٦٩.
(٢) الذكرى : ٢١٦.
(٣) محمد : ٣٣.
(٤) الكافي ٣ : ٦٩ / ٢ ، الوسائل ٦ : ٤١٥ أبواب التسليم بـ ١ ح ١.
(٥) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة بـ ٨ ح ١.
وفي آخرين : « لا تقلّب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك » (١) ، وهو أظهر دلالة على حرمة الإفساد كلية ، حيث علّل به تحريم الالتفات.
وفي آخر : « إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حيّة تتخوفها على نفسك ، فاقطع الصلاة واتّبع غلامك وغريمك واقتل الحية » (٢).
وهو بمفهومه دالّ على الحكم المزبور ، وبمنطوقه على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من الجواز في صورة خوف الضرر بترك القطع ، المشار إليها بقوله : ( إلاّ لخوف ضرر ، كفوات غريم أو تردّي طفل ) أو نحو ذلك.
مضافا إلى الموثق الوارد فيها : عن الرجل يكون قائما في صلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يخاف ضيعته أو هلاكه ، قال : « يقطع صلاته ويحرز متاعه ثمَّ يستقبل القبلة » قلت : فيكون في صلاة الفريضة فتفلّت عليه دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا ، فقال : « لا بأس ، يقطع صلاته ويتحرّز ويعود إلى صلاته » (٣).
وفي القوي : رجل يصلّي ويرى الصبي يحبو إلى النار ، والشاة تدخل البيت لتفسد الشيء ، قال : « فينصرف وليتحرّز ما يتخوف منه ويبني على صلاته ما لم يتكلم » (٤). وهو ظاهر في الجواز ، لكن مع البناء دون القطع.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٠٠ / ٦ ، الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، التهذيب ٢ : ٢٨٦ / ١١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة بـ ٩ ح ٣ وذيله.
(٢) الكافي ٣ : ٣٦٧ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٤٢ / ١٠٧٣ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦١ ، الوسائل ٧ : ٢٧٦ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢١ ح ١.
(٣) الكافي ٣ : ٣٦٧ / ٣ بتفاوت ، الفقيه ١ : ٢٤١ / ١٠٧١ ، التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٦٠ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢١ ح ٢.
(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٣ / ١٣٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢١ ح ٣.
والاستثناء من المنع يقتضي ثبوت الجواز المطلق المجامع للوجوب والاستحباب والكراهة والإباحة ، ولذا قسّمه إليها الشهيدان وغيرهما (١) ، فقالوا : يجب لحفظ النفس والمال المحترمين حيث يتعين عليه. ويستحب لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة ، وللائتمام بإمام الأصل. ويباح لإحراز المال اليسير الذي لا يتضرّر بفواته ، وقتل الحية التي لا يظن أذاها. ويكره لإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته ، قاله في الذكرى واحتمل التحريم. وقال : وإذا أراد القطع فالأجود التحليل بالتسليم ، لعموم : « وتحليلها التسليم » ولو ضاق الحال عنه سقط ، وإن لم يأت به وفعل منافيا آخر فالأقرب عدم الإثم ، لأن القطع سائغ ، والتسليم إنما يجب التحلّل به في الصلاة التامة.
وهل الحكم بتحريم القطع يختص بالفريضة ، أم يعمّها والنافلة؟ ظاهر إطلاق العبارة كغيرها من أكثر الفتاوي والأدلّة الثاني.
خلافا للقواعد وشيخنا الشهيد الثاني وغيرهما (٢) ، فالأوّل ، لمفهوم بعض الصحاح المتقدمة ، وخصوصا ما مرّ من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة (٣).
وهو غير بعيد ، لاعتبار هذه الأدلة ، فتصلح أن تكون للإطلاقات مقيدة ،
__________________
(١) الشهيد الأول في الذكرى : ٢١٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٨ ، وانظر جامع المقاصد ٢ : ٣٥٩ ، والمسالك ١ : ٣٣.
(٢) القواعد ١ : ٣٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٣٨ ، وقال الحلّي في السرائر ١ : ٤٢٢ : لأن عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها ـ بخلاف ما ذهب إليه أبو حنيفة ـ ما خلا الحج المندوب فإنه يجب بالدخول فيه ، وحمل باقي المندوبات قياس .. ، وانظر مجمع الفائدة ٣ : ١٠٩.
(٣) راجع ص : ٢٧٦ ـ ٢٨٠.
نعم يكره لشبهة الخلاف الناشئ من الإطلاق.
( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (١) ( يقطعها الأكل والشرب ).
ولا ريب فيه إذا بلغا الكثرة ، بل على البطلان حينئذ الإجماع في كلام جماعة (٢). كما لا ريب في العدم مع النسيان مطلقا ، للأصل ، مع دعوى الإجماع عليه في المنتهى (٣).
ويشكل مع القلّة ، لعدم دليل على البطلان بهما حينئذ يعتدّ به عدا دعوى الإجماع في الخلاف على البطلان بهما بقول مطلق ، وفي انصرافه إلى القليل منهما نظر ، لاختصاصه بحكم التبادر بالكثير ، مع أن في المنتهى الإجماع على عدم البطلان بابتلاع نحو ما بين الأسنان ، وبوضع سكرة في فيه فتذوب وتسوق مع الريق (٤).
وفي الصحيح : عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي وفي فيه الخبز واللوز (٥)؟ قال : « إن كان يمنعه من قراءته فلا ، وإن كان لا يمنعه فلا بأس » (٦) وهو ظاهر أيضا في عدم البطلان.
مضافا إلى الأصل ، وفحوى النصوص المجوّزة لكثير من الأفعال المتقدمة في بحث الفعل الكثير ، من نحو إرضاع الطفل وإحضانه وقتل الحية
__________________
(١) لم نعثر في النهاية إلاّ على التصريح بجواز شرب الماء عند لحوق العطش في صلاة الوتر.
راجع النهاية : ١٢١ ، المبسوط ١ : ١١٨ ، الخلاف ١ : ٤١٣.
(٢) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤١٣ ، جامع المقاصد : ٣٥١ ، روض الجنان : ٣٣١.
(٣) المنتهى ١ : ٣١٢.
(٤) المنتهى ١ : ٣١٢.
(٥) كذا في النسخ ، وفي المصدر : « الخرز واللؤلؤ ».
(٦) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، الوسائل ٤ : ٤٦١ أبواب لباس المصلي بـ ٦٠ ح ٣.
والعقرب ونحو ذلك (١). فالأجود وفاقا لجماعة من المتأخرّين (٢) عدم البطلان بالقليل ، واختصاصه بالكثير.
ولا فرق في القطع بهما في الجملة أو مطلقا بين الفريضة والنافلة ( إلاّ في الوتر لمن عزم الصوم ولحقه عطش ) (٣) وكان الماء أمامه بعيدا عنه بخطوتين أو ثلاثة ، فيجوز له الشرب حينئذ ، كما في النص (٤).
وهذا الاستثناء بهذه القيود مجمع عليه كما في التنقيح (٥). وظاهره عدم الفرق بين القليل والكثير ، مع أن في المنتهى : الأقرب اعتبار القلّة (٦). وفي المختلف : أن الرخصة إمّا في القليل ، أو في الدعاء بعد الوتر (٧).
أقول : وعليه لا معنى للاستثناء ، لاشتراك مطلق النافلة بل الفريضة أيضا في جواز القليل من الأكل والشرب ، بل مطلق الأفعال فيها ، إلاّ على القول بالمنع عنهما فيها مطلقا ، ولم أجد به قائلا صريحا ، بل ولا ظاهرا ، لانصراف الإطلاق في كلام الشيخ الذي هو الأصل في هذا القول إلى الكثير المتفق على البطلان به كما مضى.
نعم ، كل من عطفهما على الفعل الكثير ظاهره كونهما مبطلين عنده مطلقا ، فيصحّ الاستثناء على هذا مطلقا ولو قيّد الشرب في المستثنى بالقليل ، لكنه خلاف ظاهر النص والأكثر.
__________________
(١) راجع ص : ٢٨٧.
(٢) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٢٥٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣١٢ ، والشهيد في الذكرى : ٢١٥.
(٣) في « ح » زيادة : شديد.
(٤) الفقيه ١ : ٣١٣ / ١٤٢٤ ، التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٥٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٩ أبواب قواطع الصلاة بـ ٢٣ ح ١ ، ٢.
(٥) التنقيح الرائع ١ : ٢١٧.
(٦) المنتهى ١ : ٣١٢.
(٧) المختلف : ١٠٣.
وفي جواز استثناء مطلق النافلة مع القيود المزبورة أو مطلقا كالوتر بدونها إشكال. والأصل يقتضي العدم ، كما هو ظاهر الأكثر (١).
ويحتمل الجواز ، لتخلّف حكم النافلة عن الفريضة في مواضع عديدة ، مع ورود النص بأن النافلة ليست كالفريضة (٢) ، وفي الخلاف : وروي إباحة الشرب في النافلة (٣). وظاهره المصير إلى هذا الاحتمال وورود نصّ به ، وإن احتمل أن يريد به المنصوص في هذا النص خاصة من غير تعميم لغيره ، ولا ريب أن الأحوط العدم.
( وفي جواز الصلاة والشعر معقوص قولان ، أشبههما الكراهة ) وفاقا للمفيد والحلّي والديلمي والحلبي (٤) وعامة المتأخرين ، للأصل ، وضعف دليل المانع ، وهو الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (٥) ، مدعيا فيه الإجماع ، ومستندا إلى الخبر : في رجل صلّى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر ، قال : « يعيد صلاته » (٦).
وفي السند ضعف ، وفي الإجماع وهن بندرة القائل به ، بل عدمه إلاّ مدّعيه ، فلا يخصّص به الأصل المعتضد بفتوى الأكثر ، بل الكل إلاّ النادر ،
__________________
(١) ومنهم : الحلّي ( السرائر : ٣٠٩ ) والفاضلان ( المحقق في الشرائع ١ : ٩١ ، العلاّمة في القواعد ١ : ٣٦ ) وغيرهما ، وبالجملة كل من رخّص الاستثناء بالوتر بالقيود المزبورة. منه رحمه الله.
(٢) الكافي ٣ : ٤٤٨ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣٦ / ١٣٨٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠٤ أبواب التشهد بـ ٨ ح ١.
(٣) الخلاف ١ : ٤١٣.
(٤) المفيد في المقنعة : ١٥٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٧١ ، الديلمي في المراسم : ٦٤ ، الحلبي في الكافي : ١٢٥.
(٥) النهاية : ٩٥ ، المبسوط ١ : ١١٩ ، الخلاف ١ : ٥١٠.
(٦) الكافي ٣ : ٤٠٩ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ / ٩١٤ ، الوسائل ٤ : ٤٢٤ أبواب لباس المصلي بـ ٣٦ ح ١.
وإن تبعه الشهيد في الذكرى (١) لشبهة نقل الإجماع وللاحتياط. وفي الأول ما مرّ ، وفي الثاني أنه مرجوح بالنسبة إلى المعارض ، مع أن في التمسك به للوجوب إشكالا ليس هنا محل ذكره.
والحكم تحريما أو كراهة مختصّ بالرجل دون المرأة إجماعا ، كما صرّح به جماعة (٢) ، ولكن بعض العبارات كالمتن مطلقة (٣).
والعقص هو جمع الشعر في وسط الرأس وشدّه ، كما عن المعتبر والتذكرة وفي غيرهما من كتب الجماعة (٤).
قيل : ويقرب منه قول الفارابي والمطرزي في كتابيه أنه جمعه على الرأس قال المطرزي : وقيل هو ليّه وإدخال أطرافه في أصوله (٥).
قلت : هو قول ابن فارس في المقاييس (٦). قال المطرزي : وعن ابن دريد : عقصت شعرها شدّته في قفاها ولم تجمعه جمعا شديدا. وفي العين : العقص أخذك خصلة من شعر فتلويها ثمَّ تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثمَّ ترسلها (٧). ونحوه المجمل والأساس (٨) والمحيط ، وإن خلا عن الإرسال. ويقرب منه ما في الفائق : أنه الفتل (٩). وما في الصحاح : أنه ضفره وليّه على
__________________
(١) الذكرى : ٢١٧.
(٢) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٩٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٣ ، وصاحب المدارك ٣ : ٤٦٩.
(٣) كما في الشرائع ١ : ٩١ ، والتبصرة للعلاّمة : ٣٠.
(٤) المعتبر ١ : ٢٦٠ ، التذكرة ١ : ٩٩ ، وانظر الذكرى : ٢١٧ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٥٣.
(٥) كشف اللثام ١ : ٢٣٩.
(٦) المقاييس ٤ : ٩٧.
(٧) العين ١ : ١٢٧.
(٨) مجمل اللغة ٣ : ٣٩٥ ، أساس البلاغة : ٣٠٩.
(٩) الفائق ٣ : ١٧.
الرأس (١). وهو المحكي في تهذيب اللغة (٢) والغريبين عن أبي عبيدة ، إلاّ أنه قال : ضرب من الضفر ، وهو ليّه على الرأس. وفي المنتهى : وقد قيل : إن المراد بذلك ضفر الشعر وجعله كالكبّة في مقدم الرأس على الجبهة ، وعلى هذا يكون ما ذكره الشيخ حقّا ، لأنه يمنع من السجود (٣). انتهى. وحكى المطرزي قولا إنه وصل الشعر بشعر الغير (٤).
( ويكره الالتفات ) بالبصر أو الوجه ( يمينا وشمالا ) ففي الخبر : « انه لا صلاة لملتفت » (٥). وحمل على نفي الكمال جمعا كما مضى.
وفي آخر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله تعالى وجهه وجه حمار » (٦). والمراد تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم اطّلاعه على الأمور العلويّة ، وعدم إكرامه بالكمالات العليّة.
( والتثاؤب ) بالهمزة ، يقال : تثاءبت ، ولا يقال : تثاوبت ، قاله الجوهري (٧). ( والتمطّي ) وهو مدّ اليدين.
ففي الخبر : أنهما من الشيطان (٨). وفي النهاية الأثيرية : إنما جعلهما من الشيطان كراهية له ، لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله
__________________
(١) الصحاح ٣ : ١٠٤٦.
(٢) تهذيب اللغة ١ : ١٧٣.
(٣) المنتهى ١ : ٢٣٥.
(٤) حكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٣٩.
(٥) عمدة القارئ ٥ : ٣١١.
(٦) أسرار الصلاة ( رسائل الشهيد الثاني ) : ١٠٧ ، صحيح مسلم ١ : ٣٢١ / ١١٥ ، ١١٦ بتفاوت يسير.
(٧) انظر الصحاح ١ : ٩٢.
(٨) الكافي ٣ : ٣٠١ / ٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥٩ أبواب قواطع الصلاة بـ ١١ ح ٣ ، ٤.