السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٥
ويقال : إن صفوان طاف مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يتصفح الغنائم ، إذ مر بشعب مملوء إبلا مما أفاء الله به على رسوله «صلىاللهعليهوآله» ، فيه غنم وإبل ، ورعاؤها مملوء ، فأعجب صفوان ، وجعل ينظر إليه.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : أعجبك هذا الشعب يا أبا وهب؟
قال : نعم.
قال : هو لك بما فيه.
فقال صفوان : أشهد أنك رسول الله ، ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا نبي (١).
ونقول :
لقد ظهرت معجزات كثيرة لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ووضحت دلائله لكل أحد ، ولم يزل يتوالى ظهورها لهم ـ وصفوان منهم ـ منذ أكثر من عشرين سنة.
ومن معجزاته ودلائله «صلىاللهعليهوآله» : القرآن العظيم ، وكثير من المعجزات الحسية ، مثل : شق القمر ، وتسبيح الحصى بين يديه ، ونبع الماء من بين أصابعه وطاعة الجمادات له.
ومنها أيضا : إخباره بالغائبات ، وانتصاره على المشركين ، وتأييد الله له في بدر ، وفي أحد ، والخندق ، وخيبر ، حتى إن وصيه يقتلع باب أحد حصونها بيد
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٨ عن الواقدي. وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٢٤ ص ١٠٥ و ١١٥ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ٢٩ وج ٩ ص ٢٩٨ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٢ ص ٧٢٠.
واحدة .. وغير ذلك ..
وكل ذلك لا يدعو صفوان بن أمية للإيمان ، ولا يفتح بصره وبصيرته على الحق ، كما لا تقنعه البراهين ، والحجج العقلية والفطرية وسواها : بأن محمدا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. ويقنعه فقط : أن يعطيه «صلىاللهعليهوآله» هذا المقدار من الإبل ، فيرى فيه دلالة على النبوة ، والإرتباط بالله تبارك وتعالى ..
فتبارك الله أحسن الخالقين!!.
الفصل الخامس :
نهايات السفر الطويل .. إلى المدينة
حصيلة مجموعة عن المؤلفة قلوبهم :
ويقولون : إنه «صلىاللهعليهوآله» أعطى اثني عشر رجلا مائة من الإبل ، وهم : أبو سفيان بن حرب ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن الحارث بن كلدة العبدري ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وسهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية ، وحويطب بن عبد العزى ، والعلاء بن حارثة الثقفي ، ومالك بن عوف ، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس. وأعطى الباقين ما دون ذلك (١).
وقال الصالحي الشامي ما ملخصه :
قال ابن إسحاق : أعطى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافا من أشراف العرب ، يتألفهم ، ويتألف بهم قومهم.
قال محمد بن عمر ، وابن سعد : بدأ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالأموال فقسمها ، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس.
قلت : فمنهم من أعطاه مائة بعير وأكثر ، ومنهم من أعطاه خمسين ، وجميع ذلك يزيد على الخمسين ، وقد ذكرهم أبو الفرج ابن الجوزي في التلقيح ، وابن
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣.
طاهر في مبهماته ، والحافظ في الفتح ، والبرهان الحلبي في النور ، وهو أحسنهم سياقا ، وأكثرهم عددا. وعند كل منهم ما ليس عند الآخر ، ولم يتعرض أحد منهم لما أعطى كل واحد ، وقد تعرض محمد بن عمر ، وابن سعد ، وابن إسحاق لبعض ذلك ، كما سأنبه عليه ، وهم :
أبي ، وهو الأخنس بن شريق.
أحيحة بن أمية.
أسيد بن جارية الثقفي ، أعطاه مائة.
الأقرع بن حابس التميمي ، أعطاه مائة.
جبير بن مطعم.
الجد بن قيس السهميّ ، كذا أورده التلقيح ، ولم يذكره الحافظ في الفتح ولا في الإصابة ، وإنما ذكره فيهما الجدّ بن قيس الأنصاري ، ولم يتعرض لكونه من المؤلفة. ولم يذكر في النور أنه سهمي ، أو أنصاري. فإن صح أنه سهمي فهو وارد على الإصابة.
الحارث بن الحرث بن كلدة أعطاه مائة.
الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، أعطاه مائة.
حاطب بن عبد العزى العامري.
حرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر العامري.
حكيم بن حزام بن خويلد ، أعطاه مائة ، ثم سأله مائة أخرى ، فأعطاه إياها.
قال ابن أبي الزناد : أخذ حكيم المائة الأولى فقط وترك الباقي.
حكيم بن طليق بن سفيان.
حويطب بن عبد العزى القرشي العامري ، أعطاه مائة.
خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.
خالد بن قيس السهمي.
خالد بن هوذة بن ربيعة بن عامر العامري.
خلف بن هشام ، نقله في النور عن بعض مشايخه عن الصغاني ، ثم قال في النور : أنا لا أعرفه في الصحابة.
قلت : لم يذكره الذهبي في التجريد ، ولا الحافظ في الإصابة ، فإن صح فهو وارد عليه.
وذكر في العيون : رقيم بن ثابت بن ثعلبة ، وتقدم : أنه استشهد بحنين ، والله أعلم.
زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، أخو أم المؤمنين أم سلمة.
زيد الخيل بن مهلهل الطائي ، عزاه في الفتح لتلقيح ابن الجوزي ، ولم أجده في نسختين.
السائب بن أبي السائب.
صيفي بن عائذ المخزومي.
سعيد بن يربوع بن عنكثة ، أعطاه خمسين.
سفيان بن عبد الأسد المخزومي.
سهل بن عمرو بن عبد شمس العامري.
وأخوه سهيل بن عمرو ، أعطاه مائة.
شيبة بن عثمان القرشي العبدري.
صفوان بن أمية الجمحي ، أعطاه مائة.
طليق بن سفيان والد حكيم السابق.
العباس بن مرداس.
قال ابن إسحاق : أعطاه أباعر ، وقال محمد بن عمر ، وابن سعد : أربعا من الإبل ، فسخطها .. وستأتي قصته ..
عبد الرحمن بن يربوع الثقفي.
عثمان بن وهب المخزومي. أعطاه خمسين.
عدي بن قيس بن حذافة السهمي. أعطاه خمسين.
عكرمة بن عامر العبدري.
عكرمة بن أبي جهل.
عمرو بن هشام ، نقله في النور عن بعض مشايخه ، عن ابن التين.
علقمة بن علاثة بن عوف.
عمرو بن الأهتم.
عمرو بن بعكك ، أبو السنابل.
عمرو بن مرداس السلمي أخو عباس.
عمير بن وهب الجمحي ، أعطاه خمسين.
العلاء بن جارية الثقفي أعطاه خمسين. وقال ابن إسحاق : مائة.
عيينة بن حصن الفزاري ، أعطاه مائة.
قيس بن عدي السهمي ، أعطاه مائة. كذا ذكره ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر. وقال بعضهم : صوابه عدي بن قيس ـ على العكس ـ وقال الحافظ :
هما واحد فانقلب؟ أم اثنان؟
قلت : وهو الظن ، لاتفاق ابن إسحاق والواقدي على ذلك.
قيس بن مخرمة بن المطب بن عبد مناف.
كعب بن الأخنس. نقله في النور عن بعض مشايخه ، ثم قال : ولا أعرفه أنا.
قلت : لا ذكر له في التجريد ، ولا في الإصابة.
لبيد بن ربيعة العامري.
مالك بن عوف النصرى ، رأس هوازن ، أعطاه مائة.
مخرمة بن نوفل الزهري ، أعطاه خمسين.
مطيع بن الأسود القرشي العدوي.
معاوية بن أبي سفيان.
أبو سفيان صخر بن حرب ، أعطاه مائة من الإبل ، وأربعين أوقية فضة.
المغيرة بن الحارث ، أبو سفيان القرشي الهاشمي.
النضير بن الحرث بن علقمة ، أعطاه مائة من الإبل.
نوفل بن معاوية الكناني.
هشام بن عمرو القرشي العامري ، أعطاه خمسين.
هشام بن الوليد المخزومي.
يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب ، أعطاه مائة بعير وأربعين أوقية.
أبو الجهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي.
أبو السنابل ، اسمه عمرو ، تقدم.
فهؤلاء بضع وخمسون رجلا (١).
__________________
(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٦ ـ ٤٠٠ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٩ فما بعدها وراجع : والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٣.
وكان أبو سفيان هو الذي طلب إعطاء ولديه ، معاوية ويزيد. فلما أعطاهما «صلىاللهعليهوآله» ، قال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لأنت كريم في الحرب والسلم.
أو قال : لقد حاربتك فنعم المحارب كنت ، وقد سالمتك فنعم المسالم أنت. هذا غاية الكرم ، جزاك الله خيرا.
قالوا : ثم أمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» زيد بن ثابت بإحضار الناس والغنائم ، ثم فضها على الناس فكانت سهامهم ، لكل رجل أربع من الإبل ، أو أربعون شاة ، فإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الإبل ، أو عشرين ومائة شاة ، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له (١).
إستفادات نعرضها ، ولا نتعرض لها :
ونقول :
لقد حاول بعضهم تسجيل بعض الإستفادات هنا ، نذكر منها ما يلي :
١ ـ لما منع الله سبحانه وتعالى الجيش غنائم مكة ، فلم يغنموا منها ذهبا ولا فضة ، ولا متاعا ، ولا سبيا ، ولا أرضا. وكانوا قد فتحوها بإيجاف الخيل والركاب ، وهم عشرة آلاف ، وفيهم حاجة إلى ما يحتاجه الجيش من أسباب القوة ، حرك الله سبحانه وتعالى قلوب المشركين في هوازن لحربهم ، وقذف في قلب كبيرهم مالك بن عوف إخراج أموالهم ، ونعمهم ، وشابهم وشيبهم معهم ، نزلا وكرامة ، وضيافة لحرب الله تعالى وجنده ، وتمم تقديره تعالى بأن
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٣ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٣١ وج ٦ ص ٢٣٦ و ٣٠١.
أطمعهم في الظفر ، وألاح لهم مبادئ النصر ، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
ولو لم يقذف الله تعالى في قلب رئيسهم مالك بن عوف أن سوقهم معهم هو الصواب لكان الرأي ما أشار به دريد ، فخالفه ، فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين.
فلما أنزل الله تعالى نصره على رسوله وأوليائه ، وردّت الغنائم لأهلها ، وجرت فيها سهام الله تعالى ورسوله ، قيل : لا حاجة لنا في دمائكم ، ولا في نسائكم وذراريكم ، فأوحى الله تعالى إلى قلوبهم التوبة فجاؤوا مسلمين.
فقيل : من شكران إسلامكم وإتيانكم أن ترد عليكم نساؤكم وأبناؤكم وسبيكم ، و (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).
٢ ـ اقتضت حكمة الله تعالى : أن غنائم الكفار لما حصلت قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه ، من الطبع البشرى من محبة المال ، فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم ، وتجتمع على محبته ، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها ، ومنع أهل الجهاد من كبار المجاهدين ، ورؤساء الأنصار ، مع ظهور استحقاقهم لجميعها ، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم ، بخلاف قسمه على المؤلفة ، لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم ، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ، ولتقوية قلب من دخل إليه قبل ، تبعهم من دونهم في الدخول ، فكان ذلك مصلحة عظيمة.
٣ ـ ما وقع في قصة الأنصار ، اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك من بعض
__________________
(١) الآية ٧٠ من سورة الأنفال.
أتباعهم وأحداثهم ، ولما شرح لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين ، وعلموا : أن الغنيمة الحقيقية هي ما حصل لهم من عود رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى بلادهم.
فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز العظيم ، ومجاورة النبي الكريم حيا وميتا ، وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه.
٤ ـ رتب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما منّ الله تعالى به على الأنصار على يديه من النعم ترتيبا بالغا ، فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازنها شيء من أمور الدنيا ، وثنى بنعمة الأمان ، وهي أعظم من نعمة المال ، لأن الأموال قد تبذل في تحصيلها وقد لا تحصل ، فقد كانت الأنصار في غاية التنافر والتقاطع ، لما وقع بينهم من حرب بعاث وغيرها ، فزال ذلك بالإسلام كما قال تعالى : (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (١).
٥ ـ قوله «صلىاللهعليهوآله» : «لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار».
قال الخطابي : أراد بهذا الكلام : تأليف الأنصار ، واستطابة نفوسهم ، والثناء عليهم في دينهم ، حتى رضي أن يكون واحدا منهم لو لا ما منعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها.
ونسبة الإنسان تقع على وجوه : الولادة ، والإعتقادية ، والبلادية ، والصناعية ، ولا شك أنه لم يرد الإنتقال عن نسب آبائه ، لأنه ممتنع قطعا ، وأما الإعتقادي فلا معنى للإنتقال عنه ، فلم يبق إلا القسمان الأخيران.
__________________
(١) الآية ٦٣ من سورة الأنفال.
وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا ، أي لو لا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبي : معناه : لتسميت باسمكم ، وانتسبت إليكم ، لما كانوا يتناسبون بالحلف ، لكن خصوصية الهجرة وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى ذلك ، وهي أعلى وأشرف ، فلا تبدل بغيرها (١).
وسام لأبي موسى في الجعرانة!! :
عن أبي موسى الأشعري ، قال : كنت عند رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وهو نازل بالجعرانة ، بين مكة والمدينة ـ ومعه بلال ـ فأتى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أعرابي ، فقال : ألا تنجزني ما وعدتني؟
فقال له : «أبشر»!!
فقال : قد أكثرت علي من البشر.
فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان ، فقال : رد البشرى!! فاقبلا أنتما.
قالا : قبلنا.
ثم دعا بقدح فغسل يديه ووجهه ، ومج فيه ، ثم قال : «اشربا منه ، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ، وأبشرا».
فأخذا القدح ، ففعلا ، فنادت أم سلمة من وراء الستر : أن أفضلا لأمكما ، فأفضلا منه طائفة (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٩ و ٤١٠ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٢.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠١ عن البخاري ، وراجع : صحيح البخاري (ط ـ
ونقول :
أولا : إن الجعرانة ليست بين مكة والمدينة ، بل هي بين مكة والطائف.
ثانيا : هل صحيح : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» يعد أعرابيا ، ولا يفي بوعده؟! وأنه يكثر من البشارات له ، دون أن يصل ذلك الأعرابي إلى شيء؟!
ثالثا : إن هذا الحديث إنما رواه أبو موسى ، وهو يجر النار إلى قرصه.
رابعا : لو صح هذا الحديث ، فالمفروض هو أن تثمر البشارة النبوية لأبي موسى خيرا وصلاحا ، واستقامة ، يؤهله لاستقبال الكرامات الإلهية في الآخرة. ونحن لا نرى من أبي موسى إلا الإمعان في الإبتعاد عما يرضي الله ورسوله ، خصوصا بعد وفاته «صلىاللهعليهوآله».
وقد قال الإمام الحسن «عليهالسلام» عنه : إنه في قضية التحكيم قد حكم بالهوى دون القرآن (١).
وقد وصفته بعض الروايات عن النبي «صلىاللهعليهوآله» : بالسامري (٢).
وكتب إليه علي «عليهالسلام» : اعتزل عملنا يا ابن الحائك مدفوعا
__________________
ـ دار الفكر) ج ٥ ص ١٠٣ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٧٠ وفتح الباري (المقدمة) ص ١٦٣ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٣٠٦ ومسند أبي يعلى ج ١٣ ص ٣٠٢ وصحيح ابن حبان ج ٢ ص ٣١٨ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٠٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٢ ص ٤٠ و ٤١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤١٣.
(١) الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٣٨ و (تحقيق الزيني) ج ١ ص ١١٩ و (بتحقيق الشيري) ص ١٥٨.
(٢) اليقين لابن طاوس ص ١٦٧ والأمالي للمفيد ص ٣٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣٨٦ والبحار ج ٣٠ ص ٢٠٨.
مدحورا ، فما هذا بأول يومنا منك ، وإن لك فينا لهنات وهنات (١).
والحديث عن أبي موسى طويل ، ويمكن مراجعة طرف منه في ترجمته في كتاب قاموس الرجال للتستري وغيره.
خامسا : إن تصرف النبي «صلىاللهعليهوآله» مع ذلك الأعرابي لا يلائم ما هو ثابت قطعا ومعروف من أخلاقه الرضية والكريمة ، والهادية إلى طريق الرشاد ، بل هو تصرف غير مبرر ، ويتسم بالإبهام ، وتظهر عليه ملامح التشنج ، والتسرع الغريب والمنفّر ، والغريب الأطوار الذي نجل عنه مقامه الشريف ..
بعض ما قيل من الشعر في هذه الغزوة :
قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنينا والطائف ورميها بالمنجنيق :
كانت علالة يوم بطن حنين |
|
وغداة أو طاس ويوم الأبرق |
جمعت باغواء هوازن جمعها |
|
فتبددوا كالطائر المتمزق |
لم يمنعوا منا مقاما واحدا |
|
إلا حبارهم وبطن الخندق |
ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا |
|
فتحصنوا منا بباب مغلق |
ترتد حسرانا إلى رجراجة |
|
شهباء تلمع بالمنايا فيلق |
ملمومة خضراء لو قذفوا بها |
|
حصنا لظل كأنه لم يخلق |
__________________
(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٣٥٩ وراجع : نهج السعادة ج ٤ ص ٤٧ والكنى والألقاب ج ١ ص ١٦٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليهالسلام» في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج ١٢ ص ٤٤.
وقال كعب بن مالك في مسير رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى الطائف :
__________________ (١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٧ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٤٤. |
رشيد الأمر ذا حكم وعلم |
|
وحلم لم يكن نزقا خفيفا |
نطيع نبينا ونطيع ربا |
|
هو الرحمن كان بنا رؤوفا |
فإن تلقوا إلينا السلم نقبل |
|
ونجعلكم لنا عضدا وريفا |
وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر |
|
ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا |
نجالد ما بقينا أو تنيبوا |
|
إلى الإسلام إذعانا مضيفا |
نجاهد لا نبالي من لقينا |
|
أأهلكنا التلاد أم الطريفا |
وكم من معشر ألوا علينا |
|
صميم الجذم منهم والحليفا |
أتونا لا يرون لهم كفاء |
|
فجذعنا المسامع والانوفا |
بكل مهند لين صقيل |
|
نسوقهم بها سوقا عنيفا |
لأمر الله والإسلام حتى |
|
يقوم الدين معتدلا حنيفا |
ونفني اللات والعزى وودا |
|
ونسلبها القلائد والشنوفا |
فأمسوا قد أقروا واطمأنوا |
|
ومن لا يمتنع يقبل خسوفا (١) |
صدى الهزيمة .. وفرحة النصر :
وعن داود بن الحصين قال : كان بشير رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى أهل المدينة بفتح الله تعالى عليه ، وهزيمة هوازن ، نهيك بن أوس
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٨ و ٢٦٣ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٣٩٥ و ٣٩٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩١٨ و ٩١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٥٢ و ٦٥٣ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٤٦٦ و ٤٦٧.