السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-190-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٩
ويبقى سائر الناس في حشودهم ، وفي عديدهم مجرد كثرات ، ليس لها إلا أدوار هامشية ، وغير ذات أهمية ، حتى إذا أزف وقت تحقيق الإنجاز الكبير ، تجدهم يغادرون الساحة ، مع حفظ ماء الوجه أحيانا ، وبدون ذلك أحيانا أخرى ..
فغزوة بدر مفصل أساسي وحساس ، كان العبء الأكبر فيها يقع على كاهل علي «عليهالسلام» بالدرجة الأولى ، ثم من معه من بني هاشم ، مثل حمزة ، وغيره من أبناء عبد المطلب ..
وفي أحد يكون ثمة كثرة وعديد ، ولكنها تنسحب من الساحة بخفة ، وذل ، ولا تعود العزة لها إلا بسيف علي «عليهالسلام».
وهكذا جرى في غزوة بني قريظة ، وخيبر ، وفي الخندق ، وحنين ، وفي ذات السلاسل .. وفي غير ذلك من المواقف .. التي تظهر فيها التبجحات والإستعراضات للكثرة التي لا تلبث أن تسقط أمام التحدي ، ثم يكون سيف علي «عليهالسلام» هو المنقذ والمخلص ..
وفي غير حالات الحرب أيضا تبقى المفاصل الحساسة والأساسية رهينة بتضحيات وجهاد وجهود علي «عليهالسلام» ، بالإضافة إلى دفاعه عن الدين بعلومه ، وبذل معارفه ، وظهور حجته على كل أعداء الإسلام ، والمشككين فيه.
ومن نماذج ذلك أيضا : فداء علي «عليهالسلام» للنبي «صلىاللهعليهوآله» ، في شعب أبي طالب ، وفي المبيت على الفراش ليلة الغار ، ومواقفه في الحديبية ، وفي تبليغ سورة براءة ، وفي مختلف المواقف .. فهو الحامي ، والمنقذ ، والمضحي في سبيل الله ، والمطيع لله ولرسوله ..
وكانت احتجاجاته على أهل الملل والنحل بعد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وحله للمعضلات العلمية ، والفقهية ، والسياسية ، وغير ذلك ، دليل صدق على إخلاص علي «عليهالسلام» ، وصحة جهاده.
وتبقى الكثرة هي التي تستفيد ، وتستغل الظروف ، بل وتظلم أهل الحق ، والخير ، وتغتصب حقوقهم باسم الدين. ويكون هؤلاء هم العبء الثقيل ، والسيف الصقيل ، والعدو في صورة الصديق والخليل ، الذي يشغل المخلصين بمؤامراته ، وبالأجواء المسمومة التي يثيرها ، وبالمتاعب والمشكلات التي يتسبب بها. فإنا لله وإنا إليه راجعون ..
و : رشحة من أخلاقيات الإسلام :
وفي قيام الرسول الأعظم «صلىاللهعليهوآله» بنفسه لخدمة الوفد القادم من الحبشة تجسيد عملي لأخلاقيات الإسلام ، التي تفرض على الإنسان المؤمن عرفان الجميل لأهله ، وإعطاء كل ذي حق حقه ..
وكان يكفي أن يقوم بعض رجالات المسلمين بإكرام ذلك الوفد ، وإظهار المزيد من الحفاوة به .. ولكن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أراد أن يعرف الناس : أن القضية أسمى من أن تكون مجرد مبادلة موقف بموقف ، وفق ما تقتضيه المصالح ، والظروف ؛ بل هي حالة حقيقية ، تدخل في عمق الروح ، وفي تكوين الذات ، لتصبح جزءا من الكيان ، وحقيقة كامنة في حنايا وجوده الإنساني ..
وليصبح ذلك درسا حقيقيا في الدور الذي يجب أن تضطلع به القيم والمثل العليا في حياة البشر ، من حيث هيمنتها على الفكر ، وعلى المشاعر ،
وعلى الوجدان ، والضمير الإنساني ..
فإن هذه القيم ليست مجرد وسائل وأدوات توصل إلى الغايات والأهداف ، بل هي وعي وخلق إنساني ، متمازج مع الحقيقة الإنسانية ، ومرتبط بالواقع الإيماني في العمق ..
هجرتان لمهاجري الحبشة :
قال أبو موسى الأشعري : ودخلت أسماء بنت عميس ، وهي في من قدم معنا يومئذ على حفصة زوج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه ، فدخل عمر على حفصة ، وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه؟
فقالت : أسماء بنت عميس.
فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحق برسول الله «صلىاللهعليهوآله».
قال : فغضبت ، وقالت : كلا والله يا عمر ، كنتم مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يطعم جياعكم ، ويعلم جاهلكم ، وكنا في دار (أو أرض) البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله.
وأيم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» وأساله ، والله لا أكذب ، ولا أزيغ ، ولا أزيد على ذلك.
فلما جاء رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قالت : يا نبي الله؟؟ إن رجالا يفخرون علينا ، ويزعمون : أنّا لسنا من المهاجرين الأولين.
فقال : «من يقول ذلك»؟
قلت : إن عمر قال : كذا وكذا.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «ما قلت له»؟
قالت : قلت له : كذا وكذا.
قال : «ليس بأحق بي منكم ، له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم ـ أهل السفينة ـ هجرتان».
قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحابه يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم أفرح ، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
قال أبو بريدة : قالت أسماء : ولقد رأيت أبا موسى ، وإنه ليستعيد هذا الحديث مني ، وقال : لكم الهجرة مرتين (١).
ونقول :
١ ـ مما لا شك فيه : أن عمر بن الخطاب كان يعلم بأن الذين هاجروا إلى الحبشة ، قد تركوا أوطانهم ، وأهليهم ، وأموالهم ، وأحباءهم وهاجروا إلى الله تعالى فرارا بدينهم ، إلى بلاد الغربة ، حيث لا يعلمون ما سوف يواجههم فيها من مصائب وبلايا ، ونكبات ورزايا ..
وكان يعلم أيضا : أنهم لم يعودوا إلى بلادهم ، وأوطانهم ، وبيوتهم ،
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٦ ودلائل النبوة ج ٤ ص ٢٤٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٠٦ وراجع : ص ٢٠٥ عن البخاري ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٨ و ٤٩ وراجع : الأوائل ج ١ ص ٣١٤ وصحيح البخاري (ط سنة ١٣٠٩ ه) ج ٣ ص ٣٥ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٧٢ وكنز العمال ج ٢٢ ص ٢٠٦ عن أبي نعيم ، والطيالسي ، وفتح الباري ج ٧ ص ٣٧٢ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٩٥ و ٤١٢ وحياة الصحابة ج ١ ص ٣٦١.
وعشائرهم ، بل عادوا إلى بلاد أخرى ، ليواصلوا جهادهم ضد أعداء الله ، معتصمين بالصبر ، وبالتوكل عليه.
فما معنى أن يثبت لنفسه امتيازا على أولئك الذين قضوا حوالي خمس عشرة سنة في بلاد الغربة؟؟. وكيف يكون قد سبقهم إلى الهجرة؟؟ ..
٢ ـ لماذا يعمد عمر إلى أسماء بنت عميس ليواجهها بهذا الكلام؟ ويترك جعفر بن أبي طالب نفسه ، فلا يقول له ذلك؟؟ ..
أم أنه كان يخشى من أن يسمعه جعفر الجواب الشافي والكافي ، ويسرع في إبطال خطته ، التي يريد من خلالها أن يتوصل إلى بعض الأهداف الحساسة؟ ..
أما أسماء فقد يوهم حالها : أنها غير قادرة على دفع هذه الشبهة ، وذلك يهيئ لهذه الشبهة سبيل الإنتشار ، ويترتب على ذلك ما يتوخاه لها من نتائج وآثار؟؟
٣ ـ ألا ترى معي : أن هذا الرجل يريد أن يثير الشبهة حول الدلالات الحاسمة لموقف رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من جعفر زوج أسماء ، بعد أن سمع النبي «صلىاللهعليهوآله» يعتبر قدومه موازيا لفتح الله تعالى خيبر ، على يد أخيه علي «عليهالسلام»؟؟ ..
٤ ـ كما أنه يريد أن يضعف موقف ، ويقلل من أهمية شخص يتوسم فيه أن يكون النصير والعضد القوي لعلي «عليهالسلام» ، ذلك الذي يخطط عمر بن الخطاب وحزبه للإستيلاء على حقه في الخلافة بعد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..
٥ ـ إن إجابة أسماء له أوضحت : أنها كانت تتهم الذين يتبجحون
ببقائهم مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بأن بعضهم ربما لا يكون مخلصا في اتباعه له «صلىاللهعليهوآله» ، بل كان يجري وراء الحصول على شيء من حطام الدنيا.
ولعل ما يشير إلى ذلك أنها صرحت بأن بعض هؤلاء كان يبحث عن الطعام والغنائم وغير ذلك من المنافع ، التي هيأها لهم قربهم من النبي «صلىاللهعليهوآله».
ولذلك قالت له : إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كان يطعم جائعهم ، ويعلم جاهلهم ..
وأما الذين لا مجال للشك في إخلاصهم ، فهم الذين لم يكونوا يتوقعون شيئا من ذلك ، وهم أولئك الذين كانوا في أرض البعداء البغضاء في الحبشة ، ولا غاية لهم إلا رضا الله تعالى ، ورضا رسوله «صلىاللهعليهوآله» ..
بل إن بعض هؤلاء قد مارس أبشع أنواع الجرائم في سياق غصبه لمقامات جعلها الله تعالى لأهلها ولم يكن اولئك الغاصبون من أهلها.
٦ ـ ولعل أسماء قد شعرت : بأن وراء الأكمة ما وراءها ، فإن هذا الموقف من عمر لم يكن بلا سبب ، فآثرت أن تطلع النبي «صلىاللهعليهوآله» عليه ، لتشارك في إفشال أمر ربما يكون قد بيّت بليل ..
٧ ـ واللافت هنا : حلفها لعمر : أنها سوف تكون في نقلها لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» غاية في الدقة ، ربما لتضيع على المتضررين من ذلك فرصة التشكيك في سلامة النقل ، ليجدوا من خلال هذا التشكيك السبيل إلى إبطال تبعات هذا التصرف. ولعلهم يتمكنون من مواصلة مشروعهم ، الذي أرادوا لهذه المبادرة أن تكون إحدى خطواتهم إليه.
٨ ـ ويأتي موقف الرسول «صلىاللهعليهوآله» الحازم والحاسم ، الذي يقطع الطريق على أي تأويل ، ويسد على الآخرين منافذ التخلص والتملص من آثار هذه الفضيحة ..
بل إن ما قاله الرسول الأعظم «صلىاللهعليهوآله» قد أكد على عظمة جعفر ، وقذف بمناوئيه بعيدا عن ساحة الكرامة ، ليعيشوا في ظلمات الفشل والحسرة ، والندامة ..
٩ ـ ولا ندري إن كان عمر بن الخطاب هو المصدر الأساس لمقولة : «سبقناكم بالهجرة» ، إذ أظهرت النصوص : أنه كان هناك فريق كامل يتبنى هذه الفكرة ، ويروج لها ، ويشيعها ، حيث ستأتي الرواية عن أبي موسى الأشعري ، لتقول : «فكان أناس يقولون لنا (يعني أصحاب السفينة) : سبقناكم بالهجرة» (١).
الأشعريون .. هم المحور؟؟
روي عن أبي موسى الأشعري ، قال : لما بلغنا مخرج النبي «صلىاللهعليهوآله» ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه ، أنا وإخوان لي ، أنا أصغرهم ، أحدهم أبو رهم ، والآخر أبو بردة ؛ إما قال : في بضع ، وإما قال : في ثلاثة أو اثنين وخمسين رجلا من قومي.
فركبنا سفينة ـ قال ابن مندة : حتى جئنا مكة ـ ثم خرجنا في بر حتى أتينا المدينة ـ فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٥ ومصادر أخرى ستأتي في الهامش التالي ، فانتظر.
طالب وأصحابه عنده.
فقال جعفر : إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بعثنا ، وأمرنا بالإقامة ، فأقيموا معنا.
فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ، فوافقنا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حين فتح خيبر ، قال : فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا من شهد معه ، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معنا ،
وذكر البيهقي : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» سأل الصحابة أن يشركوهم ، ففعلوا ذلك (١) ، انتهى.
قال : فكان أناس يقولون لنا ـ يعني أصحاب السفينة ـ : سبقناكم بالهجرة.
وقبل قدومهم ، قال «صلىاللهعليهوآله» : يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا. فقدم الأشعريون ، وذكر أنهم عند مجيئهم صاروا يقولون : غدا
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٥ عن الشيخين ، والإسماعيلي ، وابن سعد ، وابن حبان ، وابن مندة ، وفي هامشه : عن البخاري ج ٧ ص ٥٥٣ (٤٢٣٠) ، وعن مسلم ج ٣ ص ١٩٤٦ و ١٩٤٧ حديث (١٦٩ / ٢٥٠٢) ، والبيهقي في الدلائل ج ٤ ص ٢٤٤ ، وانظر السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٥٩ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٨٣. وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٧ و ٤٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١٤ و ٧ و ٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٧١ و ٦٧ و ٦٩ و ٢٠٥ عن ابن إسحاق ، وأحمد ، وأبي نعيم في الدلائل ، وفتح الباري ج ٧ ص ١٤٣ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٤ عن الطبراني ، وحلية الأولياء ج ١ ص ١١٤.
نلقى الأحبة ، محمدا وحزبه (١).
ونقول :
إن لنا ههنا وقفات هي التالية :
١ ـ رقة قلوب الأشعريين :
إن الحديث عن رقة قلوب الأشعريين قد روي بنحو آخر ، وهو : أنه «صلىاللهعليهوآله» قال في حقهم : أتاكم أهل اليمن ، هم أضعف قلوبا ، وأرق أفئدة. الفقه يمان ، والحكمة يمانية (٢).
فأي القولين هو الصحيح؟؟
أم أن الشك لا بد أن يسري إلى كلا هذين القولين؟؟
مع ملاحظة : أن هذا النص الثاني قد وصفهم بضعف القلوب ، لا
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٨ وفضائل الصحابة ص ٧٣ وراجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٥٤٣ وزاد المعاد ج ١ ص ١٣٦٤ مسند أبي يعلى ج ٦ ص ٤٥٤ وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ١٦٥ وموارد الظمآن ص ٥٢٦ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٣٤٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٩٢ و ٩٣ وتهذيب الكمال ج ١٥ ص ٤٥٠ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٨٤ والإصابة ص ٢١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٣.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٨ وراجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٥٠٢ و ٥٤١ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٥ ص ١٢٢ وصحيح مسلم ج ١ ص ٥٢ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٣٨٣ وشرح مسلم ج ٢ ص ٣٠ والديباج على مسلم ج ١ ص ٦٩ وتحفة الأحوذي ج ٦ ص ٤٢٣ ومسند الشاميين ج ٤ ص ٢٨٤ والجامع الصغير ج ١ ص ١٦ وكنز العمال ج ١٢ ص ٤٨ والجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ٢٣٠ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٨١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٣٤.
برقتها ، وليس في هذا الوصف مدح لهم كما هو ظاهر.
٢ ـ إشراكهم في الغنيمة :
صرحوا : بأن الدوسيين قد وصلوا إلى خيبر أيضا حين فرغ النبي «صلىاللهعليهوآله» من حصن النطاة ، فإن كانوا قد اعتزلوا القتال ، فلماذا اعتزلوه؟
ولماذا يعطيهم النبي «صلىاللهعليهوآله» من الغنائم؟
وإن كانوا قد شاركوا في فتح سائر الحصون ، فيستحقون من الغنائم مثل ما يستحقه الآخرون .. ولا يحتاج «صلىاللهعليهوآله» إلى استئذان المسلمين بإشراكهم في الغنيمة ..
وإذا كان «صلىاللهعليهوآله» قد أعطاهم من حصني الوطيح والسلالم ، فإنه لم يكن بحاجة إلى الإستئذان من أحد من المسلمين فيهما أيضا ، لأنهما كانا خالصين له «صلىاللهعليهوآله».
وقد ذكر موسى بن عقبة : أنه «صلىاللهعليهوآله» أحذى الأشعريين والدوسيين من الوطيح والسلالم ، اللذين فتحا صلحا «وتكون مشاورة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في إعطائهم ، ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم ، وإنما هي المشورة العامة» (١) ، لأن ما يفتح صلحا يكون خاصا وخالصا لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فإن أعطى منه أحدا شيئا فيكون قد أعطاه من ماله ، لا من مال المسلمين ..
ولو فرضنا : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أعطاهم من النطاة والشق ،
__________________
(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٧ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٥٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٤٣.
من الأرض فقط ، فلا إشكال أيضا ، لأن ذلك للمسلمين جميعا ، ولا يحتاج إلى إذن أحد في ذلك ..
ولعلهم أضافوا : مقولة الإستئذان ليصححوا ما يذهبون إليه : من أن ما يؤخذ بالحرب فهو لخصوص الغانمين ، سواء أكان أرضا ، أم مالا منقولا ، أم نخلا وشجرا ..
قسم لجعفر وأصحابه :
والذي نعتقده : هو أن النبي «صلىاللهعليهوآله» إنما قسم لجعفر وأصحابه دون كل من عداهم.
ويوضح ذلك : ما رواه ابن سعد عن أبي موسى الأشعري نفسه ، فقد قال : «قال : فما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه ، إلا أصحاب السفينة ، جعفر وأصحابه قسم لهم معهم ، وقال : لكم الهجرة مرتين : هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إليّ» (١).
وروى ابن إسحاق عن أسماء بنت عميس ، والمسعودي عن الحكم بن
__________________
(١) الطبقات الكبرى ج ٤ ص ١٠٦ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٢٢ وذخائر العقبى ص ٢١٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج ٣ ص ٢٤٣ وصحيح البخارى ج ٤ ص ٥٥ وعن صحيح مسلم ج ٧ ص ١٧٢ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٣٣٣ وعن فتح الباري ج ٦ ص ١٧١ وج ٧ ص ٣٧٢ و ٣٧٣ والمنتقى من السنن المسندة ص ٢٧٤ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٦٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٢ ص ٢٩ و ٣٢ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٨٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٥ ومرقاة المفاتيح ج ٧ ص ٦٠٤ وأسد الغابة ج ٤ ص ٨١.
عتيبة : أن جعفرا وأصحابه قد قدموا من أرض الحبشة ، بعد فتح خيبر ، فقسم لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في خيبر (١). ولعله «صلىاللهعليهوآله» أعطى أحد الأشعريين والدوسيين شيئا من ذلك تفضلا منه وتكرما ، ولكنه لم يقسم لهم ، وإنما قسم لخصوص جعفر وأصحابه كما ذكرنا.
٣ ـ منافسون لمهاجري الحبشة :
وقد لاحظنا على الروايات المتقدمة : أن ثمة رغبة قوية في إيجاد منافسين لأصحاب السفينة ، وهم جعفر رضوان الله تعالى عليه وأصحابه ..
ونحن نوجز مؤاخذاتنا هذه في ضمن أسئلة لا تجد لها أجوبة مقنعة ، فنقول :
زعم أبو موسى الأشعري : أن سفينتهم التي جاءت بهم من اليمن قد ألقتهم إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقوا جعفرا وأصحابه عنده ، وأن جعفرا طلب منهم أن يقيموا معهم ، فأقاموا حتى قدموا جميعا ، فوافقوا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وقد فتح خيبرا .. فأسهم «صلىاللهعليهوآله» لهم ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر إلا لأصحاب سفينتهم مع جعفر وأصحابه ، قسم لهم معهم.
فلم نفهم السبب فيما فعلته تلك السفينة العجيبة بهم ، حيث إنهم أرادوها أن تأخذهم إلى الحجاز ، فأخذتهم إلى الحبشة؟؟
فهل أرادت أن تفرض عليهم رحلة سياحية لم يكونوا ليقوموا بها
__________________
(١) الطبقات الكبرى ج ٤ ص ٣٥ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١١٠.
باختيارهم؟؟
أو أن أصحابها لا يعرفون الخرائط البحرية ، واليمين من اليسار ، ولا يفرقون بين الحجاز والحبشة ، بسبب دوار كان ألمّ بهم ، وأفقدهم القدرة على التركيز ، وعلى التمييز؟؟
وهل كان النجاشي بانتظارهم على ساحل البحر؟؟
أم أنهم هم الذين سألوا عنه ، وقصدوه إلى بلده ، وإلى دياره؟؟ وسألوا الناس عنه وعن جعفر؟؟
ولقائل أن يقول : إن عبارة : «ركبنا سفينته حتى جئنا مكة ، ثم خرجنا في بر حتى أتينا المدينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي» ، ليس فيها إشكال ، ولا يرد عليها سؤال : كيف أن سفينتهم أو صلتهم إلى مكة ، ثم ساروا برا حتى وصلوا إلى المدينة؟؟
فما معنى : عودة السفينة إلى الظهور لتأخذهم على غفلة منهم إلى الحبشة؟؟
وذلك لأن الناقل قد مزج بين الروايات المختلفة ، وكان يورد نصا ثم أقحم نصا آخر ، ثم عاد إلى النص الأول.
ولكن ذلك وإن كان يمكن أن يكون مقنعا ومقبولا في رد ذلك الإشكال المذكور آنفا ، ولكنه لا يدفع شيئا من التساؤلات التي سيأتي شطر منها أيضا ، كما أنه لا يجعل قائمة التساؤلات تنتهي عند هذا الحد ، خصوصا ، وأن أبا موسى قد جعل جعفرا وأصحابه تابعين له ولأصحابه ، حتى قال : «قسم لهم معنا». وكأن هذا التكريم كان لخصوص أبي موسى وأصحابه.
٤ ـ لم تصل سفينتهم إلى الحبشة :
ويظهر من العسقلاني : أن أبا موسى وأصحابه لم يصلوا إلى الحبشة ، فقد قال عن أبي موسى : «صادفت سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب ، فقدموا جميعا» (١).
وهذا معناه : أنهم التقوا في الطريق ، وأن سفينة جعفر وأصحابه غير سفينة أبي موسى وأصحابه ، فما معنى جعلهما سفينة واحدة ، والحديث عنهم جميعا بأسلوب واحد؟؟
٥ ـ أبو موسى يعترف :
وثمة نص آخر يدل : على أن أبا موسى لا ربط له بأهل السفينة ، وهو ما تقدم في قضية الصدام الذي جرى بين أسماء بنت عميس وعمر بن الخطاب ، حيث إنها بعد أن اشتكت لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وجاء الموقف النبوي مؤيدا مسددا لها ، قالت : «.. ولقد رأيت أبا موسى ، وإنه ليستعيد هذا الحديث مني ، وقال : لكم الهجرة مرتين»؟؟ (٢).
٦ ـ لم يقسم لمن غاب إلا لجابر :
وبعد .. فقد قال أبو موسى الأشعري : «فأسهم لنا ، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا من شهد معه ، إلا أصحاب سفينتنا ..».
مع أنهم مجمعون : على أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أسهم لجابر بن عبد
__________________
(١) الإصابة ج ٢ ص ٣٥٩.
(٢) تقدمت مصادر ذلك.
الله الأنصاري ، وكان غائبا عن خيبر (١).
زواج النبي صلىاللهعليهوآله بأم حبيبة :
وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة أم حبيبة بنت أبي سفيان. فإنها كانت ممن هاجر الهجرة الثانية للحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش ، فارتد عن الإسلام هناك وتنصر ، ومات على ذلك ، وبقيت هي على إسلامها. وقد أرسل «صلىاللهعليهوآله» عمرو بن أمية الضمري في المحرم افتتاح سنة سبع إلى النجاشي ليتزوجها منه «صلىاللهعليهوآله».
قالت أم حبيبة : رأيت في المنام ، كأن قائلا يقول لي : يا أم المؤمنين ، ففزعت ، فأولتها : بأن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يتزوجني.
قالت : فما شعرت إلا وقد دخلت عليّ جارية النجاشي ، فقالت لي : إن الملك يقول لك : إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كتب إليه أن يزوجك منه ، ويقول لك : وكّلي من يزوجك.
فأعطتها بعض الأموال لبشارتها هذه ، ثم أرسلت بالوكالة إلى خالد بن سعيد.
فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين فحضروا ، وخطب النجاشي رضياللهعنه ، فقال :
الحمد لله الملك القدوس ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأنه الذي بشّر به عيسى بن مريم «عليهالسلام».
__________________
(١) قد تقدمت مصادر ذلك فلا نعيد.
أما بعد .. فإن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كتب إلي : أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبنا إلى ما دعا إليه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وقد أصدقها أربع مائة دينار.
وفي لفظ : أربع مائة مثقال ذهب.
وسكب الدنانير بين يدي القوم.
فتكلم خالد بن سعيد بن العاص ، فقال : الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (١).
أما بعد .. فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وزوّجته أم حبيبة بنت أبي سفيان. فبارك الله لرسول الله «صلىاللهعليهوآله».
ودفع النجاشي الدنانير لخالد بن سعيد ، فقبضها منه.
وقيل : إنه أنقدها لها النجاشي على يد جاريته التي بشرتها ، فلما جاءتها بتلك الدنانير أعطتها خمسين دينارا.
ثم لما أرادوا أن يقوموا بعد العقد ، قال لهم النجاشي : اجلسوا ، فإن من سنن الأنبياء «عليهم الصلاة والسلام» إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج ، فدعا بطعام ، فأكلوا ثم تفرقوا.
قالت أم حبيبة : فلما كان من الغد جاءتني جارية النجاشي فردت عليّ جميع ما أعطيتها ، وقالت : إن الملك عزم علي أن لا أرزأك شيئا. وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر.
__________________
(١) الآية ٩ من سورة الصف.
فجاءت بورس وعنبر وزباد كثير.
قالت : حاجتي إليك : أن تقرئي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مني السلام ، وتعلميه أني قد اتبعت دينه.
وكانت كلما دخلت عليّ تقول : لا تنسي حاجتي إليك. ثم أرسل النجاشي أم حبيبة مع شرحبيل بن حسنة (١).
ونقول :
إن ههنا وقفات ، كما يلي :
حتى بنت أبي سفيان :
إن النبي «صلىاللهعليهوآله» كان يرعى كل من أعلن إسلامه ، حتى لو كان بعيدا عنه مئات الأميال .. وحتى لو كان امرأة ، وكانت هذه المرأة هي بنت أبي سفيان الذي لم يزل يسعى في سفك دمه «صلىاللهعليهوآله» بكل حيلة ووسيلة.
مهر أم حبيبة :
ذكر النص المتقدم : أن النجاشي قد ساق إلى أم حبيبة أربع مائة دينار أو أربع مائة مثقال من الذهب ..
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٩ و ٥٠ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٦٩ ص ١٤٤ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ١٩٥ والمنتخب من ذيل المذيل ص ٩٨ وزوجات النبي لسعيد أيوب عن الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٢١ والإستيعاب ج ٤ ص ٤٤ والإصابة ج ٤ ص ٣٠٥ والطبقات الكبرى ج ٧ ص ٩٧.
ونقول :
إن الصحيح هو الأول ، فقد روي عن الإمام الباقر «عليهالسلام» أنه قال : أتدري من أين صار مهور النساء أربعة آلاف؟
قلت : لا.
فقال : إن أم حبيبة بنت أبي سفيان كانت في الحبشة. فخطبها النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وساق إليها عنه النجاشي أربعة آلاف درهم (١).
أم حبيبة لم تكن في مستوى الحدث :
وقد كان المفروض بأم حبيبة ، التي شرفها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، بأن جعلها أما للمؤمنين : أن تكون عند حسن ظنه «صلىاللهعليهوآله» بها ، وأن تحفظه في قرباه ، وفي أهدافه ، وفي كل ما يحب ..
ولكن التاريخ يحدثنا عنها بما لم نكن نتوقعه ، فإنها انساقت بعد وفاته «صلىاللهعليهوآله» بالإتجاه الآخر ، فقد ذكروا :
١ ـ أنها بعثت بقميص عثمان مخضبا بدمائه مع النعمان بن بشير إلى أخيها معاوية (٢).
٢ ـ لما بلغها قتل محمد بن أبي بكر وإحراقه شوت كبشا ، وبعثت به إلى
__________________
(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٢ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٣٩٠ عنه وفقه الصادق للروحاني ج ٢٢ ص ١٤٢ والوسائل (ط آل البيت) ج ٢١ ص ٣٤٧ و (ط الإسلامية) ج ١٥ ص ٧.
(٢) مروج الذهب (ط دار الأندلس) ج ٢ ص ٣٥٣ وأنساب الأشراف للبلاذري ص ٢٩١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٤ ص ٢٨٢.
عائشة ، تشفيا بقتله «رحمهالله» ، بطلب دم عثمان.
فقالت عائشة : قاتل الله ابنة العاهرة. والله لا أكلت شواء أبدا (١).
٣ ـ وحين نزل قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ..) (٢) أي تعتزل.
كان ممن عزل أم حبيبة (٣).
مع من قدمت أم حبيبة؟؟
قد يقال : بوجود تناقض بين ما روي : من أن أم حبيبة قدمت في سفينة جعفر وأصحابه .. وبين نفس ذلك النص الذي يعود ، فيقول : إن النجاشي قد أرسلها مع شرحبيل بن حسنة ..
ويجاب بأن المراد : أنها وإن كانت في السفينة ، لكن النجاشي جعل مسؤولية رعايتها ، وتلبية حاجاتها على عاتق شرحبيل ..
__________________
(١) تذكرة الخواص ص ١٠٧ وحول عدم أكل عائشة للشواء راجع : أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج ٢ ص ٢٩١ وأحاديث أم المؤمنين عائشة للعسكري عن تذكرة خواص الأمة (ط النجف) ص ١١٤ وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٤٩ ص ٤٢٧.
(٢) الآية ٥١ من سورة الأحزاب.
(٣) أنساب الأشراف للبلاذري ج ١ ص ٤٦٧ وقاموس الرجال ج ١٠ ص ٣٩١ عنه ، والموسوعة الفقهية الميسرة للشيخ محمد علي الأنصاري ج ١ ص ٣٥٩ والبحر الرائق ج ٣ لابن نجيم المصري ص ٣٨٣ وفتح الباري ج ٩ ص ٩٣ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٣٢٩ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٣ ص ١٢٠ وجامع البيان ج ٢٢ ص ٣١ وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٤٨ والدر المنثور ج ٥ ص ٢١٠ و ٢١١ وعن فتح القدير ج ٤ ص ٢٩٥ وعن كتاب المحبر ص ٩٢.