النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

يقال (يوم سخنان) أي (حار) ، (سيفان) الرجل الطويل (علّان) شديد العطش ، (مصان) كثير الشتم ، رجل (موتان القلب) أي غافل ، (نصران) و (نصرانيّة) أي نصير. كل هذه مؤنثها فعلانة وهي منصرفة في النكرة ، وما ورد في (عريان) من المنع فهو ضرورة نحو قوله :

__________________

ـ يضرب به المثل ، في البيان والفصاحة ينظر مادة (سحب) في اللسان ٣ / ١٩٤٩ وقد تكون (سخنان) من السخونة وهي عكس البرودة وسخنان أي حار ، كما ذكره الشارح والهمع ١ / ٩٦.

علانا : أي شديد العطش من العلّ وهو كذلك الرجل الصغير الحقير (ينظر اللسان مادة (علل) ٤ / ٣٠٧٩.

موتان ـ رجل موتان الفؤاد غير حديده ، أي غير ذكي ـ ينظر اللسان مادة (مات) ٦ / ٤٢٩٦.

ندمان ندم فهو ندمان ونادم ، ونادمني فلان على الشراب فهو نديمي وندماني ، وجمع النديم ندام ، وجمع الندمان ندامى والمرأة ندمانة والنسوة ندامى (ينظر اللسان مادة (ندم) ٦ / ٤٣٨٦ ، وشرح الرضي ١ / ٦١

أليان : أي صاحب إليه عظيمة من ذكور الغنم.

شيطان من شطن عنه إذا بعد ـ شاط هلك. ينظر مادة (شطن) في اللسان ٤ / ٢٢٦٤.

نصران من نصر والنصارى منسوبون إلى قرية بالشام تسمى ناصرة ونصورّية وهو ضعيف على رأي بن سيده ، وأما سيبويه فنقل عن الخليل : أن نصارى جمع نصري ونصران كما قالوا ندمان وندامى ينظر مادة (نصر) في اللسان ٦ / ٤٤٤٠.

الأبيات من مجزوء الوافر. والألفاظ التي مؤنثاتها بالتاء في هذه الأبيات سبع عشرة لفظة في حين حصرها السيوطي في الهمع بأربع عشرة لفظة ، قال في همع الهوامع ١ / ٩٦ ـ ٩٧ :

(وهي ندمان ، سيفان ، وحبلان ، (للمتلئ غضبا) ودخنان (فيه كدرة في سواد) ، ويو سخنان (حار) ، ويوم ضحيان لا غيم فيه ، وبعير صوحان (يابس الظهر) ورجل علان (صغير حقير) ورجل قشوان (دقيق الساقين) ورجل مصان (لئيم) ، ورجل موتان الفؤاد (أي غير حديده) ورجل نصران (أي نصراني) ورجل خمصان لغة في خمصان وكبش أليان (كبير الإلية) فهذه أربع عشرة كلمة لا غير مؤنثاتها بالتاء).

سيفان : الرجل الطويل الممشوق الضامر كالسيف وهي سيفانة ينظر اللسان مادة (سيف) ٣ / ٢١٧٢.

(١٣) قصانا : لئيم وهو شتم للرجل يعير به ، ينظر مادة (مصّ) في اللسان ٦ / ٤٢١٦ ، والهمع ١ / ٩٧.

١٦١

[٦٠] فأوفضن عنها وهى ترغو حشاشة

بذي نفسها والسيف عريان ينظر (١)

وبعض العرب (٢) يجعل مؤنث ما آخره ألف ونون زائدان على فعلانة كله ويصرفه أجمع.

قوله : (ومن ثم اختلف في رحمن دون سكران وندمان) يعني أن (سكران) وجد له فعلى ، ولم يوجد له فعلانة فمنع ، (وندمان) عكسه فصرف ، وأما (رحمن) و (لحيان) فليس لهما مؤنث فيتم فيهما هذا التقسيم ، ووجه الإختلاف فيهما ، أن من اشترط انتفاء فعلانة فقد انتفت فيمنع في نحو (الله رحمن رحيم) ، ومن اشترط وجود فعلى ، فلم يوجب فيصرف (٣) ، قال ابن الحاجب : (٤) والمنع أولى من وجهين :

أحدهما : أن الألف والنون إنما منعتا عندنا لامتناع دخول ألفي تاء التأنيث عليهما ، و (رحمن) لا تدخل عليها تاء التأنيث ، فقد صح الشبه بألفي التأنيث ، لأن وجود فعلى ليس مقصودا في نفسه ، وإنما المقصود تحقق امتناع دخول تاء التأنيث عليهما ، فإذا امتنع دخولها عليهما بغيره ، فقد حصل المقصود ، والثاني : أن المنع في باب فعلان أكثر من الصرف ،

__________________

(١) البيت من الطويل وهو بلا نسبة في الإنصاف ٢ / ٤٩٧ ، وخزانة الأدب ١ / ١٤٨ ـ ٢٥٤.

وأوفضن : أسرعن ، ترغو : من الرغاء وهو صوت الإبل ويروى البيت في الإنصاف بـ (أحمر) بدل (ينظر) والشاهد فيه قوله : (عريان) حيث منعه من الصرف ، مع أنه ليس فيه إلا العلمية وهي وحدها غير كافية في منع الصرف ، ولكن الشارح عللها بأن ذلك ضرورة.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٠. وقد أشار إلى أن بعض العرب هم بنو أسد.

(٣) هذه العبارة منقولة بتصرف عن شرح الرضي ١ / ٦١ دون إسناد.

(٤) ينظر شرح المصنف ١٧ ، وشرح الرضي ١ / ٦١.

١٦٢

وإذا لم نثبت (رحمن) من أحدهما فحمله على الأكثر أولى ، لأن باب (سكران) أكثر من باب (ندمان) واختار أبو حيان (١) الصرف لأنه محتمل ، والأولى فيما حمل أن يردّ إلى الأصل وهو الصرف ، وقال : كان الأولى في التمثيل بـ (لحيان) لوجوه :

أحدها : أن الرحمن ملازم للألف واللام أو النداء ، فلا يظهر فيه ، الأمر الثاني : أنه علم لله تعالى ، فالعلمية كـ (النجم) و (الصّعق) ما كان علما فهو ممتنع بلا خلاف ، وأيضا قد تقدم الكلام في الاسم ونحن في الصفة ، الثالث : قاله ابن مالك : إن الممثلّ معّرض لأن تذكره بالتاء أو بألف (فعلى) لينظر ما هو اللاحق به ، وتعريض الرحمن لذلك مع وجود مندوحة مخاطرة من فاعله.

قوله : (وزن الفعل) هذه العلة التاسعة.

قوله : (شرطه أن يختص بالفعل كشمّر وضرب) [ظ ١٧] يعني أن باب (فعّل) و (فعل) يختصان بالفعل ولا يوجدان في الاسم فإن وجد شيء في الأسماء ، فلا يكون إلا منقولا عن الفعل كـ (شمّر) لفرس ، و (ندر) لماء ، (وعثّر) لموضع (٢) ، و (خضّم) لرجل (٣) ، أو أعجميا كـ (بقّم) وك (ضبع) ، و (شلّم) لبيت المقدس (٤) ، وأصل هذه كلها أفعال ، وأما (فعل) فمن

__________________

(١) ينظر البحر المحيط ١ / ١٢٨ ، والهمع ١ / ٩٦.

(٢) ينظر شرح المصنف ص ١٧ ، وشرح الرضي ١ / ٦١.

(٣) ينظر همع الهوامع ١ / ١٠٠.

(٤) قال الفراء : لم يأت على فعل إلا بقم وعثر وندر وشلم ، ينظر اللسان مادة (شلم) ٤ / ٢٣١٨ ، وينظر الكتاب ٣ / ٢٠٨ وما ينصرف وما لا ينصرف ٢١.

١٦٣

المختص بالفعل أيضا ، ما لم يكن مضاعفا ، ولا معتلا ، كـ (قيل) و (بيع) و (ردّ) و (شدّ) ولم يوجد منقولا ، إلا (دئل ورئم) و (وعل) ، أسماء دواب ، وحاصل الأوزان كلها خمسة أقسام ، تختص الاسم ، كـ (فلس) و (حبر) و (طرد) و (أيل) و (عبق) و (عيب) والخماسي كله والرباعي ، ما عدا (فعللا) وغالب عليه كـ (أفعل) على كلام الشيخ ، ومعتل الثلاثي ومضاعفه مثل (قيل) و (بيع) و (شدّ) و (مدّ) فهذان منصرفان ، ولا يؤثر فيهما الوزن ، ويختص بالفعل كـ (شمّر) و (ضرب) وغالب عليه كفعل الأمر نحو : (قم) و (اضرب) وسائر الأفعال التسعة الخماسية التي في أولها همزة وصل ، وما كان في أوله أحد حروف نأيت ، فهذان ممتنعان ، وهما المراد هاهنا ، وامتناع الجر والتنوين للمشابهة بحصول علتين فرعيتين ، هذا مذهب الجمهور ، وقال صاحب التخمير : (١) إن العلة في امتناعها كونه منقولا عن الفعل إلى العلمية أو الوصفية ، والحركة حكاية لحركة الفعل ، كقوله :

[٦١] نبئت أخوالي بنى يزيد

 ... (٢)

__________________

(١) صاحب التخمير هو صدر الأفاضل الخوارزمي أبو محمد وسبقت ترجمته في الصفحة ١٤٣ ينظر رأيه في التخمير ١ / ٢١١.

(٢) البيت من الرجز ، وهو لرؤبة كما في ملحق ديوانه ١٧٢ ، وعجزه :

ظلما علينا لهم فديد

وينظر المقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٩٧٧ ، وابن يعيش ١ / ٢٨ ، وشرح الرضي ١ / ٦٤ واللسان مادة (زيد) ٣ / ١٨٩٨ ، ومغني اللبيب ٨١٧ ، وأوضح المسالك ١ / ١٢٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٣٨٨ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٧٠.

والشاهد فيه قوله : (يزيد) حيث سمي به وأصله فعل مضارع وهو من زاد يزيد ، وهو اسم ـ على وزن الفعل المضارع.

١٦٤

ولم يعتبر المشابهة ، وما لم يكن من فعل كأفعل و (أيدع) مشبه بالفعل ، مشترك بينهما ، نحو (فعّل) و (فعل) ، (فعّل) و (فعلل) مفتوح العين ومكسورها ومضمومهما كـ (ضرب) و (علم) و (صرف) و (دحرج) فصرفه الجمهور ، ومنعه عيسى بن عمر (١) ، إذا كان منقولا من فعل نحو (ضرب) من (ضرب يضرب) لأمر العسل محتجا بقوله :

[٦٢] أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفونى (٢)

ولم ينوّن (جلا) ، ولا حجة له لاحتمال أن يكون مضمنا ضميرا ، فيكون جملة محكية ، كقوله :

[٦٣] نبئت أخوالي بنى يزيد (٣)

 ...

وفصل الفراء (٤) ، فقال : إن اشتهر كون ذلك اللفظ فعلا منع

__________________

(١) ينظر رأي عيسى بن عمر في الكتاب ٣ / ٢٠٦ وقال الرضي في شرحه ١ / ٦٤ : (واعتبره عيسى بن عمر بشرط كونه منقولا عن الفعل نحو (كعسب) ينظر (ما ينصرف ومالا ينصرف ٢١ ، والخزانة ١ / ٢٥٥ ، والهمع ١ / ٩٨.

(٢) البيت من البحر الوافر وهو لسحيم بن وثيل اليربوعي كما في الكتاب ٣ / ٢٠٧ ، وينظر ما ينصرف ومالا ينصرف ، وجمهرة اللغة ٤٩٥ ـ ١٠٤٤ وابن يعيش ٣ / ٦٢ ، وأمالي ابن الحاجب ٤٥٦ ، والمغني ٢١٢ ـ ٨١٧ وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٤٩ وشرح الرضي ١ / ٦٤ ، واللسان مادة (جلا) ١ / ٦٧١ وهمع الهوامع ١ / ٩٨ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٥٥ ـ ١٥٧.

والشاهد فيه قوله : (جلا) وهو غير منصرف عند عيسى بن عمر كما ذكر الشارح لأنه منقول من الفعل ، أما سيبويه فيراه جملة محكية ، الكتاب ٣ / ٢٠٧ وهذا ما ذكره الشارح ، وأما ابن يعيش في شرح الفصل فيرى أن (جلا) ليس علما وإنما هو فعل ماض مع ضميره صفة لموصوف محذوف تقديره : أنا ابن رجل (جلا) شرح المفصل ٣ / ٦٢.

(٣) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.

(٤) ينظر رأي الفراء في معاني القرآن ١ / ٣٤٢.

١٦٥

نحو (ضرب) (١) فإنه محتمل أن يكون اسما للعسل ، لكن الأشهر فعليته وإن اشتهر كونه اسما صرف نحو (حجر) لأنه محتمل أن يكون فعلا من (حجر القاضي عليه) لكن الأشهر الاسمية.

قوله : (أو يكون (٢) أوله زيادة) يعني الاسم المنقول ، واحترز بقوله : (زيادة) من أن تكون أصلية ، كـ (نوفل) و (نهشل) فإنه منصرف.

قوله : (كزيادته) يعني كزيادة الفعل ، وهي الهمزة كـ (أحمر) و (أحمد) ، والياء كـ (يزيد) والتاء كـ (تغلب) والنون كـ (نرجس) مسمى به ، قال ابن الحاجب : (٣) هذا أولى من قول النحويين ، أو يكون غالبا على الفعل لوجهين :

أحدهما : أنه رد إلى جهالة ، إذا لا تعرف كثرته على الاسم إلا بعد الإحاطة بما وقع منه في الأسماء والأفعال.

الثاني : أنا لو اعتبرنا الغلبة ، لزم أن يمنع (فاعل) في الأسماء ، ويصرف (أفعل) في الأسماء ، أما (فاعل) فلأنه في الفعل أكثر من أن يحصر كـ (ضارب) و (قاتل) و (خاصم) وقاتل في باب المفاعلة ، وسافر في غيرها ، ولم يوجد في الاسم إلا قليلا كـ (خاتم) و (عالم) و (طابق) و (طابع) و (دانق) (٤) والمعلوم أنا لو سمينا بـ (خاتم) لصرف اتفاقا ، وأما أفعل (٥) فلأنه

__________________

(١) ينظر اللسان مادة (ضرب) ٤ / ٢٥٦٤ والضّرب بالتحريك العسل الأبيض الغليظ يذكر ويؤنث ، والضرب لغة فيه حكاه أبو حنيفة.

(٢) في الكافية المحقق زيادة (في) بعد يكون.

(٣) ينظر شرح المصنف ١٧ ، وشرح الرضي ١ / ٦٢.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٢.

(٥) ينظر شرح المصنف ١٧ ، وشرح الرضي ١ / ٦٢ ، وهذه الفقرة منقولة عن الرضي بتصرف.

١٦٦

في الأسماء أكثر منه في الأفعال ، وهو معتبر في منع الصرف ، فلو كان اعتباره لغلبته في الفعل ، لم يمنع (أفعل) لغلبته ، في الاسم والدليل على أن (أفعل) في الاسم أكثر منه في الأفعال ، أنه ما من فعل ثلاثي إلا وله أفعل اسما إما للتفضيل وإما لغيره وهو : [و ١٨] في اللون والعيب ، وأفعل للأفعال لا يكون إلا في بعض ما جاء فيه (فعل) بكسر العين ، يعني أن فعل الماضي بعض مضارعة على أفعل كـ (شربت) (أشرب) و (علمت أعلم) وبعضه لا يأتي على أفعل كـ (وثق) و (ونق) وقال في غير ذلك قليل ، يعني مفتوح العين في الماضي والمستقبل ، وذلك فيما عينه أو لامه حرف حلق نحو (جهزت أجهز) و (سلخت أسلخ) وفي بعض النسخ (فعل) بفتح العين ، ومراده لا يكون أفعل في الفعل ، إلا لتعديه أو بمعنى فعل كـ (نكر) و (أنكر) و (قشع) الغيم (أقشع) قال : ويجيء أفعل ماضيا للأفعال من غير فعل ثلاثي قليلا كـ (أشحم) و (ألحم) و (أشمر) و (أشكل) وغير ذلك مما همزته للصيرورة ، ويقابله في القلة وقوع أفعل في الأسماء من غير ذلك فعل ، كـ (أجدل) و (أخيل) و (أفعى) و (أرنب) (١) و (أفكل) (٢) و (أيدع) (٣) وغير ذلك فثبت أن أفعل في الاسم اكثر منه في الفعل فلم يصدق قولهم : يغلب في الفعل ، وقد اعتبر اتفاقا انته (٤)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ١٧ مع بعض التصرف ، وشرح الرضي ١ / ٦٢ حيث العبارة منقولة بتصرف دون أن يعزوها الشارح إلى الرضي.

(٢) أفكل الأفكل على أفعل : الرعدة ولا يبنى منه فعل ، وقيل : هي رعدة تعلو الإنسان ولا فعل له ينظر اللسان مادة (فكل) ٥ / ٣٤٥٢.

(٣) أيدع : الأيدع الزعفران ، وهذا ينصرف فإن سميت به رجلا لم تصرفه في المعرفة للتعريف ووزن الفعل وصرفته في النكرة مثل : (أفكل) ينظر مادة (يدع) اللسان ٦ / ٤٦٥٠.

(٤) أي كلام ابن الحاجب ، وفيه تصرف واضح.

١٦٧

والجواب على الوجه الأول معارضة وتحقيق ، أما المعارضة فنقول : قولك (وشرطه أن يختص بالفعل) رد إلى جهالة ، إذ لا يعرف اختصاصه إلا بعد الإحاطة ، فما أجاب في المختص ، فهو جوابنا في الغالب. وأما التحقيق فقال نجم الدين : (١) إنه يمكن معرفة ذلك لا بالإحاطة بل بمجرد كون ذلك الوزن قياسا في أحدهما دون الآخر كما يعرف مثلا أن أفعل في الفعل قياس في الأمرين بفعل الكثير الغالب ، كـ (أذهب) و (أحمد) و (أسمع) و (أعلم) و (أرحم) وغير ذلك ، وليس في الاسم قياس في شيء ، كـ (أصبع) وإنما اشترط في وزن الفعل تصدره بالزيادة المذكورة لكونها قياسية في جميع الأفعال المنصرفة دون الأسماء إذ لا فعل منصرف إلا وله مضارع لا يخلو من الزيادة في أوله ، ولا عبرة بغير المنصرف لقلته ، فصارت هذه الزيادة [لاطرادها](٢) في جميع الأفعال دون الأسماء أشدّ اختصاصا بالفعل ، فجرى الوزن وإن كان مشتركا كأفعل إلى جانب الفعل حتى صح أن يقال هو وزن الفعل (٣) ، وأما الجواب على الوجه الثاني ، أما فاعل فلا جواب عليه ، وإما أفعل ، فلا نسلم غلبته في الاسم بل هو في الفعل أكثر ، والدليل على ذلك وجوه : أحدها نقض لقوله : إن أفعل لم يجئ فعلا مضارعا ، إلا في بعض ما جاء فيه (فعل) ، بما اختاره من مذهب البصريين (٤) ، أن أفعل التعجب فعل يبنى مما يبنى منه اسم التفضيل ، فإذا هما سواء في بناء أفعل منهما جميعا ، واختص أفعل الفعلي على الاسمي

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٣.

(٢) في الأصل (لاطراد) ولا وجه لها.

(٣) إلى هنا النقل من نجم الدين ١ / ٦٣ بتصرف.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٢.

١٦٨

بمجيئه في بعض الأفعال الثلاثية كـ (أخرج) و (أذهب) فكان أغلب.

الثاني : أن الزيادة في الفعل لا تكون إلا لمعنى ، وفي الأسماء قد تكون لمعنى كـ (أحمر) و (أفضل) وقد لا تكون كـ (أرنب) وبابه ، فصارت بالفعل أخص وأغلب ، لأن أصل الزيادات أن تكون لمعنى.

الثالث : أن كل فعل متصرف ، يستدعي حروف المضارعة ، ومن جملتها الهمزة ، وليس كذلك الاسم ، فكان أفعل أغلب على الفعل من الاسم.

الرابع : قاله صاحب التخمير : (١) إن ما كان من أفعل صفة فهو منقول عن الفعل ، فحينئذ لا يبقى إلا (أرنب) وبابه ، وهو قليل مغلوب ، قال والدي : حرس الله مهجته : وفي عبارة الشيخ تداخل ، حيث قال : أو يكون في أوله زيادة ، لأن كثيرا من المختص في أوله زيادة كزيادة الفعل نحو :

(يدحرج) وغيره ، فيكون فيها تكرر وتجوز بوضع العام للخاص [ظ ١٨] ولا فائدة تحته.

قوله : (غير قابل للتاء) وذلك لأنه بقبوله التاء يخرج عن شبه الفعل ، لأن الفعل لا تلحقه هذه التاء ، لأنها تجره إلى جانب الاسم لاختصاصها بالاسم ، كما جرت الزيادة المصدرة الوزن إلى جانب الفعل ، وغلب جر التاء ، لأن الوزن لا يختص بالاسم بخلاف التاء ، فامتنع (أحمر) لعدم قبوله التاء (٢) ، لأنه يقال في مؤنثه ، (حمراء) لا (أحمرة) وانصرف (يعمل) و (أرمل) مع بقاء الوصف والوزن ، لقبوله التاء ، في قولهم : (٣) (جمل يعمل) (٤) و (ناقة

__________________

(١) ينظر التخمير ١ / ٢٢٤.

(٢) ينظر شرح المصنف ١٨.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٣.

(٤) واليعمل واليعملة : من الإبل النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل ولا يقال ذلك إلا ـ للأنثى. هذا قول أهل اللغة ، واليعمل عند سيبويه (اسم ، ينظر الكتاب ٣ / ٢٠٦ ، وقد حكى أبو على يعمل ويعمله ، ولا يقال عند سيبويه : جمل يعمل وناقة يعملة ، وإنما يقال : يعمل ويعمله ...) ينظر اللسان مادة (عمل) ٤ / ٣١٠٨.

١٦٩

يعمله) فإن سمي بهما منع من الصرف ، لعدم دخول التاء بعد التسمية ، وأما لحوق التاء في (أسود) للحية ، مع أن (أسود) غير منصرف ، فالبصريون ينكرون ذلك ، وإن سلم ذلك فلحوقها عارض بسبب غلبة هذا اللفظ في الأسماء ، والأصل أن يقال في مؤنثه (سوداء).

وأعلم أنه إذا لحق الصيغة المختصة بالفعل والغالبة عليه تعيين ، فإما أن يكون التعيين فيها نفسها أو في حرف المضارعة ، عند من يعتبر أن يكون أول الوزن زيادة مثل حروف المضارعة ، إن كان في حرف المضارعة بقي ممنوعا كـ (هراق) في (أراق) وإن كان في الصيغة ، فإن بقي حرف المضارعة بقي ممنوعا ، سواء كان محذوف الفاء ، نحو (يعد) و (يهب) أو العين نحو (لم يقل) و (لم يبع) أو اللام ، نحو (لم يخش) و (لم يغز) و (لم يرم) ، لأن حروف المضارعة تخبر عن الفعل وتدل عليه ، وكذلك (عد) و (قل) ، لأن أصله الهمزة لو لم يتحرك ما بعد حرف المضارعة ، إلا أنك إذا سميت بهذه رددت المحذوف لزوال الجازم ، لأن الأسماء لا جزم فيها (١) ، وإن لم يبق حرف المضارعة ولا همزة الوصل كـ (قيل) و (بيع) و (بوع) ، و (ردّ) و (شدّ) كان مصروفا لزوال حرف المضارعة.

قوله : (وما فيه علمية مؤثرة ، إذا نكر صرف) يحترز بالمؤثرة من أن لا تؤثّر ، وذلك في ألفي التأنيث ، و (مساجد) فإنه لا أثر للعلمية مع هذه لاستقلالها عنها بالجمعية والتأنيث اللازم ، وكلامه لا يطرد إلا على رأي

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٤.

١٧٠

الأخفش (١) دون رأي سيبويه ، لأن (أحمر) إذا سمي به فالعلمية مؤثرة ، فإذا نكر لم يصرف على رأي سيبويه (٢) وقد قال : ما فيه علمية مؤثرة إذا نكر صرف ، وجملة الأسماء الممتنعة ، أربعة عشر ، والعلمية معها على ثلاثة أقسام ، لا مؤثرة ولا شرط وذلك في ألفي التأنيث ، ونهاية الجمع على اختيار الشيخ ، ومؤثره هي غير شرط ، وذلك في ثلاثة ، وزن الفعل ، صفة كـ (أحمر) ، و (فعلان) (فعلى) كـ (سكران) (سكرى) وما جاء فيه العدل والصفة كـ (أحاد) و (أخر) غير مسمى بهن ومؤثرة وشرط وذلك في تسعة : التأنيث بالتاء والمعنوي ، وألفي التكسير ، والإلحاق ، كـ (قبعثرى) و (علقى) لأن ألفهما مشبهة بألف التأنيث ، من حيث إنهما ألفان مزيدان في آخر الكلمة ، لا أصل لهما ، وإنما اشترطت العلمية فيهما دون ألفي التأنيث ، لأن ألفيهما تنقلبان في التصغير ياءين وتحذف ألف التكبير في جمع التكسير من غير عوض بخلاف ألف التأنيث ، والعجمة ، والتركيب ، والعدل الحقيقي والتقديري إذا سمي بهما ، ووزن الفعل اسما ، وفعلان اسما ، وما سمي بالجمع ، على مذهب أبي علي الفارسي (٣) ، لأن أحد علتيه عنده العلمية.

قوله : (لما تبين من أنها لا تجامع مع مؤثرة ، إلا ما هي شرط فيه [إلا العدل ووزن الفعل وهما متضادان فلا يكون إلا أحدهما ،

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ١٨ ، والمقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٩٧٩ ، وشرح الرضي ١ / ٦٥.

(٢) ينظر الكتاب ٣ / ٣٩٨ ، وما ينصرف ومالا ينصرف ٢٤.

(٣) ينظر رأي الفارسي في المقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ١٠٢٧ ، وشرح المصنف ١٨ ، وشرح الرضي ١ / ٦٥.

١٧١

فإذا نكّر بقي بلا سبب أو على سبب واحد](١) تعليل لصرفه ، وتمام التعليل ، فإذا نكر بقي بلا سبب ، و (مؤثرة) حال ، ومفعول تجامع (ما) ، ويعني بـ (ما هي شرط فيه) التأنيث بالتاء لفظا أو تقديرا ، والعجمة والتركيب ، والألف [و ١٩] والنون فإذا زالت العلمية زالت سائر العلل لزوالها ، لأنها شرط فيها كلها (٢).

قوله : (وخالف سيبويه (٣) الأخفش في مثل أحمر علما (٤) ثم نكر ، اعتبارا للصفة بعد التنكير) يعني ما كان ممتنعا قبل التسمية (٥) ، ما خلا ألفي التأنيث ، فلم يقل أحد بصرفها منكرا.

وقوله : (اعتبارا) مصدر لـ (خالف) ، والذي وقع فيه الخلاف أربع مسائل : وزن صفة ، و (فعلان فعلى) صفة ، والعدل صفة ، ومنتهى الجمع صفة ، كل هذه ممتنعة قبل التسمية وإذا سمي بها امتنعت ، وأما إذا نكرت بعد التسمية ، فسيبويه (٦) والجمهور يمنعونها لشبه الأصل ، وحجتهم السماع والقياس ، أما السماع : فما روى أبو زيد عن بعض الهذليين :كيف تقول لرجل له (عشرون عبدا) كلهم اسمه (أحمر)؟ فقال له : (عشرون أحمر) ، فقال : وإن كان اسم كل واحد (أحمد) فقال : (عشرون أحمدا) ، وأما القياس فهو أن شبه العلة علة في منع الصرف ، كـ (سراويل)

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) ينظر شرح المصنف ١٨ ، وشرح الرضي ١ / ٦٧.

(٣) الكتاب ٣ / ١٩٣.

(٤) في الكافية المحققة (إذا) بدل (ثم) ٦٦.

(٥) ينظر شرح المصنف ١٨ ، وشرح الرضي ١ / ٦٨ ، وشرح المقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٩٧٩.

(٦) ينظر الكتاب ٣ / ١٩٣ ، وشرح المفصل ١ / ٧٠ ، وشرح الرضي ١ / ٦٨.

١٧٢

لشبه الجمع ، والألف والنون والتركيب لشبه تاء التأنيث ، وغير ذلك ، وذهب الأخفش (١) وروي عن المبرد (٢) إلى صرفه لأن الصفة قد زالت لزوال العلمية. وقال الفراء (٣) في (أحمر) وبابه : إذا سمي رجل فيه حمرة بـ (أحمر) أو بـ (أسود) امتنع منكرا ، وإن لم ، انصرف ، وروي عن الفارسي والجرجاني (٤) جواز الوجهين ، قالا : لأن أفعل حين سمّت به العرب ، اعتبرت الوصفية تارة والاسمية أخرى كقوله :

[٦٤] أتانى وعيد الحوص من آل جعفر

فيا عبد قيس لو نهيت الأحاوصا (٥)

قوله : (ولا يلزمه باب حاتم) يعني لا يلزم سيبويه ، ما ألزمه الأخفش (٦) حيث قال : إذا كنت تعتبر الأصل بعد زواله فامنع (حاتما) وبابه كـ (ضارب) إذا سمي به الوصف والعلمية ، لأن أصله الوصف ، فأجاب المصنف (٧) عن سيبويه بأن لا تعتبر الوصفية إلا بعد زوال العلمية لتضادهما ، لأن العلمية لواحد بعينه ، والوصفية لواحد من امته ،

__________________

(١) ينظر شرح المفصل لابن يعيش ١ / ٧٠.

(٢) ينظر المقتضب للمبرد ٣ / ٣١٢.

(٣) ينظر الهمع ١ / ١١٦.

(٤) ينظر المقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٩٨٣ وما بعدها.

(٥) البيت من الطويل ، وهو للأعشى كما في ديوانه ١٩٩ ، وينظر إصلاح المنطق ٤٠١ ، والمفصل ١٩٥ ، وشرحه لابن يعيش ٥ / ٦٣ ، والإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب ١ / ٥٤٧ ، ولسان العرب (حوص) ٢ / ١٠٥١ ، وتذكرة النحاة ٦٣١ وخزانة الأدب ١ / ١٨٣.

والشاهد فيه قوله : (الحوص ، والأحاوص) حيث جمع عليهما أحوص ، ولا يجمع على فعل إلا أفعل وشرطه أن يكون مؤنثه فعلاء. ولا يجمع على أفاعل إلا أفعل اسما أو أفعل التفضيل وفي الأحوص الاسمية والوصفية كما لحظها الشاعر.

(٦) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٨ ، وشرح المصنف ١٨.

(٧) ينظر شرح المصنف ١٨ ـ ١٩. وشرح المفصل ١ / ٧٠.

١٧٣

فإن أردت اعتبار الوصفية مع العلمية فقد نفيتها ، وإن أردت بعد التنكير فليس فيه إلا الوصف فقط ، والعلة الواحدة لا تمنع ، بخلاف (أحمر) فإن فيه بعد زوال العلمية الوزن والوصف.

قوله : (في حكم واحد [لما يلزم من اعتبار المتضادين](١)) يحترز من حكم اعتبار المتضادين في حكمين ، فإنه جائز ، كما ذكر سيبويه في (أحمر) اعتبارا لحالة التعريف والتنكير كقوله :

[٦٥] أتانى وعيد الحوص من آل جعفر

فيا عبد قيس لو نهيت الأحاوصا (٢)

فإنه عند اعتبار الوصفية في (أحوص) اسم رجل جمعه على (حوص) كـ (حمر) في أحمر ، وعند اعتبار الاسمية جمعه على (أحاوص) كـ (أحمد) و (أحامد).

قوله : (وجميع الباب باللام ، أو الإضافة ينجر بالكسرة) يعني باب غير المنصرف مطلقا ، نحو (الأحمر) و (أحمركم) لا خلاف في جره بالكسرة إذا دخله الألف واللام ، أو الإضافة ، وإنما الخلاف ، هل يكون منصرفا

__________________

(١) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للأعشى كما في ديوانه ١٩٩ ، وينظر إصلاح المنطق ٤٠١ ، والمفصل ١٩٥ ، وشرحه لابن يعيش ٥ / ٦٣ ، والإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب ١ / ٥٤٧ ، ولسان العرب (حوص) ٢ / ١٠٥١ ، وتذكرة النحاة ٦٣١ وخزانة الأدب ١ / ١٨٣.

والشاهد فيه قوله : (الحوص ، والأحاوص) حيث جمع عليهما أحوص ، ولا يجمع على فعل إلا أفعل وشرطه أن يكون مؤنثه فعلاء. ولا يجمع على أفاعل إلا أفعل اسما أو أفعل التفضيل وفي الأحوص الاسمية والوصفية كما لحظها الشاعر.

١٧٤

أم لا؟ فالفارسي (١) يوافق (٢) ، والجرجاني وغيره صرفوه (٣) ، والمانع من دخول التنوين [و](٤) الألف واللام والإضافة ، وحجتهم أن اللام والإضافة تحدثان في الاسم معنى لا يكون في الفعل ، وهو التعريف ، فيزول شبه الفعل ، ويعود الاسم إلى أصله ، واختاره صاحب البرود وسيبويه (٥) ، وكثير من النحاة منعوه ، لأن علامة الصرف عندهم التنوين وحده ، لأن اللام والإضافة لا يزيلان شبه الفعل من الأسماء ، وبعضهم فصل [ظ ١٩] فقال : إن كان أحد علتيه العلمية ، صرف كـ (إبراهيم) و (أحمد) وإلا منع ، كـ (مساجد) و (أحمر) واختاره ركن الدين (٦) وأما تصغير هذا الباب ، فإن أزال سببا صرف كـ (عمر) وإن لم يزل كـ (زينب) منع وحصل بتصغيره علة منع الصرف كتصغير (خير) و (شر) فإنك تقول : (أخير) و (أشير) فحذفت من تصغير هذه الأوزان علة مانعة ، وهي الوزن ، فيمتنع ، وبعضهم صرفها ، لأن حدوث هذه العلة عارض ، والذي يزول بالتصغير العدل والجمع ، وما فيه ألف الإلحاق والتكسير علما ووزن الفعل المختص كـ (شّمر) و (ضرّب) ، والذي لا يزوال الوصف والعلمية والتأنيث والعجمة ووزن الفعل الذي في أوّله زيادة كزيادته والتركيب ما فيه الألف والنون علما مع غيره ما لم ينقلب كـ (سليطين) فإنه يصرف ،

__________________

(١) ينظر المقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٩٦٦.

(٢) في الأصل (يوفق) وهو تحريف.

(٣) ينظر المقتصد في شرح الإيضاح ٢ / ٩٦٦.

(٤) زيادة مقحمة مخلّة بالنص.

(٥) ينظر الكتاب ٣ / ١٩٣ ، وشرح الرضي ١ / ٦٩.

(٦) ينظر الوافية في شرح الكافية ٣١ ـ ٣٢.

١٧٥

وبعضهم ذهب إلى أن التصغير يزيل العلمية (١).

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٦٩ ـ ٧٠ ، وشرح الشافية في الصرف ١ / ١٩٦ وما بعدها.

١٧٦

المرفوعات

قوله : (المرفوعات) : إنما قدمت على المنصوبات والمجرورات ، لأنها حركة الفاعل ، وهو عمدة ، والمنصوبات حركة المفعول ، وهو فضلة.

قوله (هو) : إن قيل له : ذكر الضمير ، وهو راجع إلى المرفوعات.

فجوابه أنه إما عائد إلى مضاف محذوف تقديره : باب المرفوعات هو ، أو خبر مبتدأ محذوف ، تقديره المرفوع هو ، حذف لدلالة المرفوعات عليه ، أو لأن من اصولهم إذا توسط الضمير بين مذكر ومؤنث جاريين على ذات ، جاز تذكيره وتأنيثه كقولهم (من كانت أمك) (ومن كان أمك) وقد توسط الضمير بين المرفوعات و (ما).

قوله : (ما اشتمل على علم الفاعلية) إنما لم يقل ما اشتمل على الرفع ، لأنه يؤدي إلى الدور (١) ، ومراده بالاشتمال التضمن (٢) ، وبعلم الفاعلية ، الضم ، والألف ، والواو ، نحو (جاء زيد والزيدان والزيدون ، وأبوك) وإنما جاء بالنسبة في (الفاعلية) ، ليدخل فيها ما حمل على الفاعل ، كمفعول ما لم يسم فاعله ، والمبتدأ والخبر ، وخبر إنّ ، واسم كان ، واسم ما

__________________

(١) الدور معناه : توقف أحد الأمرين على الآخر ، وفي اللسان دور ٢ / ١٤٥٠ : إضافة الشيء إلى نفسه.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٠.

١٧٧

ولا المشبهتين بـ (ليس) وخبر (لا) التي لنفي الجنس (١).

قوله : (فمنه الفاعل) : الضمير في (منه) يعود إلى (ما) ، أي مما اشتمل على علم الفاعلية ، وإنما قدم الفاعل ، لأنه الأصل عنده (٢) ، وهو اختيار الزمخشري (٣) ، لأن عامله لفظي ، فهو قوي ، وسيبويه وأتباعه يقدمون المبتدأ ، لأنه عامله معنوي عدمي ، فهو كالمستقل بنفسه (٤). والفاعل يحتاج إلى فعله ، ولأن الفاعل مع فعله مركب ، والمفرد أسبق ، وعامله الفعل على كلام الجمهور ، وروي عن الكسائي : (٥) أنه معنوي ، وهو كونه فاعلا ، إن كان مثبتا ، أو التوكيد إن كان منفيا ، ورد بـ (مات زيد) وقيل : لشبهه بالمبتدأ في أنه مخبر عنه.

قوله : (وهو ما أسند [إليه](٦) الفعل) ، كالجنس للحد ، وإنما أتى بـ (ما) ولم يقل (اسم) ليدخل فيه صريح الاسم ، نحو (قام زيد) والمقدر بحروف المصدر ، وهي (أن) و (أنّ) و (ما) نحو : (يعجبني أن قمت) و (أنك قمت) ، و (ما صنعت) ، قال :

[٦٦] يسر المرء ما ذهب الليالي

وكان ذهابهنّ له ذهابا (٧)

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٠ وبهامشه برقم ٥.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٧١.

(٣) ينظر المفصل ١٨ ، وشرحه لابن يعيش ١ / ٧٤ ـ ٧٥.

(٤) ينظر الأنصاف ١ / ٤٤ وما بعدها المسألة رقم ٥ في رافع المبتدأ ورافع الخبر ، وشرح شذور الذهب ٨٧ وشرح الرضي ١ / ٧١.

(٥) ينظر مصادر الحاشية السابقة.

(٦) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٧) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة في المقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٢٤٢ ، وشرح المفصّل ٨ / ١٤٢ ـ ١٤٣ ، والإيضاح في شرح المفصّل ٢ / ٢٣٣ ، والجنى ، ٣٣١ ، والهمع ١ / ٨١. والشاهد فيه قوله : (ما ذهب الليالي) حيث وقع المصدر المؤول من ما والفعل في محل رفع فاعل.

١٧٨

وأجاز بعضهم جعل الفعل فاعلا من غير حرف مصدر ، نحو : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ)(١) وقوله :

[٦٧] وما راعنى إلا يسير بشرطة

وعهدي به قينا يفش بكير (٢)

وقوله :

[٦٨] وما ضر تغلب وائل أهجوتها

أم بلت حيث تناطح البحران (٣)

قوله : (وشبهه إليه) وهي المشتقات (٤) ، وما تؤول بها من الجوامد ، والمصادر ، وأسماء الأفعال ، [و ٢٠] والحروف والظروف.

__________________

(١) يوسف ١٢ / ٣٥ ، وتمامها : (حَتَّى حِينٍ) قال في البحر : هذا قول سيبويه. قال المبرد : وهذا غلط لا يكون الفاعل جملة ، ولكن الفاعل ما دل عليه (بدا) وهو المصدر المقدر من الفعل ، وهو البداء أو بدا لهم رأي ، ينظر تفسير البحر المحيط ٥ / ٣٠٦ ، والكتاب ٣ / ١١٠.

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٣٤ ، وينظر شرح المفصل ٤ / ٢٧ ، ومغني اللبيب ٥٥٩ ، ويروى :

وعهدي به قينا يسير

والشاهد فيه قوله : (يسير) على أنها جملة في محل رفع فاعل لراعني. وقال ابن هشام : ومنع الأكثرون ذلك كله وأولوا ما ورد مما يوهمه فقالوا : في (بدا) ضمير البداء ، وتسمع ويسير على إضمار أن.

(٣) البيت من البحر الكامل ، وهو للفرزدق كما في ديوانه ٢ / ٣٤٤ ، وينظر أمالي ابن الشجري ١ / ٢٦٦ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٨٨ ، والخزانة ٢ / ٥٠١ ، ويرى حيث تلاطم بدل تناطح.

والشاهد فيه قوله : (أهجوتها) حيث جاء الفعل فاعلا من غير حرف مصدري ، على تأويل :

ما ضرها هجوك إياها.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٧١.

١٧٩

قوله : (وقدّم عليه) يخرج عنه المبتدأ الذي خبره فعله ، نحو : (زيد قام) ، وإنما وجب تقديمه للإلباس بالمبتدأ ، وأجاز تأخره الكوفيون مطلقا (١) ، وأجازه الكسائي (٢) حيث لا يلتبس بالمبتدأ ، نحو أن يكون نكرة ، أو مثنى ، أو مجموعا ، نحو : (رجل قام) و (الزيدان قام) و (والزيدون قام) (٣).

قوله : (على جهة قيامه به) يعني على جهة قيام الفعل بالفاعل ، فضمير (قيامه) راجع إلى الفعل ، وضمير (به) راجع إلى الفاعل ، ويخرج مفعول ما لم يسم فاعله (٤) ، نحو : (ضرب زيد) فإن (زيدا) أسند إليه الفعل وقدّم عليه ، لكن لا من جهة قيامه به ، لأن الفعل هو التأثير ، والتأثير لا يكون قائما بالمفعول بل بالفاعل ، وهذا اختيار الشيخ (٥) ، والزمخشري (٦) وعبد القاهر (٧) يعدّانه من جملة الفاعل اصطلاحا لا معنويا ، فلا يحترزان عنه. وإنما لم يقل : قائما به ، ليدخل الفاعل الحقيقي ، نحو (قام زيد) ، (وبعد زيد) أي قرب مكانه ، وبعد مكانه (٨) ، لأن المراد قرب المحل لا الجثة ، والمجاز نحو (مات زيد) و (ما قام عمرو) و (سقط الجدار) ، ويرد على الحد سؤال ، وهو أن يقال : ما قصد في قوله : (ما أسند الفعل) هل اللغوي أو الاصطلاحي ، فإن قصد اللغوي فهو خطأ ، لقوله : (أو شبهه) ولا شبه له ،

__________________

(١) ينظر رأي الكوفيين في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٩١ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٦٥.

(٢) ينظر ابن عقيل ١ / ٤٦٦ ذكر هذه الأمثلة ونسبها للكوفيين ولم ينسبها للكسائي.

(٣) انظر مصادر الحاشية السابقة.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٧١ ، وشرح المصنف ١٩.

(٥) ينظر شرح المصنف ١٩.

(٦) ينظر المفصل ١٨ ، وشرح الرضي ١ / ٧١.

(٧) ينظر المقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٢٦ ، وشرح الرضي ١ / ٧١.

(٨) ينظر حاشية (٧).

١٨٠