مع المنع عقيب المطالبة لا مطلقا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).
فرعان :
الاول : قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : كل موضع يجب فيه رد المهر فانه يكون ذلك من بيت المال المعد للمصالح (٢).
وقال أبو علي : ان كان ما دفعه الزوج باقيا معها وجب دفعه ، والا عوض عنه من سهم الغارمين. وتفصيله الاول جيد ، لظاهر الآية. أما الثاني فلا.
الثاني : قال رحمهالله : هذا الحكم انما يكون اذا قدمت الى بلد الامام ، أو بلد خليفته ومنع من ردها. أما اذا قدمت الى غير بلدهما ، فمنع غير الامام أو غير خليفته من ردها ، فلا يلزم الامام أن يعطيهم شيئا ، سواء كان المانع من ردها العامة ، أو رجال الامام ، لان البدل يعطي الامام من المصالح ، فلا تصرف لغير الوالي فيه.
قال رحمهالله : وان عاد الى دينه قيل : يقبل ، وقيل : لا ، وهو الاشبه.
اقول : القائل الشيخ رحمهالله في المبسوط (٣) ، وانما كان الثاني أشبه ، لدلالة الآية والخبر عليه.
فرع :
وكذلك الحكم في من انتقل الى دين لا يقر أهله عليه ثم عاد.
قال رحمهالله : ولو أصر فقتل هل يملك أطفاله؟ قيل : لا ، استصحابا لحالهم الاولى.
__________________
(١) المبسوط ٢ / ٥٣.
(٢) المبسوط ٢ / ٥٥.
(٣) المبسوط ٢ / ٥٧.
اقول : اعلم أن الاولاد : اما أكابر ، أو أصاغر. والاول يقرون على دينهم ان كان ممن يقر أهله عليه. وأما القسم الثاني ، فلا يخلو اما أن يكون أمتهم على دين يقر أهله عليه أولا ، فان كان الاول أقروا عليه ، سواء ماتت الام أو لا. وان لم يكن لهم أم ، أو كانت على دين لا يقر أهله عليه ، قال الشيخ رحمهالله في المبسوط أقروا لما سبق لهم من الذمة (١). ولو قيل للامام تملكهم والحال هذه كان حسنا.
لنا ـ انهم مال لم يوجف عليه بخيل ، فيكون فيئا.
قال رحمهالله : اذا اشترى الكافر مصحفا لم يصح البيع ، وقيل : يصح ويرفع يده ، والاول أنسب باعظام الكتاب العزيز ، ومثل ذلك كتب أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله وقيل : يجوز على كراهية. وهو أشبه.
اقول : هنا مسألتان :
الاولى : في شراء المصاحف ، والاقوى البطلان لما ذكره.
الثاني : في ابتياع الكتب التي فيها أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآله وآثار السلف وأقاويلهم. والاقوى الصحة هنا على كراهية ، خلافا للشيخ رحمهالله.
لنا ـ الاصل الصحة ، ترك العمل به في الصورة الاولى ، لا عظام الكتاب العزيز فيبقى معمولا بها فيما عداه ، ولان حرمتها ليست كحرمة المصاحف ، فلا يتعدى الحكم.
قال رحمهالله : وهل يؤخذ ما حواه العسكر ـ الى آخره.
اقول : منشأ الخلاف في هذه المسألة واقعة علي عليهالسلام يوم الجمل ، فانه روي فيها الوجهان ، ولا ثمرة مهمة في تحقيقها.
قال رحمهالله : والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان اجماعا ، ووجوبهما على الكفاية ، ويسقط من فيه كفاية ، وقيل : بل على الاعيان ، وهو أشبه.
__________________
(١) المبسوط ٢ / ٥٨.
اقول : القول الاول ذهب إليه السيد المرتضى قدس الله روحه ، واختاره المتأخر ، عملا بالاصل ، ولان الغرض منهما ارتفاع القبح ووقوع الحسن ، وهو يحصل بقيام من فيه كفاية ، فلم يكن لتكليف الباقين به فائدة.
والقول الثاني ذهب إليه الشيخ رحمهالله وأتباعه ، عملا بعموم الآيات والروايات ، وهو أقوى ، ونمنع خلو تكليف الباقين عن الفائدة ، والاصل يعارض بالآيات والروايات وهل يثبت الوجوب عقلا أو شرعا؟ فيه خلاف ، وتحقيقه في علم الكلام.
قال رحمهالله : وهو يجب وجوبا مطلقا.
أقول : معناه من غير شرط ، بخلاف المرتبتين الاخريين.
قال رحمهالله : ولو افتقر الى الجرح والقتل هل يجب؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، الا باذن الامام ، وهو الاظهر.
أقول : قال الشيخ رحمهالله في الاقتصاد : الظاهر من مذهب شيوخنا الامامية أن هذا الجنس من الانكار لا يكون الا للامام ، أو لمن يأذن له فيه.
قال رحمهالله : والمرتضى يخالف فيه ويقول : يجوز فعل ذلك بغير اذنه ، لان ما يفعل باذنه ، يكون مقصودا ، وهذا بخلاف ذاك ، اذ هو غير مقصود ، انما القصد وقوع المعروف وارتفاع المنكر ، فان وقع ضرر فهو غير مقصود (١).
قال رحمهالله : وهل يقيم الرجل الحد على زوجته وولده؟ فيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أن الحد حكم شرعي ، فلا يتولى اقامته الا الامام أو من ينصبه للنظر في ذلك ، كغيره من الاحكام وهو اختيار سلار والمتأخر.
والالتفات الى فتوى الشيخ رحمهالله وابن البراج.
__________________
(١) الاقتصاد ص ١٥٠.
قال رحمهالله : ولو ولي وال من قبل الجائر وكان قادرا على اقامة الحدود ، هل له اقامتها؟ قيل : نعم؟ بعد أن يعتقد أنه يفعل ذلك بأذن امام الحق. وقيل : لا ، وهو الاحوط.
أقول : البحث في هذه كالبحث في السابقة ، والاقرب الجواز للفقهاء.
فصل
( فى إيضاح الترددات المذكورة فى المعاملات )
وفيه مباحث :
البحث الاول
( فى ذكر الترجيحات المذكورة فى باب وجوه الاكتساب )
قال رحمهالله : وربما قيل بتحريم الابوال كلها الا أبوال الابل ، والاول أشبه.
أقول : القول الاول ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (١) ، واختاره السيد المرتضى قدس الله روحه ، وتبعهما المتأخر ، عملا بالاصل ، واستنادا الى الرواية.
والقول الثاني ظاهر كلام الشيخ في النهاية (٢) ، وهو خيرة المفيد شيخنا وسلار ، والمستند عموم الروايات الواردة بالمنع من التصرف في الابوال. والعام يخص للدليل ، وقد بيناه.
__________________
(١) المبسوط ٢ / ١٦٦.
(٢) النهاية ص ٣٦٤.
قال رحمهالله : ويجوز بيع المسوخ ، برية كانت كالقرد والدب ، وفي الفيل تردد ، والاشبه جواز بيعه للانتفاع بعظمه.
أقول : منشؤه : النظر الى أصل الجواز ، ولانه عين طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها كغيرها ، ويؤيده عموم الآية ، وهو فتوى شيخنا في المبسوط (١) ، واختاره المتأخر.
والالتفات الى فتوى شيخنا المفيد وسلار ، وهو القول الاخر للشيخ.
قال رحمهالله : ويحرم بيع السباع كلها الا الهر ، والجوارح طائرة كانت كالبازي أو ماشية كالفهد ، وقيل : يجوز بيع السباع كلها ، للانتفاع بجلدها أو عظمها وهو الاشبه.
اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ رحمهالله في المبسوط (٢).
والقول الثاني ذهب إليه المتأخر ، وهو الحق لما ذكرناه في السابقة.
قال رحمهالله : لا يجوز بيع شيء من الكلاب الاكلب الصيد ، وفي كلب الماشية والزرع والحائط تردد ، والاشبه المنع ، نعم يجوز اجارتها ، ولكل واحد من هذه الاربعة دية لو قتله غير المالك.
اقول : لا خلاف في جواز بيع كلاب الصيد ، سلوقية وهي المنسوبة الى سلوق قرية باليمن ، وغير سلوقية.
وانما الخلاف في كلب الماشية وكلب الحائط وكلب الزرع ، فذهب الشيخ في النهاية (٣) والخلاف (٤) الى التحريم ، وتبعه ابن البراج ، محتجا برواية جابر عن
__________________
(١) المبسوط ٢ / ١٦٦.
(٢) المبسوط ٢ / ١٦٦.
(٣) النهاية ص ٣٦٤.
(٤) الخلاف ١ / ٥٨٦.
النبي عليهالسلام أنه نهى عن ثمن الكلب والسنور الاكلب الصيد (١). وذهب سلار وابن حمزة الى الجواز ، وتبعهما المتأخر ، عملا بأصالة الاباحة ، ولان لها ديات مقدرة فيجوز بيعها.
أما الصغرى فاجماعية. وأما الكبرى ، فظاهرة ، اذ ملك الدية تابعة لملك العين ، واذا ثبت أنها مملوكة صح بيعها ، عملا بقوله عليهالسلام « الناس مسلطون على أموالهم » (٢) وفيه نظر ، اذ المنع من البيع لا ينافي الملك ، كما في أم الولد. والحق التمسك بالآية.
قال صاحب كشف الرموز : في تجويز الاجارة مع المنع من البيع اشكال منشؤه : أن جواز الاجارة لازم لصحة التملك المبيح للبيع.
وليس بجيد ، لما ذكرناه اعتراضا على دليل المتأخر ، ولان النهي انما ورد في البيع فقط ، فيبقى الباقي سليما عن المعارض.
قال رحمهالله : وهل يشترط تقديم الايجاب على القبول؟ فيه تردد ، والاشبه عدم الاشتراط.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة عدم الاشتراط ، وهو فتوى ابن البراج.
والالتفات الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، ترك العمل به في صورة تقديم الايجاب على القبول ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، وهو فتوى الشيخ وابن حمزة وأتبعهما المتأخر.
وقال أبو حنيفة : ان كان القبول بلفظ الخبر مثل اشتريت منك صح ، وإلا فلا.
قال رحمهالله : ولا يصح بيع الصبي ولا شراؤه ، ولو بلغ عشرا عاقلا على الاظهر.
__________________
(١) نحوه تهذيب الاحكام ٧ / ١٣٦ ، ح ٧١.
(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٢ و ٤٥٧ و ٢ / ١٣٨ و ٣ / ٢٠٨.
أقول : سيأتي البحث في هذه إن شاء الله.
قال رحمهالله : ولو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه ، قيل : لا يجوز ، والجواز أشبه.
أقول : انما كان أشبه ، لاعتماده على الاصل ، ولانه يصح أن يكون وكيلا باذن مولاه ، والتقدير حصول الاذن في هذه الصور ، فيصح العقد.
قال رحمهالله : ولو باع ملك غيره ، وقف على اجازة المالك أو وليه على الاظهر.
اقول : هذا القول هو المشهور بين الاصحاب ، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف (١) بالبطلان ، وتبعه المتأخر ، والبحث في هذه المسألة مبني على أن النهي في المعاملات هل يدل على الفساد أم لا ، فان قلنا بالاول كان البيع باطلا ، والا كان موقوفا. وتحقيق ذلك في أصول الفقه.
قال رحمهالله : والوكيل ـ الى قوله : وهو أشبه.
أقول : انما كان أشبه لقضاء الظاهر به ، ولان المخاطب لا يدخل في أمر المخاطب اياه في أمر غيره.
قال رحمهالله : وأن يكون المشتري مسلما ـ الى قوله : وهو أشبه.
اقول : انما كان الثاني أشبه ، لقوله تعالى « وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً » (٢) نفى السبيل للكافر على المؤمن ، ولا ريب أن التملك سبيل عظيم فيكون منفيا ، وهو اختيار الشيخ قدس الله روحه.
قال رحمهالله : ولو ابتاع الكافر أباه المسلم هل يصح؟ فيه تردد ، والاشبه الجواز ، لانتفاء السبيل بالعتق.
اقول : منشؤه : النظر الى مقتضى الاصالة ، فيصح الشراء ، وإليه مال المصنف.
__________________
(١) الخلاف ١ / ٥٨٠ مسألة ٢٧٥.
(٢) سورة النساء : ١٤١.
والالتفات الى ظاهر الآية ، فلا يصح ، وهو اختيار الشيخ رحمهالله ، وأتبعه ابن البراج ، والمصنف أجاب عن الآية ، بأن السبيل هنا منتف ، لانه ينعتق عليه بنفس دخوله في ملكه.
وكذا البحث في جميع المحرمات عليه نسبا ورضاعا على الخلاف.
قال رحمهالله : وفي بيع بيوت مكة تردد ، والمروي المنع.
اقول : منشؤه : النظر الى مقتضى الاصل ، وعموم الآية.
والالتفات الى الروايات المروية عن أهل البيت عليهمالسلام الدالة على المنع ، وبه أفتى الشيخ في الخلاف (١) ، مدعيا للاجماع ، ومحتجا بقوله تعالى « سواء العاكف فيه والباد » (٢) وقد تقدم تقرير الاستدلال بها والاعتراض ، فلا وجه لاعادته وتحمل الروايات على المنع من بيع نفس الارض ، لان مكة فتحت عنوة دون الآثار ، وهو اختيار المتأخر.
قال رحمهالله : ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه الى خرابه ، لاختلاف بين أربابه ويكون البيع أعود على الاظهر.
أقول : الجواز مذهب الشيخ رحمهالله ، والمنع مذهب المتأخر.
قال رحمهالله : وفي اشتراط موت المالك تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة الجواز ، ترك العمل بها في الصورة الاولى للاتفاق عليها ، فيبقى معمولا بها فيما عداها.
والالتفات الى عموم النهي عن بيع أمهات الاولاد.
قال رحمهالله : ولا يمنع جناية العبد من عتقه ولا من بيعه ، عمدا كانت الجناية أو خطا ، على تردد.
__________________
(١) الخلاف ١ / ٥٨٩ ، مسألة ٣١٦.
(٢) سورة الحج : ٢٥.
أقول : منشؤه : النظر الى مقتضى الاصل الدال على الجواز.
والالتفات الى تعلق حق المجني عليه برقبة العبد ، فلا يصح بيعه ولا عتقه ، لما فيه من ابطال الحق الثابت شرعا ، والاشبه الجواز في الخطأ دون العمد ، ويضمن المولى أرش الجناية حينئذ.
قال رحمهالله : ولو باع ما يتعذر تسليمه الا بعد مدة ، فيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى عموم الآية. والالتفات الى أن القدرة على التسليم شرط ولم يحصل.
قال رحمهالله : وتكفي مشاهدة المبيع عن وصفه ، ولو غاب وقت الابتياع الا أن يمضي مدة جرت العادة بتغير المبيع فيها. وان احتمل التغير ، كفى البناء على الاول ، ويثبت له الخيار ان ثبت التغير ، فان اختلفا فيه فالقول قول المبتاع مع يمينه ، على تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة عدم التغير على عقد البيع ، فيكون القول قول البائع مع يمينه ، لاستناده الى هذا الاصل ، ولانه منكر لدعوى المشتري.
والالتفات الى أن المشتري غارم للثمن ، فيكون القول قوله مع يمينه ، اذ لا يجوز انتزاع مال الغير الا برضاه اجماعا ، ولا ريب أنه غير راض بأداء هذا القدر على تقدير حصول التغير ، وأصالة عدم التقدم معارضة بأصالة عدم الحدوث ، والله أعلم.
قال رحمهالله : وهل يصح شراؤه من غير اختبار ولا وصف ، على أن الاصل الصحة؟ فيه تردد ، والاولى الجواز.
اقول : منشؤه : النظر الى الاصل ، ويؤيده عموم الآية ، وأصالة السلامة.
والالتفات الى حصول الغرر المنهي عنه شرعا ، فلا يصح البيع ، وهو اختيار المتأخر. ونمنع حصول الغرر ، والرواية المروية عن أبي عبد الله عليهالسلام قاصرة
عن افادة المطلوب ، فلا يصح التمسك بها.
قال رحمهالله : ولا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا لجهالته ، وان ضم إليه القصب على الاصح.
اقول : لا خلاف أن بيع المجهول لا يصح مطلقا ، الا أن الشيخ رحمهالله جعل المجهول بمثابة المعلوم في صورة واحدة ، وهي مع انضمام المعلوم إليه في البيع ، تمسكا بروايات ضعيفة جدا ، لمنافاتها الاصل ، ولضعف سندها ، فلهذا جوز بيع سمك الاجمة مع بيع ما فيها من القصب ، ومع اصطياد شيء منه وبيعه منضما الى ما فيها ، وتبعه على ذلك ابن البراج وابن حمزة.
وقال شيخنا في المختلف : والتحقيق أن نقول : المضاف الى السمك ان كان هو المقصود بالبيع ويكون السمك تابعا صح البيع والا فلا (١).
قال رحمهالله : ويكره دخول المؤمن في سوم أخيه على الاظهر.
اقول : السوم في اللغة موضوع لمعان شتى ، وفي الشرع عبارة عن الزيادة في ثمن المبيع بعد انتهاء المزايدة وسكون نفس كل من المتبايعين على البيع بذلك الثمن.
اذا عرفت هذا ، فنقول : اختلف الاصحاب هنا ، فذهب الشيخ الى التحريم وأتبعه المتأخر ، عملا بقوله عليهالسلام « لا يسوم الرجل على سوم أخيه (٢) » وهذا خبر أقيم مقام النهي ، كما في قوله عليهالسلام « لا شفاء في محرم (٣) » والنهي يدل على التحريم ظاهرا ، والمصنف اختار الجواز على كراهية ، عملا بأصالة الاباحة.
قال رحمهالله : وأن يتوكل حاضر لباد ، وقيل : يحرم ، والاول أشبه.
__________________
(١) المختلف ص ٢٠٩ كتاب التجارة.
(٢) رواه الصدوق فى الحديث المناهى فى من لا يحضره الفقيه.
(٣) عوالى اللئالى ٢ / ١٤٩ و ٣٣٣.
اقول : التحريم ذهب إليه الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) ، نظرا الى ظاهر الخبر (٣) ، والكراهية ذهب إليها الشيخ في النهاية ، عملا بالاصل واختاره المصنف.
قال رحمهالله : والخيار فيه على الفور ، وقيل : لا يسقط الا بالاسقاط ، وهو أشبه.
أقول : انما كان الثاني أشبه ، لان الخيار حق يتملك ، فلا يسقط بالتأخير ، كغيره من الحقوق.
قال رحمهالله : الاحتكار مكروه ، وقيل : حرام ، والاول أشبه.
أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في النهاية (٤) والمبسوط والمفيد في المقنعة ، وأتبعهما سلار ، والمستند التمسك بالاصل.
والقول الثاني ذهب إليه ابن بابويه وابن البراج وأحد قولي أبي الصلاح وظاهر كلام المتأخر ، والمستند ورود النهي عنه ، والنهي للتحريم ظاهرا.
قال رحمهالله : ويجبر المحتكر على البيع ولا يسعر عليه وقيل : يسعر ، والاول أظهر.
اقول : لا خلاف في الاجبار على البيع ، لما في المنع من الضرر المنفي شرعا.
وانما الخلاف في التسعير ، فذهب الشيخ الى أنه لا يسعر عليه ، وأتبعه المتأخر وابن البراج ، عملا بالاصل ، ولان في التسعير منعا عن التسلط في المال فيكون منفيا ، لقوله عليهالسلام « الناس مسلطون على أموالهم » وفي روايات باقي الاصحاب ما يدل على المنع من ذلك أيضا.
وقال المفيد بالثاني ، لكن بشرط أن لا يخسر أربابها فيها ، وأتبعه سلار ،
__________________
(١) المبسوط ٢ / ١٦٠.
(٢) الخلاف ١ / ٥٨١ مسألة ٢٨١.
(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ١٥٨.
(٤) النهاية ص ٣٧٤.
وأوجب ابن حمزة مع الاجحاف ومنعه مع عدمه ، وهو اختيار الراوندي ، ولعله الاقرب.
البحث الثانى
( فى ذكر الترددات المذكورة فى فصل الخيار )
قال رحمهالله : ولو خيره فسكت ، فخيار الساكت باق ، وكذا الاخر. وقيل : فيه يسقط. والاول أشبه.
أقول : انما كان أشبه لقوله عليهالسلام « البيعان بالخيار ما لم يفترقا » (١) ولانه انما اسقط خياره على تقدير رضا الاخر ولم يحصل ، فيكون خياره باقيا ، اذ لا يمكن حصول المشروط بدون الشرط.
قال رحمهالله : وخيار الحيوان ثلاثة للمشتري خاصة على الاظهر.
اقول : ذهب السيد المرتضى قدس الله روحه الى أن هذا الخيار ثبت للمتبايعين معا ، والحق الاول.
لنا ـ أصالة عدم ثبوت الخيار ، ترك العمل بها في صورة ثبوته للمشتري ، لوجود الدليل الدال على ثبوته له ، فيبقى معمولا بها فيما سواه (٢).
قال رحمهالله : من باع ولم يقبض الثمن ولا سلم المبيع ـ الى قوله : ولو تلف كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها على الاشبه.
اقول : لا خلاف في أن تلف هذا المبيع بعد الثلاثة من مال البائع ، وانما الخلاف في تلفه في أثناء الثلاثة ، فذهب الشيخ المفيد قدس الله روحه الى أنه
__________________
(١) مسند أحمد بن حنبل ٢ / ٧٣.
(٢) فى « س » : عداه.
يكون من مال المشتري. والحق أنه من مال البائع في الحالين.
لنا ـ قوله عليهالسلام : كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه.
واعلم أن تفصيل الشيخ في النهاية (١) في صورة حصول التلف بعد القبض غير وارد للزوم البيع بالقبض.
قال رحمهالله : المبيع يملك بالعقد ، وقيل : به وبانقضاء الخيار. والاول أظهر.
اقول : القول الاخير مذهب الشيخ رحمهالله في المبسوط (٢) والخلاف (٣).
والحق الاول ، للاتفاق على تسويغ التصرف المستلزم للملك ، ويستحيل وجود الملزوم من حيث أنه ملزوم بدون اللازم.
قال رحمهالله : خيار الشرط يثبت من حين التفرق ، وقيل : من حين العقد ، وهو أشبه.
اقول : القول الاول مذهب الشيخ رحمهالله ، وأتبعه المتأخر. وانما كان الثاني أشبه ، لان اطلاق المدة يقتضي الاتصال بالعقد.
قال رحمهالله : والحدارة.
اقول : المراد بالحدارة هنا الغلظ ، ومنه الحادر للممتلئ.
قال رحمهالله : ولو امتنع من أخذ حقه ، ثم هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري ، كان من مال البائع على الاظهر.
اقول : أوجب الشيخ رحمهالله : تسليم الحق الى الامام أو نائبه ليحفظه للمستحق ، هذا مع امتناع المستحق من قبضه أو ابراء ذمة من عليه منه ، وهو
__________________
(١) النهاية ص ٣٨٨.
(٢) المبسوط ٢ / ٨٦.
(٣) الخلاف ١ / ٥١٣.
ظاهر كلام المتأخر ، وما ذكره المصنف في المتن مذهب الشيخ في النهاية (١) وعليه الاكثر. والحق ما قاله في المبسوط (٢) مع امكان الوصول الى الحاكم.
قال رحمهالله : وفي دخول المفاتيح تردد ، ودخولها أشبه.
اقول : منشؤه : النظر الى كونها منقولة ، فلا يدخل في المبيع كغيرها ، ولان العقد انما وقع على الدار ، وليست المفاتيح جزءا منها.
والالتفات الى أن تسليم المبيع واجب ، ولا يتم الا بالمفاتيح ، ولقضاء العادة بدخولها.
قال رحمهالله : الاحجار المخلوقة في الارض والمعادن تدخل في [ بيع ] الارض ، لانها من أجزائها ، وفيه تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، فلا يدخل الا ما وقع عليه العقد ، وليس الا الارض.
والالتفات الى كون ذلك جزءا منها فيدخل ، وهو فتوى الشيخ في المبسوط (٣).
واعلم أن هذا التردد ضعيف جدا ، اذ لا يصدق اسم الارض على ذلك أصلا فلا يدخل قطعا ، الا أن عادة هذا الشيخ رحمهالله التردد لمكان الخلاف ، وان لم يكن للقول الاخر وجه.
قال رحمهالله : فان امتنعا من التسليم أجبرا ، وان امتنع أحدهما أجبر الممتنع وقيل : يجبر البائع أولا ، والاول أشبه.
__________________
(١) النهاية ص ٣٨٨.
(٢) المبسوط ٢ / ١٩٠.
(٣) المبسوط ٢ / ١٠٦.
اقول : القول الاخير مذهب الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) ، وأتبعه ابن البراج.
والقول الثاني ظاهر كلام أبي علي. وانما كان أشبه ، لان حال ما ينتقل المبيع الى المبتاع ينتقل الثمن الى البائع.
قال رحمهالله : والقبض هو التخلية ـ الى قوله : والاول أشبه.
اقول : انما كان أشبه ، لانه قد استعمل في التخلية اجماعا ، فلا يستعمل في غيرها ، دفعا للاشتراك والمجاز اللذين هما على خلاف الاصل.
قال رحمهالله : ولو نقصت قيمة المبيع بحدث فيه قبل قبضه ، كان للمشتري رده ، وفي الارش تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة البراءة ، ترك العمل بها في صورة حصول تلف المبيع جميعا قبل القبض ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداه وهو فتوى الشيخ في الخلاف (٣) ، وقواه المصنف في النكت.
والالتفات الى أن الممتنع جميعا مضمون على البائع فكذا بعضه ، لاستلزام الكل جزؤه. وعلى هذا الدليل ذكره العلماء في سور السالبة الجزئية والمهملة أيضا ليس هذا موضع ذكره. وأجابوا عنه بجواب شاف.
قال رحمهالله : وان لم يكن له قسط من الثمن ـ الى آخره.
أقول : هذه المسألة تدل على أنه يختار أن لا أرش فيما يحدث بعد البيع وقبل القبض.
قال رحمهالله : لو باع شيئا فغصب ـ الى قوله : ولا يلزم البائع أجرة المدة
__________________
(١) المبسوط ٢ / ١٩٠.
(٢) الخلاف ١ / ٥٩٨.
(٣) الخلاف ١ / ٥٩٨.
على الاظهر.
أقول : منشأ الخلاف في هذه المسألة : من كون المبيع مضمونا على البائع الى حين تسليمه الى المشتري ، فيجب عليه ضمان المنفعة ، لانها تابعة لضمان العين ، وهو المراد بالاجرة. ومن أصالة البراءة ، ولان الغاصب هنا مباشر ، فيكون الضمان عليه فقط.
قال رحمهالله : من ابتاع شيئا ولم يقبضه كره له بيعه ـ الى قوله : والاول أشبه.
أقول : القول الاول مذهب شيخنا المفيد قدس الله روحه والشيخ ، عملا بالاصل ، وتنزيلا للروايات على الكراهية ، لمعارضتها عموم القرآن ومنافاتها الاصل.
والقول الثاني ذكره في المبسوط (١) مدعيا للاجماع.
قال رحمهالله : وكذا لو دفع إليه مالا ـ الى قوله : وفيه تردد.
أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمهالله ، وتبعه ابن البراج ، بناء على أن الشخص الواحد لا يجوز أن يكون موجبا قابلا ، وهي قضية ممنوعة ، وشيد المنع التمسك بمقتضى الاصل.
قال رحمهالله : ولو باعه أرضا على أنها جربان معينة وكانت أقل ، فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع وأخذها بحصتها من الثمن ، وقيل : [ بل ] بكل الثمن. والاول أشبه.
أقول : ان كان للبائع أرض بجنب تلك الارض ، وجب عليه أن يوقته تمام ما باعه منها ، تعويلا على رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام (٢). وفيها ضعف لضعف سندها.
__________________
(١) المبسوط ٢ / ١١٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ١٥٣ ، ح ٢٤.
والقول الثاني ذهب إليه الشيخ في المبسوط ، وتبعه ابن البراج ، لان العقد انما وقع على هذا الثمن ، فلا يجوز نقضه للآية ، ويؤيده الاصل والاستصحاب.
وتقريره أن هذا الثمن كان ثابتا في ذمة المشتري قبل ظهور النقض فكذا بعده عملا بالاستصحاب. والاول أشبه عند المصنف ، لاعتماده على الرواية ، واعتضاده بالاصل الدال على براءة الذمة ، ترك العمل به في صورة عدم ظهور النقصان ، فيبقى معمولا به فيما عداه.
قال رحمهالله : وكل ما يشترطه المشتري على البائع ـ الى آخره.
اقول : قال الجوهري : تأشير الاسنان تحزيزها وتحديد أطرافها يقال : بأسنانه أشر وأشر ، مثال شطب السيف وشطبه (١). والزجج دقة الحاجبين وطولها ، قال الشاعر :
اذا ما الغانيات خرجن يوما |
|
وزججن الحواجب والعيونا |
قال الجوهري : أي وكحلن العيونا ، كما قال الاخر :
*وعلقتها تبنا وماء باردا* (٢)
قال رحمهالله : وتثبت التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة على تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى أصالة لزوم البيع ، ترك العمل بها فيما عداها.
والالتفات الى أن العلة المقتضية لثبوت الخيار ـ وهي فوات معظم الفائدة المطلوبة منها ، أعني : اللبن ـ موجود هنا ، فيثبت الحكم عملا بالمقتضي ، وبه أفتى الشيخ رحمهالله في المبسوط (٣) والخلاف (٤) مدعيا للاجماع وأبو علي ،
__________________
(١) صحاح اللغة ٢ / ٥٧٩.
(٢) صحاح اللغة ١ / ٣١٩.
(٣) المبسوط ٢ / ١٢٥.
(٤) الخلاف ١ / ٥٥١.
وتبعهما ابن البراج والمتأخر.
ويؤيده قوله عليهالسلام « من ابتاع محفلة فله الخيار ثلاثة أيام » (١) والمحفلة تقع على الناقة والبقرة اللتين ترك حلبها ربها تدليسا ، لوقوعه على الشاة من غير ترجيح.
قال رحمهالله : تحمير الوجه ووصل الشعر تدليس ، يثبت به الخيار دون الارش. وقيل : لا يثبت به الخيار ، والاول أشبه.
اقول : القولان للشيخ رحمهالله تعالى. وانما كان الاول أشبه ، لان التحمير والوصل تدليس اجماعا ، فيثبت معه الخيار كغيره.
ومستند القول الثاني التمسك بأصالة لزوم البيع ، وأصالة عدم كونه موجبا للخيار ، والاصل يخالف للدليل وقد بان.
قال رحمهالله : اذا حدث العيب ـ الى آخره.
اقول : قد سبق البحث في هذه المسألة.
قال رحمهالله : من باع غيره متاعا ـ الى آخره.
اقول : قد تقدم أيضا البحث في هذه.
قال رحمهالله : ويجوز بيع المتجانسين وزنا بوزن نقدا. ولا يجوز مع زيادة ولا يجوز اسلاف أحدهما في الاخر على الاظهر.
أقول : هذا القول هو المشهور ، ويؤيده قوله عليهالسلام « انما الربا في النسيئة » (٢) قال الشيخ في الخلاف : يجوز بيع بعض الجنس ببعض متماثلا يدا بيد ويكره نسيئة (٣).
وليس بصريح في الكراهية ، اذ قد يطلق على المحرم اسم المكروه ، كما
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ / ٧٥٣ ، برقم : ٢٢٤٠.
(٢) سنن ابن ماجه ٢ / ٧٥٤ ، برقم : ٢٢٥٧.
(٣) الخلاف ١ / ٥٢٤ مسألة ٦٥.
بيناه أولا في هذا الكتاب ، وكثيرا ما يستعمل هو رحمهالله ذلك في هذا الكتاب.
قال رحمهالله : ولو اختلف الجنسان جاز التماثل والتفاضل نقدا ، وفي النسيئة تردد ، والاحوط المنع.
اقول : منشؤه : النظر الى أصل الجواز ، ويؤيده قوله عليهالسلام « اذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (١) » وبه أفتى الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) ، وتبعه ابن حمزة والمتأخر.
والالتفات الى قوله عليهالسلام « انما الربا في النسيئة » وبه أفتى شيخنا المفيد وجماعة من الاصحاب.
قال رحمهالله : والحنطة والشعير جنس واحد في الربا على الاظهر ، لتناول اسم الطعام لهما.
اقول : قد نازع المتأخر في كونهما جنسا واحدا ، وشنع تشنيعا عظيما. ولا التفات الى تشنيعه ، مع ورود الاخبار الصريحة الصحيحة المشهورة ، المؤيدة بعمل أكثر الاصحاب.
قال رحمهالله : والخلول تتبع ما تعمل منه ـ الى قوله : ويجوز التفاضل بينهما نقدا ، وفي النسيئة تردد.
اقول : قد تقدم بحث هذه.
قال رحمهالله : ويجوز بيع المعدود متفاضلا ، كالثوب بالثوبين ، والبيضة بالبيضتين والبيض نقدا ، وفي النسيئة تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى أصالة الجواز ، ويعضده عموم الآية.
__________________
(١) عوالى اللئالى ٢ / ٢٥٣ و ٣ / ٢٢١.
(٢) النهاية ص ٣٧٧.
(٣) المبسوط ٢ / ٨٩.