ساعة ، ولا يجوز له أن يؤخره الى غد يومه (١) ودل على ما قال الشيخ رواية عبد الله ابن سنان عن الصادق عليهالسلام (٢). وتبعه الجماعة.
وأما المصنف ، فظاهر عبارته يدل على جواز التأخير الى غده ، ثم لا يجوز التأخير عن الغد الا لضرورة ولا أرى لما قاله المصنف وجها.
قال صاحب كشف الرموز سألت المصنف عن هذا فاستدل بالآية ، فقلت : لو صح الاستدلال بها لجاز التأخير طول ذي الحجة ، فالتقدير هنا تحكم ، فأعرض عن الجواب.
وأقول : يحتمل أن يكون « ثم » هنا بمعنى الواو ، فلا مأخذ ، ويكون موافقا لما قاله الشيخ.
قال رحمهالله : قيل : لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة ، ومنهم من خص ذلك بطواف العمرة ، نظرا الى تحريم تغطية الرأس.
أقول : القول الاول ذكره الشيخ رحمهالله عملا برواية زياد بن يحيى عن الصادق عليهالسلام قال : لا تطف بالبيت وعليك برطلة (٣) وفي معناها رواية يزيد بن أبي خليفة عنه عليهالسلام (٤) وقال في التهذيب : انه مكروه (٥).
وقال ابن ادريس : انه مكروه في طواف الحج ، محرم في طواف العمرة. وهو الصواب. أما الكراهية في طواف الحج ، فلظاهر الروايتين. وأما التحريم في طواف العمرة ، فلان تغطية الرأس فيها حرام اتفاقا منا ، ولا يتم الا بترك البرطلة فيكون فعلها حراما.
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣٥٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ، ح ٩٥.
(٣) تهذيب الاحكام ١ / ١٣٤ ، ح ١١٤.
(٤) تهذيب الاحكام ١ / ١٣٤ ، ح ١١٥ وفيه : يزيد بن خليفة.
(٥) التهذيب ١ / ١٣٤.
فرعان :
الاول : لو قدم طواف الحج على الوقوف لضرورة ، وجب عليه كشف الرأس في الطواف ، وحرم لبس البرطلة لما ذكرناه.
الثاني : لو عصى وغطى رأسه ، فالاقوى صحة الطواف ، لان مماسة البرطلة للرأس ليس جزءا من الطواف فالطائف كذلك آت بالمأمور به على وجهه ، وقد بينا أن الامر للاجزاء ، بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة.
قال رحمهالله : من نذر أن يطوف على أربع ، قيل : يجب عليه طوافان ، وقيل : لا ينعقد النذر ، وربما قيل بالاول اذا كان الناذر امرأة ، اقتصارا على مورد النقل.
اقول : القول الاول قاله الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) قال : طواف ليديه والاخر لرجليه ، تمسكا برواية السكوني عن الصادق عليهالسلام قال قال أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع ، قال : تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها (٣). وفي معناها رواية أبي الجهم عنه عليهالسلام (٤).
والقول الثاني ذهب إليه ابن ادريس ، ولعله أقرب.
لنا ـ أنه نذر غير مشروع ، فلا ينعقد ، والمقدمتان ظاهرتان.
والقول الثالث اختاره المصنف ، ولم أجد به قائلا سواه ، ولا بأس به اتباعا للنقل.
قال رحمهالله : ومقدمات السعي كلها مندوبة.
اقول : ذهب أكثر الاصحاب الى أن الطهارة ليس شرطا بل مستحبة ، عملا
__________________
(١) النهاية ص ٢٤٢.
(٢) المبسوط ١ / ٣٦٠.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ١٣٥ ، ح ١١٨.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ١٣٥ ، ح ١١٩.
بالاصل ، واستنادا الى ظاهر النقل. وقال ابن أبي عقيل : لا يجوز الطواف والسعي بين الصفا والمروة الا بطهارة.
محتجا برواية الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض ، قال : لا ، لان الله تعالى يقول : « إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ » (١) وفي معناها رواية ابن فضال عن أبي الحسن عليهالسلام (٢).
وتحملان على الاستحباب ، جمعا بين الادلة.
قال رحمهالله : ويستحب أن يكون ماشيا ، ولو كان راكبا جاز.
أقول : هذا هو المشهور بين الاصحاب ، وان كان شاذا منهم بالتحريم الا مع الضرورة.
قال رحمهالله : ولا بأس أن يجلس في خلال السعي للراحة.
أقول : قال أبو الصلاح : لا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة ، ويجوز الوقوف عند الاعياء للاستراحة ، والجلوس على الصفا والمروة ، وتبعه ابن زهرة والمشهور بين الاصحاب الجواز ، للاصل : ولرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام (٣).
احتج برواية عبد الرحمن عنه عليهالسلام قال : لا تجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد (٤). وتحمل على الكراهية ، جمعا بين الادلة.
قال رحمهالله : وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض.
أقول : معناه ان كان في المفرد على الصفا أعاد ، وان كان على المروة لم يعد ، لانه حينئذ يكون قد بدأ بالصفا.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٩٤ ، ح ١٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ١٥٤ ، ح ٣٣.
(٣) فروع الكافى ٤ / ٤٣٧ ، ح ٣.
(٤) فروع الكافى ٤ / ٤٣٧ ، ح ٤.
قال رحمهالله : ولو كان متمتعا بالعمرة ، فظن أنه أتم ، فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص ، كان عليه دم بقرة على رواية ويتم النقصان. وكذا قيل : لو قلم أظفاره ، أو قص شعره.
أقول : هذه الرواية رواها سعيد بن يسار عن الصادق عليهالسلام قال : قلت له : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ، ثم رجع الى منزله ، وهو يرى أنه قد فرغ منه فقلم أظفاره وأحل ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط ، فقال : ان كان يحفظ أنه سعى ستة أشواط ، فليعد وليتم شوطا وليرق دما ، قلت : دم ما ذا؟ قال : دم بقرة (١).
وفي معناها رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام (٢) وزاد أو قصر.
وعليها فتوى الشيخ في باب السعي ، وشيخنا المفيد أيضا ، وتبعهم المتأخر وقالوا جميعا في باب ما يجب على المحرم اجتنابه : انه يتم ولا كفارة. وهو الوجه عندي ، وتحمل الروايتان على الاستحباب ، اذ الكفارة لتكفير الذنب ، وحيث لا ذنب فلا تكفير.
قال صاحب كشف الرموز : والوجه أنه تختص الكفارة بالظان لا بالناسي ، جمعا بين الاقوال ، وقد صرح المتأخر بذلك. وهو غلط ، فان مع ظن الاتمام يكون ما فعله سائغا ، فلا يترتب عليه الكفارة.
قال رحمهالله : يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة ، وقيل : يحرم ، والاول أصح.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ١٥٣ ، ح ٢٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ١٥٣ ، ح ٢٨.
أقول : ظاهر كلام الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) يقتضي التحريم ، وهو الظاهر من كلام ابن ادريس ، لكن الشيخ رحمهالله احتج بقوله تعالى « سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » (٣).
وأما ابن ادريس ، فانه احتج بالاجماع ، ثم قال : فاما الاستشهاد بالآية ، فضعيف ، اذ الضمير راجع الى ما تقدم وليس الا المسجد الحرام ، ولا دلالة على الدور التي بمكة بشيء من الدلالات ، بل اجماع أصحابنا منعقد وأخبارهم متواترة ، فان لم تكن متواترة ، فهي متلقاة بالقبول لم يدفعها أحد منهم ، فالاجماع هو الدليل القاطع على ذلك دون غيره.
والحق الجواز على كراهية. أما الجواز ، فللاخبار الدالة على أن الناس مسلطون على أموالهم. وأما الكراهية ، فلرواية صفوان عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكر أبو عبد الله عليهالسلام هذه الآية « سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » فقال : كانت مكة ليس على شيء منها باب ، وكان أول من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان ، وليس ينبغي لاحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور ومنازلها (٤).
ولفظة « لا ينبغي » يراد بها الكراهية ظاهرا ، فيحمل عليها.
واعلم أن هذا الخلاف مبني على تفسير المسجد الحرام ، قيل : المراد به المسجد نفسه ، فعلى هذا لا يحرم المنع. وقيل : المراد به الحرم كله.
فعلى هذا ان قلنا ان المراد بقوله تعالى « سواء » أي : العاكف أعني المقيم والبادي أي الآتي للحج والعمرة سواء بالنزول فيه ، كما فسره به بعضهم ، والا فلا.
__________________
(١) النهاية ص ٢٨٤.
(٢) المبسوط ١ / ٣٨٤.
(٣) سورة الحج : ٢٥.
(٤) فروع الكافى ٤ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
قال رحمهالله : يحرم أن يرفع بناء فوق الكعبة ، وقيل : يكره ، وهو الاشبه.
أقول : ظاهر كلام الشيخ وابن ادريس التحريم ، والحق الجواز على كراهية. أما الجواز ، فلما قلناه في المسألة الاولى. وأما الكراهية ، فلما فيه من الجرأة على تلك البقعة المشرفة.
احتجا بأن لتلك البقعة حرمة ومزية على غيره يناسب تحريم رفع البناء فوقها ، وبما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لا ينبغي لاحد أن يرفع بناء فوق الكعبة (١).
وتحمل على الكراهية ، اذ لفظة « ينبغي » تدل عليها ظاهرا ، والحرمة لا توجب التحريم بل الكراهية.
قال رحمهالله : اذا ترك الناس زيارة النبي عليهالسلام اجبروا عليها ، لما يتضمن من الجفاء المحرم.
اقول : قد نازع ابن ادريس في هذه المسألة ، نظرا الى أن الالزام بالمندوب غير جائز. وليس بشيء ، اذ موجب الالزام هو الحذر من الجفاء ، ولا ريب أن جفاء النبي والمعصوم حرام ، لما فيه من ترك طاعته الواجبة ، فيكون ما يؤدي إليه حراما ، لقوله تعالى « وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ » (٢).
فائدة :
انما يجب الاجبار اذا لم يكن في الزيارة مشقة مانعة ، أما لو حصل ذلك لم يجب الاجبار قولا واحدا.
قال رحمهالله : ولو كان ساق ، قيل : يفتقر الى هدي التحلل. وقيل : يكفيه
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٦٣ ، ح ٢٦٢.
(٢) سورة المائدة : ٢.
ما ساقه ، وهو الاشبه.
اقول : الاول ذهب إليه علي بن بابويه رحمهالله ، قال : واذا قرن الرجل بين الحج والعمرة وأحصر ، بعث هديا مع هديه ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله.
قال المتأخر : والمراد بالقران هنا أن يأتي بهما منفردين في عام واحد ، أعني : الحج والعمرة ، ويقرن باحرام أحدهما هديا يشعره أو يقلده ، فيخرج عن ملكه بذلك ، وان لم يكن واجبا عليه بالاصالة.
قال : وأما قوله « بعث هديا مع هديه » فالمراد به أن الهدي المسوق لا يكفي عن هدي التحلل ، وكأنه نظر الى سبق وجوبه على الاحصار.
واذا كان وجوبه سابقا على الاحصار ، وجب بعث هدي آخر للتحلل.
أما أولا ، فلاصالة عدم التداخل.
وأما ثانيا ، فلاستحالة اجتماع العلل المستقلة على المعلول الواحد بالشخص اذ لا نزاع بيننا أن الاحصار موجب للهدي عند إرادة التحلل.
وأما ثالثا ، فلقوله تعالى « فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ » (١).
قال : وما قاله قوي معتمد ، غير أن باقي أصحابنا رضوان الله عليهم احتجوا بالاصل الدال على البراءة.
وبما رواه زرارة بن أعين عن الباقر عليهالسلام قال : اذا أحصر الرجل بعث بهديه فان أفاق ووجد من نفسه خفة ، فليمض ان ظن أن يدرك هديه قبل أن ينحر ، فان قدم مكة قبل أن ينحر هديه ، فليقم على احرامه حتى يقضي المناسك وينحر هديه ولا شيء عليه ، وان قدم مكة وقد نحر هديه ، كان عليه الحج من قابل والعمرة ، قلت : فان مات قبل أن ينتهي الى مكة ، قال : ان كان حجة الاسلام يحج عنه ويعتمر
__________________
(١) سورة البقرة : ١٩٦.
فانما هو شيء عليه (١).
والتداخل يصار إليه للدليل وقد بيناه ، ونمنع كون الاحصار موجبا للهدي على الاطلاق ، بل انما هو يوجبه اذا لم يكن قد ساق المحصر هديا ، وهو الجواب عن الآية.
واعلم أن التحقيق هنا أن نقول : الهدي المسوق اما أن يكون واجبا بالنذر وشبهه أو لا ، فان كان واجبا افتقر الى هدي التحلل ، لان الهدي حق وجب بالاحرام ولا دليل على سقوطه ، فيجب الوفاء به. وان كان مندوبا جاز له التحلل به اذا نوى عند الذبح ذلك. ولو ذبحه مندوبا ، افتقر الى آخر للتحلل. هذا في المحصر.
وأما المصدود ، فان أوجبنا عليه هديا للتحلل ـ وهو المشهور بين الاصحاب كان حكمه حكم المحصر ، وان لم يوجب عليه هديا له ، كما هو مذهب المتأخر عملا باصالة براءة الذمة ، تمسكا بقوله تعالى « فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ » (٢) دل بمفهومه على عدم وجوب الهدي على غير المحصر.
والتخصيص بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عدا المذكور ، كما بين في أماكنه ، لم يجب عليه شيء سوى المسوق ، ان كان واجبا بأحد الاسباب الموجبة له.
اذا عرفت هذا ، فهنا بحثان :
الاول : ظاهر كلام المتأخر يقتضي أن هدي القران يخرج عن ملك سائقه بمجرد التقليد أو الاشعار. والمشهور خلاف ذلك ، وأنه لا يخرج عن ملكه الا بسوقه الى المنحر ، أو يعينه بالنذر وشبهه.
لنا ـ اصالة بقاء الملك على مالكه ، ترك العمل به في هذه الصور للاجماع فيبقى معمولا به فيما عداه.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، ح ١١٢.
(٢) سورة البقرة : ١٩٦.
الثاني : ذهب جماعة من علماء التفسير الى أن المراد بالاحصار المذكور في الآية المنع مطلقا ، سواء كان من عدو ، أو مرض ، أو حصول خوف أو هلاك بوجه من الوجوه ، فعلى هذا يسقط احتجاج المتأخر بالكلية. وهذا القول مروي عن ابن عباس.
قال الشيخ في التبيان : وهو المروي في أخبارنا (١).
فيكون حينئذ بين الصد والحصر عموم مطلق ، اذ كل مصدود محصور ، ولا ينعكس كليا ، لصدق المحصور على الممنوع بالمرض من غير صدق المصدود عليه.
قال رحمهالله : ولا بدل لهدي التحلل ، فلو عجز عنه وعن ثمنه بقي على احرامه ، ولو تحلل لم يحل.
اقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في المبسوط (٢) ، وعندي فيها اشكال ، ينشأ : من قوله عليهالسلام « الاستغفار كفارة العاجز » وهذا عاجز ، ولان في البقاء على الاحرام ضررا وحرجا وعسرا ، فيكون منفيا بالآيات الدالة عليه.
لا يقال : العام يخص للدليل ، والتوصل (٣) موجود هنا ، وهو قوله تعالى « وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ » (٤).
لانا نقول : لا دلالة في الآية على أنه لا بدل لهدي التحلل ، بل انما يدل على وجوب تأخر الحلق الى حين بلوغ الهدي محله ، وذلك انما يتحقق في حق من أنفذ الهدي فقط دون غيره فاعرفه.
قال رحمهالله : ولو لم يندفع العدو الا بالقتال ـ الى آخره.
__________________
(١) التبيان ٢ / ١٥٥.
(٢) المبسوط ١ / ٣٣٢.
(٣) كذا.
(٤) سورة البقرة : ١٩٦.
أقول : قد مر البحث في هذه المسألة أيضا ، فلا وجه لاعادته.
قال رحمهالله : والمعتمر اذا تحلل يقضي عمرته ، الى آخره.
اقول : هذا الخلاف مبني على مقدار ما يكون بين العمرتين ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله.
قال رحمهالله : والقارن اذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل الا قارنا ، وقيل : يأتي بما كان واجبا عليه. وان كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وان كان الاتيان بما خرج منه أفضل.
اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، مصيرا الى رواية محمد ابن مسلم عن الباقر عليهالسلام ورفاعة عن الصادق عليهالسلام أنهما قالا : القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني من حيث حبستني ، قال : يبعث بهديه ، قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : لا ولكن يدخل بمثل ما خرج منه (١).
وقال المتأخر : يحرم بما شاء في المستقبل ، عملا بأصالة براءة الذمة من وجوب البعث ، والحق ما ذكره المصنف.
لنا ـ أنه مع وجوب أحد الانواع ، يكون مكلفا بما هو الواجب عليه ، فلا يجزيه غيره ، واذا لم يجزيه غيره وجب عليه الاتيان به.
قال رحمهالله : الصيد هو الحيوان الممتنع ، وقيل : يشترط أن يكون حلالا.
اقول : معناه حلالا أكله.
واعلم أن ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢) يدل على اعتبار ذلك ، وليس بجيد ، فان الثعلب والارنب والضب صيود وليست مأكولا. والمراد بالممتنع الممتنع بالاصالة.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٢٣ ، ح ١١٤.
(٢) المبسوط ١ / ٣٣٨.
قال رحمهالله : ولا كفارة في قتل السباع ، ماشية كانت أو طائرة ، الا الاسد فان على قاتله كبشا اذا لم يرده ، على رواية فيها ضعف.
اقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في النهاية (١) وتبعه ابن حمزة ، وهو اختيار علي بن بابويه ، وجعلها في المبسوط (٢) والخلاف (٣) رواية ، والاقوى أنه لا شيء فيه ، وهو اختيار ابن ادريس ، عملا بأصالة البراءة ، ولان ضرره أعظم من ضرر العقرب والحية وشبههما وقد جاز قتلهما ، فيجوز قتله بطريق الاولى.
احتج الشيخ رحمهالله برواية أبي سعيد المكاري قال قلت لابي عبد الله عليهالسلام رجل قتل أسدا في الحرم ، فقال : عليه كبش يذبحه. قال رحمهالله في التهذيب : تحمل هذه على أنه قتله ولم يرده ، ومتى كان الامر على ذلك لزمته الكفارة (٤) محتجا على هذا التأويل بروايات مروية عن الصادق عليهالسلام دالة على جواز قتل السباع مع الإرادة.
واعلم أن هذه الرواية ضعيفة ، فان في طريقها أبا سعيد ، وهو فاسد العقيدة ، ومع هذا فتحمل على الاستحباب.
قال رحمهالله : وكذا لا كفارة فيما تولد بين وحشي وانسي ، أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم ، ولو قيل : يراعى الاسم ، كان حسنا.
أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في المبسوط (٥) ، عملا بأصالة براءة الذمة ، والحق ما قاله المصنف ، وهو مراعاة الاسم ، فان صدق عليه اسم شيء من الصيود المنصوص على تحريم صيدها حرم عملا بالنص ، والا فلا.
__________________
(١) النهاية ص ٢٢٩.
(٢) المبسوط ١ / ٣٣٨.
(٣) الخلاف ١ / ٤٨٨ مسألة ٢٩٩.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٦٦.
(٥) المبسوط ١ / ٣٣٨.
قال رحمهالله : ولا بأس بقتل البرغوث ، وفي الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا كفارة في قتله خطا ، وفي قتله عمدا صدقة ولو بكف من طعام.
اقول : منشؤه : النظر الى فتوى الشيخ رحمهالله في المبسوط (١) ، ولان العلة المبيحة للقتل ، وهي خوف الضرر موجودة فيه ، فيثبت الحكم ، عملا بالمقتضي.
والالتفات الى رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام عن محرم قتل زنبورا فقال : ان كان خطا فلا شيء عليه ، قلت : بل عمدا ، قال : يطعم شيئا من الطعام (٢) والمصنف رحمهالله عول على هذه.
فرع :
لو قتل عظاية كان عليه كف من طعام ، قاله في التهذيب ، عملا برواية مروية عن الصادق عليهالسلام (٣).
قال رحمهالله : ويجوز شراء القماري والدباسي ، واخراجها من مكة على رواية ، ولا يجوز قتلها ولا أكلها.
اقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في النهاية (٤) والمبسوط (٥) ، وأفتى فيها بالجواز على كراهية ، ومنع ابن ادريس ، ولعله أقرب.
لنا ـ العمومات الدالة على تحريم اخراج الصيد من الحرم وهذا صيد ، ويؤيده رواية عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شراء القماري يخرج
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣٣٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٦٥ ، ح ١٨٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥.
(٤) النهاية ص ٢٢٤.
(٥) المبسوط ١ / ٣٤١.
من مكة والمدينة ، فقال : ما أحب أن يخرج منهما شيء (١).
احتج الشيخ رحمهالله بالاصل الدال على الجواز ، والاصل يخالف للدليل ، وقد بيناه.
قال رحمهالله : في قتل النعامة بدنة ، ومع العجز تقوم البدنة ويفض ثمنها على البر ويتصدق به لكل مسكين مدان ، ولا يلزم ما زاد على ستين ، وان عجز صام عن كل مدين يوما ، وان عجز صام ثمانية عشر يوما.
أقول : هنا مباحث :
الاول : هل هذه الكفارة مرتبة أو مخيرة ، سيأتي فيما بعد.
الثاني : هل يجب تقويم البدنة ويفض ثمنها على الحنطة أم لا؟ ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢) نعم ، وتبعه ابن البراج وابن ادريس.
وقال أبو الصلاح : فان لم يجد البدنة بقيمتها ، فان لم يجد فض القيمة على البر ، وصام عن كل نصف صاع يوما.
وقال ابن بابويه وابن أبي عقيل والشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار : فان لم يجد البدنة فاطعام ستين.
والشيخ رحمهالله عول على رواية أبي عبيدة عن الصادق عليهالسلام (٣). وفي معناها رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام (٤).
واحتج الآخرون بروايات مطلقة دالة على وجوب اطعام ستين مسكينا عند فقد البدنة ، والمطلق يحمل على المقيد.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٩ ، ح ١٢٥.
(٢) المبسوط ١ / ٣٤٠.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤١ ، ح ٩٦.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٢ ، ح ٩٧.
الثالث : أوجب الشيخ رحمهالله لكل مسكين مدين ، عملا برواية أبي عبيدة وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن ادريس ، وأوجب ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه لكل مسكين مدا ، عملا بأصالة براءة الذمة من وجوب الزائد ، واستنادا الى رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام (١). وأطلق المفيد والسيد المرتضى الامر باطعام الستين.
الرابع : لو نقصت القيمة عن اطعام الستين ، قال الشيخ : لم يلزمه أكثر من القيمة ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة ، ولم يذكر ذلك باقي الاصحاب والشيخ عول على رواية جميل عن بعض أصحابنا عن الصادق عليهالسلام (٢).
الخامس : لو عجز عن قيمة البدنة ، قال الشيخ : صام عن كل نصف صاع يوما ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وابن ادريس ، وهو فتوى شيخنا المفيد وعلم الهدى وسلار.
وأوجب ابن أبي عقيل وابن بابويه صوم ثمانية عشر يوما ، عملا بأصالة البراءة وبرواية أبي بصير عن الصادق عليهالسلام (٣).
والاصالة تخالف لقيام الدلالة ، والروايات من طرقنا أكثر ، فتكون أرجح مع احتمال وقوع السؤال عمن لا يقدر على صوم الستين ، ولان ايجاب الزائد عسر ، والاعسار فيه ينفي الزائد ولا اثباته.
والشيخ رحمهالله وأتباعه جعلوها مرتبة رابعة ، وجعل المفيد قدس الله روحه والسيد المرتضى كرم الله محله وسلار هذه الكفارة ـ أعني : صوم الشهرين والثمانية عشر ـ متتابعة في الصوم ، والشيخ رحمهالله نص على أن التتابع يجب في صوم
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٣ ، ح ١٠٠.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٢ ، ح ٩٨.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٢ ، ح ٩٩.
الجزاء.
فروع :
لو عجز عن صوم الثمانية عشر أصلا ، استغفر الله ولا شيء عليه.
الثاني : لو عجز عن صوم الشهرين وقدر على صوم أكثر من ثمانية عشر ، احتمل وجوب المقدور ، لان ايجاب الجميع يستلزم ايجاب كل فرد من أفراده ، وانما سقط البعض للعجز عنه ، وهو منتف هنا.
ويحتمل وجوب الثمانية عشر فحسب ، عملا بأصالة البراءة ، وتمسكا بظاهر الرواية. وكذا لو عجز عن صوم الثمانية عشر وقدر على صوم بعضها.
الثالث : لو صام شهرا ، ثم تجدد العجز ، احتمل وجوب تسعة ، لان ايجاب الثمانية عشر عند العجز عن الشهرين يقتضي تقسيطها عليها. ويحتمل أن لا شيء.
الرابع : لو قدر على صوم الشهرين متفرقة ، وجب على قولنا. وأما على قول من يوجب التتابع ، فاشكال ينشأ : من صدق العجز ، فينتقل الى صوم ثمانية عشر ، ومن أن وجوب الشهرين متتابعا قد تضمن الستين ، وسقوط أحدهما ـ وهو التتابع ـ للعجز عنه ، لا يستلزم سقوط الاخر لوجود شرطه.
قال رحمهالله : وفي فرخ النعام روايتان ، احداهما مثل ما في النعام ، والاخرى من صغار الابل.
أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ رحمهالله في النهاية (١) والمبسوط (٢) ، تمسكا بالاحتياط والرواية (٣) ، وجعل القول الاخر رواية (٤).
__________________
(١) النهاية ص ٢٢٥.
(٢) المبسوط ١ / ٣٤٢.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥٥.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥٦.
والقول الثاني اختاره الشيخ المفيد قدس الله روحه ، والشيخ في مسائل الخلاف (١) وأكثر الاصحاب ، وهو الاقوى.
لنا ـ قوله تعالى « فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ » (٢) والمماثلة تقتضى المساواة في الذات والصفات ، والاحتياط معارض بالاصل ، والرواية بالآية والرواية فيحمل على الاستحباب.
قال رحمهالله : وفي الثعلب والارنب شاة ، وهو المروي. وقيل : فيه ما في الظبي.
أقول : القول الاول ظاهر كلام ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه والصدوق ، وعليه دلت رواية أبي بصير عن الصادق عليهالسلام (٣). وفي معناها رواية أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن أبي الحسن عليهالسلام (٤).
والقول الثاني مذهب الشيخين قدس الله روحهما والسيد المرتضى والمتأخر وأوجب ابن الجنيد في الجميع شاة ، ولم يتعرض للابدال.
ويمكن أن يحتج لهم برواية محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام قال : سألته عن قوله تعالى « أو عدل ذلك صياما » قال : عدل الهدي ما بلغ يتصدق به ، فان لم يكن عنده ، فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما (٥).
قال رحمهالله : والابدال في الاقسام الثلاثة على التخيير. وقيل : على الترتيب وهو الاظهر.
__________________
(١) الخلاف ١ / ٤٨٨ ، مسألة ٢٩٧.
(٢) سورة المائدة : ٩٥.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٣ ، ح ١٠١.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٣ ، ح ١٠٢.
(٥) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤٢ ، ح ٩٧.
أقول : القول الاول ذهب إليه المتأخر ، ونقله عن الشيخ في الجمل (١) والخلاف (٢) ، تمسكا بالآية ، فانها دالة على التخيير.
والقول الثاني ذهب إليه الشيخ رحمهالله في النهاية (٣) والمبسوط (٤) ، والسيد المرتضى وابن أبي عقيل ، وابن بابويه في المقنع (٥) وأبو الصلاح ، وهو خيرة شيخنا المفيد قدس الله روحه ، وبه روايات.
منها رواية أبي عبيدة عن الصادق عليهالسلام قال : اذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوم جزاءه من النعم دراهم ، ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع فان لم يقدر على الاطعام صام لكل نصف صاع يوما (٦).
وأجاب المرتضى عن الآية بأنه يجوز العدول عن ظاهر القرآن للدليل ، كما في قوله تعالى « مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ » (٧) والاول أولى ، والثاني أحوط.
قال رحمهالله : في كسر بيض النعام اذا تحرك فيه الفرخ لكل بيضة بكارة من الابل لكل واحدة واحد.
اقول : المراد هنا بالبكارة جمع بكر ، وهو الفتى من الابل ، ويستعمل في غيره مجازا ، ويقال للانثى : بكرة ويجمع أيضا على بكار كفرخ وفراخ.
قال أبو عبيدة : البكر من الابل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكرة بمنزلة الفتاة
__________________
(١) الجمل والعقود ص ٢٢٩.
(٢) الخلاف ١ / ٤٨٢ مسألة ٢٦٨.
(٣) النهاية ص ٢٢٢.
(٤) المبسوط ١ / ٣٣٩.
(٥) المقنع ص ٧٨.
(٦) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.
(٧) سورة النساء : ٣.
والقلوص بمنزلة الجارية ، والبعير بمنزلة الانسان ، والحمل بمنزلة الرجل ، والناقة بمنزلة المرأة ، وتستعمل في القلة على أبكر.
قال رحمهالله : في كسر بيض القطا والقبج اذا تحرك الفرخ من صغار الغنم وقيل : عن البيض مخاض من الغنم.
اقول : الاول ظاهر كلام ابن البراج وابن حمزة ، وهو المختار.
والقول الثاني ذهب إليه الشيخ وابن ادريس ، والمراد بالمخاض هنا ما من شأنه أن يكون ماخضا ، أعني : حاملا.
لنا ـ ما رواه سليمان بن خالد عن الصادق عليهالسلام قال : في كتاب علي عليهالسلام في بيض القطاة بكارة من الغنم اذا أصابه المحرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الابل (١). وقد بينا أن البكارة جمع بكر ، وشرحناه مستوفى ، ولان الصغير من الغنم مماثل لما قيل ، فتكون الآية دالة عليه.
احتجا برواية سليمان بن خالد قال : سألته عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه قال : يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدد البيض من الابل ، ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم.
قال الشيخ في التهذيب : قوله عليهالسلام « ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم » لا ينافي الاخبار الاولة ، لانه انما يلزمه المخاض عينا مع التحرك (٢). وعنى بالاخبار هذا.
التأويل ضعيف جدا ، اذ من المستبعد أن يكون في القطاة حمل ، وفي بيضها مع تحرك الفرخ مخاض. والاولى اطراح هذه الرواية لوجوه :
أحدها : أن الخبر مرسل ، اذ لم يسنده الى امام.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥٥ ، ح ١٤٦.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٥٧.
وثانيها : أنه ذكر أن في البيضة مخاض ، أو لعله لا يريد بيض القطاة بل بيضة النعام ، لان الكلام مطلق ، وهذا الوجه ذكره شيخنا نجم الدين في النكت وليس من الصواب.
وثالثها : أنه معارض بالرواية التي تلوناها.
قال رحمهالله : وقبل التحرك ارسال فحولة الغنم في اناث منها بعدد البيض فما نتج فهو هدي ، فان عجز كان كمن كسر بيض النعام.
اقول : هذه العبارة أوردها الشيخ رحمهالله ، اتباعا لشيخنا المفيد قدس الله روحه.
قال المتأخر رحمهالله : معناه أن النعام اذا كسر بيضة فيعذر الارسال ، وجب في كل بيضة شاة. وكذا بيض القطا مع تعذر الارسال ، فهذا وجه المشابهة بينهما فصار حكمه حكمه. ولا يمتنع ذلك اذا قام عليه دليل.
وقال ابن حمزة : ان تعذر الارسال تصدق عن كل بيضة قطاة بدرهم. والحق وجوب قيمة البيض مع تعذر الارسال.
لنا ـ وقوع الاجماع على أن كسر البيض موجب للكفارة ، والتقدير تحكم فوجب القول بالقيمة.
واعلم أن الذي ورد في هذا الباب من الاحاديث قاصرة عن افادة المطلوب فلا يصح التمسك بها.
قال رحمهالله : الحمام اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء ، وقيل : كل مطوق.
اقول : قال صاحب الصحاح : الحمام عند العرب ذوات الاطواق ، من نحو الفواخت والقماري وساق حر والقطا والوراشين وأشباه ذلك ، يقع على الذكر والانثى ، لان الهاء انما دخلته على أنه واحد من جنس ، لا للتأنيث. وعند العامة
أنها الدواجن فقط (١).
وأما التفسير الاول ، فقد ذكره الشيخ في المبسوط ، قال : والعب شرب الماء دفعة واحدة من غير أن يقطعه ، والهدر تواصل الصوت (٢).
قال رحمهالله : وفي قتل الجرادة ، تمرة ، والاظهر كف من طعام.
اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في النهاية (٣) ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة وأكثر الاصحاب ، وخير في المبسوط (٤) بينها وبين كف من طعام ، وأوجب علم الهدى كف الطعام فقط ، اتباعا لشيخه المفيد قدس الله روحه ، وتبعهما سلار وهو اختيار ابن أبي عقيل.
واعلم أن الاحاديث واردة بالتقديرين معا ، وانما كان الاظهر كفا من طعام ، لانه أعود للفقراء ، والاقرب عندي التخيير.
قال رحمهالله : كل ما لا تقدير لفديته ففي قتله قيمته. وكذا القول في البيوض. وقيل : في البطة والاوزة والكركي شاة ، وهو تحكم.
اقول : هذا القول ذكره الشيخ في المبسوط (٥) ، عملا بالاحتياط ، اذ هو الغالب في القيمة ، فمع اعتماده تحصل البراءة قطعا ، قال رحمهالله : ولو قلنا فيه القيمة اذ لا نص فيه كان جائزا. وأوجبها ابن حمزة في البطة والاوزة ، وجعلها في الكركي رواية.
وأوجب ابن بابويه الشاة في كل طير خلا النعامة عملا برواية ابن سنان عن
__________________
(١) صحاح اللغة ٥ / ١٩٠٦.
(٢) المبسوط ١ / ٣٤٦.
(٣) النهاية ص ٢٢٨.
(٤) المبسوط ١ / ٣٤٨.
(٥) المبسوط ١ / ٣٤٦.