وهو فتوى ابن بابويه وابن أبي عقيل ، وذهب في المبسوط (١) والخلاف (٢) الى الجواز ، والاول أحق.
ومنشأ الخلاف : النظر الى اسم الاشارة في الآية ، فانه كما يحتمل العود الى الجملة يحتمل العود الى الهدي ، فان جعلناه راجعا الى الجملة لم يسغ لهم التمتع ، وان جعلناه راجعا الى الهدي ساغ ، لكن لا يجب عليهم الهدي.
فرع :
هذا البحث كله في حجة الاسلام ، أما الحج المنذور فيجب أن يأتي فيه بما نواه حال النذر ، ولو لم ينو شيئا تخير في الاتيان بأي الانواع شاء ، فان تمتع وجب عليه الهدى.
ويحتمل الجواز أعني جواز العدول الى التمتع في حجة الاسلام ، وان جعلنا ذلك راجعا الى جميع ما تقدم ، لانه انما يدل على المنع في حاضري المسجد الحرام بمفهومه ، ودلالة المفهوم ضعيفة ، ويؤيد المنع رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (٣). والجواز رواية عبد الرحمن (٤).
ويحتمل رجوع اسم الاشارة الى التمتع [ فقط ، فيجب الهدي على المكي ] (٥).
واعلم أن الائمة عليهمالسلام احتجوا على المنع بالآية ، وقولهم عليهمالسلام حجة.
قال رحمهالله : ولو دخل القارن أو المفرد مكة وأراد الطواف جاز ، لكن يجددان التلبية عند كل طواف ، لئلا يحلا على قول. وقيل : انما يحل المفرد دون
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣٠٦.
(٢) الخلاف ١ / ٤٢٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٢ ـ ٣٣ ، ح ٢٦.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٣.
(٥) ما بين المعقوفتين من « س ».
السائق. والحق أنه لا يحل أحدهما الا بالنية ، لكن الاولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف.
أقول : البحث هنا يقع في مواضع :
الاول : لا خلاف في جواز دخول القارن والمفرد الى مكة للطواف تطوعا ما لم يخش فوات الحج.
الثاني : اختلف الاصحاب في تقديم طوافهما وسعيهما على المضي الى عرفة في حال الاختيار ، فسوغه الاكثرون ، محتجين باصالة عدم وجوب الترتيب ، ولا منافي له من النقل ، فيصار إليه كما في التمتع.
ويؤيده رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المفرد للحج يدخل مكة أيقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : هما سواء عجله أو أخره (١).
ومنعه المتأخر مدعيا سبيله المألوف ، وهو الاجماع على وجوب ترتيب المناسك ، وكيف يستدل بالاجماع والخلاف أظهر من دكا (٢) هنا ، والشيخ رحمهالله استدل في الخلاف (٣) على التسويغ بالاجماع ، ان هذا لشيء عجيب.
وأما المقام الثالث ، فقد وقع النزاع فيه أيضا ، فذهب الشيخ في المبسوط (٤) والنهاية (٥) الى أن تجديد التلبية عند كل طواف شرط في البقاء على الاحرام ، ولو لم يجدداها انقلبت حجتهما عمرة.
وجعل المفيد وعلم الهدى قدس الله روحهما تجديد التلبية واجبا على القارن فقط.
وعكس في التهذيب وجعلها شرطا في البقاء على الاحرام ، مصيرا الى رواية
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٥ ، ح ٦٣.
(٢) كذا فى النسختين.
(٣) الخلاف ١ / ٤٥٩ مسألة ١٧٥.
(٤) المبسوط ١ / ٣١١.
(٥) النهاية ص ٢٠٨.
يونس بن يعقوب عمن أخبره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد الا أحل ، الا سائق هدي (١).
وقال ابن ادريس : تجديد التلبية ليس بواجب ، ولا تبطل الاحرام بتركها ، ولا انتقلت الحجة عمرة ، مستدلا بالروايات المشهورة عن أهل البيت عليهمالسلام ، وهو ظاهر كلام الشيخ في الجمل (٢) وموضع من المبسوط (٣).
والتحقيق ما ذكره المصنف من أنه لا يحل الابنية التحلل لا بمجرد الطواف والسعي.
لنا ـ قوله عليهالسلام : الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى (٤). ولانه قبل الطواف محرم فكذا بعده ، عملا بالاستصحاب ، وتحمل الروايات على ذلك جمعا بين الادلة.
قال في المعتبر : وكيف كان فتجديد التلبية أولى ، لتخرج به من الخلاف (٥).
قال رحمهالله : ولو أقام من فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه الى قوله : فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج ، انتقل الى القران أو الافراد.
أقول : هذا القول ذكره الشيخ في كتابي الاخبار. وقال في النهاية والمبسوط : لا تنتقل فرضه حتى يقيم ثلاثا (٦). واختاره ابن ادريس ، وهو فتوى ابن ... (٧)
والاول أقوى.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٤ ـ ٤٥ ، ح ٦٢.
(٢) الجمل والعقود ص ٢٢٥.
(٣) المبسوط ١ / ٣٠٨.
(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.
(٥) المعتبر ٢ / ٧٩٦.
(٦) النهاية ص ٢٠٦. المبسوط ٢ / ٣٠٨.
(٧) بياض فى النسختين.
قال في المعتبر : والوجه في ذلك أن الاستيطان الذي يطلق على صاحبه النسبة الى اسم ذلك المحل مما يشتبه ، اذ ليس في اللغة له تقدير ، فلا بد من تقديره شرعا ، وقد روي تقديره عن أهل البيت عليهمالسلام بما قدرناه (١). فيتعين القول به.
واحتجاج الشيخ بأصالة عدم انتقال الفرض ، ترك العمل بها مع اقامة ثلاث سنين للاجماع ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، ضعيف ، اذ لا اعتبار للاصل مع حصول النقل المستفيض عن أهل البيت عليهمالسلام ، والنقل انما ورد بما قلناه فقط ، وبتقديره تحكم محض ، وقد عرفت أن القول في الدين بمجرد التشهي باطل.
قال رحمهالله : ولو كان له منزلان ـ الى آخره.
أقول : هذه المسألة رواها زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام (٢).
قال رحمهالله : ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ، ولا ادخال أحدهما على الاخر ، ولا نية حجتين ولا عمرتين ، ولو فعل ذلك قيل : ينعقد واحدة وفيه تردد.
اقول : منشؤه : النظر الى فتوى الشيخ رحمهالله.
والالتفات الى أنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادات يدل على الفساد كما بين في اصول الفقه ، فحينئذ لا ينعقد احرامه هذا بشيء أصلا.
فروع :
قال في الخلاف : لا يجوز القران بين الحج والعمرة باحرام واحد ، ولا ادخال العمرة قط في احرام الحج ، محتجا باجماع الفرقة (٣).
__________________
(١) المعتبر ٢ / ٧٩٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٤ ، ح ٣٠.
(٣) الخلاف ١ / ٤١٩ مسألة ٢٧.
وقال ابن أبي عقيل : والعمرة تجب مع الحج في حال واحدة ، فالقارن وهو الذي يسوق في حج أو عمرة ويريد الحج بعد عمرة ، فانه يلزمه اقتران الحج مع العمرة ، ولا يحل من عمرته حتى يحل من حجه اذا طاف طواف الزيارة ، ولا يجوز قران الحج مع العمرة الا لمن ساق الهدي.
ولعل مستنده ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ايما رجل قرن بين الحج والعمرة ، فلا يصلح الا أن يسوق الهدي قد أشعره.
وتأوله الشيخ في التهذيب بالقران في الثلاثة ، أي يقول : ان لم تكن حجة فعمرة ، ويكون الفرق بينه وبين المتمتع أن المتمتع وان قال هذا القول ، فانه يقدم العمرة على الحج ، ثم يحل بعد اكمالها ويحرم للحج ، والسائق يقدم الحج فان لم يتمكن جعله عمرة مبتولة (١) وهذا التأويل بعيد جدا.
لنا ـ أن الاحرام ركن من الحج ومن العمرة أيضا ، فلا يتبعض ، كما لا يجوز أن يكون لحجتين ولا لعمرتين ، بل يكون لكماله ركنا للعمرة ، كما يكون لكماله ركنا للحج.
الثاني : قال : لو أحرم بحج وعمرة ، لم ينعقد احرامه الا بالحج ، فان أتى بافعال الحج لم يلزمه دم ، وان أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويجعلها متعة ، جاز ذلك ولزمه الدم ، والاقرب بطلان الاحرام لما سبق.
قال : وكذا لو أهل بحجتين انعقد احرامه بواحدة منهما ، وكان وجود الاخرى وعدمها سواء ، ولا يتعلق بها حكم ، فلا تجب قضاؤها. وهكذا من أهل بعمرتين فصاعدا ، والاقرب أيضا البطلان لما قلناه.
الثالث : قال : لا يجوز ادخال أحدهما على الاخر ، والوجه أيضا بطلان
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٢ ـ ٤٣.
الاحرامين السابق واللاحق. أما الاول ، فلعدم اكمال أفعاله. وأما المتأخر ، فلعدم صلاحية الزمان له ، اذ بالاحرام بالنسك الاول استحق أفعاله ، فلا يجوز صرفها الى غيره ، ولا يتركها فيه.
قال رحمهالله : والمواقيت ستة : لاهل العراق العقيق ، وأفضله المسلخ ، ويليه غمرة ، وآخره ذات عرق.
أقول : ظاهر كلام علي بن بابويه يؤذن بأنه لا يجوز تأخير الاحرام الى ذات عرق الا لضرورة ، والمشهور الاول ، ويعضده الاصل.
قال رحمهالله : ولو حج على طريق لا يفضي الى أحد المواقيت ، قيل : يحرم اذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت الى مكة ، وكذا من حج في البحر.
أقول : قال ابن ادريس : ميقات أهل مصر ومن صعد من البحر جدة.
وقال ابن الجنيد : ومن سلك البحر أو أخذ طريقا لا يمر فيه على هذه المواقيت كان احرامه من مكة بقدر أقرب المواقيت إليها منه.
وقال الشيخ في المبسوط : ينظر الى ما يغلب في ظنه أنه يحاذي أحد المواقيت إليه فيحرم منه (١).
فان كان الموضع الذي ذكره ابن ادريس يحاذي أحد المواقيت صح ، والا فلا. أما لو لم يؤد الى المحاذاة ، احتمل إنشاء الاحرام من أدنى الحل ، واحتمل انشاءه أيضا من موضع يساوي أقرب المواقيت.
قال رحمهالله : من أحرم قبل هذه المواقيت ، لم ينعقد احرامه ، الا لناذر بشرط أن يقع الحج في أشهره ، أو لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضيه.
اقول : لا خلاف بين أصحابنا في تحريم الاحرام قبل هذه المواقيت ، فانه
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣١٣.
غير صحيح اذا لم ينذر الاحرام قبلها.
أما لو نذر الاحرام قبلها ، قال الشيخ رحمهالله : جاز له ذلك بشرط وقوعه في أشهر الحج ان كان الاحرام للحج أو العمرة المتمتع بها ، وان كان للمفردة وجب مطلقا ، عملا بالاصل.
واستنادا الى رواية علي بن أبي حمزة البطائني تارة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وتارة يقول : كتبت الى أبي عبد الله عليهالسلام أسأله عن رجل جعل عليه أن يحرم من الكوفة قال : يحرم من الكوفة (١).
وفي معناها رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (٢).
والروايتان ضعيفتا السند ، فان علي بن أبي حمزة واقفي وكذا سماعة ، والاصل يخالف للدليل ، وتبعه ابن ادريس ، وهو الحق.
لنا ـ أنه نذر في معصية ، فلا يكون منعقدا. أما الصغرى ، فلوقوع الاجماع على حظر الاحرام قبل المواقيت. وأما الكبرى ، فاجماعية ، وأما المسألة الثانية فاتفاقية.
قال رحمهالله : ولو نسي الاحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه ، قيل : يقضي ان كان واجبا ، وقيل : يجزيه ، وهو المروي.
أقول : القول الاول ذهب إليه ابن ادريس عملا بقوله عليهالسلام « الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى » (٣) وقوله عليهالسلام « لكل امرئ من عمله ما نواه » (٤) شرط في وقوع العمل الاقتران ، وحيث لا نية فلا عمل.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٥٣ ـ ٥٤ ، ح ٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٥٤ ، ح ١٠.
(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.
(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.
والقول الثاني ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، تمسكا بقوله عليهالسلام « رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » (١).
ويضعف بأن المراد منه نفي المؤاخذة بالعرف ، ونحن نقول به ، ولانه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بايقاع باقي الافعال والامر يقتضي الاجزاء.
ولما رواه جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ، قال : يجزيه نيته اذا كان قد نوى ذلك وقد تم حجه وان لم يهل (٢).
وهذه وان كانت مرسلة الا أن الاصحاب عاملون بمراسيل ابن أبي عمير.
وفي معناها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام (٣).
قال المصنف في المعتبر : ولست أدري كيف يحل له هذا الاستدلال؟ وكيف يوجبه؟ فان كان يقول : ان الاخلال بالاحرام اخلال بالنية في بقية المناسك ، فنحن نتكلم على تقدير ايقاع نية كل منسك على وجهه ظانا أنه أحرم ، أو جاهلا بالاحرام ، فالنية حاصلة مع ايقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله (٤).
قال رحمهالله : ومقدمات الاحرام كلها مستحبة ، وهي توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة اذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة على الاشبه.
اقول : قال المفيد قدس الله روحه : اذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة ، فان خلفه فيه كان عليه دم يهريقه. وهو ظاهر كلام النهاية (٥)
__________________
(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٢ ، برقم : ١٣١.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٦١ ، ح ٣٨.
(٣) الوسائل ٨ / ٢٤٥ ، ح ٢.
(٤) المعتبر ٢ / ٨١٠.
(٥) النهاية ص ٢٠٦.
والاستبصار (١).
والحق الاستحباب ، وهو اختيار الشيخ في الجمل (٢) ، واختاره ابن ادريس أيضا.
لنا ـ الاصل ، ويؤيده رواية سماعة عن الصادق عليهالسلام (٣).
احتجا برواية ابن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) الى آخره (٤). وتحمل على الاستحباب ، جمعا بين الادلة.
قال رحمهالله : ولو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر ، تدارك ما تركه وأعاد الاحرام.
اقول : هذا التدارك والاعادة على سبيل الاستحباب ، عملا بالاصل ، ولان غسل الاحرام ليس بواجب على ما سبق البحث فيه ، فلا معنى لايجاب الاعادة والتدارك.
واعلم أن ابن ادريس ناقش شيخنا أبا جعفر قدس الله روحه ، وقال : ان اراد أنه نوى الاحرام وأحرم ولبى من غير صلاة وغسل ، فقد انعقد احرامه ، فلا يكون لذكر الاعادة هنا معنى ، وان أراد به أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية والتلبية صح ذلك وكان لكلامه وجه.
وأقول : هذا تطويل بغير فائدة ، فان الشيخ قصد بالاعادة الاتيان بالاحرام ثانيا بصلاة وغسل استحبابا ، تحصيلا للفضيلة ، لان الاول غير مجزئ ، كما في صلاة المكتوبة اذا صلاها منفردا ، ثم حضر من يصليها جماعة ، فانه يستحب اعادتها ويكون قد أراد بالاعادة هنا المعنى اللغوي ، وهو الاتيان بالفعل ثانيا ، سواء وقع
__________________
(١) الاستبصار ٢ / ١٦٠.
(٢) الجمل والعقود ص ٢٢٧.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٧ ـ ٤٨.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٦ ـ ٤٧.
الفعل مجزيا أولا ، لا المعنى الشرعي المختص بالثاني. وانما أتى بهذه اللفظة لورودها في الرواية (١) التي هي مستند الحكم.
فرع :
لو فعل شيئا يوجب الكفارة بين الاحرامين وجبت ، لانا بينا أن الاول منعقد.
قال رحمهالله : يقرأ في الاولى ـ الى آخره.
اقول : الرواية (٢) الاخرى بالعكس ، وهو فتوى ابن ادريس ، وكلاهما جائز.
قال رحمهالله : ويوقع نافلة الاحرام تبعا له.
اقول : أي : تبعا للغسل.
قال رحمهالله : ولو أحرم بالحج أو العمرة وكان في أشهر الحج ، كان مخيرا بين الحج والعمرة ، اذا لم يتعين عليه أحدهما. وان كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان في الاول ولزوم تجديد النية كان أشبه.
أقول : قد بينا أن القران بين النسكين غير جائز ، وبينا أيضا أن الاحرام لا ينعقد بواحد منهما مستوفى ، ولا فرق عندنا بين أن يحرم لهما في أشهر الحج أو غيره ، وانما هذا شيء ذكره الشيخ في المبسوط.
وقال أيضا : اذا أحرم مبهما ولم ينو لا حجا ولا عمرة ، كان مخيرا بين الحج والعمرة ، أيهما شاء فعل اذا كان في أشهر الحج وان كان في غيرها ، فلا ينعقد احرامه الا بالعمرة (٣) والحق أيضا البطلان.
لنا ـ أن الاحرام عبادة يحتمل وجوبها ، فلا يخصص (٤) لاحدها الا بالنية.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٧٨ ـ ٧٩.
(٢) تهذيب الاحكام ٢ / ٧٤ ، ح ٤٢.
(٣) المبسوط ١ / ٣١٦.
(٤) فى « م » : فلا يخص.
قال رحمهالله : ولا ينعقد الاحرام للمتمتع والمفرد الا بالتلبية ، والقارن بالخيار ان شاء عقد احرامه بها ، وان شاء قلد أو أشعر على الاظهر ، وبأيهما بدأ كان الاخر مستحبا.
أقول : لا خلاف أن احرام المتمتع والمفرد لا ينعقد الا بالتلبية فحسب ، وانما الخلاف في القارن ، فذهب أكثر الاصحاب كالشيخ قدس الله روحه وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح أن احرامه ينعقد بأحد أمور ثلاثة : التلبية ، أو الاشعار أو التقليد ، عملا بأصالة براءة الذمة من وجوب أحدها عينا.
واعتمادا على ظاهر رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال في القارن لا يكون قرانا الا بسياق الهدي (١) وهو يدل بمنطوقه على تحقيق القران عند السياق ، اذ الاستثناء من النفي اثبات.
لا يقال : نمنع كون الاستثناء من النفي اثبات ، كما هو مذهب أبي حنيفة ، وحينئذ تكون فائدة الاستثناء نفي القران عن الاحرام الذي لم يسق الهدي فيه فقط من غير تعريض للاحرام الذي سيق فيه الهدي.
لانا نقول : هذا المذهب ضعيف ، وقد بينا ضعفه في كتاب مناهج الوصول ، ورواية حريز عنه عليهالسلام (٢) نص في الباب ، وفي معناها رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام (٣) أيضا ، ورواية عمر بن يزيد عنه عليهالسلام (٤) أيضا.
وذهب السيد المرتضى الى وجوب التلبية عينا ، وألحق ابن البراج بالقارن المفرد ، وهو غلط ، وأن احرامه لا ينعقد الا بها ، وبه قال ابن ادريس.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤١ ، ح ٥١.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣ ، ح ٥٧.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣ ـ ٤٤ ـ ح ٥٨.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٤ ، ح ٥٩.
واحتج المرتضى بالاجماع ، ولانه أحوط ، اذ مع الاتيان بالتلبية يحصل الانعقاد قطعا ، بخلاف غيرها ، والاجماع ممنوع ، والاحتياط معارض بالاصل والنقل.
قال رحمهالله : وصورتها : لبيك اللهم لبيك ، [ لبيك ] لا شريك لك لبيك. وقيل : يضيف الى ذلك : ان الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك ، وقيل : بل يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك. والاول أظهر.
أقول : القول الاول ذهب إليه السيد المرتضى قدس الله روحه وابنا بابويه واختاره ابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار.
والقول الثاني للمرتضى أيضا.
والقول الاخير ذكره الشيخ في المبسوط (١) والنهاية (٢) ، واختاره أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن ادريس.
قال رحمهالله : ويجزئ الاخرس الاشارة مع عقد قلبه بمعناها.
اقول : ظاهر كلام ابن الجنيد يؤذن بجواز النيابة للاخرس في التلبية ، والمشهور الاول ، وهو أحوط ، ويؤيده رواية السكوني (٣).
قال رحمهالله : ولو عقد الاحرام ـ الى قوله : وكذا لو كان قارنا ولم يشعر ولم يقلد.
أقول : ينبغي أن يقال : أو لم يلب ، لانا بينا أن الاحرام يحصل بأحدهما.
قال رحمهالله : وهل يجوز الاحرام في الحرير للنساء؟ قيل : نعم ، لجواز لبسهن له في الصلاة. وقيل : لا ، وهو أحوط.
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣١٦.
(٢) النهاية ص ٢١٥.
(٣) فروع الكافى ٣ / ٣١٥ ، ح ١٧.
اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب أحكام النساء ، وابن الجنيد ، واختاره ابن ادريس ، عملا بالاصل ، واعتمادا على الروايتين المرويتين عن الصادق عليهالسلام (١).
والثاني ذهب إليه الشيخ رحمهالله ومن تبعه ، لانه أحوط ، ولرواية عيص ابن القاسم قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت ، من الثياب غير الحرير والقفازين (٢).
والاول أقوى ، وتحمل الرواية على الكراهية ، جمعا بين الادلة.
قال رحمهالله : واذا لم يكن مع الانسان ثوبا الاحرام وكان معه قباء ، جاز لبسه مقلوبا ، ويجعل ذيله على كتفيه.
اقول : هذا التفسير ذكره ابن ادريس ، وحكاه عن البزنطي لبعده عن شبه لبس المخيط ، ورواه الشيخ أيضا عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليهالسلام (٣).
وظاهر كلام الشيخ يؤذن بالمعنى المتعارف من القلب ، وهو جعل الباطن ظاهرا ، وهو رواية الحلبي عن الصادق عليهالسلام (٤). وروى ابن بابويه عن الباقر عليهالسلام قال : يلبس المحرم القباء اذا لم يكن له رداء ويقلب ظهره الى باطنه (٥). وهذا نص.
قال رحمهالله : ولو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شيء. وقيل : عليه دم ، وحمله على الاستحباب أظهر.
اقول : لا خلاف في صحة العمرة ، وأن الاحرام لا يجب اعادته ، لوقوعهما على الوجه المأمور به شرعا ، وهل يجب عليه دم؟ قال الشيخ وعلي بن بابويه :
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٦٦.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٧٣ ـ ٧٤ ، ح ٥١.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٧٠ ، ح ٣٧.
(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٧٠ ، ح ٣٦.
(٥) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٤٠.
نعم ، واختاره ابن البراج ، عملا بالاحتياط.
وبرواية اسحاق بن عمار قال : قلت لابي عبد الله عليهالسلام : الرجل يتمتع فينسي أن يقصر حتى يهل بالحج ، فقال : عليه دم يهريقه (١). وتحمل على الاستحباب ، اذ الكفارة مرتبة على الاثم ، وحيث لا اثم فلا كفارة.
وقال سلار : لا ، واختاره المتأخر ، عملا بأصالة براءة الذمة ، واعتمادا على رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام قال : سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل الحج ، قال : يستغفر الله ولا شيء عليه وتمت عمرته (٢). والنكرة في سياق النفي يعم ، كما بين في أماكنه.
قال رحمهالله : وان فعل ذلك عامدا ، قيل : بطلت عمرته وصارت حجته مبتولة. وقيل : بقي على احرامه وكان الثاني باطلا ، والاول هو المروي.
اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ رحمهالله ، عملا برواية أبي بصير عن الصادق عليهالسلام قال : المتمتع اذا طاف وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر ، فليس عليه أن يقصر وليس عليه متعة (٣). قال في الاستبصار : تحمل هذه على التعمد (٤) لئلا تنافي الروايات.
والقول الثاني ذهب إليه المتأخر ، وهو أنسب بالمذهب.
احتج بأن الاحرام عبادة. فلا يصح فعلها قبل دخول وقتها.
أقول : ويقوى عندي بطلانهما ، لما تقدم.
قال رحمهالله : لو نوى الافراد ، ثم دخل مكة ، جاز أن يطوف ويسعى
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٥ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ، ح ٥٢.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ١٥٩ ، ح ٥٣.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ١٥٩ ، ح ٥٤.
(٤) الاستبصار ٢ / ١٧٦.
ويقصر ، ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلب ، فان لبى انعقد احرامه ، وقيل : لا اعتبار بالتلبية وانما هو بالقصد.
اقول : المراد أن المفرد يجوز له العدول بعد الطواف الى التمتع مع دخول مكة ما لم يلب ، فان لبى قال الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) : بقي على حجته عملا برواية اسحاق بن عمار عن أبي بصير قال : قلت لابي عبد الله عليهالسلام : الرجل يفرد الحج ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة ، قال : ان كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر ، فلا متعة له (٣).
وقال المتأخر : لا أرى لذكر التلبية هنا وجها ، وانما الحكم للنية ، لقوله عليهالسلام « الاعمال بالنيات » (٤) وهو قوي ، لكن الحديث خاص.
قال رحمهالله : اذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ، ثم أحصر ، تحلل. وهل يسقط الهدي؟ قيل : نعم. وقيل : لا ، وهو الاشبه.
وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الاحصار. وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والاول أظهر.
أقول : لا خلاف في جواز التحلل مع الاشتراط ، وانما الخلاف في سقوط الهدي ، فذهب الشيخ رحمهالله وابن الجنيد الى أنه لا يسقط ، عملا بعموم الآية وتكون فائدة الاشتراط (٥) حينئذ جواز التحلل عند حصول العذر مع نية التحلل من غير تربص ، كما في المصدود.
__________________
(١) النهاية ص ٢١٥.
(٢) المبسوط ١ / ٣٠٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٩٠ ، ح ١٠٣.
(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.
(٥) فى « م » : الشرط.
وقال السيد المرتضى وابن ادريس : يسقط. واحتج المرتضى في الانتصار (١) بالاجماع ، بأنه قد ورد الامر باستحباب الاشتراط ، ولا فائدة له الا سقوط الهدي ، وحمل الآية على من لم يشترط.
والاجماع ممنوع ، خصوصا مع مخالفة أكثر الاصحاب ، والفائدة متحققة ، وهي جواز التحلل من غير تربص ، بخلاف ما لو لم يشترط ، فيجب التربص الى ان يبلغ الهدي محله ، والتخصيص يحتاج الى دليل.
وقد ظهر من هذا أن السيد المرتضى يسوغ الاحلال مع حصول العذر من دون التربص ثم ان كان اشترط سقط الهدي والا فلا.
قال رحمهالله : والمندوبات رفع الصوت بالتلبية للرجال.
اقول : المشهور الاستحباب مطلقا ، وذهب ابنا بابويه الى استحباب الاسرار بالتلبيات الاربع ، وذهب بعض الاصحاب الى وجوب الجهر بهن على الرجال مطلقا ، والمحصل ما ذكره المصنف.
قال رحمهالله : ولو ذبح المحرم صيدا ، كان ميتة حراما على المحل والمحرم.
اقول : في تحريم الصلاة في جلد هذا الصيد اشكال ، ينشأ : من أصالة الاباحة ومن أن تشبيهه بالميتة مساواته في جميع الاحكام ، وهو أحوط.
قال رحمهالله : وشهادة العقد واقامة ، ولو تحملها محلا ، ولا بأس به بعد الاحلال.
أقول : الظاهر أن مراد الاصحاب تحريم اقامة الشهادة التي وقعت على عقد : اما بين محرمين ، أو محل ومحرم ، أما لو وقعت بين محلين وتحملها محلا ، فالاقرب جواز اقامتها.
__________________
(١) الانتصار ص ١٠٤ ـ ١٠٥.
لنا ـ عموم قوله تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (١) » وإليه أومى في المبسوط (٢).
قال رحمهالله : اذا اختلف الزوجان في العقد ، فادعى أحدهما وقوعه في حال الاحرام وأنكر الاخر ، فالقول قول من يدعي الاحلال ، ترجيحا لجانب الصحة ، ولكن ان كان المنكر المرأة كان لها نصف المهر ، لاعترافه بما يمنع من الوطي ، ولو قيل : لها المهر كله كان حسنا.
أقول : هنا بحثان :
الاول : اذا ادعت المرأة وقوع العقد حالة الاحرام وأنكر الزوج ، فالقول قوله ، تنزيلا لفعل المسلم على المشروع ، ولانه منكر ، ولانه أعرف بنفسه ، وعليها البينة ، فان أقامت البينة حكم بفساد العقد.
وان كان ذلك قبل الدخول ، فلا مهر ، لبطلان العقد الذي هو سبب فيه ، واذا بطل السبب بطل المسبب لا محالة. وان كان بعده ، كان لها مهر المثل مع جهلها بالحرمة لثبوته بالوطء.
هذا ان توهم الحل بهذا العقد ، ولو عرف أنه لا يبيحه : فاما أن تكون الزوجة عارفة بذلك أولا ، فان لم تكن عارفة كان لها المهر أيضا وان كانت عارفة ، فان كانت مطاوعة ، فلا شيء ، والا فالمهر.
وان لم تقم البينة ، فقد قلنا ان القول قوله ، لكن ليس لها المطالبة بالمهر مع عدم القبض ان لم تكن وطأها ، لاعترافها بفساد العقد ، أو كان قد وطئها عالمة بالتحريم مطاوعة.
والا فلها المطالبة ، فان كان بقدر مهر المثل ، فلا يجب ، وان كان أكثر لم
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٨٢.
(٢) المبسوط ١ / ٣١٧.
يكن لها أخذ الزائد ، وان كان أقل لم يلزمه أكثر من المسمى ، ولها أن تمنع نفسها باطنا.
البحث الثاني : لو انعكس الفرض كان القول قول المرأة لغير ما ذكرناه ما لم يقم البينة ، ثم ان وقع ذلك بعد الدخول ، كان عليه المهر كملا ، لثبوته بالوطء ثبوتا مستقرا. وان كان قبل الدخول ، قال الشيخ في المبسوط : كان لها نصف الصداق (١).
والحق وجوبه كملا ، لوجود المقتضي ، وهو العقد المحكوم بصحته شرعا.
احتج بأنه حرم عليه نكاحها قبل الدخول باعترافه ، فيجب لها نصف المهر كالطلاق.
والقياس عندنا باطل ، سلمنا لكن الفرق موجود ، اذ الطلاق يحصل معه البينونة ظاهرا ، بخلاف صورة النزاع. أما لو أقام البينة ، فالحكم ما تقدم.
وطولنا الكلام فيها ، لكونها من المهمات.
فرع :
لو أشكل زمان وقوع العقد ، فلم يعلم هل كان حال الاحلال أو حالة الاحرام؟
قال الشيخ في المبسوط : كان العقد صحيحا (٢). والاحوط تجديده.
فرع آخر :
قال في المبسوط : ولو كانت المرأة محرمة ، فالحكم ما تقدم.
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣١٨.
(٢) المبسوط ١ / ٣١٧.
فرع ثالث :
قال : يكره للمحرم أن يخطب امرأة ليعقد عليها (١). وتبعه ابن حمزة ، وحرمه أبو علي. والحق الاول ، تمسكا بالاصل ، واقتصارا على النقل.
قال رحمهالله : ويحرم الطيب على العموم ما خلا خلوق الكعبة ، ولو في الطعام. ولو اضطر الى أكل ما فيه طيب ، أو لبس ما فيه طيب ، قبض على أنفه.
وقيل : انما يحرم المسك والزعفران والعود والكافور والورس. وقد يقتصر بعض على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس ، والاول أظهر.
اقول : ذهب أكثر الاصحاب الى الاول ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط الا أنه قال : وأغلظ الاجناس خمسة : المسك والعنبر والكافور والزعفران والعود وقد الحق بذلك الورس (٢).
وقال ابن أبي عقيل : أغلظها أربعة : المسك والعنبر والورس والزعفران. وهو ظاهر كلام أبي علي ، عملا بظاهر الروايات.
وتخصيص بعض الاجناس بالذكر ، كما اشتملت عليه بعض الروايات ، غير مقيد لانتفاء التحريم عما عداه ، لان دلالة المفهوم بتقدير كونها حجة ضعيفة ، فلا يعارض المنطوق.
والقول الثاني ذكره في النهاية (٣) ، وهو ظاهر كلامه في الخلاف (٤) ، لانه لم
__________________
(١) المبسوط ١ / ٣١٨.
(٢) المبسوط ١ / ٣١٩.
(٣) النهاية ص ٢١٩.
(٤) الخلاف ١ / ٤٣٧ ، مسألة ٨٨.
يوجب الكفارة باستعمال ما عدا هذه ، وتبعه ابن حمزة ، واقتصر في الجمل (١) على ما عدا الورس.
وقال في التهذيب : الذي يجب اجتنابه المسك والعنبر والكافور والورس وقال : وقد روي العود (٢).
وابن البراج حرم المسك والزعفران والعنبر والورس ، عملا بالاصل ، واقتصارا على النقل. والاصل يخالف ، والحديث المشتمل على الزائد لا ينافي المشتمل على الاقل ، كما بيناه.
وأما قوله « ولو في الطعام » ينبغي أن يراد فيه مع بقاء رائحته ، اذ مع انتفائها ينتفي الحرمة.
قال رحمهالله : ولبس المخيط للرجال ، وفي النساء خلاف ، والاظهر الجواز ، اضطرارا واختيارا. وأما الغلالة ، فجائزة للحائض اجماعا.
اقول : المشهور بين الاصحاب جوازه ، وحرمه في النهاية (٣) وحكى الجواز رواية.
لنا ـ الاصل ، ولانه المشهور بين الاصحاب ، فيتعين اتباعه ، وما تقدم في رواية يعقوب (٤).
احتج بعموم المنع ، وهو مخصوص بالرجال ، توفيقا بين الادلة ، ولان عمل المسلمين على ما قلناه.
قال رحمهالله : والاكتحال بالسواد على قول ، وبما فيه طيب ، ويستوي في
__________________
(١) الجمل والعقود ص ٢٢٨.
(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٩٩.
(٣) النهاية ص ٢١٧.
(٤) فروع الكافى ٤ / ٣٤٠ ، ح ٧.