الشيخ محمّد جواد الطبسي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-497-086-3
الصفحات: ٢١٦
ويستفاد من هذا اللقاء أنّه لم يقابله في داره المعروفة بسرّ من رأى ولا في دار العمري ولا غيره ، بل في خارج دار غير معروفة ولا معتناً به.
٣ ـ فترة الغيبة الكبرى
وأمّا سكن الإمام عليهالسلام في فترة الغيبة فغير معلوم أيضاً ؛ لأنّ الاهتداء إلى مكانه ينافي الغيبة ، وقد قال الصادق عليهالسلام : « للقائم غيبتان إحداهما طويلة ، والاُخرى قصيرة ، فالاُولى يعلم بمكانه فيها خاصّة من شيعته ، والاُخرى لا يعلم بمكانه فيها ، إلاّ خاصّة مواليه في دينه » (١).
وأشار الإمام المهدي إلى علّة خفاء سكناه لإبراهيم بن مهزيار في لقاء كان معه : « إنّ أبي عهد إليَّ أن لا اُوطّن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها ، إسراراً لأمري ، وتحصيناً لمحلّي ، لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الاُمم الضوالّ ، فنبذني إلى عالية الرمال ، وجبت صرائم الأرض » (٢).
فالإمام عليهالسلام وإن كان سكناه على هذه الكرة الأرضيّة ، ولكن لا يعرف أحد مكانه ولا يهتدي إليها إلاّ الذي يلي خدمته ، كما يقال الصادق عليهالسلام أنّه : « لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ المولى الذي يلي أمره » (٣).
نعم ، اُشير في بعض الروايات المرويّة عن الباقر والصادق إلى بعض الأمكنة داخل المدينة وخارجها ، كطيبة أو جبل رضوى أو جبل طوى وغير ذلك ، ولكن لم يثبت ذلك فهي كما يلي :
_________________________
(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥٥.
(٢) كمال الدين : ٢ / ٤٤٥.
(٣) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥٣.
١ ـ طيبة ( المدينة المنوّره )
روي عن الباقر عليهالسلام أنه قال لأبي بصير : « لا بدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة ، ولا بدّ في عزلته من قوّة ، وما بثلاثين من وحشة ، ونِعم المنزل طيبة » (١).
ويستفاد من هذا الحديث أنّ الإمام المهدي يتواجد في أغلب الأوقات في المدينة المنّوره لكن في أيّ نقطة فهو غير معلوم أبداً ، فمن الممكن أنّه يدور في البلدان ومن جملتها طيبة من دون اختيار مكان ثابت له لئلا يهتدوا إلى مكانه.
٢ ـ جبل رضوى
وقيل : إنّه يسكن في رضوى ، وهو جبل مطلّ على الروحاء (٢) ، كما أشار إليه الإمام الصادق عليهالسلام ، فعن الطوسي عن ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن معروف ، عن عبدالله بن حمدويه بن البراء ، عن ثابت ، عن إسماعيل ، عن عبدالأعلى مولى آل سام ، قال :
« خرجت مع أبي عبدالله عليهالسلام ، فلمّا نزل الروحاء نظر إلى جبلها مطلاًّ عليها ، فقال لي : ترى هذا الجبل ؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس أحبّنا فنقله الله إلينا ، أما إنّ فيه كلّ شجر مطعم ، ونعم أمانَ للخائف ( مرّتين ) أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين واحدة قصيرة ، والاُخرى طويلة » (٣).
_________________________
(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥٣.
(٢) بين مكّة والمدينة على نحو أربعين ميلاً من المدينة ، وهو الموضع الذي نزل به تبع حين رجع من قتال أهل المدينة يريد مكّة ، فأقام بها وأراح فسمّاها الروحاء ـ معجم البلدان : ٤ / ٢٣٦.
(٣) كتاب الغيبة : ١٠٣.
٣ ـ ذي طوى
وقيل أيضاً : يسكن المهدي المنتظر عليهالسلام أيّام غيبته في ذي طوى ، وهذا ممّا أشار إليه الباقر عليهالسلام ، وقال : « يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى حتّى إذا كان قبل خروجه بليلتين إنتهى المولى الذي يكون بين يديه حتّى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم هاهنا ؟
فيقولون : نحو من أربعين رجلاً.
فيقول : كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم.
فيقولون : والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه ... » (١).
٤ ـ الجزيرة الخضراء
واعتقد البعض بأنّ سكنى الإمام المهدي عليهالسلام في جزيرة تسمّى الخضراء ، وهذا القول والإعتقاد لم يرجع إلى أصل روائي ، وإنّما دخل في كتبنا من القرن الثاني عشر في بعض كتب العلاّمة المجلسي رحمهالله ، حيث نقل قصّة طويلة عن دخول رجل يسمّى بعليّ بن فاضل المازندراني إلى هذه الجزيرة ، وما جرى له فيها ، وإنّما ذكره لما فيه من الغرائب وإن لم يظفر به في الاُصول المعتبرة ، فقال في أوّله : « وجدت رسالة مشتهرة بقصّة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذلك من رآه ، ولما فيه من الغرائب ، وإنّما أفردت لها باباً لأنّي لم أظفر به في الاُصول المعتبرة » (٢).
فاعتقد البعض ـ اعتماداً على هذه القضيّة المشكوكة ـ بأنّ سكنى الإمام المهدي
_________________________
(١) تفسير العيّاشي : ٢ / ٥٦.
(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥٩.
في هذه الجزيرة ، وجزم بعضهم على أنّ مثلث برمودا هو المكان الذي يسكن فيه الإمام المهدي ، حيث طبّقوا الجزيرة على هذا المثلث من دون أي دليل وبرهان.
واستدلّ أحدهم على ما يعتقده بأنّه ما استطاعت الدول العظمى الوصول إلى هذا المكان رغم محاولاتهم في الوصول إليه وذهبت أتعابهم أدراج الرياح (١).
ولكن كما عرفت أنّ هذه النظريّة غير صحيحة ؛ لأنّه ـ كما قلنا سابقاً ـ لا يعرف أحد سكن الإمام ، ولا التقى به عليّ بن فاضل في هذا المكان حتّى يستنتج أحدهم بأن هذا المكان هو سكن الإمام عليهالسلام.
وثانياً : أنّ أصل القصّة مشكوكة وليس لها أصل معتبر بسبب التناقضات الموجودة فيها ، فكيف تصل النوبة إلى تطبيق هذه الجزيرة على مثلث برموداً (٢).
وثالثاً : فلو كان ملاك السكني عند هؤلاء هو اللقاء والمشاهدة لزم عليهم أن يعينّوا مئات الدور في عشرات من الأمكنة والبقاع في شرق الأرض وغربها للإمام عليهالسلام ، حيث رآه كثير من النّاس في هذه الفترة في أماكن مختلفة ، ولا أراهم يلتزمون بهذا المعنى.
أماكن الحضور مع الإستتار
ومع ذلك فيحضر الإمام المهدي عليهالسلام في كثير من الأماكن ، كما عن الصادق عليهالسلام حيث شبّه القائم عليهالسلام بيوسف عليهالسلام فقال في حديث له : « فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون
_________________________
(١) راجع الجزيرة الخضراء واقع أم خيال ؟ : ٤٧ ، نقلاً عن ناجي النجّار.
(٢) مزيد الاطّلاع راجع : الجزيرة الخضراء واقع أم خيال ؟ تحقيق وترجمة : أبوالفضل طريقه دار.
الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه ، صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ، ولا يعرفونه حتّى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه ، كما أذن ليوسف حتّى قال له إخوته : إنّك لأنت يوسف ، قال : أنا يوسف » (١).
ويحضر عليهالسلام موسم الحجّ في كلّ سنة ، قال الصادق عليهالسلام : « يفقد النّاس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه » (٢).
أقسم العمري بالله على أنّه عليهالسلام يحضر الموسم كلّ سنة ، فيرى النّاس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه (٣).
فتلخّص ممّا تقدّم : أنّ الإمام المهدي يتواجد في كلّ مكان من دون أن يهتدي أحد لمكانه وسكناه في فترة الغيبة الكبرى.
٤ ـ فترة الظهور
أمّا في زمن الظهور سيقيم في مسجد بالقرب من الكوفة يسمّى بمسجد السهلة ، وهذا هو المسجد الذي صلّى فيه عشرات الآلاف من الأنبياء.
فعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه أنّه قال : « يا أبا محمّد ، كأنّي أرى نزول القائم في السهلة بأهله وعياله.
قلت : يكون منزله ؟
قال : نعم ، هو منزل إدريس عليهالسلام ، وما بعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه ، والمقيم فيه
_________________________
(١) الغيبة : ١٦٣.
(٢) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥١.
(٣) المصدر المتقدّم : ١٥٢.
كالمقيم في فسطاط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلاّ وقلبه يحنّ إليه ، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة يأوون إلى هذا المسجد ، يعبدون الله فيه.
يا أبا محمّد ، أما إنّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلاّ فيه ، ثمّ إذا قام قائمنا إنتقم الله لرسوله ولنا أجمعين » (١).
السؤال السادس والثلاثون :
ماهي الرجعة ، وما هي أدلّتها ؟
الجواب : لقد تحدّثت روايات الأئمّة عليهمالسلام من رجوع مجموعة من الأموات عند ظهور المهدي عليهالسلام إلى هذه الدنيا منّة على المؤمنين ، وكرامة على المهدي عليهالسلام ، فيحيي الله بعض المؤمنين ليتمتّعوا في ظلّ دولة الإمام المهدي عليهالسلام ، ويحيي بعض الكافرين والظالمين لينتقم الله منهم على يدي المهدي ، حيث عدّ هذا اليوم من أيّام الله (٢).
فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل إحياء الموتى أمر ممكن أم لا ؟ وهل رجع ميّتاً إلى الدنيا قبل القيامة ؟ وما هي علّة إحياء هؤلاء ؟
فنقول : إنّ إحياء الموتى ليس من المستحيلات العقليّة ، بل محال عادة ، وقد حدث ذلك في الاُمم السالفة ، كما أخبر بذلك القرآن الكريم في عدّة آيات من جملتها :
١ ـ ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ
_________________________
(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ٣١٧.
(٢) بحار الأنوار : ٥٣ / ٦٣.
اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (١).
قال في المجمع : « قيل هم قوم من بني إسرائيل فرّوا من طاعون وقع بأرضهم ، وقيل : فرّوا من الجهاد وقد كتب عليهم » (٢).
وقال السيوطي في ذيل الآية الشريفة : « مقتهم الله على فرارهم من الموت ، فأماتهم الله عقوبة لهم ، ثمّ بعثهم إلى بقيّة آجالهم ليستوفها ... » (٣).
٢ ـ ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٤).
قال عليّ عليهالسلام : « خرج عزير نبيّ الله من مدينته وهو شاب ، فمرّ على قرية خربة وهي خاوية على عروشها ، فقال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه ، فأوّل ما خلق منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه ، وينظم بعضها إلى بعض ، ثمّ كسيت لحماً ، ثمّ نفخ فيه الروح ، فقيل له : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوماً أو بعض يوم ، قال : بل لبثت مأة عام ، فأتى مدينته وقد ترك جاراً له إسكافاً شاباً فجاء وهو شيخ كبير » (٥).
٣ ـ وقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ
_________________________
(١) و (٤) البقرة (٢) : ٢٤٣.
(٢) مجمع البيان : ٢ / ٣٤٦.
(٣) الدرّ المنثور : ١ / ١٣١.
(٥) الشيعة والرجعة : ٢ / ٧٦.
تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١).
فعن الصادق عليهالسلام : « أنّه رأى جيفة تمزّقها السباع فيأكل منها سباع البرّ والبحر ، فسأل الله إبراهيم فقال : يا ربّ ، قد علمت أنكّ تجمعها من بطون السباع ودواب البحر ، فأرني كيف تحييها لاُعاين ذلك » (٢).
٤ ـ وقوله تعالى : ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (٣).
وهذه الآية الشريفة تدلّ دلالة واضحة على إحياء الميّت قبل القيامة ، والقصّة معروفة ومذكورة في التفاسير ذيل هذه الآية.
فعن ابن عبّاس : أنّه كان القتيل شيخاً مثرياً قتله بنو أخيه وألقوه على باب بعض الأسباط ثمّ ادّعوا عليهم القتل ، فاحتكموا إلى موسى ، فسأل من عنده في ذلك عنهم ، فقالوا : أنت نبيّ الله وأنت أعلم منّا ، فأوحى الله تعالى إليه أن يأمرهم بذبح بقرة ، فأمرهم موسى أن يذبحوا بقرة ويضرب القتيل ببعضها ، فيحيي الله القتيل فيبين من قتله » (٤).
٥ ـ وقوله تعالى : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم
_________________________
(١) البقرة (٢) : ٢٥٩.
(٢) مجمع البيان : ٢ / ٣٧.
(٣) البقرة (٢) : ٧٣.
(٤) الشيعة والرجعة : ٢ / ٥٨.
مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) (١).
وهذه الآية الشريفة تدلّ على إحياء جمع من النّاس بعد الموت ، وهم أبناء أيّوب النبيّ عليهالسلام.
قال في المجمع : « وروي عن أبي عبدالله عليهالسلام : إنّ الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا معه قبل البليّة ، وأحيّا له أهله الذين ماتوا وهو في البليّة » (٢).
فهذه خمس آيات قدّمناها لك ، وهي صريحة في إحياء جمع من الأموات ، أحياهم الله قبل القيامة لعلل مذكورة في التفاسير ، فثبت ذلك أنّه لو كان هذا الأمر محالاً لما تطرّق إليه القرآن الكريم ، ولو كان محالاً عقليّاً لما أخبر الله تعالى نبيّه في القرآن الكريم بوقوع ذلك في الاُمم السالفة.
الرجعة من معتقدات الشيعة
فعلى أساس ما ذكر من الآيات ، وما ورد من الروايات ، حول الرجعة ، صارت الرجعة من جملة معتقدات الشيعة ، وأشار إليها الأعلام قديماً وحديثناً في كتبهم ، كالشيخ الصدوق والسيّد المرتضى والشيخ المفيد والطبرسي والحرّ العاملي ، ومن المعاصرين : والدنا المرحوم آية الله الشيخ محمّد رضا الطبسي وغيرهم.
كلام الشيخ الصدوق :
قال الصدوق عليه الرحمة في كتاب الإعتقادات حول الرجعة : « اعتقادنا
_________________________
(١) ص (٣٨) : ٤١ ـ ٤٣.
(٢) مجمع البيان : ٨ / ٤٧٨.
بالرجعة أنّها حقّ » (١).
ونقل السيّد المرتضى إجماع الإماميّة على رجعة عدّة من المؤمنين يحييهم الله عند ظهور المهدي عليهالسلام قائلاً : « إنّ الذي تعتقد به الشيعة الإماميّة ، ولا يشكّ به عاقل ، إنّ هذا الفعل مقدور لله تعالى وليس من المستحيلات » (٢).
كلام الشيخ المفيد :
وقال الشيخ المفيد رحمهالله : « إنّ الله تعالى قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانو عليها ، فيعزّ منهم فريقاً ويذلّ فريقاً ، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين ، منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليهالسلام ... وقد جاء القرآن بصحّة ذلك ، وتظاهرت به الأخبار والإماميّة لأجمعها عليه إلاّ شذاذ منهم تأوّلوا ما ورد فيه ممّا ذكرناه على وجه يخالف ما وصفناه » (٣).
كلام الشيخ الطبرسي :
وقال الطبرسي في مجمع البيان في ذيل قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (٤).
« واستدلّ بهذه الآية على صحّة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإماميّة بأن قال : إنّ دخول من في الكلام يوجب التبعيض ، فدلّ ذلك على أنّ اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم ، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول
_________________________
(١) عقائد الصدوق : ٨٢ ، المطبوع مع الباب الحادي عشر.
(٢) الشيعة والرجعة : ٢ / ٢٥٨.
(٣) أوائل المقالات : ٨٩.
(٤) النمل (٢٧) : ٢٧ / ٨٣.
فيه سبحانه : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) (١) ، وقد تظاهرت الأخبار عن أئمّة الهدى من آل محمّد عليهمالسلام في أنّ الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعتته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ويبتهجوا بظهور دولته ، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته ، والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته ، ولا يشكّ عاقل أنّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه ، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية ، ونطق القرآن بذلك في عدّة مواضع ، مثل قصّة عزير وغيره على ما فسّرناه في موضعه ، وصحّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قوله : « سيكون في اُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جحر ضبّ لدخلتموه ، على أنّ جماعة من الإماميّة تأوّلوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، وأوّلوا الأخبار الواردة في ذلك لمّا ظنّوا أنّ الرجعة تنافي التكليف وليس كذلك ؛ لأنّه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصحّ معها كما يصّح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة ، كفلق البحر وقلب العصا ثعباناً وما أشبه ذلك ؛ ولأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرّق التأويل عليها ، وإنّما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإماميّة ، وإن كانت الأخبار تعضده ويؤيّده » (٢).
كلام العلاّمة المجلسي :
وتحدّث العلاّمة المجلسي رحمهالله عن الرجعة وقال : « اعلم يا أخي أني لأظنّك ترتاب
_________________________
(١) الكهف (١٨) : ٤٧.
(٢) مجمع البيان : ٧ / ٣٦٦.
بعد ما مهّدت وأوضحت في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار ، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ، حتّى نظموها في أشعارهم ، واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم ، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم منهم : الرازي ، والنيسابوري وغيرهما ...
وكيف يشكّ مؤمن بحقيقة الأئمّة الأطهار فيما ورد عنهم في قريب من مأتي حديث صريح رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم ، كثقة الإسلام الكليني ، والصدوق ، ومحمّد بن بابويه ، والشيخ أبو جعفر الطوسي ، والسيّد المرتضى ، والنجاشي ، والكشّي ، والعيّاشي ، وعليّ بن إبراهيم ، وسليم بن قيس الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفّار ، وسعد بن عبدالله ، وابن قولويه ، وعليّ بن عبدالحميد ، والسيّد ابن طاووس ، وولده صاحب زوائد الفوائد ، ومحمّد بن عليّ بن إبراهيم ، ومؤلّف كتاب التنزيل والتحريف ، وأبي الفضل الطبرسي ، وإبراهيم بن محمّد الثقفي ، ومحمّد بن العبّاس بن مروان ، والبرقي ، وابن شهر آشوب ، والحسن بن سليمان ، والقطب الراوندي ، والعلاّمة الحلّي ، والسيّد بهاء الدين بن عليّ بن عبدالكريم ، وأحمد بن داود بن سعيد ، والحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، والفضل بن شاذان ، والشيخ الشهيد محمّد بن مكّي ، والحسين بن مهران ، والحسن بن محمّد بن جمهور القمّي ، والحسن بن محبوب ، وجعفر بن محمّد بن مالك ، وطهر بن عبدالله ، وشاذان بن جبرئيل ... وغيره.
وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف ، وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في أئمّة الدين ... (١).
_________________________
(١) الشيعة والرجعة : ٢ / ٣٩٥ ، نقلاً عن بحارالأنوار.
فإن قيل : فما فائدة هذا الرجوع.
قلنا : لقد عرفت في مطاوي البحث عن الرجعة من أنّها تكريم لبقيّة الله ، وتعظيم لدولته من قِبل الله جلّ وعلا ، ووفاءٌ بالعهد لمن كان على العهد ، ومشاركة المؤمن في ثواب نصرته عليهالسلام ، والفرح بدولته صلوات الله عليه ، فيرجع المؤمن حتّى يستظلّ تحت أعلامه ويحشر في زمرته ، وتقرّ عينه ، وليبلغ من طاعة المهدي مراده ، ويشفي من أعدائه فؤاده.
السؤال السابع الثلاثون :
من الذي يرجع عند ظهور الإمام المهدي عليهالسلام ؟
الجواب : إنّ الذين يرجعون من أجل نيل السعادة في ظلّ الحكومة الإلٰهيّة بقيادة الإمام المهدي عليهالسلام ومن أجل نصرته ، على قسمين :
المجموعة الاُولى : هم الذين وردت أسماءهم في الأحاديث الإسلاميّة ، كأصحاب موسى ، وأصحاب الكهف ، ويوشع بن نون ، وسلمان الفارسي ، وأبي دجانة الأنصاري ، والمقداد بن الأسود ، ومالك الأشتر ، والمفضّل بن عمر ، وداود الرقّي ، وشهدا الطفّ ، وقنواء بنت رشيد الهجري ، واُمّ أيمن ، وحبابة الوالبيّة ، وسميّة اُم عمّار بن ياسر ، وزبيدة ، واُمّ خالد الأحمسيّة ، واُمّ سعيد الحنفيّة ، وصيانة الماشطة ، واُمّ خالد الجهنية ، وغيرهم.
وإليك ما روي عن مجيء هؤلاء عند ظهور الإمام المهدي عليهالسلام :
١ ـ قال الصادق عليهالسلام لمفضّل بن عمر : « يخرج مع القائم
عليهالسلام
من ظهر
الكوفة سبعة وعشرون رجلاً ؛ خمسة عشر من قوم موسى
عليهالسلام
الذين
كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، وسبعة من أهل الكهف ، ويوشع بن نون ، وسلمان ، وأبو دجانة
الأنصاري ، والمقداد ، ومالك الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً » (١).
٢ ـ وقال أيضاً لمفضّل : « يا مفضّل ، أنت وأربعون رجلاً تحشرون مع القائم ، أنت على يمين القائم تأمر وتنهى النّاس إذ ذاك أطوع لك منهم اليوم » (٢).
نظر الصادق عليهالسلام إلى داود الرقّي وقد ولّى ، فقال : « من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليهالسلام فلينظر إلى هذا » (٣).
٣ ـ وتحدّث أيضاً عن رجوع الحسن مع سبعين من أصحابه ، فقال : « يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهّبة ، لكلّ بيضة وجهان ، يؤذّن المؤذّنون إلى النّاس : إنّ هذا الحسين عليهالسلام قد خرج » (٤).
٤ ـ روى الطبري بسنده عن المفضّل بن عمر ، قال : « سمعت أبا عبدالله يقول : يكن مع القائم ثلاثة عشر امرأة.
قلت وما يصنع بهنّ ؟
قال : يداوين الجرحى ، ويقمن على المرضى ، كما كان مع رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قلت : فسمّهنّ لي ؟
قال : القنواء بنت رشيد ، واُمّ أيمن ، وحبّابة الوالبيّة ، وسميّة اُمّ عمّار بن ياسر ، وزبيدة ، واُم خالد الأحمسيّة ، واُمّ سعيد الحنفيّة ، وصيانة الماشطة ، واُمّ خالد الجهنيّة » (٥).
_________________________
(١) الإرشاد : ٣٤٤.
(٢) دلائل الإمامة : ٢٤٨.
(٣) رجال الكشّي : ٤٠٢.
(٤) مختصر بصائر الدرجات : ٤٨.
(٥) دلائل الإمامة : ٢٦٠.
٥ ـ روى الحسن بن سليمان بسنده عن ابن بكير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : « كأنّي بحمران بن أعين وميسّر بن عبدالعزيز يخبطان النّاس بأسيافهما بين الصفا والمروة » (١).
٦ ـ وفي الكشّي عن أبي صالح خلف بن حمّاد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن المغيرة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « كأنّي بعبدالله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء ، وذؤابتان بين كتفيه ، مصعداً في لحف الجبل بين قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف مكبّرون ومكرون » (٢).
المجموعة الثانية : هم الذين لم ترد أسماءهم في الروايات ، ولكن ذكرت أوصافهم ، وهم :
١ ـ من كان مثل سلمان الفارسي
جاء في حديث النبيّ صلىاللهعليهوآله مع سلمان الفارسي ، فقال له بعد ما ذكر له أسماء الأئمّة عليهمالسلام : « يا سلمان ، إنّك مدركه ، ومن كان مثلك ، ومن تولاّه على هذه المعرفة » (٣).
٢ ـ من قرأ دعاء العهد أربعين صباحاً
وفي الاستبصار عن جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام أنّه قال : « من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا ، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره ،
_________________________
(١) بحار الأنوار : ٥٣ / ٤٠.
(٢) رجال الكشّي : ٢١٧.
(٣) دلائل الإمامة : ٢٣٧.
وأعطاه بكلّ كلمة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيّئة ، وهو هذا : اللَّهمَّ ربَّ النُّورِ الْعَظِيمِ ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ والزَّبُورِ ، وَربَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ... » (١).
٣ ـ من قرأ سورة الأسراء كلّ ليلة جمعة
وفي العيّاشي عن الصادق عليهالسلام ، قال : « من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتّى يدرك القائم ، ويكون من أصحابه » (٢).
٤ ـ الشهداء
ومن الذين يرجعون إلى الدنيا في أيّام ظهور المهدي عليهالسلام هم الشهداء الذين جعلوا أجسادهم هدفاً لسهام أعداء الله ، ولاقوا المعبود بأجساد مضرّجة بالدماء ، فهؤلاء سوف يرجعون حتّى يدركوا عصر الإمام المهدي عليهالسلام ثمّ يموتوا بعد ذلك موتاً طبيعيّاً.
وفي حديث الإمام الباقر عليهالسلام مع زرارة ـ بعد ما ذكر الفرق بين الموت الطبيعي والقتل في سبيل الله ـ قال له : « ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه ، إنّ من قتل لا بدّ أن يرجع إلى الدنيا يذوق الموت » (٣).
٥ ـ المؤمنون
لمّا سمع سلمان الفارسي من رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه مدرك القائم عليهالسلام قال :
_________________________
(١) بحارالأنوار : ٥٣ / ٩٥.
(٢) تفسير العيّاشي : ٢ / ٢٧٦.
(٣) المصدر المتقدّم : ١١٢.
« فاشتدّ بكائي وشوقي وقلت : يا رسول الله ، أبعهد منك ؟
فقال : إي والله الذي أرسلني بالحق منّي ومن عليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة ، وكلّ من هو منّا ومعنا ومضام فينا ، إي والله وليحضرنّ إبليس له جنوده ، وكلّ من محض الإيمان محضاً ، حتّى يؤخذ له بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربّك أحداً ، وذلك تأويل هذه الآية : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١).
قال : فقمت من بين يديه وما اُبالي لقيت الموت أو لقيني » (٢).
وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « إنّما يرجع إلى الدنيا عند قيام القائم عليهالسلام من محض الإيمان محضاً ، أو محض الكفر محضاً ، فأمّا سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب » (٣).
السؤال الثامن والثلاثون :
هل للأنبياء دور في دولة الإمام المهدي عليهالسلام ؟
الجواب : من الوعود الإلٰهيّة الكبيرة للأنبياء هي نصرتهم على أعدائهم ، ولمّا ثبت أنّ كثيراً منهم قتلوا ظلماً وعدواناً على يد طواغيت عصرهم ، فلابدّ من مجيء يوم لنصرة الأنبياء والرسل ، فلا شكّ أنّ ذلك اليوم هو الرجعة ، أي رجعة أنبياء الله في دولة المهدي عليهالسلام ، حيث يرجعون وينتقمون من أعداءهم ،
_________________________
(١) القصص (٢٨) : ٥ و ٦.
(٢) دلائل الإمامة : ٢٣٨.
(٣) معجم أحاديث الإمام المهدي : ٤ / ٨٣.
وينتصرون على أعدائهم. وهذا هو تفسير قول الله تعالى : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (١).
فعن القمّي في تفسيره بسنده عن جميل ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال :« قلت : قول الله تبارك وتعالى : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) ، قال : ذلك والله في الرجعة ، أما علمت أنّ أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، والأئمّة بعدهم قتلوا ولم ينصروا ، ذلك في الرجعة » (٢).
وفي رواية عنه عليهالسلام قال : « ويقبل الحسين في أصحابه الذين قتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران ... » (٣).
يستفاد من رواية الإمام الباقر عن أمير المؤمنين عليهماالسلام في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) (٤) أنً جميع الأنبياء سوف يحييهم الله حتّى يجاهدوا ويقاتلوا بين يدي الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، حيث قال : « إي ، ولتنصرون وصيّه ، وسينصرونه جميعاً ، وأنّ الله أخذ ميثاقي وميثاق محمّد بنصرة بعضنا لبعض ، لقد نصرت محمّداً ، وجاهدت بين يديه ، وقتلت عدوّه ، ووفيت لله بما أخذ علَيَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمّد ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله ، وذلك لمّا قبضهم إليه ، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها ، ليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمّد ، كلّ نبيّ مرسل يضربون بين يدي
_________________________
(١) غافر (٤٠) : ٥١.
(٢) تفسير القمّي : ٢ / ٢٥٨.
(٣) معجم الإمام المهدي عليهالسلام : ٤ / ٨٩.
(٤) آل عمران (٣) : ٨١.
بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً » (١).
والظاهر أنّ الأنبياء يرجعون شيئاً فشيئاً ، فقسم منهم يرجع مع الحسين ، وقسم ينزل من السماء وبعضهم يرجع مع أمير المؤمنين عليهالسلام.
ذكرت الروايات أسماء بعض الأنبياء الذين يرجعون في دولة القائم ، منهم :
١ ـ عيسى بن مريم عليهماالسلام
لقد صرّحت الروايات الكثيرة من الشيعة والسنّة بنزول عيسى من السماء بعد ما عرج به إلى السماء فإنّه عليهالسلام ، من أكبر أنصار المهدي عليهالسلام ، وأعزّهم عليه ، وهو الذي يقتدي بالإمام ، ويكون وزيراً له عليهالسلام ، وهو الذي ينزل إلى الدنيا مع ثمانمائة رجل وأربعمائة امرأة (٣) ، وهو الذي يكسر الصليب ، ويقتل الدجّال ، ويأخذ أموال القائم ويقسّمها بين النّاس.
٢ ـ النبي إلياس عليهالسلام
من الأنبياء الذين سوف يرجعون هو إلياس النبيّ ، فقد إنّه جعل اليسع خليفته في بين إسرائيل ، ثمّ رفعه الله إلى السماء ، وأنّه يحضر في كل عام في يوم عرفة مع الخضر عليهالسلام ويكونا معاً في عرفات (٢).
ويستفاد من كلام الإمام الصادق ومن لقاءه بإلياس عند الكعبة ، أنّه عليهالسلام من جملة الأنبياء الذين سوف يرجعون ويكونون مع المهدي عليهالسلام ، حيث أظهر في ضمن حديثه مع الصادق عليهالسلام سيفه ، ثمّ رفع القناع عن وجهه ، وقال : أنا إلياس (٣).
_________________________
(١) و (٣) الشيعة والرجعة : ٢ / ٩٣.
(٢) مجمع البحرين : ٢١٦.
(٣) الكافي : ١ / ٢٤٢.
٣ و ٤ ـ دانيال ويونس عليهماالسلام
قال الحسين بن عليّ عليهماالسلام لأصحابه قبل أن يُقتل حول رجعة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام مع عدّة من الأنبياء ، منهم نبيّ الله دانيال ويونس عليهماالسلام ، قائلاً : « وإنّ دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين عليهالسلام يقولان : صدق الله ورسوله ، ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتلهم ، ويبعث بعثاً إلى الروم فيفتح الله لهم » (١).
السؤال التاسع والثلاثون :
ما هي التغييرات التي ستحصل في عصر الإمام المهدي عليهالسلام ؟
الجواب : لقد أخبر المعصومون عليهمالسلام ضمن روايات كثيرة عن التطوّرات والتغييرات العظيمة في زمن المهدي عليهالسلام ، فإنّه بعد ما يقوم بعملين أساسيّين يعتبران أساس لإصلاحاته ، وهما :
١ ـ سيحطّم دولة الكفر ، كما قال الصادق عليهالسلام : « إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل » (٢).
٢ ـ يملأ العالم بالقسط والعدل ، ويقضي على الظلم ، فلن يتجرّء أحد أن يظلم الآخرين في دولته عليهالسلام. وتصل عقول البشر إلى أعلى مستوياتها ، ويذهب المرض والعاهات ، والحيرة والضياع ، في دولته عليهالسلام ، ويستفاد النّاس من كلّ الخيرات ، وتظهر كنوز الأرض على يديه ، ويتنعّم النّاس بنعمة الرفاه والراحة ، والأمن والعدالة ، والصلح والصفاء ، وتظهر الحريّة ولذّة العيش ،
_________________________
(١) الخرائج والجرائح : ٢ / ٨٤٩.
(٢) الكافي : ٨ / ٢٨٧.