الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٣

«سورة الفاتحة ـ مكية ـ وآياتها سبع».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧))

«سورة الفاتحة» التي افتتح بها الكتاب تأليفا كما افتتح تنزيلا ـ هي صورة مصغّرة عن «تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين» أفرد الله بها الامتنان على الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جعلها ردفا للقرآن العظيم : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١٥ : ٨٧) (١).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) باسناده الى الامام الحسن العسكري (عليه السلام) مسلسلا عن أبيه عن آباءه عن علي (عليه السلام) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ان الله عز وجل قال : يا محمد! ولقد آتيناك سبعا ـ

٦١

نجد فيها تجاوبا رائعا بين كتابي التدوين والتكوين عدّة وعدّة ، فآياتها سبع ، وأسماءها سبعة ، كما السماوات سبع ، والأرضون سبع ، وأيام الأسبوع سبعة ، والطواف بالبيت والسعي سبعة أشواط ، ثم وتغلق بسبعها أبواب الجحيم السبع (١) كما نرمي الشياطين بجمرات سبع حيث الشيطنات هي السبع (٢) : كما وتفتح بها أبواب الجنة الثمان (٣).

١ ـ فهي فاتحة الكتاب (٤).

لافتتاحه بها تنزيلا وتأليفا براعة بارعة لاستهلاله ، حيث تنير علينا

__________________

ـ من المثاني والقرآن العظيم ، فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وإن فاتحة الكتاب اشرف ما في كنوز العرش ، وإن الله عز وجل خص محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان فانه أعطاه منها بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١ : ٣٠١ والبحار ٩٢ : ٢٢٧) وفي الدر المنثور ١ : ٢ ـ أخرج الواحدي في اسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن علي (عليه السلام) قال : نزلت الفاتحة بمكة من كنز من كنوز العرش.

(١) تفسير الفخر الرازي ١ : ١٧٥ روي ان جبرئيل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا محمد! كنت أخشى العذاب على أمتك فلما نزلت الفاتحة أمنت ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لم يا جبرئيل! قال : لان الله تعالى قال «وان جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم» وآياتها سبع فمن قرأها صارت كل آية طبقا على باب من أبواب جهنم فتمر أمتك عليها سالمين.

(٢) وهي : الشيطان ـ البقر ـ النمر ، ثم كل جمع بين اثنين منها ثم مجموع الثلاثة فهي سبع

(٣) وعلّها باب المعرفة بما تكبر الله في صلاتك و ـ ٢ ـ باب الذكر بالبسملة و ـ ٣ ـ باب الشكر بالحمد له و ـ ٤ ـ باب الرجاء بالرحمتين الرحمانية والرحيمية و ـ ٥ ـ باب الخوف يوم القيامة و ـ ٦ ـ باب الإخلاص في العبودية والاستعانة الناتجة عن معرفة الربوبية و ٧ ـ باب الدعاء والضراعة في طلب الهداية و ـ ٨ ـ باب الاهتداء الى صراط اهل النعمة.

(٤) وقد تواترت الأحاديث لهذا الاسم.

٦٢

دروبا من علوم الكتاب جملة كما يفتح الكتاب تفصيلا ، فتفتح بها أبواب خزائن أسرار الكتاب لأنها مفتاح كنور لطائف الخطاب.

٢ ـ ٣ ـ وهي ام القرآن وام الكتاب (١).

أمّا لتفصيل الكتاب بآياته المحكمات والمتشابهات ، كما المحكمات هن أم الكتاب ، فكما المحكمات هن أم للأطفال المتشابهات ، كذلك آيات الكتاب كله هي أطفال الأمّ السيدة.

فكل أصل وكل مجتمع وكل مأوى ومحور أمّ ، والقرآن المفصّل يضم مربع الربوبية والنبوة والمعاد وما بين المبدء والمعاد بتفاصيلها ، وأم القرآن يضمها محكمة مختصرة ، حكيمة محتصرة.

ومن ثم الأم تأتي بمعنى الراية للعسكر والفاتحة راية لعساكر السور

__________________

(١) الدر المنثور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها أم القرآن وام الكتاب وفيه اخرج البخاري والدارمي في سننه وابو داود والترمذي وابن المنذر وابن اي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ام القرآن وام الكتاب والسبع المثاني ـ ومن طريق اهل البيت (عليهم السلام) روى العياشي ١ : ١٩ عن الامام الصادق (عليه السلام) قال : اسم الله الأعظم مقطّع في أم الكتاب ، وعن عبد الملك بن عمر عنه (عليه السلام) إن إبليس رنّ أربع رنّات .. وحين نزل ام الكتاب ، وفي دعوات الراوندي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سمع بعض آبائي رجلا يقرء ام القرآن فقال : شكر واجر(البحار ٩٢ : ٢٦١) ورواه مثله محمد بن احمد بن يحيى بسند عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) (تهذيب الأحكام ٨ : ١٩٠) وروى الشيخ الطوسي في تبيانه ١ : ٢٢ ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه سماها ام القرآن وأخرجه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن عن الترمذي عن أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن.

٦٣

بآياتها وهيبة لجنودها ، فحقا هي راية القرآن إذ تقدمه وتعرّفه وتعنيه!.

٤ ـ وهي أساس القرآن :

إذ أسست تفاصيله فيها مجملة جميلة وضّاءة (١) والقرآن المفصل يتبنّى الأساس أساسا لتفاصيله.

٥ ـ وهي الكافية :

تجزي ما لا تجزي شيء من القرآن حيث «تكفي من سواها ولا تكفي عنها سواها» (٢) في اولى السورتين من الأوليين لفظيا حيث تكفي من سائر القرآن في الركعتين ولا يكفي سائره عنها فيهما ، ومعنويا فانها على اختصارها تحمل متنا حاصرا من غزيرة الوحي الهاطل ، وخطابا لربنا في معراج الصلاة إذ تكفي عن كافة التفاصيل المسرودة في الذكر الحكيم حيث تناسب ذلك الخطاب.

٦ ـ وهي الحمد :

حيث تحمل أحمد حمد لرب العالمين ، وخير ما يحمده به الحامدون ، حمد غائب «الحمد لله ..» ومن ثم حاضر «إياك نعبد ...» فانها بشطريها

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٢ اخرج الثعلبي عن الشعبي ان رجلا شكا اليه وجع الخاصرة فقال : عليك بأساس القرآن قال : وما أساس القرآن؟ قال : فاتحة الكتاب.

(٢) المصدر اخرج الثعلبي عن عفيف بن سالم قال : سألت عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن قراءة فاتحة الكتاب خلف الامام فقال عن الكافية تسأل؟ قلت : وما الكافية؟ قال : الفاتحة ، اما تعلم انها تكفي عن سواها ولا تكفي عنها سواها؟

وأخرج ابو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن واخرج الدار قطني والحاكم عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ام القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها.

٦٤

حمد مهما اختلف الموقف والتعبير وكله عبير ، ثم وهي بادءة بالحمد ، فلذلك كله سميت ـ فيما سميت ـ بسورة الحمد.

٧ ـ وهي السبع المثاني (١) :

لأنها حسب القرآن العظيم سبع من المثاني (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ١٠٥ ـ اخرج الدارمي وابن مردويه عن أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فاتحة الكتاب هي السبع المثاني ـ

وفيه ١ : ٣ ـ اخرج الدار قطني وصححه والبيهقي في السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا قرأتم الحمد فاقرؤا : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ إنها ام القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إحدى آياتها واخرج ما في معناه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البخاري والدارمي في مسنده وابو داود والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه واحمد في مسنده وابن جرير والطبراني في الأوسط والبيهقي والبخاري والنسائي وابن حبان وابو عبيد وابن خزيمة وابو ذر الهروي وعبد الله بن احمد بن حنبل في زوائد المسند وابن الضريس في فضائل القرآن ـ أخرجه هؤلاء الحفاظ في مسانيدهم كما رواه علي امير المؤمنين (عليه السلام) وعمر ايضا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ فما يروى عن ابن عباس في بعض رواياته وسعيد بن جبير دون نسبة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انها السبع الطوال : البقرة ـ آل عمران ـ النساء ـ المائدة ـ الانعام ـ الأعراف ـ يونس ـ انها لا تصدّق لمخالفتها المتواتر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنها الفاتحة ، وأنها نزلت قبل السبع الطوال وسواها من مدنيات ومكيات ، وانها ليست مثاني باي معنى من معاني المثاني اللهم إلا كما القرآن كله مثاني «كتابا مثاني» ولا يخص السبع ـ

ومن طريق اهل البيت (عليهم السلام) عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الآية فقال : فاتحة الكتاب يثنىّ فيها القول (العياشي ١ : ٢٢) ورواه مثله عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية قال : هي سورة الحمد ، ورواه مثله عن محمد بن مسلم وعن السدي عمن سمع عليا (عليه السلام) يقول مثله.

٦٥

الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١٥ : ٨٧) ومهما كان القرآن كله مثاني : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ ..) (٣٩ : ٢٩) ولكن «سبعا» ومن ثم «القرآن العظيم» تخصها بهذه المثاني بما لها من مثنيات ومعاني ، فهي تحمل ازدواجية المثاني.

ثم «المثاني» جمع المثنية او المثنى وهو الذي يثنى ، فأقلها ثلاث مثنيات ولكننا نجد لها سبعا من المثاني :

١ ـ مثنى نزولا في عهدي المكي والمدني ، اوّل ما نزلت بمكة ، وحين حولت القبلة في المدنية ، ولا مثنى هكذا إلّا هيه!.

٢ ـ مثنى في اوّليتها في التأليف كما في التنزيل ولا مثنى هكذا إلّا هيه!.

٣ ـ مثنى في الصلوات مفروضات ومسنونات (١) إذ تثنى في أوّلييها إلّا في وتر الليل.

٤ ـ مثنى إذ تثنى بغيرها في الصلوات كلها إلّا في وتيرة العشاء.

٥ ـ مثنى في ثنائية التأويل حيث تعني القرآن جملة ويعنيها القرآن بالتفصيل.

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ١٠٤ ـ اخرج البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس في الآية قال : هي ام القرآن تثنى في كل صلاة وأخرج ابن جرير وابن الضريس عن قتادة في الآية قال : فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة مكتوبة وتطوع وأخرجه ابن الضريس عن أبي صالح مثله ـ

وفي تفسير العياشي ١ : ١٩ ، عن يونس بن عبد الرحمن رفعه قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية قال : هي سورة الحمد ، وانما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) هي فاتحة الكتاب يثنى فيه القول

٦٦

٦ ـ مثنى في المعنى الاتجاه فنصفها ثناء الله ونصفها عطاء الله.

٧ ـ ومثنى بثنائية الآيات حيث تتبنى في كل من السبع أمرين اثنين ف :

١ ـ (بِسْمِ اللهِ ـ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ٢ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ ـ رَبِّ الْعالَمِينَ) ٣ ـ (الرَّحْمنِ ـ الرَّحِيمِ). ٤ ـ (مالِكِ ـ يَوْمِ الدِّينِ) ٥ ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ـ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ٦ ـ (اهْدِنَا ـ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ٧ ـ (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ـ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)!.

مثان سبعة في السبع المثاني في أم كتاب التدوين تتجاوب مع سبع التكوين ، سبع الزمان وسبعي المكان : سماوات وأرضين ، وسبعي الطواف حول البيت وبين الصفا والمروة ، كما ومراتب خلقة الإنسان سبع : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٢٣ : ١٤).

كذلك ومراتبه الباطنة سبع : الروح ـ الفطرة ـ العقل ـ الصدر ـ القلب ـ اللب والفؤاد ، وكما الصلاة أعمالها الظاهرة الملموسة سبعة حيث النية فعل القلب ، وهي : القيام ـ الركوع ـ الانتصاب منه ـ السجدتان ـ والانتصاب جلوسا بينهما ـ والقعود تشهدا وسلاما ، والسبع المثاني لهذه السبع كالروح في الجسد ، كما هي روح للإنسان.

وكما الشيطنات والشياطين وأبواب الجحيم سبع وهي تغلق بالسبع المثاني!.

«والذي نفس محمد بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في

٦٧

الزبور ولا في الفرقان مثلها» (١) ف «من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» (٢).

لذلك رنّ إبليس أربعا حين نزلت فاتحة الكتاب وحين لعن وحين هبط إلى الأرض وحين بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (٣) فقد جعلت عدلا للرسول كما هي عدل القرآن ، حيث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القرآن والقرآن هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تمثلهما جملة كما هما يمثلانها تفصيلا.

إنها اوّل ما نزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فانها فاتحة الكتاب ، وأصل الكتاب المنزل ثم الكتاب المؤلف ، ولا تحمل الخمس الأول من العلق النازلة قبل الفاتحة إلّا البسملة (٤).

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٤ ـ اخرج جماعة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج على أبي بن كعب فقال ، يا أبي! وهو يصلي ـ فالتفت أبي فلم يجبه فصلى أبي فخفف ثم انصرف الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كيف تقرء في الصلاة؟ فقرأ بأم القرآن فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي نفسي بيده ...

(٢) المصدر ١ : ٥ ـ اخرج ابو عبيد في فضائله عن الحسن قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

(٣) المصدر اخرج وكيع في تفسيره وابن الأنباري في المصاحف وابو الشيخ في العظمة وابو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : رن إبليس اربع رنات ومن طريق اهل البيت (عليهم السلام) في تفسير البرهان ١ : ٤١ عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله ورواه مثله العياشي ١ : ٢٠.

(٤) القمي في تفسيره في قوله تعالى : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ .. قال قال : اقرأ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وفي أسباب النزول للواحدي النيسابوري عن ابن عباس انه قال :

٦٨

فقد توحي «اقرأ» أنه ما كان قارئا قبله ، ثم «باسم ربك» يعلمه بماذا يبدأ قراءة الوحي ، ولأن أفضل أسمائه هو الله ، فباسم ربك هو «بسم الله» ثم «الذي خلق» هو «الرحمن» حيث الخلق هو أعم الرحمات ولا أعم من «الرحمن».

ومن ثم (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) هو الرحيم ، فانه رحمة خاصة ، ثم الأخص منه (الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ثم (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) رحيم في أخصه حيث يعم سائر الوحي على سائر رجالات الوحي.

فبداية الوحي تلميحة كتصريحه بأفضل آية من كتاب الله (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حيث هي تقرأ قبل كل أمر ذي بال والقرآن يفوق كل أمر ذي بال!

وقد صلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع علي وخديجة لما رجع من بازغة الوحي ، وبطبيعة الحال قرأ الحمد ، إذ «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (١).

__________________

ـ اوّل ما نزل به جبرئيل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا محمد استعذ ثم قل : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

(١) الدر المنثور ١ : ٢ ـ اخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة والواحدي والثعلبي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت ان يكون هذا امرا فقالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فو الله إنك لتؤدي الامانة ، وتصل الرحم وتصدق الحديث ـ الى ان قال ـ : سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال ورقة لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد! قل : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ـ حتى بلغ ـ ولا الضالين ـ فأتى ورقة فذكر له ذلك فقال ورقة ابشر ابشر فاني اشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وانك على مثل ناموس موسى وانك نبي مرسل.

٦٩

ورواية نزولها في المدينة تعني نزولها الثاني عند تحول القبلة ، وهي نازلة قبلها في مكة ، وآية السبع المثاني المكية ليست لتعني سورة مدنية لو لا نزولها بداية في مكة.

وكما القرآن المحكم نزل على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة مباركة هي ليلة القدر بعد زهاء خمسين ليلة من بداية الوحي ، ثم القرآن المفصل بعد الحمد إلى المائدة ، تفصيلا للمحكم النازل ليلة القدر.

فالحمد لله الذي جعل لنا نصيبا من القرآن المحكم كما خص رسوله بنصيبه ليلة القدر ، واين محكم من محكم؟

ثم البسملة هي أفضل آيات السبع المثاني ، كما السبع أفضل القرآن العظيم ، مهما كانت الأقوال حول : هل هي آية من الحمد وسائر القرآن إلّا البرائة عشرة كاملة (١) إلا أن تسعة منها ناقصة مناقضة لحجة الكتاب والسنة.

فكونها آية من النمل دون خلاف يؤكد كونها آية قرآنية أينما حلت ،

__________________

(١) ، وهي ـ ١ ـ ليست آية من أيّة سورة! ـ ٢ ـ آية من كل سورة سوى البرائة ـ ٣ ـ آية من الفاتحة دون غيرها ـ ٤ ـ بعض آية من الفاتحة فقط ـ ٥ ـ آية مستقلة أنزلت لبيان رؤوس السور تيمنا وللفصل بينها ـ ٦ ـ يجوز جعلها آية من الحمد وغير آية لتكرر نزولها بالوصفين ـ ٧ ـ بعض آية من جميع السور ـ ٨ ـ آية من الفاتحة وجزء آية من سائر السور إلّا البرائة ـ ٩ ـ جزء آية من الفاتحة وآية من السور الا البرائة ـ ١٠ ـ انها آيات مستقلة حيثما كانت ، وترى ان ما سوى القول الاوّل من هذه العشرة متفقة على كونها آية وان اختلفت في جهات أخرى ولا حجة في القول الاول كما لا حجة في كونها بعض آية ـ تأمل :

٧٠

فجملة واحدة كيف تكون هنا آية وفي سواها ليست آية وليست هي إلّا هيه؟!

وكون السورة سبعا من المثاني بشهادة القرآن والرواية المتواترة تجعلها آية منها ، وإلّا فهي ست من المثاني ، وقد رقمت بواحدة مهما لم ترقم في سواها ، فما أمرها إلا واحدة لأنها آية واحدة.

وكونها فصلا بين السور لا تجعلها غير آية ، ولا تفتتح بها البراءة وهي سورة فذة ، ولا غرو ان تفصل بين السور بآية مكررة كما يعرف بها ختام سورة وبداية أخرى.

وكيف يقحم في القرآن ما ليس منه مهما كان لفصل وسواه ، إذ يحصل الفصل بسواه ، أفإقحاما في القرآن جملة كآية لكل سورة إلا البراءة؟

وقد امر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في بازغ الوحي ان يقرأه بالبسملة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ..) كما أمر دائبا مستمرا بقراءتها في الصلاة (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (٨٧ : ٥) والصلاة بلا تكبيرة او بسملة دخول في الدار دون استئناس واستئذان من صاحب الدار(١).

__________________

(١) الدر المنثور ١ : ٧ ـ أخرج ابن أبي حاتم والطبراني والدار قطني والبيهقي في سننه عن بريدة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية ـ أو سورة ـ لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري قال : فمشى فتبعته حتى انتهى الى باب المسجد فأخرج إحدى رجليه من اسكفة المسجد وبقيت الأخرى في المسجد فقلت بيني وبين نفسي ذلك فأقبل عليّ بوجهه فقال : بأي شيء تفتتح القرآن إذا فتحت الصلاة؟ قلت : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : هي هي ثم خرج ، واخرج الدار قطني عن ابن عمران رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كان جبرئيل إذا جاء بالوحي اوّل ما يلقي عليّ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

٧١

ثم وفي كل القرآن (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٧٣ : ٨) أفليست هي بعد آية من القرآن ، وهي أفضل آية من القرآن حيث تعني أمّ القرآن إجمالا كما هي تعنيه اجمالا وهما تعنيانها تفصيلا مهما بان تفصيل عن تفصيل.

ولان البسملة أفضل آية في الذكر الحكيم (١) فلتذكر في أفضل عبادة هي الصلاة ، وليكن عبد الله بسملة لله في مجراه ومرساه ، فابتداء أقواله وأفكاره وأعماله «بسم الله» وانتهاءها «بسم الله» إذا قام «بسم الله» وإذا نام «بسم الله» إذا عقد النطفة «بسم الله» وإذا حضر الموقف «بسم الله» وليكن هو بتمامه اسما لله ، يدل بكله على الله ، إعلانا ـ بالثناء على الله ، وإذاعة لذكر الله ، كما وان الكون كله اسم الله.

__________________

(١) تفسير البرهان عن تفسير العياشي عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سرقوا أكرم آية في كتاب الله : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وعن الحسن بن خرزاد وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا أم الرجل القوم جاء الشيطان الذي هو قريب الإمام فيقول : هل ذكر الله؟ يعني : هل قرأ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟ فان قال : نعم هرب منه ، وإن قال : لا ركب عنق الإمام ودلّى رجليه في صدره فلم يزل الشيطان إمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم. وعن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال : بلغه أن أناسا ينزعون بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال : هي آية من كتاب الله أنساهم إياها الشيطان ، وعن إسماعيل بن مهران قال قال ابو الحسن الرضا (عليه السلام) ان بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب الى اسم الله الأعظم من سواد العين الى بياضها ، أقول وسواد عين البسملة هو الله حيث توسط بياضها ، وعن خالد بن المختار قال سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول : ما لهم قاتلهم الله عمدوا الى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها وهي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

٧٢

فما لهم تركوا أفضل آية من كتاب الله ، اخفتوا بها ثم تركوها ، والكتاب القاطع والسنة القاطعة حجتان لا مرد لهما أنها آية (١) يجهر بها

__________________

(١) في تفسير الثعلبي روى الشافعي عن مسلم بن جريح عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت : قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاتحة الكتاب فعد (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) آية (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) آية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) آية (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) آية (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آية وفي الدر المنثور ١ : ٣ ـ اخرج الدار قطني وصححه والبيهقي في السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ انها ام القرآن وام الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ احدى آياتها ، وفيه اخرج الدار قطني والبيهقي في السنن بسند صحيح عن عبد خير قال : سئل علي (عليه السلام) عن السبع المثاني فقال : الحمد لله رب العالمين فقيل له : انما هي ست آيات؟ فقال : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» آية ، وفيه اخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه في تفسيره والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله رب العالمين سبع آيات بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إحداهن وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي فاتحة الكتاب ، أقول : ومن أمثاله نتبيّن ان الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تعبيرا عن السورة لا يعني استثناء البسملة عنها ، بل هو تعريف بأول آية غير مشترك فيها ولأنها سورة الحمد.

وأخرج الدار قطني ، والبيهقي ، عن أبي هريرة ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قرء وهو يؤم الناس افتتح بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، واخرج ابو عبيد وابن سعد في الطبقات وابن أبي شيبة واحمد وابو داود وابن خزيمة وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه والخطيب وابن عبد البر كلاهما في كتاب المسألة عن ام سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقرء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ .. قطعها آية آية وعددها عد الاعراب وعد بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ولم يعد عليهم ، واخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال : كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال : الحمد لله رب العالمين ـ فسمع النبي (صلى الله عليه وآله ـ

٧٣

في الجهرية فرضا وفي الاخفاتية نفلا. فمن تركها فلا صلاة له كما استفاضت بها السنة مهما اختلف المتخلفون عنها فيها.

فعلى كل من يؤمن بالقرآن وأنه لم يحرف بزيادة ولا نقصان ، الايمان بأنها آية من القرآن.

وعلى كل من يؤمن بالسنة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتابع أثر الرسول فيما كان يفعل ويقول ، وكما أجمع عليه أئمة اهل البيت (عليهم السلام) والخلفاء الثلاث في أصلها ، والشافعي في الجهر بها ، وأحمد أنها آية منها ، وأبو حنيفة في أصل قرائتها وجماعة آخرون من الصحابة والتابعين (١) في انها آية جهرا او إخفاتا (٢).

__________________

ـ وسلم) فقال : يا رجل أقطعت على نفسك الصلاة؟ اما علمت ان بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحمد فمن تركها فقد ترك آية ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته وأخرجه الثعلبي عن طلحة بن عبيد الله مثله ، وأخرج الشافعي في الأم والدار قطني والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية انه قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع فناداه المهاجرون والأنصار حين سلم يا معاوية! أسرقت صلاتك؟ اين بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ واين التكبير؟ فلما صلى بعد ذلك قرء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأم القرآن وللسورة التي بعدها وكبر حين يهوي ساجدا ، واخرج البيهقي عن الزهري قال : سنة الصلاة أن يقرء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وإن اوّل من أسرّ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة وكان رجلا حيييّا!

(١) كابن عباس وعمار وإسحاق وابو ثور وابو عبيد وابو هريرة وابن عمر وعايشة وام سلمة والنعمان بن بشير والحكم بن عمير وانس وبريدة وجميع من رووا حديثها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن وأئمة اهل البيت (عليهم السلام).

(٢) رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيمن رواه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعمار وابو هريرة وانس وابن عمر انه صلى خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر فكانوا ـ يجهرون ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) والنعمان بن بشير أن ـ

٧٤

فحتى ولو لم تكن آية فلتقرء قبل كل تلاوة لا سيما القرآن ، فكل امر ذي بال لا يبدأ فيه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فهو أقطع أو أبتر أو أجذم كما في مستفيض السنة ، فهلّا تكون الفاتحة أمرا ذا بال وفي الصلاة وهي خير موضوع ، وهذه عمود الدين وتلك عمود القرآن ، إذا فالصلاة دون بسملة مقطوعة بتراء والله منها براء.

وكما أن الفاتحة هي فاتحة الكتاب ، فأولى بالبسملة لأنها فاتحة لكل كتاب من قرآن وسواه.

__________________

ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : أتى جبرئيل فجهر بها ، والحكم بن عمير أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) جهر بها في المكتوبة والنافلة ، وعن عائشة أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر بها ، وأخرج الدار قطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علمني جبرئيل الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرء بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيما يجهر به في كل ركعة ، وأخرج الثعلبي عن علي بن زيد بن جدعان أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يجهرون بها وهم : عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، وأخرج البزار والدار قطني والبيهقي في شعب الايمان من طريق أبي الطفيل قال : سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعمارا يقولان : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب ، واخرج الطبراني والدار قطني والبيهقي في شعب الايمان من طريق أبي الطفيل والدار قطني والحاكم عن انس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، واخرج الدار قطني عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في السورتين جميعا ، وأخرج عن ابن عمر قال : صليت خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وأخرج عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أمّني جبرئيل (عليه السلام) عند الكعبة فجهر ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

٧٥

فكيف لا يجهر بها أو تترك من أصلها وهي إعلان ثناء على الله وكما يعلن بالثناء على غير الله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (٢ : ٢٠٠) أشد نداء في الجهر به ، وأشد ذكرا في إكثاره ، وأشد تبركا في الافتتاح به وأشد معرفيا في عبوديته.

ولان القرآن هو كتاب من الله الى الناس ليحيدوا عن أخلاق النسناس نرى كتاب الله يبدأ باسم الله ويختم بالناس ، إيحاء بأنه يحمل جميع رحمات الله ، عامة رحمانية ، وخاصة رحيمية للجنة والناس وللعالمين أجمعين.

وكما التنزيل بازغ باسم الله كذلك التأليف ، فهو البداية وهو النهاية ، وهو المبدء وهو الغاية.

ولكي نقرء القرآن سورا أم آيات فلنبدء بالاستعاذة (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (١٦ : ٩٨) فقل : أعوذ بالله ـ او ـ أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

يردّد المسلم هذه السورة قليلة الآيات ، كثيرة الطويّات والمحتويات في الصلاة مرات ومرات ، حين يقف بين يدي ربه مبتهلا ، فارضا او متنفلا ، ولا تقوم صلاة إلّا بها وكما استفاض عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب.

وفيها من كليات التصورات الأصلية والعقيدة الإسلامية ، والمشاعر السلمية السليمة ، ما توحي بطرف من حكم اختيارها مناجاة في معراج الصلاة ، فكل صلاة دونها باطلة ، وكل صلات من دونها عاطلة ، كما وكل صراط غيرها مائلة قاحلة.

ان الصلاة وهي خير موضوع ، وقد وضعت الحمد قبلها كخير موضوع في خير موضع ، إنها تتبنى أركانا معنوية هي الركينة فيها وقد

٧٦

تتبناها أركانها بسائر فروضها الظاهرية.

فلتعرف يا عارجا معراج ربك من أنت؟ وأمام من واقف أنت؟ وماذا تعني فيما تفعله وتقوله أنت؟ :

أنت اللّاشيء حقا ، مهما كنت شيئا بما هباك الله ، فكلّ شيئك أمام ربك لا شيء ، فانه الواهب كل شيء لكل شيء! وهو كل شيء إذ خلق الشيء الذي منه كل شيء لا من شيء!

أنت الفقير في غناك فكيف لا تكون فقيرا في فقرك ، وهو الغني ..

اعرف من أنت ، وأمام من واقف أنت ، وماذا تقول أو تعني بما تفعله أنت ، ولتكن في صلاتك قطعا بصلاتك عما سوى الله ، وصلة كلّك بالله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

لأنها تحوي ما تحويه الحمد كما حوت هي القرآن كله ، فالبسملة إذا هي القرآن كله ، فعلينا التدبر فيها بكل إناقة وعملاقة لكي نحصل ـ لأقل تقدير ـ على الأصول الثلاثة ، المستفادة من خماسية الكلمات في البسملة.

فالباء هي مثلثة المعاني مصاحبة واستعانة وابتداء ، والاسم مسبّعة المصاديق ، والحاصل واحد وعشرون أكثرها معنية بالبسملة ، و «بسم» تتعلق بالمعاني الثلاثة : أبتدء وأصاحب وأستعين باسم الله الرحمن الرحيم.

وهل الاسم من الوسم : العلامة؟ او السّمو : الرفعة؟ ظاهر الأدب لفظيا والمناسبة معنويا يساعد الوسم ، قلبا للواو الى الألف خلاف السّمو ، وأن الاسم علامة لمسماه وليس يعلوه مرتفعا عليه.

إلّا أن وصليّة الألف حذفا لها عند الوصل ، دليل لعدم أصالة

٧٧

الألف بديلة عن الواو ، ثم تصغيره على سميّ وجمعه الأسماء دليل حذف الواو عن آخره ، وإلّا فلا سميّ ولا أسماء ولا حذف للألف عند الوصل لو كانت من الأصل.

إذا فالإسم من السّمو الرفعة ، رفعة العلامة على المعلم ، في الدلالة دون الرتبة ، حيث الاسم يتقدم المسمى معرفة مهما كان المسمى يتقدمه مرتبة ورفعة.

وعلّه مشتق من الوسم والسمو معا باعتبار المعنيين واللفظ للسمو ، فهو ـ إذا ـ علامة للشيء تعلوه لتدل عليه ، علوّ التدليل دون التعالي لديه ، مهما كان أدنى منه او يساويه ام ويعلو عليه.

ثم الاسم منه لفظي هو الأدنى علامة فانه بالوضع ، ومنه عيني وهو أعلى منه حيث الدلالة ذاتية دون وضع ، ثم الاسم العيني لله تبارك وتعالى منه ذاتي كصفات ذاته الثلاث : الحياة والعلم والقدرة ، أم فعلي كصفات الفعل المشتقة من صفات الذات ، ام خلقي كسائر الخلق ، فانه مثل لله يدل عليه بما يفتقر في ذاته إليه.

١ ـ فمن أسمائه اللفظية : الله ـ الرحمن ـ الرحيم» إمّا هيه.

٢ ـ وأسماؤه الذاتية هي واقع الحياة والعلم والقدرة.

٣ ـ وأسماؤه الفعلية هي واقع صفاته الفعلية.

٤ ـ ومن أسماءه الخلقية كلّ الخليقة.

٥ ـ ثم الخاص منها أنت الواقف أمامه.

٦ ـ ثم الأخص منها العبادة فانها سمة من سماته.

٧ ـ ثم أخص الخواص هم أنبياء الله وأفضلهم خاتمهم وأئمة أهل بيته المعصومين. (عليهم السلام)

٧٨

ففي اسمه اللفظي تأتي الابتداء والمصاحبة كما يروى عن الإمام علي (عليه السلام): «إن العبد إذا أراد أن يقرء أو يعمل عملا فيقول : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ أي : بهذا الاسم أعمل هذا العمل ، فكل عمل يعمل يبدأ فيه بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فأنه مبارك له فيه» (١) ثم لا استعانة بهذا الاسم إلّا بضرب من التأويل.

وفي أسماء الذاتية والفعلية تأتي الاستعانة كما عن الإمام علي الهادي (عليه السلام): «أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلّا له» (٢) وأما الابتداء فضلا عن المصاحبة فلا يناسبان هذه الأسماء ، مهما صاحبنا الله بصفاته الفعلية ام والذاتية بضرب من التأويل ، و «الاسم صفة لموصوف» (٣) ونحن لا نصاحب صفات الله او نبتدئ بها ، فان صفاته تعالى تصاحبه ذاتية أم فعلية ، ونحن نستعين بها فيما نروم من مرضاته.

وفي أسماءه الخلقية بوجه عام لا مصاحبة ولا استعانة ولا ابتداء إلّا في مثلث الخواص ، اللهم إلّا مصاحبة في عبادة الله والسجود لله ف (لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ ..) (١٣ : ١٥)

__________________

(١) تفسير البرهان نقلا عن تفسير الامام العسكري (عليه السلام) عن الامام علي (عليه السلام) وعن محمد بن جرير الطبري باسناده عن ابن عباس قال : ان اوّل ما نزل به جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا محمد قل أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال : قل : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قال قال له جبرئيل : قل بسم الله يا محمد! يقول : اقرء بذكر الله ربك وقم واقعد بذكر الله :

(٢) تفسير الامام العسكري عن الامام علي (عليهما السلام).

(٣) ابن بابويه بسنده عن ابن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ، الاسم ، ما هو؟ قال : صفة لموصوف.

٧٩

واستعانة بهم فيما يصح سلوكا الى الله.

وفي ذاتك كاسم من أسمائه الخلقية تأتي مثلث معاني الباء ، مصاحبة واستعانة وابتداء ، أصاحب نفسي في عبادة الله وسواها فلأجرّدها عن الهوى حيث النفس آية من آيات الله فلتصاحب نفسها كآية تدل على الله.

وأبتدء بنفسي في العبادة وسواها مما يرضاه الله ، حيث البداية في الخير بازغة بنفسك ثم من سواك : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً).

ثم ابتداء بعبادة الله وبكل فعل يرضاه الله تقديما لمرضاته على سواه ، ومصاحبة لها على أية حال ، واستعانة بها في كل حل وترحال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٢ : ٤٥) وكما عن الإمام الرضا (عليه السلام): أسم على نفسي سمة من سمات الله وهي العبادة والسّمة هي العلامة (١)

ثم ابتداء ـ في عبادة الله ـ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيت الرسالة كدلالة للطريق فهم السبل إلى الله والأدلّاء على الله.

واستعانة بهم في سلوكنا الى الله ، ومصاحبة لهم ، فما صحبة الرسول هي ملازمته في حياته الجسدية الدنيوية ، بل هي صحبته في رسالته الإلهية ، استنانا بسنته واتباعا لشرعته واستجابة لدعوته ، فهم القائلون «نحن أسماء الله الحسنى» ويصدقهم قول الله. (.. وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) فإنهم الذوات القدسية من أهل بيت الرسالة المحمدية (عليهم السلام) كما (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) يدل عليه حيث «هم» وهو لذوي العقول لا تعني إلّا إياهم!

__________________

(١) تفسير البرهان ١ : ٤٤ عن ابن بابويه القمي في توحيده باسناده الى علي بن الحسن الفضال عن أبيه قال سألت الرضا (عليه السلام) عن بسم الله قال ...

٨٠