وروى الشافعي بإسناد آخر (١) عن ابن عباس ، قال : «من فرّ من ثلاثة : فلم يفرّ ؛ ومن فرّ من اثنين : فقد فرّ (٢).»
قال الشافعي (٣) : «قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً : فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَمَنْ (٤) يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ ـ : فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ : ٨ ـ ١٥ ـ ١٦).».
قال الشافعي (٥) (رحمه الله) : «فإذا فرّ الواحد من اثنين فأقلّ (٦) : متحرّفا لقتال (٧) يمينا ، وشمالا ، ومدبرا : ونيّته العودة للقتال ؛ أو :
__________________
(١) من طريق سفيان عن أبى نجيح عنه ؛ كما فى الأم (ج ٤ ص ١٦٠). وقد ذكره بدون إسناد ، فى المختصر (ج ٥ ص ١٨٥). وقد أخرجه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٧٦) بلفظ مختلف ، عن سفيان من غير طريق الشافعي.
(٢) يعنى : الفرار المنهي عنه.
(٣) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٦٠) : قبل آية التحريض على القتال ، وما روى عن ابن عباس.
(٤) فى الأم : «الآية».
(٥) كما فى الأم : بعد أثر ابن عباس بقليل. وقد ذكر فى المختصر (ج ٥ ص ١٨٥) : باختصار.
(٦) فى الأصل : «فأقبل» ؛ وهو خطأ وتحريف. والتصحيح من عبارة الأم والمختصر : «فأقل إلا». وزيادة «إلا» غير متعينة هنا إلا إذا كان جواب الشرط هو قوله الآتي : فإن كان إلخ.
(٧) بعد ذلك فى الأم : «أو متحيزا ؛ والمتحرف له» إلخ. وقوله : يمينا ؛ إلى : للقتال ؛ ليس بالمختصر.
متحيّزا (١) إلى فئة : [من المسلمين] (٢) : قلّت أو كثرت ، كانت بحضرته أو مبينة (٣) عنه ـ : فسواء (٤) ؛ إنما يصير الأمر فى ذلك إلى نيّة المتحرف (٥) ، أو المتحيز (٦) : فإن [كان (٧)] الله (عز وجل) يعلم : أنه إنما تحرّف : ليعود للقتال ، أو (٨) تحيّز لذلك ـ : فهو الذي استثنى الله (عز وجل) : فأخرجه من سخطه فى (٩) التّحرّف والتّحيّز.»
«وإن كان لغير (١٠) هذا المعنى : فقد (١١) خفت عليه أن يكون قد باء بسخط من الله ؛ إلا أن يعفو الله [عنه (١٢)].».
__________________
(١) عبارة الأم : «والفار متحيزا».
(٢) زيادة حسنة ، عن الأم والمختصر. وراجع السنن الكبرى (ج ٩ ص ٧٦ ـ ٧٧).
(٣) كذا بالمختصر. وفى الأصل : «منه» ؛ وهو مصحف عنه. وفى الأم : «أو منتئية».
(٤) هذا جواب الشرط فتأمل ؛ وقد ورد في الأصل بدون الفاء ؛ والنقص من الناسخ ، والتصحيح من عبارة المختصر : «فسواء ؛ ونيته فى التحرف والتحيز : ليعود للقتال المستثنى المخرج من سخط الله ؛ فإن كان هربه على غير هذا المعنى خفت عليه ـ إلا أن يعفو الله ـ أن يكون» إلخ. وإن كان جواب الشرط بالنظر لها قوله : فإن كان إلخ. وفى الأم : «سواء» ، وهو خبر قوله فيها : «والمتحرف ... والفار».
(٥) كذا بالأم. وفى الأصل : «المحترف» ؛ وهو تصحيف.
(٦) فى الأم : «والمتحيز».
(٧) زيادة متعينة ، عن الأم.
(٨) كذا بالأم. وفى الأصل : «إن» ؛ وهو خطأ وتصحيف.
(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «والتحرف» ؛ وهو خطأ وتصحيف.
(١٠) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر. وفى الأصل : «بغير» ؛ ولعله مصحف.
(١١) هذا ليس بالأم.
(١٢) زيادة حسنة ، عن عبارة الأم التي وردت على نسق عبارة المختصر. وراجع ما ذكره
قال (١) : «وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم : لم أحبّ (٢) لهم : أن يولّوا عنهم ؛ ولا يستوجبون السّخط عندى ، من الله (عز وجل) : لو ولّوا عنهم على (٣) غير التّحرّف (٤) للقتال ، أو التحيز (٥) إلى فئة. لأنا بيّنا (٦) : أنّ الله (جل ثناؤه) إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه ؛ و: أنّ فرض الله فى الجهاد ، إنما هو : على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدوّ.» (٧)
* * *
(أنا) أبو سعيد بن أبى عمرو ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ،
__________________
بعد ذلك خصوصا ما يتعلق بالمبارزة : فهو عظيم الفائدة.
(١) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٢) ؛ وأول الكلام فيها ـ بعد حديث ابن عباس ، والآية السابقة ـ : «فإذا غزا المسلمون أو غزوا ، فتهيئوا للقتال ، فلقوا ضعفهم من العدو ـ : حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة ؛ فإن كان المشركون» إلى آخر ما هنا.
(٢) فى الأصل : «أجد» ؛ وهو تصحيف خطير. والتصحيح عن الأم.
(٣) فى الأم : «إلى» ؛ وما فى الأصل أحسن.
(٤) كذا بالأم. وفى الأصل : «المتحرف» ؛ وهو تحريف.
(٥) فى الأم : «والتحيز». وما فى الأصل أحسن.
(٦) كذا بالأم. وفى الأصل : «لأن يسا إذ الله أن الله» ؛ والزيادة والتصحيف من الناسخ.
(٧) راجع ما ذكره بعد ذلك ، فى الأم (ص ٩٢ ـ ٩٣) : فقد فصل فيه الكلام عن نية المولى ، تفصيلا لا نظير له.
قال (١) : «قال الله (عز وجل) فى بنى النّضير ـ حين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا : مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ؛ مِنْ دِيارِهِمْ ، لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) ؛ إلى (٢) : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ : ٥٩ ـ ٢).»
«فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم ، وإخراب المؤمنين بيوتهم. ووصفه إياه [جل ثناؤه] : كالرضا (٣) به.»
«وأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : بقطع نخل من ألوان نخلهم ؛ فأنزل الله (تبارك وتعالى) ـ : رضا بما صنعوا (٤). ـ : (ما قَطَعْتُمْ : مِنْ لِينَةٍ ؛ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها ـ : فَبِإِذْنِ اللهِ ، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ : ٥٩ ـ ٥) (٥) ؛ فرضى القطع ، وأباح الترك.»
«والقطع (٦) والترك : موجودان (٧) فى الكتاب والسنة ؛ وذلك :
__________________
(١) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٧٤) : فى خلال جواب عن سؤال للربيع فى الموضوع الآتي. فراجعه.
(٢) فى الأم : «قرأ إلى».
(٣) كذا بالأم. وعبارة الأصل : «ووصفه إياهم بالرضى» ؛ وهى مصحفة.
(٤) في الأم زيادة موضحة : «من قطع نخيلهم».
(٥) راجع حديث ابن عمر فى ذلك ، والكلام عنه : فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٨٣) ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٢ ص ٥٠ ـ ٥١) ، والفتح (ج ٦ ص ٩٥ وج ٧ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ وج ٨ ص ٤٤٥).
(٦) فى الأم : «فالقطع».
(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «موجود» ؛ وهو مع صحته ، قد يكون محرفا عما فى الأم الذي هو أولى.
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قطع نخل بنى النّضير وترك ، وقطع نخل غيرهم وترك ؛ وممّن غزا : من لم يقطع نخله (١).».
* * *
(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٢) ـ فى الحربيّ : إذا أسلم : وكان قد نال مسلما ، أو معاهدا ، [أو مستأمنا (٣)] : بقتل ، أو جرح ، أو مال. ـ : «لم يضمن (٤) منه شيئا ؛ إلا : أن يوجد عنده مال رجل بعينه (٥)»
واحتجّ : بقول الله عز وجل : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ : ٨ ـ ٣٨) ؛ (٦) قال الشافعي : «وما (٧) سلف : ما (٨) تقضّى (٩)
__________________
(١) ثم ذكر حديثى عمرو ابن شهاب فى ذلك ، وقال : «فإن قال قائل : ولعل النبي حرق مال بنى النضير ، ثم ترك. قيل : على معنى ما أنزل الله ؛ وقد قطع وحرق بخيبر ـ وهى بعد بنى النضير ـ وحرق بالطائف : وهى اخر غزاة قاتل بها ؛ وأمر أسامة بن زيد : أن يحرق على أهل أبنى.». ثم ذكر حديث أسامة : فراجعه ؛ وراجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ٦٦ و ١٦١ و ١٩٧ و ١٩٩ وج ٧ ص ٢١٢ ـ ٢١٣ و ٣٢٣ ـ ٣٢٤) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٥ و ١٨٧). ثم راجع السنن الكبرى (ج ٩ ص ٨٥ ـ ٨٦) ، وقصة ذى الخلصة فى الفتح (ج ٦ ص ٩٤ وج ٨ ص ٥١ ـ ٥٣). فإنك ستقف على فوائد جمة ، وعلى بعض المذاهب المخالفة ، وما يدل لها.
(٢) كما فى الأم (ج ٦ ص ٣١). وما فى الأصل مختصر منه.
(٣) زيادة مفيدة تضمنها كلام الأم
(٤) عبارة الأم : «يضمنوا» ؛ وهى ملائمة لما فيها.
(٥) في الأصل : «يعينه» ؛ وهو مصحف. والتصحيح من عبارة الأم ، وهى : «إلا ما وصفت من أن يوجد ... فيؤخذ منه».
(٦) وبحديث : «الإيمان يجب ما قبله». وراجع الأم (ج ٤ ص ١٠٨ ـ ١٠٩) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٩٧ ـ ٩٩).
(٧) فى الأم زيادة : «قد» ؛ وهى أحسن
(٨) هذا ليس بالأم ، وزيادته أحسن.
(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «يقتضى» ؛ وهو تصحيف.
وذهب. وقال : (اتَّقُوا اللهَ ، وَذَرُوا ما بَقِيَ : مِنَ الرِّبا : ٢ ـ ٢٧٨) ؛ ولم يأمرهم : بردّ ما مضى : [منه (١)].». وبسط الكلام فيه.
قال الشافعي فى موضع آخر (٢) (بهذا الإسناد) ـ فى هذه الآية ـ : «ووضع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ بحكم الله ـ : كلّ ربا : أدركه الإسلام ، ولم يقبض. ولم يأمر أحدا ـ : قبض ربا فى الجاهليّة. ـ : أن يردّه.».
* * *
(أنا) أبو زكريا بن أبى إسحاق (فى آخرين) ؛ قالوا : أخبرنا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع بن سليمان ، أنا الشافعي (٣) : «أنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد ، عن (٤) عبيد الله بن أبى رافع ، قال :
__________________
(١) زيادة حسنة عن الأم. وإنما أمر : برد ما بقي منه ؛ كما نص عليه فى آخر كلامه (ص ٣٢). فراجعه كله ؛ وراجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ١٣٠ و ٢٠٠ وج ٥ ص ٤٤ و ١٤٨) : لتعرف : كيف يكون ارتباط المسائل الفقهية بعضها ببعض.
(٢) من الأم (ج ٧ ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩).
(٣) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٦٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٤٦) : مستدلا على ما أجاب به ـ فى أمر المسلم : الذي يحذر المشركين من غزو المسلمين لهم ، أو يخبرهم ببعض عوراتهم. ـ : «من أنه لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام ، إلا : بقتل أو زنا بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، واستمرار على ذلك الكفر.». وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم عن جماعة من طريق سفيان بإسناده. وأخرجاه أيضا من غير طريقه : بشىء من الإختلاف. راجع السنن الكبرى (ص ١٤٧) والفتح (ج ٦ ص ٨٧ ـ ٨٨ و ١١٦ ج ٧ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧ وج ٨ ص ٤٤٧) وشرح مسلم للنووى (ج ١٦ ص ٥٤ ـ ٥٧).
(٤) في الأصل : «ابن». وهو تحريف.
سمعت عليّا (رضى الله عنه) ، يقول : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ـ : أنا والزّبير (١) والمقداد. ـ فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (٢) ؛ فإن بها ظعينة (٣) : معها كتاب. فخرجنا : تعادى بنا خيلنا ؛ فإذا نحن : بظعينة (٤). فقلنا (٥) : أخرجى الكتاب. فقالت : ما معى كتاب. فقلنا لها (٦) : لتخرجنّ الكتاب ، أو لنلقينّ (٧) الثّياب. فأخرجته من عقاصها (٨) ؛ فأتينا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فإذا فيه : من حاطب ابن أبى بلتعة ، إلى أناس (٩) : من المشركين بمكة (١٠) ؛ يخبر : ببعض أمر
__________________
(١) فى الأم تأخير وتقديم. وقد ذكر فى بعض الروايات ـ بدل المقداد ـ أبو مرثد الغنوي. ولا منافاة كما قال النووي.
(٢) موضع بين الحرمين : بقرب حمراء الأسد من المدينة. وقيل : بقرب مكة. وقد ورد فى الأصل : بالمهملتين. وهو تصحيف ، كما ورد مصحفا في رواية أبى عوانة : بالمهملة والجيم. راجع شرح مسلم ، والفتح ، ومعجم ياقوت.
(٣) هى ـ في أصل اللغة ـ : الهودج ؛ والمراد بها : الجارية. واسمها : سارة ، مولاة لعمران بن أبى صيفى القرشي. وقد وردت فى الأصل ـ هنا وفيما سيأتى ـ : بالطاء ؛ وهو تصحيف. وراجع ما ذكره النووي عن هذا الإخبار : فهو مفيد جدا.
(٤) رواية الأم : «بالظعينة» ؛ وهى أحسن.
(٥) فى الأم زيادة : «لها».
(٦) هذا ليس بالأم.
(٧) فى بعض الروايات : بالتاء. راجع كلام ابن حجر عنها.
(٨) شعرها المضفور ؛ وهو جمع عقيصة.
(٩) فى الأم : «ناس».
(١٠) فى الأم والسنن الكبرى : «ممن بمكة».
رسول (١) الله (صلى الله عليه وسلم). فقال (٢) : ما هذا يا حاطب؟. فقال (٣) : لا تعجل على (٤) ؛ إنى كنت امرأ : ملصقا (٥) فى قريش ؛ ولم أكن من أنفسها ؛ وكان [من] (٦) معك ـ : من المهاجرين. ـ : لهم قرابات يحمون بها قرباتهم ؛ ولم يكن لى بمكة قرابة : فأحببت ـ : إذ فاتنى ذلك. ـ : أن اتّخذ عندهم يدا ؛ والله : ما فعلته : شكّا فى دينى ؛ ولا : رضا (٧) بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إنه قد صدق. فقال عمر : يا رسول الله ؛ دعنى : أضرب عنق هذا المنافق (٨). فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : إنه قد شهد بدرا ؛ وما يدريك : لعلّ الله (٩) اطّلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ؛ فقد غفرت لكم (١٠). ونزلت (١١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (١٢) : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ : ٦٠ ـ ٤١)».
__________________
(١) فى الأم والسنن الكبرى : «النبي».
(٢) فى الأم : «قال».
(٣) فى الأم : «قال».
(٤) فى الأم زيادة حسنة ، وهى : «يا رسول الله».
(٥) أي : حليفا ؛ كما صرح بذلك فى بعض الروايات.
(٦) زيادة متعينة ، عن الأم والسنن الكبرى وغيرهما.
(٧) كذا بالأم والسنن الكبرى. وفى الأصل : «رضى» ؛ وهو تصحيف
(٨) قد استدل فى السنن الكبرى (ج ١٠ ص ٢٠٨) بهذا وعدم إنكار النبي ـ : على أنه لا يكفر من كفر مسلما عن تأويل.
(٩) فى الأم زيادة : «عز وجل قد».
(١٠) أي : فى الآخرة. أما الحدود فى الدنيا : فتقام عليهم. راجع ما استدل به النووي ، على ذلك
(١١) فى الأم : «فنزلت».
(١٢) ذكر فى الأم وصحيح مسلم ، إلى هنا.
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي : «فى هذا الحديث (١) : طرح الحكم باستعمال الظّنون. لأنه لمّا كان الكتاب يحتمل : أن يكون ما قال حاطب ، كما قال ـ : من أنه لم يفعله : شكّا (٢) فى الإسلام ؛ وأنه فعله : ليمنع أهله ـ ويحتمل : أن يكون زلّة ؛ لا : رغبة عن الإسلام. واحتمل : المعنى الأقبح ـ : كان القول قوله ، فيما احتمل فعله.». وبسط الكلام فيه (٣)
* * *
(أنا) أبو سعيد محمد بن موسى ، نا أبو العباس الأصمّ ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٤) (رحمه الله) : «قال الله جل ثناؤه : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ : بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ : ٩ ـ ٣٣). (٥)»
«قال الشافعي : فقد أظهر الله (جل ثناؤه) دينه (٦) ـ : الذي بعث
__________________
(١) فى الأم زيادة : «مع ما وصفتا لك».
(٢) فى الأم : «شاكا».
(٣) فراجعه (ص ١٦٦ ـ ١٦٧) ، فهو مفيد هنا ، وفى بعض المباحث الآتية ، وفيما سبق (ج ١ ص ٢٩٩ ـ ٣٠٢) ، وفى العقوبات والحدود والفرق بين ذوى الهيئة وغيرهم. وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٤٧).
(٤) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤) ، ولمختصر (ج ٥ ص ١٩٥). وقد ذكر متفرقا فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٧٧ و ١٧٩).
(٥) راجع ما ذكره فى الأم ـ بعد ذلك ـ : من السنة. وراجع المختصر ، وأثرى جابر ومجاهد وحديث عائشة فى السنن الكبرى (ص ١٨٠ ـ ١٨١).
(٦) عبارة المختصر : «دين نبيه على سائر الأديان».
[به (١)] رسوله صلى الله عليه وسلم. ـ على الأديان : بأن أبان لكل من سمعه (٢) : أنه الحقّ ؛ وما خالفه ـ : من الأديان. ـ : باطل (٣).»
«وأظهره : بأنّ جماع الشّرك دينان : دين أهل الكتاب ، ودين الأمّيّين (٤). فقهر رسول الله (٥) (صلى الله عليه وسلم) الأمّيّين : حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها ؛ وقتل من أهل الكتاب ، وسبى : حتى دان بعضهم بالإسلام ، وأعطى بعض الجزية : صاغرين ؛ وجرى عليهم حكمه (صلى الله عليه وسلم). وهذا (٦) : ظهور الدّين كلّه.»
«قال الشافعي : وقد (٧) يقال : ليظهرنّ الله دينه ، على الأديان : حتى لا يدان الله (٨) إلا به. وذلك : متى شاء الله عز وجل. (٩)»
* * *
(أنا) أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (١٠) : «قال الله عز وجل : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١١) : (٩ ـ ٥) ؛
__________________
(١) الزيادة عن الأم والسنن الكبرى.
(٢) فى المختصر ؛ «تبعه».
(٣) فى المختصر : «فباطل» ؛ وهو صحيح أيضا ؛ لأن الموصول لما أشبه الشرط فى العموم ، صح قرن خبره بالفاء.
(٤) فى المختصر : «أميين».
(٥) فى المختصر : «النبي».
(٦) عبارة المختصر : «فهذا ظهوره».
(٧) عبارة المختصر : «ويقال : ويظهر دينه على سائر» إلخ.
(٨) فى المختصر : «لله».
(٩) أخرج فى السنن الكبرى (ص ١٨٢) عن ابن عباس ـ فى هذه الآية ـ أنه قال : «يظهر الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) على أمر الدين كله : فيعطيه إياه ، ولا يخفى عليه شيئا منه. وكان المشركون يكرهون ذلك».
(١٠) كما في اختلاف الحديث (ص ١٥١). وقد ذكره فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٢).
(١١) فى اختلاف الحديث زيادة : «الآية».
وقال جل ثناؤه : (وَقاتِلُوهُمْ : حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (١) وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ : ٨ ـ ٣٩).».
قال فى موضع آخر (٢) : «فقيل [فيه (٣)] : (فتنة) : شرك ؛ (ويكون الدّين كلّه) : واحدا (لله).».
وذكر (٤) حديث أبى هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : «لا أزال أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله. (٥)».
قال الشافعي (٦) : «وقال الله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ : لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ـ : مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ. ـ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ : وَهُمْ صاغِرُونَ : ٩ ـ ٢٩) (٧).».
وذكر حديث بريدة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : فى الدّعاء إلى
__________________
(١) يحسن أن تراجع فى الفتح (ج ٨ ص ١٢٧ و ٢١٤ ـ ٢١٥) أثر ابن عمر في المراد بالفتنة : فهو مفيد فيما أحلناك عليه من أجله ، فيما سبق (ج ١ ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠) ؛ وأن تراجع حديث أسامة بن زيد : فى السنن الكبرى (ج ٨ ص ١٩٢ و ١٩٦).
(٢) من الأم (ج ٤ ص ٩٤).
(٣) زيادة حسنة عن الأم. وراجع فى الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ٢٧) : أثر قتادة.
(٤) فى اختلاف الحديث والأم.
(٥) انظر ما تقدم (ص ٣١). وراجع أيضا الأم (ج ٤ ص ١٥٦ وج ٦ ص ٣١ ـ ٣٢).
(٦) كما فى اختلاف الحديث (ص ١٥١ ـ ١٥٤).
(٧) راجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٥) : ما روى فى ذلك ، عن أبى هريرة ومجاهد.
الإسلام (١) ؛ وقوله : «فإن [لم (٢)] يجيبوا إلى الإسلام : فادعهم إلى أن يعطوا الجزية ؛ فإن فعلوا : فاقبل منهم ودعهم ؛ [وإن أبوا : فاستعن بالله وقاتلهم] (٣).».
ثم قال : «وليست واحدة ـ : من الآيتين (٤). ـ : ناسخة للأخرى ؛ ولا واحد ـ : من الحديثين. ـ : ناسخا للآخر ، ولا مخالفا له. ولكن إحدى (٥) الآيتين والحديثين : من الكلام الذي مخرجه عامّ : يراد به الخاصّ ؛ ومن الجمل (٦) التي يدلّ عليها المفسّر.»
«فأمر الله (تعالى) : بقتال المشركين حتى يؤمنوا ؛ (والله أعلم) : أمره بقتال المشركين : من أهل الأوثان (٧). وكذلك حديث أبى هريرة :
__________________
(١) من أنه كان إذا بعث جيشا : أمر عليهم أميرا ، وقال : «فإذا لقيت عدوا من المشركين : فادعهم إلى ثلاث خلال : ادعهم إلى الإسلام ؛ فإن أجابوك : فاقبل منهم ، وكف عنهم. وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم ـ إن هم فعلوا ـ : أن لهم ما للمهاجرين ، وأن عليهم ما عليهم. فإن اختاروا المقام فى دارهم ، فأخبرهم : أنهم كأعراب المسلمين : يجرى عليهم حكم الله كما يجرى على المسلمين ؛ وليس لهم فى الفيء شىء ، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين.» إلى آخر ما سيأتي. وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة وبزيادة مفيدة : فراجعه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ٤٩ و ٨٥ و ١٨٤) ؛ وراجع كلام صاحب الجوهر النقي ، وشرح مسلم للنووى (ج ١٢ ص ٣٧ ـ ٤٠) : لعظيم فائدتهما.
(٢) الزيادة عن اختلاف الحديث ، والأم (ج ٤ ص ٩٥). وراجع كلامه فيها : فهو مفيد فى المقام.
(٣) الزيادة عن اختلاف الحديث ، والأم (ج ٤ ص ٩٥). وراجع كلامه فيها : فهو مفيد فى المقام.
(٤) كذا باختلاف الحديث. وفى الأصل : «بالاثنين» ؛ وهو تصحيف.
(٥) عبارة اختلاف الحديث : «أحد الحديثين والآيتين».
(٦) عبارة اختلاف الحديث «المجمل الذي يدل عليه».
(٧) فى اختلاف الحديث ، زيادة : «وهم أكثر من قاتل النبي».
[فى المشركين من أهل الأوثان] (١) ؛ دون أهل الكتاب. وفرض الله : قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ـ : إن لم يؤمنوا. وكذلك حديث بريدة (٢) : [فى أهل الأوثان خاصّة] (٣)»
«فالفرض فيمن (٤) دان وآباؤه دين أهل الأوثان ـ : من المشركين. ـ : أن يقاتلوا : إذ قدر عليهم ؛ حتى يسلموا. ولا يحلّ : أن يقبل (٥) منهم جزية ؛ [بكتاب الله ، وسنة نبيّه] (٦).»
والفرض فى أهل الكتاب ، ومن دان قبل نزول القرآن [كلّه (٧)] دينهم ـ : أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية (٨) ، أو يسلموا. وسواء كانوا عربا (٩) ، أو عجما.».
__________________
(١) زيادة حسنة أخذناها من كلامه فى اختلاف الحديث.
(٢) فى اختلاف الحديث : «ابن بريدة». وكلاهما صحيح : لأنه مروى عنه من طريق ابنه.
(٣) زيادة جيدة عن اختلاف الحديث ، قال بعدها : «كما كان حديث أبى هريرة : فى أهل الأوثان خاصة». وقد تعرض لهذا البحث فيه (ص ٣٩ ـ ٤٠ و ٥٦ و ١٥٧ ـ ١٥٨) ، وفى الأم (ج ٤ ص ١٥٨) : بتوسع وتوضيح ؛ فراجعه. ويحسن أن تراجع الناسخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٦٦ ـ ١٦٧).
(٤) فى اختلاف الحديث : «فى قتال من».
(٥) فى اختلاف الحديث «تقبل».
(٦) زيادة مفيدة ، عن اختلاف الحديث.
(٧) زيادة مفيدة ، عن اختلاف الحديث.
(٨) يحسن أن تراجع فى الأم (ج ٤ ص ١٠١ ـ ١٠٣) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٩٣ ـ ١٩٦) : ما ورد فى مقدار الجزية.
(٩) كذا فى اختلاف الحديث ؛ وهو الظاهر والأولى. وفى الأصل : «أعرابا» ؛ ولعله محرف.
قال الشافعي (١) : «ولله (عز وجل) كتب : نزلت قبل نزول القرآن ؛ [المعروف (٢)] منها ـ عند العامّة ـ : التّوراة والإنجيل. وقد أخبر الله (عز وجل) : أنه أنزل غيرهما (٣) ؛ فقال : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ : بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى : ٥٣ ـ ٣٦ ـ ٣٧). وليس يعرف (٤) تلاوة كتاب إبراهيم. وذكر (٥) زبور داود (٦) ؛ فقال (٧) : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : ٢٦ ـ ١٩٦).»
«قال : والمجوس : أهل كتاب : غير التّوراة والإنجيل ؛ وقد نسوا كتابهم وبدّلوه (٨). وأذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فى أخذ الجزية منهم (٩).».
__________________
(١) كما فى اختلاف الحديث (ص ١٥٤). وقد ذكر بعضه فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦).
(٢) الزيادة عن اختلاف الحديث.
(٣) أخرج فى السنن الكبرى ، عن الحسن البصري ، أنه قال : «أنزل الله مائة وأربعة كتب من السماء». وراجع فيها حديث واثلة بن الأسقع : فى تاريخ نزول صحف إبراهيم ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن.
(٤) في اختلاف الحديث «تعرف تلاوة كتب».
(٥) فى الأصل زيادة : «فى». وهى من الناسخ.
(٦) يعنى : فى قوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً : ١٧ ـ ٥٥) ، وقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ : ٢١ ـ ١٠٥). لا : فى الآية الآتية. لأن زبر الأولين كشمل سائر الكتب المتقدمة. انظر تفسير البيضاوي بهامش المصحف (ص ٤٩٧) ، وراجع الأم (ج ٤ ص ١٥٨).
(٧) فى السنن الكبري : «وقال». وهو أحسن.
(٨) راجع أثر على (كرم الله وجهه) : الذي يدل على ذلك ، فى اختلاف الحديث (ص ١٥٥ ـ ١٥٦) ، والأم (ج ٤ ص ٩٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٨ ـ ١٨٩).
(٩) ثم ذكر حديث بجالة عن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ
قال الشافعي (١) : «ودان قوم ـ : من العرب. ـ دين أهل الكتاب ، قبل نزول القرآن : فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بعضهم ، الجزية» ؛ وسمّى منهم ـ [فى موضع (٢)] آخر (٣) ـ : «أكيدر دومة (٤) ؛ وهو رجل يقال : من غسّان أو كندة (٥).».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، قال (٦) :
__________________
الجزية من مجوس هجر. فراجعه وما إليه : فى السنن الكبرى (ص ١٨٩ ـ ١٩٢) ؛ وراجع كلام صاحب الجوهر النقي عليه ، والفتح (ج ٦ ص ١٦٢ ـ ١٦٣). ثم راجع الأم (ج ٤ ص ٩٦ ـ ٩٧ و ١٥٨) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦ ـ ١٩٧) ، والرسالة (ص ٤٢٩ ـ ٤٣٢) : لتقف على حقيقة مذهب الشافعي ، ويتبين لك قيمة كلام مخالفه فى هذه المسألة.
(١) كما فى اختلاف الحديث (ص ١٥٥).
(٢) هذه الزيادة متعينة. وهذا من كلام البيهقي.
(٣) من الأم (ج ٤ ص ٩٦).
(٤) أي : دومة الجندل. وهو ـ على المشهور ـ : حصن بين المدينة والشام. انظر المصباح ، وتهذيب اللغات (ج ١ ص ١٠٨ ـ ١٠٩). ثم راجع نسب أكيدر ، وتفصيل القول عن حادثته ـ فى معجم ياقوت.
(٥) ثم ذكر بعد ذلك : ما يؤكد أن الجزية ليست على الأنساب ، وإنما هى على الأديان ؛ وينقض ما ذهب إليه أبو يوسف : من أن الجزية لا تؤخذ من العرب. فراجعه ، وراجع الأم (ج ٤ ص ١٥٨ ـ ١٥٩ وج ٧ ص ٣٣٦) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ١٨٦ ـ ١٨٨). ثم راجع فى اختلاف الحديث (ص ١٥٨ ـ ١٦٢) المناظرة القيمة فيما ذهب إليه بعضهم : من أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن دان دينهم مطلقا ؛ وتؤخذ ممن دان دين أهل الأوثان : إلا إذا كان عربيا. فهى مفيدة فى المقام وفيما سيأتى.
(٦) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٠٤).
«حكم الله (عز وجل) فى المشركين ، حكمين (١). فحكم : أن يقاتل أهل الأوثان : حتى يسلموا ؛ وأهل الكتاب : حتى (٢) يعطوا الجزية : إن (٣) لم يسلموا.»
«وأحلّ الله نساء أهل الكتاب ، وطعامهم (٤). فقيل : طعامهم : ذبائحهم (٥)»
«فاحتمل : كلّ أهل الكتاب ، وكلّ من دان دينهم.»
«واحتمل (٦) : أن يكون أراد (٧) بعضهم ، دون بعض.»
«وكانت (٨) دلالة ما يروى عن النبىّ (صلى الله عليه وسلم) ، ثم [ما (٩)] لا أعلم فيه مخالفا ـ : أنه أراد : أهل التّوراة والإنجيل ـ : من بنى إسرائيل. ـ دون المجوس.»
__________________
(١) فى الأم : «حكمان» ؛ على أنه خبر.
(٢) كذا بالأم ، وهو الظاهر. وفى الأصل : «أن» ؛ ولعله محرف. فتأمل.
(٣) فى الأم : «أو يسلمو». وراجع كلامه فى الأم (ج ٤ ص ١٥٥ ـ ١٥٦) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٨٣) : ففيه تبيين وتفصيل.
(٤) راجع الأم (ج ٥ ص ٦).
(٥) نسب ذلك إلى بعض أهل التفسير ، فى الأم (ج ٤ ص ١٨١). فراجع كلامه ؛ وانظر ما سيأتى ـ فى أوائل الصيد والذبائح ـ : من تفصيل القول فى ذبائح أهل الكتاب.
(٦) أي : إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب ، وطعامهم ـ كما صرح بذلك فى الأم.
(٧) عبارة الأم : «أراد بذلك بعض أهل الكتاب» إلخ.
(٨) فى الأم : «فكانت».
(٩) زيادة متعينة ، عن الأم.
«وبسط الكلام فيه (١) ، وفرق بين بنى إسرائيل ؛ ومن دان دينهم قبل الإسلام ـ : من غير بنى إسرائيل. ـ : بما «ذكر الله (عز وجل) ـ : من نعمته على بنى إسرائيل. ـ فى غير موضع من كتابه ؛ وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم.»
«فمن (٢) دان دينهم ـ : من غيرهم. ـ قبل نزول (٣) القرآن : لم (٤) يكونوا أهل كتاب ؛ إلا (٥) : لمعنى ؛ لا : أهل كتاب مطلق.»
«فتؤخذ منهم الجزية ، ولا تنكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم : كالمجوس (٦). لأن الله (عز وجل) إنما أحلّ لنا ذلك : من أهل الكتاب
__________________
(١) حيث قال : «فكان فى ذلك ، دلالة : على أن بنى إسرائيل : المرادون بإحلال النساء والذبائح.». ثم ذكر : أنه لا يعلم مخالفا فى تحريم نكاح نساء المجوس ، وأكل ذبائحهم. ثم مهد لبيان الفرق الآتي ، بما تحسن مراجعته. وذكر فى اختلاف الحديث (ص ١٥٩ ـ ١٦٠) الإجماع أيضا : على أخذ الجزية من المجوس.
(٢) عبارة الأم : «كان من ...». وهى ملائمة لسابق كلامها ، وفيها طول واختلاف اللفظ. وما فى الأصل مختصر منها.
(٣) في الأم : «قبل الإسلام».
(٤) فى الأم : «فلم» ؛ وهو ملائم لسابق عبارتها.
(٥) فى الأصل : «وإلا». والزيادة من الناسخ ، والتصحيح من عبارة الأم ، وهى : «إلا بمعنى». ومراد الشافعي بذلك أن يقول : إن من دان دين بنى إسرائيل ـ : من غيرهم. ـ لا يقال : إنه من أهل الكتاب ؛ على سبيل الحقيقة. لأنه لم ينزل عليه كتاب. وإنما يقال ذلك على سبيل المجاز. من جهة أنه تشبه بهم ، ودان دينهم. فمن هنا لم يتحد حكمهم. وراجع فى الأم (ج ٥ ص ٦) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٣) ـ أثر عطاء : لنتأكد من ذلك.
(٦) راجع فى الأم (ج ٤ ص ١٨٦) ، كلامه عن وطء المجوسية إذا سبيت : ففيه تفصيل مفيد.
الذين عليهم نزل.». وذكر الرّواية فيه ، عن عمر وعلىّ رضى الله عنهما (١).
قال الشافعي (٢) : «والذي (٣) عن ابن عباس : فى إحلال ذبائحهم ؛ وأنه تلا (٤) : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ : فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٥) : (٥ ـ ٥١) ـ : فهو لو ثبت عن ابن عباس (٦) : كان المذهب إلى قول عمر وعلىّ (رضى الله عنهما) : أولى ؛ ومعه المعقول ، فأما : (مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ؛ فمعناها : على غير حكمهم.».
قال الشافعي (٧) : «وإن (٨) كان الصّابئون والسّامرة (٩) : من
__________________
(١) من أن نصارى العرب وتغلب ليسو أهل كتاب ، ولا تؤكل ذبائحهم. وراجع فى ذلك الأم (ج ٤ ص ١٠٤ ـ ١٠٥ و ١٩٤ وج ٥ ص ١٠٦) ، والسنن الكبرى (ج ٩ ص ٢١٦ ـ ٢١٧).
(٢) على ما فى الأم (ج ٢ ص ١٩٦ وج ٤ ص ١٩٤).
(٣) عبارة الأم (ج ٢) : «وقد روى عكرمة عن ابن عباس : أنه أحل ذبائحهم ، وتأول ... وهو» إلخ.
(٤) فى الأصل : «تلى» ، وهو تصحيف.
(٥) يعنى : يكون مثلهم ، ويجرى عليه حكمهم.
(٦) يشير بذلك إلى ضعف ثبوته عنه. وقد بين ذلك فى الأم : بأن مالكا ـ وهو أرجح من غيره فى الرواية ـ قد رواه عن ثور الديلمي عن ابن عباس. وهما لم يتلاقيا : فيكون منقطعا. وراجع السنن الكبرى (ج ٩ ص ٢١٧). وتتميما للمقام ، يحسن أن نراجع كلام الشافعي فى المختصر (ج ٥ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣) ، ونقل المزني عنه : حل نكاح المرأة التي بدلت دينها بدين يحل نكاح أهله ؛ واختيار المزني ذلك ، وتسويته ـ فى الحكم ـ بين من دان دين أهل الكتاب ، قبل الإسلام وبعده. وأن تراجع الأم (ج ٣ ص ١٩٧ وج ٤ ص ١٠٥ وج ٥ ص ٧ وج ٧ ص ٣٣١).
(٧) كما فى الأم (ج ٤ ص ١٠٥).
(٨) فى الأم : «فإن».
(٩) يحسن أن تراجع المصباح (مادة : سمر ، وصبي) ؛ واعتقادات الفرق للرازى
بنى إسرائيل ، ودانوا دين اليهود والنصارى (١) ـ : نكحت (٢) نساؤهم ، وأكلت ذبائحهم : وإن خالفوهم فى فرع من دينهم. لأنهم [فروع (٣)] قد يختلفون بينهم»
«وإن خالفوهم فى أصل الدّينونة (٤) : لم تؤكل ذبائحهم ، ولم تنكح نساؤهم. (٥)».
* * *
(أنا) أبو سعيد ، نا أبو العباس ، أنا الربيع ، قال : قال الشافعي (٦) : «قال الله تبارك وتعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ : وَهُمْ صاغِرُونَ : ٩ ـ ٢٩) ؛ فلم يأذن الله (عز وجل) : فى أن تؤخذ الجزية ممّن أمر (٧) بأخذها منه ، حتى يعطيها عن يد : صاغرا.»
__________________
(ص ٨٣ و ٩٠) ، وتفسير البيضاوي بهامش حاشية الشهاب (ج ١ ص ١٧٢ وج ٦ ص ٢٢١) ، ورسالة السيد عبد الرزاق الحسنى : «الصابئة قديما وحديثا».
(١) فى الأم زيادة حسنة ، وهى : «فلأصل التوراة ، ولأصل الإنجيل».
(٢) كذا بالأم ؛ وهو الأنسب. وفى الأصل : «نكح» ؛ ولعله محرف.
(٣) زيادة جيدة ، عن الأم.
(٤) فى الأم : «التوراة».
(٥) قد تعرض لهذا البحث : بأوضح مما هنا ؛ فى الأم (ج ٤ ص ١٥٨ و ١٨٦ ـ ١٨٧ وج ٥ ص ٦). فراجعه ؛ وراجع المختصر (ج ٥ ص ١٩٧) ، والسنن الكبرى (ج ٧ ص ١٧٣).
(٦) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٩).
(٧) كذا بالأم. وفى الأصل : «أمرنا حدها» ؛ وهو تصحيف.
«قال : وسمعت رجالا (١) ـ : من أهل العلم. ـ يقولون : الصّغار : أن يجرى عليهم حكم الإسلام (٢). وما أشبه ما قالوا ، بما قالوا ـ : لامتناعهم من الإسلام ؛ فإذا جرى عليهم حكمه : فقد أصغروا بما يجرى عليهم منه (٣).».
قال الشافعي (٤) : «وكان (٥) بيّنا فى الآية (والله أعلم) : أن الذين (٦) فرض قتالهم حتى يعطوا الجزية ـ : الذين قامت عليهم الحجّة بالبلوغ : فتركوا دين الله (عز وجل) ، وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم : من أهل الكتاب.»
«وكان بيّنا : أنّ (٧) الله (عز وجل) أمر بقتالهم عليها : الذين فيهم القتال ؛ وهم : الرجال البالغون (٨). ثم أبان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثل معنى كتاب الله (عز وجل) : فأخذ الجزية من المحتملين (٩) ، دون
__________________
(١) فى الأم : «عددا».
(٢) راجع الأم (ج ٤ ص ١٣٠) ، والمختصر (ج ٥ ص ١٩٧) ، والفتح (ج ٦ ص ١٦١). ويحسن أن تراجع فى السنن الكبرى (ج ٩ ص ١٣٩) : أثرى ابن عباس وابن عمر.
(٣) راجع ما قاله بعد ذلك : فهو مفيد هنا ، وفيما سيأتى من مباحث الهدنة.
(٤) كما فى الأم (ج ٤ ص ٩٧ ـ ٩٨) : بعد أن ذكر الآية السابقة.
(٥) فى الأم : «فكان».
(٦) كذا بالأم ؛ وهو الظاهر المناسب. وفى الأصل : «الذي» ؛ ولا نستبعد أنه محرف.
(٧) عبارة الأم : «أن الذين أمر الله بقتالهم» إلخ. وهى أظهر وأحسن من عبارة الأصل التي هى صحيحة أيضا : لأن «الذين» مفعول للمصدر ، لا للفعل. فتنبه.
(٨) وكذلك الحكم : فى قتال المشركين حتى يسلموا. راجع الأم (ج ١ ص ٢٢٧).
(٩) كذا بالأم. وفى الأصل : «المحتملين» ؛ وهو تصحيف.