موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٩٦

الآيات الأواخر من «سورة الحجر» بل هو الحدث الأوّل المشار إليه بالآيات الأوائل من سورة القلم أو المدثر أو الضحى.

ويبقى أهم الأحداث المشار إليها فيما نزل من القرآن الى آخر «سورة الحجر» : المعراج في (سورة النجم : ٢٣) ثمّ إنذار العشيرة الأقربين في (سورة الشعراء : ٤٢) ثمّ الإسراء في (سورة الإسراء : ٥٠). إذن فالإنذار كان بين المعراج والإسراء ، بعد المعراج بكثير وقبل الإسراء بقليل. فمتى كانت هذه الحوادث؟

وقبل الوصول الى جواب هذا السؤال أقول : إنّما فرّقت هنا بين المعراج والإسراء وقدّمت ذكر المعراج على الإسراء تبعا لسورتي النجم والإسراء في ترتيب النزول ، وسورة النجم لم تذكر الإسراء وسورة الإسراء لم تذكر أكثر من الإسراء ، بل إنّ الضمائر في آيات سورة النجم غير صريحة في الرجوع الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بل هي مرددة بينه وجبرئيل عليه‌السلام لو لا أنّ الأخبار والروايات والأحاديث فسّرتها بالمعراج وبعد الإسراء ، بل إنّ الآيات إنّما أشارت الى ما كان قد تحدّث عنه الرسول فجادله فيه المشركون «أفتمارونه على ما يرى» وفي سورة الإسراء أضافت الاخبار بالمعراج بعد الإسراء ، فلم تجعل المعراج بلا إسراء ، ولا الإسراء بلا معراج فكان كلاهما إسراء ومعراجا ، ممّا جعل أخبارهما متداخلة غير متمايز أوّلها عن الثاني ، بل ولا أحدهما عن الآخر.

ومن المحتمل أن تكون الآية الاولى من سورة الإسراء إنّما تذكّر بما تضمّنته وأضمرت عنه وأشارت إليه سورة النجم السابقة ، لو لا أنّ الأخبار أفادت التكرار مرتين (١) ، ولكنّهما غير متمايزتين حتّى في تأريخهما.

__________________

(١) انظر اصول الكافي ١ : ٤٤٢ والمناقب ١ : ١٧٧ وسعد السعود : ١٠٠ والميزان ١٣ : ٢٧٠.

٤٨١
٤٨٢

الفصل الخامس

الإسراء والمعراج

٤٨٣
٤٨٤

تأريخ المعراج والاسراء :

وفي تأريخ الإسراء : روى القطب الراوندي في «الخرائج والجرائح» عن علي عليه‌السلام أنّه : لمّا كان بعد ثلاث سنين من مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله اسري به الى بيت المقدس وعرج به منه الى السماء ليلة المعراج ، فلمّا أصبح من ليلته حدّث قريشا بخبر معراجه (١).

ومجموع ما نقله المجلسي في باب المعراج في تأريخه كما يلي : ذكر خبر «الخرائج» (٢) ونقل عن «المناقب» عن ابن عبّاس أنّه : كان في شهر ربيع الأوّل بعد النبوّة بسنتين. وفيه عن الواقدي والسدي أنّه : كان قبل الهجرة بستة أشهر في السابع عشر من شهر رمضان (٣).

__________________

(١) الخرائج والجرائح ١ : ١٤١ ط قم.

(٢) بحار الأنوار ١٨ : ٣٧٩.

(٣) بحار الأنوار ١٨ : ٣٨١.

٤٨٥

وعن الواقدي أيضا في «المنتقى» للكازروني قال : كان المسرى في ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية عشرة من النبوة قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا. وفيه قيل : ليلة سبع عشرة من ربيع الأوّل قبل الهجرة بسنة ، من شعب أبي طالب الى بيت المقدس. وقيل : ليلة سبع وعشرين من رجب. وقيل : كان الإسراء قبل الهجرة بسنة وشهرين وذلك سنة ثلاث وخمسين من عام الفيل (١).

وعن «العدد القوية» قال : في ليلة احدى وعشرين من رمضان قبل الهجرة بستة أشهر كان الإسراء برسول الله. وقيل : في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت. وقيل : ليلة الاثنين من شهر ربيع الأوّل بعد النبوة بسنتين. وفيه عن كتاب «التذكرة» : في ليلة السابع والعشرين من رجب السنة الثانية من الهجرة كان الإسراء (٢). فالاختلاف من سنة بعد البعثة الى سنتين بعد الهجرة!

ويبدو أنّ الراجح من هذه الأقوال والروايات هو رواية الراوندي عن علي عليه‌السلام ، فلننظر في سائر المرجّحات.

أمّا سورة النجم فإنّها نزلت بعد اثنتين أو ثلاث وعشرين سورة ، وقد نزل بعدها أربع وستون سورة في مكّة (٣) فالطبيعي أن تكون قد نزلت فيما بين الثلثين الأوّل والثاني من العشر سنين مدّة التنزيل بمكّة قبل الهجرة ، أي في نهاية السنة الثالثة أو بدايات العام الرابع من تلك المدّة.

الّا أنّه يمكن القول بأنّ السور الأوائل من القصار المفصّلات ، بينما ما يليها من المئين والمثاني المطوّلات ، فمن المحتمل أن تكون السور العشرون الأوائل نازلة في السنة الاولى من تلك المدّة ، والسور الستون البواقي نازلة في السنين التسع

__________________

(١) بحار الأنوار ١٨ : ٣٠٢.

(٢) بحار الأنوار ١٨ : ٣١٩.

(٣) راجع مجمع البيان ١٠ : ٦١٢ في سورة الانسان والتمهيد : ١٠٥ وتلخيصه : ٩٥.

٤٨٦

البواقي ، وعليه فيكون المعراج ونزول سورته في أواخر السنة الاولى من تلك المدّة.

وقد مرّ في خبر القميّ في تفسيره : أنّ اسماعيل الملك سأل جبرئيل : من هذا معك؟ فقال : محمّد ، قال : أو قد بعث؟ قال : نعم (١) أو : أو قد ارسل إليه؟ (٢) وإنّما يتناسب هذا التساؤل مع أوائل البعثة بالنبوة أو الرسالة والتنزيل عليه ، لا بعد ذلك بكثير ، فضلا عمّا بعد الهجرة.

ومع الالتفات الى التفريق بين البعثة بالنبوة والرسالة ينتفي الخلاف بين عمدة الأقوال : السنة الثانية والخامسة ، فالثانية من الرسالة والتنزيل هي الخامسة من البعثة بالنبوة ، وسيما وأنّ رواية السنة الثانية تنتهي الى ابن عبّاس وهو المعروف بالقول بنزول القرآن في عشر سنين ، فكأنّه لا يحسب الثلاث سنوات الاولى لاعتبار أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما امر بالانذار بعدها.

وابن عبّاس أدرك مدّة قصيرة من حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن معه حين معراجه حتّى يكون شاهدا بتأريخه ، فلا بدّ أنّه نقله من شخص آخر لم يذكره ، فهو نقل تأريخي لم يذكر المصدر فيه فلا قيمة له عند التحقيق ، لو لا أنّا نعلم أنّ أكثر علم ابن عبّاس هو من علم علي عليه‌السلام ، فيبدو أنّه ينقله عنه عليه‌السلام ، الّا أنّ النقل اختلف عنهما بين الاثنين والثلاث.

ولعلّ الّذين أرّخوا المعراج بعام ونصف أو بخمسة عشر شهرا بعد مبعثه (٣) أو بعد البعثة بستة عشر شهرا (٤) أخذوا السنتين عن ابن عبّاس واجتهدوا فيها بالمداقة في شهورها مختلفين.

__________________

(١) تفسير القميّ ٢ : ٥.

(٢) تأريخ الخميس ١ : ٣١٠ ومجمع الزوائد ١ : ٧٠ عن المواهب اللّدنية ٢ : ٦.

(٣) سيرة مغلطاي : ٢٧.

(٤) شرح الشفاء للقاري ١ : ٢٢٢.

٤٨٧

ولعلّ من أقوى ما يدلّ على تأريخ المعراج بأوائل السنة الخامسة : ما مرّ من اثبات ميلاد فاطمة الزهراء عليها‌السلام في السنة الخامسة من النبوّة ، بالاضافة الى ما روى عن الامام الصادق عليه‌السلام وابن عبّاس وسعد بن مالك وسعد بن أبي وقّاص وعائشة : أنّها إذ عاتبته على كثرة تقبيله لابنته الزهراء قال لها : يا عائشة! لمّا اسري بي الى السماء أدخلني جبرئيل الجنة ، فناولني منها تفّاحة ، فأكلتها ، فصارت نطفة في صلبي ، ففاطمة من تلك النطفة ، ففاطمة حوراء إنسية ، وكلّما اشتقت الى الجنّة قبّلتها (١).

وقد علم ممّا مرّ أنّ فاطمة ولدت بعد البعثة بخمس سنين أي في السنة الثانية من الرسالة والتنزيل ـ وهو محمل قول الشيخ المفيد ومن قال بولادتها في السنة الثانية ـ واذا كان ظهور نطفة فاطمة واستقرارها في موضعها طبيعيا اقتضى أن يكون المعراج قبل ذلك بأكثر من تسعة أشهر ولا أقلّ منها ، ولكن لا يدرى هل هي من المعراج الأوّل أو الثاني؟ فلو كانت من الأوّل اقتضى ذلك ترجيح القول الأوّل بأن المعراج كان بعد سنة من الرسالة ، ليكون ميلاد الصديقة في السنة الثانية.

وبما أن التأريخ بسنة البعثة بالنبوة لا السنة العربية بدءا بمحرّم ، فالحساب من شهر شعبان ـ بعد البعثة في أواخر شهر رجب ـ وإليه ، وعليه فيترجّح القول بكون

__________________

(١) بحار الأنوار ١٨ : ٣١٥ و ٣٥٠ و ٣٦٤ عن تفسير القميّ وعلل الشرائع والمختصر. وملحقات إحقاق الحق للمرعشي ١٠ : ١ ـ ١١. أخبار الدول : ٨٧ وتأريخ بغداد ٥ : ٨٧ وذخائر العقبى : ٣٦. وكنز العمّال ٣٠ : ٩٤ و ١٤ : ٩٧. ومجمع الزوائد ٩ : ٢٠٢. ومحاضرات الأوائل : ٨٨. ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٦ وتلخيصه للذهبي والمطالب السنية : ٢٣٩. ومفتاح النجا : ٩٨ مخطوط. ومقتل الخوارزمي : ٦٤ ومناقب المغازلي : ٣٥٨ والمواهب اللدنية ٢ : ٢٩ ، وميزان الاعتدال ١ : ٣٨ و ٢٥٣ و ٢ : ٢٦ و ٨٤ و ١٦٠ و ٢٩٧ ونزهة المجالس ٢ : ١٧٩. ونظم درر السمطين : ٧٧. ووسيلة المآل : ٧٨. وينابيع المودة : ٩٧.

٤٨٨

المعراج الأوّل في شهر رمضان ولعله في احدى ليالي القدر : التاسع عشر او الحادي والعشرين كما مرّ عن «العدد القوية» وكما مرّ عن «المنتقى» عن الواقدي ، وعن «المناقب» عن الواقدي والسدي. وبعد تسعة أشهر من شهر رمضان يكون شهر جمادى الثانية ميلاد الصدّيقة عليها‌السلام. وفي شهر رجب بعد الجمادى الثانية تنتهي السنة الثانية للرسالة والخامسة للنبوة.

وعليه فيكون ما في «الخرائج» عن علي عليه‌السلام من تأريخ المعراج بالسنة الثالثة تأريخا للإسراء والمعراج الثاني ، فإمّا كذلك في شهر رمضان أيضا أو في شهر ربيع الأوّل في ليلة السابع عشر منه أي ميلاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما عن «الاقبال» (١) ومرّ عن «العدد القوية» و «المنتقى» وعن «المناقب» عن ابن عبّاس.

أمّا اذا افترضنا ميلاد الزهراء عليها‌السلام بعد الإسراء والمعراج الثاني ، وافترضنا ما في «الخرائج» عن علي عليه‌السلام تأريخا له ـ أي للثاني ـ فإنّ ميلاد الزهراء سيكون في السنة الثالثة من الرسالة والسادسة من النبوة ، ممّا لا يتفق مع القول المعوّل عليه والروايات المعتمدة. وكذلك أيضا إذا افترضنا السنة الثالثة تأريخا للمعراج الأوّل. اللهم الّا أن نقول بتأخير الولادة عن الإسراء والمعراج الى السنة الخامسة من الرسالة ، أي بعد سنتين من المعراج في السنة الثالثة ، ولكنّه خلاف ظاهر الأخبار ، نعم الّا أن نقول بأنّ الإسراء والمعراج الثاني كان في السنة الخامسة من الرسالة والولادة بعدها فيها كذلك. ولكنّ هذا يقتضي أن يكون عمر الصدّيقة حين الهجرة خمس سنين وحين الزواج ست سنين ممّا لم يقل به أحد ولا يعقل. فنرجع الى ترجيح كونها من المعراج الأوّل وميلادها بعده كما مرّ ، وحيث لم يتّفق ذلك مع كون المعراج الأوّل في السنة الثالثة من الرسالة كما مرّ آنفا ، فليكن ذلك تأريخا للإسراء والمعراج الثاني.

__________________

(١) الاقبال : ٦٠١.

٤٨٩

ويبقى أننا لو رجّحنا أن تكون السنة الثالثة فيما رواه «الخرائج» عن علي عليه‌السلام تأريخا للإسراء والمعراج الثاني ، فهنا اشكالان :

الأوّل : أنّ الخبر بصدد بيان ما يتعلق بالمعراج بالتفصيل ، فلما ذا لم يبيّن بل لم يشر الى المعراج الأوّل السابق ـ أو الآخر اللاحق ـ لا من قريب ولا من بعيد؟ وكذلك أكثر أخبار الإسراء والمعراج.

الثاني : أنّنا لو رجّحنا القول بكون الإسراء والمعراج الثاني في السنة الخامسة من الرسالة كان ذلك منسجما مع كون سورة الإسراء السورة الخمسين في ترتيب النزول ، ونزل في الخمس سنين بعدها زهاء ثلاثين سورة من المئين أو المثاني المطوّلات نسبيّا بينما لو رجّحنا السنة الثالثة تأريخا للإسراء والمعراج الثاني استلزم أن يكون النازل في مدّة هذه السنين الثلاثة خمسين سورة ، بينما النازل في السبع سنين البواقي ثلاثين سورة. اللهم أن يلتزم بذلك بحجة أن السور الأوائل قصار مفصّلات والبواقي مئين أو مثان مطوّلات نسبيّا.

ولعلّ ممّا يؤيّد هذا ما رواه السيوطي في «الدر المنثور» باسناده عن عبد الله بن مسعود قال عن سورة الإسراء ومريم والكهف : إنّهنّ من العتاق الاول (١) هذا وهو من المهاجرين الى الحبشة ، وهي كانت في السنة الخامسة.

والظاهر أن المقصود بالخامسة هي الخامسة من النبوة لا الرسالة والتنزيل ، أي بعد الرسالة والتنزيل بعامين ، ولكن حتّى لو كانت الخامسة من الرسالة فإنّ ظاهر الخبر أنّ سورة الإسراء كانت قد نزلت قبل الهجرة الى الحبشة بمدّة ليست بقصيرة بل طويلة.

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ١٣٦ عن ابن الضريس وابن مردويه وصحيح البخاري ٣ : ٩٦.

٤٩٠

تأريخ يوم الدار :

أمّا تأريخ انذار يوم الدار فهو يتبع تأريخ الإسراء والمعراج الثاني قبله بمدة تسع وتتناسب لنزول سورتي : النمل ٤٨ وآياتها ٩٢ والقصص ٤٩ وآياتها ٨٨. فلو قلنا بكون المعراج الثاني في السنة الخامسة أو الثالثة ، فلو كان في الربيع الأوّل منها وهو الشهر الثامن منها كان من الممكن أن يكون الانذار في أوائلها أواخر شهر رجب أو شعبان أو رمضان منها ، أما لو كان المعراج في شهر رمضان اقتضى أن يكون الانذار في أوائل السنة السابقة : الرابعة أو الثانية من الرسالة.

ويكون عمر علي عليه‌السلام يومئذ ـ على أنّ ميلاده بعد عام الفيل بثلاثين سنة ـ في السنة الثانية من الرسالة : خمس عشرة سنة ، وفي السنة الرابعة منها : ست عشرة سنة.

وحيث جرّنا البحث عن المرحلة السرّية والعلنية الى ملاحظة سير الحوادث بعد البعثة والتنزيل من خلال الآيات الكريمة حتّى آخر السورة الرابعة والخمسين ، سورة الحجر ، فلا بأس بأن نستمر على هذه الطريقة لنلاحظ سير الحوادث من خلال نزول التنزيل.

السورة الخامسة والخمسون ـ «الأنعام» :

الّتي نزلت جملة واحدة كما في خبر أبي بن كعب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في «مجمع البيان» (١). وخبر العياشي عن الامام الصادق عليه‌السلام (٢) والقميّ عن الرضا عليه‌السلام (٣) وفيها قوله سبحانه : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤٢١ وعن عكرمة وقتادة.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٥٣.

(٣) تفسير القمّي ١ : ١٩٣.

٤٩١

كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)(١).

وروى الطبرسي عن الكلبي قال : نزلت في عبد الله بن أبي اميّة ونضر بن الحارث ونوفل بن خويلد ، قالوا : يا محمّد لن نؤمن لك حتّى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنّه من عند الله وأنّك رسوله (٢) وكذلك رواه ابن شهرآشوب في المناقب (٣).

وفيها قوله سبحانه : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(٤).

قال الطبرسي قيل : إنّ أهل مكّة قالوا لرسول الله : يا محمّد تركت ملة قومك ، وقد علمنا أنّه لا يحملك على ذلك الّا الفقر ، فإنّا نجمع لك من أموالنا حتّى تكون أغنانا ، فنزلت الآية (٥) ونقله كذلك ابن شهرآشوب في «المناقب» (٦).

وفيها قوله سبحانه : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٧).

__________________

(١) الأنعام : ٧ ـ ٩.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٤٢٨.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٨.

(٤) الأنعام : ١٤ ـ ١٥.

(٥) مجمع البيان ٤ : ٤٣٣.

(٦) مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٩.

(٧) الأنعام : ١٩ ، ٢٠.

٤٩٢

في «تفسير القميّ» برواية أبي الجارود عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : إنّ مشركي أهل مكّة في أوّل ما دعاهم رسول الله قالوا له : يا محمّد! ما وجد الله رسولا يرسله غيرك؟! ما نرى أحدا يصدّقك بالذي تقول ، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنّه ليس لك ذكر عندهم. فأتنا بمن يشهد أنّك رسول الله. فقال رسول الله : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)(١) وروى الطبرسي مثله عن الكلبي (٢) وكذلك ابن شهرآشوب في «المناقب» (٣).

وفيها قوله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٤).

قال الطبرسي في «مجمع البيان» قيل : إنّ نفرا من مشركي مكّة منهم : أبو سفيان بن حرب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والنضر بن الحارث والوليد بن المغيرة (٥) وغيرهم ، جلسوا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقرأ القرآن ، فقالوا للنضر : ما يقول محمّد؟ فقال : أساطير الأوّلين مثل ما كنت احدثكم عن القرون الماضية ، فأنزل الله هذه الآية.

وروي : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي بالليل ويقرأ القرآن في الصلاة جهرا ، رجاء أن يستمع الى قراءته انسان فيتدبر معانيه ويؤمن به ، فكان المشركون اذا سمعوه آذوه ومنعوه عن الجهر بالقراءة ، فكان الله تعالى يلقي عليهم النوم أو يجعل في قلوبهم أكنّة ليقطعهم عن مرادهم (٦).

__________________

(١) تفسير القميّ ١ : ١٩٥.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٤٣٦ والواحدي في أسباب النزول : ١٧٤ عن الكلبي أيضا.

(٣) المناقب للسروي ١ : ٥٠.

(٤) الأنعام : ٢٥.

(٥) كذا ، والمفروض أنّه هلك مع المستهزئين الستة قبل نزول الأنعام.

(٦) مجمع البيان ٤ : ٤٤٢.

٤٩٣

وفيها قوله سبحانه : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)(١) قال الطبرسي : أي ينهون الناس عن اتباع النبيّ ويتباعدون عنه فرارا منه ، أو ينهون الناس عن استماع القرآن ويتباعدون عن استماعه ، كما عن محمّد بن الحنفية وابن عبّاس والحسن والسدي وقتادة ومجاهد ، وقال مقاتل وعطاء : عنى به أبا طالب بن عبد المطّلب! وهذا لا يصح ؛ لأنّ هذه الآية معطوفة على ما تقدمها وما تأخر عنها معطوف عليها ، وكلها في ذم الكفار المعاندين (٢) وفيها قوله سبحانه : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(٣).

قال الطبرسي في مجمع البيان : روي : أنّ أبا جهل قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نتّهمك ولا نكذّبك ، ولكنّا نتّهم الّذي جئت به ونكذّبه (٤).

وفيها قوله سبحانه : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٥).

في «تفسير القميّ» في خبر أبي الجارود عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبّ اسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ،

__________________

(١) الأنعام : ٢٦.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٤٤٤.

(٣) الأنعام : ٣٣.

(٤) مجمع البيان ٣ : ٤٥٦ ونقله الواحدي في أسباب النزول : ١٧٦ عن أبي ميسرة وخبرا آخر عن السدي وقولا آخر عن مقاتل.

(٥) الأنعام : ٣٥.

٤٩٤

دعاه رسول الله أن يسلم فغلب عليه الشقاء ، فشقّ ذلك على رسول الله فأنزل الله قوله : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ)(١).

وفيها قوله سبحانه : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢).

روى الطبرسي عن الثعلبي باسناده عن عبد الله بن مسعود قال : مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده صهيب وخبّاب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمّد! أرضيت بهؤلاء عن قومك؟! أفنحن نكون تبعا لهم؟! أهؤلاء منّ الله عليهم؟! اطردهم عنك ، فلعلّك إن طردتهم تبعناك! فأنزل الله في ذلك قوله سبحانه : (وَلا تَطْرُدِ ...)(٣).

وفيها قوله سبحانه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما

__________________

(١) تفسير القميّ ١ : ١٩٨.

(٢) الأنعام : ٥١ ـ ٥٤.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٤٧٢ ورواه الواحدي في أسباب النزول : ١٧٦ والسيوطي في لباب النقول : ١٠٧.

٤٩٥

خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(١).

روى السيوطي في «الدر المنثور» عن عكرمة عن ابن عبّاس : أن النضر بن الحارث لفّق جملات هكذا : والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا ... يقابل بها سورة المرسلات (الثالثة والثلاثين في النزول) فنزلت الآية (٢).

وقال الطوسي : قال عكرمة إن الآية (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى ...) نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة حيث قال سوف يشفع فيّ اللات والعزّى (٣).

وفيها قوله سبحانه : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٤).

روى الطبرسي عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : لمّا نزلت (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) قال المسلمون : إن كان كلّما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا وتركناهم فلا ندخل المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام؟! فأنزل الله : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أمرهم بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا. ثمّ نقل عن البلخي قال : كان ذلك في أوّل الاسلام وكان يختصّ بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ورخّص المؤمنين في ذلك بقوله : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ولمّا كثر المسلمون

__________________

(١) الأنعام : ٩٣ ، ٩٤.

(٢) الدر المنثور ٣ : ٣٠.

(٣) التبيان ٤ : ٢٠٨ وعنه في مجمع البيان ٤ : ٥٢١.

(٤) الأنعام : ٦٨ ـ ٦٩.

٤٩٦

نسخت هذه الآية بقوله : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ)(١).

وفيها قوله سبحانه : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢).

روى القميّ في تفسيره بسنده عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله ، وكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون ، فنهى الله المؤمنين عن سبّ آلهتهم لكي لا يسبّ الكفار إله المؤمنين (٣).

وأضاف الطبرسي عن ابن عبّاس : أنّ المشركين قالوا لرسول الله :

يا محمّد! لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ ربّك! فنزلت : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)(٤).

ومنها قوله سبحانه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)(٥).

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤٨٩ وروى السيوطي في ذلك خبرين عن ابن عبّاس وابن جريج في الدر المنثور : الأنعام.

(٢) الأنعام : ١٠٨.

(٣) تفسير القميّ ١ : ٢١٣. وفي التبيان ٤ : ٢٣٢ عن الحسن وفي أسباب النزول : ١٤٨.

(٤) مجمع البيان ٤ : ٥٣٧. وفي التبيان عن الحسن البصري ، وهو ممن أخذ عن ابن عبّاس.

(٥) الأنعام : ١٠٩ ـ ١١١.

٤٩٧

روى الطبرسي عن الكلبي ومحمّد بن كعب القرظي : قالت قريش : يا محمّد! تخبرنا أنّ موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى ، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقة ... فأتنا بآية من الآيات حتّى نصدّقك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّ شيء تحبّون أن آتيكم به؟

قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا! وابعث لنا بعض موتانا حتّى نسألهم أحقّ ما تقول أم باطل؟ وأرنا الملائكة يشهدون لك ، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا!

فقال رسول الله : فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدّقونني؟ قالوا : نعم ، والله لئن فعلت لنتّبعنّك أجمعين.

وسأل المسلمون رسول الله أن ينزّلها عليهم حتّى يؤمنوا.

فقام رسول الله يدعو أن يجعل الله الصفا ذهبا!

فجاءه جبرئيل فقال له : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولكن إن لم يصدقوا عذّبتهم! وإن شئت تركتهم حتّى يتوب تائبهم. فقال رسول الله : بل يتوب تائبهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية (١) في الآيات العشر من الآية ١١٢ الى الآية ١٢٢ بدأ الله بتسلية رسوله عن أقوال الكفّار تخرّصا أمام آيات الكتاب المنزل عليه ، وأنّ من اتّبع غيره ضلّ وأضلّ ، وأنّ أعداء الأنبياء شياطين من الجن والانس ، وأنّ أقوالهم زخرف وافتراء واقتراف للاثم والباطل ، وحكم بغير ما أنزل الله ، ومن أطاعهم فقد ضلّ عن سبيل الله الى اتّباع الظنون والتخرّصات ، والله أعلم بالمهتدين والضّالّين عن سبيله ، ثمّ قال : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٥٤٠. ومعناه في التبيان ٤ : ٢٣٦. وفي أسباب النزول : ١٨٠.

٤٩٨

ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)(١).

وفي قوله سبحانه : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) قال الطبرسي قيل : هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...) واعترض على هذا : بأنّ سورة المائدة نزلت بعد الأنعام بمدّة فلا يصح أن يقال : انّه فصّل. الّا أن يحمل على أنّه بيّن على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ذلك نزل به القرآن (٢).

وقال الطباطبائي : ويظهر من الآية أنّ محرّمات الأكل نزلت قبل سورة الأنعام ، وقد وقعت في سورة النحل من السور المكية ، فهي نازلة قبل الأنعام (٣). والآيات من سورة النحل هي من الآية ١١٤ الى ١١٨ وهي : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) فلو كان قوله : (فَصَّلَ لَكُمْ) في سورة الأنعام يجعلنا نقول بنزول النحل قبل الأنعام ، فانّ هذه الآية من النحل : (قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) يجعلنا نسلّم للأخبار الدالة على نزول الأنعام قبل النحل ، فالأنعام الخامسة والخمسون والنحل السبعون في الترتيب. أمّا قوله (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) في الأنعام فنقبل فيه قول الطبرسي بأن يكون المراد به بيان النبيّ لا القرآن.

وبعدها قوله سبحانه : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ)(٤).

__________________

(١) الأنعام : ١١٨ ، ١١٩.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٥٥٢ والواحدي في أسباب النزول : ١٨٠ رواية في سبب نزول الآية راجعها.

(٣) الميزان ٧ : ٣٣٢.

(٤) الأنعام : ١٢٤.

٤٩٩

روى الطبرسي في «مجمع البيان» عن مقاتل قال : انّ أبا جهل بن هشام قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتّى اذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبيّ يوحى إليه! والله لا نؤمن به ولا نتّبعه الّا أن يأتينا وحي كما يأتيه (١) ونقل مثله ابن شهرآشوب في «المناقب» (٢).

وفي الآيات العشر من الآية ١٣٦ الى ١٤٦ يبين الله اعتقادات المشركين الفاسدة وخصالهم الذميمة ومقالاتهم الباطلة ، حيث جعلوا بعض الأشياء لله وبعضها للأصنام وحرّموا الحلال وقتلوا أولادهم لاعتقاداتهم الباطلة ومقالاتهم الفاسدة : فجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، وزيّنوا لأنفسهم قتل أولادهم : البنين والبنات خيفة العيلة والفقر والعار ، وحرّموا ركوب ظهور بعض الأنعام ، ولم يلتزموا بذكر اسم الله عليها عند التذكية ، وحرّموا بعض ما في بطون الأنعام على النساء وخصّصوه للرجال ، وأباحوه لكليهما إن كان ميتة. ثمّ بيّن المحرّمات حاصرا لها في أن تكون : ميتة ، أو دما مسفوحا ، أو لحم خنزير ، أو ما اهل لغير الله به فلم يذكر اسم الله عليه عند التذكية ، ثمّ ذكر أنّ اليهود بغوا فحرّم ملوكهم على فقرائهم شحوم البقر والغنم ولحوم كل ذي ظفر من الطيور ، فجزاهم الله ببغيهم هذا أن حرّم ذلك عليهم جميعا إلّا ما كان من الشحوم في ظهور البقر والغنم وحواياهما أي الأمعاء حتّى المباعر.

ومن الآية : ١٥١ عقّب ما سبق بذكر سائر المحرمات : فالشرك ، وقتل الأولاد خشية الاملاق ، وقتل النفس الّتي حرّم الله ، ما ظهر منها وما بطن من الفواحش ، ومال اليتيم ، وبضمنها عدّ بعض الفرائض : فبالوالدين احسانا ، والوفاء بعهد الله ، والقسط في الكيل والميزان ، ورعاية العدالة في الشهادة ولو لذي القربى ،

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٥٥٩.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ١ : ٥٠ ، ٥١.

٥٠٠