والنسيان وما استكرهوا عليه (١) ، ويدخل في ذلك رفع الحكم والمأثم ، لأنّه لا تنافي بينهما.
ويخصّ كون المدّة أكثر من أربعة أشهر ، قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (٢) فأخبر سبحانه أنّ له التربص بهذه المدّة ، فثبت أنّ ما يلزمه من الفئة أو الطلاق يكون بعدها.
ويخصّ كونها مدخولا بها قوله تعالى ( فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٣) لأنّ المراد بالفئة العود إلى الجماع بلا خلاف ، ولا يقال عاد إلى الجماع إلا لمن تقدم منه فعله ، وهذا لا يكون إلا في المدخول بها.
ومتى آلى أن لا يقرب زوجته وهي مرضعة ، خوفا من حملها فيضر ذلك بالولد ، لم يلزمه الحاكم حكم الإيلاء ، لأنّه حلف في صلاح. وكذلك إن حلف أن لا يقربها خوفا على نفسه من مرض به أو بها ، فلا يلزمه الحاكم حكم الإيلاء ، لأنّ هذا في صلاح والإيلاء لا يكون إلا في إضرار بالمرأة.
وكذلك إن حلف ان لا يقربها في الموضع المكروه ، فلا يلزمه الحاكم حكم الإيلاء ، لأنّ هذا ليس بإضرار للمرأة.
وإذا ادّعت المرأة على الرجل أنّه لا يقربها ، وزعم الرجل أنّه يقربها ، كان عليه اليمين بالله تعالى أنّ الأمر على ما قال ، ويخلّى بينه وبينها وليس عليه شيء.
إذا قال : والله لا جامعتك ، لا أصبتك ، لا وطئتك ، وقصد به الإيلاء
__________________
الباب ٢١ ، ح ١ ، ( الرقم ٤٢٢٧ ). سنن أبي داود : كتاب الطلاق الباب ١١ ، ح ١ ( الرقم ٢٢٠١ ) ورووه في كتبهم الأخر أيضا.
(١) التوحيد : باب الاستطاعة ص ٣٥٣ ، ولفظه هكذا : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يطيقون .. سنن ابن ماجة : كتاب الطلاق ، باب طلاق المكره والناسي ، ح ٣ ( الرقم ٢٠٤٥ ) وفيه : أنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
(٢) و (٣) البقرة : ٢٢٦.
كان إيلاء ، وإن لم يقصد لم يكن بها موليا ، وهي حقيقة في العرف في الكناية عن الجماع ، وكذلك إذا قال : والله لا باشرتك ، لا لامستك ، لا باضعتك ، وقصد بها الإيلاء والعبارة عن الوطء ، كان موليا ، وإن لم يقصد لم يكن موليا.
فإن قال : والله لا جمع رأسي ورأسك شيء ، لا ساقف رأسي ورأسك شيء ، لا جمع رأسي ورأسك مخدة ، كلّ هذه لا ينعقد بها الإيلاء ، ولا حكم لها ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وثبوت الإيلاء وحكمه بهذه الألفاظ يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك.
إذا طلّق المولى طلقة ، كانت رجعيّة.
إذا قال : إن أصبتك فأنت عليّ حرام ، لم يكن موليا ولا يتعلّق به حكم على ما بيّناه.
إذا قال : إن أصبتك فلله عليّ أن أعتق عبدي ، لا يكون موليا.
وعندنا أنّ الإيلاء لا يقع بشرط ، لأنّ ثبوت الإيلاء بشرط يحتاج إلى دليل.
الإيلاء يقع بالرجعية ، لأنّها زوجة عندنا ، ويحتسب من مدّتها زمان العدّة.
إذا آلى من أربع نسوة ، فقال : والله لا وطئتكنّ فلا يحنث بوطء واحدة منهنّ ، وكذلك إن وطأ اثنتين ، أو ثلاثا منهنّ ، فإن وطأ الرابعة حنث ، ولزمته اليمين ، وكذلك لا يوقف إلا للأخيرة. فأمّا إن قال : والله لا وطئت واحدة منكن ، فأيّ واحدة وطأ حنث (١) ، ووجب عليه الكفارة ، وانحلّت في حقّ الباقيات ، فإن وطأ بعدها اخرى لا يجب عليه شيء ، سوى الكفارة الاولى.
فأمّا إن قال : والله لا وطئت كلّ واحدة منكن ، فمن وطأ منهن وجبت عليه في حقّها الكفارة ، ولم تنحل في حقّ الباقيات ، ومتى وطأ واحدة من الباقيات ، كان عليه الكفارة ، والفرق واضح بين هذه الثلاث المسائل ، فليلحظ.
__________________
(١) ل : انحلت. ق يحنث.
باب الخلع والمبارأة والنشوز والشقاق
سمّى الله تعالى الخلع في كتابه ، افتداء فقال ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (١) والفدية العوض الذي تبذله المرأة لزوجها ، تفتدي نفسها منه به ، ومنه فداك أبي وأمي ، أي هما فداؤك ، ومنه يقال : فدي الأسير ، إذا افتدى من المال ، فإن فودي رجل برجل ، قيل مفاداة ، هذا حقيقة الخلع في الشرع.
فأمّا اللغة فهو الخلع ، واشتقاقه من خلع يخلع ، وانّما استعمل هذا في الزوجين ، لأنّ كلّ واحد منهما لباس لصاحبه ، قال الله تعالى ( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ ) (٢) فلمّا كان كلّ واحد منهما لباسا لصاحبه ، استعمل الخلع في كلّ واحد منهما ، لصاحبه.
والأصل في الخلع الكتاب والسنّة ، فالكتاب قوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (٣) فرفع الجناح في أخذ الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة الحدود المحدودة في حقوق الزوجية ، فدلّ على جواز الفدية.
والخلع والمبارأة ممّا يؤثّران في كيفيّة الطلاق ، وهو أنّ كلّ واحد منهما متى حصل مع الطلاق ، كانت التطليقة بائنة لا رجعة للزوج على المرأة في العدّة ، إلا أن ترجع فيما بذلته وافتدت به قبل خروجها من العدّة ، فله حينئذ الرجوع في بعضها على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وفرّق أصحابنا بين الخلع والمبارأة ، فلم يختلفوا في أنّ المبارأة لا تقع إلا بلفظ الطلاق ، واختلفوا في الخلع ، فقال المحصّلون منهم فيه مثل ذلك ، وقال قوم منهم : يقع بلفظ الخلع.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) البقرة : ١٨٧.
(٣) البقرة : ٢٢٩.
وفرّقوا أيضا بين حكمهما ، فقالوا : الخلع لا يكون إلا بكراهة من جهة المرأة دون الرجل. ويجوز أن يأخذ منها مهر مثلها وزيادة ، أو المهر المسمّى وزيادة ، أو أنقص من ذلك ، كيف ما اتفقا عليه ، من قليل وكثير. والمبارأة تكون الكراهة منهما جميعا ، ولا يجوز أن يأخذ منها أكثر من المهر ، وقال بعضهم : دون المهر فاما مثل المهر أو أكثر فلا يجوز ، والصحيح أنّه يجوز أن يأخذ مثل المهر ، فأمّا أكثر منه فلا يجوز.
فأمّا إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة ، والأخلاق ملتئمة ، واتفقا على الخلع ، فبذلت له شيئا على طلاقها ، لم يحلّ له ذلك ، وكان محظورا ، لإجماع أصحابنا على أنّه لا يجوز له خلعها ، إلا بعد أن يسمع منها ما لا يحل ذكره ، من قولها : لا اغتسل لك من جنابة ، ولا أقيم لك حدا ، ولأوطئن فراشك من تكرهه أو يعلم ذلك منها فعلا ، وهذا مفقود هاهنا ، فيجب أن لا يجوز الخلع ، وأيضا قوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ ) (١) وهذا نص ، فإنّه حرّم الأخذ منها إلا عند الخوف من ترك إقامة الحدود.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وانّما يجب الخلع ، إذا قالت المرأة لزوجها انّي لا أطيع لك امرا ، ولا أقيم لك حدّا ، ولا اغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه ، إن لم تطلقني ، فمتى سمع منها هذا القول ، أو علم من حالها منها عصيانه (٢) في شيء من ذلك ، وإن لم تنطق به ، وجب عليه خلعها.
قال محمّد بن إدريس رحمهالله : قوله رضياللهعنه : « وجب عليه خلعها » ، على طريق تأكيد الاستحباب دون الفرض والإيجاب : لأنّ الشيء إذا كان عندهم شديد الاستحباب ، أتوا به بلفظ الوجوب على ما بيّناه في غير موضع ، وإلا فهو مخيّر بين خلعها وطلاقها ، وإن سمع منها ما سمع ، بغير خلاف ، لأنّ الطلاق
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) ق : من حالها عصيانه.
بيده ، ولا أحد يجبره على ذلك. فإذا أراد خلعها اقترح عليها مهما أراد ، على ما ذكرناه.
ولا يصحّ البذل إلا على ما يملكه المسلمون ، فإن خلعها على ما لا يملكه المسلمون وكان عالما بذلك ، كان الخلع غير صحيح ، فأمّا إن خلعها على ما في هذه الجرّة من الخل ، فخرج خمرا ، كان الخلع صحيحا ، وله عليها مثل ملء الجرة من الخل إن وجد ، وإلا فقيمته ، وكذلك إذا تزوّجها على ذلك حرفا فحرفا.
فإذا تقرر بينهما على شيء معلوم طلّقها بعد ذلك ، ويكون التطليقة بائنة لا يملك رجعتها ، اللهم إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها ، فإن رجعت في شيء من ذلك ، كان له الرجوع في بعضها ما لم تخرج من العدّة ، فإن خرجت من العدة ثمّ رجعت في شيء ممّا بذلته ، لم يلتفت إليها ، ولم يكن له عليها أيضا رجعة.
فإن أراد مراجعتها قبل انقضاء عدّتها ، إذا لم ترجع هي فيما بذلته ، أو بعد انقضائها ، كان ذلك بعقد مستأنف.
فإن رجعت في البذل قبل خروجها من عدّتها ، فقد قلنا له الرجوع في بضعها ، إلا أن يكون قد تزوّج بأختها ، أو برابعة مع الثلاث الباقيات عنده ، فلا يجوز له الرجوع في بضعها ، وإن كان لها الرجوع في البذل ، لأنّ الشارع جوّز لها الرجوع فيما بذلته قبل خروجها من عدّتها ، وهذه قد رجعت قبل خروجها من عدّتها ، وجوّز له الرجوع في بضعها ، إذا أمكنه ذلك ، وحلّ له ، وهذا لم يحلّ له هاهنا الرجوع ، لأنّه أتى من قبل نفسه بفعاله ، والمنع لها من الرجوع فيما بذلته يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه.
والخلع لا يقع إلا أن تكون المرأة طاهرة طهرا لم يقربها فيه بجماع ، أو يكون غير مدخول بها ، أو يكون غائبا عنها زوجها غيبة مخصوصة ، على ما قدّمناه في أحكام الطلاق ، لأنّ حكمه حكمه ، أو تكون قد أيست من المحيض وليس في سنّها من تحيض.
وان يحضر الشاهدان العدلان.
وجميع أحكام الطلاق معتبرة في الخلع ، لأنّه طلاق ، إلا أنّ في مقابلته عوضا تبذله المرأة ، لكراهتها المقام مع الزوج ، فإن قدّم لفظ الخلع وعقّب بلفظ الطلاق كان جائزا ، وإن لم يقدّم لفظ الخلع بل مجرد لفظ الطلاق في مقابلة العوض ، وقعت أحكام الخلع على كلّ حال.
فأمّا ما ذهب إليه بعض أصحابنا ، إلى أنّه يقع الفرقة بمجرد الخلع ، دون أن يتبع بطلاق ، على ما حكيناه عنهم ، فغير معتمد ، لأنّ الأصل الزوجيّة ، فمن أبانها بهذا يحتاج إلى دليل ، ولا دليل له من كتاب ولا سنّة ولا إجماع ، والأصل بقاء الزوجية.
فإن مات الرجل أو المرأة بعد الخلع ، وقبل انقضاء العدّة ، لم يقع بينهما توارث ، لأنّه قد انقطعت العصمة بينهما ، سواء كان ذلك من الرجل في حال مرضه ، أو لم يكن ، وليس هذا الحكم حكم الطلاق في المرض لا عن عوض ، وحمله على ذلك قياس ، ونحن لا نقول به ، فليلحظ ذلك.
وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره (١) ، لما توسط بين الأخبار ، ولنا في ذلك نظر.
وأمّا المبارأة ، فأحكامها أحكام الخلع سواء حرفا فحرفا إلا ما قدّمناه من الفرق الذي فرّق به أصحابنا ، فلا حاجة بنا إلى تفصيل أحكامها ، لأنّ أحكام الخلع قد فصّلناها ، فهي خلع إلا العبارة ، والفروق المقدّم ذكرها فحسب.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : مسألة ، الصحيح من مذهب أصحابنا أنّ الخلع بمجرده لا يقع ، ولا بدّ معه من التلفظ بالطلاق ، وفي أصحابنا من قال : لا يحتاج معه إلى ذلك ، بل نفس الخلع كاف ، إلا أنّهم لم يبينوا أنّه طلاق أو فسخ (٢) هذا آخر كلامه رحمهالله.
قال محمّد بن إدريس : من ذهب من أصحابنا إلى أنّه لا يحتاج معه إلى
__________________
(١) الاستبصار : ج ٣ ، باب ان الرجل يطلق امرأته ثم يموت .. ص ٣٤٤.
(٢) الخلاف : كتاب الخلع ، المسألة ٣.
طلاق ، بل نفس الخلع كاف ، قالوا إنّه يجري مجرى الطلاق ، وانّها تبقى معه إذا تزوّجها على طلقتين.
من جمله من ذهب إلى ذلك السيد المرتضى ، ذكر في الناصريات في المسألة الخامسة والستين والمائة ، فقال : « الخلع فرقة بائنة ، وليست كلّ فرقة طلاقا ، كفرقة الردّة واللعان » قال السيد المرتضى : عندنا أن الخلع إذا تجرد عن لفظ الطلاق ، بانت به المرأة ، وجرى مجرى الطلاق ، في أنّه ينقص من عدد الطلاق ، فهذه فائدة اختلاف الفقهاء في أنّه طلاق أو فسخ ، لأنّ من جعله فسخا لا ينقص به عن عدد الطلاق شيئا ، فتحل وإن خالعها ثلاثا ، وقال أبو حنيفة وأصحابه ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والبتي (١) ، والشافعي في أحد قوليه : إنّ الخلع تطليقة بائنة ، وللشافعي قول آخر : أنّه فسخ ، وروي ذلك عن ابن عباس (٢) ، وهو قول أحمد وإسحاق الدليل على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتقدّم ذكره ، ويدلّ على ذلك أيضا ما روي (٣) من أنّ ثابت بن قيس لمّا خلع زوجته بين يدي النبيّ عليهالسلام لم يأمره بلفظ الطلاق ، فلمّا خالعها قال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : اعتدّي ، ثمّ التفت إلى أصحابه ، فقال : هي واحدة ، فهذا دلالة على أنّه طلاق ، وليس بفسخ ، على أنّ الفسخ لا يصحّ في النكاح ، ولا الإقالة (٤) هذا آخر كلام السيّد المرتضى.
ألا تراه قد جعله طلاقا ، فكيف قال شيخنا أبو جعفر ما قاله ، مع اطلاعه على مقالات أصحابنا ، وهذا السيد المرتضى من أعيانهم ، وكثيرا يحكى عنه شيخنا مقالاته ، واختياراته.
__________________
(١) ل : والمزني ج : والليثي
(٢) التاج : ج ٢ ، كتاب النكاح والطلاق والعدة أورده في هامش ص ٣٤٦.
(٣) التاج : ج ٢ ، كتاب النكاح والطلاق والعدة ، ص ٣٤٦ مع الزيادة.
(٤) الناصريات : كتاب الطلاق ، المسألة الخامسة والستون والمائة.
الخلع جائز بين الزوجين ، ولا يفتقر إلى حاكم.
ومتى اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس ، أو اختلفا في تعيين القدر ، أو إطلاق اللفظ ، أو اختلفا في الإرادة بلفظ القدر من الجنس والنقد ، فعلى الرجل البيّنة ، فإذا عدمها ، كان القول قول المرأة مع يمينها ، لأنّها الغارمة المدّعى عليها.
ولا يقع الخلع بشرط ، ولا صفة ، لأنّا بيّنا أنّه طلاق ، وأنّ أحكامه أحكام الطلاق.
وإذا اختلعها أجنبيّ من زوجها بعوض بغير إذنها ، لم يصح ذلك.
إذا خالع أربع نسوة صفقة واحدة بألف ، أو تزوّج أربعا بمهر مسمّى ، فالذي يقتضيه مذهبنا أنّ المهر صحيح ، وينقسم بينهن بالسوية ، وكذلك في الخلع ، ويكون الفداء صحيحا ، ويلزم كلّ واحدة منهن حصّتها بالسوية.
فأمّا النشوز فهو أن يكره الرجل المرأة ، وتريد المقام (١) معه ، وتكره مفارقته ، ويريد الرجل طلاقها ، فتقول له : لا تفعل ، انّى أكره أن تشمت بي ، ولكن انظر ليلتي ، فاصنع فيها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من نفقة وغيرها فهي لك ، وأعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما ودعني على خالي ، فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصلح.
وقال بعض أصحابنا وهو ابن بابويه في رسالته وقد يكون النشوز من قبل المرأة ، لقوله تعالى ( وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) (٢).
وهذا القول أقوى من الأوّل ، لظاهر القرآن ، والأوّل مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (٣).
ويحلّ للزوج ضربها بنفس النشوز عندنا ، بعد الوعظ لها ، والهجران في
__________________
(١) ج : تريد المرأة المقام.
(٢) النساء : ٣٤.
(٣) النهاية : كتاب الطلاق ، باب الخلع والمبارأة ، والنشوز والشقاق.
المضجع ، لظاهر التنزيل وهو قوله تعالى « وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ » فاقتضى ظاهره ، متى خاف النشوز منها حلّ له الموعظة ، والهجران ، والضرب.
وأمّا الموعظة ، فإنّه يخوّفها بالله تعالى ، ويعرّفها أنّ عليها طاعة زوجها ، ويقول : اتقي الله وراقبيه ، وأطيعيني ، ولا تمنعيني حقي عليك.
والهجران في المضجع أن يعتزل فراشها ، وروي من طريق أصحابنا أنّ الهجران ، هو أن يحوّل ظهره إليها في المضجع (١).
وأمّا الضرب فهو أن يضربها ضرب تأديب ، كما يضرب الصبيان على التأديب ، ولا يضربها ضربا مبرحا ، ولا مدميا ، ولا مزمنا.
وروي في بعض أخبارنا أنّه يضربها بالسواك (٢) ، وذلك على جهة الاستحباب ، وإلا له أن يضربها بالسوط ضرب أدب ، لأنّ ظاهر الآية يقتضي ذلك.
قال شيخنا في مبسوطة : وروى بعض الصحابة ، قال : كنّا معاشر قريش يغلب رجالنا نساءنا ، فقدمنا المدينة فكانت نساؤهم تغلب رجالهم ، فاختلطت نساؤنا بنسائهم ، فذئرن على أزواجهن ، فقلت : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن ، فرخّص في ضربهن (٣) و (٤).
قال محمّد بن إدريس : ذئر بالذال المعجمة المفتوحة ، والياء المنقطة بنقطتين من تحتها ، المهموزة (٥) ، والرّاء الغير المعجمة ، ومعناه اجترأ ، واجترأن ، قال عبيد بن الأبرص :
__________________
(١) التبيان : ج ٣ ، ص ١٩٠ ذيل الآية ٣٤ ، من سورة النساء.
(٢) التبيان : ج ٣ ، ص ١٩٠ ذيل الآية ٣٤ ، من سورة النساء.
(٣) المبسوط : ج ٤ ، فصل في أحكام النشوز ، ص ٣٣٨.
(٤) التاج : ج ٢ ، كتاب النكاح والطلاق والعدّة ص ٣٢٦. سنن ابن ماجة : كتاب النكاح ، الباب ٥١ ، ح ١٩٨٥. سنن أبي داود : باب (٤٢) في ضرب النساء من كتاب النكاح ، ح ٢١٤٦ ، والحديث متضمّن لأصل الرخصة في الضرب.
(٥) ج : المهموزة المكسورة.
ولقد أتانا عن تميم أنّهم |
|
ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا |
وأمّا الشقاق فاشتقاقه من الشق ، وهو الناحية والجانب فكأنّ كلّ واحد من الزوجين في ناحية من الآخر وجانب ، وفي عرف الشرع فهو أنّه إذ أكره كلّ واحد من الزوجين الآخر ، ووقع بينهما الخصومة ، ولا يصطلحان (١) لا على المقام ، ولا على الفراق والطلاق ، فالواجب على الحاكم أن يبعث حكما من أهل الزوج ، وحكما من أهل المرأة ، وبعثهما على طريق التحكيم عندنا ، لا على طريق التوكيل على ما يذهب إليه بعض المخالفين ، فإن رأيا من الصلاح الإصلاح بينهما ، فعلا من غير استيذان ، وإن رأيا الفراق والطلاق فليس لهما ذلك ، وأعلما الحاكم ، ليدبر الأمر فيما بينهما ، إلا أن يكون الرجل قد وكل الحكم المبعوث من أهله في طلاق الزوجة ، فللحكم حينئذ أن يطلّق قبل الاستئذان ، إن رأى ذلك صلاحا ، وكذلك المرأة إن وكلت الحكم المبعوث من أهلها في البذل ، فله ذلك من دون أعلامها.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة : والمستحب أن يكون حكم الزوج من أهله ، وحكم المرأة من أهلها ، للظاهر ، وإن بعث من غير أهلها جاز (٢).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله : ذلك على طريق الإيجاب دون الاستحباب ، لظاهر القرآن.
ويكون الحكمان حرّين ذكرين عدلين.
ذكر سلّار في رسالته ، فقال : وشروط الخلع والمبارأة ، شروط الطلاق ، إلا أنّهما يقعان بكلّ زوجة (٣).
__________________
(١) ج : لا يصلحان.
(٢) المبسوط : ج ٤ ، فصل في الحكمين في الشقاق بين الزوجين ، والعبارة هكذا : والمستحب على القولين معا أن يحكم حكم الزوج من أهله وحكم المرأة من أهلها للظاهر وإن بعث من غير أهلها جاز.
(٣) المراسم : كتاب الفراق.
قال محمّد بن إدريس : معنى قوله يقعان بكلّ زوجة ، يريد أنّه باين لا رجعة مع واحد منهما ، سواء كان الخلع أو المبارأة مصاحبا للطلقة الأولة ، أو الثانية ، لأنّه لمّا عدد البوائن ، ذكر ذلك.
وقال الراوندي من أصحابنا : أراد المتمتع بها.
وهذا خطأ محض ، لأنّ المبارأة لا بد فيها من طلاق ، والمتمتع بها لا يقع بها طلاق.
باب العدد
إذا طلّق (١) زوجته قبل الدخول بها ، لم يكن عليها منه عدّة ، وحلّت للأزواج في الحال ، فإن كان قد فرض لها مهرا وسمّاه ، كان عليه نصف ما فرض ، وإن لم يكن سمّى لها مهرا ، كان عليه أن يمتعها على قدر حاله وزمانه ، إن كان مؤسرا ، بجارية أو ثوب تبلغ قيمته عشرة دنانير ، أو خمسة فصاعدا ، وإن كان متوسطا ، فما بين الثلاثة الدنانير (٢) إلى ما زاد عليها ، وإن كان معسرا بدينار أو بخاتم وما أشبهه على قدر حاله ، كما قال الله تعالى ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (٣) والمعتبر بالمتعة حال الرجال (٤) دون النساء ، وبمهر المثل حال النساء دون حال الرجال.
وجملة الأمر وعقد الباب ، أن يقال : العدّة على ضربين ، عدّة من طلاق وما يقوم مقامه ، وعدّة من وفاة وما يجري مجراها.
والمطلّقة على ضربين مدخول بها ، وغير مدخول بها.
فغير المدخول بها لا عدّة عليها بلا خلاف على ما قدّمناه.
والمدخول بها لا تخلو إمّا أن يكون حاملا أو حائلا ، فإن كانت حاملا فعدّتها أن تضع جميع حملها ، على ما بيّناه في أبواب الطلاق وشرحناه وحكينا
__________________
(١) ج : طلّق الرجل.
(٢) ج : دنانير.
(٣) البقرة : ٢٣٦.
(٤) ج : الرّجل.
مقالة بعض أصحابنا في ذلك ، حرّة كانت أو أمة ، بغير خلاف يعتدّ به ، وقوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (١) يدلّ على ذلك ، ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٢) لأنّ آية وضع الحمل عامة في المطلّقة وغيرها ، وناسخة لما تقدّمها بلا خلاف ، يبيّن ذلك أنّ قوله سبحانه ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) في غير الحوامل ، لأنّه تعالى قال ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (٣) ومن كانت مستبينة الحمل لا يقال فيها ذلك ، وإذا كانت خاصّة في غير الحوامل ، لم يعارض آية الحمل ، لأنّها عامّة في المطلّقة وغيرها.
وإن كانت حائلا ، فلا تخلو أن تكون ممّن تحيض ، أو لا تحيض.
فإن كانت ممّن تحيض ، فعدّتها إن كانت حرّة ثلاثة قروء بلا خلاف ، وإن كانت أمة فعدّتها قرءان بلا خلاف عندنا ، وعند باقي الفقهاء ، إلا من داود ، فإن عتقت في العدّة وكانت العدّة رجعية ، تممتها عدّة الحرّة. وإن كانت العدّة بائنة فلا يجب عليها تمام عدّة الحرة ، بل يجب عليها الخروج مما أخذت فيه من عدّة الأمة.
والقرء ـ بفتح القاف ـ عندنا هو الطهر بين الحيضتين.
وإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض ، فعدّتها إن كانت حرّة ثلاثة أشهر بلا خلاف ، وإن كانت أمة فخمسة وأربعون يوما ، وإن كانت لا تحيض لصغر لم تبلغ تسع سنين ، أو لكبر بلغ خمسين سنة ، مع تغير عادتها ، وهما اللتان ليس في سنّهما من تحيض ، فقد اختلف أصحابنا في وجوب العدّة عليهما ، فمنهم من قال لا تجب ، ومنهم من قال تجب أن تعتد بالشهور ، وهي ثلاثة أشهر ، وهو اختيار السيد المرتضى ، وبه قال جميع المخالفين ، ويحتج بصحة ما ذهب إليه ، بأن قال :
طريقة الاحتياط تقتضي ذلك ، وأيضا قوله تعالى : ( وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
__________________
(١) الطلاق : ٤.
(٢) و (٣) البقرة : ٢٢٨.
مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (١) وهذا نص ، وقوله تعالى « إِنِ ارْتَبْتُمْ » معناه على ما ذكره جمهور المفسرين ، إن كنتم مرتابين في عدّة هؤلاء النساء وغير عالمين بمقدارها ، فقد روي أنّ أبي بن كعب قال : يا رسول الله انّ عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار ، وأولاتُ الأحمالِ ، فأنزل الله تعالى « وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ » إلى قوله : ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنّها آيسة من المحيض ، أو غير آيسة ، لأنّه تعالى قطع فيمن تضمنته الآية باليأس من المحيض ، بقوله ( وَاللّائِي يَئِسْنَ ) والمرتاب في أمرها لا تكون آيسة.
وإذا كان المرجع في حصول حيض المرأة وارتفاعه إلى قولها ، كانت مصدّقة فيما تخبر به من ذلك ، وأخبرت بأحد الأمرين ، لم يبق للارتياب في ذلك معنى ، وكان يجب لو كانت الريبة راجعة إلى ذلك أن يقول : إن ارتبن (٢) ، لأنّ الحكم في ذلك يرجع إلى النساء ، ويتعلّق بهنّ ، ولا يجوز أن يكون الارتياب بمن تحيض أو لا تحيض ممّن هو في سنّها ، لأنّه لا ريب في ذلك من حيث كان المرجع فيه إلى العادة ، على أنّه لا بدّ فيما علّقنا به الشرط ، وجعلنا الريبة واقعة فيه ، من مقدار عدّة من تضمنته الآية ، من أن يكون مرادا ، من حيث لم يكن معلوما لنا قبل الآية ، وإذا كانت الريبة حاصلة بلا خلاف ، تعلّق الشرط به ، واستقل بذلك الكلام ، ومع استقلاله يتعلّق الشرط بما ذكرناه ، ولا يجوز أن يتعلّق بشيء آخر ، كما لا يجوز فيه لو كان مستقلا اشتراطه ، فهذا جملة ما يتمسّك به من نصر اختيار المرتضى.
والقول الآخر أكثر وأظهر بين أصحابنا ، وعليه يعمل العامل منهم ، وبه يفتي المفتي ، والروايات بذلك متظاهرة متواترة ، وأيضا الأصل براء الذمة من هذا التكليف ، فمن علّق عليها شيئا يحتاج إلى دليل ، وهو مذهب شيخنا المفيد ،
__________________
(١) الطلاق : ٤.
(٢) ج : ارتبتنّ.
وشيخنا أبي جعفر في سائر كتبه.
فأمّا الآية فلا تعلّق فيها بحال ، لا تصريحا ولا تلويحا ، لأنّه تعالى شرط في إيجاب العدّة ثلاثة أشهر إن ارتابت ، والريبة لا تكون إلا فيمن تحيض مثلها ، فأمّا من لا تحيض مثلها فلا ريبة عليها ، فلا يتناولها الشرط المؤثّر.
وأمّا ما يقوم مقام الطلاق ، فانقضاء أجل المتمتع بها ، وعدّتها قرءان ، إن كانت ممن تحيض وخمسة وأربعون يوما إن كانت ممّن لا تحيض.
فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها ، إن كانت حرّة حائلا ، فعدّتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، مدخولا بها أو غير مدخول بها ، بلا خلاف ، وقد دخل في هذا الحكم المطلّقة طلاقا رجعيا إذا توفّي زوجها ، وهي في العدّة ، لأنّها زوجة على ما بيّناه ، ولا تتمم على ما مضى لها من عدّتها قبل موت الزوج ، بل يجب عليها استئناف عدّة الوفاة ، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام من وقت موته ، لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (١) أراد تعالى يتربّصن بعد الموت ، لا قبل الموت.
وهذه عدّة المتمتع بها ، إذا توفي عنها زوجها قبل انقضاء أيامها على الصحيح من المذهب.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ عدّة المتمتع بها إذا مات زوجها عنها ، وهي في حباله ، شهران وخمسة أيام ، والقرآن قاض عليه.
فإن مات بعد خروجها من حباله وانقضاء أيامه قبل خروجها من عدّتها ، فلا يجب عليها إلا تمام العدّة التي أخذت فيها ، دون عدّة الوفاة ، لأنّها ليست زوجة للميت.
وكذلك المطلّقة طلاقا بائنا لا رجعة للمطلّق فيه ، ومات زوجها عنها قبل خروجها من عدّتها التي لا رجعة له عليها فيها ، فإنّها تتمم العدّة التي أخذ من
__________________
(١) البقرة : ٢٣٤.
فيها ، دون عدّة الوفاة ، لأنّها ليست زوجة للميت على ما قدّمناه.
وقد روي أنّ عدّة أم الولد لوفاة سيدها وعدّتها لو زوّجها سيّدها وتوفى عنها ، زوجها ، أربعة أشهر وعشرة أيام (١).
والأولى في أم الولد أنّ لا عدّة عليها في موت مولاها ، لأنّه لا دليل عليه من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وهذه ليست زوجة ، بل باقية على الملك والعبودية إلى حين وفاته.
فأمّا عدّة الأمة المتوفّى عنها زوجها ، سواء كانت أم ولد ، أو لم تكن فأربعة أشهر وعشرة أيام ، على الصحيح من المذهب. والذي يقتضيه أصول أصحابنا (٢) ، ويعضده ظاهر القرآن ، لأنّ الله تعالى قال ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٣) وهذه زوجة بلا خلاف.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : عدّتها إذا لم تكن أم ولد شهران وخمسة أيّام ، على النصف من عدّة الحرة المتوفّى عنها زوجها (٤).
إلا أنّه رجع عن هذا في كتابه التبيان لتفسير القرآن (٥) ، واختار ما اخترناه.
فإن توفّي زوج الجارية ، وكان قد طلّقها وهي في العدّة ، فإن كان أول طلاقها وله عليها الرجعة ، فالواجب عليها أن تعتد من وقت موته أربعة أشهر وعشرة أيام ، تستأنف ذلك ، ولا تعتدّ بما مضى من الأيام ، ولا تبني عليها.
وإن كان ثاني طلاقها وهي في العدّة التي لا رجعة له عليها ، فتتمم ما أخذت فيه ، ولا تستأنف عدّة الوفاة.
فإن كانت مطلّقة وأخذت في العدّة ، ثمّ أعتقها مولاها وهي في العدّة ، فإن كانت لا رجعة للزوج عليها فيها ، بنت على عدّة الأمة ، وإن كان له فيها عليها
__________________
(١) الوسائل : الباب ٤٢ من أبواب العدد ، ح ٤ و ٥.
(٢) ج أصول مذهبنا.
(٣) البقرة : ٢٣٤.
(٤) النهاية : كتاب الطلاق ، باب العدد.
(٥) التبيان : ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، ذيل الآية ٢٣٤ من سورة البقرة.
الرجعة ، تمّمت عدّة الحرّة.
وإن كانت المتوفّى عنها زوجها حاملا ، فعليها أن تعتدّ عندنا خاصّة بأبعد الأجلين ، فإن وضعت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام ، لم تنقض عدّتها حتى تكمل تلك المدة ، وإن كملت المدة قبل وضع الحمل ، لم تنقض عدّتها حتى تضع حملها ، لإجماع أصحابنا على ذلك ، وطريقة الاحتياط ، لأنّ العدّة عبادة وتكليف تستحق عليها الثواب ، وإذا كان الثواب فيما ذهبنا إليه أوفر ، لأنّ المشقة فيه أكثر ، كان أولى من غيره ، وقوله تعالى ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (١) معارض بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٢) فإذا علمنا بما ذهبنا إليه ، نكون عاملين بالآيتين معا ، والمخالف لا يمكنه العمل بآية عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وهي الأربعة الأشهر والعشرة الأيام إذا كانت حاملا ، ووضعت قبل مضي المدة ، فيترك الآية هاهنا رأسا.
وأمّا ما يجري مجرى الموت فشيئان.
أحدهما غيبة الزوج التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا ، ولا لها نفقة ، فإنّها إذا لم تختر الصبر على ذلك ، ورفعت أمرها إلى الإمام في حال ظهوره ، أو إلى نوابه في هذه الحال ، ولم يكن له ولي يمكنه الإنفاق ، ولا له مال ينفق عليها منه ، أنفق عليها الإمام من بيت المال ، وبعث من يتعرّف خبره في الآفاق والجهات التي سافر إلى نحوها ، فإن لم يعرف له خبر حتى انقضت أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام ، أمرها الإمام بالاعتداد عنه أربعة أشهر وعشرة أيام ، عدّة المتوفّى عنها زوجها ، فإن قدم وهي في العدّة قبل خروجها منها ، فهو أملك بها بالعقد الأول ، وإن جاء بعد خروجها من العدّة ، فقد اختلف قول أصحابنا
__________________
(١) الطلاق : ٤.
(٢) البقرة : ٢٣٤.
في ذلك ، فقال بعضهم : الزوج أملك بها ، وقال آخرون : هي أملك بنفسها ، وهو خاطب من الخطاب ، لأنّ لها أن تتزوج بعد خروجها من العدّة بلا فصل ، فلو كان أملك بها لما جاز لها التزويج.
وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (١) ، فإنّه رجع عمّا ذكره في نهايته (٢).
وهذا الذي يقوى في نفسي ، لأنّها قد خرجت من العدّة خروجا شرعيا ، من عدّة شرعيّة ، فقد بانت منه ، وحلّت للأزواج بغير خلاف ، ولا دلالة على عودها إليه من غير عقد جديد ، فانّ عودها إليه وكونه أملك بها حكم شرعي ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دلالة على ذلك من كتاب ، ولا سنّة ، ولا إجماع منعقد ، لأنّا قد بيّنا أنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، والأصل براءة الذمة.
فأمّا إذا تزوّجت فلا خلاف بينهم ، في أنّ الثاني أحقّ بها من الأوّل.
وهذا حكم باطل في حال غيبة الإمام عليهالسلام وقصور يده ، فإنّها مبتلاة ، وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه ، على ما وردت به الأخبار عن الأئمة الأطهار (٣) والثاني الارتداد عن الإسلام ، على الوجه الذي لا تقبل التوبة منه.
وحكم العدّة في الطلاق الرجعي أن لا تخرج من بيت مطلّقها إلا بإذنه ، ولا يجوز له إخراجها منه ، وهي أحقّ بالسكنى فيه ، فإن باعه وكانت عدّتها بالأقراء التي هي الأطهار ، أو بالحمل ، فالبيع غير صحيح ، وإن كانت عدّتها بالشهور ، فالبيع صحيح ، وتكون مدّة الشهور مستثناة ، ولا يجوز له إخراجها منه ، إلا أن تؤذي أهله ، أو تأتي فيه بما يوجب الحدّ ، فيخرجها لإقامته ، ولا يجب عليه ردّها إليه.
وقال بعض أصحابنا : يخرجها لإقامته ، ويردّها ، ولا تبيت إلا فيه ، ولا يردّها إذا أخرجها للأذى.
__________________
(١) المبسوط : ج ٥ ، كتاب العدد ، فصل في امرأة المفقود زوجها وعدتها ، ص ٢٧٨.
(٢) النهاية : كتاب الطلاق ، باب العدد ، آخر الباب.
(٣) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ح ٣.
والأظهر أن لا يردّها في الموضعين ، لأنّ ردها يحتاج إلى دليل.
ويجب عليه النفقة في عدّة الطلاق الرجعي ، ولا يجب في عدّة البائن ، إلا أن تكون حاملا ، فإنّ النفقة تجب على الزوج لها بلا خلاف ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (١) ولا نفقة لبائن حامل غير المطلّقة الحامل فحسب ، لدليل الآية ، وإلحاق غيرها بها قياس ، ونحن لا نقول به ، لا لمتمتع بها ، ولا لمفسوخ نكاحها ، وغير ذلك.
ولا نفقة للمتوفّى عنها زوجها إذا كانت حائلا بلا خلاف ، وإن كانت حاملا أنفق عليها عندنا خاصّة من مال ولدها الذي يعزل له ، حتى تضع ، على ما روي في الأخبار (٢) ، وذهب إليه شيخنا أبو جعفر ، في جميع كتبه.
والذي يقوى في نفسي ، ويقتضيه أصول مذهبنا ، أن لا ينفق عليها من المال المعزول ، لأنّ الإنفاق حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي ، والأصل أن لا إنفاق ، وأيضا النفقة لا تجب للوالدة الموسرة ، وهذه الام لها مال ، فكيف تجب النفقة عليها ، فإن
كان على المسألة إجماع منعقد من أصحابنا ، قلنا به ، وإلا بقينا على نفي الأحكام الشرعيّة إلا بأدلّة شرعية.
وما اخترناه وحرّرناه مذهب شيخنا محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، في كتابه التمهيد ، فإنّه قال : إنّ الولد انّما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيا فأمّا وهو جنين ، لا يعرف له موت من حياة ، فلا ميراث له ولا مال على الإنفاق ، فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له ، لو لا السهو في الرواية ، أو الإدغال (٣) فيها هذا آخر كلامه رحمهالله.
وقد أشبع القول فيه ، وجنح الكلام والاحتجاج ، فمن أراد الوقوف عليه ، وقف من كتابه الذي أشرنا إليه ، ونبهنا عليه ، وهو كتاب التمهيد ، فإنّ فيه
__________________
(١) الطلاق : ٦.
(٢) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب النفقات.
(٣) التمهيد : ( مخطوط ).
أشياء حسنة ، ومناظرات شافية.
وتبيت المتوفّى عنها زوجها حيث شاءت.
ويلزمها الإحداد بلا خلاف إذا كانت حرّة ، صغيرة كانت أو كبيرة.
قال محمّد بن إدريس : ولي في الصغيرة نظر ، لأنّ لزوم الحداد حكم شرعي ، وتكليف سمعي ، والتكاليف لا تتوجه إلا إلى العقلاء.
وانّما ذهب شيخنا في مسائل خلافه (١) إلى أنّ الصغيرة يلزمها (٢) الحداد ، ولم يدلّ بإجماع الفرقة ولا بالأخبار.
وهذه المسألة لا نص لأصحابنا عليها ، ولا إجماع.
والحداد هو اجتناب الزينة في الهيئة ، ومس الطيب ، واللباس ، وكلّ ما تدعو النفس إليه ، سواء كان طيبا أو غيره ، ولا يلزم المطلّقة وإن كانت بائنا ، كلّ ذلك بدليل إجماع الطائفة ، ودلالة الأصل ، وقوله تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٣).
ويلزم عدّة الوفاة للغائب عنها زوجها ، من يوم يبلغها الخبر ، لا من يوم الوفاة بغير خلاف بين أصحابنا.
وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ حكم المعتدة من طلاق زوجها الغائب كذلك.
والأظهر والأكثر المعمول عليه ، الفرق بين الموضعين ، وهو أنّ في عدّة الطلاق تعتد من يوم طلّقها ، إذا قامت بينة عدول بضبط التاريخ.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا كانت المرأة مسترابة ، فإنّها تراعي الشهور والحيض ، فإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض ، لم تر فيها دما ، فقد بانت منه بالشهور ، وإن مرّت بها ثلاثة أشهر إلا يوما ، ثم رأت الدم كان عليها أن تعتد بالأقراء ، فإن تأخّرت عنها الحيضة الثانية ، فلتصبر من يوم طلّقها إلى تمام
__________________
(١) الخلاف : كتاب العدة ، المسألة ٢٨.
(٢) ج : لزمها.
(٣) الأعراف : ٣٢.
التسعة أشهر ، فإن لم تر دما فلتعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر ، وقد بانت منه ، وإن رأت الدم فيما بينها وبين التسعة أشهر ثانيا ، واحتبس عليها الدم الثالث ، فلتصبر تمام السنة ، ثم تعتدّ بعد ذلك بثلاثة أشهر ، تمام الخمسة عشر شهرا ، وقد بانت منه ، وأيّهما مات ما بينه وبين الخمسة عشر شهرا ورثه صاحبه (١).
قال محمّد بن إدريس : الذي يقوى في نفسي ، أنّها إذا احتبس الدم الثالث بعد مضي تسعة أشهر ، اعتدّت بعدها بثلاثة أشهر تمام السنة ، لأنّها تستبرأ بتسعة أشهر ، وهي أقصى مدّة الحمل ، فيعلم أنّها ليست حاملا ، ثم تعتدّ بعد ذلك عدتها ، وهي ثلاثة أشهر.
وشيخنا أبو جعفر ، رجع عمّا ذكره في نهايته في الجزء الثالث من استبصاره ، وقال بما اخترناه ، فإنّه قال في باب أنّ المرأة إذا حاضت فيما دون الثلاثة أشهر ، كان عدّتها بالأقراء ، فأورد الخبر الذي ذكره في نهايته ، وهو عن عمار الساباطي ، الذي قال فيه : يكون عدّتها إلى تمام خمسة عشر شهرا ، ثمّ أورد خبرا بعده عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن سورة بن كليب ، قال : سئل أبو عبد الله ، عن رجل طلّق امرأته تطليقة على طهر ، من غير جماع بشهود ، طلاق السنّة وهي ممن تحيض ، فمضى ثلاثة أشهر ، فلم تحض إلا حيضة واحدة ، ثم ارتفعت حيضتها ، حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى ، ولم تدر ما رفع حيضتها ، قال : إن كانت شابّة مستقيمة الحيض ، فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة ، ثمّ ارتفع طمثها ، ولا تدري ما رفعها ، فإنّها تتربص تسعة أشهر من يوم طلّقها ، ثمّ تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر ، ثمّ تتزوج إن شاءت ، قال محمّد بن الحسن : هذا الخبر ينبغي أن يكون العمل عليه ، لأنّها تستبرأ بتسعة أشهر ، وهو أقصى مدّة الحمل ، فيعلم أنها ليست حاملا ، ثمّ تعتد بعد ذلك عدّتها وهي
__________________
(١) النهاية : كتاب الطلاق ، باب العدد.