بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
ربّ يسّر
كتاب الجهاد وسيرة الإمام
باب فرض الجهاد ومن يجب عليه وشرائط وجوبه وحكم الرباط
الجهاد فريضة من فرائض الإسلام ، وركن من أركانه ، وهو من فروض الكفايات ، ومعنى ذلك أنّه إذا قام به من في قيامه كفاية وغنا عن الباقين ولا يؤدي إلى الإخلال بشيء من أمر الدين ، سقط عن الآخرين ، ومتى لم يقم به أحد لحق جميعهم الذم ، واستحقوا بأسرهم العقاب.
ويسقط الجهاد عن النساء ، والصّبيان ، والشيوخ الكبار ، والمرضى ، ومن ليس به نهضة إلى القيام بشرطه.
ومن كان متمكنا من إقامة غيره مقامه في الدفاع عنه ، وهو غير متمكّن من القيام به بنفسه ، وجب عليه إقامته وإزاحة علته فيما يحتاج إليه.
ومن تمكن من القيام بنفسه فأقام (٢) غيره مقامه ، سقط عنه فرضه ، إلا أن يلزمه الناظر في أمر (٣) المسلمين القيام بنفسه ، فحينئذ يجب عليه أن يتولى هو الجهاد ، ولا يكفيه إقامة غيره (٤).
ومن يجب عليه الجهاد انّما يجب عليه عند شروط ، وهي أن يكون الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره ، ولا يسوغ لهم الجهاد من دونه ، ظاهرا ، أو يكون من نصبه الإمام للقيام بأمر المسلمين في الجهاد حاضرا ، ثمّ
__________________
(١) ل : سقط منها البسملة و « ربّ يسّر ».
(٢) ل : واقام :
(٣) ل : في أمور.
(٤) ج : اقامة غير مقامه.
يدعوهم إلى الجهاد فيجب عليهم حينئذ القيام به ، ومتى لم يكن الإمام ظاهرا ، ولا من نصبه حاضرا ، لم تجز مجاهدة العدو.
والجهاد مع أئمّة الجور ، أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم ، وإن أصاب لم يوجر ، وإن أصيب كان مأثوما ، اللهم إلا أن يدهم المسلمين والعياذ بالله أمر من قبل العدو يخاف منه على بيضة الإسلام ، ويخشى بواره ، وبيضة الإسلام : مجتمع الإسلام وأصله ، أو يخاف على قوم منهم ، وجب حينئذ أيضا جهادهم ودفاعهم ، غير أنّه يقصد المجاهد والحال ما وصفناه الدفاع عن نفسه ، وعن حوزة الإسلام ، وعن المؤمنين ، ولا يقصد الجهاد مع السّلطان الجائر ، ولا مجاهدتهم ليدخلهم في الإسلام ، وهكذا حكم من كان في دار الحرب ، ودهمهم عدو يخاف منه على نفسه ، جاز أن يجاهد مع الكفار دفعا عن نفسه وماله ، دون الجهاد الذي يجب في الشرع.
ومتى جاهدوا مع عدم الإمام ، وعدم من نصبه للجهاد ، فظفروا ، وغنموا ، كانت الغنيمة كلها للإمام خاصة ، ولا يستحقون هم منها (١) شيئا أصلا.
والمرابة ، فيها فضل كبير ، وثواب جزيل ، إذا كان هناك إمام عادل ، وحدّها ثلاثة أيّام إلى أربعين يوما ، فإن زاد على ذلك كان جهادا ، وحكمه حكم المجاهدين.
ومن نذر المرابطة في حال استتار الإمام ، وجب عليه الوفاء به ، غير انه لا يجاهد العدو ، إلا على ما قلناه من الدفاع عن الإسلام والنّفس.
وإن نذر أن يصرف شيئا من ماله إلى المرابطين في حال ظهور الإمام ، وجب عليه الوفاء به ، وإن كان ذلك في حال استتاره ، لا يجب عليه الوفاء بالنذر. على قول بعض أصحابنا (٢) ، بل قال يصرفه في وجوه البر.
__________________
(١) ل : ولا يستحقون منها.
(٢) وهو الشيخ الطوسي قدسسره في النهاية ، كتاب الجهاد ، إلا أنه في المصدر : « في حال انقباض يد الإمام » مكان قوله : « حال استتاره ».
قال محمد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : إن كان النذر غير صحيح ، فما يجب عليه صرفه في وجوه البر ، وإن كان النذر صحيحا فيوجهه إلى الجهة (١) المنذور فيها ، لا يجزيه غيره.
ثمّ قال الذاهب الأوّل الذي حكينا كلامه : إلا أن يخاف من الشناعة لتركه الوفاء بالنذر ، فيصرفه إليهم تقية.
والذي اعتمده وأعمل عليه ، صحة هذا النذر ، ووجوب الإتيان به ، لأنّه إمّا مندوب إليه ، أو مباح ، والنذر في المباح يجب الوفاء به ، وكذلك المندوب إليه ولا مانع يمنع منه.
ومن آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة ، فإن كان في حال انقباض يد الإمام العادل ، قال بعض أصحابنا : لا يلزمه الوفاء به ، ويردّ عليه ما أخذه منه ، فإن لم يجده فعلى ورثته ، وإن لم يكن له ورثة ، لزمه الوفاء به ، ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢).
والذي يقوى عندي ، وتقتضيه الأدلة ، لزوم الإجارة في الحالين معا ، غير أنّه لا يجاهد العدو إلا على ما قلناه من الدفاع عن النفس والإسلام ، لأنّ عندنا بغير خلاف أنّه إذا نذر المرابطة في حال استتار الإمام ، وجب عليه الوفاء به ، غير أنّه لا يجاهد العدو إلا على ما قلناه ، وقد قدّمنا (٣) ذلك. فإن كان في حال ظهور الإمام ، لزمه الوفاء به ، على كلّ حال.
ومن لا يمكنه المرابطة بنفسه ، فرابطة دابة ، أو أعان المرابطين بشيء من ماله ، كان فيه الثواب.
__________________
(١) ج : في الجهة.
(٢) النهاية : كتاب الجهاد ، إلا أنّ في المصدر : « ومن أخذ من إنسان ».
(٣) ل : قد بيّنا.
باب في ذكر أصناف الكفار ومن يجب قتالهم منهم وكيفية القتال
الكفار على ثلاثة أضرب ، أهل كتاب وهم اليهود والنّصارى ، فهؤلاء يجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية. ومن له شبهة كتاب فهم المجوس (١) ، فحكمهم حكم أهل الكتاب ، يقرون أيضا على دينهم ببذل الجزية. ومن لا كتاب له ولا شبهة كتاب ، وهم من عدا هؤلاء الثلاثة الأصناف ، من عباد الأصنام ، والأوثان ، والكواكب ، وغيرهم فلا يقرون على دينهم ببذل الجزية.
ومتى امتنع أهل الكتاب ، ومن له شبهة كتاب ، من بذل الجزية ، كان حكمهم حكم غيرهم من الكفّار ، في وجوب قتالهم ، وسبي ذراريهم ، ونسائهم ، وأخذ أموالهم وتكون فيئا.
وينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه من الكفار ، الأقرب فالأقرب ، والأولى أن يشحن كلّ طرف من أطراف بلاد الإسلام بقوم يكونون أكفاء لمن يليهم من الكفّار ، ويولّي عليهم أميرا عاقلا دينا خيّرا شجاعا يقدم في موضع الإقدام ، ويتأنى في موضع التّأني.
ولا يجوز قتال أحد من الكفار إلا بعد دعائهم إلى الإسلام ، وإظهار الشهادتين ، والإقرار بالتوحيد ، والعدل ، والتزام جميع شرائع الإسلام ، فمتى دعوا إلى ذلك ، ولم يجيبوا حلّ قتالهم ، ومتى لم يدعوا لم يجز قتالهم.
والداعي ينبغي أن يكون الإمام أو من يأمره الإمام.
ولا يجوز قتال النساء ، فإن قاتلن المسلمين ، وعاون أزواجهن ، ورجالهن ، أمسك عنهن ، فإن اضطر إلى قتلهن جاز حينئذ قتلهن ، ولم يكن به بأس.
وشرائط الذّمة ، الامتناع من مجاهرة المسلمين ، بأكل لحم الخنزير ، وشرب
__________________
(١) ج : وهم المجوس.
الخمور ، وأكل الربا ، ونكاح المحرمات في شريعة الإسلام ، وإن لا يأووا عينا على المسلمين ، ولا يعاونوا عليهم كافرا ، وان لا يستقروا (١) على مسلم ، فمتى فعلوا شيئا من ذلك ، فقد خرجوا من الذمة ، وجرى عليهم أحكام الكفار الحربيين الذين لا كتاب لهم.
ومن أسلم من الكفار وهو بعد في دار الحرب ، كان إسلامه حقنا لدمه ، من القتل ، ولولده الصغار من السبي. فأمّا الكبار (٢) منهم البالغون ، فحكمهم حكم غيرهم من الكفار ، وماله من الأخذ ، كلّ ما كان صامتا ، أو متاعا ، أو أثاثا ، وجميع ما يمكن نقله إلى دار الإسلام ، وأمّا الأرضون ، والعقارات ، وما لا يمكن نقله فهو فيء للمسلمين.
ويجوز قتال الكفار بسائر أنواع القتل وأسبابه ، إلا بتغريق المساكن ، ورميهم بالنيران ، وإلقاء السم في بلادهم ، فإنّه لا يجوز أن يلقى السمّ في بلادهم قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة : وكره أصحابنا إلقاء السمّ (٣) وقال في نهايته :
لا يجوز إلقاء السّم في بلادهم (٤) وما ذكره في نهايته ، به نطقت الأخبار عن الأئمة الأطهار (٥) وروى أصحابنا كراهيّة تبييت العدو حتى يصبح (٦).
والوجه في جميع ما تقدم أنّه إذا كان مستظهرا وفيه قوة ، ولا حاجة به إلى الإغارة ليلا ، امتنع ، وإذا كان بالعكس من ذلك ، جاز الإغارة ليلا ، وروى ابن عبّاس عن المصعب بن حنانة ، قال : قلت يا رسول الله ، نبيّت المشركين وفيهم النساء والصبيان ، فقال : انّهم منهم (٧).
وأمّا تخريب المنازل ، والحصون ، وقطع الأشجار المثمرة ، فإنّه جائز إذا غلب
__________________
(١) ل : ولا يسقروا.
(٢) ل : فأمّا الكبار البالغون.
(٣) المبسوط في فصل أصناف الكفار وكيفية قتالهم.
(٤) النهاية : كتاب الجهاد ، باب من يجب قتالهم.
(٥) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ١٦ من أبواب جهاد العدو ، والباب ١٥ من مستدرك الوسائل.
(٦) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ١٧ من أبواب جهاد العدو.
(٧) سنن ابن ماجة : ج ٢ ص ٩٤٧ ح ٢٨٣٩ وسنن أبي داود : ج ٣ ص ٥٤ ح ٢٦٧٢ الصعب بن جثامة وفيهما كالمبسوط الموافق لما في الكتب الرجالية وفي ج. الصعب بن خبانه.
في ظنّه أنّه لا يملك إلا بذلك ، فإن غلب في ظنه أنّه يملكه ، فالأفضل أن لا يفعل ، فإن فعل جاز ، كما فعل الرّسول عليهالسلام بالطائف ، وبنى النضير ، وخيبر ، فأحرق على بنى النّضير ، وخرّب ديارهم.
وإذا تترس المشركون بأطفالهم ، فإن كان ذلك حال التحام القتال ، جاز رميهم ، ولا يقصد الطفل ، بل يقصد من خلفه ، لأنّه لو لم يفعل ذلك لأدى إلى بطلان الجهاد ، وكذلك الحكم إذا تترسوا بأسارى المسلمين ، وكذلك إذا تترسوا بالنساء ، فإن كان في جملتهم قوم من المسلمين النازلين عليهم ، فهلك المسلمون فيما بينهم ، أو هلك من أموالهم شيء ، لم يلزم المسلمين ولا غيرهم غرامته من الدية ، والأرش.
فإمّا الكفارة في قتل المسلم النازل عندهم ، من غير قصد إلى قتله ، فإنّ الدية لا تجب ، ولا القود ، بل يجب الكفارة لقوله تعالى ( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (١) ولم يذكر الدية.
ولا بأس بقتال المشركين في أي وقت كان ، وفي أيّ شهر كان ، إلا الأشهر الحرم ، فإنّ من يرى منهم خاصّة لهذه الأشهر حرمة ، لا يبتدءون فيها بالقتال ، فإن بدءوا هم بقتال المسلمين جاز حينئذ قتالهم ، وان لم يبتدئوا ، أمسك عنهم إلى انقضاء هذه الأشهر ، فأمّا غيرهم من سائر أصناف الكفار ، فإنّهم يبتدئون فيها بالقتال على كل حال.
ولا بأس بالمبارزة بين الصفين في حال القتال ، غير أنّه لا يجوز أن يطلب المبارزة ، إلا بإذن الإمام.
ولا يجوز لأحد أن يؤمن إنسانا على نفسه ثم يقتله ، فإنّه يكون غادرا (٢).
ويلحق بالذراري من لم يكن قد أنبت بعد ، ومن أنبت ، الحق بالرجال واجرى عليه أحكامهم.
__________________
(١) النساء : ٩٢.
(٢) ل : عاديا غادرا.
ويكره قتل من يجب قتله صبرا ، وانّما يقتل على غير ذلك الوجه ، ومعنى صبرا (١) حبسا للقتل.
ولا يجوز أن يفر واحد من واحد ، ولا اثنين ، فإن فر منهما ، كان مأثوما ، ومن فر من أكثر من اثنين ، لم يكن به بأس.
باب قسمة الفيء وأحكام الأسارى
قد ذكرنا في كتاب الزكاة كيفيّة قسمة الفيء ، غير انّا نذكر هاهنا ما يليق بهذا المكان.
كلّ ما غنمه المسلمون من المشركين ، ينبغي للإمام أن يخرج منه الخمس ، فيصرفه في أهله ومستحقه ، حسب ما بيّناه في كتاب الزكاة ، بعد اصطفاء ما يصطفيه ، والباقي على ضربين ، ضرب منه للمقاتلة خاصّة ، دون غيرهم من المسلمين ، وضرب هو عام لجميع المسلمين ، مقاتليهم وغير مقاتليهم ، فالذي هو لجميع المسلمين ، فكلّ ما عدا (٢) ما حواه العسكر ، من الأرضين ، والعقارات ، وغير ذلك ، فإنّه بأجمعه فيء للمسلمين ، من غاب منهم ، ومن حضر على السواء ، وما حواه العسكر يقسم بين المقاتلة خاصة ، ولا يشركهم فيه غيرهم.
فإن قاتلوا وغنموا ، فلحقهم قوم آخرون ، لمعونتهم ، أو مدد لهم (٣) ، كان لهم من القسمة ، مثل ما لهم ، يشاركونهم ، هذا إذا لحقوا بهم قبل قسمة الغنيمة ، فأمّا إذا لحقوا بعد القسمة ، فلا نصيب لهم معهم ، وكذلك إذا نفذ أمير الجيش سرية إلى جهة ، فغنموا ، شاركهم الجيش ، لأنّه مدد لهم ، وهم من جملته.
وينبغي للإمام أن يسوّي بين المسلمين في القسمة ، لا يفضل أحدا منهم
__________________
(١) ج : ويعنى بقولهم صبرا.
(٢) ج : المسلمين ، كلّ ما عدا.
(٣) ل : آخرون ومددهم.
لشرفه ، أو علمه ، أو زهده على من ليس كذلك في قسمة الفيء.
وينبغي أن يقسم للفارس سهمين ، وللراجل سهما على الصحيح من المذهب.
وقال بعض أصحابنا (١) : يعطى الفارس ثلاثة أسهم ، وإن لم يكن معه إلا فرس واحد ، والأظهر من الأقوال الأول.
فإن كان مع الرجل ، أفراس جماعة ، لم يسهم منها إلا لفرسين ، فيعطى ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم واحد ، ولصاحب الفرس الواحد سهمان ، ولا يسهم لشيء من المركوب من الإبل ، والبغال ، والحمير ، والبقر ، والفيلة ، إلا للخيل خاصّة ، بلا خلاف ، سواء كان الفرس عتيقا كريما ، أو برذونا ، أو هجينا ، أو مقرفا ، أو حطما ، أو قحما ، أو ضرعا ، أو أعجف ، أو رازحا ، فإنّه يسهم له (٢).
فالعتيق ، الذي أبوه كريم ، وامه كريمة. والبرذون الذي أبوه كريم (٣) ، وامه غير عتيقة ، وهي الكريمة. والهجين ، الذي أبوه عتيق ، وامه غير عتيقة ، والمقرف عكس ذلك. والحطم : المتكسر. والقحم ، بفتح القاف وسكون الحاء ، الكبير. والضرع ، بفتح الضاد والراء : الصغير والأعجف : المهزول. والرازح : الذي لا حراك به.
ومن ولد في أرض الجهاد من الذكور قبل قسمة الغنيمة ، كان له من السهم مثل ما للمقاتل على السواء ، على ما رواه أصحابنا (٤).
وإذا قاتل قوم من المسلمين المشركين في السفينة ، فغنموا وفيهم الفرسان والرجالة ، كان قسمتهم مثل قسمتهم لو قاتلوا على البر سواء ، للفارس سهمان ، وللراجل سهم ، على ما رواه أصحابنا (٥).
وعبيد المشركين إذا لحقوا بالمسلمين قبل مواليهم ، وأسلموا ، كانوا أحرارا ،
__________________
(١) وهو الإسكافي على ما في الجواهر.
(٢) ج : يسهم.
(٣) ج : أبوه غير كريم.
(٤) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ٤١ ، ح ٨ ـ ٩.
(٥) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ٣٨ من أبواب جهاد العدو.
وحكمهم حكم الأحرار المسلمين ، وإن لحقوا بعد مواليهم ، كان حكمهم حكم العبيد ، لا يخرجون من ملكة ساداتهم ، وفي الأول خرجوا باللحوق قبل السادة من ملكتهم ، ولو أسلم السادة بعدهم لم يعودوا إلى ملكتهم.
ومتى أغار المشركون على المسلمين ، فأخذوا منهم ذراريهم ، وعبيدهم ، وأموالهم ، ثم ظفر بهم المسلمون ، فأخذوا منهم ما كانوا أخذوه ، فإنّ أولادهم يردّون إليهم بعد أن يقيموا البيّنة ، ولا يسترقون بغير خلاف في ذلك.
فأمّا العبيد والأمتعة والأثاثات (١) ، قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : يقومون في سهام المقاتلة ، ويعطي الإمام مواليهم أثمانهم من بيت المال (٢).
والذي تقتضيه أصول المذهب ، وتعضده الأدلة ، وافتي به ، أنّ ذلك إن قامت البيّنة به قبل القسمة ، ردّ على أصحابه بأعيانه ، ولا يغرم الإمام للمقاتلة عوضه شيئا ، وإن كان ذلك بعد قسمة الغنيمة على المقاتلة ، ردّ أيضا بأعيانه على أصحابه ، ورد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من بيت المال ، لا يجوز غير ذلك ، لأنّ المشركين لا يملكون أموال المسلمين ، وتملكه من أربابه يحتاج إلى دليل ، وقول الرسول عليهالسلام لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفس منه (٣) ، والمسلم ، ما طابت نفسه بأخذ ماله.
وإلى ما اخترناه وحررناه يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره (٤) فإنه قال بعد ما أورد أخبارا : والذي أعمل عليه ، أنّه أحق بعين ماله على كل حال (٥) ، وهذه الأخبار على ضرب من التقية ، ثم قال : والذي يدل على ذلك ، ما رواه
__________________
(١) ل : والأثاث.
(٢) النهاية : كتاب الجهاد ، باب قسمة ألفي.
(٣) مستدرك الوسائل : كتاب الغصب ، الباب ١ ، ح ٥.
(٤) الاستبصار : كتاب الجهاد ، الباب ٣ في أن المشركين يأخذون من مال المسلمين.
(٥) ل : وتحمل.
الحسن بن محبوب ، في كتاب المشيخة ، عن عليّ بن رئاب ، عن طربال ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سئل عن رجل كانت له جارية ، فأغار عليه المشركون ، وأخذوها منه ، ثمّ انّ المسلمين بعد غزوهم ، فأخذوها فيما غنموا منهم ، فقال : إن كانت في الغنائم ، وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم وأخذوها منه ، ردّت عليه ، وإن كانت اشتريت ، وخرجت من المغنم ، فأصابها ، ردّت عليه برمتها ، وأعطى الذي اشتراها ، الثمن من المغنم من جميعه ، فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس ، وقسموا جميع الغنائم ، فأصابها بعد ، قال : يأخذها من الذي هي في يده ، إذا أقام البيّنة ، ويرجع الذي هي في يده على أمير الجيش بالثمن (١) هذا آخر كلام شيخنا في الاستبصار ، وإلى ما اخترناه يذهب في مسائل خلافه أيضا (٢).
والأسارى ، فعندنا على ضربين ، أحدهما أخذ قبل أن ( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، وينقضي الحرب والقتال ، فإنّه لا يجوز للإمام استبقاؤه ، بل يقتله ، بأن يضرب رقبته (٣) ، أو يقطع يديه ورجليه ، ويتركه حتى ينزف ويموت ، إلا أن يسلم ، فيسقط عنه القتل.
والضرب الآخر ، هو كلّ أسير يؤخذ بعد أن تضع الحرب أوزارها ، فإنّه يكون الامام مخيرا فيه ، بين أن يمن عليه ، فيطلقه ، وبين أن يسترقه ، وبين أن يفاديه ، وليس له قتله بحال.
ومن أخذ أسيرا فعجز عن المشي ، ولم يكن معه ما يحمله عليه إلى الامام ، فليطلقه ، لأنّه لا يعلم ما حكم الامام فيه.
ومن كان في يده أسير ، وجب عليه أن يطعمه ، ويسقيه ، وإن أريد قتله في الحال ولا يجوز قتال أحد من الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة ، إلا بعد دعائهم الى
__________________
(١) الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب الجهاد ، ح ٥ ، وفي الاستبصار : كتاب الجهاد ، الباب ٣ ح ٥.
(٢) الخلاف : كتاب السير ، مسألة ١٠.
(٣) ل : عنقه.
الإسلام ، وإظهار الشهادتين ، والإقرار بالتوحيد والعدل ، والتزام جميع شرائع الإسلام ، والداعي يكون الإمام ، أو من يأمره الإمام ، على ما قدمناه.
فإن بدر إنسان ، فقتل منهم قبل الدعاء ، فلا قود عليه ، ولا دية ، لأنّه لا دليل عليه ، وقوله عزوجل ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (١) أراد بالحج والأدلة ، وقيل : أراد بذلك (٢) ، عند قيام المهدي عليهالسلام ، وقيل : إنّه أراد على أديان العرب كلّها (٣) ، وقد كان ذلك.
فإن أسر الكافر ، وله زوجة ، فإنّهما على الزوجية ما لم يختر الإمام الاسترقاق ، فإن منّ عليه ، أو فأداه ، عاد إلى زوجته ، وإن اختار استرقاقه ، انفسخ النكاح.
وإن كان الأسير امرأة مزوجة ، فإن النكاح ينفسخ بنفس الأسر لأنّها صارت رقيقة بنفس الأسر.
وإذا وقعت المرأة وولدها في السبي ، قال بعض أصحابنا : لا يجوز للإمام أن يفرّق بينهما ، فيعطي الام لواحد ، والولد لآخر.
وهكذا إذا كان لرجل أمة ، وولدها ، فلا يجوز أن يفرّق بينهما يبيع ولا هبة (٤) ولا غيرهما من أسباب الملك ، وفي أصحابنا من قال : انّ ذلك مكروه ، ولا يفسد البيع به ، وهو الأقوى عندي ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطة ، فإنّه قال : فإن خالف وباع ، جاز البيع على الظاهر من المذهب (٥) ، هذا قول شيخنا أبي جعفر في مبسوطة ، وكذلك في موضع من نهايته (٦).
وأمّا التفرقة بينه وبين الوالد ، فإنه جائز بغير خلاف.
قد بيّنا أنّه متى حدث الرق في الزوجين ، أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما ،
__________________
(١) التوبة : ٣٣.
(٢) ج : ذلك.
(٣) ل : وقيل أراد أديان العرب كلّها.
(٤) ج : أوهبة.
(٥) المبسوط : كتاب الجهاد ، في فصل حكم الأسارى.
(٦) النهاية : باب العتق وأحكامه.
فالنساء يرققن بنفس حيازة الغنيمة ، والرجال يرقون باختيار الإمام ، لا بحيازة الغنيمة ، فعلى هذا إذا سبي الزوجان ، انفسخ النكاح في الحال ، لأنّ الزوجة صارت مملوكة بنفس الحيازة ، وإن كان المسبي الرجل ، لا ينفسخ النكاح ، إلا إذا اختار الإمام استرقاقه ، فإن كان المسبي المرأة ، انفسخ أيضا في الحال لما قلناه.
فأمّا إذا كان الزوجان جميعا مملوكين ، فإنّه لا ينفسخ النكاح ، لأنّه ما حدث رق هاهنا ، لأنّهما كانا رقيقين قبل ذلك.
والفرس الذي يقسم له ، ما تناوله اسم الخيل والفرس ، سواء كان عتيقا أو هجينا أو مقرفا ، فالعتيق الذي أبوه وامه عربيان ، عتيقان ، خالصان. والهجين الذي أبوه كريم عتيق ، وامّه برذونة والمقرف الذي أمه كريمة عتيقة ، وأبوه برذون ، قال الشاعر :
وما هند إلا مهرة عربيّة |
|
سليلة أفراس تجلّلها بغل |
فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى |
|
وإن يك أقراف فمن جهة الفحل |
فأمّا من قاتل على حمار ، أو على بغل ، أو جمل ، فلا يسهم لمركوبه ، لانّه ليس بفرس ، ولا يسمّى راكبه فارسا.
وتجب الهجرة على كل من قدر عليها ، ولا يأمن على نفسه من المقام بين الكفار ، ولا يتمكن من إظهار دينه بينهم ، فيلزمه أن يهاجر ، والهجرة باقية أبدا ، ما دام الشرك قائما ، وروي عن النبي عليهالسلام ، أنّه قال : لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها (١).
وما روي من قوله عليهالسلام : لا هجرة بعد الفتح (٢) ، معناه لا هجرة بعد الفتح ، فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح ، وقيل : المراد لا هجرة (٣) بعد الفتح من مكّة ،
__________________
(١) التاج : ج ٤ ، ص ٣٤٥ ، كنز العمال : ج ١٦ ، ص ٦٥٤. أخرجه عن صحيح مسلم وسنن أبي داود.
(٢) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ٣٦ من أبواب جهاد العدو ح ٧.
(٣) ج : المراد بعد.
لأنّها صارت دار إسلام.
ولا جهاد على العبيد.
والمسلم ، إذا أسره المشركون ، لم يجز له أن يتزوّج فيما بينهم ، فإن اضطر جاز له أن يتزوج في اليهود والنصارى ، على ما روي في بعض الأخبار (١) فأمّا غيرهم فلا يقربهم على حال (٢).
باب قتال أهل البغي والمحاربين وكيفيّة قتالهم والسيرة فيهم
كل من خرج على إمام عادل ، ونكث بيعته ، وخالفه في أحكامه ، فهو باغ ، وجاز للإمام قتاله ، ومجاهدته ، ويجب على من يستنهضه الإمام في قتالهم ، النهوض معه ، ولا يسوغ له التأخير عن ذلك.
وجملة الأمر وعقد الباب ، أنّه لا يجب قتال أهل البغي ، ولا يتعلّق بهم أحكامهم ، إلا بثلاثة شروط :
أحدها : أن يكونوا في منعة ، ولا يمكن كفهم وتفريق (٣) جمعهم ، إلا باتفاق ، وتجهيز جيوش وقتال.
والثاني : أن يخرجوا عن قبضة الإمام ، منفردين عنه ، في بلد أو بادية ، فأمّا إن كانوا معه في قبضته ، فليسوا أهل بغي.
والثالث : أن يكونوا على المباينة بتأويل سائغ (٤) عندهم ، فأمّا من باين وانفرد بغير تأويل ، فهو قاطع طريق ، وحكمهم حكم المحاربين ، لا حكم البغاة.
ومن خرج على إمام جائز ، لم يجز قتالهم على حال.
ولا يجوز قتال أهل البغي ، إلا بأمر الإمام ، ومن قاتلهم ، فلا ينصرف
__________________
(١) الوسائل : كتاب النكاح ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح ٣ ـ ٤ ـ ٥.
(٢) ل : على كل حال.
(٣) ل : ولا تفريق.
(٤) ل : شائع عنهم.
عنهم إلا بعد الظفر بهم ، أو يفيئوا إلى الحقّ ، ومن رجع عنهم من دون ذلك ، فقد باء بغضب من الله تعالى ، وعقابه ، عقاب من فرّ من الزحف.
وأهل البغي عند أصحابنا على ضربين ، ضرب منهم يقاتلون ، ولا يكون لهم رئيس يرجعون اليه ، والضرب الآخر ، يكون لهم أمير ورئيس يرجعون في أمورهم إليه ، فالضرب الأوّل ، كأهل البصرة وأصحاب الجمل. والضرب الثاني كأهل الشام وأصحاب معاوية بصفين ، فإذا لم يكن لهم رئيس يرجعون إليه ، فإنّه لا يجاز على جريحهم ، ولا يتبع هاربهم (١) ، ولا تسبى ذراريهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ومتى كان لهم رئيس يرجعون إليه في أمورهم ، كان للإمام أن يجيز على جريحهم ، وأن يتبع هاربهم ، وأن يقتل أسيرهم.
ولا يجوز سبي الذراري على حال.
ويجوز للإمام أن يأخذ من أموالهم ما حوى العسكر ، ويقسم على المقاتلة حسب ما قدّمناه ، وليس له ما لم يحوه العسكر ، ولا له إليه سبيل على حال ، هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في نهايته (٢) والجمل والعقود (٣).
ثم قال في مبسوطة : إذا انقضت الحرب بين أهل العدل والبغي ، إمّا بالهزيمة ، أو بأن عادوا إلى الحقّ ، وطاعة الإمام ، وقد كانوا أخذوا الأموال ، وأتلفوا ، وقتلوا ، نظرت ، فكلّ من وجد عين ماله عند غيره ، كان أحق به ، سواء كان من أهل العدل ، أو أهل البغي ، لما رواه ابن عبّاس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : المسلم أخ المسلم ، لا يحل له دمه ، وماله إلا بطيبة من نفسه ، وروي أنّ عليا عليهالسلام لما هزم الناس يوم الجمل ، قالوا له : يا أمير المؤمنين ، ألا تأخذ أموالهم ، قال : لا ، لأنّهم تحرّموا بحرمة الإسلام ، فلا تحل أموالهم في دار الهجرة ،
__________________
(١) ل : منهزمهم.
(٢) النهاية : كتاب الجهاد ، باب قتال أهل البغي والمحاربين ..
(٣) الجمل والعقود : لا يوجد في النسخة التي بأيدينا.
وروى أبو قبيس ، أنّ عليّا عليهالسلام ، نادى : من وجد ماله فليأخذه ، فمرّ بنا رجل ، فعرف قدرا نطبخ فيها ، فسألناه أن يصبر حتى ينضج ، فلم يفعل ، ورمى برجله فأخذها ، قال رحمهالله : وقد روى أصحابنا ، أنّ ما يحويه العسكر ، من الأموال ، فإنّه يغنم ، قال : وهذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام ، فأمّا إن رجعوا إلى طاعته ، فهم أحق بأموالهم (١) هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطة.
وذكر أيضا في مبسوطة ، فقال : إذا وقع أسير من أهل البغي في أيدي أهل العدل ، فإن كان شابا من أهل القتال ، وهو الجلد الذي يقاتل ، كان له حبسه ، ولم يكن له قتله ، قال : وقال بعضهم : له قتله ، قال رحمهالله : والأوّل مذهبنا (٢) فقد اعتمد رحمهالله ، وأقرّ بأنّ الأوّل مذهبنا ، وهو أنّه لا يقتل الأسير.
وقال في مسائل خلافه (٣) ، في أحكام أهل البغي ، مثل قوله في مبسوطة في الأسير ، ولم يذكر شيئا من أحكامهم في الاستبصار ، ولا في تهذيب الأحكام ، ولا ذكر في أخذ المال ، ولا قتل الأسير شيئا ، والأخبار التي أوردها في كتاب تهذيب الأحكام ، وهو أكبر كتاب له في الأخبار ، ما فيها شيء من أخذ ما حواه العسكر ، ولا قتل الأسير ، بل أورد أخبارا في هذا الكتاب يتضمن خلاف ما ذكره في نهايته (٤) ، وجمله وعقوده (٥).
من ذلك الإيراد : محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب ، بن (٦) جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن مروان بن الحكم لعنه الله قال : لما هزمنا عليّ بالبصرة ، رد على الناس أموالهم ، من أقام بينة أعطاه ، ومن لم يقم بيّنة أحلفه ، قال : فقال له قائل : يا أمير المؤمنين ، اقسم الفيء بيننا والسبي ،
__________________
(١) المبسوط : ج ٧ قتال أهل البغي.
(٢) المبسوط : ج ٧ قتال أهل البغي.
(٣) الخلاف : كتاب الباغي ، المسألة ٦.
(٤) النهاية : كتاب الجهاد ، باب قتال أهل البغي والمحاربين.
(٥) الجمل والعقود : لا يوجد في النسخة التي بأيدينا.
(٦) ج : ل : عن.
قال : فلما أكثروا عليه ، قال : أيّكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه ، فكفّوا (١).
وغير ذلك من الأخبار لم يذكر فيها أخذ ما حواه العسكر بحال ، وشيخنا المفيد لم يتعرض لذلك في مقنعته بحال.
فأمّا السيد المرتضى فقد ذكر في المسائل الناصريات ، المسألة السادسة والمائتان : يغنم ما حوت عليه عساكر أهل البغي ، يصرف للفارس بفرس عتيق ثلاثة أسهم ، سهم له وسهمان لفرسه ، ويسهم للبرذون سهم واحد ، قال السيد المرتضى رحمهالله : هذا غير صحيح ، لأنّ أهل البغي لا يجوز غنيمة أموالهم ، وقسمتها كما تقسم أموال أهل الحرب ، ولا أعلم خلافا بين الفقهاء في ذلك ، ويرجع الناس كلّهم في هذا الموضع ، إلى ما قضى به أمير المؤمنين عليهالسلام في محاربي أهل البصرة ، فإنّه منع من غنيمة أموالهم ، فلمّا روجع عليهالسلام في ذلك ، قال أيّكم يأخذ عائشة في سهمه ، وليس يمتنع أن يخالف حكم قتال أهل البغي ، لقتال أهل دار الحرب في هذا الباب ، كما يخالف في أننا لا نتبع موليهم ، وإن كان اتباع المولّي من باقي المحاربين جائزا ، وانّما اختلف الفقهاء في الانتفاع بدواب أهل البغي ، وبسلاحهم في حال قيام الحرب ، فقال الشافعي : لا يجوز ذلك ، وقال أبو حنيفة : يجوز ما دامت الحرب قائمة ، ثم قال المرتضى رحمهالله : وليس يمتنع عندي أن يجوز قتالهم بسلاحهم على وجه لا يقع التملك له لأنّ ما منع من غنيمة أموالهم وقسمتها ، لا يمنع من قتالهم بسلاحهم ، لا على وجه التملك له ، كأنهم رموا حربة إلى جهة أهل الحق ، فيجوز أن يرموا بها على سبيل المدافعة والمقاتلة ، فأمّا استدلال الشافعي بقوله عليهالسلام. لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فليس بصحيح ، لأنّه إنّما نفى تملّك مال المسلمين وحيازته بغير طيب نفوسهم ، وليس كذلك المدافعة والممانعة ، وقد استدلّ
__________________
(١) التهذيب : ج ٦ ص ١٥٥ ، ح ٢٧٣. وفيه عن وهب عن حفص عن أبيه إلخ.
أصحاب أبي حنيفة على صحّة ما ذهبوا إليه ، في هذه المسألة بقوله تعالى ( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (١) قالوا : فأباح القتال عاما ، وذلك يشمل على قتالهم بدوابهم ، وسلاحهم ، وعلى قتالهم بدوابنا وسلاحنا ، قال المرتضى : وهذا قريب (٢).
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : الصحيح ما ذهب السيّد المرتضى رضياللهعنه اليه ، وهو الذي أختاره ، وافتي به ، والذي يدلّ على صحّة ذلك ، ما استدلّ به رضياللهعنه ، وأيضا فإجماع المسلمين على ذلك ، وإجماع أصحابنا منعقد على ذلك ، وقد حكينا في صدر المسألة ، أقوال شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمهالله في كتبه ، ولا دليل على خلاف ما اخترناه ، وقول الرسول عليهالسلام : لا يحلّ ما امرء مسلم إلا عن طيب نفس منه ، وهذا الخبر قد تلقته الأمة (٣) بالقبول ، ودليل العقل يعضده ، ويشيده ، لأنّ الأصل بقاء الأملاك على أربابها ، ولا يحل تملكها إلا بالأدلة القاطعة للأعذار.
والمحارب ، هو كلّ من قصد إلى أخذ مال الإنسان ، وشهر السلاح في برّ ، أو بحر ، أو حضر ، أو سفر ، فمتى كان شيء من ذلك ، جاز للإنسان دفعه عن نفسه ، وماله ، فإن أدّى ذلك (٤) إلى قتل اللّص ، لم يكن عليه شيء ، وإن أدّى إلى قتله هو كان بحكم الشهداء ، وثوابه ثوابهم ، هذا مع غلبة ظنّه بأنّه يندفع له ، وأنّه مستظهر عليه ، وأمّا إن غلب على ظنّه العطب ، وإن اللص يستظهر عليه (٥) ، فلا يتعرض له بحال ، لأنّ التحرز من الضرر المظنون ، يجب كوجوبه من الضرر المعلوم ، فأمّا حكم المحارب ، وحده ، فسنذكره إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود عند المصير إليه.
__________________
(١) الحجرات : ٩.
(٢) المسائل الناصريات : المصدر ما هو المذكور في المتن.
(٣) ل : الإماميّة.
(٤) ل : ذلك الدفع.
(٥) ل : مستظهر عليه. وكذا قبله.
باب من زيادات ذلك
يجوز للإمام أن يذم لجميع المشركين ، فأمّا من عدا الإمام ، فلا يجوز له أن يذم لجميعهم ، بل إن كان واليا على صقع من الأصقاع ، فله أن يذم لمن في صقعه ، فأمّا إن لم يكن واليا فلا يجوز أن يذم ، إلا لآحاد المشركين ، دون الجماعات ، ويجوز للإمام أن يذم لقوم منهم ، ويجوز له (١) أن يصالحهم على ما يراه ، ولا يجوز لأحد أن يذم عليه إلا باذنه ، وإذا كان جماعة من المسلمين في سرية فأذمّ واحد منهم لمشرك ، كانت ذمته ماضية على الكلّ ، ولم يجز (٢) لأحد منهم الخلاف عليه ، وإن كان أدونهم في الشرف ، حرا كان أو عبدا.
ومتى استذم قوم من المشركين إلى المسلمين ، فقال لهم المسلمون : لا نذمكم ، فجاؤا إليهم ظنّا منهم أنّهم أذمّوهم ، كانوا مأمونين ، ولم يكن عليهم سبيل.
ومن أذم مشركا ، أو غير مشرك ، ثم حفره ، ونقض ذمامه ، كان غادرا آثما.
ويكره أن يعرقب الإنسان الدابة على جميع الأحوال ، فإن وقفت عليه في أرض العدو فليخلها ، ولا يعرقبها ، إلا إذا خاف أن تركب ، ويلحقه العدو عليها ، فله عند هذه الحال أن يعرقبها.
وإذا اشتبه قتلى المشركين بقتلى المسلمين ، فقد روي أنّه يوارى منهم من كان صغير الذكر (٣) وهذه رواية شاذّة ، لا يعضدها شيء من الأدلة ، والأقوى عندي أنّه يقرع عليهم ، لأنّ كل أمر مشكل عندنا فيه القرعة بغير خلاف. وهذا من ذاك.
فأمّا الصلاة عليهم ، فالأظهر من أقوال أصحابنا أنّه يصلي عليهم بنية الصلاة على المسلمين دون الكفار.
ولا بأس أن يغزو الإنسان عن غيره ، ويأخذ منه على ذلك الأجرة ، فإن حصلت غنيمة كان السهم للأجير دون المستأجر.
__________________
(١) ج : ويجوز.
(٢) ل : ولم يحل.
(٣) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ٦٥ من أبواب جهاد العدو ح ١.