له فلا يصحّ تقدّمه عليه (١).
وحكى في (٢) غاية المراد عن الخلاف : الإجماع عليه (٣) ، وليس في الخلاف في هذه المسألة إلاّ أنّ البيع مع تقديم (٤) الإيجاب متّفق عليه فيؤخذ به ، فراجع (٥).
جواز تقديم القبول عند جماعة |
خلافاً للشيخ في المبسوط في باب النكاح ، وإن وافق الخلاف في البيع (٦) إلاّ أنّه عدل عنه في باب النكاح ، بل ظاهر كلامه عدم الخلاف في صحّته بين الإمامية ؛ حيث إنّه بعد ما ذكر أنّ تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل : «زوّجني فلانة» جائز بلا خلاف قال : أمّا البيع ، فإنّه إذا قال : «بعنيها» فقال : «بعتكها» صحّ عندنا وعند قومٍ من المخالفين ، وقال قومٌ منهم : لا يصحّ حتى يسبق الإيجاب (٧) ، انتهى.
وكيف كان ، فنسبة القول الأوّل إلى المبسوط مستند إلى كلامه في باب البيع ، وأمّا في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم ،
__________________
(١) ذكره المحقّق الثاني وقال : فإنّ القبول مبنيّ على الإيجاب ، انظر جامع المقاصد ٤ : ٦٠.
(٢) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : «عن» ، إلاّ أنّه صحّح في بعضها بما في المتن.
(٣) غاية المراد : ٨٠.
(٤) في «ف» : تقدّم.
(٥) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.
(٦) المبسوط ٢ : ٨٧.
(٧) المبسوط ٤ : ١٩٤.
الاستدلال على جواز التقديم |
كالمحقّق رحمهالله في الشرائع (١) والعلاّمة في التحرير (٢) والشهيدين في بعض كتبهما (٣) وجماعة ممّن تأخّر عنهما (٤) ؛ للعمومات السليمة عمّا يصلح لتخصيصها ، وفحوى جوازه في النكاح الثابت بالأخبار ، مثل خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة المشتمل على صحّة تقديم القبول بقوله للمرأة : «أتزوّجكِ متعةً على كتاب الله وسنّة رسول الله (٥) صلىاللهعليهوآلهوسلم» إلى أن قال ـ : فإذا قالت : «نعم» فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها (٦).
ورواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين كما قيل (٧) المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ «زوّجنيها» (٨).
__________________
(١) الشرائع ٢ : ١٣.
(٢) التحرير ١ : ١٦٤.
(٣) الشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ١٩١ ، واللمعة : ١٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤ ، وحاشية الشرائع (مخطوط) : ٢٧١.
(٤) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٥ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٨٩ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٤٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٥٤ ، وغيرهم.
(٥) في «ف» : رسوله ، وفي المصدر : نبيّه.
(٦) الوسائل ١٤ : ٤٦٦ ، الباب ١٨ من أبواب المتعة ، الحديث الأوّل.
(٧) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٧ : ٨٩ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٦٩.
(٨) عوالي اللآلي ٢ : ٢٦٣ ، الحديث ٨ ، وسنن البيهقي ٧ : ٢٤٢ ، باب النكاح على تعليم القرآن ، وانظر الكافي ٥ : ٣٨٠ ، الحديث ٥ ، والتهذيب ٧ : ٣٥٤ ، الحديث ١٤٤٤.
مختار المؤلف : التفصيل بين ألفاظ القبول |
والتحقيق : أنّ القبول إمّا أن يكون بلفظ «قبلت» و «رضيت» ، وإمّا أن يكون بطريق الأمر والاستيجاب ، نحو «بعني» فيقول المخاطب : «بعتك» ، وإمّا أن يكون بلفظ «اشتريت» و «ملكت» مخفّفاً و «ابتعت».
عدم جواز تقديم القبول بلفظ «قبلت» ونحوه |
فإن كان بلفظ «قبلت» فالظاهر عدم جواز تقديمه ، وفاقاً لمن عرفته (١) في صدر المسألة (٢) ، بل المحكيّ عن الميسيّة (٣) والمسالك (٤) ومجمع الفائدة (٥) : أنّه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ «قبلت» ، وهو المحكي عن نهاية الإحكام وكشف اللثام في باب النكاح (٦) ، وقد اعترف به غير واحدٍ من متأخّري المتأخّرين (٧) أيضاً ، بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة : الإجماع عليه (٨).
الاستدلال على عدم جواز التقديم في هذه الصورة |
ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر ، وإلى كونه خلاف المتعارف من
__________________
(١) كذا في «ف» ، وفي «ش» : «لما عرفت» ، وفي سائر النسخ : لمن عرفت.
(٢) راجع الصفحة ١٤٠ ١٤١.
(٣) لا يوجد لدينا ، وحكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥.
(٤) المسالك ٣ : ١٥٤.
(٥) مجمع الفائدة ٨ : ١٤٦.
(٦) حكى ذلك عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥ ، وأُنظر نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٨ ، وكشف اللثام ٢ : ١٢.
(٧) منهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٢٧٢.
(٨) المشار إليه بقوله : «هناك» هو باب النكاح ، لكن لم نقف في مسألة تقديم الإيجاب على القبول على ما يظهر منه الإجماع ، والموجود فيه أنّه نقل المنع عن أحمد ونفى عنه البأس ، انظر التذكرة ٢ : ٥٨٣.
العقد ـ : أنّ القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب ، فلا يعقل تقدّمه عليه ، وليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد (١) مجرّد الرضا بالإيجاب حتى يقال : إنّ الرضا بشيءٍ لا يستلزم تحقّقه قبله (٢) ، فقد يرضى الإنسان بالأمر المستقبل ، بل المراد منه الرضا بالإيجاب على وجهٍ يتضمّن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضيّة ؛ لأنّ المشتري ناقل كالبائع ، وهذا لا يتحقّق إلاّ مع تأخّر الرضا عن الإيجاب ؛ إذ مع تقدّمه لا يتحقّق النقل في الحال ، فإنّ مَن رضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلى الموجب ، بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقاً ؛ فإنّه يرفع بهذا الرضا يده من ماله ، وينقله إلى غيره على وجه العوضية.
ومن هنا يتّضح فساد ما حكي عن بعض المحقّقين في ردّ الدليل المذكور وهو كون القبول فرعاً للإيجاب (٣) وتابعاً له وهو : أنّ تبعيّة القبول للإيجاب ليس تبعيّة اللفظ للّفظ ، ولا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه ، وإنّما هو على سبيل الفرض والتنزيل ، بأن يجعل القابل نفسه متناولاً لما يُلقى إليه من الموجب ، والموجب مناولاً ، كما يقول السائل في
__________________
(١) لم ترد عبارة «الذي هو ركنٌ للعقد» في «ف».
(٢) كذا في «ف» و «ش» ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : «مجرّد الرضا بالإيجاب سواء تحقّق قبل ذلك أم لا ، حيث إنّ الرضا بشيءٍ لا يستلزم تحقّقه في الماضي ، فقد يرضى الإنسان .. إلخ» إلاّ أنّه شطب في «ن» على بعض الكلمات وصُحّحت العبارة بنحو ما أثبتناه في المتن.
(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : فرع الإيجاب.
مقام الإنشاء : «أنا راضٍ بما تعطيني وقابلٌ لما تمنحني» فهو متناول ، قدّم إنشاءه أو أخّر (١) ، فعلى هذا يصحّ تقديم القبول ولو بلفظ «قبلت» و «رضيت» إن لم يقم إجماع على خلافه (٢) ، انتهى.
ووجه الفساد : ما عرفت سابقاً (٣) من أنّ الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه ، ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال ، بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال ، وليس المراد أنّ أصل الرضا بشيءٍ تابعٌ لتحقّقه في الخارج أو لأصل الرضا به (٤) حتى يحتاج إلى توضيحه بما ذكره من المثال ، بل المراد الرضا الذي يعدّ قبولاً و (٥) ركناً في العقد.
عدم جواز تقديم القبول لو كان بلفظ الأمر |
وممّا ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم (٦) القبول بلفظ الأمر ، كما لو قال : «بعني هذا بدرهم» فقال : «بعتك» ؛ لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها ، لكن لم يتحقّق بمجرّد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم إلى البائع ، كما لا يخفى.
__________________
(١) في «ف» زيادة : قال.
(٢) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥ ، لكن إلى كلمة «أو أخّر» ، ثمّ قال : وهذا قد ذكره الأُستاذ دام ظلّه.
(٣) في الصفحة السابقة.
(٤) في «ش» : «أوّلاً قبل الرضا به» ، ويظهر من شرحي المامقاني والشهيدي أنّ الموجود في نسختيهما هو ما أثبتناه ، انظر غاية الآمال : ٢٤٥ ، وهداية الطالب : ١٩٣.
(٥) لم ترد «قبولاً و» في «ف» و «ش» ، وشطب عليها في «ن».
(٦) كذا في «ش» ، وفي غيرها : تقدم.
وأمّا ما يظهر من المبسوط من الاتّفاق هنا على الصحّة به (١) ، فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر على خلافه.
وأمّا فحوى جوازه في النكاح ، ففيها بعد الإغماض عن حكم الأصل ؛ بناءً على منع دلالة رواية سهل (٢) على كون لفظ الأمر هو القبول ؛ لاحتمال تحقّق القبول بعد إيجاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويؤيّده أنّه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب والقبول منع الفحوى ، وقصور دلالة رواية أبان (٣) ؛ من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة : «نعم» في الإيجاب.
اختلاف الفقهاء في صحّة تقديم القبول بلفظ الأمر |
ثمّ اعلم : أنّ في صحّة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافاً كثيراً بين كلمات الأصحاب ، فقال في المبسوط : إن قال : «بعنيها بألف» فقال : «بعتك» ، صحّ ، والأقوى عندي أنّه لا يصحّ حتى يقول المشتري بعد ذلك : «اشتريت» (٤) ، واختار ذلك في الخلاف (٥).
كلمات المانعين |
وصرّح به في الغنية ، فقال : واعتبرنا حصول الإيجاب من البائع والقبول من المشتري ، حذراً عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري ، وهو أن يقول : «بعنيه بألف» ، فيقول : «بعتك» فإنّه لا ينعقد حتى يقول المشتري بعد ذلك : «اشتريت» أو «قبلت» (٦) ، وصرّح به
__________________
(١) المبسوط ٤ : ١٩٤ ، وقد تقدّم في الصفحة ١٤١.
(٢) تقدّمت الإشارة إليها في الصفحة ١٤٢.
(٣) تقدّمت في الصفحة ١٤٢.
(٤) المبسوط ٢ : ٨٧.
(٥) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.
(٦) الغنية : ٢١٤.
أيضاً في السرائر (١) والوسيلة (٢).
وعن جامع المقاصد : أنّ ظاهرهم أنّ هذا الحكم اتّفاقي (٣) ، وحكي الإجماع أيضاً (٤) عن ظاهر الغنية أو صريحها (٥).
وعن المسالك : المشهور (٦) ، بل قيل : إنّ هذا الحكم ظاهر كلِّ من اشترط الإيجاب والقبول (٧).
كلمات المجوّزين |
ومع ذلك كلّه ، فقد صرّح الشيخ في المبسوط في باب النكاح ـ : بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع ، ونسبته إلينا مشعر (٨) بقرينة السياق إلى عدم الخلاف فيه بيننا ، فقال :
إذا تعاقدا ، فإن تقدّم الإيجاب على القبول فقال : «زوّجتك»
__________________
(١) السرائر ٢ : ٢٤٩ ٢٥٠.
(٢) لم نقف في الوسيلة على هذا التفصيل ، ولكن عدّ فيها من شرائط الصحّة : تقديم الإيجاب على القبول ، انظر الوسيلة : ٢٣٧ ، نعم صرّح بذلك العلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩ ، ولعلّ التشابه بين رمز الوسيلة «له» ورمز النهاية «يه» صار منشأً لاشتباه النسّاخ ، ويؤيّد هذا الاحتمال تأخير ذكرها عن السرائر.
(٣) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.
(٤) وردت «أيضاً» في «ع» ، «ص» و «ش» بعد عبارة «ظاهر الغنية».
(٥) الغنية : ٢١٤ ، والترديد من السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦١.
(٦) المسالك ٣ : ١٥٣.
(٧) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦١ ، وفيه : .. الإيجاب والقبول والماضوية فيهما.
(٨) كذا في «ش» ، وفي غيرها : «مشعراً» ، وفي مصحّحة «ص» : ونسبه إلينا مشعراً.
فقال : «قبلت التزويج» صحّ ، وكذا إذا تقدّم الإيجاب على القبول في البيع صحّ بلا خلاف ، وأمّا إن تأخّر الإيجاب وسَبَق القبول ، فإن كان في النكاح فقال الزوج : «زوّجنيها» فقال : «زوّجتكها» صحّ وإن لم يُعِد الزوج القبول ، بلا خلاف ؛ لخبر الساعدي : «قال (١) : زوّجنيها يا رسول الله ، فقال : زوّجتكها بما معك من القرآن» (٢) ، فتقدّم (٣) القبول وتأخّر الإيجاب ، وإن كان هذا في البيع فقال : «بعنيها» فقال : «بعتكها» صحّ عندنا وعند قومٍ من المخالفين ؛ وقال قومٌ منهم (٤) : لا يصحّ حتى يسبق الإيجاب (٥) ، انتهى.
وحكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل (٦) ، بل يمكن نسبة هذا الحكم إلى كلّ من جوّز تقديم القبول على الإيجاب بقولٍ مطلق ، وتمسّك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبَّر فيها عن القبول بطلب التزويج ، إلاّ أنّ المحقّق رحمهالله مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب والإيجاب صرّح بجواز تقديم القبول على الإيجاب (٧).
__________________
(١) في «ش» : قال الرجل.
(٢) انظر عوالي اللآلي ٢ : ٢٦٣ ، الحديث ٨ ، وسنن البيهقي ٧ : ٢٤٢ ، باب النكاح على تعليم القرآن.
(٣) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فقدّم.
(٤) انظر المغني ؛ لابن قدامة ٣ : ٥٦١ ، والمجموع ٩ : ١٩٨.
(٥) المبسوط ٤ : ١٩٤.
(٦) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٣.
(٧) الشرائع ٢ : ١٣.
وذكر العلاّمة قدسسره الاستيجاب والإيجاب ، وجعله خارجاً عن قيد اعتبار الإيجاب والقبول كالمعاطاة وجزم بعدم كفايته ، مع أنّه تردّد في اعتبار تقديم القبول (١).
وكيف كان ، فقد عرفت (٢) أنّ الأقوى المنع في البيع ؛ لما عرفت ، بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ «قبلت» يمكن المنع هنا ؛ بناءً على اعتبار الماضوية فيما دلّ على القبول.
ثمّ إنّ هذا كلّه بناءً على المذهب المشهور بين الأصحاب : من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم وعدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك.
وأمّا على ما قوّيناه (٣) سابقاً في مسألة المعاطاة : من أنّ البيع العرفي موجب للملك وأنّ الأصل في الملك اللزوم (٤) ، فاللازم الحكم باللزوم في كلّ مورد لم يقم إجماع على عدم اللزوم ، وهو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأساً ، أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة ممّا قام الإجماع على عدم إفادتها اللزوم (٥) ، وأمّا في غير ذلك فالأصل اللزوم.
__________________
(١) القواعد ١ : ١٢٣.
(٢) في الصفحة ١٤٥.
(٣) في نسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : اخترناه.
(٤) راجع الصفحة ٤٠ و ٩٦.
(٥) في غير «ف» و «ش» زيادة : وهو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء ، وفي «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» كتب عليها : «نسخة».
وقد عرفت أنّ القبول على وجه طلب البيع قد صرّح في (١) المبسوط بصحّته ، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا ، وحكي عن الكامل أيضاً (٢) ، فتأمّل.
جواز تقديم القبول لو كان بلفظ «اشتريت» ونحوه ، والاستدلال عليه |
وإن كان التقديم بلفظ «اشتريت» أو (٣) «ابتعت» أو «تملّكت» أو «ملّكت هذا بكذا» فالأقوى جوازه ؛ لأنّه أنشأ ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضاً ، ففي الحقيقة أنشأ المعاوضة كالبائع (٤) إلاّ أنّ البائع ينشئ ملكيّة ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه ، والمشتري ينشئ ملكيّة مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله ، ففي الحقيقة كلٌّ منهما يُخرج ماله إلى صاحبه ويدخل مال صاحبه في ملكه ، إلاّ أنّ الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض وفي القبول مفهوم من نفس الفعل ، والإخراج بالعكس.
وحينئذٍ فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو معنى القبول ، لكنّه لمّا كان الغالب وقوعه عقيب الإيجاب ، وإنشاء انتقال مال البائع إلى نفسه إذا وقع عقيب نقله (٥) إليه يوجب تحقّق المطاوعة ومفهوم القبول ، أُطلق عليه القبول ، وهذا المعنى مفقود في الإيجاب المتأخّر ؛ لأنّ المشتري إنّما ينقل ماله إلى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضاً ، والبائع إنّما ينشئ انتقال المثمن (٦) إليه كذلك ، لا بمدلول الصيغة.
__________________
(١) لم ترد «في» في غير «ش».
(٢) كما تقدّم في الصفحة ١٤٨.
(٣) في «ش» بدل «أو» : و.
(٤) في «ف» : كالتبايع.
(٥) في «ف» ، «ن» و «خ» زيادة : له.
(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : الثمن.
وقد صرّح في النهاية والمسالك على ما حكي (١) ـ : بأنّ «اشتريت» ليس قبولاً حقيقةً ، وإنّما هو بدل ، وأنّ الأصل في القبول «قبلت» ؛ لأنّ القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به ، ولفظ «اشتريت» يجوز الابتداء به.
ومرادهما (٢) : أنّه بنفسه لا يكون قبولاً ، فلا ينافي ما ذكرنا من تحقّق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع ، كما أنّ «رضيت بالبيع» ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلى البائع إلاّ إذا وقع متأخّراً ؛ ولذا منعنا عن تقديمه.
فكلٌّ من «رضيت» و «اشتريت» بالنسبة إلى إفادة نقل المال ومطاوعة البيع عند التقدّم والتأخّر متعاكسان.
فإن قلت : إنّ الإجماع على اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله (٣) : «اشتريت» حتى يقع قبولاً ؛ لأنّ إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقّق فيه معنى الانتقال وقبول الأثر ، فيكون «اشتريت» متأخّراً التزاماً بالأثر عقيب إنشاء التأثير من البائع ، بخلاف ما لو تقدّم ؛ فإنّ مجرّد إنشاء المالكيّة لمالٍ لا يوجب تحقّق مفهوم القبول ، كما لو نوى تملّك (٤) المباحات أو اللقطة ، فإنّه لا قبول فيه رأساً.
__________________
(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٣ ، وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٨ ، والمسالك ٣ : ١٥٤.
(٢) في «ف» : مرادهم.
(٣) في «ف» : «قول» ، وفي «خ» : قبوله.
(٤) في «ف» : ملك.
قلت : المسلّم من الإجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعنى الشامل للرضا بالإيجاب ، وأمّا وجوب تحقّق مفهوم القبول المتضمّن للمطاوعة وقبول الأثر ، فلا.
فقد (١) تبيّن من جميع ذلك : أنّ إنشاء القبول لا بدّ أن يكون جامعاً لتضمّن إنشاء النقل وللرضا بإنشاء البائع تقدّم أو تأخّر ولا يعتبر إنشاء انفعال نقل البائع.
فقد تحصّل ممّا ذكرناه : صحّة تقديم القبول إذا كان بلفظ «اشتريت» وفاقاً لمن عرفت (٢) ، بل هو ظاهر إطلاق الشيخ في الخلاف ؛ حيث إنّه لم يتعرّض إلاّ للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب والإيجاب (٣) ، وقد عرفت (٤) عدم الملازمة بين المنع عنه والمنع عن تقديم مثل «اشتريت» ، وكذا السيّد في الغنية ، حيث أطلق اعتبار الإيجاب والقبول ، واحترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة وبالاستيجاب والإيجاب (٥) ، وكذا ظاهر إطلاق الحلبي في الكافي ، حيث لم يذكر تقديم الإيجاب من شروط الانعقاد (٦).
__________________
(١) في «ف» : وقد.
(٢) في الصفحة السابقة.
(٣) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.
(٤) انظر الصفحة ١٤٨ ١٤٩.
(٥) الغنية : ٢١٤.
(٦) انظر الكافي في الفقه : ٣٥٢ (فصل في عقد البيع).
وهن الإجماع المنقول على وجوب تقديم الإيجاب |
والحاصل : أنّ المصرح بذلك في ما وجدت من القدماء الحليّ (١) وابن حمزة (٢) ، فمن التعجّب بعد ذلك حكاية الإجماع عن الخلاف (٣) على (٤) تقديم الإيجاب ، مع أنّه لم يزد على الاستدلال لعدم (٥) كفاية الاستيجاب والإيجاب (٦) بأنّ ما عداه مجمعٌ على صحّته ، وليس على صحّته دليل (٧). ولَعَمري أنّ مثل هذا ممّا يوهن الاعتماد على الإجماع المنقول ، وقد نبّهنا على أمثال ذلك في مواردها.
نعم ، يشكل الأمر بأنّ المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب ، ولا فرق بين المتعارف هنا وبينه في المسألة الآتية ، وهو الوصل بين الإيجاب والقبول ، فالحكم لا يخلو عن شوب الإشكال.
ثمّ إنّ ما ذكرنا جارٍ في كلّ قبولٍ يؤدّى بإنشاءٍ مستقلٍّ كالإجارة التي يؤدّي قبولها بلفظ «تملّكت منك منفعة كذا» أو «ملكت» ، والنكاح
__________________
(١) السرائر ٢ : ٢٤٣ ، هكذا وردت الكلمة في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : «الحلبي» بدل «الحليّ» ، وهو سهوٌ أو تصحيف ، فإنّه قد تقدّم آنفاً : أنّ الحلبي أطلق ، ولم يذكر تقديم الإيجاب.
(٢) الوسيلة : ٢٣٧.
(٣) حكاه عنه الشهيد الأوّل في غاية المراد : ٨٠ ، كما تقدّم في صدر المسألة ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٣.
(٤) في «ص» زيادة : لزوم.
(٥) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : بعدم.
(٦) كذا في النسخ ، والظاهر سقوط كلمة : إلاّ.
(٧) انظر الخلاف ٣ : ٤٠ ، كتاب البيوع ، ذيل المسألة ٥٦.
الذي يؤدّي قبوله (١) بلفظ «أنكحت» (٢) و «تزوّجت».
تقديم القبول فيما لا إنشاء في قبوله إلّا «قبلت» ونحوه |
وأمّا ما لا إنشاء في قبوله إلاّ «قبلت» أو ما يتضمّنه ك «ارتهنت» فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه ؛ إذ لا التزام في قبوله بشيء (٣) كما كان في قبول البيع التزام (٤) بنقل ماله إلى البائع ، بل لا ينشئ به معنى غير الرضا بفعل الموجب ، وقد تقدّم (٥) أنّ الرضا يجوز تعلّقه بأمرٍ مترقّب (٦) كما يجوز تعلّقه بأمرٍ محقّق ، فيجوز أن يقول : «رضيت برهنك هذا عندي» فيقول : «رهنت».
التحقيق عدم الجواز |
والتحقيق : عدم الجواز ؛ لأنّ اعتبار القبول فيه من جهة تحقّق عنوان المرتهن ، ولا يخفى أنّه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص إلاّ بعد تحقّق الرهن ؛ لأنّ الإيجاب إنشاءٌ للفعل ، والقبول إنشاءٌ للانفعال (٧).
وكذا القول (٨) في الهبة والقرض ، فإنّه لا يحصل من إنشاء القبول
__________________
(١) في غير «ش» : قبولها.
(٢) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : نكحت.
(٣) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : لشيء.
(٤) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : التزاماً.
(٥) تقدّم في الصفحة ١٤٤.
(٦) في «ف» : مستقبل.
(٧) في نسخة بدل «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : لأنّ الإيجاب إنشاء للنقل ، والقبول إنشاء للانتقال.
(٨) في «خ» ، «ص» ومصحّحة «ع» : القبول.
فيهما (١) التزام بشيء ، وإنّما يحصل به الرضا بفعل الموجب ، ونحوها (٢) قبول المصالحة المتضمّنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض.
لزوم تأخير القبول في المصالحة المشتملة على المعاوضة |
وأمّا المصالحة المشتملة على المعاوضة ، فلمّا كان ابتداء الالتزام بها جائزاً من الطرفين ، وكان نسبتها إليهما (٣) على وجه سواء ، وليس الالتزام (٤) الحاصل من أحدهما أمراً مغايراً للالتزام الحاصل من الآخر ، كان البادئ منهما موجباً ؛ لصدق الموجب عليه لغةً وعرفاً. ثمّ لمّا انعقد الإجماع على توقّف العقد على القبول ، لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول ؛ إذ لو قال أيضاً : «صالحتك» كان إيجاباً آخر ، فيلزم تركيب العقد من إيجابين.
وتحقّق من جميع ذلك : أنّ تقديم القبول في الصلح أيضاً غير جائز ؛ إذ لا قبول فيه بغير لفظ «قبلت» و «رضيت» ، وقد عرفت (٥) أنّ «قبلت» و «رضيت» مع التقديم لا يدلّ على إنشاءٍ لنقل العوض في الحال.
تلخيص ما سبق ، وبيان أقسام القبول |
فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ القبول في العقود على أقسام (٦) :
__________________
(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي غيرها : فيها.
(٢) في «ص» : نحوهما.
(٣) في «ف» : إليها.
(٤) في «ف» : وكان الالتزام.
(٥) في الصفحة ١٤٣ ١٤٤.
(٦) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : «ثلاثة أقسام» ، إلاّ أنّ «ثلاثة» محيت في «ن» تصحيحاً.
لأنّه إمّا أن يكون التزاماً بشيءٍ من القابل ، كنقل مالٍ عنه أو زوجيّة ، وإمّا أن لا يكون فيه سوى الرضا بالإيجاب.
والأوّل على قسمين :
لأنّ الالتزام الحاصل من القابل ، إمّا أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة ، أو متغايراً كالاشتراء.
والثاني أيضاً على قسمين :
لأنّه إمّا أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان والاتهاب والاقتراض (١) ، وإمّا أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالإيجاب كالوكالة والعارية وشبههما.
ما يجوز تقديمه من تلك الأقسام |
فتقديم القبول على الإيجاب لا يكون إلاّ في القسم الثاني من كلٍّ من القسمين.
ثمّ إنّ مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام إيجابه اعتبار عرفي ، فكلّ من التزم بنقل مالِه على وجه العوضية لمالٍ آخر يسمّى مشترياً ، وكلّ من نقل مالَه على أن يكون عوضه مالاً من آخر يسمّى بائعاً.
وبعبارةٍ اخرى : كلُّ من ملَّك مالَه غيرَه بعوضٍ فهو البائع ، وكلّ (٢) مَن ملِك مالَ غيرِه بعوض ماله فهو المشتري ، وإلاّ فكلٌّ منهما في الحقيقة يملِّك مالَه غيرَه بإزاء مالِ غيرِه ، ويملك مالَ غيرِه بإزاء ماله.
__________________
(١) في «ف» : الإقراض.
(٢) في «ش» : فكلّ.
اشتراط الموالاة في العقد |
الموالاة بين إيجابه وقبوله
ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع (١) ، ثمّ العلاّمة (٢) والشهيدان (٣) والمحقّق الثاني (٤) ، والشيخ المقداد (٥).
ما أفاده الشهيد في اعتبار الموالاة |
قال الشهيد في القواعد : الموالاة معتبرة في العقد ونحوه ، وهي مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين الاستثناء (٦) والمستثنى منه ، وقال (٧) بعض العامّة : لا يضرّ قول الزوج بعد الإيجاب : «الحمد لله والصلاة
__________________
(١) المبسوط ٤ : ٣٦٢.
(٢) القواعد ٢ : ٤ و ٨٠ ، في النكاح والخلع.
(٣) أمّا الشهيد الأوّل فقد صرّح بذلك في كتاب الوقف من الدروس ٢ : ٢٦٤ ، وقال في كتاب البيع منه : «ولا يقدح تخلّل آنٍ أو تنفّسٍ أو سعال» ، الدروس ٣ : ١٩١. وأمّا الشهيد الثاني فقد صرّح بذلك في الهبة والخلع من المسالك ، انظر المسالك ٦ : ٩ ، و ٩ : ٣٨٤.
(٤) رسائل المحقّق الكركي ١ : ٢٠١ ، في الخلع ، وجامع المقاصد ٤ : ٥٩ ، في البيع.
(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٢٤.
(٦) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : المستثنى.
(٧) في غير «ش» : فقال.
على رسول الله ، قبلت نكاحها» (١).
ومنه : الفوريّة في استتابة المرتدّ ، فيعتبر في الحال ، وقيل (٢) : إلى ثلاثة أيام.
ومنه : السكوت في أثناء الأذان ، فإن كان كثيراً أبطله.
ومنه : السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها (٣) ، وكذا التشهّد.
ومنه : تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع ، فإن تعمّدوا أو نسوا حتى ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامّة تحريمهم معه قبل الفاتحة.
ومنه : الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى (٤) أنّه تكرار ، والموالاة في سنة التعريف ، فلو رجع في أثناء المدّة استؤنفت (٥) ليتوالى (٦) ، انتهى (٧).
أقول : حاصله أنّ الأمر المتدرّج شيئاً فشيئاً إذا كان له صورة اتّصالية في العرف ، فلا بدّ في ترتّب الحكم المعلّق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتّصالية ، فالعقد المركّب من الإيجاب والقبول القائم
__________________
(١) قاله النووي ، انظر المجموع ١٧ : ٣٠٧.
(٢) قاله العلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٨٩.
(٣) في المصدر زيادة : خلالها.
(٤) في «ف» : لا يصدق.
(٥) في «ف» : استأنف ، وفي المصدر : استؤنف.
(٦) القواعد والفوائد ١ : ٢٣٤ ، القاعدة ٧٣.
(٧) لم ترد «انتهى» في «ف» و «م».
بنفس المتعاقدين بمنزلة (١) كلامٍ واحدٍ مرتبط بعضه ببعض ، فيقدح تخلّل الفصل المخلّ بهيئته الاتّصالية ؛ ولذا لا يصدق التعاقد (٢) إذا كان الفصل مفرطاً في الطول كسنة أو أزيد ، وانضباط ذلك إنّما يكون بالعرف ، فهو في كلّ أمرٍ بحسبه ، فيجوز الفصل بين كلٍّ من الإيجاب والقبول بما لا يجوز بين كلمات كلّ واحدٍ (٣) منهما ، ويجوز الفصل (٤) بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف ، كما في الأذان والقراءة.
المناقشة فيما أفاده الشهيد |
وما ذكره حسن لو كان حكم المِلك واللزوم في المعاملة منوطاً بصدق العقد عرفاً ، كما هو مقتضى التمسّك بآية الوفاء بالعقود (٥) ، وبإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك ، أمّا لو كان منوطاً بصدق «البيع» أو (٦) «التجارة عن تراضٍ» فلا يضرّه عدم صدق العقد.
وأمّا جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتّصال بين الاستثناء والمستثنى منه ، فلأنه منشأ الانتقال إلى هذه القاعدة ؛ فإنّ أكثر الكليات إنّما يلتفت إليها من التأمّل في موردٍ خاصّ ، وقد صرّح في القواعد
__________________
(١) لم ترد «بمنزلة» في «ف».
(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : المعاقدة.
(٣) لم ترد «واحد» في «ف».
(٤) لم ترد «الفصل» في «ن» ، «م» و «ش» ، ووردت في «ص» ونسخة بدل «خ» و «ع» بعد «الكلمات» ، وما أثبتناه مطابق ل «ف».
(٥) المائدة : ١.
(٦) في «ف» بدل «أو» : «و».
مكرّراً بكون الأصل في هذه القاعدة كذا (١).
ويحتمل بعيداً أن يكون الوجه فيه : أنّ الاستثناء أشدّ ربطاً بالمستثنى منه من سائر اللواحق ؛ لخروج المستثنى منه معه عن حدّ الكذب إلى الصدق ، فصدقه يتوقّف عليه ؛ فلذا كان طول الفصل هناك أقبح ، فصار أصلاً في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام ، ثمّ تُعدّي منه إلى سائر الأُمور المرتبطة بالكلام لفظاً أو معنى ، أو من حيث صدق عنوانٍ خاصٍّ عليه ؛ لكونه (٢) عقداً أو قراءة أو أذاناً ، ونحو ذلك.
ثمّ في تطبيق بعضها على ما ذكره خفاء ، كمسألة توبة المرتدّ ؛ فإنّ غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه : إنّ المطلوب في الإسلام الاستمرار ، فإذا انقطع فلا بدّ من إعادته في أقرب الأوقات.
وأمّا مسألة الجمعة ، فلأنّ هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من القيام والركوع والسجود مطلوبة ، فيقدح الإخلال بها.
وللتأمّل في هذه الفروع ، وفي صحّة تفريعها على الأصل المذكور مجال.
__________________
(١) منها ما أفاده في القاعدة المشار إليها آنفاً من قوله : «وهي مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين الاستثناء والمستثنى منه» ، ومنها قوله في القاعدة ٨٠ (الصفحة ٢٤٣) : «وهو مأخوذ من قاعدة المقتضي في أُصول الفقه» ، ومنها قوله في القاعدة ٨٦ (الصفحة ٢٧٠) : «لعلّهما مأخوذان من قاعدة جواز النسخ قبل الفعل» ، ومنها قوله في القاعدة ١٠٥ (الصفحة ٣٠٨) : «واصلة الأخذ بالاحتياط غالباً».
(٢) في «ص» : ككونه.