السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٥
الشيماء في محضر رسول الله صلىاللهعليهوآله :
قال محمد بن عمر : وأمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بطلب العدو ، وقال لخيله : إن قدرتم على «بجاد» ـ رجل من بني سعد بن بكر ـ فلا يفلتن منكم ، وقد كان أحدث حدثا عظيما ، كان قد أتاه رجل مسلم ، فأخذه فقطعه عضوا عضوا ، ثم حرقه بالنار (١).
وكان قد عرف جرمه فهرب ، فأخذته الخيل ، فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ، أخت رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من الرضاعة ، وأتعبوها في السياق ، فتعبت الشيماء بتعبهم ، فجعلت تقول : إني والله أخت صاحبكم ، فلا يصدقونها.
وأخذها طائفة من الأنصار ، وكانوا أشد الناس على هوازن ، فأتوا بها إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقالت : يا محمد!! إني أختك.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «وما علامة ذلك»؟
فأرته عضة بإبهامها ، وقالت : عضة عضضتنيها وأنا متوركتك بوادي السرر ، ونحن يومئذ نرعى البهم ، وأبوك أبي ، وأمك أمي ، وقد نازعتك الثدى ، وتذكر يا رسول الله حلابي لك عنز أبيك أطلان.
فعرف رسول الله «صلىاللهعليهوآله» العلامة ، فوثب قائما ، فبسط رداءه ، ثم قال : «اجلسي عليه» ، ورحب بها ، ودمعت عيناه ، وسألها عن أمه وأبيه ، فأخبرته بموتهما.
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٣ و ٩١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ عنه وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٨.
فقال : «إن أحببت ، فأقيمي عندنا محببة مكرمة ، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ، ورجعت إلى قومك» (١).
قالت : بل أرجع إلى قومي ، فأسلمت ، فأعطاها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ثلاثة أعبد وجارية ، وأمر لها ببعير أو بعيرين ، وقال لها : «ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومك ، فأنا أمضي إلى الطائف».
فرجعت إلى الجعرانة ، ووافاها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالجعرانة ، فأعطاها نعما وشاء ، ولمن بقي من أهل بيتها ، وكلمته في بجاد أن يهبه لها ويعفو عنه ، ففعل «صلىاللهعليهوآله» (٢).
شفاعة الشيماء ، ووفد هوازن بالسبايا :
وقالوا : «فاستأنى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالسبي بضع عشرة ليلة ، لكي يقدم عليه وفدهم ، ثم بدأ بقسمة الغنائم ، ثم قدم عليه الوفد مسلمين» (٣).
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٣ و ٩١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٣٨٠ وج ٥ ص ٣٣٣ عنه ، وراجع : مكارم الأخلاق ص ١٢٢ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٨٩ والإصابة ج ٨ ص ٢٠٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤١٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٢١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٨٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ١٧٠ وج ٣ ص ٩٣.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٨ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٣.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ عن ابن إسحاق ، وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ـ
وقالوا أيضا : «وقد كان فيما سبي أخته بنت حليمة ، فلما قامت على رأسه قالت : يا محمد ، أختك شيماء بنت حليمة.
قال : فنزع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» برده ، فبسطه لها ، فأجلسها عليه ، ثم أكب عليها يسائلها ، وهي التي كانت تحضنه ، إذ كانت أمها ترضعه.
وأدرك وفد هوازن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بالجعرانة ، وقد أسلموا (وكانوا أربعة عشر رجلا) ، فقالوا : يا رسول الله ، لنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا منّ الله عليك.
وقام خطيبهم زهير بن صرد ، فقال : يا رسول الله ، إنا لو ملكنا الحارث ابن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ، ثم ولي منا مثل الذي وليت لعاد علينا بفضله وعطفه ، وأنت خير المكفولين ، وإنما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك ، وحواضنك ، وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك ، ولسنا نسألك مالا ، إنما نسألكهن.
وقد كان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قسم منهن ما شاء الله ، فلما كلمته أخته قال : «أما نصيبي ، ونصيب بني عبد المطلب فهو لك ، وأما ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم».
فلما صلوا الظهر ، قامت فتكلمت ، وتكلموا ، فوهب لها الناس أجمعون ، إلا الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن. فإنهما أبيا أن يهبا ، وقالوا : يا رسول الله ، إن
__________________
ـ ص ١٥٢ وراجع : إمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٩.
هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا ، فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا.
فأقرع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بينهم ، ثم قال : «اللهم توّه سهميهما» ، فأصاب أحدهما خادما لبني عقيل ، وأصاب الآخر خادما لبني نمير ، فلما رأيا ذلك وهبا ما منعا.
قال : ولو لا أن النساء وقعن في القسمة لوهبهن لها كما وهب ما لم يقع في القسمة. ولكنهن وقعن في انصباء الناس ، فلم يأخذ منهم إلا بطيبة النفس (١).
وفي نص آخر : أن أبا جرول ، زهير بن صرد بعد أن خطب بنحو ما تقدم ، أنشأ يقول :
امنن علينا رسول الله في كرم |
|
فإنك المرء نرجوه وننتظر |
امنن على بيضة قد عاقها قدر |
|
مشتت شملها في دهرها غير |
أبقت لنا الدهر هتافا على حزن |
|
على قلوبهم الغماء والغمر |
إن لم تداركها نغماء تنشرها |
|
يا أرجح الناس حلما حين يختبر |
امنن على نسوة قد كنت ترضعها |
|
إذ فوك مملؤة من مخضها الدرر |
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها |
|
وإذ يزينك ما تأتي وما تذر |
لا تجعلنّا كمن شالت نعامته |
|
واستبق منا فإنا معشر زهر |
إنا لنشكر للنعما إذا كفرت |
|
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر |
__________________
(١) إعلام الورى ص ١٢٦ و ١٢٧ و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠ والبحار ج ٢١ ص ١٧٢ و ١٧٣ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٨.
فلما سمع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» هذا الشعر قال : «ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم». وقالت قريش : ما كان لنا فهو لله ولرسوله (١). __________________ (١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ ـ ٣٩٢ ، وذكر لهذا الحديث أسانيد مفصلة ، وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في السنن ج ٦ ص ٣٣٦ وج ٩ ص ٧٥ وفي الدلائل ج ٥ ص ١٩٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٣ وراجع : الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ج ١ ص ٩٢ وحلية الأبرار ج ١ ص ٣٠٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٦ و ١٨٧ ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص ١١٧ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ٤٥ والمعجم الصغير ج ١ ص ٢٣٧ والمعجم الكبير ج ٥ ص ٢٧٠ و ٢٧١ والإستيعاب ج ٢ ص ٥٢١ والأربعين البلدانية لابن عساكر ص ١٣٧ وكتاب الأربعين العشارية لعبد الرحيم العراقي ص ٢٣٤ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٤٧٤ و ٤٧٥ وتفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٢٨ وتاريخ بغداد ج ٧ ص ١٠٩ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ ولسان الميزان ج ٤ ص ١٠١ وراجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٦ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٢٦٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٠٧ والوافي بالوفيات ج ١٤ ص ١٥٥ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ٣١ و ٣٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٦٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٤ و ٩٥. |
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله |
|
في الناس كلهم بمثل محمد |
أوفى وأعطى للجزيل إذا احتذي |
|
ومتى تشأ يخبرك عما في غد |
وإذا الكتيبة عردت أنيابها |
|
بالسمهري وضرب كل مهند |
فكأنه ليث على أشباله |
|
وسط الهباءة خادر في مرصد |
فاستعمله رسول الله «صلىاللهعليهوآله» على من أسلم من قومه ، ومن تلك القبائل من هوازن ، وفهم ، وسلمة ، وثمالة.
وكان قد ضوى إليه قوم مسلمون ، واعتقد له لواء ، فكان يقاتل بهم من كان على الشرك ويغير بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم ، ولا يخرج لثقيف سرح إلا أغار عليه ، وقد رجع حين رجع ، وقد سرح الناس مواشيهم ،