مهدي تاج الدين
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
بِسمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، حبيب قلوب الصادقين أبي القاسم محمد صلىاللهعليهوآله ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .
وبعد : فهذا الكتاب الذي بين يديك ـ أيها القارئ الكريم ـ هو شرح مختصر لزيارة سيد شباب أهل الجنة : الإمام الحسين عليهالسلام الخاصّة بيوم الأربعين (١) .
وهذه الزيارة ـ كسائر الزيارات ـ تحتوي على مضامين عالية ونقاط سامية يجدر بكل المؤمنين الموالين معرفتها والانتباه إليها ... لأن فيها دروساً وعِبَر نافعة لا يستغني عنها المؤمنون .
وفي هذا المجال أرى من المناسب أن اُشير إلى عدّة نقاط :
الأُولى : أن زيارة الأربعين هي من خصائص الإمام الحسين عليهالسلام حيث لم يرد استحباب زيارة أحد من الأنبياء والأوصياء والأولياء في يوم الأربعين بعد وفاته أو شهادته ... بينما ورد النّص في استحباب زيارة الإمام الحسين عليهالسلام في يوم الأربعين ـ كما سنشير إليه ـ وهذا من خصائصه ( صلوات الله عليه ) وما أكثر خصائص الإمام الحسين عليهالسلام ؟!!
__________________
(١) المقصود من يوم الأربعين هو اليوم العشرون من شهر صفر حيث يصادف مرور أربعين يوماً على فاجعة عاشوراء الدامية ، يوم استشهاد ريحانة رسول الله : الإمام الحسين عليهالسلام والكوكبة الطاهرة من أهل بيته وأصحابه الأبرار على يد مرتزقة بني أُمية . كما يُصادف أيضاً وصول سبايا أهل البيت عليهمالسلام إلى كربلاء في أول زيارة لهم للإمام الحسين عليهالسلام بعد فاجعة كربلاء .
نعم . . ما أكثر خصائصه ( صلوات الله عليه ) من قبل ولادته ويوم ولادته وخلال حياته الكريمة ويوم شهادته وبعدها ، وإلى يومنا هذا .
الثانية : ان بعض علمائنا ( رضوان الله عليهم ) قد وفّقهم الله تعالى لشرح بعض زيارات الإمام الحسين عليهالسلام كزيارة عاشوراء ... إلّا إنني لم أجد أحداً ـ حسب استقرائي الناقص ـ قد تعرّض لشرح زيارة الأربعين ... مع العلم أن فيها معانٍ سامية ومعارف قيّمة .
وهذا ممّا شجّعني أكثر على القيام بشرح هذه الزيارة ...
وعلى كل حال ... فإنني اتقرّب إلى الله تعالى بهذا العمل المتواضع ، وأسأله سبحانه أن يتفضّل عليّ بالقبول وأن يكون لي صدقة جارية وذخيرة باقية للدار الآخرة ... إنه ذو الفضل العظيم .
هذا وقد احببتُ أن اُهدي كتابي هذا إلى سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عجَّل الله تعالى فَرَجه الشريف ) .
فإليك يا بقية الله في أرضه وحُجَّته على خلقه ،
يا خاتم الأوصياء ،
أيها المنتقم لدم جدك الحسين عليهالسلام .
إليك اُهدي هذه الصفحات المتعلقة بجدّك الإمام الحسين عليهالسلام ، فتقبَّل مني هذه البضاعة المزجاة ، وتصدَّق علينا ان الله يجزي المتصدقين .
عجَّل الله تعالى فَرَجك وسهَّل الله مَخْرَجَك وجعلنا من أنصارك وأعوانك والمجاهدين بين يديك . آمين رب العالمين .
|
مهدي تاج الدين ٣٠ / صفر / ١٤٢٦ هـ |
معنى المعرفة في زيارة الإمام الحسين عليهالسلام
روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : « من زار الحسين عليهالسلام عارفاً بحقه فكأنّما زار الله في عرشه » (١) ، وفي حديث آخر « ... كتبه الله في أعلى علّيين » (٢) .
كما ورد أيضاً في زيارة الإمام الرضا عليهالسلام ـ وغيره من الأئمة عليهمالسلام ـ أن من زاره عارفاً بحقه وجبت له الجنة .
والسؤال الآن : ما معنى المعرفة هنا حيث تكون للزائر هذه الدرجة الرفيعة ؟
قبل الجواب لابد أن نعرف معنى المعرفة :
المعرفة من العرفان في مقابل العلم ، والفرق بين العلم بالمعنى الأعم والمعرفة هو أن المعرفة عبارة عن إدراك الجزئيّات ، والعلم عبارة عن إدراك الكليّات ، وقيل أن المعرفة تصور ، والعلم تصديق .
ولذا يقال : كلُّ عالم عارف وليس كلُّ عارف عالم ، فالعلم يهتم بالكليّات ، والمعرفة تهتم بالجزئيّات ، فيُطلق على الله تعالى عالم ولا يطلق عليه عارف لأن المعرفة أخصّ من العلم ، فالعلم احاطة بالكليّات والجزئيّات ، والله تعالى محيط بالكليات والجزئيّات ، فيطلق عليه عالم ولا يطلق عليه عارف ، فالمعرفة كلي تشكيكي ذات مراتب طولية وعرضية أي مفهومه كلي ينطبق على مصاديق ذات
__________________
(١) مستدرك الوسائل ١٠ : ١١٥ .
(٢) ثواب الأعمال للصدوق : ١١٠ .
مراتب متعدّدة ، والكلي التشكيكي ما يتفاوت في التقدم والتأخر والضعف والأولوية ، ويقابله الكلي المتواطي كالانسان ، ولهذا قال مولى الموحّدين عليهالسلام : « تكلّموا تُعرفوا ، فإنّ الإنسان مخبوء تحت طيّ لسانه » (١) ، وجاء أيضاً : « تكلّموا يرحمكم الله فبالكلام يُعرف قَدركم » فالمعرفة إذن هي أُسّ الكمال لكل قابل لها ، لأن المعرفة مختصّة بمن له إدراك دون سواه .
والمعرفة على ثلاثة أنحاء : جلالية وجمالية وكمالية ، ونذكر مثالاً لتقريب المعنى : فإنك لو رأيت جبلاً عن بُعدٍ فإنك ستعرفه بحدوده ، وإنه ليس شجراً ولا حيواناً ولا إنساناً وإنما هو جبل ، فهذه المعرفة يقال لها معرفة جلالية ، ولكن لو اقتربت منه ورأيت جماله وصلابته وشموخه فهذه معرفة جمالية ، وعندما تصعد عليه وترى كنهه وواقعه فهذه معرفة كمالية ، وهكذا معرفتنا نحن للأئمة الأطهار عليهمالسلام .
وقد ورد في الزيارة الجامعة : « ما من وضيع ولا شريف ولا عالم ولا جاهل إلّا عرف جلالة قدركم » أي حتى عدوّهم يشهد بفضلهم لأنه يعرفهم معرفة جلالية ، وهناك من يعرف أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهالسلام بمعرفة جمالية ، فلذلك استحق سلمان أن يكون من أهل البيت عليهمالسلام فقالوا في حقه « سلمان منّا أهل البيت » فتراه ملازماً لأمير المؤمنين عليهالسلام ، فكلّما دخل الأصحاب المسجد وجدوا سلمان بجوار مولاه يشرب من معينه الصافي ، فاتفقوا عل أن يسبقوا سلمان إل أمير المؤمنين عليهالسلام ، فبكروا بالمجيء وفعلاً لم يجدوا في الطريق إلّا آثار أقدام الإمام عليهالسلام ففرحوا بذلك ، ولكن عندما وصلوا المسجد وجدوا سلمان جالساً عند أمير المؤمنين عليهالسلام فتفاجؤا فقالوا : يا سلمان من أين أتيت ؟ انزلت من السماء أم خرجت من الأرض ؟
__________________
(١) نهج البلاغة ، قصار الكلمات .
فقال سلمان : إنما جئت من حيث جئتم .
فقالوا : فأين آثار أقدامك ؟
فقال : إني لمّا رأيت أقدام أمير المؤمنين عليهالسلام وضعت أقدامي عليها لأني أعلم انه لا يضع قدماً ولا يرفعها إلّا بحكمة وعلم .
هكذا يعرف سلمان مولاه وهكذا يقتفي أثره ، فمعرفة سلمان بالإمام معرفة جمالية .
وهناك معرفة أُخرى لأمير المؤمنين والإمام الحسين عليهالسلام وهي المعرفة الكمالية ، وهذه منحصرة بالله تعالى ورسوله حيث صرّح بذلك النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : « يا عليّ ما عرفك إلّا الله وأنا » .
والسبب واضح وهو أنه لا يعرف حقيقة الولي والحجة وباطن أمير المؤمنين إلّا من كان محيطاً بذلك تمام الاحاطة .
فعلى هذا الكلام تكون معرفتنا نحن بالأئمة عليهمالسلام عرفة جماليّة لا كماليّة ، فكلّما ازدادت معرفتنا بهم زاد حبُّنا لهم ، وإذا زدنا حباً زدنا أدباً ، ومن خلال الأدب والحب نزداد علماً ونوراً في ساحتهم وروضتهم ، لأن العلم ليس بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء .
وقال النبي عيسى عليهالسلام : ليس العلم في السماء حتى ينزل إليكم ولا في الأرض فيخرج لكم وإنما هو في قلوبكم ، فتخلّقوا باخلاق الرّوحانيين يظهر لكم » .
وهو نظير قول النبي صلىاللهعليهوآله : « من اخلص لله أربعين يوماً تنفجر ينابيع الحكمة في قلبه » .
فلابد للإنسان الذي يريد الترقّي في سُلَّم الكمال من المعرفة فإن الفضل بالمعرفة « افضلكم افضلكم معرفة » وهي التي تقود إلى العبادة الحقة الخالصة ، ومن هنا صار نوم العالم أفضل من قيام الجاهل لأن قيمة الإنسان بالمعرفة .
ولهذا فالواجب على شيعة أهل البيت عليهمالسلام أن يزدادوا معرفة بأهل البيت عليهمالسلام ومعرفة كلامهم وأدعيتهم وزياراتهم ، لأن الزيادة في معرفتهم عليهمالسلام تمنح الإنسان الأدب والخضوع والخشوع والمودّة والاطاعة ، ومن ثَمَّ ينال الإنسان القرب من الله ويفوز بسعادة الدارين .
ومن هذا المنطلق تعتبر زيارة أربعين الإمام الحسين عليهالسلام خطوةً في طريق معرفة ائمة أهل البيت عليهمالسلام .
فبهذه المعرفة يزداد الإنسان عملاً فقد جاء في الحديث الشريف : « المعرفة تدل الإنسان على العمل والعمل على المعرفة » وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : لا يقبل الله عملاً إلّا بمعرفة ولا معرفة إلّا بعمل فمن عرف دلته المعرفة على العمل » (١) .
فعلى هذا القول يتضح لنا أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين معرفة الإنسان وبين عمله فالمعرفة الجلالية هي المعرفة التي يعرفها الوضيع والشريف والجاهل والعالم ، تجد الجميع عندما يدخل حرم الإمام الحسين عليهالسلام يعظّمه ويحترمه حتى ولو كان إنساناً غير متأدب بالآداب الدينية ، فتراه يُقبِّل الضريح والباب حبّاً وتعظيماً ولكن هذه الزيارة السطحيّة غير كافية في أن تمنع هذا الانسان من المعصية ، لأنها بنيت على معرفة جلالية لا جمالية .
ولذلك تجد ذلك الرجل المسيحي (٢) عندما يكتب عن أمير المؤمنين ـ وغيره الذين كتبوا عن الحسين عليهالسلام ـ ويعرف أن علياً عليهالسلام رجل عظيم شديد العدل ، ولشدّة عدله قُتل في المحراب ، لكنه لا يترك مسيحيّته ولم يتمسّك بنهج علي عليهالسلام مع أنه
__________________
(١) الكافي ١ : ٩٤ .
(٢) جورج جرداق كتابه صوت العدالة الإنسانية .
يعترف بعظمة الإمام علي وسموّه وجلاله ، لأن معرفته بالإمام معرفة جلالية ، فلا يوالي أمير المؤمنين عليهالسلام في عقيدته ولا يقتدي في سلوكه وأفعاله ، فهذا دليل على أنّ معرفته لم تصل إلى رتبة المعرفة الجمالية التي لها الأثر الكبير في علاقة العارف بأهل البيت عليهمالسلام .
فهكذا معرفة البعض بالإمام الحسين عليهالسلام فإنه يعرفه حق المعرفة بأن له الدور الكبير في إحياء الدين ، وأنه ابن رسول الله ، وضحى بكل ما لديه لاجل الدين وهداية البشرية ... .
ولكن مع ذلك لا يتورّع عن النظر إلى المرأة الأجنبية وهو في حرم الإمام الحسين عليهالسلام ، فهذا دليل على أنه لا يرى للحرم حُرمةً ولا يراه شريفاً وإلّا كيف يجرء على المعصية ، فهذا ينطبق على كل عارف بالإمام الحسين عليهالسلام معرفة جلالية ، فإنها غير كافية عن منعه عن ارتكاب المعصية .
أمّا الشيعي الحقيقي العارف بحقّه معرفة جمالية فإنّه يقدّس الحرم والمدفون في الحرم غاية التقديس والتعظيم ، فتراه يدخل الحرم الشريف خاشعاً متأدّباً بآداب الزيارة والمكان .
فبالمعرفة يكتسب المؤمن أدباً وخضوعاً وحباً ، لأن الإمام الحسين عليهالسلام هو باب الله الذي منه يؤتى ووسيلته التي إليه ترجى ونوره في أرضه .
نحن نعلم أن الذي يقف أمام نورٍ حِسِّي سيتكوَّن خلفه ظلّ وظلمة ، ويتصاغر هذا الظلّ وتندحر هذه الظلمة كلما اقترب من النور ، فما يعيشه الإنسان من الجهل الذي خُلِقَ من الظُلمة وجُعل له وهي الصفات الذميمة وكلّها ظلمانية كما خُلق العقل من النور وجعل الله له جنوداً نورانية ، كما في حديث العقل في كتاب الكافي .
فالظلمات التي يعيشها الإنسان هي السبب في هذا البعد عن الحقّ والحقيقة ، فلابد من علاج ولا نرى علاجاً ناجعاً إلّا بالتوجّه إلى أهل بيت الطهر والطهارة ... إلى الإمام الحسين عليهالسلام والأئمة الأطهار من أهل البيت عليهمالسلام ومعرفتهم حق المعرفة والتزوّد منهم ، لأن القلب لو أُسود واظلَمَّ بشيء من قاذورات المعاصي فإنه يطهر بدخوله إلى حرم الإمام الحسين عليهالسلام وزيارته عليهالسلام بخشوع ، ويخرج منها طاهراً ، لأن الحسين عليهالسلام يطهر القلب والروح كما يطهر الماء البدن ، ولا قياس لأنهم هم أهل بيت الطهر والطهارة كما قال تعالى : ـ ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ـ وجاء في الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله : « إن من وقف قرب بائع العطر يصيبه شيء من ذلك العطر » وهكذا الذي يدخل إلى العطر المعنوي وينغمس فيه فسيكون مصدراً للعطر أينما حل .
إذن : فلنعرف الحسين عليهالسلام ولنزره بمعرفة حَقّه ، وأن لا نُعدم الثواب في زيارته ، فبزيارته تتغير جواهر القلوب وترتفع الحجب الظلمانية .
وقد ورد في الدعاء عن الإمام الصادق عليهالسلام :
« اَللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ اَعْرِفْ رَسُولَكَ ، اَللّهُمَّ عَرِّفْني رَسُولَكَ فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْني رَسُولَكَ لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ ، اَللّهُمَّ عَرِّفْني حُجَّتَكَ فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ ديني ، اَللّهُمَّ لا تُمِتْني ميتَةً جاهِلِيَّةً » .
الحكمة من زيارة الإمام الحسين عليهالسلام
إذا شئت النجاة فزر حسينا |
|
لكي تلقى الإله قرير عين |
فإن النار ليس تمس جسماً |
|
عليه غبار زوّار الحسين |
* * *
وقال بعض الأُدباء :
بزوار الحسين خلطت نفسي |
|
لتحسب منهم يوم العداد |
فإن عُدَّت فقد سعدتْ وإلّا |
|
فقد فازت بتكثير السواد |
* * *
لا يخفى على من له إلمام واطلاع بالأحاديث الشريفة المرويّة حول زيارة الإمام الحسين ( سلام الله عليه ) ان هذا الأمر قد نال اهتمام أهل البيت عليهمالسلام إلى درجة كبيرة جداً ... بحيث أن زيارته عليهالسلام حازت الصَّدارة في زيارة مراقد المعصومين أجمعين ( عليهم الصلاة والسلام ) .
ولا غرابة في هذا الأمر ... ذلك لأن الإمام الحسين عليهالسلام هو رمز التشيّع وهو سرُّ بقاء الإسلام إلى هذا اليوم ، وباسمه تقام أُلوف بل ملايين المجالس والمحافل والاجتماعات الدينية في شرق الأرض وغربها ، وباسمه تؤسّس المؤسّسات والمراكز الثقافية والخيريّة والتوجيهيّة وغيرها .
والناس ـ على اختلاف مذاهبهم وأديانهم واتّجاهاتهم ـ يشعرون في أعماق نفوسهم وقلوبهم باندفاع قويّ نحو الإمام الحسين عليهالسلام بالذات وشعائره المقدّسة ، فتراهم يبذلون أموالهم وأملاكهم في سبيل الإمام الحسين عليهالسلام وبكل جود وسخاء .
وتراهم يشدُّون الرحال ويقطعون أُلوف الأميال ويتحمّلون مشاقّ السفر وعناء الطريق قاصدين مدينة كربلاء المقدّسة ـ بالعراق ـ ليتشرّفوا بزيارة مرقد الإمام الحسين عليهالسلام .
لماذا ؟
ما هو الدافع الذي يدفعهم نحو ذلك ؟
وما هو هدفهم من ذلك ؟
الجواب : أولاً : رغبة منهم في الحصول على الثواب الجزيل الذي أعدّه الله تعالى لزائر قبر الإمام الحسين عليهالسلام في الآخرة .
ذلك الثواب الذي صرّحت به عشرات الأحاديث الصحيحة المعتبرة التي لا شكّ فيها ولا ريب .
وبإمكانك ـ أيها القارئ الكريم ـ أن تقوم بمراجعة كتاب كامل الزيارات ـ للمحدّث الجليل الثقة : ابن قولويه ـ لتقف على جانب من تلك الأحاديث الشريفة المروية في هذا المجال .
ثانياً : رغبة منهم في نيل البركات والآثار الدنيويّة التي يتفضّل الله تعالى على زائر قبر الإمام الحسين عليهالسلام من سعة الرزق وطول العمر ودعاء الملائكة له ، وغيرها من البركات التي نطقت بها الأحاديث والروايات الصحيحة المعتبرة .
ثالثاً : لأن زيارة الإمام الحسين عليهالسلام شأنها شأن العبادات الأُخرى التي يتقرّب الإنسان بها إلى الله تعالى ، فزيارته « خير موضوع فمن شاء استقلّ ومن شاء استكثر » كما قال الإمام الصادق عليهالسلام .
رابعاً : ان العقل يحكم برجحان زيارته عليهالسلام .
توضيح ذلك : ان تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد موتهم نزعة فطرية وسُنَّة عقلائية سائدة في كافّة أنحاء العالم وبين جميع الأُمم والشعوب العالمية ، والحضارات الإنسانية منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا .
بل إن عصرنا هذا وجيلنا الحاضر هو أكثر تمسُّكاً وأشدّ محافظة على هذا التقليد من السابق ، فترى بعض الدول ـ التي ليس لها زعيم سابق معروف وبطل عالمي شهير تمجّد فيه البطولة والفداء في سبيل الاُمة ـ يعمدون إلى بناء نصب تذكاري يسمونه ( الجندي المجهول ) يرمزون به على التضحية الفذّة والفداء المثالي في سبيل الوطن ، ويمجّدون فيه البطولة والشهامة .
وها نحن نسمع ونقرأ ونرى إنه ما من رئيس دولة زار أو يزور دولة أُخرى في الشرق أو في الغرب إلّا وكان في برامج زيارته موعد خاص لزيارة ضريح عظيم تلك الدولة أو مؤسِّسها أو محرِّرها ، أو زيارة النصب التذكاري فيها للجندي المجهول . فيضع على ذلك الضريح أو ذلك النصب اكليلاً من الزهور ويؤدّي التحيّة المرسومة .
ولذلك ترى الشعوب غير المسلمة تنحت الصور وتقيم التماثيل لرجالها المصلحين في الساحات العامة والمواقع الحساسة من مدنها ... لماذا يصنعون ذلك ؟ لا شك أنك تعرف أنهم يفعلون ذلك تكريماً لذكراهم وشكراً لتضحياتهم وتلقيناً لسيرتهم وعملهم إلى الشباب الحاضر والأجيال القادمة .
غير أن الإسلام يحرم النحت وصنع التماثيل مطلقاً ولأي شخص كان ، فلذا ليس أمامنا نحن المسلمين لأجل تكريم زعمائنا المخلصين وشهدائنا الأحرار لأجل الاعراب عن شكرنا لهم ، ولأجل تلقين أجيالنا الطالعة سيرتهم ومبادءهم إلّا زيارة قبورهم والوقوف أمام مراقدهم خاشعين مستوحين منها ذكريات التضحية والفداء في سبيل المصلحة العامة .
هذا منطق الشيعة وفلسفتهم لهذه الظاهرة وهو كما تراه منطق العقل في كل زمان ومكان .
وعليه فإن زيارة قبور الأبطال ومراقد
العظماء وأضرحة الشهداء سيرة عقلائية وسُنَّة إنسانية لا تخصّ قوماً أو أُمة أو طائفة ، فلماذا يلام الشيعة على زيارة
مرقد الإمام الحسين عليهالسلام بكربلاء ، وهو سيد الشهداء الأحرار ، وقدوة القادة الأبطال ، والمثل الأعلى لرجال الاصلاح والفداء في العالم ، الذي أنقذ أُمته من خطر المحو والزوال ، ودفع بها نحو الأمام والسير على الطريق المستقيم بعد أن كلّفه ذلك جميع ما ملك في هذه الحياة ؟!
إن في زيارة قبر الإمام الحسين عليهالسلام من المكاسب الروحية والفوائد الفكرية والأخلاقية ما ليس مثلها في زيارة أيّ مرقد وضريح آخر ، وسوف نشير إلى ذلك من خلال الروايات التي وردت عن رسول الله صلىاللهعليهوآله وعن أئمة أهل البيت عليهمالسلام في خصوص فضل زيارة قبر الحسين عليهالسلام .
وفي الختام إليك نبذة من كتاب ( أبو الشهداء ) للعقاد حول هذا الموضوع قال في ص ١٢٩ :
وشاءت المصادفات أن يساق ركب الحسين عليهالسلام إلى كربلاء بعد أن حيل بينه وبين كل وجهة أُخرى ، فاقترن تاريخها منذ ذلك اليوم بتاريخ الإسلام كلّه ، ومن حقه أن يقترن بتاريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة يستحق بها التنويه والتخليد . فهي ـ أي كربلاء ـ اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة ولكنها ـ أي كربلاء ـ لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين عليهالسلام فيها .
فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب إلّا ضرباً من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين عليهالسلام في تلك البقعة الجرداء . انتهى محل الشاهد من كلام العقاد .
نعم أيها القارئ الكريم : لقد التزم أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم بالحفاظ على زيارة الحسين عليهالسلام في ظروف صعبة وشاقة ، وقد كلّفتهم تضحيات غالية . ففي عصر المتوكل العباسي مثلاً فرضت ضريبة مالية قدرها ألف دينار من ذهب على كلّ شخص يرد كربلاء لزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، ولمّا رأت السلطات العباسية أن هذه الضريبة الباهظة لم تمنع الناس من زيارة الحسين عليهالسلام أضافوا إليها ضريبة دموية ، فكانوا يقطّعون الأيدي ويسملون الأعين وغير ذلك من الأذى .
وكان أئمة أهل البيت عليهمالسلام يعلمون ذلك كلّه ولم يمنعوا الناس من زيارة الحسين عليهالسلام لما فيها من مكاسب روحية واجتماعية وسياسية للمؤمنين . بل يحثّونهم على الاستمرار في زيارة قبر الإمام الحسين عليهالسلام رغم كلّ الصعاب والعقبات . ويقولون لهم : إن لزائر قبر الحسين عليهالسلام بكل خطوة يخطوها حسنة عند الله سبحانه .
مواسم زيارة الإمام الحسين عليهالسلام :
سُبق وأن ذكرنا أن عشرات الأحاديث الصحيحة المعتبرة تصرّح باستحباب زيارة مرقد الإمام الحسين عليهالسلام .
وهذه الأحاديث تنقسم إلى قسمين :
الأول : التي تذكر استحباب زيارة الإمام الحسين عليهالسلام بصورة مطلقة ، من دون ذكر وقت معيّن أو يوم معيّن ... فهي عامّة لأيام السّنة كلها .
الثاني : التي تؤكّد على استحباب زيارته عليهالسلام في أيام شريفة وأوقات خاصّة لها مزيّة عند الله سبحانه .
وفيما يلي نشير إلى بعض تلك المناسبات الخاصة ـ في استعراض خاطف ، ومن أراد التفصيل فليراجع الكتب المفصّلة في هذا المجال كالمجلّد الخاص بزيارته عليهالسلام في موسوعة بحار الأنوار للشيخ العلّامة المجلسي ( طاب ثراه ) وغيره ـ :
١ ـ كل ليلة جمعة .
٢ ـ يوم عاشوراء .
٣ ـ يوم الأربعين .
٤ ـ الليلة الأُولى من شهر رجب واليوم الأول منه .
٥ ـ النصف من شهر رجب .
٦ ـ ليلة النصف من شهر شعبان .
٧ ـ ليالي القدر من شهر رمضان المبارك .
٨ ـ ليلة عيد الفطر ويوم العيد .
٩ ـ ليلة عرفة ويوم عرفة .
١٠ ـ يوم عيد الأضحى .
١١ ـ وفي كل يوم .
وغيرها من المواسم المستحبّة .
ولذلك تجد الشيعة الإماميّة أتباع أهل البيت عليهمالسلام يتوافدون من مختلف بلاد العالم إلى كربلاء المقدّسة ـ وخاصّة في هذه المناسبات المذكورة ـ وتمتلأ بهم مدينة كربلاء بشوارعها وفنادقها وأسواقها وطرقاتها ... .
وقد قدِّر عدد الزوّار في إحدى المناسبات الخاصّة ـ بعد سقوط نظام الطاغية صدام ـ بثمان ملايين ... وهو عدد كبير جداً .
والجدير بالذكر أن قدوم هذا العدد الهائل من الزوّار إلى مدينة كربلاء لا يؤدّي إلى حدوث أزمة في المأكل والمشرب والموادّ الغذائية وغيرها ... أبداً بالرغم من عدم تعاون الحكومة على توفير وسائل الراحة للزوّار .
وفي الحقيقة ... نحن لا نعرف تفسيراً لهذه الظاهرة سوى أنها من بركات الإمام الحسين عليهالسلام الذي شاء الله تعالى الرفعة والسموّ والعظمة والتحدّي ... على مرور الأعوام والقرون .
وظاهرة توافد الشيعة على كربلاء المقدّسة لزيارة مرقد الإمام الحسين عليهالسلام ليست جديدة ... بل إنها بدأت من تاريخ استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام ـ ومنذ سنة إحدى وستين هجرية ـ وحتى الآن .
وقد حافظ الشيعة على هذا الأمر العظيم وبذلوا مختلف امكانياتهم وجهودهم في سبيل ذلك ، وواجهوا مختلف التحدّيات المناوئة بكل صمود ومقاومة ، وقدّموا التضحيات الجسيمة من أموالهم وأنفسهم ، وخاصة في العهدين المشؤمين : الأموي والعباسي .
آثار وفضل زيارة الإمام الحسين عليهالسلام
أيا زائراً قبراً على العرش قد علا |
|
تضمّن سبط المصطفى خيرة الملا |
||
هل دمعك القاني وقل متمثلاً |
|
أيقتل عطشاناً حسين بكربلا |
||
|
وفي كل عضو من أنامله بحر |
|
||
* * *
مَن زاره عليهالسلام ماشياً :
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليهالسلام فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه ، ثم لم يزل يقدس بكل خطوة حتّى يأتيه ، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال : عبدي سلني اعطك ، ادعني اجبك ، اطلب مني اعطك ، سلني حاجةً اقضها لك ، قال : وقال أبو عبد الله عليهالسلام : وحق على الله أن يعطي ما بذل (١) .
وأيضاً عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلتُ له : جعلت فداك ما أدنى مالزائر قبر الحسين عليهالسلام فقال لي :
يا عبد الله إنّ أدنى ما يكون له أن يحفظه في نفسه وأهله حتّى يردّه إلى أهله ، فإذا كان يوم القيامة كان الله الحافظ له (٢) .
__________________
(١) كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ٢٥٣ ، الحديث ٣٧٩ ، الباب التاسع والأربعون .
(٢) بحار الأنوار ١٠١ : ٧٨ .
كرامة الله لزوّار الحسين عليهالسلام :
عن عبد الله الطحان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته وهو يقول : ما من أحد يوم القيامة إلّا وهو يتمنى أنّه من زوّار الحسين لما يرى مما يصنع بزوّار الحسين عليهالسلام من كرامتهم على الله تعالى (١) .
وعنه عليهالسلام أيضاً قال : مَن سرّه أن يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوّار الحسين بن علي عليهالسلام (٢) .
أيام زائري الحسين عليهالسلام لا تعد من أعمارهم :
عن الإمام الرضا عليهالسلام عن أبيه قال : قال أبو عبد الله جعفر الصادق عليهالسلام : إنّ أيام زائري الحسين عليهالسلام لا تُحسب من أعمارهم ولا تُعد من أجالهم (٣) .
إنّ زائر الحسين عليهالسلام يكون في جوار رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي وفاطمة عليهماالسلام :
عن أبي خالد ذي الشامة ، قال : حدثني أبو اسامة قال : سمعتُ أبا عبد الله عليهالسلام يقول : مَن أراد أن يكون في جوار نبيه صلىاللهعليهوآله وجوار علي وفاطمة فلا يدع زيارة الحسين بن علي عليهالسلام (٤) .
إن زائر الحسين عليهالسلام يدخل الجنّة قبل الناس :
عن عبد الله بن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إنّ لزوّار الحسين بن علي عليهالسلام يوم القيامة فضلاً على الناس ، قلتُ : وما فضلهم ؟ قال : يدخلون الجنّة قبل الناس بأربعين عاماً وسائر الناس في الحساب والموقف (٥) .
__________________
(١) الوسائل للحر العاملي ١٤ : ٤٢٤ .
(٢) بحار الأنوار ١٠١ : ٧٢ .
(٣) التهذيب للشيخ الطوسي ٦ : ٣٦ .
(٤) كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ٢٦٠ ، الحديث ٣٩٢ .
(٥) بحار الأنوار ١٠١ : ٢٦ .
مَن زار الحسين عليهالسلام كَمن زار الله في عرشه :
عن زيد الشحام ، قال : قلتُ لأبي عبد الله عليهالسلام : ما لمَن زار قبر الحسين عليهالسلام قال : كان كمَن زار الله في عرشه (١) .
مَن زار الحسين عليهالسلام كُتب في أعلى عليّين :
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : مَن أتى الحسين عليهالسلام عارفاً بحقه كتبه الله في أعلى عليّين (٢) .
إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تزيد في العمر والرزق :
عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فإنّ إتيانه يُزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله (٣) .
إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تحط الذنوب :
عن الإمام الصادق عليهالسلام قال :
مَن أراد أن يكون في كرامة الله يوم القيامة وفي شفاعة محمّد صلىاللهعليهوآله فليكن للحسين زائراً ينال من الله الفضل والكرامة وحسن الثواب ، ولا يسأله عن ذنب عمله في حياة الدنيا ، ولو كانت ذنوبه عدد رمل عالج وجبال تهامة وزبد البحر ، إنّ الحسين عليهالسلام قُتل مظلوماً مضطهداً نفسه عطشاناً هو وأهل بيته وأصحابه (٤) .
إنّ زيارة الحسين عليهالسلام تعدل عمرة وتعدل حجّة :
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سأل بعض أصحابنا أبا الحسن الرضا عليهالسلام ، عَمن أتى قبر الحسين عليهالسلام ، قال : تعدل عمرة (٥) .
__________________
(١) المستدرك الوسائل ١٠ : ١١٥ .
(٢) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق : ١١٠ .
(٣) بحار الأنوار ١٠١ : ٣ .
(٤) بحار الأنوار ١٠١ : ٢٧ . |
(٥) ثواب الأعمال للصدوق : ١١٢ . |