وعلى ما مرّ من المختار في وفاة النبيّ المختار صلىاللهعليهوآله في الثاني من ربيع الأول ، وأن بداية مرضها كان بعد خمسين ليلة أي في أوائل العشر الأواخر من ربيع الثاني ، ثم اشتداد مرضها كان في أوائل جمادى الأولى مع عودة أسامة من غزو الشام ، وأن الحوادث على دارها كان بعد رجوعه بما لا يقل عن اسبوع إلى العاشر من جمادى الأولى ، وعليه فمن المستبعد جدا الأخذ بأخبار الوفاة بعد خمسة وسبعين يوما أي في أواسط جمادى الأولى أي بعد الحوادث بحدود أسبوع واحد .. بل هنا يحمل ما رواه سليم عن ابن عباس بأنها : بقيت بعد وفاة أبيها أربعين ليلة (١) ، على بقائها مريضة ، كما في صريح أخبار أخرى ، فيكون آخر الأربعين مع آخر جمادى الأولى أو أوائل الثانية.
وأين دفنت؟
لا أجد في الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهمالسلام أي خبر عن قبر فاطمة عليهاالسلام سوى ما رواه المشايخ الثلاثة في ثلاثة من الكتب الأربعة بإسنادهم عن أحمد البزنطي قال : سألت الرضا عليهالسلام عن قبر فاطمة عليهاالسلام فقال : دفنت في بيتها (٢) فالكليني اكتفى بذكره الخبر.
__________________
(١) وقد مرّ أنه الخبر الأول والوحيد في الأربعين ليلة. وتبقى أخبار الخمسة وسبعين يوما يحتمل فيها أن كانت في الأصل : خمسة وتسعين.
(٢) قال : فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد. أصول الكافي ١ : ٤٦١ الحديث ٩ ، ونقل ابن طاوس في الإقبال ٣ : ١٦١ عن كتاب المسائل وأجوبتها من الأئمة عليهمالسلام فيما سئل عنه مولانا الإمام الهادي عليهالسلام عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : إن رأيت أن تخبرني عن بيت (بنيّة) أمك فاطمة أهي في طيبة (أو الروضة ظ) أو في البقيع؟ فكتب : هي مع جدي صلوات الله عليه وآله. فلعله يرجع إلى ما في أعلاه.
ورواه الصدوق في «الفقيه» مرسلا (١) وأسنده في «العيون» (٢) وكرّر الإشارة إليه في «الفقيه» فقال : وهذا هو الصحيح عندي .. وهو من عند الأسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرئيل عليهالسلام إلى مؤخر الحظيرة التي فيها النبيّ صلىاللهعليهوآله (٣).
واعتمادا عليه ردّ ما رواه الأربليّ من كتابه المفقود «مولد فاطمة ووفاتها» من أنهم دفنوها في البقيع فقال : جاء هذا الخبر هكذا ، والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها (٤).
وعليه فما رواه في «الخصال» بسنده عن علي عليهالسلام ، وكذلك الكشيّ في «الرجال» بسنده عن الباقر عنه عليهالسلام في ذكر أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار والحذيفة وابن مسعود وأنهم شهدوا الصلاة على فاطمة عليهاالسلام (٥) إنما يحمله على حضورهم الصلاة عليها في بيتها بلا تشييع.
إلّا أنه لم يعلّل بشيء على ما مرّ من خبره في «علل الشرائع» بسنده عن الصادق عليهالسلام قال : فلما فرغ من جهازها أخرج الجنازة وأشعل النار في جريد النخل فمشى مع الجنازة بالنار حتى صلّى عليها ودفنها (٦) مما ظاهره إخراجها والمشي بها إلى البقيع.
__________________
(١) كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٢٩ ، الحديث ٦٨٥.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٣١١ ، الحديث ٧٦.
(٣) كتاب من لا يحضره الفقيه ٢ : ٥٧٢.
(٤) كشف الغمة ٢ : ١٢٧.
(٥) الخصال ٢ : ٣٦١ ، الحديث ٥٠ ، ورجال الكشي : ٦ ، الحديث ١٣ بدون ابن مسعود ولكنهم حينئذ ستة.
(٦) علل الشرائع ١ : ٢٢٢.
وإذ روى الطوسي في «التهذيب» صحيحة البزنطي عن الرضا عليهالسلام (١) قال : الأصوب أنها مدفونة في دارها (٢).
ولعل الطبري الإماميّ لم يقف على هذا فاكتفى بما روى عن محمد بن همّام مرسلا مضطربا قال : فغسّلها أمير المؤمنين عليهالسلام وأخرجها إلى البقيع .. ودفنها بالروضة .. وأصبح البقيع وفيه أربعون قبرا جددا (٣) كذا مضطربا وفيه في من حضرها قال : وصلّى عليها ومعه الحسن والحسين ، ولم يعلم بها ولا حضر وفاتها ولا صلّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم (٤) كذا منفردا خلافا لسائر الأخبار.
وكأنه هو ما جاء في «عيون المعجزات» للسيد المرتضى قال : روي أن أمير المؤمنين عليهالسلام أخرجها ومعه الحسن والحسين ولم يعلم بها أحدا وصلّوا عليها ودفنها في البقيع وجدّد أربعين قبرا (٥) مستبعدا منه اضطرابه بقوله : ودفنها بالروضة.
وروى الفتال النيشابوري مرسلا في «روضة الواعظين» قال : أخرجها علي ومعه الحسن والحسين عليهمالسلام ونفر من بني هاشم (العباس وولداه) وعقيل والزبير ، وخواصّه سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وبريدة ، وصلّوا عليها ودفنوها ، وسوّى قبرها مع الأرض وسوى حواليها سبعة قبور مزوّرة حتى لا يعرف قبرها (٦).
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٥٥ ، الباب ٢٥ ، حديث ٢٥.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤١٤. وإذا دفنت في البيت فلا مجال لما يروى من وصيتها بنعش ساتر لها ، وانظر بحار الأنوار ٢٨ : ٣٠٤ الهامش.
(٣) دلائل الإمامة : ٤٦.
(٤) المصدر السابق.
(٥) عيون المعجزات كما في بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٢.
(٦) روضة الواعظين ١ : ١٨٣.
وجمع الحلبيّ هذا الشتات فقال : وفي رواياتنا : أنه صلّى عليها أمير المؤمنين والحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة. وفي رواية : والعباس وابنه الفضل. وفي رواية : وحذيفة وابن مسعود.
وروي : أنه سوّى قبرها مستويا مع الأرض. وقالوا : سوّى حواليها سبعة قبور مزوّرة حتى لا يعرف قبرها. وروى أنه : رشّ أربعين قبرا ، حتى لا يتبيّن قبرها (١).
و«كشف الغمة» للإربلي أقدم كتاب احتوى أكبر قدر من «كتاب مولد فاطمة ووفاتها» للصدوق ، ونقل عنه خبرا مرسلا قال : فغسّلوها وكفّنوها وحنّطوها ، وصلّوا عليها ودفنوها بالبقيع. وعلق الصدوق عليه قال : جاء هذا الخبر كذا ، والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها. واستند في ذلك إلى صحيحة البزنطي عن الرضا عليهالسلام ولكنه حيث لم يصرّح بها هنا وكأنه غاب عن الأربلي فعارضه قال : المشهور فيما نقله أرباب التواريخ والسير والناس : أنها دفنت بالبقيع (٢) ثم لم يذكر من أرباب التواريخ والسير أحدا. ولو اطّلع على الصحيحة لصححها ولم يعارضها. ولا مانع من أن يكون دفنها في بيتها ومع ذلك سوّى قبورا مزوّرة فالتبس الأمر.
هذا وقد مرّ الخبر : أنه عليهالسلام لما غسلها ووضعها على السرير قال للحسن : ادع لي أبا ذر ، فدعاه فحملاه إلى المصلّى فصلّى عليها (٣) فالخبر وإن كان فيه بعد هذا : فحملوا السرير إلى البقيع. لكن نزولا عند صحيحة البزنطي عن الرضا عليهالسلام يمكن القول بردّها إلى دارها ، والرجال الذين ذكروا إنما حضروا الصلاة عليها لا التشييع.
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤١٣.
(٢) كشف الغمة ٢ : ١٢٦.
(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٥ ، عن بعض كتب المناقب القديمة! عن ابن عباس.
تأبين أمير المؤمنين للزهراء عليهماالسلام :
روى الكليني في «الكافي» بسنده عن الحسين عليهالسلام قال : إن أمير المؤمنين لما قبضت فاطمة عليهاالسلام دفنها سرّا وعفا على موضع قبرها ، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : السلام عليك يا رسول الله عنّي ، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك. قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلّدي ، إلّا أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت نفسك بين نحري وصدري. بلى وفي كتاب الله أنعم القبول : «إنا لله وإنا إليه راجعون». قد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرّهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله ، أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهّد ، وهمّ لا يبرح قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم. كمد مقيّح (١) وهمّ مهيّج! سرعان ما فرّق بيننا ، وإلى الله أشكو.
وستنبئك ابنتك بتظافر امتك على هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول الله سلام مودّع لا قال ولا سئم. فإن انصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، واه واها ، والصبر أيمن وأجمل. ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية. فبعين الله تدفن ابنتك سرّا ، وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر. وإلى الله
__________________
(١) الكمد : الحزن الشديد ، والقيح : مادّة الجرح بلا دم.
ـ يا رسول الله ـ المشتكى ، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء ، صلى الله عليك ، وعليهاالسلام والرضوان (١).
عواقب دفن الليل (٢) :
جاء في خبر الصدوق في «علل الشرائع» عن الصادق عليهالسلام ما يدل على أن صيحة الحسن عليهالسلام بأبي بكر : انزل عن منبر أبي كانت قبل وفاة فاطمة عليهاالسلام ، إذ قال :
__________________
(١) أصول الكافي ١ : ٤٥٨ ، الحديث ٣ باب مولد الزهراء عليهاالسلام ، بسنده إلى علي بن محمد الهرمزاني عن أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ، بينما يرويه الطوسي في أماليه : ١٠٩ الحديث ١٦٦ عن المفيد (في أماليه : ٢٨١ المجلس ٣٣ ، الحديث ٧) عن الصدوق ، ولم نجده في كتبه ولعله من كتابه المفقود : كتاب مولد فاطمة ووفاتها .. عن أبيه ، ويتحد السند مع الكليني في الكافي ، إلى علي بن محمد الهرمزاني ولكن عن علي بن الحسين عن أبيه. فيبدو سقوطه من الكافي مع تلخيص فيه لمقدمة الخبر ، ففي الأماليين : «لما مرضت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله وصّت إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام : أن يكتم أمرها ويخفى خبرها ولا يؤذن أحدا بمرضها. فكان يمرّضها بنفسه وتعينه أسماء بنت عميس على استسرار بذلك» زيادة على ما في الكافي ، وبزيادة : «فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خدّيه ، وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله فقال» بهذا اللفظ الأخير في نهج البلاغة الخطبة ٢٢٠ فهو عن طريق الصدوق. والزيادة الأولى غريبة ومنفردة ومخالفة للمعروف المشهور من عيادة النساء لها وخطبتها فيهن ، وبذلك يرجّح نقل الكليني.
(٢) أقدم خبر عن عواقب دفن الليل ما رواه سليم بن قيس ٢ : ٨٧٠ عن ابن عباس قال : قبضت فاطمة عليهاالسلام من يومها .. فأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان عليا ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله.
فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليهاالسلام فقال المقداد : قد دفنّا فاطمة البارحة!
فلما أصبح أبو بكر وعمر عاودا عائدين (زائرين) لفاطمة (١) فلقيا رجلا من قريش فقالا له : من أين أقبلت؟ قال : عزّيت عليا بفاطمة! قالا : وقد ماتت؟ قال : نعم ، ودفنت في جوف الليل! فجزعا جزعا شديدا.
ثم أقبلا إلى علي عليهالسلام فلقياه فقالا له : والله ما تركت شيئا من غوائلنا ومساءتنا ، وما هذا إلّا من شيء في صدرك علينا ، هل هذا إلّا كما غسلت رسول الله دوننا ولم تدخلنا معك (٢)! وكما علّمت ابنك أن يصيح بأبي بكر : انزل عن منبر أبي (٣).
__________________
فالتفت عمر إلى أبي بكر وقال : ألم أقل لك إنهم سيفعلون!
فقال العباس : إنها (هي) أوصت أن لا تصليا عليها!
فقال عمر : يا بني هاشم ، لا تتركون حسدكم القديم لنا أبدا ، وإن الضغائن التي في صدوركم لن تذهب! والله لقد هممت أن أنبشها فاصلي عليها.
فقال علي عليهالسلام : والله لو رمت ذلك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك! والله لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك! فرم ذلك!
فانكسر عمر وسكت وعلم أن عليا إذا حلف صدق!
ولكنه لا ينسجم مع ما مرّ ويأتي مما دلّ على وفاتها عليهاالسلام ليلا بلا خبر من الناس.
(١) وهذا مما يؤيد أخبار وفاتها ليلا لا عصرا كما في مرسلة روضة الواعظين ١ : ١٨٣ : أخّر إخراجها.
(٢) ونحوه ما نقله المجلسي عن مصباح الأنوار عن الصادق عليهالسلام قال : لما صلّى أبو بكر الفجر التفت إلى الناس فقال : احضروا بنت رسول الله فقد توفيت في هذه الليلة (بلا ذكر لمصدر خبره) فذهب ليحضرها فاستقبل عليا عليهالسلام راجعا وقد خرج بها ودفنها ، فقال له : هذا مثل استيثارك علينا بغسل رسول الله وحدك!
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : هي والله أوصتني أن لا تصليا عليها ، بحار الأنوار ٨١ : ٢٥٦.
(٣) ومن هنا يظهر أن الكلام كان من عمر ، وخبر صيحة الحسن عليهالسلام رواه البلاذري في أنساب الأشراف ٣ : ٢٦ ، الحديث ٤١ بسنده عن عروة بن الزبير رفعه قال :
فقال لهما علي عليهالسلام : أتصدّقاني إن حلفت لكما؟ قالا : نعم. فحلف وادخلهما المسجد وقال لهما : أما الحسن ابني فقد تعلمان ويعلم أهل المدينة : أن الحسن كان يتخطّى الصفوف .. يسعى إلى النبيّ .. والنبيّ يخطب فيركبه على رقبته ويدلى رجليه على صدره حتى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد ، فلا يزال على رقبته حتى يفرغ النبيّ من خطبته والحسن على رقبته ، فلما رأى الصبيّ على منبر أبيه غيره شقّ عليه ذلك ، والله ما أمرته بذلك ولا فعله عن أمري.
وأما فاطمة ، فهي التي استأذنت لكما عليها وقد رأيتما ما كان من كلامها لكما ، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها! وما كنت الذي اخالف أمرها ووصيّتها إليّ فيكما!
فقال عمر : دع عنك هذه الهمهمة! أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها!
__________________
خطب أبو بكر يوما فجاء الحسن فقال : انزل عن منبر أبي ...
ونقله الحلبي في مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٥ ، عن فضائل السمعاني عن أسامة بن زيد قال : جاء الحسن بن علي عليهالسلام إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : انزل عن مجلس أبي : قال : صدقت ، إنه مجلس أبيك .. وكذلك عن أبي السعادات وتاريخ الخطيب ـ ، ثم نقل عن الخطيب مثله عن الحسين عليهالسلام لعمر. وذلك في تاريخ بغداد ١ : ١٤١. وروى خبر الحسن عليهالسلام ابن حجر في الصواعق المحرقة : ١٠٧ ، عن الدار قطني البغدادي ، وعن ابن حجر في فضائل الخمسة ٣ : ٢٦٩. وتصحّف الحسن في الخبر الأول في المناقب المنشور إلى الحسين ، ولكن عنه في بحار الأنوار ٢٨ : ٢٣٢ : الحسن ، صحيحا. أما في أخبار أهل البيت عليهمالسلام فالإشارة الوحيدة إنما هي ما جاء أعلاه عن الصادق عليهالسلام على أبي بكر فحسب ، فهل تكرر ذلك؟ أليس بعيدا.
فقال له علي عليهالسلام : والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئا .. فإني لا أعاملك إلّا بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك ، وعلمت أنك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك! وتلاحيا واستبّا!
فاجتمع المهاجرون والأنصار وقالوا : والله ما نرضى بهذا أن يقال في ابن عمّ رسول الله وأخيه ووصيّه! وكادت أن تقع فتنة! فتفرّقا (١).
إلّا أن السيد المرتضى في «عيون المعجزات» روى مرسلا : أن الناس لما أصبحوا لام بعضهم بعضا قالوا : إنّ نبيّنا خلّف بنتا (واحدة) ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ، ولا نعرف قبرها فنزورها؟!
فقال من تولّى الأمر : هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور (السبعة في البقيع) حتى نجد فاطمة فنصلّي عليها ونزور قبرها!
فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه وقد تقلّد سيفه ذا الفقار ، حتى بلغ البقيع وقد اجتمعوا فيه ، فقال عليهالسلام : لو نبشتم قبرا من هذه القبور لوضعت السيف فيكم! فتولّى القوم (٢).
وكأنه اختصر خبر الطبري الإمامي في «دلائل الإمامة» عن محمد بن همّام قال :
إن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا : لم يخلّف نبيّكم فيكم إلّا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفون قبرها.
__________________
(١) علل الشرائع ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ بتصرّف يسير.
(٢) عيون المعجزات ، كما في بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٢.
فقال ولاة الأمر منهم : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلّي عليها ونزور قبرها!
فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فخرج مغضبا قد احمرّت عيناه ودرّت أوداجه ، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة ، وهو يتوكّأ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع.
فتلقّاه عمر ومن معه من أصحابه وقال له : ما لك يا أبا الحسن؟! والله لننبشنّ قبرها ولنصلينّ عليها!
فضرب علي عليهالسلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزّه ثم ضرب به الأرض وقال له :
يا ابن السوداء! أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم (١) ، وأما قبر فاطمة ، فو الذي نفس عليّ بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقينّ الأرض من دمائكم ، فإن شئت فأعرض يا عمر!
فتلقّاه أبو بكر وقال له : يا أبا الحسن ؛ بحقّ من فوق العرش (!) وبحقّ رسول الله إلّا خلّيت عنه ، فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه!
فخلّى عنه ، وتفرّق الناس (٢).
مؤامرة قتله عليهالسلام :
روى سليم عن ابن عباس أنه حكى نحو ما مرّ ثم قال : ثم إنهم تذاكروا فقالوا : لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيّا! فقال أبو بكر : ومن لنا بقتله؟!
__________________
(١) فهذا أيضا مما يؤيد أن تركه حقه كان مخافة ارتداد العرب قبل وفاة فاطمة عليهاالسلام بخلاف ما جاء في خبر الزهري : أنه بايع بعد وفاتها.
(٢) دلائل الإمامة : ٤٦.
فقال عمر : خالد بن الوليد. فأرسلا إليه وقالا له : يا خالد ، ما رأيك في أمر نحملك عليه؟ قال : احملاني على ما شئتما ، فو الله إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت! فقالا : والله ما نريد غيره! قال : فإنّي له! فقال أبو بكر : إذا قمنا في الصلاة صلاة الفجر فقم إلى جانبه ومعك السيف ، فإذا سلّمت فاضرب عنقه! قال : نعم. فافترقوا على ذلك.
ثم إنّ أبا بكر لم ينم ليلته تلك ، فكّر فيما أمر به من قتل علي عليهالسلام فعرف أنه إن فعل ذلك وقعت حرب شديدة وبلاء طويل فندم على ما أمر به ، وأصبح وأقيمت الصلاة وأتى المسجد وتقدم فصلّى حتى فرغ من تشهده فصاح قبل أن يسلّم : يا خالد لا تفعل ما أمرتك فإن فعلت قتلتك! ثم سلّم.
وكان خالد قد قام إلى جانب علي عليهالسلام وفطن علي ببعض ذلك ، فوثب إليه وأخذ بتلابيبه وانتزع سيفه وصرعه وجلس على صدره ، واجتمع إليه الناس ليخلّصوه منه فما قدروا عليه ، فحلّفوه بقبر رسول الله فتركه وقام ، فقام خالد وانطلق إلى منزله (١).
__________________
(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٨٧١ ، ٨٧٢ ، الحديث ٤٨ وفي ٦٧٩ ، الحديث ١٤ ، عن علي عليهالسلام ولكنه ليس لما بعد وفاة فاطمة عليهاالسلام بل بعد احتجاجها لميراثها ، وشطر منه في الغيبة للنعماني : ٥٣ ، ومثله في الاستغاثة : ١٩ ـ ٢١. ونقله ابن شاذان في الإيضاح : ١٥٥ ـ ١٥٩ عن جماعة من العامة. ورواه القمي في تفسيره ٢٥ : ١٥٨ ، ١٥٩ بسنده عن الصادق عليهالسلام أكثر تفصيلا. وفي رجال الكشي : ٣٩٥ ، الحديث ٧٤١ عن سفيان الثوري. والطبري الإمامي في المسترشد : ٤٥١ عن ابن عباس وفي : ٤٥٥ عن الباقر عليهالسلام.
والطبرسي في الاحتجاج ١ : ١١٨ مرسلا مرفوعا مجموعا من خبري سليم والاستغاثة. وأورده وردّه القاضي المعتزلي في المغني ، وعنه المعتزلي في شرح النهج ١٧ : ٢٢٢ وقال : انفردت به الإمامية ، وفي ١٣ : ٣٠١ قال : قوم من العلوية.
زواجه عليهالسلام بأمامة :
مرّ في أخبار وصاياها عليهاالسلام وصيتها له بأن يتزوج بعدها بابنة أختها أمامة بنت زينب ، وهي ابنة أبي العاص بن الربيع ؛ لأنها تكون أرأف بأولادها.
وكانت زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله قد توفيت سنة سبع للهجرة (١) وتوفى بعدها زوجها أبو العاص ، وله منها عليّ وأمامة ، وكان قد أوصى بأمرها إلى الزبير بن العوّام (٢) ، فزوّجها الزبير لعلي عليهالسلام بعد تسع ليال (٣) وإنما كان أوصى بأمرها إلى الزبير لأنه من أسد قريش ، وأم أبي العاص هالة بنت خويلد الأسدي أخت خديجة منهم.
ورزق علي عليهالسلام منها محمدا الأوسط فقط (٤).
__________________
ونقل عن الصدوق في علل الشرائع ، ولم أجده فيه.
(١) إعلام الورى ١ : ٢٧٦ ، أو ثمان كما في تاريخ ابن الخياط : ٤٤ ومروج الذهب ٢ : ٢٩.
(٢) كما في ترجمته في الاستيعاب ، وهو اولى مما في تاريخ ابن الخياط : ٢٢ ، أنه توفى في سنة اثنتي عشرة ، حيث لا نرى له أي أثر يذكر في حوادث وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٥١ ، عن قوت القلوب للمكّي.
(٤) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣٥٠.
تنبؤ سجاح اليربوعية
مرّ عن الطبري عن سيف : أن خالد بن الوليد أقام على البزاخة شهرا في طلب المتمردين (١) أي إلى آخر جمادى الثانية بعد وفاة الزهراء عليهاالسلام.
وكان الحارث بن سويد اليربوعي التميمي مع فصيل من بني يربوع من تميم يعيش مع بني تغلب في أرض الجزيرة (٢) في شمال العراق ، وتزوّج فيهم وتنصّر ، وولدت له ابنته سجاح ، وكانت قد تعلّمت من نصارى أخوالها بني تغلب وترسّخت في النصرانية (٣) وكانت متكهّنة تزعم أنّ سبيلها سبيل سطيح وابن سلمة والمأمون الحارثي وعمرو بن لحيّ وغيرهم من الكهّان (٤) ولكنّها بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) الطبري ٣ : ٢٦٣.
(٢) الطبري ٣ : ٢٦٩.
(٣) الطبري ٣ : ٢٧٢.
(٤) مروج الذهب ٢ : ٣٠٣.
وهي بالجزيرة في بني تغلب تنبّأت ، فاستجاب لها الهذيل بن عمران في بني تغلب ، وعقّة بن هلال في بني النّمر ، وزياد بن وتاد الإيادي في بني اياد ، والسليل بن قيس في بني شيبان ، وتركوا النصرانية ، وكلهم من بني ربيعة ، وأقبلت بهم من الجزيرة إلى بلاد قومها من بني تميم ، لتغزو بهم أبا بكر.
فلما انتهت إلى الحزن راسلت مالك بن نويرة اليربوعي فدعته إلى الموادعة وقالت : إنما أنا امرأة من بني يربوع وإن كان ملك فالملك ملككم ، فأجابها إلى الموادعة مالك بن نويرة عن بني يربوع من حنظلة ، ووكيع بن مالك عن بني مالك من حنظلة ، وسماعة (١) ليردّوها عن غزوهم في تلك الأصقاع النائية عن مركز المسلمين (٢).
قال سيف : وتوفي رسول الله صلىاللهعليهوآله والزّبرقان بن بدر على الرّباب وعوف والأبناء ، وسهم بن منجاب على مقاعس ، وقيس بن عاصم على البطون ، وصفوان بن صفوان على بهدى ، وسبرة بن عمرو على خضّم كلها من قبائل بني تميم ، وهؤلاء قاوموا سجاح إلّا الزبرقان فإنه تبعها بدون قومه الرّباب.
وتشاور أصحابها معها بمن يبدؤوا فقالت : أعدّوا الرّكاب ، واستعدّوا للنهاب ثم أغيروا على الرّباب فليس دونهم حجاب! وقصدت لتنزل بالأحفار وسدّت عليهم منافذ الدّهناء.
والرّباب بنو عبد مناة وبنو ضبّة ، وهم بنو بكر وبنو ثعلبة ، فتولّى الهذيل من أصحاب سجاح عبد مناة ، وتولّى عقّة بني ثعلبة ، وتولّى بني بكر بشر ووكيع ، والتقوا وقتلت قتلى كثيرة وهزم بشر وأسر وكيع.
__________________
(١) الطبري ٣ : ٢٦٨ ـ ٢٧٠ عن سيف التميمي.
(٢) وانظر السقيفة للمرحوم المظفّر : ٢١ فما بعد.
ثم توادعت سجاح بني ضبّة فودت قتلاهم ففكوا الأسرى ومنهم وكيع ، فوادع هو ومالك بن نويرة بني ضبّة على أن ينصروهم خلافا لسجاح!
وخرجت هي عنهم في جنود الجزيرة تريد المدينة حتى بلغت النّباج ، فأغار عليهم أوس بن خزيمة في بعض بني عمرو فأسروا الهذيل وعقّة ، ثم تحاجزوا على ردّ أسراهم فينصرفوا عنهم ولا يجتازوا عليهم.
واجتمع رؤساء أهل الجزيرة بسجاح للمشورة فقالوا لها : قد عاهدنا هؤلاء القوم ، وقد صالح وكيع ومالك بن نويرة قومهما فلا يزيدون على أن نجوز في أرضهم ولا ينصروننا فما تأمريننا؟ فقالت : بني حنيفة في اليمامة!
فقالوا : إن شوكة أهل اليمامة شديدة ، وقد غلظ أمر مسيلمة!
فقالت : دفّوا دفيف الحمامة إلى اليمامة ، فإنها غزوة صرّامة ، ولا يلحقكم بعدها ملامة!
فاتّجهت إلى بني حنيفة في اليمامة ، ونزل جنودها على المياه حولها (١).
لقاء سجاح بمسيلمة :
وبلغ ذلك مسيلمة فهابها فأرسل إليها رسولا بهدية وهو يستأمنها ليأتيها ، فآمنته وأذنت له. فجاءها في أربعين من بني حنيفة ، وقال لها : لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت ، وقد ردّ الله عليك النصف الذي ردّت ، فحباك به وقد كان لها لو قبلت. فقالت : لا يردّ النصف إلّا من حنف ، أي مال. فقال مسيلمة : سمع الله لمن سمع ، وأطمعه بالخير إذ طمع ، ولا زال أمره في كل ما سرّ نفسه يجتمع (٢)!
__________________
(١) الطبري ٣ : ٢٦٧ ـ ٢٧١ ، عن سيف التميمي.
(٢) الطبري ٣ : ٢٧٢ ، عن سيف التميمي.
وكأنها أرادت أن تردّ عليه زيارته فقال لأصحابه : اضربوا لها قبّة وجمّروها لها. ففعلوا ، فلما دخلت القبة نزل إليها وسألها عما أوحى إليها فقالت : هل النساء يبتدئن؟! ولكن أنت قل ما أوحى إليك؟ قال : ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى؟! أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق (١) وحشى. قالت : وما ذا أيضا قال : إن الله خلق النساء أفراجا ، وجعل الرجال لهنّ أزاوجا .. فينتجن سخالا إنتاجا.
فقالت : أشهد أنك نبيّ! قال : فهل لك أن أتزوّجك فنأكل بقومي وقومك العرب؟! قالت : نعم. فقال : بذاك أوحي إليّ (٢) ثم واقعها ، فلما قام عنها قالت : اخطبني إلى قومي يزوّجوك فأسلم لك النبوة وأقود تميما معك. فخرج وخرجت معه فاجتمع الحيّان من حنيفة وتميم ، فقالت لهم سجاح : إنه قرأ عليّ ما أنزل عليه فوجدته حقا فاتّبعته. ثم خطبها ، فزوّجوه إياها وسألوه المهر فقال : قد وضعت عنكم صلاة العصر (٣).
وقال لها : من مؤذّنك؟ قالت : شبث بن ربعي الرياحي اليربوعي ، قال : عليّ به. فجاء فقال له : ناد في أصحابك : إنّ مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد ، صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر (٤).
وصالحها على النصف من غلّات اليمامة ، ورجع فحمل إليها النصف ، فاحتملته وانصرفت به إلى الجزيرة ، وخلّفت الهذيل وعقّة وزيادا ليتنجّز لها النصف
__________________
(١) الصفاق : الغشاء الرقيق تحت الجلد.
(٢) الطبري ٣ : ٢٧٣ ، عن غير سيف.
(٣) الأغاني ١٨ : ١٦٥ ـ ١٦٦ ، طبعة ساسي ، و٢١ : ٢٦ طبعة بيروت.
(٤) الطبري ٣ : ٢٧٤ ، عن الكلبي ، كذا ، وقد قالوا : إنها تنبّأت بعد النصرانية ، فما علاقة قومها بصلوات محمد صلىاللهعليهوآله؟ بل ما علاقة أن يكون لها مؤذن يؤذّن لها. نعم يكشف ذلك عن وجود صلوات لها في تلك الأوقات بلا تفصيل في المصادر.
الباقي ، وبعد رجوع سجاح إلى أرض الجزيرة تعقّب خالد بن الوليد آثارها هناك وسمع به سماعة ووكيع بن مالك فرجعا عمّا كانا عليه مع سجاح وعادا إلى ما كانا عليه من جباية الزكوات فأخرجاها حتى استقبلا بها خالدا ، فقال لهما خالد : ما حملكما على موادعة هؤلاء القوم؟ قالا : كانت أيام تشاغل وفرص وكان لنا ثأر نطلبه في بني ضبّة (١) فقبل خالد عذرهما وتوبتهما وصدقاتهما.
وأما مالك بن نويرة :
فقد نقل المرتضى في «الشافي» : أنه كان على صدقات قومه بني يربوع واليا من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما بلغته وفاة النبيّ قال لهم : تربّصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبيّ وننظر ما يكون من أمره (٢) وقال شعرا في ذلك منه :
وقال رجال : سدّد اليوم مالك |
|
وقال رجال : مالك لم يسدّد |
فقلت : دعوني لا أبا لأبيكم |
|
فلم أخط رأيا ، في المعاد ولا البدي |
وقلت : خذوا أموالكم غير خائف |
|
ولا ناظر في ما يجيء به غدي |
فدونكموها ، إنما هي مالكم |
|
مصدّرة أخلافها لم تجدّد |
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه |
|
وأرهنكم يوما بما قلته يدي |
فإن قام بالأمر المجدّة قائم |
|
أطعنا وقلنا : الدين دين محمد (٣) |
__________________
(١) الطبري ٣ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، عن سيف التميمي.
(٢) وانظر كتاب الردة للواقدي : ١٠٤ ، وفتوح البلدان للبلاذري : ١٠٥ ، والفتوح لابن الأعثم ١ : ١٩.
(٣) أرسلها السيد المرتضى إرسال المسلّمات ، ونقلها عنه المعتزلي في شرح نهج البلاغة ١٧. ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، وإنما قال فيها : فأما الشعر الذي رواه المرتضى لمالك بن نويرة فهو معروف ، إلّا البيت الأخير ـ وعليه عمدة المرتضى في المقام ـ وهو غير معروف (١٧ : ٢١٣)
قال المرتضى : فصحّ أنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه (١).
وروى الطبري عن سيف التميمي أنه قال لقومه : يا بني يربوع ؛ إنا كنا قد عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين وبطّأنا الناس عنه ، فلم نفلح ولم ننجح ، وإني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتّى لهم بغير سياسة ، وإذا الأمر لا يسوسه الناس! فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم ، فتفرقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الأمر.
فتفرّقوا على ذلك إلى أموالهم ، وخرج مالك حتى رجع إلى منزله (٢) فلم يجمع صدقات قومه ولم يستقبل بها خالدا كما فعل صاحباه قبله ، فلم يقبل ذلك منه خالد.
فبعد أن أقام خالد في طلب المتمرّدين شهرا في البزاخة (٣) قال : والله لا أنتهي حتى أناطح مسيلمة (وفي طريقه ابن نويرة).
فقال ثابت بن قيس الأنصاري أمير الأنصار : ما نحن بسائرين معك ، فهذا رأي لم يأمرك به أبو بكر ، فارجع إلى المدينة. فقال خالد : لا والله حتى أناطحه. فسار خالد ، وسارت الأنصار ليلة ثم قالوا فيما بينهم : والله لئن نصر أصحابنا
__________________
ونقل المرتضى موافق لما في كتاب الردة للواقدي بتحقيق الجبوري ، الطبعة الأولى ، بيروت ، بينما نقلت في طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي كذا :
فإن قام بالأمر المخوّف قائم |
|
منعنا وقلنا : الدين دين محمد |
وفسّر المحقق الدين بالحكومة! بتحقيق محمود محمد شاكر ، طبعة المدني بالقاهرة ، ولا أراه إلّا تحريفا.
(١) تلخيص الشافي ٣ : ١٩١ ـ ١٩٢.
(٢) الطبري ٣ : ٢٧٧ ، عن سيف التميمي.
(٣) الطبري ٣ : ٢٦٣ ، عن سيف التميمي.
لقد خسسنا ، ولئن هزموا لقد خذلناهم! فبعثوا إلى خالد : أن أقم حتى نلحقك. فأقام حتى لحقوا به ، ثم سار إلى البطاح من أرض بني تميم (١).
فروى ابن الخياط عن المدائني عن ابن إسحاق عن أبي قتادة الأنصاري قال :
كنت مع خالد حين فرغ من قتال طليحة وغطفان وهوازن وسليم ثم سار إلى بلاد بني تميم ، فقدّمنا خالد أمامه.
فانتهينا إلى أهل بيت منهم حين طفلت الشمس للغروب ، فلما غشينا القوم أخذوا السلاح فقلنا : إنا مسلمون ، فقالوا : ونحن مسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معكم؟ قالوا : فما بال السلاح معكم؟ قلنا : فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح. فوضعوا السلاح ، ثم صلّينا فصلوا (٢) إلّا أن مؤذّنهم أبا الجلال كان غائبا عنهم فلم يؤذّن ، ولم يؤذّن منهم أحد فلم يسمعوا منهم أذانا فجاؤوا بهم أسرى منهم مالك بن نويرة وبشر بن أبي سود الغدّاني ومرداس بن أديّة وهو ابن عشر سنين ، فأفلت منهم (٣) ومع مالك أهله وبنو عمومته : جعفر وعاصم وعبيد وعرين (٤) وكانوا اثني عشر شخصا (٥).
فلما أصبحوا أمر خالد بضرب أعناقهم! فقال القوم : إنا مسلمون فعلى ما ذا تأمر بقتلنا؟!
__________________
(١) تاريخ خليفة بن خياط : ٥٢ ، ونحوه في الطبري ٣ : ٢٧٦ ، عن سيف التميمي.
(٢) تاريخ ابن الخياط : ٥٢ ـ ٥٣ ، وكذلك روى خبر أبي قتادة الطبري ٣ : ٢٨٠ ، عن ابن إسحاق عن ابن أبي بكر.
(٣) تاريخ ابن خياط : ٥٣ ، عن ابن إسحاق وغيره.
(٤) الطبري ٣ : ٢٧٨ ، عن سيف التميمي.
(٥) تاريخ الإسلام للذهبي ٣ : ٣٢.
فقال خالد : والله لأقتلنّكم! فقال شيخ منهم : أليس قد نهاكم أبو بكر أن تقتلوا من صلّى للقبلة؟! قال خالد : بلى ، ولكنكم لم تصلّوا (١).
فوثب أبو قتادة إلى خالد وقال له : أشهد أنك لا سبيل لك عليهم! قال خالد : وكيف ذلك؟
قال : لأني كنت في السريّة التي وافتهم ، فلما نظروا إلينا قالوا : من أين أنتم؟ قلنا : نحن المسلمون ، فقالوا : ونحن المسلمون ، ثم أذّنا وصلّينا فصلّوا معنا (٢).
فقال خالد : صدقت يا أبا قتادة إن كانوا قد صلّوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ، فلا بدّ من قتلهم! فقدّمهم وضرب أعناقهم ولم يلتفت إلى كلام شيخ منهم (٣).
وقال أحدهم شعرا :
حرمت عليه دماؤنا بصلاتنا |
|
والله يعلم أننا لم نكفر (٤) |
فأتاه مالك بن نويرة يناظره واتبعته امرأته ، ورآها خالد فأعجبته (٥).
فقال له مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلّي إلى القبلة؟!
قال خالد : لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها ، والله لا قلت ما في مثابتك حتى أقتلك (٦)!
__________________
(١) كتاب الردة للواقدي : ١٠٦ ، والفتوح لابن الأعثم ١ : ١٩.
(٢) كتاب الردة للواقدي : ١٠٦ ، وتاريخ ابن الخياط : ٥٣ ، عن ابن إسحاق عن ابن أبي بكر ، وفتوح البلدان للبلاذري : ١٠٣ ، والفتوح لابن الأعثم ١ : ٢١ ، والطبري ٣ : ٢٧٨.
(٣) كتاب الردة للواقدي : ١٠٦ ، والفتوح لابن الأعثم ١ : ٢٠.
(٤) كتاب الردة للواقدي : ١٠٧.
(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣١.
(٦) كتاب الردة للواقدي : ١٠٧ ، والفتوح الكبرى لابن الأعثم ١ : ٢٠٥.